تذكرة الفقهاء - ج ١٦

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٦

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: ٤١٨

إذا عرفت هذا ، فإن أذن أحدهما للآخَر في الشراء ، فاشترى لهما ، وقع الشراء عنهما ، وكانا شريكين ؛ لأنّه وكيل له اشترى له بإذنه ، ويشترط فيه اعتبار شرائط الوكالة ؛ لما رواه داوُد الأبزاري عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ اشترى بيعاً ولم يكن عنده نقد فأتى صاحباً له ، فقال : انقد عنّي والربح بيني وبينك ، فقال : « إن كان ربح فهو بينهما ، وإن كان نقصان فعليهما » (١).

وعن إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح الكاظم عليه‌السلام ، أنّه قال : الرجل يدلّ (٢) الرجل على السلعة فيقول : اشترها ولي نصفها ، فيشتريها الرجل وينقد من ماله ، قال : « له نصف الربح » قلت : فإن وضع يلحقه من الوضيعة شي‌ء؟ قال : « عليه من الوضيعة كما أخذ من الربح » (٣).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٦ / ٨٢٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يدخل » بدل « يدلّ ». والمثبت كما في المصدر.

(٣) الفقيه ٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠ / ٦١٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٧ / ٨٢٤.

٣٢١
٣٢٢

الفصل الثاني : في أركان الشركة‌

وهي ثلاثة :

الأوّل : المتعاقدان.

ويشترط في كلٍّ منهما البلوغ والعقل والاختيار والقصد وجواز التصرّف. والضابط : أهليّة التوكّل والتوكيل ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من الشريكين متصرّف في جميع المال ، أمّا فيما يخصّه : فبحقّ الملك ، وأمّا في مال غيره : فبحقّ الإذن من ذلك الغير ، فهو وكيل عن صاحبه وموكّل لصاحبه بالتصرّف في ماله ، فلا تصحّ وكالة الصبي ؛ لعدم اعتبار عبارته في نظر الشرع ، ولا المجنون ؛ لذلك ، ولا السفيه ولا المكره ولا الساهي والغافل والنائم ، ولا المفلس المحجور عليه ؛ لأنّه ممنوع من جهة الشرع من التصرّف في أمواله.

ولا فرق بين أن يأذن مَنْ له الولاية عليهم في ذلك أو لا ، إلاّ المفلس ، فإنّه إذا أذن له الحاكم في التوكيل أو التوكّل جاز ، وكذا السفيه.

مسألة ١٤٥ : يكره مشاركة المسلم لأهل الذمّة من اليهود والنصارى والمجوس وغير أهل الذمّة من سائر أصناف الكفّار‌ عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لما رواه العامّة عن عبد الله بن عباس أنّه قال : أكره أن يشارك المسلم اليهودي (٢) ، ولم يُعرف له مخالف في الصحابة.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه ابن رئاب ـ في الصحيح ـ عن‌

__________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٧ / ٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٢ ، ، الوسيط ٣ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ٩٢ ، البيان ٦ : ٣٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٠ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١١٠.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٠ ، البيان ٦ : ٣٢٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١١٠.

٣٢٣

الصادق عليه‌السلام قال : « لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمّي ولا يبضعه بضاعة ولا يودعه وديعة ولا يصافيه المودّة » (١).

ولأنّ أموال اليهود والنصارى ليست بطيبةٍ ؛ فإنّهم يبيعون الخمور ويتعاملون بالربا ، فكرهت معاملتهم.

وقال الحسن البصري والثوري وأحمد بن حنبل : لا بأس بمشاركة اليهودي والنصراني ، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه [ و ] يكون هو الذي يليه ؛ لما رواه العامّة عن عطاء قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مشاركة اليهودي والنصراني ، إلاّ أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم (٢).

ومن طريق الخاصّة : ما رواه السكوني عن الصادق عليه‌السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلاّ أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها (٣).

ولأنّ العلّة في كراهة ما خلوا به معاملتهم بالربا وبيع الخمر والخنزير ، وهذا منتفٍ فيما حضره المسلمون أو تولّوه بأنفسهم (٤).

والخبران ممنوعان بضعف السند ، مع أنّا نقول بموجبهما ، وهو أن يكون المال أصله من المسلم بأن يبيعه في ذمّته ويعامل به بالوكالة من غير أن يباشر الكافر التصرّفَ ، أمّا إذا كان للكافر مال ، فإنّ المعنى الذي استخرجوه في المنع ثابت فيه ؛ لأنّ أصل أموالهم من التصرّفات المحرَّمة.

والذي احتجّوا به ـ من كون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عاملهم ، ورهن درعه عند‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٦ ( باب مشاركة الذمّي ) ح ١ ، الفقيه ٣ : ١٤٥ / ٦٣٨ ، التهذيب ٧ : ١٨٥ / ٨١٥.

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ١١٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٦ ( باب مشاركة الذمّي ) ح ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٥ / ٨١٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٩٣ ، البيان ٦ : ٣٢٧ ، المغني ٥ : ١٠٩ ـ ١١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٠.

٣٢٤

يهوديٍّ على شعيرٍ أخذه لأهله (١) ، وأرسل إلى آخَر يطلب منه قرضاً إلى الميسرة (٢) ، وأضافه يهوديٌّ (٣) ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأكل ما ليس بطيبٍ (٤) ـ لا حجّة فيه ؛ لجواز أن يكون عليه‌السلام علم الطيب في ذلك خاصّةً ، وهذا المعنى غير ثابتٍ في حقّ غيره.

مسألة ١٤٦ : لو شاركه المسلم فَعَل مكروهاً ، فإذا اشترى شيئاً بمال الشركة كان على أصل الإباحة مع جهالة المسلم بالحال أو علمه بالحلال‌ ، أمّا لو علم أنّه اشترى به أو عامل في الحرام كالربا وبيع المحرَّمات ، فإنّه يقع فاسداً ، وعلى الذمّي الضمان ؛ لأنّ عقد الوكيل يقع عندنا للموكّل ، والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير ، فأشبه ما لو اشتراه المسلم نفسه ، وأمّا ما خفي أمره ولم يعلم حاله فالأصل إباحته وحلّه.

وأمّا المجوس فحكمهم حكم أهل الذمّة في كراهة مشاركتهم.

وقال أحمد : يكره معاملة المجوس ومشاركتهم ـ وإن نفى كراهة مشاركة أهل الذمّة ـ لأن المجوس يستحلّون ما لا يستحلّه الذمّي (٥).

ولا خلاف في أنّه لو عامل المسلم أحد هؤلاء أو شاركهم فإنّه يكون تصرّفاً صحيحاً ؛ للأصل.

إذا عرفت هذا ، فليس بعيداً من الصواب كراهة مشاركة مَنْ لا يتوقّى المحرَّمات ـ كالربا وشراء الخمور ـ من المسلمين أيضاً ؛ لوجود المقتضي‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٨٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٥ / ٢٤٣٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٦ ، مسند أحمد ١ : ٥٩٦ / ٣٣٩٩ ، و ٣ : ٥٩١ / ١١٩٥٢.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥١٨ / ١٢١٣ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٥ ، مسند أحمد ٤ : ١٣٠ / ١٣١٤٧.

(٣) مسند أحمد ٤ : ٧٥ / ١٢٧٨٩.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ١١٠.

(٥) المغني ٥ : ١٠٩ و ١١٠ ـ ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٠ و ١١١.

٣٢٥

في أهل الذمّة فيهم.

الركن الثاني : الصيغة.

قد بيّنّا أنّ الأصل عصمة الأموال على أربابها وحفظها لهم ، فلا يصحّ التصرّف فيها إلاّ بإذنهم ، وإنّما يُعلم الرضا والإذن باللفظ الدالّ عليه ، فاشتُرط اللفظ الدالّ على الإذن في التصرّف والتجارة ، فإن أذن كلّ واحدٍ منهما لصاحبه صريحاً فلا خلاف في صحّته.

ولو قال كلٌّ منهما : اشتركنا ، واقتصرا عليه مع قصدهما الشركة بذلك ، فالأقرب : الاكتفاء به في تسلّطهما على التصرّف به من الجانبين ؛ لفهم المقصود عرفاً ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة.

والثاني : إنّه لا يكفي ؛ لقصور اللفظ عن الإذن ، واحتمال قصد الإخبار عن حصول الشركة في المال عن غير الاختيار بأن يمتزج المالان بغير رضاهما ، ولا يلزم من حصول الشركة جواز التصرّف ، فإنّهما لو ورثا مالاً أو اشترياه صفقةً واحدة فإنّهما يملكانه بالشركة ، وليس لأحدهما أن يتصرّف فيه إلاّ بإذن صاحبه ، وبه قال أكثر الشافعيّة (١).

ولو أذن أحدهما لصاحبه في التصرّف في جميع المال ولم يأذن الآخَر ، تصرّف المأذون في الجميع ، وليس للآخَر أن يتصرّف إلاّ في نصيبه مشاعاً.

وكذا لو أذن لصاحبه في التصرّف في الجميع وقال : أنا لا أتصرّف إلاّ في نصيبي.

مسألة ١٤٧ : الشركة قد تقع بالاختيار ، وقد تقع بالإجبار‌ ، كما تقدّم ، وكلامنا في الشركة المستندة إلى الاختيار ، وهي قد تحصل بمزج المالين‌

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٠.

٣٢٦

بالاختيار من غير لفظٍ ، فلو امتزج المالان برضاهما حصلت الشركة الاختياريّة وإن لم يكن هناك لفظ ، وأمّا التصرّف والإذن فيه والمنع منه فذاك حكم زائد على مفهوم الشركة.

ولو شرط أحدهما على الآخَر أن لا يتصرّف إلاّ في نصيبه ، لم يصح العقد ؛ لما فيه من الحجر على المالك في ملكه.

ثمّ الإذن قد يكون عامّاً بينهما بأن يأذن كلٌّ منهما لصاحبه في التصرّف في جميع المال والتجارة به في جميع الأجناس أو فيما شاء منهما.

وقد يكون خاصّاً ، كما لو أذن كلٌّ منهما لصاحبه في التجارة في جنسٍ واحد أو في بلدٍ واحد بعينه ، فلا يجوز لأحدهما التخطّي إلى غيره ، إلاّ إذا استلزمه عرفاً.

وقد يكون عامّاً لأحدهما وخاصّاً للآخَر ، فلمن عمّم الإذن له التصرّفُ فيما شاء ، وأمّا الآخَر فلا يجوز له أن يتعدّى المأذون.

ولا خلاف في ذلك كلّه ، إلاّ في صورة التعميم منهما أو من أحدهما ، فإنّ للشافعيّة وجهاً ضعيفاً فيه : إنّه لا يجوز الإطلاق ، بل لا بدّ من التعيين (١).

تذنيب : لو استعملا لفظ المفاوضة وقصدا شركة العنان ، جاز‌ ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ الكناية هنا معتبرة كالصريح.

الركن الثالث : المال.

مسألة ١٤٨ : يشترط في المال المعقود عليه الشركة أن يكون متساويي الجنس‌ بحيث لو مزجا ارتفع الامتياز بينهما وحصل الاشتباه بينهما ، سواء‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٢ ـ ٥١٣.

٣٢٧

كان المال من الأثمان أو العروض ، كما لو مزجا ذهباً بذهبٍ مثله أو فضّةً بمثلها أو حنطةً بمثلها أو دخناً بمثله ، إلى غير ذلك ممّا يرتفع فيه المائز بينهما.

ولا خلاف في أنّه يجوز جَعْل رأس المال الدراهم والدنانير ؛ لأنّهما أثمان الأموال والبياعات ، ولم يزل الناس يشتركون فيهما من زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى وقتنا هذا من غير أن يُنكره أحد في صُقْعٍ من الأصقاع أو عصرٍ من الأعصار ، فكان إجماعاً.

وأمّا العروض فعندنا تجوز الشركة فيها مع الشرط المذكور ، سواء كانت من ذوات الأمثال أو من ذوات القِيَم ـ وبه قال مالك (١) ـ لأنّ الغرض من الشركة أن يملك أحدهما نصفَ مال الآخَر ، وتكون أيديهما عليه ، وهذا موجود في العروض ، فصحّت الشركة فيها.

وكره ابن سيرين ويحيى بن أبي كثير والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي الشركةَ في العروض ، ومَنَع الشافعي وأبو حنيفة من الشركة في العروض التي ليست من ذوات الأمثال ؛ لأنّ الشركة لا تخلو إمّا أن تكون واقعةً على الأعيان أو أثمانها أو قيمتها.

والأوّل باطل ؛ لأنّ الشركة توجب أن لا يتميّز مال أحدهما عن الآخَر ، وأن يرجع عند المفاصلة (٢) إلى رأس المال ولا [ مثل ] (٣) لهما فيرجع‌

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ٥ : ٥٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٣ / ١٠١٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٢ ، التفريع ٢ : ٢٠٥ ، الذخيرة ٨ : ٤٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٥ / ١١٨١ ، المعونة ٢ : ١١٤٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٣ ، البيان ٦ : ٣٢٨ ، المغني ٥ : ١٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٥ / ١٦٦٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٦٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٦.

(٢) أي : عند فصل الشركة.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مال ». وما أثبتناه من بعض المصادر.

٣٢٨

إليه ، وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخَر فيستوعب بذلك جميع الربح ، أو تنقص قيمته فيؤدّي ذلك إلى أن [ يشاركه ] (١) الآخَر في ثمن ملكه الذي ليس بربحٍ [ وأنّ ما يتلف ] (٢) من مال الشركة يختصّ به أحدهما ، وهو مالك العين ، فيبطل الرجوع إلى أعيانهما.

والثاني ـ وهو أن تكون الشركة واقعةً على أثمانها ـ فهو باطل أيضاً ؛ لأنّ الأثمان معدومة حال العقد ولا يملكانها ، ولأنّه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن ملكه ، وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فهو باطل أيضاً ؛ لأنّ ذلك يكون مضاربةً معلّقةً بشرطٍ ، وهو بيع الأعيان ، ويكون أيضاً عقد الشركة على ما لا يملكانه حال العقد ، ويكون أيضاً عقد الشركة قد وقع على مالٍ مجهول.

والثالث ـ وهو أن تكون الشركة واقعةً على القيمة ـ فإنّه باطل أيضاً ؛ لأنّ القيمة ليست ملكهما ، وهي مجهولة أيضاً ، ولأنّ القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه ، فيشاركه الآخَر في ثمن العين التي هي ملكه (٣).

وهو غلط ؛ فإنّا نقول : الشركة تقع في الأعيان ، والرجوع في‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يشارك ». والظاهر ما أثبتناه كما في بعض المصادر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطيّة والحجريّة : « وإن تلف ». والظاهر ما أثبتناه من بحر المذهب.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٣ / ٤٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٧ ، البيان ٦ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٨ و ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١١ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٣ / ١٠١٩ ، المغني ٥ : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٢ و ١١٣ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٧ / ٣٣٥٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٦٠.

٣٢٩

المفاصلة كالرجوع عند الامتزاج بغير الاختيار.

مسألة ١٤٩ : وتجوز الشركة في العروض التي هي من ذوات الأمثال‌ ، عند علمائنا ، وبه قال مالك (١).

وللشافعي قولان ـ وعن أحمد روايتان (٢) ـ :

أحدهما مثل ما قلناه ؛ لما تقدّم (٣).

والثاني : المنع ؛ فإنّه لا تصحّ الشركة إلاّ على أحد النقدين ، كالمضاربة (٤).

وهو غلط ؛ لأنّ هذا مالٌ له مثلٌ ، فصحّ عقد الشركة عليه إذا لم يتميّز ، كالنقود ، ولأنّ هذا يؤمن فيه المعاني السابقة المانعة من الشركة فيما لا مثل له ؛ لأنّه متى تغيّرت قيمة أحدهما تغيّرت قيمة الآخَر ، بخلاف المضاربة ؛ لأنّه ربما زادت قيمة جنس رأس المال ، فانفرد ربّ المال بجميع الربح ، ولأنّ حقّ العامل محصور في الربح ، فلا بدّ من تحصيل رأس المال ليوزّع الربح ، وفي الشركة لا حاجة إليه ، بل كلّ المال يُوزّع عليهما على قدر ماليهما.

تذنيب : إذا اشتركا فيما لا مثل له كالثياب ، وحصل المزج الرافع للامتياز ، تحقّقت الشركة‌ ، وكان المال بينهما ، فإن عُلمت قيمة كلّ واحدٍ منهما ، كان الرجوع إلى نسبة تلك القيمة ، وإلاّ تساويا ؛ عملاً بأصالة التساوي.

__________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٣٢٨.

(٢) المغني ٥ : ١٢٤ و ١٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٢.

(٣) في المسألة السابقة.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٩٣ ـ ٩٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، البيان ٦ : ٣٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٦ / ٣٣٤٩.

٣٣٠

وقال مالك : يكون رأس المال ثمنهما (١).

وليس بمعتمدٍ.

مسألة ١٥٠ : لا تصحّ الشركة إلاّ بمزج المالين وعدم الامتياز بينهما‌ ، عند علمائنا ، وبه قال زفر (٢) ، فالخلطة شرط في صحّة الشركة ، ومتى لم يخلطاه لم تصحّ ، وبه قال الشافعي (٣) ، حتى لو تلف مال أحدهما لم يكن له نصيب في ربح مال الآخَر ؛ لأنّ مال كلّ واحدٍ منهما يتلف منه دون صاحبه ، فلم تنعقد الشركة عليه ، كما لو كان من المكيل.

وقال أبو حنيفة : ليس من شرط الشركة خلطُ المالين ، بل متى أخرجا المالين وإن لم يمزجاه وقالا : قد اشتركنا ، انعقدت الشركة ؛ لأنّ الشركة إنّما هي عقد على التصرّف ، فلا يكون من شرطها الخلطة ، كالوكالة (٤).

__________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٣ / ١٠١٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٣ ، البيان ٦ : ٣٢٨.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٢ ، المحيط البرهاني ٦ : ٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦ / ١٦٦٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٩.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦١ / ٣٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٣ و ٤٨١ ـ ٤٨٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٠ ، الوسيط ٣ : ٢٦١ ، حلية العلماء ٥ : ٩٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١١ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ / ١٠٢٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٨ / ١١٨٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٧ / ٣٣٥٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧ / ١٦٦٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٩ ، المغني ٥ : ١٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٧.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٠ ـ ٢١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٧ / ٣٣٥١ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦١٣ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٣ / ٧١٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٢ ،

٣٣١

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الوكالة ليس من شرطها أن يكون من جهة الوكيل مالٌ ، بخلاف الشركة.

وقال مالك : ليس من شرط الشركة الخلطةُ والمزجُ ، بل من شرطها أن تكون يدهما على المالين أو يد وكيلهما بأن يجعل في حانوتٍ لهما أو في يد وكيلهما دون الخلط ؛ لأنّ أيديهما على المال ، فصحّت الشركة ، كما لو خلطاه (١).

والفرق : إنّ المال بالخلط يصير مشتركاً ، فيوجد فيه الاشتراك ، بخلاف ما إذا لم يمتزجا.

مسألة ١٥١ : قد بيّنّا أنّه لا تصحّ الشركة إلاّ مع المزج الرافع للامتياز‌ ، فلو أخرج أحد الشريكين دنانير والآخَر دراهم لم تنعقد الشركة وإن خلطاهما ؛ للامتياز بينهما حالة المزج ، ولو تلف أحدهما قبل التصرّف تلف من صاحبه ، وتعذّر إثبات الشركة في الباقي ، وبه قال الشافعي (٢) ، وقد سبق‌

__________________

المحيط البرهاني ٦ : ٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦ / ١٦٦٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٩٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣١ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٣ / ١٠٢٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٨ / ١١٨٢ ، المغني ٥ : ١٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٧.

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٣ / ١٠٢٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٨ / ١١٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦ / ١٦٦٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٩٥ ، البيان ٦ : ٣٣١ ، المغني ٥ : ١٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٧.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٣ / ٤٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٨١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٣ و ١٣٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٧ / ٣٣٥٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ :

٣٣٢

دليله.

وقال أبو حنيفة : تنعقد الشركة ؛ لأنّهما يجريان مجرى الجنس الواحد ؛ لأنّهما قِيَم المتلفات وأُروش الجنايات ، ولأنّه لا يوجب المزج ، بل نقول : تنعقد الشركة بالقول وإن لم يخلطا المالين بأن يُعيّنا المال ويُحضراه ويقولا : قد تشاركنا في ذلك (١).

وهو غلط ؛ لأنّهما مالان لا يختلطان ، وهُما متميّزان ، فلا يصحّ عقد الشركة عليهما كالعروض.

وما ذكروه فليس بصحيحٍ ؛ لأنّهما يجريان في حكم الربا مجرى الجنسين عند جماعةٍ ، ولأنّ الاعتبار بما ذكرناه ، دون الجنس الواحد.

وأحمد وافق أبا حنيفة في عدم اشتراط اتّفاق الجنسين ، بل يجوز أن يُخرج أحدهما دنانير والآخَر دراهم ، وهو منقول عن الحسن وابن سيرين (٢).

مسألة ١٥٢ : ولا بدّ مع اتّفاق الجنس من اتّفاق الأوصاف‌ بحيث لا يتميّز أحدهما عن الآخَر ، فلو تميّز مال أحدهما من مال الآخَر وأمكن تخليصه منه بعينه بعد المزج ، لم تصح الشركة ، بأن تختلف السكّة أو يُخرج أحدهما صحاحاً والآخَر مكسَّرةً ، أو أحدهما مستويةً والآخَر معوجةً ، أو أخرج أحدهما دراهم عتيقة أو سُوداً والآخَر حديثةً أو بيضاء ؛

__________________

١٥٢ ـ ١٥٣ ، المحيط البرهاني ٦ : ٧ ، المغني ٥ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٨ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٣ ـ ٤.

(١) الفقه النافع ٣ : ٩٩٣ / ٧١٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٨١ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٣ ، البيان ٦ : ٣٣٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٣ ، وراجع الهامش (٤) من ص ٣٣١.

(٢) المغني ٥ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٨ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٢ ـ ٦٣ / ٤٢.

٣٣٣

لعدم حصول شرط الصحّة ، وهو الاشتباه بعد المزج.

وقد وافقنا الشافعي في الصحاح والمكسَّرة (١).

ولأصحابه في السوداء والبيضاء قول بالجواز مع اختلافهما بالأمرين (٢).

وقد بيّنّا جواز الشركة في العروض.

وللشافعي في ذوات الأمثال قولان (٣).

فعلى الجواز يشترط اتّفاق المالين في الجنس والوصف ، فلو مزج الحنطة الحمراء بالبيضاء ، لم تصح الشركة ؛ لإمكان التمييز وإن شقّ وعسر التخليص.

وقال بعض الشافعيّة : تصحّ الشركة هنا ؛ لأنّ الناس يعدّون ذلك خلطاً (٤).

وهو ممنوع إن أراد المزج الرافع للتمييز وعدم اعتبار غيره.

مسألة ١٥٣ : لا يشترط تقدّم (٥) العقد على الخلط‌ ، بل لو مزجا المالين ثمّ أذن كلٌّ منهما في التصرّف وعقدا الشركةَ صحّت المشاركة بينهما ، سواء وقع الإذن في مجلس المزج أو في غيره ـ وهو أحد وجوه الشافعي ـ لأنّ الشركة في الحقيقة توكيل وتوكّل ، ولو حصل ذلك بعد المزج صحّ فكذا هنا.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١١ ، منهاج الطالبين : ١٣٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٧ / ٣٣٥٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٩.

(٣) راجع الهامش (٤) من ص ٣٣٠.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٨.

(٥) في « ث ، ر ، خ » : « تقديم ».

٣٣٤

ولو وجد التوكيل والمِلْكان متميَّزان ثمّ فُرض الاختلاط ، لم تنقطع الوكالة.

نعم ، لو قيّد الإذن بالتصرّف في المال الفرد (١) ، فلا بدّ من تجديد الإذن.

والوجه الثاني له : المنع ـ وهو الأظهر عندهم ـ إذ لا اشتراك عند العقد.

والثالث : إنّه يجوز إن وقع المزج في مجلس العقد ؛ لأنّ المجلس كنفس العقد ، فإن تأخّر لم يجز (٢).

ولو ورثا عروضاً أو اشترياها ، فقد مَلَكاها شائعةً ، وذلك أبلغ من الخلط ، بل الخلط إنّما اكتفي به لإفادته الشيوع ، فإذا انضمّ إليه الإذن في التصرّف صحّ وتمّ العقد.

مسألة ١٥٤ : إذا أراد الشريكان الشركةَ في الأعيان المختلفة الجنس ، باع كلٌّ منهما نصفَ العين التي له بنصف العين التي لصاحبه‌ ، أو نقلها إليه بوجهٍ آخَر شرعيّ ، ثمّ يأذن كلٌّ منهما لصاحبه في التصرّف ، فيصيرا شريكين.

وإنّما احتاج إلى الإذن ؛ لأنّ عقد البيع الذي حصل بينهما لا يفيد الإذنَ في التصرّف.

وكذا تتحقّق الشركة بينهما لو اشتريا معاً سلعةً من ثالثٍ بثمنٍ عليهما ، فيدفع كلّ واحدٍ منهما العينَ التي في يده عوضاً عمّا يخصّه من الثمن ، فيكون كلّ واحدٍ منهما شريكاً في العين ، ثمّ يأذن كلّ واحدٍ منهما لصاحبه في التصرّف.

__________________

(١) الظاهر : « المفرد ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٨.

٣٣٥

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يصير العرضان مشتركين ويملكان التصرّف بحكم الإذن ، إلاّ أنّه لا تثبت أحكام الشركة في الثمن حتى يستأنفا عقداً وهو ناضٌّ (١).

وجمهور الشافعيّة قائلون بثبوت الشركة وأحكامها على الإطلاق (٢).

ولو لم يتبايعا العرضين ولكن باعاهما بعرضٍ أو نقدٍ ، ففي صحّة البيع للشافعيّة قولان (٣).

ونحن اخترنا الصحّة على ما تقدّم ، فيكون الثمن مشتركاً بينهما إمّا على التساوي أو التفاوت بحسب قيمة العرضين ، فيأذن كلّ واحدٍ منهما للآخَر في التصرّف.

مسألة ١٥٥ : لا يشترط في الشركة تساوي المالين في القدر‌ ، بل يجوز أن يكون مال أحدهما أكثر من مال الآخَر ـ وبه قال الحسن والشعبي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ، وهو أحد قولَي الشافعيّة (٤) ـ لأنّهما مالان إذا خلطا اختلطا ، فجاز عقد الشركة عليهما ، كما لو كانا سواءً.

وقال بعض الشافعيّة : لا تجوز الشركة حتى يستوي المالان في القدر ؛ لأنّ الشافعي شرط أن يُخرج أحدهما مثل ما يُخرج الآخَر ، ولأنّ الربح يحصل بالمال والعمل ، ولا يجوز أن يختلف الربح بينهما مع استوائهما في المال ، فكذا أيضاً لا يجوز أن يختلفا في الربح مع استوائهما‌

__________________

(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٨.

(٤) المغني ٥ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٢ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦١٣ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٢ / ٧١٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، المحيط البرهاني ٦ : ٣٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٧ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٣ و ٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٠ ، الوسيط ٣ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ٩٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩.

٣٣٦

في العمل ، فإذا اختلف المالان اختلف الربحان مع التساوي في العمل (١).

ونمنع وجوب تساوي الربح مع تساويهما في المال إذا شرطا الاختلافَ على ما يأتي ، ولأنّ العمل لا يشبه المال ، والأصل في هذه الشركة المال ، والعمل يتبع فيه ، فلهذا جاز أن يختلف معه الربح ، يدلّ على صحّة هذا أنّه يجوز أن يعمل أحدهما أكثر من الآخَر ويقتسما الربح ، وكذلك إذا شرط أحدهما عمل الآخَر والربح بينهما ، فاختلفا.

مسألة ١٥٦ : لا يشترط العلم حالة العقد بمقدار النصيبين‌ بأن يعرف هل مال كلّ واحدٍ منهما مساوٍ لمال الآخَر أو أقلّ أو أكثر؟ وهل هو ثُلثه أو ربعه أو غير ذلك من النِّسَب؟ ولا مقدار ماله كم هو؟ ـ وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٢) ـ إذا أمكن معرفته من بَعْدُ ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما ، فيأذن كلّ واحدٍ منهما لصاحبه في التصرّف وإن جهل مقدار ما أذن له فيه.

وفي الوجه الثاني : لا يجوز حتى يعلم كلٌّ منهما نسبة ماله من مال الآخَر ، فلا يصحّ في المجهول ولا الجزاف ؛ لأنّه لا يدري في أيّ شي‌ءٍ أذن ، والمأذون لا يدري ما ذا يستفيد بالإذن (٣).

والوجه : ما قلناه ، فحينئذٍ تكون الأثمان بينهما مشتركةً مجهولةً على الإبهام ، كالمثمنات.

مسألة ١٥٧ : لو أخرج أحد الشريكين دراهم وأخرج الآخَر دنانير ، لم تصح الشركة‌ على ما قدّمناه من وجوب التساوي في المالين في الجنس.

فإن اشتريا بعين الدراهم والدنانير عبداً أو ثوباً وربحا فيه ، كان الثوب‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٠ ، الوسيط ٣ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ٩٥ ، البيان ٦ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، المغني ٥ : ١٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٨.

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٩.

٣٣٧

بينهما والربح بينهما ، فإذا أرادا القسمة ، نظرا إلى نقد البلد ، فقوّما الثوبَ به ثمّ قوّما مالَ الآخَر به ، ويكون التقويم حين صرف الثمن فيه ، فإن كان مالهما متساوياً تساويا في الثمن والربح ، وإن تفاضلا كان بينهما على النسبة.

وللشافعيّة في صحّة هذا الشراء قولان ، كما لو باعا عبديهما صفقةً واحدة ؛ لأنّ الثمن إذا كان معيّناً كان بمنزلة المبيع (١).

مسألة ١٥٨ : يجوز أن يكون المال سبائك وتِبْراً وحُليّاً وغير ذلك من المصوغات من النقدين‌ ، وهو ظاهرٌ على مذهبنا حيث جوّزنا الشركةَ في جميع الأموال.

وأمّا المانعون من الشركة في غير النقدين اختلفوا ، فأكثر الشافعيّة على المنع من الشركة فيها ؛ لأنّ قيمتها تزيد وتنقص ، فهي كالعروض (٢).

والأصل فيه : إنّ التِّبْر هل هو متقوّمٌ أو مثليٌّ؟ فإن جُعل متقوّماً لم تجز الشركة عليه كغيره من الأعيان ، وإلاّ ففيه قولان ، كالقولين في المثليّات من الأعواض (٣).

وأمّا الدراهم المغشوشة : فعندنا تجوز الشركة فيها ، قلّ الغشّ أو كثر.

وللشافعيّة قولان مبنيّان على جواز التعامل بها ، إن جوّزنا التعامل فقد ألحقنا المغشوشَ بالخالص (٤).

وقال بعضهم : إذا استمرّ رواجها في البلد ، جازت الشركة فيها (٥).

وقال أبو حنيفة : إن كان الغشّ أقلَّ من النصف جازت الشركة فيها ،

__________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٠٩.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١١.

(٣ ـ ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١١.

٣٣٨

وإن كان أكثر لم تجز ؛ لأنّ الاعتبار بالغالب في كثيرٍ من الأُصول (١).

وأمّا الفلوس : فإنّها إذا حصل فيها الاشتباه وارتفاع الامتياز مع المزج صحّت الشركة بها ـ وبه قال مالك ومحمّد بن الحسن وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين (٢) ـ لأنّها قد تقع أثماناً في العادة ، فجازت الشركة فيها ، كالدراهم.

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في الرواية الأُخرى : لا تجوز ؛ لأنّها تنقص مرّةً وتكثر أُخرى ، فأشبهت العروض (٣).

إذا ثبت هذا ، فإذا صحّت الشركة فيها ، فإن كانت باقيةً كان رأس المال مثلها ، وإن سقطت كانت قيمتها كالعروض.

وإن (٤) كان لهما ثوبان واشتبها عليهما ، لم يكن ذلك كافياً في عقد الشركة ؛ لأنّ المالين متميَّزان ، وإنّما التبس الأمر بينهما.

تذنيب : المثليّات قد تتفاوت قيمتها ، فيقسّط الثمن والربح على القيمتين‌ ، كما لو كان لأحدهما كُرّ حنطةٍ قيمته عشرون ، وللآخَر كُرّ حنطةٍ قيمته عشرة ، فهُما شريكان بالثلث والثلثين.

مسألة ١٥٩ : قد بيّنّا أنّ شركة الوجوه عندنا باطلة‌ حيث لا مال هناك تتحقّق فيه الشركة ، ويرجعان إليه عند المفاصلة. ثمّ ما يشتريه أحدهما يختصّ بربحه وخسرانه لا يشاركه الآخَر فيه ، إلاّ أن يكون قد أذن له في الشراء عنه ويقصد المشتري موكّله ، وبه قال الشافعي (٥).

__________________

(١) المغني ٥ : ١٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٣.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ١٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٦٠ ، المحيط البرهاني ٦ : ٦ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦١٢.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « ولو » بدل « وإن ».

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ :

٣٣٩

وقال أبو حنيفة : يقع المشترى مشتركاً بمجرّد الشركة وإن لم يوجد قصدٌ من المشتري ولا إذنٌ من صاحبه (١). وقد سلف (٢) بطلانه.

مسألة ١٦٠ : قد بيّنّا توقّف تحقّق الشركة على مزج المالين‌ ، فلو لم يحصل لم تتحقّق الشركة ، فلا تصحّ في المال الغائب ؛ لانتفاء المزج فيه ، لتوقّفه على الحضور عند المالكين أو وكيلهما.

ولا تصحّ الشركة في الدَّيْن أيضاً ؛ لعدم تحقّق هذا المعنى فيه.

ولا يكفي في المزج الاختلاطُ مع إمكان التخليص ، كحبّاتٍ من الحنطة مع حبّات الشعير ، والدخن مع السمسم وإن شقّ التمييز بينهما ، وكما لو مزج الصحيح من الدراهم بالقراضة أو السمسم ببذر الكتّان ، أو اختلفت السكّة في بعض النقدين. وبالجملة ، متى حصل المائز بين المالين انتفت الشركة.

ولو اشتركا بالأبدان ، لم تصح على ما تقدّم (٣) ، فإن تميّز عمل كلٍّ منهما من عمل صاحبه اختصّ كلّ واحدٍ منهما بأُجرة عمله.

وإن اشتبه ، احتُمل تساويهما ؛ لأصالته ، والصلحُ ؛ إذ لكلّ واحدٍ منهما في المال حقٌّ لا يعلم قدره ، ولا مخلص إلاّ عقد الصلح.

مسألة ١٦١ : قد بيّنّا أنّ الشركة لا تصحّ إلاّ بالمال الممتزج من الشريكين ، ولا تصحّ بالأعمال.

إذا تقرّر هذا ، فلو دفع واحد إلى رجلٍ دابّةً ليعمل عليها فما رزق الله تعالى كان بينهما بالسويّة أو أثلاثاً أو على ما يتّفقان عليه ، لم يصح عند‌

__________________

١٢٨ ـ ١٢٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٣.

(٢) في ص ٣٣٢ ، ضمن المسألة ١٥٠.

(٣) في ص ٣١٢ ، المسألة ١٤٢.

٣٤٠