الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

والأوّل المطلوب.

والثاني [إمّا أن يكون مكلّفا [بضدّهما] (١) ، أو لا.

والثاني] (٢) محال [إذ الثاني] (٣) يستلزم عدم التكليف.

والأوّل يستلزم التكليف بالضدّين. وقد بيّنّا (٤) أنّ الإمام قوله وفعله حجّة ، فيكون معصوما.

[الرابع والستّون : لو لم يكن الإمام معصوما] (٥) لزم أحد الأمرين : إمّا حسن خلو المكلّف عن التكليف ، أو الأمر بالتبيين من غير مبيّن. والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٦) ، وإذا كان الإمام ليس معصوما جاز أن يفسق ، وجاز أن يعلم واحد من المكلّفين بفسقه ، لكنّه هو المبيّن [للمجمل] (٧) والأحكام ، فإذا أخبر بخبر وجب عدم القبول والتبيين ، ولا مبيّن إلّا هو.

فإمّا أن يخلو المكلّف في تلك الواقعة عن التكليف ، فيلزم الأوّل. أو لا يخلو ، فيلزم الثاني.

الخامس والستّون : صدور الذنب موجب لعدم قبول قوله ، والإمامة موجبة لقبول قوله ، وإلّا انتفت فائدته ، وتنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزومات ، وثبوت أحد المتنافيين يوجب امتناع الآخر حال ثبوته ، فيلزم امتناع الذنب ما دامت الإمامة.

__________________

(١) في «ب» : (بضدّها) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» : (والثالث) ، وفي «ب» : (الثاني) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) تقدّم في الدليل الثاني والعشرين والدليل الثاني والثمانين من المائة الرابعة.

(٥) من «ب».

(٦) الحجرات : ٦.

(٧) في «أ» : (للحمل) ، وما أثبتناه من «ب».

٤٢١

السادس والستّون : الإمام قوله حجّة ، ولا شيء من المذنب [قوله حجّة] (١).

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الإمامة مبنيّة على ذلك ، وإلّا لم ينتظم أمر الجهاد ، وإلّا انتفت فائدة الإمام.

وأمّا الكبرى ؛ فللآية (٢).

السابع والستّون : كلّما كان الذنب موجبا لعدم قبول قوله عندنا ، كان الجزم بقوله مشروطا بالعلم بعدم الذنب ، فإنّ العلم بالمشروط مشروط بالعلم بالشرط ، فيلزم ألّا يجزم بقول الإمام ، فتنتفي فائدة نصبه.

الثامن والستّون : قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٣) جعل صدور الذنب موجبا لعدم قبول القول ، فإمّا لاستلزامه الكذب ، أو لسقوط [محلّه] (٤) ، أو لعدم رجحان صدقه حينئذ.

فإذا لم يكن معصوما أمكن صدور الملزوم منه إمكانا قريبا ؛ لوجود القدرة والداعي ـ وهو الشهوة ـ وعدم وفاء الصارف [بتمام] (٥) المانعية ، فيمكن اللازم [حينئذ] (٦).

ومتى جوّز المكلّف عدم وجوب طاعته وتردّد فيها وجوّز أن يكون خالف الله تعالى في شيء [بأن] (٧) أمر [بالمنهي عنه] (٨) ونهى عن المأمور به ، فإنّه لا يحصل له داع [إلى طاعته] (٩) ، وتنتفي فائدته.

__________________

(١) من «ب».

(٢) أي آية النبأ المتقدّمة في الدليل الرابع والستّين من هذه المائة.

(٣) الحجرات : ٦.

(٤) في «أ» : (علّة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (بعدم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» و «ب» : (حال) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) زيادة اقتضاها السياق.

(٨) زيادة اقتضاها السياق.

(٩) من «ب».

٤٢٢

التاسع والستّون : فعل المعصية [مناف] (١) لجواز [قبول] (٢) قوله ، وكلّ ما ينافي جواز قبول قوله كان ممتنعا على الإمام حين الإمامة ، فيلزم امتناع المعصية عليه.

أمّا الصغرى ؛ فللآية (٣).

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّه لو جوّز المكلّف أن يصدر منه ما يمنع جواز قبول قوله ، بحيث يكون قبول قوله منهيا عنه ، ولا طريق إلى العلم [بتمييز] (٤) أحد الوقتين عن الآخر ، فإنّه يمنع ذلك عن طاعته وتنتفي فائدته.

السبعون : الإمام مقرّب من الطاعة ومبعّد عن المعصية ما دام إماما بالضرورة [لو] (٥) أطاعه المكلّف ، وصدور الذنب يستلزم تحريم قبول قوله ، فيكون مبعّدا لو أطاعه المكلّف حين هو إمام ، فيلزم التناقض ، وهو محال.

الحادي والسبعون : كلّما كان دفع الضرر أولى من جلب النفع كان الإمام معصوما ، لكنّ المقدّم حقّ ، فالتالي مثله.

بيان الملازمة : أنّ كلّ ما كان دفع الضرر [فيه] (٦) أولى ، [و] (٧) كان السبب المعارض فيه [مردّدا] (٨) بين كونه سببا لجلب الضرر أو لجلب النفع ، كان تركه أولى من فعله.

والملازمة ظاهرة ، فلو كان الإمام غير معصوم لكان قبول قوله وطاعته مردّدا بين كونه جلبا للنفع أو جلبا للضرر ، فيكون ترك ذلك أولى ، هذا خلف.

وأمّا [حقيّة] (٩) المقدّم ، فقد ثبت في علم الكلام (١٠).

__________________

(١) في «أ» : (مناو) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (قبوله) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) أي آية النبأ (الحجرات : ٦) المتقدّمة.

(٤) في «أ» : (بتميّز) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (أو) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) زيادة اقتضاها السياق.

(٧) زيادة اقتضاها السياق.

(٨) زيادة اقتضاها السياق.

(٩) في «أ» : (حقيقة) ، وما أثبتناه من «ب».

(١٠) مناهج اليقين في أصول الدين : ٢٤٧.

٤٢٣

الثاني والسبعون : لا شيء من إمامة غير المعصوم بخال عن وجوه المفاسد بالإمكان ، [وكلّ] (١) واجب خال عن وجوه المفاسد بالضرورة. ينتج : لا شيء من إمامة غير المعصوم بواجبة ، وهو المطلوب.

الثالث والسبعون : متى تعارض الشيء بين الوجوب و [التحريم] (٢) قدّم التحريم ، ولا ريب أنّ غير المعصوم يحتمل في كلّ آن أن يفسق ، فيكون قبول قوله وطاعته [مردّدا] (٣) بين الوجوب والتحريم ، فيقدم التحريم ، فلا يجوز قبول قوله ، فيستحيل إمامته.

الرابع والسبعون : الواجب لا يحتمل أن يكون حراما ، واتّباع قول غير المعصوم يحتمل أن يكون حراما.

وكلّ إمام فاتّباع قوله واجب ، فلا يمكن أن يكون الإمام غير معصوم.

الخامس والسبعون : كلّ [فاسق] (٤) فهو غير مقبول قوله بمجرّده بالضرورة ؛ للآية (٥) ، والشرع كاشف. وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : [كلّ] (٦) من يجب قبول قوله بمجرّده فليس بفاسق بالضرورة ، وكلّ من امتنع فسقه فهو المعصوم.

والإمام يجب قبول قوله بمجرّده.

السادس والسبعون : لو كان الإمام غير معصوم احتمل أن يفسق ، فيجب عدم قبول قوله. ومتى جوّز المكلّف ذلك كان المكلّف إلى إمام آخر مبيّن لحالة فسقه أو عدم فسقه أحوج من إمام مبيّن له كلّ مجمل الخطاب والأحكام.

فتكون إمامة غير المعصوم محوجة إلى إمام آخر.

__________________

(١) في «أ» : (فكلّ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (التحرّز) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (متردّة) ، وفي «ب» : (متردّدة) ، وما أثبتناه من هامش «ب».

(٤) في «أ» : (إمام) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) أي آية النبأ (الحجرات : ٦) المتقدّمة.

(٦) من «ب».

٤٢٤

السابع والسبعون : إذا كان الإمام غير معصوم كانت حاجة المكلّفين إلى إمام آخر أشد من عدمه ؛ لأنّ الإمام غير المعصوم يمكن أن [يحمل] (١) المكلّف على المعصية. والعقل والأمر والنهي لا يكفي في التكليف ، بل لا بدّ من مقرّب مبعّد ، فلا بدّ من إمام آخر يأمن المكلّف معه ذلك.

الثامن والسبعون : كلّ إمام ليس اتّباع غيره من رعيّته أولى من اتّباعه بالضرورة.

ولمّا كان مناط قبول القول العدالة ، وكان لها (٢) طرفان : الفجور ، والعصمة ، كانت قابلة للأقل والأكثر. وكلّما كانت العدالة والصلاح أكثر كان أولى بقبول القول.

فالإمام إمّا أن يشترط فيه العدالة ، أو لا.

والثاني محال ؛ لاشتراطها في الشاهد (٣) والراوي (٤) ، فكيف الحاكم المتصرّف في أمور الدين كلّها؟!

والأوّل إمّا أن يشترط فيه العدالة المطلقة البالغة العصمة ، وهو المطلوب.

وإمّا ألّا يشترط ذلك ، فيمكن زيادة غيره عليه في الصلاحية ، فيكون قبول قوله أولى ، وهو ينافي المقدّمة الأولى.

التاسع والسبعون : الإمام (٥) تصرّفه وقدرته في الغير ، [فيزيد] (٦) تكليفه ، فيصير أحوج إلى إمام آخر من رعيّته.

__________________

(١) في «أ» : (يكون) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في هامش «ب» : (له) بدل : (لها).

(٣) المقنعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ١٤ : ٧٢٥ ـ ٧٢٦. النهاية : ٣٢٥.

(٤) العدّة في أصول الفقه ١ : ١٤٨. معارج الأصول : ١٥٠. تهذيب الوصول إلى علم الأصول : ٢٣٢.

المحصول في علم أصول الفقه ٤ : ٣٩٨.

(٥) في «ب» زيادة : (يريد) بعد : (الإمام).

(٦) في «أ» و «ب» : (فيريد) ، وما أثبتناه للسياق.

٤٢٥

الثمانون : الشريعة كما تحتاج إلى مقرّر ومؤسّس وهو [النبيّ] (١) ، تحتاج إلى حافظ ومقيم لها وهو الإمام.

وعلّة الاحتياج إلى الأوّل (٢) هو حسن التكليف وأهلية المكلّف له وعدم الوحي إليه ، وإنّما تنقطع الحاجة بمن يوحى إليه ليعرف الأحكام بالوحي.

وعلّة الحاجة إلى الثاني هو تكليف المكلّف وعدم عصمته [وعدم] (٣) ضبطه الأحكام وتعذّر بقاء النبيّ دائما ، [فإنّما] (٤) تنقطع الحاجة بمعصوم [ضابط] (٥) ؛ فهما متساويان في اللطف المقرّب المبعّد ، فيتساويان في الوجوب.

الحادي والثمانون : الإمام قائم [مقام] (٦) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في التبليغ وفي حفظ الشريعة وفي حمل المكلّف عليها ودعائه إليها ، وإنّما يفترقان في التبليغ عن الله تعالى وعن المخبر عنه والوحي وعدمه.

وكما اشترط في الأوّل العصمة ؛ لما بيّن في علم الكلام (٧) ، فكذا في الثاني.

الثاني والثمانون : إذا كان الإمام قائما مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [في هذه الأشياء ، فكما لا يحتمل فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله] (٨) وقوله فيهما النقيض ، فكذا الإمام.

وإنّما يكون كذلك إذا كان معصوما.

__________________

(١) في «أ» : (النفي) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» و «ب» زيادة : (و) بعد : (الأوّل) ، وما أثبتناه موافق للسياق.

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (فإمّا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (ضابطة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) من «ب».

(٧) النكت الاعتقادية (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ١٠ : ٣٧. أوائل المقالات (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ٤ : ٦٢. الذخيرة في علم الكلام : ٣٣٧ ـ ٣٤١. تنزيه الأنبياء : ١٥ ـ ٢٣. تقريب المعارف : ١٥٣. الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ٢٦٠. تلخيص المحصّل : ٣٧٠ ـ ٣٧١. قواعد المرام في علم الكلام : ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٨) من «ب».

٤٢٦

الثالث والثمانون : لا يحصل الغرض من الإمام إلّا بشروط ، منها أن يأمن المكلّف من خطئه في الحكم وكذبه في التبليغ ، ويجزم بامتناع تكليفه بغير ما كلّفه الله تعالى. ولا يمكن ذلك إلّا في المعصوم.

الرابع والثمانون : إذا كان [الإمام] (١) قائما مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تعريف الأحكام ، وفي حمل المكلّف عليها ، وفي محاربة الكفّار ، وفي جميع ما أرسل به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأمّة سوى الوحي ، كان أمره كأمره ، وفعله كفعله ، ومخالفته [كمخالفته] (٢). ولو لم يكن معصوما لم يكن كذلك.

الخامس والثمانون : لمّا كان الإمام قائما مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ الأحكام وبيان الخطاب والحمل عليه ، لم يعتن باجتهاد أحد من المجتهدين مع التمكّن من الإمام ؛ لوجوب متابعة [قوله كالنبيّ] (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وإذا كان كذلك فيكون قوله قطعي الصحّة ، فلا شيء من الإمام [غير المعصوم] (٤) قوله قطعي الصحّة.

السادس والثمانون : الإمام واسطة بين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [والأمّة] (٥) كالنبيّ واسطة بين الله تعالى والأمّة ، فلو جاز الخطأ عليه لأمكن ألّا يكون واسطة في ذلك في وقت ما. لكنّه واسطة دائما ، فكيف يتحقّق منه المعاصي؟!

السابع والثمانون : كلّ غير معصوم محتاج إلى هذه الواسطة ؛ لتساويهم في علّة الحاجة ، فلو كان الإمام [غير معصوم] (٦) لاحتاج (٧) إلى واسطة أخرى ، بل احتياجه أشدّ.

__________________

(١) من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» : (قول النبيّ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» و «ب» : (بغير معصوم) ، وما أثبتناه للسياق.

(٥) زيادة اقتضاها السياق.

(٦) في «أ» و «ب» : (واسطة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) في «ب» : (لاحتياج) بدل : (لاحتاج).

٤٢٧

الثامن والثمانون : لمّا كان الإمام هو الواسطة بين الله تعالى وعبده وكلّ غير المعصومين لزم ألّا يكون منهم ، وإلّا لكان واسطة لنفسه.

التاسع والثمانون : لمّا كان الإمام هو الواسطة بين الله تعالى والأمّة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا بدّ وأن يكون أكمل من الجميع فيما هو واسطة فيه. لكنّه واسطة في العلم بالأحكام والعمل.

والأكمل من الكلّ وممّن نفرض وجوده المشارك لهم في علّة الاحتياج إلى الواسطة ، وهو عدم العصمة دائما ، لا بدّ وأن يكون معصوما ، وإلّا لأمكن كمالية أحد منهم عليه في وقت ، هذا خلف.

التسعون : الإمام هو حجّة الله تعالى على كلّ مكلّف في كلّ حكم ، فلا يصدر منه ذنب ؛ لاستحالة أن يجعل الله تعالى حجّته على العباد فاعل الذنب في ذلك الحكم حالة. وهذا ظاهر لا يحتاج إلى برهان.

الحادي والتسعون : كلّ من يجوز خطؤه يحتاج إلى [هاد] (١) إمّا علما أو عملا [أو] (٢) كلاهما ، وهو الإمام.

ولمّا كان واحدا في كلّ زمان كان هاديا للكلّ ، فلا يمكن أن يحتاج هو إلى هاد ، وإلّا لم [يمكن] (٣) هدايته لغيره إلّا بعد تحقّق هاديه ، فلا يكون قوله وفعله حجّة حتى يكون له إمام آخر.

الثاني والتسعون : يستحيل من الله تعالى أن ينصّب للأمّة هاديا يحتاج إلى هاد من غير أن يجعل له هاديا ، وهذا ظاهر.

وكلّ غير معصوم يحتاج إلى هاد من غيره ؛ لأنّا نعني بالهادي هو المقرّب إلى الطاعة والمبعّد عن المعصية ، فلو لم يتوقّف عليه الفعل لم يكن واجبا.

__________________

(١) في «أ» : (برهان) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (و) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (يكن) ، وما أثبتناه من «ب».

٤٢٨

فلو كان الإمام غير معصوم ولا إمام له استحال أن [يجعله] (١) الله تعالى هاديا للأمّة ، فكل إمام هاد.

الثالث والتسعون : حيث [الإمامة] (٢) شرطها العدالة ، والإمامة [إمامة] (٣) مطلقة لا أعلى منها [أصلا غير النبوّة ، فشرطها العدالة المطلقة التي لا أعلى منها] (٤) ، وهي العصمة.

الرابع والتسعون : لمّا كان الفاسق لا يقبل إخباره في أدنى الأمور الجزئية فالأمور الكلّية التي هي تقرير الشرائع بحيث تبقى إلى ما بعده لا تقبل فيها إلّا (٥) أخبار من يجزم قطعا بعدم جواز الفسق عليه ، وهو العصمة.

الخامس والتسعون : يستحيل من الله تعالى أن يأمرنا في تحصيل الهداية باتّباع من يمكن أن يضلّنا ولا يهدينا مع وجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف والمانع الذي هو التكليف.

والعقل غير كاف لغير المعصوم ، وعلم الله تعالى مطابق [يعلم] (٦) الأشياء كما هي ، فإذا كان يمكن الإضلال لا يعلم خلافه ، وإنّما يعلم إمكان الإضلال.

لا يقال : لا يلزم من هذا الإمكان الوقوع ، فجاز أن يعلم الله تعالى أنّ هذا لا يقع.

لأنّا نقول : لكنّ المكلّف يجوّز ذلك ، فلا يحصل له داع إلى اتّباعه ؛ إذ لم يأمن باتّباع الهلاك ، بل هو داع عظيم إلى ترك امتثال قوله ، فتنتفي فائدته.

السادس والتسعون : أمر الله تعالى ونهيه وترغيبه في الثواب وترهيبه [بحصول] (٧) العقاب ـ مع جزم المكلّف جزما تامّا بأنّ الله تعالى صادق الوعد ، فيلزم

__________________

(١) في «أ» : (يجعل) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (الإمام) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» زيادة : (على) بعد (إلّا) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٦) في «أ» : (بعلم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» : (لحصوله) ، وما أثبتناه من «ب».

٤٢٩

الجزم بحصول النجاة بامتثاله والهداية باتّباعه ، والضلال بعدمه المؤدّي إلى استحقاق العذاب قطعا ـ لا يكفي في تحصيل داعي المكلّف إلى الفعل وترغيبه منه ، بل يحتاج إلى إمام ، وإلّا لما وجب لغير المعصوم. فكيف يكفي في تحصيل طريق يجوّز المكلّف كونه سببا للهلاك؟! وكيف يجوز من الحكيم الذي حكمه لا يتناهى أن يأمر من يعلم أنّه لا يكفيه الطريق المؤدّي إلى السلامة والصواب دائما قطعا باتّباع طريق في ذلك يمكن أن يكون طريقا إلى الهلاك ، وإلى المبعّد عن الطريق الأوّل؟! وليس هذا إلّا من [النقص] (١) التامّ ، ويستحيل من الكامل المطلق أن يصدر منه ذلك.

السابع والتسعون : النتائج الضرورية إنّما تحصل من القضايا الضرورية ؛ لما ثبت في علم البرهان (٢) ، فلو لم يكن الإمام معصوما لكان الله تعالى قد أمرنا باستنتاج القضايا الضرورية [من] (٣) غيرها.

والتالي باطل ؛ لأنّه إنّما يتحقّق من الجهل أو (٤) العبث ، فالمقدّم مثله.

وبيان الملازمة : أنّ الإصابة في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه واستحقاق الثواب والعقاب ضرورية ، [ويحصل] (٥) ذلك من غير المعصوم الذي لا يكون ضروريا منه ذلك ؛ لإمكان خلافه ، وهو [الاستنتاج] (٦) الضروري من غيره ، وهو محال.

__________________

(١) في «أ» : (النقض) ، وفي «ب» : (النقيض) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) الشفاء (المنطق ، البرهان) : ١٥٠. تجريد المنطق : ٣٥. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

(٣) في «أ» : (و) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «ب» : (و) بدل : (أو).

(٥) في «أ» : (محصّل) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (الاستفتاح) ، وما أثبتناه من «ب».

٤٣٠

الثامن والتسعون : أمر الإمام ونهيه واتّباعه (١) في تحصيل الإصابة في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه وتحصيل استحقاق الثواب ومخالفته في استحقاق العقاب ليس من باب الاستقراء ولا التمثيل ؛ لأنّهما ليسا دليلين ، والله تعالى جعل الإمام دليلا. ولا من باب الخطابة ؛ لاختصاصها بالعوام ، ولا من باب الجدل ؛ لأنّه لا طريق بعده ، ولا من باب المغالطة ، وهو ظاهر.

فتعيّن أن يكون برهانا ، فيجب أن يكون معصوما ، وإلّا [لاستنتج] (٢) النتائج الضرورية من الممكنات في البرهان ، وهذا محال قد ثبت في علم البرهان (٣). فيستحيل أن يجعله الله تعالى طريقا وأن يأمر به.

التاسع والتسعون : لو لم يكن الإمام معصوما لزم أن (٤) يكون الله تعالى قد جعل الطريق المقرّب ما يستحيل أداؤه إلى المطلوب ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ المطلوب هو تحصيل الإصابة في أوامر الله تعالى ونواهيه ، فهي ضرورية ، والإمام غير المعصوم طريق من القضايا الممكنة ، ويستحيل استنتاج الضروري من الممكن في البرهان (٥).

وأمّا بطلان التالي فظاهر ؛ إذ جعل طريق شيء إلى تحصيل شيء محال أن يحصل منه من الحكيم العالم محال.

المائة : [الإمام] (٦) إمّا أن يكون معصوما في التبليغ ، أو لا.

__________________

(١) في «أ» و «ب» زيادة : (إمّا أن يكون) بعد : (اتّباعه) ، وما أثبتناه موافق للسياق.

(٢) في «أ» و «ب» : (لا يستنتج) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) انظر : الشفاء (المنطق ، البرهان) : ١٥٠. تجريد المنطق : ٣٥. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٦٣.

(٤) في «ب» زيادة : (لا) بعد : (أن).

(٥) انظر : الشفاء (المنطق ، البرهان) : ١٥٠. تجريد المنطق : ٣٥. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٦٣.

(٦) في «أ» : (الإمامة) ، وما أثبتناه من «ب».

٤٣١

والثاني يستلزم جواز الإضلال والدعاء إلى المعاصي ، فلا يبقى وثوق بقوله ، ولا يحصل للمكلّف وثوق بأنّه لطف.

والأوّل يستلزم عصمته مطلقا ؛ لأنّه كلّما لم يكن معصوما في الأفعال لم يكن معصوما في الإخبار (١) ؛ للآية (٢).

تمّ ، الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

__________________

(١) في «أ» زيادة : (و) بعد : (الإخبار) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٢) آية النبأ (الحجرات : ٦).

٤٣٢

المحتويات

مقدمة التحقيق.................................................................. ٧

ترجمة المؤلف..................................................................... ٩

اسمه وكنيته ولقبه............................................................ ٩

مولده...................................................................... ٩

أسرته.................................................................... ١٠

ما قيل فيه................................................................ ١١

معاصروه من العلماء........................................................ ١٤

أبرز جوانب حياته......................................................... ١٤

أساتذته.................................................................. ١٧

تلامذته.................................................................. ١٨

مؤلفاته ومصنفاته.......................................................... ٢٠

بعض أخباره.............................................................. ٢٣

وفاته ومدفنه.............................................................. ٢٦

وصيته لولده.............................................................. ٢٧

النسخ الخطية المعتمدة........................................................ ٣١

منهج العمل................................................................. ٣٤

مقدمة المؤلف.................................................................. ٤٣

المقدمة........................................................................ ٤٥

٤٣٣

البحث الأول : ما الإمام؟.................................................... ٤٥

البحث الثاني : الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص............................. ٤٥

البحث الثالث : كل مسألة لابد لها من موضوع ومحمول.......................... ٤٦

البحث الرابع : في أن نصب الإمام لطف....................................... ٤٨

البحث الخامس : لا يقوم غير الإمامة مقامها.................................... ٤٨

البحث السادس : في أن نصب الإمام واجب.................................... ٥٥

النظر الأول : في الوجوب.................................................. ٥٥

النظر الثاني : في كيفية الوجوب............................................. ٦٤

النظر الثالث : في طريق وجوبه.............................................. ٦٥

النظر الرابع : في محل الوجوب............................................... ٦٩

النظر الخامس : في نقل مذهب الخصم وإبطاله................................ ٧٢

المائة الأولى من الأدلة الدالة على وجوب عصمة الإمام عليه‌السلام....................... ١٠٣

البحث السابع : في عصمة الإمام............................................ ١٠٥

المائة الثانية من الأدلة الدالة على وجوب عصمة الإمام عليه‌السلام....................... ١٦٥

المائة الثالثة من الأدلة الدالة على وجوب عصمة الإمام عليه‌السلام....................... ٢١٩

المائة الرابعة من الأدلة الدالة على وجوب عصمة الإمام عليه‌السلام....................... ٢٦٣

المائة الخامسة من الأدلة الدالة على وجوب عصمة الإمام عليه‌السلام...................... ٣٣٧

المائة السادسة من الأدلة الدالة على وجوب عصمة الإمام عليه‌السلام..................... ٣٨٩

المحتويات..................................................................... ٤٣٣

٤٣٤