تذكرة الفقهاء - ج ١٦

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٦

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: ٤١٨

علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي (١) ـ لأنّ الحمل الذي يستحقّ به العوض حصل من الدابّة ، فالأُجرة لصاحبها ، وعليه للعامل أُجرة المثل ؛ لأنّ هذا ليس من أقسام الشركة ، والمضاربة بالأعواض غير صحيحةٍ.

فعلى هذا إن كان الأجر المدفوع للدابّة بعينها ، فالأُجرة لمالكها.

وأمّا إن كان قد تقبّل حمل شي‌ءٍ ، فحمله عليها ، أو حمل عليها شيئاً مباحاً فباعه ، فالأُجرة له والثمن له ، وعليه أُجرة المثل للدابّة في الموضعين.

ونُقل عن الأوزاعي صحّة ذلك ، وبه قال أحمد ـ وكرهه الحسن والشعبي (٢) (٣) ـ لأنّها عين تنمي بالعمل عليها ، فصحّ العقد عليها ، كالشجرة في المساقاة والأرض في المزارعة والدراهم والدنانير ، وهذه المعاملة وإن لم تكن شركةً ولا مضاربةً إلاّ أنّها تشبه المساقاة والمزارعة ؛ لأنّه دفع العين إلى مَنْ يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها (٤).

وهو غلط ؛ لأنّ المساقاة والمزارعة خرجا عن الأصل بالنصّ ، فلا يقاس عليهما غيرهما إلاّ بدليلٍ.

مسألة ١٦٢ : ولو استأجر دابّةً ليحمل عليها بنصف ما يرزقه الله تعالى ، لم يصح عند علمائنا وعند أكثر العامّة (٥).

__________________

(١) المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٠٣ / ١٢٥ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ٢١٩ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦٢٥.

(٢) في المصادر : « النخعي » بدل « الشعبي ».

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٠٣ / ١٢٥ ، المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١.

(٤) المغني ٥ : ١١٦ و ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١ و ١٩٢.

(٥) المغني ٥ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٢.

٣٤١

وقال أحمد في روايةٍ : إنّه يصحّ (١).

وهو غلط ؛ لأنّ من شرط الإجارة وصحّتها العلمَ بالعوض وتقدير المدّة أو العمل ، ولو يوجد ، ولأنّه عقد غير منصوصٍ عليه ولا هو في معنى المنصوص ، فيكون كغيره من العقود الفاسدة.

ولو أعطى شخص فرسَه على النصف من الغنيمة ، قال أحمد : أرجو أن لا يكون به بأس. وبه قال الأوزاعي (٢).

والحقّ : إنّ السهم من الغنيمة له أو الأُجرة.

وكذا لو دفع عبده إلى غيره ليكتسب عليه ويكون له ثلث ذلك أو ربعه ، فإنّه لا يصحّ عندنا ، خلافاً له (٣).

وكذا لا يصحّ لو دفع إلى رجلٍ ثوباً ليفصله ويخيطه قميصاً ويبيعه وله نصف الربح ، وكذا لو دفع غزلاً إلى حائكٍ لينسجه بثلث ثمنه أو ربعه ، فإنّ ذلك كلّه عندنا باطل ، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعى (٤).

وقال أحمد : يصحّ ذلك كلّه (٥).

وهو خطأ ؛ لأنّه عوضٌ مجهول عن عملٍ مجهول.

ولو دفع إليه الثوب لينسجه وجعل له [ مع ] (٦) ذلك (٧) دراهم معلومة ، قال أحمد : لا يجوز. [ وعنه الجواز ] (٨) (٩).

__________________

(١) المغني ٥ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٢.

(٢ ـ ٥) المغني ٥ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٣.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ربع ». والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٧) أي : ثلث الثمن أو ربعه.

(٨) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٩) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٥٠ ، المغني ٥ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٣.

٣٤٢

ولو أعطاه الثوب بالثلث ودرهم أو درهمين ، فروايتان (١).

وجوّز ذلك ابن سيرين والنخعي والزهري وأيّوب (٢).

وقال ابن المنذر : كره هذا كلَّه الحسنُ (٣).

وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : هذا كلّه فاسد (٤) ـ كما قلناه ـ واختاره ابن المنذر (٥).

ولو دفع شبكةً إلى الصيّاد ليصطاد بها على النصف أو غيره من الأجزاء المعلومة ، لم يصح ، وعليه أُجرة الشبكة ، والحاصل للصيّاد.

قال أصحاب أحمد : وقياس مذهب أحمد صحّة الشركة ، فيكون الحاصل بينهما على ما شرطاه ؛ لأنّها عين تنمي بالعمل فيها ، فجاز دفعها ببعض نمائها ، كالأرض (٦).

مسألة ١٦٣ : لو كان لواحدٍ دابّة ولآخَر راوية فتشاركا مع ثالثٍ ليستقي الماء ويكون الحاصل بينهم ، فلا شركة هنا عندنا‌ ؛ لأنّها منافع أبدانٍ متميّزة ، وشركة الأبدان باطلة ، ولا يصحّ أن يكون مضاربةً ؛ لأنّ رأس مالها العروض والعمل ، ولأنّ من شرطها عود رأس المال سليماً على معنى أنّه لا يستحقّ شيئاً من الربح حتى يستوفي رأس المال بكماله ، والراوية هنا تخلق‌

__________________

(١) راجع المغني ٥ : ١١٨ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٨ ـ ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٢ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٤) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٥) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩.

(٦) المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

٣٤٣

وتنقص ، وليس ذلك أيضاً إجارةً ؛ لافتقار الإجارة إلى مدّةٍ معيّنة وأُجرةٍ معلومة ، فتكون فاسدةً.

إذا تقرّر هذا ، فلو آجروا عليه واستقى الثالث ، فنقول : إن كان الماء مملوكاً للسقّاء ، فالثمن له ، وعليه أُجرة المثل للدابّة والراوية.

وإن كان مباحاً ، فإن أخذه بنيّة أنّه له فكالأوّل.

وإن أخذه بنيّة الشركة ، فإن قلنا : إنّه لا تجوز النيابة في تملّك المباحات ، فكالأوّل أيضاً ؛ لأنّ السقّاء يكون قد مَلَكه بمجرّد الحيازة والأخذ ، وإن قلنا : إنّه تجوز النيابة في مثل ذلك ، فالماء بينهم.

وكيف يُقسّم؟ يحتمل أن يُقسّم على نسبة أُجور أمثالهم ؛ لأنّه حصل بالمنافع المختلفة ، وأن يُقسّم بينهم بالسويّة اتّباعاً لقصده ، فحينئذٍ يكون للسقّاء أن يطالب كلّ واحدٍ من صاحبيه بثلث أُجرة منفعته ؛ لأنّ منفعته لم ينصرف إليه منها سوى الثلث.

وكذا يرجع كلّ واحدٍ من صاحب الدابّة والراوية على كلّ واحدٍ من الآخَر والسقّاء بثلث أُجرة منفعة ملكه.

وعلى الوجه الأوّل لا تراجع بينهم في الأُجرة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم قد أخذ حقّه ـ وهو أُجرة مثل عمله ـ لا أزيد.

مسألة ١٦٤ : لو استأجر رجلٌ الدابّةَ من صاحبها والراويةَ من صاحبها والسقّاءَ لحمل الماء وهو مباح ، فإن أفرد كلّ واحدٍ منهم بعقدٍ صحّ‌ ، والماء للمستأجر ، وعليه لكلّ واحدٍ من الثلاثة ما عيّنه من الأُجرة.

وإن جمع بين الجميع في عقدٍ واحد ، صحّ عندنا ، وحينئذٍ تُوزَّع الأُجرة المسمّاة على أُجور الأمثال ، وهو أحد قولَي الشافعي.

والثاني : بطلان الإجارة ، فلكلّ واحدٍ من الثلاثة أُجرة المثل عليه ،

٣٤٤

والماء للمستأجر ، سواء قلنا : إنّ الإجارة صحيحة ، أو لا.

أمّا على تقدير الصحّة : فظاهر.

وأمّا على تقدير الفساد : فلأنّ منافعهم مضمونة عليه بأُجرة المثل (١).

فإن نوى السقّاء نفسه وقلنا بفساد الإجارة ، قال بعض الشافعيّة : يكون للمستأجر أيضاً (٢).

وتوقّف الجويني فيه ؛ لأنّ منفعته غير مستحقّةٍ للمستأجر ، فليكن الحاصل له (٣).

وموضع القولين للشافعي : ما إذا وردت الإجارة على عين السقّاء والدابّة والراوية ، فأمّا إذا ألزم ذمّتهم نقلَ الماء صحّت الإجارة لا محالة ؛ إذ ليست هنا أعيان مختلفة تُفرض جهالة في أُجورها ، وإنّما على كلّ واحدٍ منهم ثلث العمل (٤).

مسألة ١٦٥ : لو اشترك أربعة لأحدهم بيت الرحى‌ ، ولآخَر حجر الرحى ، ولآخَر دابّة تديره ، والرابع يعمل الصِّماد للدوابّ في الحجر (٥) على أنّ الحاصل من أُجرة الطحن بينهم ، فهي شركة فاسدة على ما عُرف.

ثمّ إن استأجر مالك الحنطة العاملَ والآلات من أربابها وأفراد كلّ واحدٍ منهم بعقدٍ ، لزمه ما سمّى لكلّ واحدٍ منهم ، ولا شركة.

وإن جمع بين الجميع في عقدٍ واحد ، فإن ألزم ذمّتهم الطحن صحّ العقد ، وكانت الأُجرة المسمّاة بينهم أرباعاً ، ويتراجعون أُجرة المثل ؛ لأنّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٣ ـ ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٢ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٥) كذا قوله : « يعمل الصّماد للدوابّ في الحجر » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٤ : « يعمل في الرحى ».

٣٤٥

المنفعة المملوكة لكلّ واحدٍ منهم قد استوفى ربعها حيث أخذ ربع المسمّى ، وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصحابه ، فيأخذ منهم ثلاثة أرباع أُجرة المثل.

وإن استأجر عين العامل وعين الآلات ، صحّ عندنا.

وللشافعي قولان :

أحدهما : فساد الإجارة ، فلكلّ واحدٍ أُجرة مثله.

والثاني : الصحّة : فيُوزّع المسمّى عليهم ، ويكون التراجع بينهم على ما سبق (١).

ولو ألزم صاحب الحنطة ذمّةَ العامل الطحن ، لزمه ، وعليه إذا استعمل ما لأصحابه أُجرة المثل لهم ، إلاّ أن يستأجرها بعقدٍ صحيح ، فيكون عليه المسمّى.

وقد روى العامّة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قفيز الطحّان (٢) ، وهو أن يعطى الطحّان أقفزة معلومة ليطحنها بقفيز دقيق منها.

وعلّة المنع : أنّه جعل له بعض معموله أجراً لعمله ، فيصير الطحن مستحقّاً عليه.

وقد أنكر جماعةٌ منهم (٣) هذا الحديثَ.

وقياس قول أحمد جوازه (٤).

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، البيان ٦ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٢) سنن الدارقطني ٣ : ٤٧ / ١٩٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٩ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٣) منهم : ابنا قدامة في المغني ٥ : ١١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٤) كما في المغني ٥ : ١١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

٣٤٦

مسألة ١٦٦ : لو دفع إلى شخصٍ عيناً على أن يؤجرها المدفوع إليه وتكون الأُجرة بينهما ، لم يصح‌ ، وتكون الإجارة لصاحب العين إن استؤجرت العين ، أو تكون للمدفوع إليه ، فالأجر له ، ولصاحب العين أُجرة المثل.

ولو كان لرجلٍ دابّة ، ولآخَر أُكاف وجوالقات ، فاشتركا على أن يؤاجراهما ، والأُجرة بينهما نصفان ، فهو فاسد ؛ لأنّ هذه أعيان لا يصحّ الاشتراك فيها وكذلك في منافعها ؛ إذ تقديره : آجِر دابّتك ليكون أجرها بيننا ، وأؤجر جوالقاتي لتكون أُجرتها بيننا ، وذلك باطل ، فتكون الأُجرة بأسرها لصاحب الدابّة ؛ لأنّه مالك الأصل ، وللآخَر أُجرة المثل على صاحب البهيمة ؛ لأنّه استوفى منافع ملكه بعقدٍ فاسد.

هذا إذا آجرا الدابّة بما عليها من الأُكاف والجوالقات في عقدٍ واحد ، فأمّا إن آجر كلّ واحدٍ منهما ملكه منفرداً ، فلكلّ واحدٍ منهما أُجرة ملكه.

والتحقيق أن نقول : لا اعتبار بهذه الشركة ، فوجودها كالعدم.

ثمّ المستعمل للدابّة والجوالقات إن كان قد عقد معهما أو مع أحدهما بإذن الآخَر عَقْد إجارةٍ شرعيّة ، كان عليه المسمّى يقسّط على أُجرة مثل الدابّة وأُجرة المثل للجوالقات والأُكاف ، وإن لم يعقد معهما عَقْد إجارةٍ ، كان عليه أُجرة مثل الدابّة لصاحبها ، وأُجرة مثل الأُكاف والجوالقات لصاحبها.

مسألة ١٦٧ : لو كان لواحدٍ البذرُ ولآخَر دوابُّ الحرث ولثالثٍ الأرضُ ، فاشتركوا مع رابعٍ ليعمل ويكون الحاصل بينهم ، فالشركة باطلة‌ ، والنماء لصاحب البذر ، وعليه أُجرة المثل لصاحب الأرض عن أرضه ، ولصاحب الدوابّ عن عملها ، ولصاحب العمل عن عمله.

٣٤٧

فإن أصاب الزرع آفة ولم يحصل شي‌ء من الغلّة ، لم يسقط حقّهم من أُجرة المثل.

وقال بعض الشافعيّة : لا شي‌ء لهم ؛ لأنّهم لم يحصّلوا له شيئاً (١).

وهو غلط ظاهر ؛ لأنّه قد تصرّف في مال الغير بعملٍ له أُجرة ؛ فكان عليه الأُجرة.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

٣٤٨

الفصل الثالث : في الأحكام‌

مسألة ١٦٨ : الشركة عقد جائز من الطرفين‌ ، وليست من العقود اللازمة بالإجماع ، فإذا اشتركا بمزج المالين وأذن كلٌّ منهما لصاحبه في التصرّف فلكلٍّ من الشريكين فسخها ؛ لأنّ الشركة في الحقيقة توكيل وتوكّل.

فلو قال أحدهما للآخَر : عزلتك عن التصرّف ، أو : لا تتصرّف في نصيبي ، انعزل المخاطب عن التصرّف في نصيب العازل ، ويبقى له التصرّف في نصيبه ، ولا ينعزل العازل عن التصرّف في نصيب المعزول إلاّ بعزلٍ متجدّد منه.

ولو فسخاها معاً ، فإنّ الاشتراك باقٍ وإن لم يكن لأحدهما التصرّف في نصيب الآخَر.

ولو قال أحدهما : فسختُ الشركة ، ارتفع العقد ، وانفسخ من تلك الحال ، وانعزلا جميعاً عن التصرّف ؛ لارتفاع العقد.

وقال بعض الشافعيّة : انعزالهما مبنيٌّ على أنّه يجوز التصرّف بمجرّد عقد الشركة ، أم لا بدّ من التصريح بالإذن؟ إن قلنا بالأوّل ، فإذا ارتفع العقد انعزلا ، وإن قلنا بالثاني وكانا قد صرّحا بالإذن ، فلكلٍّ منهما التصرّف إلى أن يعزل (١).

وكيفما كان فالشافعيّة على ترجيح القول بانعزالهما (٢).

مسألة ١٦٩ : إذا عقدا الشركةَ ومزجا المالين‌ ، فإن وُجد من كلٍّ منهما‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥ ـ ٥١٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

٣٤٩

الإذنُ لصاحبه في التصرّف في جميع المال ، تسلّط كلٌّ منهما على ذلك ، وكان حكمُ تصرّفه حكمَ تصرّف الوكيل مع الإطلاق ، فلا يبيع بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ، ولا يبيع ولا يشتري بالغبن الفاحش إلاّ مع إذن الشريك.

فإن خالف وباع بالغبن الفاحش ، لم يصح في نصيب الشريك ، ويصحّ في نصيبه عندنا ، ويتخيّر المشتري مع فسخ الشريك للبيع.

وعند الشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة ، فإن قالوا ببطلان البيع ، بقي المبيع على ملكهما والشركة بحالها ، وإن قالوا بالصحّة على ما هو مذهبنا ، انفسخت الشركة في المبيع ، وصار مشتركاً بين المشتري والشريك الذي بطل في نصيبه (١).

ولو اشترى بالغبن ، فإن كان الشراء بعين مال الشركة ، كان حكمُه حكمَ ما لو باع بالغبن ، وقد سلف (٢) ، وإن اشترى في الذمّة لم يقع للشريك ، وكان عليه دفع الثمن من خالص ماله.

مسألة ١٧٠ : ليس لواحدٍ من الشريكين التصرّفُ في المال الممتزج إلاّ بإذن صاحبه‌ ، فإن اختصّ أحدهما بالإذن اختصّ بالتصرّف ؛ لأصالة عصمة مال الشخص على غيره ، ولو اشترك الإذن اشترك جواز التصرّف.

وإذا حصل الإذن عامّاً من كلّ واحدٍ منهما ، تصرّف بحسبه في مال شريكه ، كما يتصرّف الوكيل في مال موكّله.

وإن كان عامّاً من أحدهما وخاصّاً من الآخَر ، استفاد مَنْ عمّم له الإذن‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٢ ، البيان ٦ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

(٢) آنفاً.

٣٥٠

جواز التصرّف عامّاً ، والآخَر ما عُيّن له.

وكذا لو كان الإذن من كلٍّ منهما خاصّاً ، لم يجز له التخطّي إلى غير المأذون.

وإذا عيّن له جهة السفر أو البيع على وجهٍ أو شراء جنسٍ بعينه ، لم يجز التجاوز.

ولو شرطا الاجتماع ، لم يجز لأحدهما الانفراد.

ولو أطلق الإذن ، تصرّف كيف شاء.

فإن عيّن جهةً فتجاوزها ، كان ضامناً.

ويجوز الرجوع في الإذن ، فيحرم التصرّف ؛ لأنّه إنّما تصرّف بالإذن وقد زال.

وليس لأحدهما السفر بمال الشركة ، ولا أن يبيعه إلاّ بإذن صاحبه ، فإن فَعَل بغير الإذن ضمن.

مسألة ١٧١ : قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها ، فتنفسخ حينئذٍ.

وكذا تنفسخ بموت أحدهما وجنونه وإغمائه والحجر عليه للسفه ، كالوكالة.

ثمّ في صورة الموت إن لم يكن على الميّت دَيْنٌ ولا هناك وصيّة ، تخيّر الوارث بين القسمة مع الشريك وفسخها ، وبين تقرير الشركة إن كان بالغاً رشيداً ، وإن كان صغيراً أو مجنوناً فعلى الوليّ ما فيه الحظّ من فسخ الشركة أو إبقائها.

ولا بدّ في تقرير الشركة من عقدٍ مستأنف.

وإن كان على الميّت دَيْنٌ ، لم يكن للوارث التقرير على الشركة ، إلاّ‌

٣٥١

أن يقضي الدَّيْن من غير مال الشركة.

ولو كان هناك وصيّة ، فإن كانت لمعيّنٍ فهو كأحد الورثة يتخيّر بين التقرير والفسخ إن تعلّقت الوصيّة بذلك المال.

وإن كانت لغير معيّنٍ كالفقراء ، لم يجز تقرير الشركة إلاّ بعد خروج الوصيّة ، فإذا خرجت الوصيّة بقي المال كما لو لم تكن وصيّةٌ يتخيّر فيه الوارث بين التقرير والفسخ.

مسألة ١٧٢ : إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على قدر رءوس الأموال‌ ؛ لأنّه نماء مالهما ، فكان بينهما على نسبة المالين ، وكذا إذا خسرا ، كالتلف.

ولو شرطا التفاوت في الربح مع تساوي المالين ، أو تساويهما فيه مع تفاوت المالين ، قال الشيخ رحمه‌الله : تبطل الشركة ، وجَعَل من شرط الشركة كونَ الربح والخسران على قدر رأس المالين ، فلا يجوز أن يتفاضلا مع التساوي في المال ، ولا أن يتساويا مع التفاضل فيه (١) ، وبه قال مالك والشافعي ؛ لأنّ هذا الربح في هذه الشركة تبع للمال ؛ بدليل أنّه يصحّ عقد الشركة وإطلاق الربح ، فلا يجوز تغييره بالشرط ، كالخسران ، فإنّهما لو شرطا التفاوت في الخسران مع تساوي المالين أو التساوي فيه مع تفاوتهما ، لغا الشرط ، ويتوزّع الخسران على المال (٢).

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٢ ، المسألة ٩ من كتاب الشركة.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٦ / ١٠٢٨ ، الذخيرة ٨ : ٥٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٩ / ١١٨٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦١ ـ ٦٢ / ٤٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٣١ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٦ ، حلية العلماء

٣٥٢

والمعتمد : جواز الشرط ولزومه ؛ لعموم قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم » (١).

ولأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسنّة ، فكان لازماً كغيره من الشروط السائغة ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد (٢) ـ لأنّه قد يكون أبصر بالتجارة من الآخَر ، أو أجلد منه وأقوى في العمل ، فيشترط له زيادة الربح في مقابلة عمله ذلك ، وهو أمر سائغ ، كما لو شرط الربح في مقابلة عمل المضارب ، يحقّقه أنّ هذه الشركة معقودة على المال والعمل معاً ، ولكلّ واحدٍ منهما حصّة من الربح إذا كان مفرداً ، فكذا إذا اجتمعا ، وأمّا حالة الإطلاق فإنّه لمّا لم يكن بينهما شرط يقسّم الربح عليه وبقدره ، قدّرناه بالمال ؛ لعدم الشرط ، فإذا وجد الشرط فهو الأصل ، فيصار إليه ، كالمضاربة يصار فيه إلى الشرط ، فإذا عدم وقالا : الربح بيننا ، كان بينهما نصفين.

والحكم في الأصل ممنوع ، مع الفرق ؛ فإنّ الوضيعة لا تتعلّق إلاّ بالمال ؛ بدليل المضاربة.

__________________

٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦ ، المغني ٥ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٨ / ٣٣٥٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧ / ١٦٦٦.

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٨ ، الهامش (٤).

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٨ / ٣٣٥٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٦ ، المحيط البرهاني ٦ : ٣٢ ـ ٣٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧ / ١٦٦٦ ، النتف ١ : ٥٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٤ ـ ١١٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٦ / ١٠٢٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٩ / ١١٨٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦١ ـ ٦٢ / ٤٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٣١ ، الوسيط ٣ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

٣٥٣

مسألة ١٧٣ : لو اختصّ أحدهما بمزيد عملٍ ، وشرط مزيد ربحٍ له ، صحّ عندنا‌ ، وهو ظاهرٌ على أصلنا وأصل أبي حنيفة.

وللشافعي قولان :

أحدهما : صحّة الشرط ، ويكون القدر الذي يناسب ملكه له بحقّ الملك ، والزائد يقع في مقابلة العمل ، ويتركّب العقد من الشركة والقراض.

وأصحّهما عندهم : البطلان ، كما لو شرطا التفاوت في الخسران ، فإنّه يلغو ، ويتوزّع الخسران على المال ، ولا يمكن جَعْله شركةً وقراضاً ؛ فإنّ العمل في القراض مختصٌّ بمال المالك ، وهنا يتعلّق بملكه وملك صاحبه (١). وقد تقدّم.

إذا عرفت هذا ، فلو شرطا زيادة الربح لقاصر العمل ، جاز عندنا ؛ عملاً بالشرط ـ ويجي‌ء على قول الشافعي البطلان ؛ لأنّه لا يجوز مع التساوي في العمل فمع القصور أولى ـ ولأنّه يجوز التساوي في الربح مع التفاوت في العمل.

مسألة ١٧٤ : قد بيّنّا أنّه يجوز التساوي في الربح مع تفاوت المالين‌ ، والتفاوتُ في الربح مع تساوي المالين بالشرط.

والشيخ رحمه‌الله قال : إذا شرطا ذلك بطلت الشركة (٢). وهو قول الشافعي (٣).

وإذا فسد الشرط عند الشافعي ، لم يؤثّر ذلك في فساد التصرّفات ؛ لوجود الإذن ، ويكون الربح على نسبة المالين ، ثمّ يرجع كلٌّ منهما على‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٥٢.

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٢.

٣٥٤

صاحبه بأُجرة مثل عمله في ماله.

فإن تساوى المالان والعملان ، كان نصف عمل كلّ واحدٍ منهما يقع في ماله ، فلا يستحقّ به أُجرةً ، والنصف الواقع في مال صاحبه يستحقّ صاحبه مثل بدله عليه ، فيتقاصّان.

وإن تفاوتا في العمل خاصّةً ، فكان عمل أحدهما يساوي مائةً ، وعمل الآخَر يساوي مائتين ، فإن كان عمل المشروط له الزيادة أكثر ، فنصف عمله مائة ، ونصف عمل الآخَر خمسون ، فيبقى له خمسون بعد المقاصّة.

وإن كان عمل صاحبه أكثر ، ففي رجوعه بالخمسين على المشروط له الزيادة وجهان للشافعيّة :

أحدهما : الرجوع ، كما لو فسد القراض يستحقّ العامل أُجرة المثل.

وأصحّهما عندهم : المنع ـ وهو محكيٌّ عن أبي حنيفة (١) ـ لأنّه عمل وُجد من أحد الشريكين لم يشترط عليه عوض ، والعمل في الشركة لا يقابله عوض ؛ بدليل ما إذا كانت الشركة صحيحةً وزاد عمل أحدهما ، فإنّه لا يستحقّ على الآخَر شيئاً.

ويجري الوجهان فيما إذا فسدت الشركة واختصّ أحدهما بأصل التصرّف والعمل ، هل يرجع بنصف أُجرة عمله على الآخَر؟

وإن تفاوتا في المال خاصّةً ، فكان لأحدهما ـ مثلاً ـ ألف وللآخَر ألفان ، فلصاحب الأقلّ ثلثا المائة على صاحب الأكثر ، ولصاحب الأكثر ثلث المائة عليه ، فيكون الثلث بالثلث قصاصاً ، يبقى لصاحب الأقلّ ثلث المائة :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦.

٣٥٥

ثلاثة وثلاثون وثلث.

وإن تفاوتا فيهما بأن كان لأحدهما ألف وللآخَر ألفان ، فإن كان عمل صاحب الأكثر أكثر بأن كان عمله يساوي مائتين وعمل الآخَر مائة ، فثلثا عمله في ماله ، وثلثه في مال صاحبه ، وعمل صاحبه على العكس ، فيكون لصاحب الأكثر ثلث المائتين على صاحب الأقلّ ، ولصاحب الأقلّ ثلثا المائة على صاحب الأكثر ، وقدرهما واحد ، فيقع في التقاصّ.

وإن كان عمل صاحب الأقلّ أكثر والتفاوت كما صوّرناه ، فثلث عمل صاحب الأقلّ في ماله ، وثلثاه في مال شريكه ، وثلثا عمل صاحب الأكثر في ماله ، وثلثه في مال شريكه ، فلصاحب الأقلّ ثلثا المائتين على صاحب الأكثر ، وهُما : مائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، ولصاحب الأكثر ثلث المائة على صاحب الأقلّ ، وهو : ثلاثة وثلاثون وثلث ، فيبقى بعد التقاصّ لصاحب الأقلّ مائة على الآخَر (١).

وللشافعيّة قولٌ آخَر : إنّ الشركة تفسد بهذا الشرط ، فتبطل التصرّفات (٢).

والأكثر جزموا بنفوذ التصرّفات ، ويوزّع الربح على المالين ، وتجب الأُجرة في الجملة.

ومعنى الفساد أنّ كلّ واحدٍ منهما يرجع على صاحبه بأُجرة عمله في ماله ، ولو صحّ عقد الشركة لم يرجع ؛ لأنّه لا يثبت استحقاق الأُجرة (٣).

وهذا لا يتأتّى على مذهبنا حيث اخترنا صحّة هذا الشرط. ومعنى هذا الفساد المذكور عند تغيّر نسبة الربح جارٍ في سائر أسباب فساد الشركة.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦ ـ ٥١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

٣٥٦

ولو لم يكن بين المالين شيوع ولا خلط ، فلا شركة على التحقيق ، وثمن كلّ واحدٍ من المالين يختصّ بمالكه ، ولا يقع مشتركاً.

مسألة ١٧٥ : لو تفاوتا في المال ولم يشترطا التساوي ولا التفاوت والتوزيع على قدر المالين‌ ، بل أطلقا ، فإنّ الربح يكون على نسبة المالين ، وتكون زيادة العمل تبرّعاً من صاحبه.

ويحتمل أن تثبت للزيادة أُجرة المثل ، كما لو استعمل صانعاً ولم يذكر له أُجرةً.

ولو شُرط (١) زيادة الربح لمن ازداد عمله ، ففي اشتراط استبداده باليد للشافعيّة وجهان (٢).

وكذا لو شرطا انفراد أحدهما بالعمل في وجهٍ لهم ، كشرطه في القراض (٣).

وفي وجهٍ : لا [ جرياً ] (٤) على قضيّة الشركة (٥).

والخلاف في جواز اشتراط زيادة الربح لمن زاد عمله [ جارٍ ] (٦) فيما إذا اشترطا انفراد أحدهما بالتصرّف وجعلا له زيادة ربحٍ (٧).

وفي وجهٍ لهم : يجوز هنا ، ولا يجوز فيما إذا اشتركا في أصل العمل ؛ لأنّه لا يدري أنّ الربح بأيّ عملٍ حصل فيحال به على المال؟ (٨).

__________________

(١) الظاهر : « شرطا ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٤ و ٦) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٨) الوسيط ٣ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

٣٥٧

مسألة ١٧٦ : كلّ واحدٍ من الشريكين أمين يده يد أمانةٍ على ما تحت يده‌ ـ كالمستودع والوكيل ـ يُقبل قوله في الخسران والتلف مع اليمين ، كالمستودع إذا ادّعى التلف ، سواء أسند التلف إلى سببٍ ظاهرٍ أو خفيّ.

وقال الشافعي : إذا أسند التلف هو أو المستودع إلى سببٍ ظاهر ، طُولب بالبيّنة عليه ، فإذا أقامها صُدّق في الهلاك (١).

وإذا ادّعى أحد الشريكين خيانةً على الآخَر ، لم تُسمع الدعوى حتى يحرّرها بأن يعيّن القدر الذي ادّعاه من الخيانة على إشكالٍ ، فإذا بيّن القدر سُمعت ، وكان عليه البيّنة ، فإن فُقدت كان له إحلاف الشريك.

ولو ادّعى ردَّ المال إلى الشريك ، قُبِل قوله مع اليمين ، كالمستودع والوكيل بغير جُعْلٍ ، وبه قال الشافعي (٢).

وعندي فيه نظر.

مسألة ١٧٧ : لو كان في يد أحد الشريكين مالٌ واختلفا فيه‌ ، فقال المكتسب : إنّه لي خاصّةً ، وقال الآخَر : بل هو من مال الشركة ، فالقول قول المتشبّث مع اليمين ؛ قضاءً لليد.

وكذا لو انعكس الفرض ، فقال المتشبّث : إنّه من مال الشركة ، وقال الآخَر : بل هو لي خاصّةً ، قُدّم قول المتشبّث مع اليمين.

ولو قال الآخَر : بل هو لك ، كان في النصف حكمه حكم مَنْ أقرّ لغيره بعينٍ في يده وأنكر المُقرّ له.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٤ ، الوسيط ٣ : ٢٦٩ ، البيان ٦ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

٣٥٨

ولو اشترى أحد الشريكين شيئاً ثمّ اختلفا ، فقال المشتري : إنّما اشتريتُه لنفسي ، وقال الآخَر : بل للشركة ، قُدّم قول المباشر للعقد ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، وهذا الاختلاف يقع عند ظهور الربح.

ولو قال المباشر : إنّما اشتريتُه للشركة ، وقال الآخَر : بل اشتريتَه لنفسك ، فالقول قول مباشر العقد ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، وهذا الاختلاف يقع عند ظهور الخسران.

ولو قال صاحب اليد : اقتسمنا مالَ الشركة وهذا قد خلص لي ، وقال الآخَر : لم نقتسم بَعْدُ وهو مشترك ، فالقول قول الثاني ؛ لأصالة بقاء الشركة وعدم القسمة ، فعلى مدّعيها البيّنة.

ولو كان في أيديهما أو في يد أحدهما مالٌ وقال كلّ واحدٍ منهما : هذا نصيبي من مال الشركة وأنت أخذتَ نصيبك ، حلف كلٌّ منهما لصاحبه ، وجُعل المال بينهما ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، قضي للحالف.

مسألة ١٧٨ : لو كان بينهما عبد مشترك فباعه أحدهما بإذن الثاني وأذن له في قبض الثمن‌ ، ثمّ اختلف الشريكان في قبض الثمن ، فادّعى الآذن على البائع قبض الثمن بأسره وطالَبه بدفع نصيبه إليه ، وصدّقه المشتري على أنّ البائع قبض ، وأنكر البائع القبضَ ، برئ المشتري من نصيب الآذن في البيع ؛ لاعترافه بأنّ البائع ـ الذي هو وكيله بالقبض ـ قد قبض.

ثمّ هنا خصومتان ، إحداهما : بين البائع والمشتري ، والثانية : بين الشريكين.

فإن تقدّمت الأُولى على الثانية ، فطالَب البائع المشتري بنصيبه من الثمن ، وادّعى المشتري أنّه أدّاه ، نُظر فإن قامت للمشتري بيّنة على الأداء ،

٣٥٩

اندفعت المطالبة عنه ، وبرئ المشتري من الحقّين ؛ لأنّ البائع قد ثبت بالبيّنة أنّه قبض ، والآذن قد ثبت أنّ وكيله ـ وهو البائع ـ قد قبض.

ولو شهد له الشريك الآذن ، لم تُقبل شهادته في نصيبه ؛ لأنّه لو ثبت ذلك لطالَب المشهود عليه بحقّه ، وذلك جرّ نفعٍ ظاهر ، فلا تُقبل ؛ للتهمة.

وهل تُقبل شهادته في نصيب البائع؟ قال بعض علمائنا : نعم (١).

وللشافعيّة قولان مبنيّان على أنّ الشهادة إذا رُدّت في بعض ما شهدت به ؛ للتهمة ، فهل تردّ في الباقي؟ (٢).

ولو لم يكن للمشتري بيّنة بالقبض ، كان القولُ قولَ البائع مع يمينه ؛ لأنّه منكر ، والأصل عدم القبض ، فيحلف البائع أنّه لم يقبض ، فإذا حلف أخذ نصيبه من المشتري ، ولا يشاركه الآذن ؛ لإقراره أنّ البائع قبض أوّلاً ما هو الحقّ ، ويزعم أنّ الذي قبضه ثانياً بيمينه ظلم ، فلا يستحقّ مشاركته فيه ، فإن نكل البائع عن اليمين رُدّت اليمين على المشتري ، فإذا حلف أنّه أقبض البائع جميع الثمن انقطعت المطالبة عنه ، ولو نكل المشتري أيضاً أُلزم بنصيب البائع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يُلزم بنصيب البائع أيضاً ؛ لأنّا لا نحكم بالنكول (٣).

وهو غلط ؛ لأنّ هذا ليس حكماً بالنكول ، وإنّما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداءً.

__________________

(١) لم نهتد إلى القائل به ، وراجع المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٤١ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦٠