تذكرة الفقهاء - ج ١٦

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٦

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: ٤١٨

البحث الثالث : في نقل الوديعة‌.

مسألة ٣١ : إذا أودعه في قريةٍ فنقلها المستودع إلى قريةٍ أُخرى‌ ، فإن اتّصلت القريتان وكانت المنقول إليها أحرز أو ساوت الأُولى في الأمن ولا خوف بينهما ، فالأقرب : عدم الضمان ، مع احتماله ؛ لأنّ الظاهر من الإيداع في قريةٍ عدم رضا المالك بنقلها عنها.

وإن لم تتّصل القريتان ، فالأقرب : الضمان ، سواء كان الطريق آمناً أو مخوفاً ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (١) ـ لأنّ حدوث الخوف في الصحراء غير بعيدٍ.

وأظهرهما عندهم : عدم الضمان مع الأمن ، وثبوته لا معه ، كما لو لم تكن بينهما مسافة ، بل اتّصلت العمارتان (٢).

وقال أكثر الشافعيّة : إن كان بين القريتين مسافة سُمّي المشي فيها سفراً ، ضمن بالسفر بها (٣).

وبعضهم لا يقيّد ، بل يقول : إن كان بينهما مسافة ضمن. ولم يجعل مطلق المسافة مصحّحاً اسم السفر (٤).

وقال آخَرون منهم : إن كانت المسافة بينهما دون مسافة التقصير وكانت آمنةً والقرية المنقول إليها أحرز ، لم يضمن (٥) :

وهو يقتضي أنّ السفر بالوديعة إنّما يوجب الضمان بشرط طول السفر. وهو بعيد عندهم ؛ فإنّ خطر السفر لا يتعلّق بالطول والقصر (٦).

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٤.

١٨١

وإن كانت المسافة بحيث لا تصحّح اسم السفر ، فإن كان فيها خوفٌ ضمن ، وإلاّ فوجهان :

أحدهما : إنّ الحكم كذلك ؛ لأنّ الخوف في الصحراء متوقّع.

وأظهرهما عندهم : إنّه كما لو لم تكن مسافة (١).

وإن كانت القرية المنقول عنها أحرز من المنقول إليها ، ضمن المستودع بالنقل ، فإنّ المالك حيث أودعه فيها اعتمد حفظه فيها ، ولو كانت المنقول إليها أحرز أو تساويا ، فلا ضمان ، وبه قال الشافعي (٢).

وقد بيّنّا احتمال الضمان.

مسألة ٣٢ : إذا قلنا بالتفصيل ـ وهو عدم الضمان مع كون القرية المنقول إليها أحرز ـ وجب معرفة سبب كونها أحرز ، وهو متعدّد :

منها : حصانتها في نفسها أو انضباط أهلها أو امتناع الأيدي الفاسدة عنها.

ومنها : كونها عامرةً لكثرة القطّان بها.

ومنها : أن يكون مسكنه ومسكن أقاربه وأصدقائه بها ، فلا يقدم عليها اللصوص ، ولا يقوى طمعهم فيها ؛ لأنّ قرية أهله وأقاربه أحرز في حقّه.

واعلم أنّا حيث منعنا النقل فذلك إذا لم تَدْعُ ضرورة إليه ، فإن اضطرّ إلى نقلها جاز ، كما جوّزنا له السفر بها مع الحاجة إليه.

مسألة ٣٣ : إذا أراد الانتقال ولا ضرورة إليه ، فالحكم فيه كما سبق فيما إذا أراد السفر.

والنقل من محلّة إلى محلّة أو من دارٍ إلى دارٍ كالنقل من قريةٍ إلى قريةٍ متّصلتي العمارة.

وأمّا إذا نقل من بيتٍ إلى بيتٍ في دارٍ واحدة أو خانٍ واحد ،

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٤.

١٨٢

لم يضمن وإن كان الأوّل أحرز إذا كان الثاني حرزاً أيضاً.

هذا إذا أطلق الإيداع.

والتحقيق أن نقول : إذا أودعه شيئاً ، ففيه ثلاثة أقسام.

الأوّل : أن يودعه ولا يعيّن له موضعاً لحفظها‌ ، فإنّ المودَع يحفظ الوديعة في حرز مثلها أيّ موضعٍ شاء ، فإن وضعها في حرزٍ ثمّ نقلها إلى حرز مثلها ، جاز ، سواء كان مثل الأوّل أو دونه ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ المودَع ردّ ذلك إلى حفظه واجتهاده ، فكلّ موضعٍ هو حرز مثلها وهي محفوظة فيه فكان وضعها فيه داخلاً تحت مطلق الإذن بالوضع فيه حيث جعل ذلك منوطاً باختياره.

الثاني : إذا عيّن له موضعاً ، فقال : احفظها في هذا البيت‌ ، أو في هذه الدار ، واقتصر على ذلك ولم ينهه عن غيره ، فإن كان الموضع ملكاً لصاحب الوديعة ، لم يجز للمستودع نقلها عنه ، فإن نقلها ضمن ؛ لأنّه ليس بمستودعٍ في الحقيقة ، وإنّما هو وكيل في حفظها ، وليس له إخراجها من ملك صاحبها.

وكذا إن كانت في موضعٍ استأجره لها.

وإن كان الموضع ملكاً للمستودع ، فإن نقلها إلى ما دونه في الحرز أو وضعها فيه ابتداءً ، ضمن ؛ لأنّه خالف أمره في شي‌ءٍ مطلوب فيه مرغوب إليه ، فكان ضامناً ، كما لو وضعها في غير حرزٍ.

وإن كان الثاني مثل الأوّل أو أحرز منه ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّ تعيينه البيت إنّما أفاد تقدير الحرزيّة ، وليس الغرض عينه ، كما لو استأجر أرضاً لزراعة الحنطة ، فإنّه يجوز أن يزرعها ما يساويها في الضرر أو يقصر ضرره عنها ؛ لأنّ الغرض بتعيينها تقدير المنفعة لا عينها ، كذا هنا ، وحمل التعيين‌

__________________

(١) البيان ٦ : ٤٢٦.

١٨٣

على تقدير الحرزيّة دون التخصيص الذي لا غرض فيه ، وبه قال الشافعي (١).

نعم ، لو كان التلف بسبب النقل ، كما إذا انهدم عليه البيت المنقول إليه ، فإنّه يضمن ؛ لأنّ التلف هنا جاء من المخالفة.

وكذا مكتري الدابّة للركوب إذا ربطها في الاصطبل فماتت ، لم يضمن ، وإن انهدم عليها ضمن.

وكذا لو سُرقت من البيت المنقول إليه أو غُصبت فيه ، على إشكالٍ.

الثالث : إذا عيّن له موضعاً ، فقال : احرزها في هذا البيت‌ ، أو هذه الدار ولا تخرجها منه ولا تنقلها عنه ، فأخرجها ، فإن كان لحاجةٍ بأن يخاف عليها في الموضع الذي عيّنه الحريق أو النهب أو اللّصّ فنقلها عنه إلى أحرزها ، لم يضمن ؛ لأنّ الضرورة سوّغت له النقل.

وإن نقلها لغير عذرٍ ، ضمن مطلقاً عندنا ـ وهو اختيار أبي إسحاق الشيرازي (٢) ـ سواء نقلها إلى حرزٍ هو دون الأوّل أو كان مساوياً أو أحرز منه ؛ لأنّه خالف صريح الإذن لغير حاجةٍ فضمن ، كما لو نقلها إلى حرزٍ هو دون الأوّل وهو حرز مثلها.

وقال أبو سعيد الاصطخري : إن كان الحرز الثاني مثل الأوّل أو أحرز منه ، لم يضمن بالنقل إليه ؛ لأنه نقلها عنه إلى مثله ، فأشبه ما إذا عيّن له موضعاً فنقلها عنه إلى مثله من غير نهي (٣).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ١١٩ ، البيان ٦ : ٤٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠١.

(٢) راجع المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، وحلية العلماء ٥ : ١٦٩ ، والبيان ٦ : ٤٢٧.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٦٩ ، البيان ٦ : ٤٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠١.

١٨٤

ثمّ تأوّل كلام الشافعي بأنّه أراد بذلك إذا كان الموضع الذي هي فيه ملكاً لصاحب الوديعة (١).

وقال أبو حنيفة : إذا نهاه عن نقلها عن دارٍ فنقلها إلى دارٍ أُخرى ضمن ، وإن نهاه عن نقلها عن بيتٍ فنقلها إلى بيتٍ آخَر في الدار لم يضمن ؛ لأنّ البيتين في دارٍ واحدة حرزٌ واحد ، والطريق إلى أحدهما طريق إلى الآخَر ، فأشبه ما لو نقلها من زاويةٍ إلى زاويةٍ (٢).

وهو غلط ؛ لأنّه قد يكون بيت في الدار يلي الطريق والآخَر لا يليه ، فالذي لا يليه أحرز.

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه خالف لفظ المودع فيما لا مصلحة له فيه ، فوجب أن يضمن ، كما لو نقلها إلى موضعٍ هو دونه في الحرز.

مسألة ٣٤ : قد بيّنّا أنّه إذا نهاه عن النقل عن الموضع الذي عيّنه ، لم يجز له نقلها عنه إلاّ لضرورةٍ‌ ، كحريقٍ أو غرقٍ أو نهبٍ أو خوف اللّصّ وشبهه ، فإن حصلت إحدى هذه الأعذار نَقَلها ، ولا ضمان ، سواء نقلها إلى حرزٍ مثل الأوّل أو أدون منه إذا كان حرز مثلها إذا لم يجد أحرز منه.

فإن وجد أحرز منه واقتصر على الأدون ، احتُمل الضمان ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ التعيين لا يفيد الاختصاص ، بل تقدير الحرز ، فإذا تعذّر الشخص وجب الانتقال إلى المساوي أو الأحرز ، وعدمُه ضعيفاً ؛ لأنّ التعيين قد زال ، فساغ النقل للخوف ، فيتخيّر المستودع حينئذٍ ، ولو لم يعيّن له الحرز ابتداءً جاز له الوضع في الأدون ، فكذا إذا عيّنه.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١١ ، المغني ٧ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٨٧.

١٨٥

والأوّل أقوى.

ولو أمكن النقل عن المعيّن مع عروض إحدى هذه الحالات ، ضمن ؛ لأنّه مفرّط حينئذٍ في الحفظ ، إذ الظاهر أنّه قصد بالنهي عن النقل نوعاً من الاحتياط ، فإذا عرضت هذه الأحوال فالاحتياط النقل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (١).

ولو قال : لا تنقلها وإن حدثت ضرورة ، فحدثت ضرورة ، فإن لم ينقل لم يضمن ، كما لو قال : أتلف مالي ، فأتلفه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٢).

ولهم وجهٌ آخَر (٣).

وإن نقل ، لم يضمن ؛ لأنّه قصد الحفظ والصيانة والإصلاح ، فكان محسناً ، فيندرج تحت عموم قوله تعالى : ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٤) وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٥).

مسألة ٣٥ : لو نقلها المستودع عن الموضع المعيّن المنهيّ عن نقلها عنه‌ ، فادّعى المستودع الخوفَ من الحريق أو الغرق أو اللّصّ أو شبهه من الضرورات ، وأنكر المالك ، فإن عرف هناك ما يدّعيه المستودع ، كان القولُ قولَه مع اليمين ؛ لأنّه ادّعى الظاهر ، فصُدّق بيمينه ، وإلاّ طُولب بالبيّنة ، فإن لم تكن هناك بيّنة ، صُدّق المالك بيمينه ؛ لأنّه منكر ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠١.

(٢ و ٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠١.

(٤) التوبة : ٩١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١٠ ـ ٣١١ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠١ ـ ٣٠٢.

١٨٦

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ ظاهر الحال يغنيه عن اليمين (١).

ولهم وجهٌ آخَر غريب فيما إذا لم ينهه عن النقل ، فنقل إلى ما دونه : إنّه لا يضمن (٢).

وهذا كلّه فيما إذا كان البيت المعيّن أو الدار المعيّنة ملكاً للمستودع ، أمّا إذا كان ملكاً للمالك ، فليس للمستودع إخراجها عن ملكه بحالٍ ، إلاّ أن تعرض ضرورة إلى ذلك.

البحث الرابع : في التقصير في دفع المهلكات‌.

مسألة ٣٦ : يجب على المستودع دفع مهلكات الوديعة وما يوجب نقص ماليّتها ؛ إذ الحفظ واجب ، ولا يتمّ إلاّ بذلك.

فلو استودع ثياب صوفٍ ، وجب على المستودع نشرها وتعريضها للريح بمجرى العادة ؛ لئلاّ يفسدها الدود.

ولو لم يندفع الفساد إلاّ بأن يلبس وتعبق (٣) بها رائحة الآدمي ، وجب على المستودع لُبْسها.

فإن لم يفعل ففسدت بترك اللُّبْس وتعريض الثوب للريح ، كان ضامناً ، سواء أمره المالك أو سكت عنه.

أمّا لو نهاه عن النشر وفِعْلِ ما يحتاج إليه الحفظ فامتنع من ذلك حتى فسدت ، فَعَل مكروهاً ، ولا ضمان عليه ، وبه قال أكثر الشافعيّة (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣١١.

(٣) راجع الهامش (١) من ص ١٥٥.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٦.

١٨٧

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ عليه الضمان (١).

هذا إذا علم المستودع ذلك ، أمّا لو لم يعلم المستودع ذلك بأن أودعه صندوقاً مقفلاً لا يعلم ما فيه ، أو كيساً مشدوداً ولم يُعلمه المالك ، لم يضمن ؛ لعدم التفريط ، وانتفاء التقصير منه.

مسألة ٣٧ : إذا كانت الوديعة دابّةً أو آدميّاً ، وجب على المستودع القيامُ بحراستها ومراعاتها وعلفها وسقيها.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يأمره المالك بالعلف والسقي ، أو ينهاه عنهما ، أو يُطلق الإيداع.

فإن أمره بالعلف والسقي ، وجب عليه فعلهما ورعاية المأمور به.

فإن امتنع المستودع من ذلك حتى مضت مدّة تموت مثل الدابّة في مثل تلك المدّة ، نُظر إن ماتت ضمنها ، وإن لم تمت دخلت في ضمانه ، وإن نقصت ضمن النقصان.

وتختلف المدّة باختلاف الحيوان قوّةً وضعفاً.

فإن ماتت قبل مضيّ تلك المدّة ، لم يضمنها إن لم يكن بها جوع وعطش سابق ، وإن كان وهو عالمٌ ضمن ، وكذا لو كان جاهلاً.

وللشافعيّة في الجاهل وجهان كالوجهين فيما إذا حبس مَنْ به بعض الجوع وهو لا يعلم حتى مات (٢).

وأظهرهما عندهم : عدم الضمان (٣).

وعلى تقدير الضمان لهم وجهان : هل يضمن الجميع أو بالقسط؟

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٦.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٥.

١٨٨

كما لو استأجر دابّةً لحمل قدرٍ فزاد عليه (١).

وإن نهاه المالك عن العلف والسقي فتركهما ، كان عاصياً ؛ لما فيه من تضييع المال المنهيّ عنه شرعاً وهتكِ حرمة الروح ؛ لأنّ للحيوان حرمةً في نفسه يجب إحياؤه لحقّ الله تعالى.

وفي الضمان إشكال أقربه : العدم ـ وهو قول أكثر الشافعيّة (٢) ـ كما لو قال : اقتل دابّتي ، فقتلها ، أو أمره برمي قماشه في البحر ، فرماه ، أو أمره بقتل عبده ، فقتله ، فإنّه يأثم ، ولا ضمان عليه ، كذا هنا.

وقال بعضهم : يجب عليه الضمان ؛ لحصول التعدّي في الوديعة ، وهو مقتضٍ للضمان ، فأشبه ما لو لم ينهه (٣).

ولو علفها وسقاها مع نهيه عنهما ، كان الحكم كما تقدّم في القسم الأوّل.

وقال بعض الشافعيّة : الخلاف هنا مخرَّجٌ ممّا إذا قال : اقتلني ، فقتله هل تجب الدية؟ (٤).

ولم يرتضه باقي الشافعيّة ؛ لأنّا إذا أوجبنا الدية أوجبناها للوارث ، ولم يوجد منه إذن في الإتلاف ، وهنا بخلافه (٥).

وإن أطلق الإيداع ، فلا يأمره بالعلف والسقي ولا ينهاه عنهما ، فيجب‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٥.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ١٢٤ ، البيان ٦ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٥ ، المغني ٧ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٩٣.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٢ ، البيان ٦ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٥ ، المغني ٧ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٩٣.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢.

١٨٩

على المستودع العلف والسقي ؛ لأنّه التزم بحفظها ، ولأنّه ممنوع من إتلافها جوعاً ، فإذا التزم حفظها تضمّن ذلك علفها وسقيها ، وبه قال الشافعي (١).

وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه العلف والسقي ؛ لأنّه استحفظه إيّاها ولم يأمره بعلفها (٢).

وقد بيّنّا الأمر الضمني.

مسألة ٣٨ : لا خلاف في أنّه لا يجب على المستودع الإنفاق على الدابّة والآدمي من ماله‌ ؛ لأصالة البراءة ، والتضرّر المنفي شرعاً ، لكن إن دفع إليه المالك النفقةَ فذاك ، وإن لم يدفع إليه ، فإن كان المالك قد أمره بعلفها وسقيها رجع به عليه ؛ لأنّه أمره بإتلاف ماله فيما عاد نفعه إليه ، فكان كما لو ضمن عنه مالاً بأمره وأدّاه عنه.

وإن أطلق الإيداع ولم يأمره بالعلف والسقي ولا نهاه عنهما ، فإن كان المالك حاضراً أو وكيله طالَبه بالإنفاق عليها أو ردّها عليه ، أو أذن له المالك في الإنفاق فينفق ، ويرجع به إن لم يتطوّع بذلك.

وإن لم يكن المالك حاضراً ولا وكيله ، رفع الأمر إلى الحاكم ، فإن وجد الحاكم لصاحبها مالاً أنفق عليها منه ، وإن لم يجد مالاً رأى الحاكم المصلحة للمالك إمّا في بيعها ، أو بيع بعضها وإنفاقه عليها ، أو إجارتها ، أو الاستدانة على صاحبها من بيت المال أو من المستودع أو من غيره ، فيفعل ما هو الأصلح.

فإن استدان عليه من بيت المال أو من غير المستودع ، دَفَعه إلى‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨١ ، البيان ٦ : ٤٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٥ ، المغني ٧ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٩٠.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٨١ ، البيان ٦ : ٤٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، المغني ٧ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٩٠.

١٩٠

المستودع لينفقه عليها إن رأى ذلك مصلحةً.

وإن استدان من المستودع ، فالأقرب : إنّ الحاكم يتخيّر بين أن يأذن للمستودع في الإنفاق عليها ، وبين أن يأذن لغيره من الأُمناء يقبض من المستودع وينفق ؛ لأنّ المستودع أمين عليها ، فجاز للحاكم الإخلاد [ إليه ] (١) في إنفاق ما يستدينه منه عليها ، كما أنّ للمالك أمره بالإنفاق ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني لهم : إنّه ليس للحاكم أن يأذن للمستودع في الإنفاق ممّا يستدينه منه على المالك ، بل يقيم الحاكم أميناً يقبض منه وينفق ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون أميناً في حقّ نفسه (٢).

والوجه : ما تقدّم.

وعلى ما اخترناه من جواز إخلاد الحاكم إلى المستودع فالأقرب : إنّه لا يقدّرها ، بل يكل الأمر إلى اجتهاد المستودع ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني لهم : إنّ الحاكم يقدّرها ولا يكلها إلى المستودع (٣).

[ فإن اختلفا في قدر النفقة ] (٤) فالقول قوله فيما أنفق إذا ادّعى الإنفاق بالمعروف ، ولو ادّعى أكثر لم يُقبل قوله إلاّ بالبيّنة.

وكذا لو قدّر له الحاكم النفقة ، فادّعى أنّه أنفق أكثر.

ولو اختلف المستودع والمالك في قدر المدّة التي أنفق فيها ، قُدّم قول صاحبها ؛ لأنّ الأصل عدم ذلك ، وبراءة ذمّته.

ولو اختلفا في قدر النفقة ، قُدّم قول المستودع ؛ لأنّه أمين فيها.

__________________

(١) إضافة يقتضيها السياق.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٨٢.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١٨٢ ، البيان ٦ : ٤٤٠.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني ٧ : ٢٩٣ ، والشرح الكبير ٧ : ٢٩٢.

١٩١

ولو أنفق عليها من غير إذن الحاكم ، فإن قدر على إذن الحاكم ولم يُحصّله ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّه متطوّع.

وإن لم يقدر على الحاكم فأنفق ، فليُشهد على الإنفاق والرجوع ، فإن ترك الإشهاد مع قدرته عليه ، فالأقرب : إنّه متبرّع ، وإن تعذّر عليه الإشهاد ، فالأقرب : إنّه يرجع مع قصده الرجوع ، ويقدّم قوله في ذلك ؛ لأنّه أعرف بقصده.

وإذا قلنا : ينفق ويرجع ، صار كالحاكم في بيعها أو بيع بعضها أو إجارتها أو الاقتراض على مالكها.

ولو ترك المستودع الإنفاقَ مع إطلاق الإيداع ولم يرفعه إلى الحاكم ولا أنفق عليها حتى تلفت ، ضمن إن كانت تلفت من ترك ذلك ؛ لأنّه تعدّى بتركه.

وإن تلفت في زمانٍ لا تتلف في مثله ؛ لعدم العلف ، لم يضمن ؛ لأنّها لم تتلف بذلك.

ولو نهاه عن السقي والعلف ، لم يضمن بترك ذلك على ما تقدّم (١) من الخلاف.

وهل يرجع على المالك؟ إشكال ينشأ : من تبرّعه بالإنفاق ، وعدمه.

مسألة ٣٩ : إذا احتاج المستودع إلى إخراج الدابّة لعلفها أو سقيها ، جاز له ذلك ؛ لأنّ الحفظ يتوقّف عليه ، ولا ضمان.

ولا فرق بين أن يكون الطريق آمناً أو مخوفاً إذا خاف التلف بترك السقي واضطرّ إلى إخراجها.

ولو أخرجها من غير ضرورةٍ للعلف والسقي ، فإن كان الطريق آمناً لا خوف فيه وأمكنه سقيها في موضعها ، فالأقرب : عدم الضمان ؛ لاطّراد‌

__________________

(١) في ص ١٨٩.

١٩٢

العادة بذلك ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة (١).

ولو علفها وسقاها في داره أو اصطبله حيث يعلف دوابّه ويسقيها ، فقد بالغ في الحفظ.

وإن أخرجها من موضعها وكان يفعل ذلك في دوابّ نفسه لضيق الموضع أو لغيره ، فلا ضمان عليه.

وإن كان يسقي دوابّه فيه ، قال الشافعي : ضمن (٢).

واختلف أصحابه ، فأطلق بعضُهم وجوبَ الضمان ؛ لأنّه أخرج الوديعة عن الحرز لغير ضرورةٍ (٣).

وقيّده بعضهم بما إذا كان ذلك الموضع أحرز ، فأمّا إذا كان الموضع المُخْرج إليه أحرز أو مساوياً ، فلا ضمان (٤).

وقال آخَرون : إنّه محمول على ما إذا كان في الإخراج خوف ، فإن لم يكن فلا ضمان (٥).

مسألة ٤٠ : إذا تولّى المستودع السقي والعلف بنفسه أو أمر به صاحبه أو غلامه وكان حاضراً لم تزل يده ، فذاك.

وإن بعثها على يده للسقي أو أمره بعلفها أو أخرج الدابّة من يده ، فإن لم يكن صاحبه أو غلامه أميناً ضمن ، وإن كان أميناً فالأقرب : عدم الضمان ؛ لقضاء العادة بالاستنابة في ذلك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٦).

والوجهان عند بعضهم مخصوصان بمَنْ يتولّى ذلك بنفسه ، فأمّا في‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٦.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٦.

١٩٣

حقّ غيره فلا ضمان قطعاً (١).

فروع :

أ ـ لو نهاه عن العلف لعلّةٍ تقتضي النهي‌

ـ كالقولنج وشبهه ـ فعلفها قبل زوال العلّة فماتت ، ضمن ؛ لأنّه مفرّط.

ب ـ العبد المودع والأمة كالدابّة‌ في جميع ما تقدّم.

ج ـ لو أودعه نخلاً ، فالأقرب : إنّ سقيه واجب كما قلنا في الدابّة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : إنّه لا يضمن بترك السقي إذا لم يأمره بالسقي (٢).

البحث الخامس : في المخالفة في كيفيّة الحفظ‌.

مسألة ٤١ : يجب على المستودع اعتماد ما أمره المالك في كيفيّة الحفظ‌ ، فإذا أمره بالحفظ على وجهٍ مخصوص فعدل عنه إلى وجهٍ آخَر وتلفت الوديعة ، فإن كان التلف بسبب الجهة المعدول إليها ضمن وكانت المخالفة تقصيراً ؛ لأنّه لو راعى الوجه المأمور به لم يتحقّق التلف ، ولو حصل التلف بسببٍ آخَر فلا ضمان.

هذا إذا لم يتحقّق المستودع التلف لو امتثل الأمر ، أمّا إذا تحقّق التلف بالامتثال فخالف للاحتياط في الحفظ فاتّفق التلف فلا ضمان ، لأنّه محسن فلا سبيل عليه ؛ للآية (٣).

مسألة ٤٢ : إذا أودعه مالاً في صندوقٍ وقال له : لا ترقد عليه‌ ، فخالف ورقد عليه ، فإن تلفت الوديعة بالرقود بأن انكسر رأس الصندوق

__________________

(١) الوسيط ٤ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٦.

(٣) التوبة : ٩١.

١٩٤

بثقله وتلف ما فيه ، ضمن ؛ لأنّه خالف ، وتلفت الوديعة بالمخالفة ، فكان ضامناً.

وإن تلفت بغير الرقود ، فإن كان في بيتٍ محرز فأخذه اللّصّ ، أو كان في برّيّةٍ فأخذه اللّصّ من رأس الصندوق ، فالأقرب : عدم الضمان ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه زاده احتياطاً وحفظاً ، والتلف ما جاء منه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه يضمن ـ وبه قال مالك ـ لأنّ رقوده على الصندوق تنبيه عليه وتعظيم لما فيه ، وموهم للسارق نفاسة ما فيه فيقصده (٢).

وهو غلط ؛ لأنّه زاده احتياطاً وخيراً (٣) ، كما لو قال له : ضَع المال في صحن الدار ، فوضعه في البيت ، لم يضمن ، ولا يقال : إنّ هذا يتضمّن التنبيه عليه ، كذا هنا.

وكذا الخلاف فيما لو قال : لا تقفل عليها ، فقفل ، أو قال : لا تقفل عليها إلاّ قفلاً واحداً ، فقفل قفلين ، أو قال : لا تغلق باب البيت ، فأغلق (٤).

وإن كان في البرّيّة فأخذه اللّصّ من جنب الصندوق ، احتُمل عدمُ الضمان ؛ لأنّه إذا كان فوق الصندوق اطّلع على الجوانب كلّها ، فيكون أبلغ في الحفظ ، وثبوتُه ؛ لأنّه إذا رقد عليه أخلى جنب الصندوق ، وربما لا يتمكّن السارق من الأخذ لو كان [ بجنبه ] (٥).

__________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٧٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ١٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « حرزاً » بدل « خيراً ».

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تحته ». والظاهر ما أثبتناه.

١٩٥

وهذا إنّما يظهر إذا فرض الأخذ من الجانب الذي لو لم يرقد عليه لكان يرقد هناك ، وذلك بأن كان يرقد أمام الصندوق فتركه فانتهز السارق الفرصة ، أو قال المالك : ارقد قُدّامه ، فرقد فوقه ، فأخذ السارق المالَ من قُدّامه.

وللشافعيّة وجهان (١) كالاحتمالين.

والأوّل أقوى ؛ لأنّه زاده خيراً (٢).

وكذا لو قال : ضَعْها في هذا البيت ولا تنقلها ، فخاف عليها فنَقَلها ، فلا ضمان ؛ لأنّه زاده خيراً (٣).

ولو أمره بدفن الوديعة في بيته وقال : لا تبن عليه ، فبنى ، فهو كما لو قال : لا ترقد عليه ، فرقد.

تذنيب : لو نقل المستودع الوديعةَ عند الخوف إلى مكانٍ‌ غير ما عيّنه المالك بأُجرةٍ ، لم يرجع بها على المالك ؛ لأنّه متطوّع متبرّع.

مسألة ٤٣ : إذا استودع دراهم أو دنانير أو شبهها وأمره المالك بأن يربطها في كُمّه فأمسكها في يده ، ضمن‌ ؛ لأنّه خالف المالكَ في تعيين الحرز ، ولأنّ الكُمّ أحرز ؛ لأنّ الإنسان في معرض السهو والغفلة والنسيان فيرسل يده فتسقط الوديعة ببسط اليد والإرسال ، فإذا خالف المستودع في الإحراز عن الأعلى إلى الأدنى لا لضرورةٍ كان ضامناً.

واختلفت الرواية عن الشافعي ، فروى المزني أنّه لا يضمن (٤) ، ونقل‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٢ و ٣) في الطبعة الحجريّة : « حرزاً » بدل « خيراً ».

(٤) مختصر المزني : ١٤٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٧٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٠ ، البيان ٦ : ٤٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

١٩٦

الربيع عنه الضمان (١).

واختلف أصحابه على طريقين :

منهم مَنْ قال : ليست على قولين ، وإنّما هي على اختلاف حالين ، وفيها طريقان :

أحدهما : إنّه إن لم يربطها في الكُمّ واقتصر على الإمساك باليد ، ضمن ، كما نقله الربيع ، ورواية المزني محمولة على ما إذا أمسك باليد بعد الربط في الكُمّ.

وأصحّهما عندهم : إنّ رواية المزني محمولة على ما إذا تلفت بأخذ غاصبٍ ، فلا يضمن ؛ لأنّ اليد أحرز بالإضافة ، وإن سقطت بنومٍ أو نسيانٍ ضمن ؛ لأنّها لو كانت مربوطةً في الكُمّ ما ضاعت بهذا السبب ، فالتلف حصل بسبب المخالفة (٢).

ومنهم مَنْ قال : إنّ المسألة على قولين :

أحدهما : الضمان ؛ لأنّ ما في اليد يضيع بالنسيان وبسط اليد ، وما في الكُمّ لا يضيع بهما.

وهذا القول يقتضي الضمان بالوضع في اليد مطلقاً ؛ لأنّها ليست حرزاً على هذا القول.

والثاني : عدمه ؛ لأنّ اليد أحرز من الكُمّ ؛ لأنّ الطرّار يأخذ من الكُمّ ، ولا يتمكّن من الأخذ من اليد (٣).

فروع :

أ ـ لو أمره بالربط في كُمّه فامتثل ، لم يحتج في ذلك إلى الإمساك‌

__________________

(١) الأُمّ ٤ : ١٣٧ ، مضافاً إلى المصادر المزبورة في الهامش السابق ما عدا مختصر المزني.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٧ ، البيان ٦ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٨.

١٩٧

باليد ؛ لأنّه جعلها في حرزٍ أمره المالك به ، فلا يفتقر إلى الزيادة.

ب ـ لو أمره بربطها في كُمّه فجعلها في جيبه ، لم يضمن‌ ؛ لأنّ الجيب أحرز ، فإنّه ربما نسي فسقط الشي‌ء من كُمّه ، إلاّ إذا كان واسعاً غير مزرور ، وهو أحد قولَي الشافعيّة (١).

ولهم وجهٌ ضعيف : إنّه يضمن (٢).

ولو انعكس فقال : ضَعْها في جيبك ، فربطها في كُمّه ، ضمن لا محالة.

ج ـ إذا ربطها في كُمّه بأمر المالك ، فإن جعل الخيط الرابط خارجَ الكُمّ فأخذها الطرّار ضمن‌ ؛ لأنّ فيه إظهارَ الوديعة ، وهو يتضمّن تنبيه الطرّار وإغراءه ، ولأنّ قطعه وحلّه على الطرّار أسهل ، وإن ضاع بالاسترسال وانحلال العقدة لم يضمن إذا احتاط في الربط وقوّة الشدّ ؛ لأنّها إذا انحلّت بقيت الدراهم في الكُمّ.

وإن جعل الخيط الرابط داخلَ الكُمّ ، انعكس الحكم ، فإن أخذه الطرّار لم يضمن ، وإن سقط بالاسترسال ضمن ؛ لأنّ العقد إذا انحلّ تناثرت الدراهم.

واستشكل بعضُ الشافعيّة هذا التفصيلَ ؛ لأنّ المأمور به مطلق الربط ، فإذا أتى به وجب أن لا ينظر إلى جهات التلف ، بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فأفضى إلى التلف ، وقضيّة هذا أن يقال : إذا قال : احفظ الوديعة في هذا البيت ، فوضعها في زاويةٍ منه فانهدمت عليها ، يضمن ؛ لأنّها لو كانت في زاويةٍ أُخرى لسلمت ، ومعلومٌ أنّه بعيد (٣).

مسألة ٤٤ : إذا أودعه دراهم في طريقٍ أو سوقٍ ولم يقل له : اربطها‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٧ ، البيان ٦ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠٠.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠٠.

١٩٨

في كُمّك ، أو : أمسكها في يدك ، فربطها في كُمّه وأمسكها بيده ، فقد بالغ في الحفظ.

وكذا لو جعلها في جيبه وهو ضيّق أو واسع مزرور ، ولو كان واسعاً غير مزرورٍ ضمن ؛ لسهولة أخذها باليد.

ولو أمسكها بيده ولم يربطها في كُمّه ، لم يضمن إن قلنا : اليد حرز ، وإلاّ ضمن.

وقال الشافعي : إن تلفت بأخذ غاصبٍ لم يضمن ، وإن تلفت بغفلةٍ أو نومٍ أو بسط يدٍ ضمن (١).

ولو ربطها ولم يمسكها بيده ، فالحكم النظر إلى كيفيّة الربط وجهة التلف عندهم (٢).

ولو وضعها في الكُمّ ولم يربط فسقطت ، ضمن.

وفصّل بعضُ الشافعيّة فقال : إن كانت خفيفةً لا يشعر بها ضمن ؛ لتفريطه في الإحراز ، وإن كانت ثقيلةً يشعر بها لم يضمن (٣).

وقياس هذا يلزم طرده فيما سبق من صُور الاسترسال كلّها.

ولو وضعها في كور عمامته من غير شدٍّ ، ضمن.

مسألة ٤٥ : إذا أودعه شيئاً وهو في السوق أو الطريق أو غيره ، وقال : احفظ هذه الوديعة في بيتك‌ ، وجب على المستودع المبادرة إلى بيته والإحراز فيه ، فإن أخّر من غير عذرٍ ضمن ، ولو كان لعذرٍ فلا ضمان.

وكذا لو بادر إلى المضيّ إلى بيته فتلفت ، لم يضمن.

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ١٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠٠.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ١٢١ ، البيان ٦ : ٤٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٠٠.

١٩٩

ولو تركها في دكّانه ولم يحملها إلى بيته مع إمكانه ، ضمنها ؛ لأنّ بيته أحرز لها.

ولو أودعه في بيته وقال له : احفظ هذه الوديعة في بيتك ، فجَعَلها في ثيابه وخرج بها ، ضمن ، سواء ربطها وأحكم شدّها أو لا.

ولو ربطها في كُمّه ولم يخرج بها مع إمكان وضعها في الصندوق ونحوه ، ضمن.

ولو كان ذلك لتعذّر فتح قفل الصندوق وشبهه ، فلا ضمان ؛ لأنّه أحرز من البيت.

ولو أودعه في البيت ولم يقل له شيئاً ، فخرج بها مربوطةً في ثيابه ، احتُمل عدم الضمان ؛ لأنّه أحرز عليها بالشدّ والربط ، وذلك حرز مثلها ، ولم ينصّ المُودِع على حرزٍ بعينه.

مسألة ٤٦ : إذا نقل المستودع الوديعةَ من صندوقٍ إلى صندوقٍ غيره أو من خريطةٍ (١) إلى أُخرى أو من ظرفٍ إلى آخَر ، فإن كانت الظروف والصناديق للمالك ضمن ؛ لأنّ المالك بوضعه قد عيّن الحرز ، فإذا خالف المستودع ضمن ، إلاّ مع الخوف والحاجة إلى النقل ، وإن كانت للمستودع لم يضمن ؛ لأنّ له تفريغَ ملكه ، ولا يتعيّن الحفظ فيما وضعه فيه ، فجاز له النقل.

واضطرب قول الشافعيّة هنا.

فقال بعضهم : إن كانت الخريطة للمالك ، ضمن المستودع بذلك ؛ لأنّه نقلها عن ملك صاحبها إلى غيره ، فأشبه ما لو أخرجها من صندوقه ، وإن كانت الخريطة للمستودع وقد عيّنها المالك ، فإن نقلها إلى مثلها أو‌

__________________

(١) الخريطة : وعاءٌ من أَدَمٍ وغيره. الصحاح ٣ : ١١٢٣ « خرط ».

٢٠٠