الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

الثالث والثمانون : الإمام يجب أن يؤتمّ به ، ويجب القبول منه والانقياد له ، فلو لم يكن معصوما لم يؤمن فيما يأمر به و [ينهى] (١) أن يكون قبيحا ، ولا يجوز تكليف الرعية للانقياد لمن هذه حاله والتزام طاعته ، بل إذا لم يكن معصوما لا يمتنع أن يرتدّ ، وأن يدعو إلى الارتداد.

وليس بعد ثبوت العصمة إلّا القول بأنّه لا بدّ من إمام منصوص عليه في كلّ زمان.

فاعترض على هذا القاضي عبد الجبّار بوجوه :

الأوّل : أنّه إنّما يلزم هذا لو قلنا بوجوب اتّباع الإمام في كلّ شيء وليس ، بل الإمام عندنا هو الذي إليه القيام بأمور مبيّنة في الشرع ، والذي يلزم طاعته [منه] (٢) ما بيّن الشرع حسن ذلك ، كما روي عن أبي بكر أنّه قال : (أطيعوني ما أطعت الله ، فإذا عصيت الله فلا [طاعة] (٣) لي عليكم) (٤). وهذه طريقة عليّ عليه‌السلام فيما كان يأمر به.

لا يقال : إذا دعا [قوما] (٥) إلى محاربة أو غيرها وهم لا يعلمون وجهها أيلزم طاعته به؟

فإن قلتم : نعم ، يلزم (٦) أن يكون معصوما ؛ لأنّه إن لم يكن كذلك جاز فيما يأمر به أن يكون قبيحا.

وإن قلتم : لا ، لزم (٧) إفحامه ، فتنتفي فائدته.

لأنّا نقول : الواجب اتّباعه فيما لا يعلم قبحه وإن كان لا [يمتنع] (٨) أمره

__________________

(١) في «أ» : (ينهيه) ، وفي «ب» : (نهيه) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) في «أ» و «ب» : (به) ، وما أثبتناه من هامش «ب» والمصدر.

(٣) في «أ» : (حاجة) ، وما أثبتناه من «ب» والمصدر.

(٤) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠. الكامل في التاريخ ٢ : ٢٢٥.

(٥) في «أ» : (قومها) ، وما أثبتناه من «ب» والمصدر.

(٦) في «ب» : (لزم) بدل : (يلزم).

(٧) في «أ» زيادة : (أن يكون) بعد : (لزم) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٨) في «أ» : (يمنع) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٢١

[بالقبيح] (١) ، لكنّ فاعله مقدم على حسن من حيث يفعله لا على الوجه الذي يقبح ، كما أنّ العبد مكلّف أن يطيع مولاه فيما لا يعلمه قبيحا على الوجه المذكور ، فكذا رعية الإمام.

الثاني : أنّه (٢) قد ثبت أنّ المأموم في الصلاة مكلّف بأن يتّبع الإمام إذا لم يعلم صلاته فاسدة ، ولا يخرج من أن يكون مطيعا وإن جوّز في صلاة الإمام أن تكون قبيحة ؛ لأنّه إنّما كلّف أن يلزم اتّباعه في أركان الصلاة ، ولم يكلّف أن يعلم باطن فعله ، فكذلك القول في الإمام.

وعلى هذه الطريقة يجري الكلام في الفتاوى والأحكام وغيرهما.

الثالث : يلزم (٣) من قولهم ألّا [ينقاد] (٤) الرعية للأمراء إذا لم يكونوا معصومين لمثل هذه العلّة التي ذكروها ، وإذا لم تجب لأجل ذلك عصمتهم ولم يمنع ذلك من وجوب طاعتهم ما لم يعلم دعاؤهم إلى المعصية ، فكذا القول في الإمام (٥).

والجواب عن الأوّل من وجوه :

الأوّل : أنّه لو لم يجب اتّباعه إلّا فيما يعلم حسنه لزم إفحامه ؛ لأنّ المكلّف يقول له : لا أعلم حسن هذا إلّا بقولك ، وقولك ليس بحجّة.

ووجوب اتّباعه فيما لا يعلم قبحه لا يدفع وجه المفسدة ؛ لأنّ المفسدة إنّما لزمت من عدم أمن المكلّف من أمره بالقبيح وتجويز ارتكابه الخطأ ، ولا يندفع هذا إلّا بدفع هذا الاحتمال ، ونقيض الممكنة الضرورية (٦). فيجب القول بامتناع القبيح عليه ، وهذا هو العصمة.

__________________

(١) في «أ» : (القبح) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) لم ترد في «ب» : (أنّه).

(٣) في «أ» زيادة : (أن يكون) بعد : (يلزم) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٤) في «أ» : (الانتفاء) ، وما أثبتناه من «ب» والمصدر.

(٥) المغني في أبواب التوحيد والعدل (في الإمامة ١) : ٩٠ ـ ٩١ بالمعنى.

(٦) تجريد المنطق : ٢٥. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

٣٢٢

الثاني : ما ذكره السيّد المرتضى من أنّ وجوب اتّباع غير المعصوم فيما لا يعلم قبحه يستلزم إمكان أن [يتعبّد الله تعالى بفعل القبيح على وجه من الوجوه ؛ لإمكان أن] (١) يكون ذلك الذي يأمر به معصية ، لكنّ ذلك محال ، فيلزم عصمته (٢).

الثالث : ما ذكره السيّد المرتضى أيضا ، وهو أنّ الإمام إنّما هو إمام في جميع الدين ، وما لم يكن متّبعا [فيه] (٣) من الدين يخرج عن كونه إماما فيه. وهذه الجملة لا خلاف فيها ، فليس لأحد أن ينازع فيها ؛ لأنّ المنازعة في هذا الإطلاق خرق الإجماع.

وأمّا ما رواه عن أبي بكر فلا يفيد علما ولا عملا ؛ للمنع من إمامته أولا ، ولأنّه خبر واحد لا يفيد في المسائل العلمية (٤).

وأيضا : فلأنّه إذا بيّن أنّ كلّ ما يقوله ليس بحجة ، فإمّا ألّا يكون شيء منها حجّة ، فلا حجّة في الخبر المذكور. وإمّا أن يكون البعض حجّة والبعض الآخر ليس بحجّة ، فلا يدلّ أيضا ؛ لجواز كونه من ذلك البعض.

والأصل فيه أنّ الجزئية لا تصلح كبرى في الشكل الأوّل (٥) ، فحينئذ لا يمكن الاستدلال [بالخبر المذكور عند ردّه إلى النهج المنطقي ، مثل أن يقال : هذا خبر إمام ، وكلّ خبر إمام هو حجّة. [يمنع] (٦) كلّية الكبرى على ذلك التقدير [...] (٧) الجزئية ، أي بعض خبر الإمام حجّة ، وهو الكبرى الأولى] (٨).

__________________

(١) من «ب».

(٢) الشافي في الإمامة ١ : ٣٠٩.

(٣) من «ب».

(٤) الشافي في الإمامة ١ : ٣٠١.

(٥) الإشارات والتنبيهات (المنطق) : ٣٨٨. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٣٣٧.

(٦) في «ب» : (نمنع) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) في «ب» : كلمة غير مقروءة.

(٨) من «ب».

٣٢٣

قوله : هذه طريقة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فليس في ذلك زيادة على الدعوى ، ولم يذكر رواية عنه تقتضي ذلك ، فلا دلالة لنتكلّم عليها. والذي يؤمننا ممّا ظنّه قيام الدلالة على إمامته وقيامها على أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، ومقتدى به في جميع الدين (١).

قوله : الواجب اتّباعه فيما لا يعلم قبحه وإن كان أمره [بالقبيح] (٢) ، لكنّ فاعله مقدم على حسن من حيث يفعله لا على الوجه الذي يقبح.

قلنا : محال أن يقع الفعل قبيحا على وجه من بعض الفاعلين ، ويقع على ذلك الوجه من فاعل آخر ولا يكون قبيحا ؛ لأنّ علّة القبح الوجوه والاعتبارات. فالمحاربة إذا دعا الإمام إليها وفعلها وكانت قبيحة منه (٣) لم تصحّ منه ؛ لأنّه عالم [بقبحها] (٤) ، بل لأنّه متمكّن من العلم بذلك ؛ لأنّ التمكّن في هذا الباب يقوم مقام العلم. ورعية [الإمام] (٥) إذا كانوا متمكّنين من العلم بقبح المحاربة وما يعود به الفساد في الدين [قبحت] (٦) منهم وإن لم يعلموا وجهها في الحال ؛ لتمكّنهم من العلم بقبحها ، فلا بدّ وأن يكونوا متمكّنين. فكيف تكون المحاربة قبيحة منه غير قبيحة منهم؟!

ولو سلّمنا جواز عدم تمكّنهم من العلم بحال المحاربة في القبح [أو] (٧) الحسن لم يقدح أيضا ؛ لأنّ الكلام فيما مكّنوا من العلم بحاله من جملة ما دعاهم الإمام إلى فعله.

__________________

(١) الشافي في الإمامة ١ : ٣١٢ بالمعنى.

(٢) في «أ» : (بالقبح) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» زيادة : (و) بعد : (منه) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٤) في «أ» : (بقبح) ، وما أثبتناه من «ب» والمصدر.

(٥) في «أ» : (العلم) ، وما أثبتناه من «ب» والمصدر.

(٦) في «أ» : (فتجب) ، وفي «ب» : (فيجب) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٧) في «أ» : (و) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٢٤

ولو استقام له ما أراده من المحاربة لم يستقم له مثله في غيرها من أمور الدين ؛ لأنّ الإمام لا بدّ وأن يكون إماما في سائر الدين مقتدى به في جميعه ، ما كان معلوما وجهه للرعية وما لم يكن ، على ما دللنا عليه من قبل.

فيلزم على هذا أن لو دعاهم إلى غير المحاربة ممّا لا يمكن المنازع أن يدّعي كونه حسنا أن يلزم طاعته والانقياد لأمره من حيث وجب الاقتداء به ، فأمّا العبد [فلم يكلّف] (١) طاعة مولاه [إلّا] (٢) فيما لا يعلمه قبيحا ، [ممّا] (٣) تمكّن من العلم بقبحه ، [وحكم ما يتمكّن من العلم بقبحه] (٤) حكم ما يعلمه قبيحا ، وأمّا ما لا سبيل له إلى العلم بحاله فيجوز ألّا يقبح منه وأن يقبح من المولى.

وليس هذه حال الإمام ؛ لأنّ كلامنا على ما أمرنا باتّباعه فيه فيما يتمكّن من العلم بحاله ، فلا بدّ وأن يكون القبيح منه قبيحا منّا (٥).

وعن الثاني : أنّ إمامة الصلاة ليست بإمامة حقيقة ؛ لأنّه لم يثبت فيها معنى الاقتداء الحقيقي.

سلّمنا كونها إمامة حقيقة ، لكنّ الاقتداء هنا فيما التكليف فيه منوط بالظنّ ، وثمة الاقتداء لتحصيل العلم وإزالة الاحتمال وإزالة الشكّ والريب.

وعن الثالث : أنّ [الأمير] (٦) مولّى عليه ، ولعصمة الإمام وعدم مسامحته له يخاف من المؤاخذة والعزل ، و [خطؤه] (٧) ينجبر بنظر الإمام عليه‌السلام ووجوده

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (فلما كلّف) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) في «أ» و «ب» : (فما) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) الشافي في الإمامة ١ : ٣١٣ ـ ٣١٤ بالمعنى.

(٦) في «أ» : (أمير) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» : (خطأ) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٢٥

ويستدرك ، بخلاف من [لا] (١) ولاية عليه ولا يخاف [من] (٢) معاقبة أحد ، وهو المتسلّط على العالم وليس أحد متسلّطا عليه.

وأيضا فإنّ الإمام ولايته متّبعة عامّة ، وولاية الأمير خاصّة.

وقال السيّد المرتضى رحمه‌الله : (الاقتداء بإمام لا بدّ أن يكون مخالفا للاقتداء بكلّ من هو دونه من أمير وقاض وحاكم ، ولأنّ معنى الإمامة أيضا لا بدّ وأن يكون مخالفا لمعنى الإمارة من غير رجوع إلى [اختلاف] (٣) [الاسم] (٤). وإذا كان لا بدّ من مزيّة [بين الإمام ومن ذكرناه من الأمراء وغيرهم في معنى الاقتداء ، فلا مزيّة] (٥) يمكن إثباتها إلّا ما ذكرناه) (٦).

وفيه نظر ، فإنّ المحال اللازم في وجوب اتّباع غير المعصوم آت هاهنا ، ولا ينفع هذا في دفعه. ولأنّا نمنع انحصار المزيّة فيما ذكرتم.

الرابع والثمانون : الإمام له صفات :

الأولى : أنّه واحد.

الثانية : أنّه يولّي ولا يولّى عليه.

الثالثة : أنّه يعزل ولا يعزل.

الرابعة : يجب على غيره طاعته ، ولا يجب عليه طاعة غيره حال كونه إماما.

الخامسة : كلامه وفعله كلّ منهما دليل.

السادسة : اعتقاد الثواب في أفعاله وأقواله والجزم بعدم خطئه.

السابعة : له التصرّف المطلق.

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» : (مع) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» و «ب» : (خلاف) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في «أ» : (الإمام) ، وما أثبتناه من «ب» والمصدر.

(٥) من «ب» والمصدر.

(٦) الشافي في الإمامة ١ : ٣١٥.

٣٢٦

الثامنة : مخالفه يحلّ محاربته إلى أن يرجع إلى طاعته بمجرّد مخالفته.

التاسعة : يجب تعظيمه كتعظيم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

العاشرة : أنّه حافظ للشرع.

الحادية عشرة : المحاربة والجهاد بأمره ودعائه.

الثانية عشرة : أنّه مقيم للحدود.

الثالثة عشرة : أنّه داع إلى الطاعات مقرّب إليها.

الرابعة عشرة : مبعّد عن المعاصي.

إذا تقرّر ذلك فنقول : هذه الأشياء مفتقرة إلى العصمة.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ [وحدته] (١) توجب عدم من يقرّبه إلى الطاعة ويبعّده عن (٢) المعصية ، فلا يحتاج ، فتنتفي علّة الحاجة فيه ، [وهي] (٣) عدم العصمة فيه.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّه لو لم يكن الخطأ مأمونا لم يؤمن أن يولّي من لا يحسن ولايته ، وفي ولايته سبب لهلاك الدين وفساد المسلمين.

وأمّا الثالث ؛ فلأنّه إذا لم يعزل أمن في ارتكابه الخطأ ، وإذا عزل هو جاز أن يعزل الأصلح في الولاية.

وأمّا الرابع ، فحاجته إلى العصمة ظاهرة ، و [إلّا] (٤) لزم أحد [أربعة] (٥) أمور : إمّا إفحامه ، أو إمكان وجوب المعصية في نفس الأمر ، أو تكليف ما لا يطاق ، أو التناقض.

لأنّه إن وجب طاعته فيما يعلم صوابه لزم إفحامه ؛ لأنّ قوله غير حجّة إذن ، ودعوى المكلّف بعدم الظفر بالدليل لا يمكن ردّها.

__________________

(١) في «أ» : (وجدت) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «ب» : (على) بدل (عن).

(٣) في «أ» : (فهي) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (إذا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» و «ب» : (ثلاثة) ، وما أثبتناه للسياق.

٣٢٧

وإن وجب مطلقا لزم إمكان وجوب المعصية ؛ لجواز أمره بها.

وإن كان في بعض الأحكام غير معيّن لزم تكليف ما لا يطاق.

وإن لم تجب طاعته في شيء ناقض وجوب طاعته.

وأمّا الخامس ؛ فلأنّه لو كان الخطأ عليه جائزا لم يكن كلامه وفعله دليلا.

وأمّا السادس ؛ فلأنّه لو جاز عليه الخطأ لم يحصل اعتقاد الصواب في أفعاله وأقواله والجزم بعدم خطئه ؛ لعدم اجتماع الجزم مع إمكان النقيض.

لا يقال : ينتقض بالعاديّات.

لأنّا نقول : ثبوت العادة غير معلوم هاهنا ، فيستحيل الجزم.

وأمّا السابع ؛ فلأنّ التصرّف المطلق يستحيل من الحكيم أن يجعله لمن يجوز منه الظلم والكفر وأنواع التعدّي والخطأ في الأقوال والأفعال.

وأمّا الثامن ؛ فلأنّ مخالفة غير المعصوم بمجرّد مخالفته في أي شيء كان لا يمكن الجزم بإيجابها للمحاربة والقتل ؛ لجواز كون الحقّ في طرف المخالف ، فيلزم أن يكون [قائل] (١) الحقّ أو فاعله يمكن أن يجب محاربته بمجرّد ذلك ، وهو محال بالضرورة.

وأمّا التاسع ؛ فلأنّ تعظيم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واجب في كلّ حال ، وغير المعصوم يمكن صدور ما يوجب الحدّ والعقوبة منه ، فإن لم يجب مقابلته بالعقوبة كان إغراء بالقبيح ، وإن وجبت عقوبته فإن بقي وجوب التعظيم اجتمع النقيضان ، وإن لم يجب التعظيم ناقض الحكم لوجوب تعظيمه دائما.

وأمّا العاشر ؛ فلأنّ غير المعصوم لا يحصل الجزم بحفظه للشرع ، فلا يحصل الوثوق بقوله ، فتنتفي فائدته.

وأمّا الحادي عشر ، فإنّ الإنسان لا يقتل نفسه ويقتل غيره إلّا بقول من يعرف يقينا صوابه ، وإنّه ينزّل منزلة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يتحقّق ذلك إلّا بالمعصوم.

__________________

(١) في «أ» : (قابل) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٢٨

وأمّا الثاني عشر ؛ [فلأنّ مقيم الحدود لا بدّ وأن يستحيل عليه الميل والحيف و [المراوغة] (١) في الحدّ ، ويستحيل عليه سبب الحدّ ، وإلّا لكان غيره مقيما أيضا ، فلا ينحصر المقيم فيه.

وأمّا الثالث عشر] (٢) والرابع عشر ؛ فلأنّ المقرّب إلى الطاعات لا بدّ أن يكون أقرب من غيره دائما إليها ، والمبعّد عن المعاصي لا بدّ وأن يكون دائما بعيدا عنها ، وهذا هو العصمة.

الخامس والثمانون : وجوب عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عدم وجوب عصمة الإمام ممّا لا يجتمعان. والأوّل ثابت ، فينتفي [الثاني] (٣).

أمّا المنافاة فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبر عن الله تعالى ، ومقتدى بفعله وقوله ، ويجب اتّباعه وطاعته ، فإمّا أن يقتضي ذلك وجوب العصمة ، أو لا.

فإن كان الأوّل وجب عصمة الإمام ؛ لتحقّق العلّة فيه.

وإن كان الثاني لم تجب عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمّا ثبوت الأوّل ؛ فلأنّ كونه حجّة فيما [يخبر] (٤) به عن الله تعالى يوجب ألّا يجوز عليه ما ينقض كونه حجّة من الغلط والسهو وغير ذلك ، و [لعدم] (٥) الوثوق حينئذ بقوله وفعله.

السادس والثمانون : كلّما وجب عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب عصمة الإمام ، والمقدّم حقّ ، فالتالي مثله.

أمّا [حقيّة] (٦) المقدّم ؛ فلقوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (المراغية) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (غبّر) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (عدم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (حقيقة) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٢٩

الرُّسُلِ) (١). فلو لم يكن الرسول (٢) معصوما لكان للمكلّف حجّة ؛ لأنّ قول الرسول حينئذ ليس بدليل ؛ لاحتماله النقيض ، ومع انتفاء الدليل ـ وإن ثبت الأمارة ـ تتحقّق الحجّة.

وأمّا الملازمة ؛ فلأنّ [مع] (٣) عدم إمام معصوم يبقى للمكلّف حجّة ؛ إذ المكلّف الذي لم يبصر (٤) الرسول ، والمجمل موجود في القرآن والسنّة ، والمتشابهة والإضمار وما يحتاج إلى التفسير ، وعدم المقرّب حينئذ ، وقول غير المعصوم ليس بدليل ، والمجمل والمتشابه ليسا بدليل ، فلو لم يكن المعصوم (٥) لثبت الحجة المنفية.

السابع والثمانون : كلّما كان الإمام أفضل رعيّته وجب أن يكون معصوما ، لكنّ المقدّم حقّ ، فالتالي مثله.

أمّا الملازمة ؛ فلأنّ الإمام لو عصى في حال ما ، فإمّا في تلك الحالة يعصي كلّ واحد واحد من الناس فتجمع الأمّة على الخطأ ، وهو محال ؛ لما تحقّق في أدلّة الإجماع (٦).

وإمّا ألّا يعصي واحد ما ، ففي تلك الحالة غير العاصي أفضل من العاصي ، فغير الإمام أفضل ، فيخرج عن الإمامة ، فلا تكون إمامته مستقرة. وهذا هو الفساد الموقع للهرج والمرج ، ويلزم تكليف ما لا يطاق.

وإمّا أن يكون إماما مع وجوب كون الإمام أفضل دائما مع كونه ليس بأفضل في هذه الحال ، وهو تناقض.

__________________

(١) النساء : ١٦٥.

(٢) في «ب» : (الإمام) بدل : (الرسول) ، وفي هامشها (الرسول) خ ل.

(٣) من «ب».

(٤) في «ب» : (ينصر) بدل : (يبصر).

(٥) في «ب» : (الإمام معصوما) بدل : (المعصوم).

(٦) انظر : العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٠٢. تهذيب الوصول إلى علم الأصول : ٢٠٣.

٣٣٠

وأمّا [حقيّة] (١) المقدّم ؛ فلاستحالة تقديم المفضول على الفاضل ، واستحالة تقديم المساوي ؛ لامتناع الترجيح من غير مرجّح ، والعلم بها ضروري.

الثامن والثمانون : الإمام هو الحامل لكلّ من يعلمه من المكلّفين الجائزي الخطأ على الحقّ ، وارتكابه الشريعة في كلّ حكم وحال وقهره على ذلك مع تمكّنه ، ومانع كلّ مكلّف من الخطأ مع تمكّنه دائما. فلو أخطأ وقتا ما لم يكن إماما ؛ لأنّ المطلقة العامّة نقيض الدائمة (٢) ، فخطؤه ملزوم للمحال ، فيكون محالا.

التاسع والثمانون : يستحيل إمكان تحقّق الشيء مع فرض [وجود ضدّه] (٣) وتحقّق نقيضه ، وإلّا اجتمع النقيضان. فالإمامة ضدّ للخطأ والنسيان ، فأقوى الأشياء معاندة له ، فيستحيل اجتماعهما في محلّ واحد في وقت واحد.

وإنّما قلنا بالمعاندة ؛ لأنّ الإمامة هي المبعّدة من الخطأ والمعاصي ، [و] (٤) المقتضي للمبعّد عن الشيء ولعدمه مضادّ له [ومعاند له] (٥).

فقد ظهر أنّ تحقّق الإمامة في محل لموجب امتناع الخطأ عليه ، وهذا هو العصمة.

التسعون : المحوج إلى الإمام ليس امتناع الخطأ ، بل هو المغني عنه في التقريب والتبعيد ، ولا وجوب الخطأ ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، فبقي أن يكون هو إمكان الخطأ ليحصل به عدمه.

فالإمام هو المخرج للخطأ من حدّ الإمكان إلى الامتناع ، ولا شيء أقوى في [المعاندة] (٦) في الوجود من علّة الامتناع ، فمع تحقّق الإمامة يستحيل الخطأ ، وهو المطلوب.

__________________

(١) في «أ» : (حقيقة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) تجريد المنطق : ٢٥. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٩٣.

(٣) في «أ» : (وجوده) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) في «أ» و «ب» : (المعاند) ، وما أثبتناه للسياق.

٣٣١

الحادي والتسعون : نسبة الوجود إلى الخطأ مع الإمامة إمّا (١) الوجوب ، وهو محال ؛ لأنّه مع عدمها الإمكان ، ويستحيل أن تكون مقرّبة إليه ، [فكيف تكون] (٢) علّة فيه؟

وإمّا الإمكان أيضا فوجودها كعدمها ، فيكون إيجابها عبثا.

وإمّا ترجيح العدم ، لكنّ رجحان غير المنهي عن الوجوب محال ، وإلّا لجاز فرض وجود المرجوح مع علّة الرجحان في وقت وعدمه في آخر ، فترجيح أحد الوقتين بالوجود والآخر بالعدم إمّا أن يكون محتاجا إلى مرجّح ، أو لا.

والثاني محال ، وإلّا لجاز الترجيح بلا مرجّح.

والأوّل يستلزم عدم كون ما فرض مرجّحا تامّا ، هذا خلف.

وإمّا الامتناع ، وهو المطلوب.

الثاني والتسعون : معلول الإمامة إمّا ترجيح عدم الخطأ ، [أو امتناع الخطأ] (٣) ، وأيّا ما كان يلزم المطلوب.

أمّا على التقدير الأوّل ؛ فلأنّ أحد طرفي الممكن مع التساوي يستحيل وقوعه ، فمع المرجوحية أولى ، وإذا استحال وجود الخطأ انتهى إلى الامتناع.

وإن كان الثاني فالمطلوب أظهر ؛ لأنّ العلّة متى تحقّقت وجب تحقّق المعلول ، فإذا تحقّقت [الإمامة] (٤) امتنع الخطأ ، وهذا هو العصمة.

الثالث والتسعون : كلّ عرض يتوقّف على استعداد مسبوق باستعداد المحلّ له ، والاستعداد التامّ هو الذي يوجد عقيبه بلا فصل المستعد له. فالإمامة هي المبعّدة عن الخطأ ، والمبعّد عن الشيء مناف له ؛ لأنّه موجب لبطلان الاستعداد المتوقّف عليه ذلك الشيء.

__________________

(١) في «أ» زيادة : (أنّ) بعد : (إمّا) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٢) في «أ» : (فيكون) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (وجب تحقّق المعلول) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٣٢

فالإمامة منافية [للخطأ ، وتحقّق أحد المتنافيين يستلزم امتناع الآخر ، فالإمامة] (١) موجبة لامتناع الخطأ ، وهو مطلوبنا.

الرابع والتسعون : كلّ شيء إذا نسب إلى آخر (٢) فإمّا أن يكون مثله ، أو لا.

والثاني إمّا أن يكون منافيا له فيستحيل اجتماعه معه ، أو لا. وهذه قسمة [حاصرة] (٣) متردّدة بين النفي والإثبات.

فالإمامة إذا نسبت إلى الخطأ فإمّا أن يكونا من الأوّل ، وهو محال ، وإلّا لما بطل استعداده ، ولم يكن انتفاؤه مطلق الخطأ ، والماهية المطلقة من حيث هي هي غاية في (٤) وجودها ، وهو ظاهر ؛ لأنّ أحد المثلين لا يكون عدم الماهية المطلقة من حيث هي هي غاية في وجوده ؛ لاستحالة عدمها معه إذ هو مثله (٥) ، فوجوده [يستلزم] (٦) وجود الماهية المطلقة ، فكيف يطلب منه العدم؟

وإمّا أن يكون من الثالث ، وهو محال ، وإلّا لم يكن معها أبعد ؛ لأنّ كلّ ما يمكن اجتماعه مع الشيء فلا يكون منافيا له ، يجامع علّة وجوده ، فلا يكون معه أبعد ، ولتساوي نسبة الوجود والعدم ، أو رجحان الوجود قطعا.

فتعيّن أن يكون من الثاني ، وتحقّق أحد المتنافيين يستلزم امتناع الآخر ، وإلّا لأمكن اجتماع النقيضين ، وهو محال.

الخامس والتسعون : الإمام هاد دائما ، والعاصي ليس [بهاد في الجملة ، فالإمام ليس] (٧) بعاص.

__________________

(١) في «أ» : (عن الخطأ والمبعّد عن الشيء) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «ب» : (الآخر) بدل : (آخر).

(٣) في «أ» : (حاضرة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) لم ترد في «ب» : (في).

(٥) في «ب» : (مثل) بدل : (مثله).

(٦) في «أ» و «ب» : (فيلزم) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) من «ب».

٣٣٣

أمّا الصغرى ؛ فلأنّه المراد من الإمام ؛ إذ ليس المراد منه الهداية في وقت دون آخر ، ولا في حكم دون حكم ، ولا لبعض دون بعض.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّ العاصي ضال ما دام عاصيا ، والضال ليس بهاد ما دام ضالّا.

السادس والتسعون : الإمام مقيم للشرع حامل على العمل به دائما ، ولا شيء من العاصي كذلك ما دام عاصيا ، فلا شيء من الإمام بعاص.

أمّا الصغرى فظاهرة ؛ لأنّ الغاية من الإمام ذلك.

وأمّا الكبرى فظاهرة.

السابع والتسعون : العلّة الغائية في الإمام إنّما هو ارتفاع الخطأ ، والعلّة الغائية علة بماهيّتها معلولة بوجودها (١) ، فدلّ على أنّ ارتفاع الخطأ معلول الإمامة ، وقد تحقّقت [الإمامة] (٢) ، فيتحقّق ارتفاع الخطأ ما دامت متحقّقة في محلّها وهو الإمام ، فيلزم العصمة.

الثامن والتسعون : كلّ شيء إذا نسب إلى غيره فإمّا أن يكون واجبا معه ، أو ممتنعا معه ، أو ممكنا معه (٣).

فإذا نسب الخطأ إلى الإمامة فمع فرض [تحقّقها] (٤) إمّا أن يجب وجود الخطأ معها ، فتكون مفسدة ؛ [لأنّه] (٥) بدونها جائز ، فإذا كان معها واجبا كانت مفسدة ، هذا خلف.

وإن كان معها جائزا تساوى وجودها وعدمها ، فانتفت فائدتها ، وهو محال قطعا.

وإن كان معها ممتنعا ثبت المطلوب.

__________________

(١) الإشارات والتنبيهات (الإلهيات) : ١٦.

(٢) في «أ» : (الإمام) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) تجريد المنطق : ٢١.

(٤) في «أ» : (لتحقّقها) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» و «ب» : (لا) ، وما أثبتناه للسياق.

٣٣٤

التاسع والتسعون : المكلّف لا مع الإمامة له نسبة إلى الطاعات وارتفاع المعاصي ، وهو جواز الفعل والترك ، فمع الإمامة إمّا أن يصير المكلّف أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية مع تمكّن الإمام [منه وعلمه] (١) به ، أو لا.

والثاني محال ، وإلّا لكان وجوده كعدمه.

فتعيّن الأوّل ، فكلّ مكلّف يتمكّن الإمام من تقريبه إلى الطاعة وتبعيده عن المعصية ويعلم به يجب له ذلك ، فيمتنع عنه المرجوح.

والإمام قادر على نفسه ، وإلّا لم يكن مكلّفا ، فيجب له ذلك ، فيمتنع منه نقيضه بحيث لا [يعدّ] (٢) مقهورا ولا مجبرا ، وهذا هو العصمة.

المائة : امتناع الخطأ والإمامة مع تمكّن الإمام من المكلّف وقدرته على منعه من المعاصي وحمله على الطاعات وعلمه به و [إطاعة] (٣) المكلّف له إمّا أن يكون بينهما لزوم ما ، أو لا.

والثاني محال ، وإلّا يمكن مع ذلك ألّا تقع الطاعة وتقع المعصية ، فتنتفي فائدة (٤) الإمامة ؛ لأنّ فائدة [الإمام] (٥) إن كان مع طاعة المكلّف له وتمكّنه وتمكينه وقدرته من حمله على الطاعة ومنعه عن المعصية [يحقّق] (٦) الطاعة ويبعّد عن المعصية.

فبقي أن يكون بينهما لزوم ، فإمّا أن يكون الإمام مع الشرطين المذكورين [ملزوما] (٧) لرفع الخطأ ، أو بالعكس ، أو التلازم من الطرفين.

والأوّل والثالث المطلوب.

__________________

(١) في «أ» : (بينه وعمله) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (يقدّ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (الطاعة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» زيادة : (المكلّف) بعد : (فائدة) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٥) في «أ» وهامش «ب» : (الإمامة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» و «ب» : (يتحقّق) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) في «أ» : (ملزومه) ، وفي «ب» : (ملزومة) ، وما أثبتناه للسياق.

٣٣٥

والثاني محال ، وإلّا لكان مع تحقّق الإمامة وإطاعة المكلّف للإمام وتمكّن الإمام من تبعيده عن المعصية وتقريبه إلى الطاعة فكان يمكن أن يكون المكلّف أبعد عن الطاعة وأقرب إلى المعصية ، وهو محال ، وإلّا لانتفت فائدته.

وإنّما قلنا بلزوم المطلوب من الثالث والأوّل ؛ لأنّ الملزوم الإمامة ، و [تمكّن] (١) الإمام من حمل المكلّف [على] (٢) الطاعة ، وتبعيده عن المعصية ، و [إطاعة] (٣) المكلّف له.

والثالث [لا] (٤) يتحقّق في الإمام ؛ لأنّ الطاعة لا تتحقّق بين الإنسان ونفسه.

فيبقى الأوّلان ، وهما متحقّقان ، فثبت المطلوب.

__________________

(١) في «أ» : (يمكن) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (عن) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» و «ب» : (الطاعة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) من «ب».

٣٣٦

بسم الله الرحمن الرحيم

المائة الخامسة من الأدلّة

الدالّة على وجوب

عصمة الإمام عليه‌السلام

٣٣٧
٣٣٨

الأوّل : الإمامة مع تمكّن الإمام من حمل المكلّف على الطاعة وإبعاده عن المعصية وعلمه به سبب لفعل المكلّف الطاعة وامتناعه عن المعصية اتّفاقا. [فإمّا] (١) أن يكون من الأسباب الاتّفاقية ، وهو محال ؛ لأنّ الاتّفاقي لا يدوم (٢) ، وهذا السبب يدوم تأثيره.

وإمّا من الأسباب الذاتية الدائمة ، وهو المطلوب.

الثاني : كلّ إمام يجب طاعته بالضرورة ما دام إماما ؛ إذ لو لم يجب طاعته لكان الله تعالى ناقضا لغرضه. والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ الله تعالى إذا نصّب إماما وأوجب عليه الدعاء للأمّة إلى فعل الطاعات ثمّ لم يوجب عليهم طاعته ، بل قال : إن شئتم فاقتدوا به وأطيعوه ، وإن شئتم فلا ، انتفت فائدته وانتقض الغرض ضرورة.

وأمّا بطلان التالي فظاهر.

فلو كان إمام غير معصوم لصدق : بعض الإمام لا تجب طاعته بالإمكان حين هو إمام ؛ لأنّ الإمام إذا لم يكن معصوما يمكن أن يدعو إلى معصية ، فإن وجب (٣) وجبت المعصية حال كونها معصية ، هذا خلف. وإن لم تجب ثبت المطلوب.

ولو صدقت هذه المقدّمة مع صدق الأولى لاجتمع النقيضان ؛ إذ الحينية الممكنة تناقض المشروطة العامّة (٤).

__________________

(١) من «ب».

(٢) الشفاء (الطبيعيات ١) : ٦٣ ـ ٦٥.

(٣) في «ب» (وجبت) بدل (وجب).

(٤) القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٩٤.

٣٣٩

لكنّ الأولى صادقة ؛ لما بيّنّا ، فالثانية كاذبة ، فملزومها ـ وهو كون الإمام غير معصوم ـ كاذب.

الثالث : هنا مقدّمات :

الأولى : كلّ ما أوجبه الله عزوجل على المكلّف فهو واجب في نفس الأمر بالضرورة ؛ لاستحالة أن يوجب الله سبحانه على المكلّف ويأمره بشيء ولا يكون قد أوجبه عليه في نفس الأمر ، وإلّا لكان مغريا بالجهل والقبيح ؛ لأنّ الإلزام بما ليس بلازم قبيح ضرورة.

الثانية : كلّما كان طاعة الإمام في جميع الأقوال والأفعال التي يأمر بها وينهى قد أوجبها الله تعالى على المكلّف يكون المأمور به من جهة الإمام واجبا في نفس الأمر.

الثالثة : كلّ ما هو معصية لا يجب بواسطة أمر الإمام لو فرض ـ والعياذ بالله تعالى ـ ومحال أن يوجبه الله تعالى ، وإلّا لزم التكليف بالضدّين.

الرابعة : الإمام هو [الموقف] (١) على الأحكام والشرع بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنه يستفاد أحكام الشريعة.

الخامسة : التكليف بالمحال محال ، وقد بيّن ذلك في علم الكلام (٢).

السادسة : طاعة الإمام واجبة دائما في جميع أوامره ونواهيه ؛ لأنّه إمّا أن يجب دائما في جميع الأوامر والنواهي ، [أو في] (٣) بعض الأوقات ، أو في بعض [الأوامر والنواهي دون بعض] (٤) ، أو لا يجب في شيء. والكلّ محال سوى الأوّل.

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (الموفق) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) انظر : الذخيرة في علم الكلام : ١٢١. تقريب المعارف : ١١٢. قواعد المرام : ١١٦ ـ ١١٧. نهج الحقّ وكشف الصدق : ١٣٥. مناهج اليقين : ٢٥١.

(٣) في «أ» : (دون) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) من «ب».

٣٤٠