الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

الأوّل : الإعراض [عن] (١) الدنيا ولذّتها (٢).

الثاني : المواظبة على فعل العبادات جميعها.

الثالث : التصرّف بفكره إلى عالم الجبروت مستديما ؛ لشروق نور الحقّ في سرّه ؛ لأنّه طالب للحقّ ، والأمور الآخرة ، وملزم للناس بها ، [فيلزمه] (٣) الإعراض عمّا سوى الحقّ تعالى ، لا سيّما لما يشغله عن الطلب ، وهو لذّات الدنيا وطيّباتها ، خصوصا المحرّمة. ثمّ يقبل على ما يعتقد أنّه يقرّبه من الحقّ ، وهو العبادات.

وهذان هما الزهد والعبادة ، ولا بدّ من دوام تصوّره للحقّ تعالى.

إذا تقرّر ذلك فنقول : هذا يدلّ على عصمة الإمام عليه‌السلام ؛ للعلم الضروري بعصمة من اجتمع فيه هذه الأشياء.

الثاني والخمسون : الإمام يكون له حالتان :

الأولى : محبة الله تعالى ، وهي راجعة إلى نفسه خاصّة.

الثانية : حركة (٤) في طلب القرب إليه.

وكلاهما يتعلقان به تعالى لذاته ، ولا يتعلقان بغيره [لذات] (٥) ذلك الغير ، بل إذا تعلّقا بغير الله تعالى فلأجل الله تعالى أيضا.

فهو يريد الله تعالى ومرضاته ، ولا يؤثر شيئا على عرفانه ومرضاته ، وتعبّده له فقط ، ولأنّه مستحقّ للعبادة ، ولأنّها نسبة شريفة إليه ، لا لرغبة ولا لرهبة ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إلهي ما عبدتك شوقا إلى جنّتك ، ولا خوفا من نارك ، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» (٦) ؛ لأنّه لو لم يكن كذلك لم يمكنه حفظ العدل المطلق في

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «ب» : (ولذّاتها) بدل : (ولذّتها).

(٣) في «أ» : (يلزم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «ب» : (حركته) بدل : (حركة).

(٥) في «أ» : (لذاته) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) راجع : عوالي اللآلئ ١ : ٤٠٤ / ٦٣ ، و ٢ : ١١ / ١٨. بحار الأنوار ٧٠ : ١٨٦ ، و ١٩٧ / ٢ ، بتفاوت.

٢٠١

جميع الأحوال والأزمان ، وبالنسبة إلى كلّ الأشخاص.

وإذا كان كذلك في كلّ أقواله وأحواله فهو معصوم لا محالة ؛ لأنّ الحركة الاختيارية تابعة للشوق والإرادة ، فإذا لم يؤثر ولم يرد ولم يشتقّ في حال من الأحوال إلى غير الله تعالى ومرضاته ، لم يصدر منه ذنب قطّ ، فكان معصوما.

الثالث والخمسون : الحركات الاختيارية موقوفة على مبادئ أربعة مترتّبة : الإدراك ، ثمّ الشوق المسمّى بالشهوة والغضب ، ثمّ العزم المسمّى بالإرادة الجازمة ، ثمّ القوى المؤتمرة المثبّتة في الأعضاء.

فنقول : الإمام له بالنسبة إلى المعاصي المبدأ الأوّل ؛ لأنّه مكلّف باجتنابه ، فلا بدّ من إدراكه. وله [الآخر] (١) أيضا ؛ وإلّا لم يكن قادرا.

بقي الثاني والثالث ، فنقول : لا بدّ من العلم بانتفاء الثالث عنه ؛ لأنّه لو جوّزناه عليه لجاز أمره به ، ولا يوثق بأنّه المقرّب إلى الطاعة والمبعّد عن المعصية ، ولا يعتمد على قوله ، فتنتفي فائدته. وإنّما يعلم بانتفاء الثالث عنه مع العلم بعصمته.

والثاني منتف عنه أيضا ؛ لأنّه يعرف ما يستحقّ عليها من العقاب ، ويستحقر ما يحصل بها للقوى البدنية من اللذّة ؛ لما تقرّر (٢) من أنّه لا التفات له إلى الأمور [البدنية] (٣) والقوى الشهوانية ، بل يتّخذها مستحقرة ، فإن حصّلها كان على سبيل العدل والشرع ، وللتأسّي به ، وليعلم الناس إباحتها وعدم كراهتها لا غير ذلك. فيستحيل الشوق منه إليه.

وإذا تعذّر المبدءان امتنعت الحركة الاختيارية ، فامتنع وقوع المعاصي منه ، فكان معصوما.

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (الآخرة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) تقرّر في الدليل الخامس والأربعين من هذه المائة.

(٣) في «أ» : (الدنية) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٠٢

الرابع والخمسون : الإمام كلّما لمح شيئا عاج (١) منه إلى الله تعالى ، فهو يرى الله تعالى بعين البصيرة عند كلّ شيء ، و [خشيته] (٢) منه [كاملة] (٣) ، وإرادته لمرضاته في كلّ حال جازمة ، وإلّا لم يصلح للتقريب في كلّ حال ، ولدعاء كلّ الناس إلى ذلك ، ولم يحفظ العدل المطلق.

فيستحيل منه الإخلال بواجب وفعل كلّ (٤) قبيح ؛ لاستلزام إرادة الشيء كراهة ضدّه ، فهو معصوم.

الخامس والخمسون : خشية الإمام وخوفه من الله تعالى يجب أن تكون في الغاية ، بحيث يستصغر كلّ شيء بالنسبة إليها ، وتكون راجحة على كلّ لذّة أو مطلوب أو شهوة أو غضب فرضت في جميع الأوقات والأحوال ، حتى يحسن من الحكيم تحكيمه والأمر بطاعته ، وجعله مقرّبا إلى الطاعة ومبعّدا عن المعصية وحافظا للعدل التامّ ، فيحصل من ذلك الكراهة التامّة للمعاصي والإرادة الجازمة للواجبات ، فلا يحصل معها شوق إلى شيء من المعاصي والإرادة لها ، بل قد وجد الصارف ، فيستحيل فعلها ، فيكون معصوما.

[السادس والخمسون : الإمام كلّما لاحظ شيئا لاحظ غيره وإن لم يكن ملاحظته للاعتبار فسنح له تعريج من عالم الزور إلى عالم الحقّ مستقرّ به (٥) ، حتّى يتحقّق منه حفظ العدل ، وذلك يوجب له صارفا عظيما عن المعاصي ، فيكون معصوما] (٦).

__________________

(١) عاج : عطف ومال. لسان العرب ٩ : ٤٥٦ ـ عوج.

(٢) في «أ» : (خشيه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (كاملا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) لم ترد في «ب» : (كلّ).

(٥) كذا في المخطوط.

(٦) من «ب».

٢٠٣

السابع والخمسون : الإمام يكون سرّه [مرآة] (١) مجلوّة محاذيا بها جانب الحقّ ؛ لأنّ له الكمال الأسنى ، حتى يحسن أمر الكلّ [بتبعه] (٢) ، فترد عليه اللذّات العلى ، فيستحقر القوى الشهوية والغضبية واللذّات البدنية ، ولا يحصل له شوق وإرادة [إلى] (٣) المعاصي البتة.

الثامن والخمسون : الإمام متوجّه بالكلّية إلى الحقّ عزوجل ، لا يلاحظ نفسه إلّا من حيث هي لاحظة [لجناب] (٤) القدس ؛ لأنّ له الرئاسة [العامّة] (٥) في أمور الدين والدنيا ، فيكون أكمل الكلّ في الكمالات الحقيقية ؛ لنفور [نفس] (٦) الكامل عن متابعة [الأنقص] (٧) منه ، ولقبحه في نفس الأمر ، فيستحيل إرادة المعاصي والشوق إليها منه ، ويستحيل ترك الواجبات ، فيكون معصوما.

التاسع والخمسون : الإمام له صفات :

الأولى : التفريق بين ذاته وبين جميع ما يشغله عن الحقّ بأعيانها.

[الثانية : نفض آثار تلك الشواغل كالميل والالتفات إليها عن ذاته ؛ تكميلا لها بالتجرّد عمّا سوى الحقّ والاتصال به] (٨).

الثالثة : ترك التوخّي للكمال لأجل ذاته ، بل لذات الكمال ولذات الحقّ.

الرابعة : ترك اعتبار ذاته ، فإذا انقطع عن نفسه [و] (٩) اتّصل بالحق رأى كلّ قدرة

__________________

(١) في «أ» : (مدة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (بتبعيّته) ، وفي «ب» : (بتبعته) ، وما أثبتناه من هامش «ب».

(٣) في «أ» : (من) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (لجنات) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) في «أ» و «ب» : (النفس) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) في «أ» : (الأنفس) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) من «ب».

(٩) من «ب».

٢٠٤

لا نسبة لها إلى قدرته المتعلّقة بجميع المقدورات ، وكلّ علم لا نسبة له إلى علمه الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، فصار قدرة الحقّ بصره الذي به يبصر ، وسمعه الذي به يسمع ، وقدرته التي يفعل بها ، والعلم الذي يعلم منه تعالى ، فلا يردع شيء منها عن مرضاته تعالى ؛ لأنّ الإمام يجب أن يكون له الكمال الأسنى ؛ لما يأتي (١).

الستّون : الإمام له حالتان :

الأولى : [أن] (٢) يكون [له] (٣) القدرة بحيث لا يقدر مع الاشتغال بالحقّ عن الالتفات إلى غيره ؛ لشدّة الاشتغال به فقط ، ويكون غافلا عمّا سواه ، كما نقل عن عليّ عليه‌السلام أنّه إذا أرادوا إخراج نصل منه قصدوا أوقات مخاطبته لله تعالى (٤).

الثانية : أنّ نفي القوّة بالأمرين يتّسع للحاسّتين ، فلا تكون الأمور الخارجية شاغلة إيّاه عن الحقّ ، ليكون أنفس الخلق في بهجة الحقّ ، فدائما هو مراقب الحقّ وملاحظه بجنابه ، وهذا أعظم الصوارف عن المعاصي.

الحادي والستّون : الإمام أشجع الناس ؛ لما يأتي (٥) ، وكيف لا وهو بمعزل عن [تقيّة] (٦) الموت وجواد؟ وكيف لا وهو بمعزل عن محبّة الباطل وصفّاح؟ وكيف لا [ونفسه أكبر من أن يجرحها زلّة بشر ، ونسّاء للأحقاد؟ وكيف لا] (٧) وذكره مشغول بالحقّ؟

__________________

(١) سيأتي في الدليل الثاني عشر ، والدليل الحادي والتسعين من المائة السابعة ، والدليل التاسع والعشرين من المائة الثامنة.

(٢) من «ب».

(٣) زيادة اقتضاها السياق.

(٤) انظر : منتهى الآمال ١ : ٢١٧.

(٥) سيأتي في الدليل الثامن والثمانين من المائة الثالثة.

(٦) كلمة غير مقروءة في «أ» ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) من «ب».

٢٠٥

فيلزم من ذلك قهره للقوى الشهوية وإلّا لم يكن شجاعا ، والغضبية وإلّا لم يكن صفّاحا ، وللحقد وإلّا لم يكن نسّاء للأحقاد ، فلا يصدر عن هذه القوى [مقتضاها ، فلا يصدر منه ذنب ؛ لأنّ الذنب مصدره هذه القوى] (١) لا غير.

الثاني والستّون : الإمام لا يلتفت إلى القوى البدنية والشهوية البتة في وقت ما ، وإلّا لكان غيره في تلك الحال ـ إذا لم يلتفت ـ أفضل منه من هذه الجهة ، لكنّ الإمام أفضل من الكلّ في كلّ الأوقات ومن كلّ الجهات.

وفاعل المعاصي لأجل ذاته لا غير ، فهو في تلك الحال ملتفت إلى ذاته ، معرض عن جناب الحقّ ، فلا شيء من الإمام بفاعل المعاصي.

الثالث والستّون : الإمام نفسه دائما متوجّهة بالكلّية إلى طلب الحقّ والصواب في جميع الأشياء ، وإلّا لم يصلح للعدل في كلّ الأوقات ، فلا تتحرّك القوى البدنية إلى ما يضادّ ذلك ؛ لوجود هيئة راسخة في النفس تقتضي ضدّها ، فلا يمكن صدور ذنب منه أصلا والبتة ، وهو المطلوب.

الرابع والستّون : قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (٢).

وإنّما يحسن بعد إعلام الأحكام في كلّ واقعة ، وإنّما يتمّ بالمعصوم في كلّ عصر ، كما تقدّم تقريره (٣).

الخامس والستّون : قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) (٤).

__________________

(١) من «ب».

(٢) آل عمران : ٢٨.

(٣) تقدّم تقريره في الوجهين الثالث والسادس من البحث الخامس من المقدمة ، وفي الدليل الخامس والعشرين ، والدليل السادس والأربعين ، وفي الوجه الثاني من الدليل الستّين ، والدليل الواحد والستّين من المائة الأولى ، والدليل العاشر من المائة الثانية.

(٤) النساء : ١.

٢٠٦

والتقوى التنزّه عن الشبهات ، [و] (١) من جملة الشبهات اعتماد قول غير المعصوم ، فلا يجوز تكليفه بطاعته.

وأيضا : فالتقوى موقوفة على المعصوم ؛ إذ منه يحصل الجزم بالأحكام ، والأمر بالشيء مع الإخلال [بشرطه] (٢) الذي هو فعل الآمر للمأمور لا يحسن من الحكيم ؛ لأنّه نقض الغرض ، وتكليف بما لا يطاق.

السادس والستّون : قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (٣).

هذا يدلّ على وجوب الاحتراز في كلّ الأحوال ؛ لأنّه تعالى رقيب دائما.

وهو عبارة عن الأمر بالتحرّي وقصد الثواب في كلّ الأحوال والوقائع ، ولا يتمّ ذلك بدون المعصوم ؛ إذ غير المعصوم لا يتوقّع منه الصواب في كلّ الأحوال.

السابع والستّون : قوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) (٤).

هذا الدليل يبنى على مقدّمات :

الأولى : أنّ فعل غير الصواب في واقعة ما تبدّل الخبيث بالطيب.

الثانية : أنّ هذا النهي عامّ في الأحوال والوقائع والأشخاص والأزمان ، وهو إجماعي.

الثالثة : أنّ غير المعصوم يأمر بالباطل ، ويشبّه (٥) على الناس.

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» و «ب» : (بشرط) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) النساء : ١.

(٤) النساء : ٢.

(٥) في «ب» : (يشتبه) بدل : (يشبّه).

٢٠٧

الرابعة : الاحتراز عن الضرر المظنون واجب (١).

الخامسة : اعتماد قول غير المعصوم متوقّع منه تبدّل [الخبيث] (٢) بالطيّب ، فيمتنع قبول قوله.

إذا تقرّر هذا فنقول : [هذا] (٣) الأمر يستلزم نصب المعصوم ، فيجب بالنظر إلى هذا الأمر ؛ لما تقدّم (٤).

ولأنّه يصدق : غير المعصوم لا يجب قبول قوله في الجملة ، وكلّ إمام يجب قبول قوله دائما. ينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام.

الثامن والستّون : الإمام هاد دائما في كلّ الوقائع والشبهات ، وكلّ من كان كذلك فهو معصوم. ينتج : أنّ الإمام معصوم.

أمّا الصغرى فظاهرة.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّ كلّ هاد للكلّ في كلّ الوقائع والحوادث ـ خصوصا في الأحكام الشرعية ـ فإنّه [يهديه] (٥) [الله] (٦) ، ولا شيء من غير المعصوم يهديه الله.

أمّا الصغرى فظاهرة.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّ غير المعصوم ظالم ؛ لما مرّ (٧) ، ولا شيء من الظالم يهديه الله.

__________________

(١) الذخيرة في علم الكلام : ٥٥٣. الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ١٦٢. مناهج اليقين في أصول الدين : ٢٤٧. كتاب المحصّل : ٥٧٤.

(٢) في «أ» : (للخبيث) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) تقدّم في الدليل السابع والعشرين من المائة الأولى. وفي الدليل الثاني ، وفي الوجه الأوّل من الدليل الرابع عشر من المائة الثانية.

(٥) في «أ» : (يهدم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) زيادة اقتضاها السياق.

(٧) مرّ في الدليل الأربعين ، والدليل الثامن والستّين ، والدليل الثامن والسبعين من المائة الأولى. وفي الدليل التاسع عشر من المائة الثانية.

٢٠٨

تعالى ؛ لقوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١).

التاسع والستّون : قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢).

الطاعة المطلقة إنّما تحصل من المعصوم ، ولأنّ طاعة الله تعالى في كلّ الأمور مطلوبة لله تعالى ، ولا يعلم إلّا من المعصوم ، فيجب.

السبعون : قوله عزوجل : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣).

لا يصلح للإمامة ولا يتّبع إلّا من يعلم [انتفاء هذه الصفات [عنه] (٤) ، وليس] (٥) إلّا (٦) المعصوم. ولأنّ الاحتراز عن المعاصي لا يعلم إلّا من المعصوم ، فيجب ؛ لاستحالة طلب الشرط مع عدم فعل المشروط به من فعله.

الحادي والسبعون : قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٧).

والبيان بالمعصوم ، كما تقدّم (٨) ، فيجب.

الثاني والسبعون : قوله تعالى : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (٩).

__________________

(١) البقرة : ٢٥٨ ، الصف : ٧.

(٢) النساء : ١٣.

(٣) النساء : ١٤.

(٤) في «ب» : (فيه) وما أثبتناه للسياق.

(٥) من «ب».

(٦) في «أ» زيادة : (من) بعد : (إلّا) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٧) النساء : ٢٦.

(٨) تقدّم في الدليل الثاني والعشرين ، وفي الدليل التاسع والعشرين ، وفي الوجه الخامس من الدليل الثامن والخمسين ، والدليل الحادي والستّين من المائة الأولى ، وغيرها من الأدلّة.

(٩) النساء : ٢٧.

٢٠٩

هذا صفة ذمّ ومنع من اتّباعهم ، وهم غير المعصوم ؛ لأنّه المتّبع للشهوات ، فلا يجوز اتّباعه مطلقا ؛ احترازا عن الضرر المظنون. والإمام يجب اتّباعه ، فلا شيء من غير المعصوم بإمام.

الثالث والسبعون : الإمام لا يقيم غيره عليه الحدود ، وإلّا لسقط محلّه من القلوب ، ولأنّه المتغلّب على الرعية كلّهم ويقهرهم ، ولا هو على نفسه ، وهو ظاهر.

ولأنّه إذا كان يفعل الذنوب لإبلاغ القوى الشهوية مقتضاها ، فدفع الآلام عنه أولى منه.

ولأنّ التكليف في الحدّ على المحدود بالتمكّن والطاعة للمقيم ، لا بأن يكون فاعلا للإقامة إجماعا ، وكلّ مذنب فلا بدّ من مستحقّ [للإقامة الحدّ عليه] (١) ، [وإن لم يتمكّن فهو من المكلّفين لا منه ولا من الله تعالى ؛ لأنّ وجوب إقامة الحدّ] (٢) لا على مقيم إجماعا محال.

إذا تقرّر ذلك فنقول : الإمام يستحيل عليه الذنب ؛ لأنّه لو جاز عليه الذنب فلا يخلو : إمّا ألّا يجب إقامة حدّ عليه ، وهو باطل قطعا. وإمّا أن يجب.

فإمّا أن يكون المقيم غيره ، وهو محال ؛ للمقدّمة الأولى.

وإمّا نفسه ، وهو باطل ؛ لتغاير القابل والفاعل إجماعا هنا.

الرابع والسبعون : الذنوب حادثة ، فلها فاعل قطعا ، ولها مانع ، وهو ظاهر.

والمانع مغاير للفاعل قطعا ؛ لأنّ المانع هو مستلزم للعدم ، والفاعل أثره الوجود ، وتنافي الآثار واللوازم يدلّ على تغاير المؤثّرات والملزومات.

إذا تقرّر ذلك فنقول : الإمام مانع من كلّ المعاصي في جميع الأوقات والأحوال [لجميع] (٣) الناس مع عدم مانعه وحصول شرائطه ، والموانع لا يجوز أن تكون منه ، بل من أمر خارج عنه ، وإلّا لما يصلح للمانعية.

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (لإقامة عليه الحدّ) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» و «ب» : (بجميع) ، وما أثبتناه للسياق.

٢١٠

فالشرائط من قبل الله تعالى ومن قبل الإمام كلّها حاصلة ، وإلّا لكان المقرّب مبعّدا والمبعّد مقرّبا.

فإذا كانت شرائط المنع وزوال المانع عنه جميعا حاصلة فلا يجوز أن يكون سبب فيها منه ، وإلّا لكان المانع سببا ، هذا خلف.

الخامس والسبعون : الإمام مخرج للمحل عن قبول المعصية ، فلا يجوز أن يكون قابلا لها ، فيمتنع.

السادس والسبعون : الإمام سبب الطاعات ، وجميع الشرائط من قبله حاصلة ، والموانع من ذاته وعوارضه النفسانية والبدنية زائلة ، فمحال أن يخلّ بشيء من الواجبات ، وذلك هو المطلوب.

السابع [والسبعون : الإمام مانع لسبب المعصية ، فلا يكون سببا لها بوجه ؛ وإلّا لكان المانع] (١) من الشيء سببا له ، هذا خلف.

الثامن والسبعون : علّة وجود الطاعة وعدم المعصية في الإمام موجودة ، والمانع منتف ، والشرائط حاصلة ، وكلّما كان كذلك وجب وجود الحكم ، وهو امتناع المعصية ووجوب الطاعات.

أمّا الصغرى : أمّا (٢) وجود العلّة ؛ فلأنّ الإمام علّة للتقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية في غير محلّها ، ففي محلّها أولى ؛ لأنّ المانع من الشيء مناف له ، وإذا كان في غير محلّه ففي محلّ القابل لهذا الحكم أولى ، وكذا التقرير ، وهذا حكم ضروري.

وأمّا عدم المانع ؛ فلأنّ المانع إمّا عدم علم الإمام بصدور ذلك من الفاعل ؛ إذ لا يتحقّق عدم علمه بالحكم. وإمّا مقاهرة الفاعل بحيث لا يتحقّق قدرة الإمام على منعه ؛ لسبب انفكاك يده ، لأنّه لو علم به وتمكّن من مقاهرته وأهمل ، لزم الإخلال بالمقصود منه ، فلا يصلح لذلك.

__________________

(١) من «ب».

(٢) في هامش «ب» : (وهو) خ ل ، بدل : (أمّا).

٢١١

وكلا المانعين ممتنع في حقّ نفسه ، [إذ] (١) لو لم يكن له قدرة على الامتناع عن المعصية لزم تكليف ما لا يطاق ، وهذا محال.

وأمّا وجود الشرائط ؛ فلوجوب تحقّقها من طرف الإمام وطرف الله تعالى ، وإلّا لكانت الحجّة للمكلّفين. ولأنّه إجماعي قطعي.

التاسع والسبعون : الإمام علّة في تقليل المعاصي ، فلو وجدت منه لكان علّة لكثرتها.

الثمانون : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٢).

لا يصلح لولاية [الإمامة] (٣) إلّا من تيقّن نفي هذه الصفة منه ، وليس إلّا المعصوم.

الحادي والثمانون : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٤).

وجه الاستدلال بها من وجهين :

الأوّل : أنّ معرفة الحقّ الذي يؤكل به المال لا يكون إلّا من الإمام ؛ لما بيّن غير مرّة (٥) ، فيجب نصبه.

الثاني : قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) ، هذه صفة ذمّ لا يجوز أن يتّبع من هي فيه ولا أن يكون إماما ، وإنّما يعلم انتفاؤها عن المعصوم ، فلا يجوز اتّباع غير المعصوم.

__________________

(١) في «أ» : (إذا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) النساء : ١٠.

(٣) في «أ» و «ب» : (الإمام) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) النساء : ٢٩ ـ ٣٠.

(٥) بيّنه في الدليل الخامس والأربعين من المائة الأولى.

٢١٢

الثاني والثمانون : قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (١).

الآية هذه إنّما تعلم من المعصوم ؛ لما تقدّم تقريره.

الثالث والثمانون : قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (٢).

هذا خطاب للإمام عليه‌السلام [وتحكيم له] (٣) ، وتحكيم غير المعصوم لا يجوز من الحكيم.

ولأنّ تفويض نصب الإمام إلى الأمّة يؤدّي إلى تعطيل الأحكام [وإفضائه] (٤) إلى التنازع وعدم الاتّفاق على واحد ؛ لعسره ، كما تقدّم (٥).

الرابع والثمانون : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) (٦).

يجب الاحتراز عن اتّباع من يمكن فيه هذه الصفة ؛ لأنّه احتراز عن الضرر المظنون ، وهو غير المعصوم ، فلا يصح أن يكون إماما.

الخامس والثمانون : قوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٧).

__________________

(١) النساء : ٣١.

(٢) النساء : ٣٥.

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (وإفضاله) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) تقدّم في الوجه السابع ، والوجه الثالث عشر ، والوجه الرابع عشر ، من النظر الخامس من البحث السادس من المقدمة.

(٦) النساء : ٣٦.

(٧) النساء : ٣٧.

٢١٣

لا يجوز اتّباع كلّ من يمكن هذه الصفة فيه ، [وهو غير المعصوم ، فلا يجوز أن يكون إماما.

السادس والثمانون : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) (١).

هذه صفة] (٢) ذمّ ومنع [عن] (٣) اتّباعه ، وغير المعصوم يحتمل ذلك منه ، فلا يجزم بقوله وبصحة [فعله] (٤) ، فلا يصلح للإمامة.

السابع والثمانون : قوله تعالى : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) (٥).

وغير المعصوم الشيطان له قرين قطعا ، وما يعلم في أيّة حالة يسلب عنه ، فيجب الاحتراز عنه ، فلا يصلح للإمامة.

الثامن والثمانون : الإمام ينفي فعل الشيطان وإزالة إقرانه ، وغير المعصوم لا يصلح لذلك ، فلا يصلح للإمامة.

التاسع والثمانون : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (٦).

وجه الاستدلال : أنّ الإمام يحكّمه الله ، ولا شيء من غير المعصوم يحكّمه الله تعالى. ينتج : لا شيء من الإمام بغير معصوم.

أمّا الصغرى فظاهرة.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّ تحكيم الظالم ظلم ، [ولا شيء من الظلم] (٧) بصادر من الله

__________________

(١) النساء : ٣٨.

(٢) من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (قوله) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) النساء : ٣٨.

(٦) النساء : ٤٠.

(٧) من «ب».

٢١٤

تعالى بهذه الآية ، فلا شيء من غير المعصوم يحكّمه الله تعالى.

التسعون : الإمام أمر الله بطاعته في جميع أوامره ونواهيه ، ولا شيء [من] (١) غير المعصوم أمر الله بطاعته في جميع أوامره ونواهيه ، فلا شيء من الإمام غير معصوم.

أمّا الصغرى ؛ فلقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) ، وهو عامّ في جميع الأوامر والنواهي اتّفاقا ، ولتساوي المعطوف والمعطوف عليه في العامل ، فالطاعة هنا المراد بها في جميع الأوامر والنواهي ، فيكون في أولي الأمر كذلك.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّ امتثال أمر الظالم في جميع أقواله وأوامره ونواهيه ظلم ما ، وهو منفي بهذه الآية ؛ [لاقتضائها] (٣) السلب الكلّي ، وهو نقيض الموجبة الجزئية.

الحادي والتسعون : قوله تعالى : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (٤).

هذا حثّ عظيم على فعل الحسنات ، وإنّما يعلم من المعصومين ، كما تقدّم ، فيجب.

الثاني والتسعون : أنّ الله عزوجل يريد فعل الحسنات من العباد ، وإنّما يتمّ بالمعصوم ؛ لما تقدّم (٥) من أنّه لطف [يتوقّف] (٦) فعل المكلّف به عليه ، وهو من فعله تعالى ، فيجب فعله ، وإلّا لكان نقضا للغرض.

__________________

(١) من «ب».

(٢) النساء : ٥٩.

(٣) في «أ» : (واقتضائها) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) النساء : ٤٠.

(٥) تقدّم أنّ الإمام لطف في البحث الرابع ، وفي النظر الأوّل من البحث السادس من المقدمة. وتقدّم أنّ اللطف في الواجبات واجب عليه تعالى إذا كان من فعله خاصّة في المبدأ السابع عشر من البحث الثالث ، والنظر الرابع من البحث السادس من المقدمة.

(٦) من «ب».

٢١٥

الثالث والتسعون : قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (١).

وإنّما يتمّ الحجّة عليهم والغرض بنصب الإمام المعصوم في كلّ زمان ؛ لأنّه الطريق إلى معرفة الأحكام الشرعية وامتثال الأوامر الإلهية ، فيجب.

الرابع والتسعون : قوله تعالى : (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) (٢).

معناه : يودّ الذين كفروا ويودّ الذين عصوا الرسول ، هذه صفة ذمّ تقتضي أنّه لا يجوز اتّباع من يعصي الرسول ، وغير المعصوم يعصي الرسول ، فلا يجوز اتّباعه ، فلا يصلح للإمامة.

الخامس والتسعون : هذه (٣) تحريض على الاحتراز عن مخالفة أوامر الرسول ونواهيه ، وذلك موقوف على معرفتها بالتحقيق وبعين اليقين ، ولا يتمّ الأمر إلّا بالمعصوم ، فيجب نصبه ؛ لاستحالة التحذير التامّ من الحكيم وعدم نصب الطريق إليه.

السادس والتسعون : كلّف الله تعالى في هذه الآية بامتثال أوامر الرسول ونواهيه ، والمعصوم لطف فيها ، فيجب ؛ لأنّا قد بيّنا في علم الكلام (٤) أنّ التكليف بالشيء يستلزم فعل شرائطه واللطف فيه الذي هو من فعل المكلّف ، وبيّنا (٥) أنّ الإمام المعصوم لطف يتوقّف عليه فعل المكلّف به الواجب ، فيجب.

__________________

(١) النساء : ٤١.

(٢) النساء : ٤٢.

(٣) أي الآية المتقدّمة في الدليل الرابع والتسعين.

(٤) مناهج اليقين في أصول الدين : ٢٥١ ـ ٢٥٥. نهج الحقّ وكشف الصدق : ١٣٤ ـ ١٣٧.

(٥) بيّنة في البحث الرابع ، وفي النظر الأوّل من البحث السادس من المقدمة.

٢١٦

السابع والتسعون : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) الآية (١).

لا يجوز اتّباع من يحتمل فعل ذلك منه ، وغير المعصوم كذلك ، فلا يجوز اتّباعه ، فلا تصلح إمامته.

الثامن والتسعون : الإمام هاد إلى السبيل يقينا ، ولا شيء من غير المعصوم بهاد إلى السبيل يقينا ، فلا شيء من الإمام بغير المعصوم.

أمّا الصغرى فظاهرة ؛ لأنّ الإمام للتقريب إلى الطاعة والتبعيد عن المعصية ، وهي الهداية.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّه يمكن أن يصدّ السبيل ويأمر بما لا يقرّب إلى الطاعة ويبعّد عن المعصية.

التاسع والتسعون : قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) (٢).

وجه الاستدلال : أنّ الإمام يجب له الصارف عن إضلال السبيل ويمتنع عليه ذلك ، وإلّا لم يجزم بقوله ولا يعتمد على أمره ، ولاحتمال دخوله في هذه الآية ، وهي تقتضي الاحتراز عن اتّباعه ، فتنتفي فائدته.

ولا شيء من غير المعصوم كذلك ؛ لأنّ له دلالة الدواعي إلى ذلك ، والعصمة الموجبة لمنعه منتفية ، فيكون ذلك ممكنا فيه.

هذا آخر الكلام في الجزء الأوّل من (كتاب الألفين الفارق بين

الصدق والمين) ، فرغ من تسويده مصنّفه [الحسن] (٣) بن

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) النساء : ٤٤.

(٣) في «أ» : (حسن) ، وفي هامشها : (محمد بن حسن) خ ل ، وفي «ب» : (محمد بن حسن).

٢١٧

يوسف بن المطهّر الحلّي في العشرين من ربيع الأوّل لسنة تسع

وسبعمائة (١) ببلدة دينور (٢) ، وفرغ من تبييضه ولده محمّد بن

الحسن بن يوسف بن المطهّر [في] (٣) سادس جمادى الأولى

لسنة ستّ وعشرين (٤) وسبعمائة ، بعد وفاة المصنّف.

__________________

(١) في هامش «أ» و «ب» : (إحدى وثلاثين وثمانمائة) خ ل.

(٢) دينور : مدينة من أعمال الجبل قرب قرميسين ، ينسب إليها خلق كثير ، وبين الدينور وهمذان نيف وعشرون فرسخا ، ومن الدينور إلى شهرزور أربع مراحل ، والدينور بمقدار ثلثي همذان وهي كثيرة الثمار والزروع ولها مياه ومستشرف .. معجم البلدان ٢ : ٦١٦.

(٣) في «أ» و «ب» : (من) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) في هامش «أ» و «ب» : (لسنة عشرين) خ ل.

٢١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

المائة الثالثة من الأدلّة

الدالّة على وجوب

عصمة الإمام عليه‌السلام

٢١٩
٢٢٠