الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

غيرهما ، وأنّه مع غيرهما أكثر ، و [كان] (١) داعي جائز [الخطأ] (٢) إلى نصب غير المعصوم أو الأقلّ امتناعا أكثر ، إلّا باعتبار أمر آخر.

الثامن والتسعون : لو كان الإمام غير معصوم لزم أن يكون الله تعالى ناقضا لغرضه ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّه تعالى إنّما طلب بالإمام [دفع] (٣) المعاصي من المكلّفين ووقوع الطاعات ، فإذا كان الإمام غير معصوم ولم يكن له إمام آخر لزم نقض الغرض.

ولأنّ دفع المعاصي ووقوع الطاعات لا يتصوّر إلّا من المعصوم ، فلو لم يكن الإمام معصوما لزم أن يكون الله تعالى ناقضا لغرضه. وبطلان التالي ظاهر.

التاسع والتسعون : لو لم يكن الإمام معصوما لزم الترجيح من غير مرجّح أو التسلسل ، و [التالي] (٤) بقسميه باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ نصب الإمام إنّما هو لنفع المكلّف [غير المعصوم ، فإن لم يكن الإمام معصوما ، فإن لم يكن له إمام آخر لزم تخصيص] (٥) غير الإمام بالنفع دون الإمام ، وهو ترجيح من غير مرجّح. [وإن] (٦) كان له إمام آخر نقلنا الكلام إليه ، وتسلسل.

المائة : القوّة المدركة و [القوّة] (٧) الشهوية والمدرك والقدرة على حصول اللذّات وبقاء النوع ـ وذلك مع احتياج البعض إلى ما في يد الآخر أو عمله أو بالعكس

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» : (للخطأ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (رفع) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (الثاني) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) في «أ» : (وإن) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» : (القوية) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٦١

الموجب عن (١) الشرع المعاوضات ـ علّة نظام النوع. لكن يلزم هذه الأشياء تغالب الفساد ، كما أنّ حرارة النار خير وإن استلزمت إحراق ما لا يستحقّ إحراقه.

والقوّة العقلية المقتضية لحسن التكليف مع [التكليف] (٢) ، ومع نصب رئيس معصوم في كلّ زمان قاهر مانع لهذه الشهوات ، هو علّة زوال هذا اللازم الذي هو المفسدة ، لا على وجه الجبر بحيث يمنع التكليف ، وهو مقدور لله تعالى.

ولا يحسن انتفاء هذه المفسدة على الوجه المذكور إلّا بهذه الأشياء الثلاثة ، [فلا بدّ من خلقها] (٣) ، وإلّا لكان الله تعالى فاعلا لسبب المفسدة مع قدرته على فعل سبب [انتفائها على] (٤) وجه لا ينافي التكليف ، وهذا قبيح عقلا لا يجوز من الحكيم ؛ إذ يكون هو سبب المفسدة ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

__________________

(١) في «ب» : (بحسن) بدل : (عن).

(٢) في «أ» : (التكلّف) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (فلو خلتها) ، وفي «ب» : (فلو لا خلقها) وما أثبتناه للسياق.

(٤) في «أ» : (المفسدة لا) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٦٢

بسم الله الرحمن الرحيم

المائة الرابعة من الأدلّة

الدالّة على وجوب

عصمة الإمام عليه‌السلام

٢٦٣
٢٦٤

الأوّل : القوّة الشهوية والوهمية منشأ المفسدة ، [والقوّة العقلية هي منشأ] (١) المصلحة ، وهي المانعة لهما.

والإمام إنّما جعل معاضدا للثانية ومتمّما لفعلها في كلّ وقت ؛ لغلبة الأوليين في كثير من الناس ، ولا يتمّ ذلك إلّا مع كونه معصوما ؛ إذ غير المعصوم قد تقوى الشهوية والغضبية عليه ، وتكون العقلية مغلوبة معه ، [فلا يحصل] (٢) المنع منه.

الثاني : علّة الحاجة إلى الإمام في القوّة [العقلية] (٣) إمّا غلبة القوّة الشهوية بالقوّة ، [أو] (٤) بالفعل.

والثاني إمّا دائما ، [أو في الجملة ، وهذه مانعة الخلو (٥) ، وهو ظاهر ؛ إذ لو كانت القوّة الشهوية مغلوبة للعقلية دائما] (٦) في كلّ الناس لم يحتج فعل الطاعات والانتهاء عن المعاصي مع العلم بها إلى الإمام ؛ لتحقّق سبب الأولى الذي من [جملته] (٧) القدرة والداعي وانتفاء الصارف ، فيجب انتفاء سبب الثانية ، ويستحيل وجود ذي المبدأ بدون مبدئه ، فيمتنع. فثبت صحة المنفصلة (٨).

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» : (ولا يجعل) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» و «ب» : (العملية) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) من «ب».

(٥) مانعة الخلو : وهي التي يحكم فيها بالتنافي بين الجزءين في الكذب فقط ، كقولنا : (إمّا أن يكون زيد في البحر أو لا يغرق). القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٧٨.

(٦) من «ب».

(٧) في «أ» : (جملة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) المنفصلة : وهي التي يحكم فيها بالتنافي بين القضيّتين في الصدق والكذب معا ، أو في

٢٦٥

فنقول : الأوّل يستلزم وجوب عصمة الإمام ؛ لأنّ نقيض الممكنة (١) إنّما هو الضرورية (٢) (٣). ولثبوت ذلك في الإمام غير المعصوم ، فيحتاج إلى إمام آخر ، ويتسلسل.

والثاني يلزم الاستغناء عن الإمام في أكثر الوقت لأكثر الناس في أكثر الأصقاع ، ولا يكون الحاجة إليه إلّا نادرا ، وهو محال.

والثالث هو المطلوب ؛ إذ غير المعصوم يتحقّق فيه هذا فيحتاج إلى إمام آخر ، وتسلسل. فلا بدّ وأن يكون معصوما.

وهذا القسم الثالث هو الحقّ.

الثالث : لو كان الإمام غير معصوم لم يجز نصبه إلّا بالنصّ ، لكنّ التالي باطل فالمقدّم [مثله] (٤).

بيان الملازمة : أنّ الأمّة متساوية في هذا المعنى ، فترجيح أحدهم للإمامة ترجيح من غير مرجّح ، وهو محال.

ولوجود علّة وجوب المتابعة والانقياد للأمّة ، فلا يطاع المكلّف له.

__________________

أحدهما ، أو بنفيه. والأولى هي الحقيقية ، وأمّا التنافي في الصدق فقط فتسمّى مانعة جمع ، وأمّا التنافي بين الجزءين في الكذب فقط فتسمّى مانعة الخلو. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

(١) الممكنة العامّة : وهي التي يحكم فيها بارتفاع الضرورة المطلقة عن الجانب المخالف للحكم ، كقولنا : بالإمكان العامّ كلّ نار حارّة ، وبالإمكان العامّ لا شيء من الحارّ ببارد. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٦٥.

(٢) الضرورية : وهي التي يحكم فيها بضرورة ثبوت المحمول للموضوع أو سلبه عنه ما دام ذات الموضوع موجودة ، كقولنا : كلّ إنسان حيوان بالضرورة ، ولا شيء من الإنسان بحجر بالضرورة. الرسالة الشمسية (ضمن تحرير القواعد المنطقية) : ١٠٢.

(٣) تجريد المنطق : ٢٥. الإشارات والتنبيهات (المنطق) : ٣١٧ ـ ٣١٨.

(٤) من «ب».

٢٦٦

[و] (١) لوجود علّة الاحتياج فيه فلا ينقاد المكلّفون إليه إلّا بأمر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا بطلان التالي فبالاتّفاق.

ولأنّه يستحيل من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر بطاعة من يجوز عليه الخطأ في جميع ما يأمر به وينهى عنه.

ولأنّه لم يوجد ؛ لأنّ الناس بين قائلين : منهم من شرط العصمة فأوجب النصّ (٢) ، [ومنهم من لم يشترطها فلم يوجب النصّ] (٣) (٤).

الرابع : الإمكان هو تساوي طرفي الوجود والعدم بالنسبة إلى الماهية ، أو ملزومه ، وهو علّة الحاجة إلى العلّة المتساوية النسبة [إلى] (٥) الطرفين ، بل الواجبة.

وعلّة احتياج الأمّة إلى الإمام هو إمكان المعاصي والطاعات عليهم ، فلا بدّ وأن يجب للعلّة في الطاعات وعدم المعاصي ألّا يكون ذلك ممكنا لها ، وهو معنى العصمة.

الخامس : الممكن محتاج إلى غيره من حيث الإمكان ، والمغاير من جهة [الإمكان] (٦) هو الواجب ، فالممكن من حيث هو محتاج إلى الواجب ، فممكن الطاعة محتاج إلى [واجبها وهو المعصوم ، فيجب أن يكون الإمام معصوما.

__________________

(١) من «ب».

(٢) وهم الإمامية ، انظر : النكت الاعتقادية (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ١٠ : ٣٩ ـ ٤٤. تقريب المعارف : ١٧٢ ، ١٧٤ ، ١٨٢. الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، ٣١٣. قواعد المرام في علم الكلام : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، ١٨١.

(٣) من «ب».

(٤) وهم الفرق الأخرى غير الإمامية ، انظر : أوائل المقالات (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ٤ : ٣٩ ـ ٤١. كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل : ٤٤٢ ، ٤٧١. كتاب أصول الدين : ٢٧٧ ـ ٢٨١.

(٥) في «أ» : (إليه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (المعاصي) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٦٧

السادس : الممكن محتاج إلى] (١) العلّة في وجوبه ، ولا شيء من غير الواجب من حيث [هو] (٢) غير واجب يفيد الوجوب ، فكل علّة للممكن فهي واجبة.

إذا تقرّر ذلك ، فالإمام علّة في فعل الطاعات فيجب وجودها للإمام ، وهو معنى العصمة ، وهو المطلوب.

ولا يقال : هذا إنّما يرد في العلّة التامّة الموجبة ، على أنّا نمنع عمومه ، فإنّ الإمكان نفسه عند [قوم] (٣) علّة لكن ناقصة ، وما أنتم فيه كذلك ، والإمام ليس من العلل الموجبة ، وإلّا لم يقع معه معصية من مكلف البتة.

وأيضا : فلأنّ المطلوب من الإمام تقريب المكلّف لا وجوب وقوع الطاعة ، وإلّا لارتفع التكليف أو كان بما لا يطاق ، وهو باطل قطعا. ولأنّه يلزم ألا يكون لطفا ، فلا يجب ، وهو ترجيح (٤) [بالإبطال.

وأيضا : فلأنّ المطلوب من الإمام ترجيح] (٥) الطاعة عند المكلّف مع إمكان النقيض ، وإلّا لزم الجبر ، فيجب فيه ترجيح [الطاعة] (٦) مع إمكان النقيض ، فلا يلزم العصمة ولا وجوبها.

[وأيضا] (٧) : فإنّه لو وجب وجود الطاعة (٨) مع الإمام لزم الجبر في [حقّه] (٩) ، فلا يكون مكلّفا ، ويلزم نفي [فضيلته] (١٠) في العصمة.

__________________

(١) من «ب».

(٢) زيادة اقتضاها السياق.

(٣) من «ب».

(٤) في هامش «ب» : (يرجع) خ ل ، بدل : (ترجيح).

(٥) من «ب».

(٦) من «ب».

(٧) من «ب».

(٨) في هامش «ب» : (الطاعة) خ ل ، بدل : (وجود الطاعة).

(٩) في «أ» : (حصّته) ، وما أثبتناه من «ب».

(١٠) في «أ» : (فضيلة) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٦٨

لأنّا نقول : [كلّ] (١) علّة سواء كانت تامّة أو ناقصة فيجب (٢) أن تكون واجبة في الجملة ، فإنّ الممكن المساوي لا يصلح للعلّية ، فإنّ المساوي من حيث هو لا يصلح للترجيح (٣) ، وهو ضروري.

والإمكان لا يصلح للعلّية ؛ لأنّه عدمي ، وإلّا لزم وجوب الممكن [أو] (٤) التسلسل.

وكلّ عدمي فلا تحقّق له في نفسه ولا تعيّن (٥) ، ولا [شيء ممّا لا تعيّن له ولا] (٦) تخصّص بعلّة ، بل امتناع علّيّة الإمكان في [وجود] (٧) خارجي بديهيّ ، وما يذكر تنبيه.

وأيضا : فإنّ العلّة المقتضية للترجيح لا بدّ من وجوب ما يرجّحه لها ، وإلّا لم تعقل علّية مقتضية ، فنقيضه حال التساوي بالنسبة إلى الله تعالى ممتنع ما لم يرجّح بداع وإرادة ، فحال وجوب النقيض أولى بالامتناع ، ولا نعني بالعصمة إلّا ذلك.

والإمام نسلّم أنّه ليس من العلل الموجبة ، بل من المرجّحة مع قدرته وعلمه وعلم المكلّف ، وهذا يكفي ؛ إذ لو (٨) أوجب الإلجاء لخرج المكلّف عن التكليف ، هذا خلف.

والإمام المطلوب منه التقريب ، فمتى جوّز المكلّف عصيانه لم يثق بصحّة ما يأمر به ، بل يجوّز أمره بالمعصية ، فلا يكون مقرّبا ، فلا نفرض كونه مقرّبا [إلّا مع وجوب الطاعة منه وامتناع المعصية ، وهو المطلوب.

__________________

(١) في «أ» : (كلّه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «ب» : (فإنّه يجب) بدل : (فيجب).

(٣) انظر : الإشارات والتنبيهات (الإلهيات) : ٢٠ مع الحاشية. الباب الحادي عشر : ٧.

(٤) في «أ» : (و) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في هامش «أ» و «ب» : (تخصّص) خ ل ، بدل : (تعيّن).

(٦) من «ب».

(٧) في «أ» : (وجوده) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) في «أ» زيادة : (يكفي) بعد : (لو) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

٢٦٩

وأيضا : فإنّ معنى كونه مقرّبا] (١) ؛ كونه علّة ناقصة ، وقد قررنا (٢) أنّ كلّ ما هو علّة لا بدّ من وجوبه ، وهو الجواب عن الثالث.

وأمّا الرابع فباطل ، لا نقول بوجوب الطاعة المنافي للقدرة ، بل الوجوب بالنسبة إلى الداعي [الذي إلى الإمام باعتبار اللطف الزائد ، والوجوب بالنظر إلى الداعي] (٣) لا ينافي الإمكان من حيث القدرة ؛ لاختلاف الاعتبار ، فلا جبر.

السابع : كلّ مكلّف مأمور بجميع الطاعات مع اجتماع [شرائط الوجوب] (٤) ، ومنهي عن المعاصي كذلك ، وهذا هو العصمة.

فالعصمة مطلوبة من الكلّ ، وغاية الإمام التقريب منها ، فكلّ واحد من الأمّة ممكن العصمة ، وغاية الإمام التقريب منها بحسب الإمكان ، فلو لم يكن واجب العصمة لم يكن علّة ما في ثبوت الممكن ؛ لما تقرّر في المعقول من وجوب وجود العلّة (٥).

الثامن : لو كان الإمام غير معصوم لزم أحد الأمرين ، إمّا خرق الإجماع ، أو كون نقيض اللازم علّة غائية (٦) [مجامعة في الوجود للملزوم. والتالي بقسميه باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة يتوقّف على مقدّمتين :

إحداهما : أنّ بقاء نظام النوع ودفع الهرج والمرج علّة غائية] (٧) مقصودة من نصب الإمام.

__________________

(١) من «ب».

(٢) قرّره في ص ٢٦٩ عند قوله : (كلّ علّة سواء كانت تامّة أو ناقصة فيجب ...).

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (وجوب الشرائط) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) تجريد الاعتقاد : ١٣٣. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ١١٩.

(٦) العلّة الغائية : هي العلّة التي لأجلها يحصل وجود شيء مباين لها ، أو هي التي لأجلها الشيء. الشفاء (الإلهيات ١) : ٢٥٧. الإشارات والتنبيهات (الإلهيات) : ١٦.

(٧) من «ب».

٢٧٠

وثانيتهما : أنّ مساواة الإمام لغيره في عدم العصمة وعدم النصّ [عليه] (١) مع اختلاف الأهواء وتباين الآراء موجب للتنازع والهرج والمرج ، وهو أعظم الأسباب في إثارة الفتن وإقامة الحروب ؛ لأنّا نرى في الرئاسات المنحصرة ذلك ، فكيف مثل هذا الأمر العظيم؟!

إذا تقرّر ذلك فنقول : لو لم يكن الإمام معصوما لكان نصبه إمّا أن يكون بنصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو لا.

والأوّل يلزم منه خرق الإجماع ؛ إذ الأمّة بين من يوجب العصمة والنص (٢) ، ومن ينفيهما (٣) ، ولا ثالث. فالثالث خارق الإجماع.

والثاني ـ وهو ألّا يكون بنصّ ـ يلزم منه اختلال نظام النوع والهرج والمرج ، وهو ظاهر.

لكنّ انتظام النوع وأضداد ما ذكر غاية [مجامعة] (٤) في الوجود للإمام ، فيكون نقيض اللازم علّة غائية مجامعة في الوجود [للملزوم] (٥).

وأمّا بطلان التالي بقسميه فظاهر.

التاسع : اقتدار [العاقل] (٦) على الظلم جائز ؛ لوقوعه ، واستحالة القبيح منه تعالى ،

__________________

(١) في «أ» : (إليه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) وهم الشيعة. انظر : النكت الاعتقادية (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ١٠ : ٣٩ ـ ٤٤. تقريب المعارف : ١٧٢ ، ١٧٤ ، ١٨٢. الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، ٣١٣. قواعد المرام في علم الكلام : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، ١٨١.

(٣) وهم الفرق الأخرى غير الشيعة. انظر : أوائل المقالات (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ٤ : ٣٩ ـ ٤١. كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل : ٤٤٢ ، ٤٧١. كتاب أصول الدين : ٢٧٨ ـ ٢٨.

(٤) في «أ» و «ب» : (المجامعة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٥) في «أ» : (الملزوم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (الفاعل) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٧١

ولاستلزام عدمه عدم [التكليف] (١) ، أو ثبوته بالمحال ، والظلم قبيح ، فوجب في الحكمة التكليف بتركه ، وإلّا لكان [إغراء بالقبيح.

والتكليف] (٢) غير كاف في التقريب من تركه ، وإلّا لم يجب الرئيس والمشاهدة ، فلو أوجب طاعته على المكلّفين كافة ، وحرّم معصيته ، وأباح له قتال عاصيه إلى أن يقتل أو يردّ إلى طاعته ، مع عدم لطف زائد يمتنع معه اختيار المكلّف للظلم وإن كان قادرا عليه بحيث لا يرتفع التكليف ، لكان إغراء بالقبيح وزيادة تمكّن منه مع عدم الصارف ؛ إذ مجرد التكليف لا يكفي ، وهذا قبيح قطعا.

فلا بدّ في من أمر الله بطاعته وحرّم معصيته وأمر بقتال عاصيه إلى أن يقتل أو يردّ إلى طاعته من لطف زائد يمتنع معه اختياره للظلم ، وهذا هو العصمة ، وهو المطلوب.

العاشر : علّة الاحتياج إلى الإمام هو القدرة على المعصية والقوّة الشهوية وعدم العصمة ، ولم يكف التكليف وحده ، فلا بدّ من إيجاب تمكين الإمام من المكلّفين وإيجاب طاعتهم له ، بحيث يتسلّط على الكلّ ويكون قادرا عليهم من غير عكس.

إذا تقرّر ذلك فنقول : تحكيم غير المعصوم ـ كما ذكرنا ـ زيادة في إقداره على أنواع الظلم والمعاصي ، وقد بان فيما مضى (٣) وجوب الإمام المقرّب والمبعّد مع وجود القدرة على المعاصي وعدم العصمة ، ولم يكتف بالتكليف ، فمع زيادة القدرة وزيادة التمكين أولى ألّا يكفي التكليف وحده ، ويجب الإمام.

فكان يجب أن يكون [مرءوسا] (٤) لا رئيسا ، لكنّ رئاسته أولى بالطاعة من الكلّ منه ، ولا يكون من فرض إماما إماما ، هذا خلف.

الحادي عشر : لا اعتبار في وجوب الإمام بخصوصية المكلّف ، بل الموجب

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (المكلّف) ، وما أثبتناه من هامش «ب».

(٢) في «أ» : (إقراء بالقبح بالتكليف) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) تقدّم في البحث الرابع من المقدّمة.

(٤) في «أ» : (مرئيا) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٧٢

لوجوبه هو قدرة المكلّف وعدم العصمة والتكليف ، فلو لم يكن الإمام معصوما لزم تحقّق الموجب فيه ، فيجب أن يكون للإمام إمام آخر ، وننقل الكلام إليه ، والدور والتسلسل محالان ، فتعيّن أن يكون الإمام معصوما.

الثاني عشر : إمّا أن يجب الإمام لجميع المكلّفين مع عدم العصمة ، أو لبعضهم ، أو لا لواحد منهم.

والثاني باطل ، وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح.

والثالث باطل أيضا ؛ لما بيّنّا من وجوب الإمام (١).

فتعيّن الأوّل ، [فيكون] (٢) للإمام إمام آخر.

الثالث عشر : علّة المنافي منافية ، وهو ظاهر.

والإمامة هي علّة القرب من الطاعة والبعد عن المعصية ، فلا بدّ أن تكون منافية للقرب من المعصية والبعد عن الطاعة ، وتحقّق أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر ، فيستحيل على الإمام القرب من المعصية والبعد عن الطاعة في وقت ما ؛ لتحقّق الإمامة في جميع الأوقات ، فيستحيل عليه المعصية وترك الطاعة ، وهذا هو وجوب العصمة.

والإمام وإن لم يكن علّة تامّة فهو في حكم الجزء الأخير من العلّة ، وهو ظاهر.

الرابع عشر : لا يجوز نقصان اللطف الواجب [لمكلّف] (٣) لحصوله [لآخر] (٤) ، وإلّا لجاز مجرّد مفسدة مكلّف لمصلحة آخر ، وهو محال.

وقد بيّنّا (٥) أنّ تمكين غير المعصوم زيادة اقتدار له على المعاصي ، والتكليف

__________________

(١) بيّنه في النظر الأوّل من البحث السادس من المقدمة.

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» : (المكلّف) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (الآخر) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) بيّنه في الدليل العاشر من هذه المائة.

٢٧٣

وحده مع عدم هذه الزيادة في الإقدار غير كاف فمعها أولى بعدم [الكفاية] (١) ، فلو لم يكن له إمام لنقص لطفه لأجل لطف مكلّف آخر ، فيحصل محض المفسدة للمكلّف لمصلحة آخر ، وهذا ظلم لا يجوز.

الخامس عشر : لو كفى غير المعصوم في اللطف ، فكان إمّا أن يكفي لنفسه ولغيره ، أو لنفسه خاصّة ، أو لغيره خاصّة ، أو لا لواحد منهما.

والأوّل باطل ؛ لوجوه :

أحدها : أنّه لو كفى فإمّا (٢) باعتبار التكليف ، أو باعتباره واعتبار الإمامة ؛ إذ لا غيرهما قطعا إجماعا.

والأوّل باطل ، وإلّا لم يحتج إلى إمام آخر.

والثاني كما يقال : يخاف العزل من الرعية. وهو محال ؛ لأنّ تسلّط غير المعصوم زيادة في إقداره وتمكينه ، بل في إغرائه [لغلبة] (٣) القوى الشهوية في الأغلب ، والرعية لا قدرة لها على السلطان ولا عزله ، فلا يتحقّق خوفه منهم.

وثانيها : لو كفى لنفسه ولغيره لكان تخصيص البعض دون البعض من غير علّة موجبة مع تساويهم محال.

وثالثها : أنّ الإمامة لو كفت في التقريب لنفسه ، [لم] (٤) يمكن معصيته ؛ إذ الإمامة مقرّبة مبعّدة ، [وقد حصلت فيه وتكفيه ، فيلزم قربه من الطاعة دائما وبعده] (٥) عن المعاصي دائما ، وهذا هو العصمة.

ولا يمكن أن يتحقّق هذا في حق الغير ؛ لأنّ الغير يجوّز عدم علم الإمام به ، ولأنّ

__________________

(١) في «أ» : (الكفالة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» زيادة : (ما يدلّ) بعد : (فإمّا) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٣) في «أ» : (لقلبه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (لو) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) من «ب».

٢٧٤

تقريب الإمام هو باعتبار الحمل على الطاعة وترك المعصية ، بمعنى أنّه مع علمه وخوف المكلّف منه [وعلمه] (١) بعدم التجاوز ، يوجد منه داعي الفعل أو الصارف.

فتقريب الإمامة قريب من العلل الموجبة ، وهي متحقّقة في الإمام مع عدم الشروط في غيره ، فيجب قربه من الطاعة وبعده عن المعصية ، وهذا هو العصمة.

والثاني ؛ لما ذكرنا (٢). ويلزم أن يكون لطفا لغيره ، فلا يكون إماما له ، هذا خلف.

والثالث باطل ، وإلّا [لخلا] (٣) بعض المكلّفين عن اللطف ، أو كان للإمام إمام آخر.

والرابع يرفع (٤) إمامته ، وهو المطلوب.

فلا شيء من غير المعصوم بإمام.

السادس عشر : لا شيء من غير المعصوم تمكّنه وإيجاب طاعته في جميع ما يأمر به وينهى ويقتل ويقاتل لطف ، وكلّ إمام تمكّنه وإيجاب طاعته في ذلك كلّه لطف. ينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام ، وهو المطلوب.

لا يقال : هذا قياس من الشكل الثاني ، وشرط انتاجه دوام الصغرى ، أو كون الكبرى منعكسة سلبا ، وعدم استعمال الممكنة إلّا مع الضرورية ، أو يجعل كبرى لإحدى المشروطتين (٥).

والصغرى هاهنا إمّا جزئية ، أو ممكنة ؛ إذ قد يعلم الله تعالى أنّ بعض المكلّفين غير المعصوم لا يأمرنا ـ باعتبار الإمامة ـ إلّا بالطاعة ، ولا ينهى إلّا عن المعصية ، فيكون تمكّنه لطفا. والكبرى تمنع كونها ضرورية ، وما البرهان عليه.

__________________

(١) في «أ» : (عليه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في الوجوه المتقدّمة لإبطال الأوّل ، وهو قوله : (... أن يكفي لنفسه ولغيره) في ص ٢٧٤.

(٣) في «أ» : (فخلا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في هامش «ب» : (رفع) خ ل ، بدل : (يرفع).

(٥) القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٣٦٠ ـ ٣٦١.

٢٧٥

لأنّا نقول : إمّا أن يتقرّر في المعقول أنّ الإمام [المقرّب] (١) يستحيل صدور معصية منه ، ويستحيل أمره بمعصية ونهيه عن طاعة ، ويستحيل عليه [الخطأ] (٢) ، أو لا يتقرّر ذلك.

فإن كان الأوّل فهذا هو وجوب العصمة.

وإن كان الثاني لزم أحد الأمرين : إمّا إمكان صيرورة المعصية طاعة بمجرّد اختيار إنسان غير معصوم وأمره ، وإمّا نقض الغرض. واللازم بقسميه باطل ، فالملزوم مثله.

أمّا الملازمة ، فلأنّه [إمّا أن] (٣) يجب على المكلّف في نفس الأمر جميع ما يأمر به وإن كان معصية ويصير طاعة ، [أو] (٤) لا يجب إلّا ما يكون طاعة.

والأوّل يستلزم الأوّل ، وهو ظاهر.

والثاني يستلزم الثاني ؛ إذ يجوّز المكلّف ألّا يكون ما أمر به واجبا عليه في نفس الأمر فلا ينقاد إلى فعله ، ويظهر التنازع ، وهو نقض الغرض ، فلا يكون لطفا بالضرورة.

فقد ظهر أنّ الأولى ضرورية.

سلّمنا ، لكنّ الثانية ضرورية قطعا ، فاختلاط الضرورية مع غيرها في الشكل الثاني ينتج ضرورية ، وقد أوضحنا ذلك في كتبنا المنطقية (٥).

السابع عشر : تمكين غير المعصوم وإيجاب طاعته في جميع أوامره من غير

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (المتقرّب) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) في «أ» : (بالخطإ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (فإمّا أنّه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (أن) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٣٦٣.

٢٧٦

اجتهاد ولا نظر مفسدة ، ولا شيء من تمكين الإمام وإيجاب طاعته كذلك بمفسدة. ويلزمها : لا شيء من غير المعصوم بإمام.

المقدّمتان ظاهرتان ممّا تقدّم (١).

الثامن عشر : إنّما يجب طاعة الإمام لو علم أنّه مقرّب [إلى الطاعة] (٢) مبعّد عن المعصية ، [وإنّما يحصل ذلك لو لم يجوّز عليه المكلّف المعصية] (٣) ولا الأمر بها ، وذلك هو العصمة.

التاسع عشر : لو لم يكن الإمام معصوما لساوى المأمومين في جواز [المعصية] (٤) ، فكان تخصيص أحدهم بوجوب الطاعة والرئاسة ترجيحا بلا مرجّح ، وهو محال.

العشرون : لا شيء من غير المعصوم يجب طاعته في جميع أوامره سواء علم بكونه طاعة في نفس الأمر أو لا ، وكلّ إمام يجب طاعته. ينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ [المأمور به] (٥) إنّما يجب مع علم المأمور بكونه طاعة يستحقّ عليه الثواب أو ظنّه ؛ إذ تجويزه كون المأمور به ذنبا وأنّ الآمر قد يأمر بمعصية وبما ليس بطاعة ممّا ينفّر المكلّف (٦) عن الامتثال ويبعّده عن ارتكاب مشاق التكليف.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنه لو لا ذلك لانتفت فائدته ولزم إفحامه.

__________________

(١) تقدّم في الدليل العاشر ، والدليل الرابع عشر ، والسادس عشر من هذه المائة.

(٢) من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (المعصمة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (الأمورية) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في هامش «ب» : (المكلّفين) بدل : (المكلّف).

٢٧٧

الحادي والعشرون : الإمام يحتاج إليه في حفظ الشرع ، وتقريب [المكلّف] (١) من الطاعة وتبعيده [عن المعصية] (٢) ، وإقامة الحدود ، والجهاد ، وحفظ نظام النوع.

فنقول :

أمّا الأوّل يكون معصوما ، فلو لم يكن معصوما لزم مساواته لباقي المجتهدين ، فلا يخصّص لحفظ الشرع دونهم ، بل يقومون مقامه فيه ، فيعتبر احتياجهم إليه فيه.

وأمّا الثاني فإذا لم يكن معصوما ساوى غيره ، فلو صلح لتقريب غيره مع مساواته إيّاه لصلح لتقريب نفسه ، فلم يحتج إليه فيه ، والإمامة زيادة في التمكين.

وأمّا الثالث فنقول : العلّة الموجبة لنصب الإمام [إقامة] (٣) الحدود وجواز وجوبها على المكلّف المعلول لعدم العصمة ، فلو لم يكن الإمام معصوما لزم أحد الأمرين : إمّا الترجيح بلا مرجّح ، وإمّا التناقض. والتالي بقسميه باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ الإمام إذا لم يكن معصوما وجد منه علّة نصب مقيم الحدود فيه ، فإمّا ألّا يشرع لأحد إقامة الحدّ عليه ، أو يشرع.

فإن كان الأوّل لزم الترجيح من غير مرجّح ؛ إذ علّة نصب مقيم عليه موجودة فيه ، و [نصبه] (٤) على المكلّفين الباقين دونه يستلزم ذلك. وهو أيضا خارق للإجماع.

فإن كان الثاني ؛ فإمّا الرعية فيلزم غلبته عليهم ، وغلبتهم عليه ، وهو تناقض.

وأمّا الرابع : فإن لم يكن معصوما [جوّز] (٥) المكلّف [خطأه] (٦) في الدعاء إلى (٧) الجهاد ، فلا يبذل نفسه ؛ لعدم تيقّنه بالصواب.

__________________

(١) في «أ» : (المكلّفين) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» و «ب» : (لإقامة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) في «أ» : (نصب) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (جرز) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (خطأ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «ب» : زيادة : (وجوب) بعد : (إلى).

٢٧٨

وأمّا الخامس فتسليط غير المعصوم ممّا لا يؤمن عليه اختلال النظام.

فقد ظهر أنّ مع عدم عصمة الإمام لا يحصل شيء من هذه المقاصد ، فقد ظهر أنّ [عدم] (١) عصمة الإمام يناقض الغرض وينفي فائدة نصبه.

الثاني والعشرون : لا شيء من غير المعصوم [فعله حجّة] (٢) ، [وكلّ إمام فعله حجّة] (٣). [ينتج : لا شيء من غير المعصوم] (٤) بإمام.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الدليل شرطه عدم احتمال النقيض ، واحتمال الخطأ فيه ظاهر ؛ لوجود القدرة فيه والداعي ، وهو الشهوة ، والصارف [كغيره] (٥) من المجتهدين ؛ إذ لا صارف إلّا القبح والعلم بقبحه ، وهو منازع غير المعصوم.

والإمامة زيادة في التمكّن ، بل الصارف في المجتهد الذي هو رعية أولى ؛ لخوفه من الرئيس.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّه قائم مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي ظاهرة.

الثالث والعشرون : عدم فعل القبيح إمّا لعدم القدرة عليه ، أو العلم بقبحه مع [انتفاء] (٦) الداعي أو ثبوت الصارف ، وقد يكون لعدم العلم بنفس الفعل في الاختياري (٧) ؛ إذ الفعل الاختياري تابع للقصد التابع للعلم ؛ إذ [مع] (٨) ثبوت [القدرة والجهل] (٩) بالقبيح ، وثبوت الداعي وانتفاء الصارف ، والعلم بالفعل ، يجب الفعل قطعا.

__________________

(١) من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) زيادة اقتضاها السياق.

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» و «ب» : (لغيره) ، وما أثبتناه للسياق.

(٦) في «أ» : (التقاء) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» زيادة : (وقد) بعد : (الاختياري) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٨) من «ب».

(٩) في «أ» : (العلم) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٧٩

فعدم إتيان الإمام بالقبيح إمّا لعدم القدرة عليه ، وهو باطل ؛ لوجود القدرة. [أو] (١) للعلم بقبحه وانتفاء الداعي ، وهذا العلم إذا لم يكن الإمام معصوما [ساوى] (٢) فيه غيره من [المجتهدين] (٣) ، ولو زاد عليهم لكان تلك الزيادة لا يطّلع عليها إلّا الشاذّ النادر.

وداعي الشهوة موجود متحقّق تساوى فيه غيره ، وعدمه أمر خفي لا يطّلع عليه أحد في الأغلب.

وأمّا الصارف فليس إلّا التكليف والقوّة العقلية ، ولا مدخل لها عند الأشاعرة (٤) ، ولا يفي أيضا بمنع القوّة الشهوية ؛ إذ لو صلحت الصارفية التامّة دائما كان معصوما ، وصارفية التكليف لا يكفي في غير المعصوم ، وإلّا لم يجب نصب الإمام ، ولمساواته غيره.

وأيضا : فلأنّ ذلك الصارف إمّا أن يجب تحقّقه دائما ، أو لا.

والأوّل يستلزم كونه معصوما مع أنّه خلاف الإجماع.

والثاني لا يصلح في الأغلب لسائر المكلّفين العلم بحصوله ، وهو ظاهر أيضا ، فإنّ الإمام إذا لم يكن معصوما لم يحصل الجزم بثبوت الصارف ؛ لأنّ البحث في الصارف التامّ.

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» و «ب» : (تساوى) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) في «أ» : (المجتهد) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) وذلك لأنّ الأشاعرة يذهبون إلى إثبات الجبر في الأفعال ، أي أنّ العباد مكتسبون لا خالقون ، وما وقع من أفعالهم ليس تحت اختيارهم ، وأنّه لا تأثير لقدرة العبد في مقدوره أصلا. انظر : قواعد العقائد ٧٤. تلخيص المحصّل : ٣٢٥. قواعد المرام في علم الكلام : ١٠٧. مناهج اليقين في أصول الدين : ٢٣٥ ، ٢٤٠. كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل : ٣٤١ ـ ٣٤٢. كتاب أصول الدين : ١٣٣ ـ ١٣٤. كتاب المحصّل : ٤٥٥ ـ ٤٥٨.

٢٨٠