الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

الثالث والتسعون : قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) (١).

المراد عدم الزيغ ؛ إذ يستحيل من الله تعالى فعل الزيغ ، [وإذا كان المراد عدم الزيغ] (٢) بالكلّية ولا يحصل إلّا بالمعصوم ؛ لما تقدّم من التقرير (٣) ، فدلّ على نصبه.

الرابع والتسعون : قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ) ـ إلى قوله ـ (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٤).

وجه الاستدلال به : أنّه تعالى قد حكم باستحقاق الذين اتّقوا الثواب الدائم والخلاص من العقاب ؛ بسبب التقوى ، ولا طريق إليها إلّا بالمعصوم ، كما تقدّم (٥).

الخامس والتسعون : قوله تعالى : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) (٦).

إنّما يعلم طريق ذلك من المعصوم ، كما [تقدّم] (٧) تقريره (٨).

السادس والتسعون : قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٩).

وقد آتى الله الملك بالاتّفاق ، فيلزم أن يكون معصوما ؛ لأنّ تحكيم غير المعصوم

__________________

(١) آل عمران : ٨.

(٢) من «ب».

(٣) تقدّم في البحث الخامس من المقدّمة.

(٤) آل عمران : ١٥.

(٥) تقدّم في الدليل الرابع والأربعين ، والدليل الخمسين والحادي والخمسين من هذه المائة.

(٦) آل عمران : ١٧.

(٧) من «ب».

(٨) تقدّم تقريره في الدليل الرابع والثلاثين من هذه المائة.

(٩) آل عمران : ٢٦.

١٦١

قبيح ، ويستحيل على الله تعالى ؛ لوجود ضدّه ، وهي الحكمة.

السابع والتسعون : قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (١).

وإنّما يعلم اتّباعه بالمعصوم [كما] (٢) تقرّر فيما تقدّم (٣).

الثامن والتسعون : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٤).

وإنّما يحسن ذلك من الحكيم مع عصمتهم من أوّل العمر إلى آخره ، فإمّا أن يكون متناولا للأنبياء لا غير ، أو لهم وللأئمّة عليهم‌السلام. وعلى كلا التقديرين فمطلوبنا حاصل.

أمّا على الأوّل ؛ فلأنّ كلّ من قال بذلك قال بعصمة الأئمّة عليهم‌السلام ، ومن منع من عصمة الإمام (٥) لم يقل بعصمة الأنبياء من أوّل العمر إلى آخره ، فالفرق إحداث قول ثالث ، وهو باطل.

وأمّا على الثاني فظاهر ، ولأنّ (آلَ) جمع أضيف ، والجمع إذا أضيف [يكون] (٦) للعموم (٧) ، فيدخل فيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين وباقي الأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين ، فدلّ على عصمتهم.

وغير الأنبياء من آل إبراهيم خارج عن ذلك ؛ إذ ليس بمعصوم اتّفاقا ، فلا يصح

__________________

(١) آل عمران : ٣١.

(٢) من «ب».

(٣) تقدّم في الدليل الثاني والعشرين ، وفي الدليل الرابع والخمسين من هذه المائة.

(٤) آل عمران : ٣٣.

(٥) في «ب» : (الأئمّة) بدل : (الإمام).

(٦) زيادة اقتضاها السياق.

(٧) معارج الأصول : ٨٥ مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. روضة الناظر وجنّة المناظر ٢ : ١٢٣.

١٦٢

اصطفاؤه على العالمين.

لا يقال : الجمع المخصوص ـ وخصوصا بالمنفصل ـ ليس حجّة في الباقي ؛ لما بيّن في الأصول (١).

لأنّا نقول : بل العامّ المخصوص حجّة في الباقي ؛ لما بيّن في الأصول (٢).

التاسع والتسعون : قوله عليه‌السلام : «لا تجتمع أمّتي على الخطأ» (٣).

خبر متّفق عليه ، وهو يدلّ على وجود المعصوم في كلّ عصر ؛ لأنّ الألف واللام التي في «الخطأ» ليس للعهد اتّفاقا ، وهي (٤) للجنس أو لتعريف الطبيعة ، فبقي المعنى : لا تجتمع أمّتي على جنس الخطأ من حيث هي هي.

فلو لم يكن منهم معصوم من أوّل [عمره] (٥) إلى آخره ، لجاز في زمان عدم المعصوم فعل كلّ واحد نوعا من الخطأ مغايرا لما يفعله الآخر ، [فيكونوا] (٦) قد

__________________

(١) انظر : الذريعة الى أصول الشريعة ١ : ٣٣٢. المعتمد في أصول الفقه ١ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦. روضة الناظر وجنّة المناظر ٢ : ١٥٠ ـ ١٥١.

(٢) الذريعة الى أصول الشريعة ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥. معارج الأصول : ٩٧. مبادئ الوصول الى علم الأصول : ١٣١ ـ ١٣٢.

(٣) ورد بهذا اللفظ في بعض الكتب الأصولية مثل :

الذريعة الى أصول الشريعة ٢ : ٦٠٨. العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٢٥. المعتمد في أصول الفقه ٢ : ١٦. اللمع في أصول الفقه : ٨٧ المستصفى من علم الأصول ١ : ٢٠٨.

وورد في كتب الحديث بألفاظ أخرى ؛ ففي بحار الأنوار ٥ : ٢٠ / ٣٠. و ٥ : ٦٨ / ١ : «لا تجتمع أمّتي على ضلالة». وفي سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٣ / ٣٩٥٠ : «إنّ أمّتي لا تجتمع على ضلالة». وفي سنن الترمذي ٤ : ٤٠٥ / ٢١٦٧ ، وجامع الأصول في أحاديث الرسول ٩ : ١٩٦ / ٦٧٦١ : «إنّ الله لا يجمع أمّتي ـ أو قال : أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على ضلالة». وفي المستدرك على الصحيحين ١ : ١١٥ : «لن يجمع الله أمّتي على ضلالة أبدا».

(٤) في «ب» : (فهي) بدل : (وهي).

(٥) من «ب».

(٦) في «أ» و «ب» : (فيكون) ، وما أثبتناه للسياق.

١٦٣

اجتمعوا على جنس الخطأ. لكنّه منفي بالخبر ، فدلّ على ثبوت معصوم بينهم من أوّل عمره الى آخره في كلّ عصر ؛ إذ المراد به في كلّ عصر إجماعا ، فثبت مطلوبنا ؛ لاستحالة كون الإمام غيره (١).

المائة : الإمام يحبّه الله ؛ لأنّ معنى المحبّة من الله تعالى كثرة الثواب ، والإمام هو سبب حصول الثواب للناس كافّة.

ولأنّ الإمام متّبع للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ أحواله ، وإلّا لما أمر بطاعته واتّباعه ، ولأنّه خليفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقائم مقامه ، وكلّ من يتّبع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبّه الله تعالى ؛ لقوله : (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٢).

ولا شيء من غير المعصوم يحبّه الله تعالى ؛ [لأنّه ظالم] (٣) ؛ لقوله تعالى : [(فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) (٤). ولا شيء من الظالم يحبّه الله تعالى] (٥) ؛ لقوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٦).

لا يقال : نفي المحبّة عن الكلّ لا يستلزم نفيها عن كلّ واحد.

لأنّا نقول : العلّة الظلم ، وهي موجودة في كلّ واحد.

__________________

(١) في «أ» و «ب» زيادة : (هي هي) بعد : (غيره) ، وما أثبتناه موافق للسياق.

(٢) آل عمران : ٣١.

(٣) من «ب».

(٤) فاطر : ٣٢.

(٥) من «ب».

(٦) آل عمران : ٥٧.

١٦٤

بسم الله الرحمن الرحيم

المائة الثانية من الأدلّة

الدالّة على وجوب

عصمة الإمام عليه‌السلام

١٦٥
١٦٦

الأوّل : قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) (١).

و (الصَّالِحاتِ) عامّ ؛ لأنّه جمع معرّف باللام فيكون للعموم (٢) ، فيجب في الحكمة وضع طريق لمعرفة جميع الصالحات ، وليس إلّا المعصوم كما (٣) تقدّم (٤) ، فيجب في كلّ عصر ؛ لعمومها كلّ عصر.

الثاني : قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٥).

صفة ذمّ تقتضي التحذير من متابعته ، وغير المعصوم يمكن كونه كذلك ، فيكون ترك اتّباعه احترازا عن الضرر المظنون ، فيجب.

والأصل في ذلك أنّ المكلّف به يجب أن يخلو من أمارات المفاسد و [وجوهها] (٦) ؛ فلذلك لم يجب اتّباعه احترازا من الضرر (٧) المظنون.

الثالث : طاعة الرسول أن نأخذ بجميع ما أتانا به وننتهي عن جميع ما نهانا عنه ؛ لقوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٨). وطاعة الإمام

__________________

(١) آل عمران : ٥٧.

(٢) العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٧٥. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٦.

(٣) في هامش «ب» : (لما) خ ل ، بدل : (كما).

(٤) تقدّم في الدليل الخامس والعشرين ، وفي الدليل الثلاثين من المائة الأولى.

(٥) آل عمران : ٧١.

(٦) في «أ» : (وجوبها) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» زيادة : (و) بعد : (الضرر) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٨) الحشر : ٧.

١٦٧

مساوية له ؛ لقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١).

جعل طاعتهما مشتركة واحدة ، فإنّ العطف يقتضي التساوي في العامل ، فيجب أن يكون الإمام معصوما ، وإلّا لزم اجتماع الأمر بالشيء والنهي عنه ، وهذا لا يجوز.

الرابع : قوله تعالى : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢).

وغير المعصوم يمكن أن يكون كذلك [بالضرورة ، ولا شيء من الإمام يمكن أن يكون كذلك] (٣) قطعا ، وإلّا لانتفت فائدته. وهما ينتجان : لا شيء من الإمام بغير معصوم بالضرورة ، وهو المطلوب.

الخامس : قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٤).

وهو يقتضي الأمر بكلّ معروف والنهي عن (٥) المنكر ، ولا يكون كذلك إلّا المعصوم ، فيجب.

السادس : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٦).

وحقّ تقاته إنّما يحصل بعد العلم بالأحكام يقينا والتقريب والتبعيد ، ولا يحصل إلّا من الإمام المعصوم ؛ لما تقدّم (٧) ، فثبت.

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) آل عمران : ٩٤.

(٣) من «ب».

(٤) آل عمران : ١٠٤.

(٥) في «ب» زيادة : (كلّ) بعد : (عن).

(٦) آل عمران : ١٠٢.

(٧) تقدّم في الدليل الرابع والأربعين ، والدليل السادس والأربعين ، والدليل الخمسين ، والوجه

١٦٨

السابع : قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (١).

والاستدلال به من وجهين :

الأوّل : الاعتصام بحبل الله فعل أوامر الله تعالى كلّها والامتناع عن مناهيه ، ولا يعلم ذلك إلّا من المعصوم.

الثاني : قوله : (جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ، حثّ على الاجتماع على الحقّ وعدم الافتراق عنه ، وإرادة الاجتماع منهم من غير معصوم في كلّ عصر يناقض الغرض ؛ لتجاذب الأهواء ، وغلبة القوى الشهوية والغضبية ، والامتناع عن طاعة من يصدر عنه الذنوب وسقوط محلّه من القلوب ، مع أنّه لا بدّ للاجتماع على الأمور من رئيس.

الثامن : قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) (٢).

وذلك إنّما هو بخلق اللطف المقرّب إلى الطاعة والمبعّد عن المعصية ، وهو الإمام المعصوم في كلّ عصر ، وهو المطلوب.

التاسع : قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (٣).

هذه عامّة في كلّ الآيات وفي الأزمنة ، وبيان المجمل والمشترك إنّما هو بحصول العلم ، وإلّا لم يكن بيانا ، وذلك إنّما يحصل بقول المعصوم ، فثبت ، وهو المطلوب.

العاشر : قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٤).

__________________

الثاني من الدليل الستّين ، والدليل التاسع والسبعين ، والدليل الخامس والثمانين من المائة الأولى. وتقدّم كون الإمام مقرّبا للطاعة ومبعّدا عن المعصية في الدليل السادس والثلاثين ، والدليل التاسع والثلاثين من المائة الأولى.

(١) آل عمران : ١٠٣.

(٢) آل عمران : ١٠٣.

(٣) آل عمران : ١٠٣.

(٤) آل عمران : ١٠٥.

١٦٩

نهى عن التفرّق والاختلاف ، وإنّما يتمّ ذلك بالمعصوم في كلّ زمان ؛ إذ عدم الرئيس يوجب التفرّق والاختلاف ، وكذا تفويض الرئيس إليهم ، فتعيّن نصب الإمام المعصوم.

وأيضا : فإنّ النهي عن الاختلاف مع عدم وفاء السنّة والكتاب بالأحكام ، وثبوت المجملات والمتشابهات والمجازات مع عدم نصب الإمام المعصوم ، والتكليف بالأحكام في كلّ واقعة ، وتفويض استخراج ذلك إلى الاجتهاد التابع للأمارات المختلفة والأفكار والأنظار المتباينة ، تكليف بما لا يطاق ، وهو محال.

لا يقال : المحال إذا لزم من مجموع ، ولا يلزم لزومه للأجزاء ، فلا يلزم [استلزام] (١) عدم المعصوم المحال.

لأنّا نقول : إذا كان ما عدا عدم المعصوم صادقا متحقّقا في نفس الأمر ، والصادق المتحقّق لا يستلزم المحال ، فتعيّن عدم المعصوم للاستلزام ، وهو المطلوب.

وأيضا : فقوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) يدلّ على طريق لظهور الأحكام والعلم بها (٢) ، وليس إلّا من المعصوم في كلّ عصر كما تقدّم (٣) ، فثبت.

الحادي عشر : قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (٤).

والمأمور به مراد على ما ثبت في الأصول (٥) ، و [أمّا] (٦) كلام الأشاعرة (٧) فقد

__________________

(١) من «ب».

(٢) في هامش «ب» : (فيها) خ ل ، بدل : (بها).

(٣) تقدّم في الشيء السادس من الوجه الرابع من البحث الخامس من المقدمة ، وفي الدليل السادس والأربعين ، والوجه الثاني والثالث من الدليل الثامن والخمسين ، والدليل الحادي والستّين ، والدليل الأوّل من الدليل الثاني والستّين ، والدليل التاسع والسبعين من المائة الأولى.

(٤) غافر : ٣١.

(٥) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٤١ ، ٥٢. العدّة في أصول الفقه ١ : ١٧٠ ، ٢١٣. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٩٠.

(٦) زيادة اقتضاها السياق.

(٧) نسب أبو إسحاق الشيرازي إلى الأشاعرة قولهم : إنّ الأمر لا صيغة له ، وأنّه لا يقتضي الوجوب

١٧٠

أبطلناه في كتبنا الأصولية (١).

فمحال أن يأمر بطاعة غير المعصوم ؛ لأنّه قد يأمر بالظلم للعباد ، و [الإمام] (٢) أمر الله تعالى بطاعته ، فلا شيء من غير المعصوم بإمام.

الثاني عشر : قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (٣).

يقتضي الأمر بكلّ معروف والنهي عن كلّ منكر ، فإمّا أن يكون إشارة إلى المجموع من حيث هو مجموع ، أو إلى كلّ واحد ، أو إلى بعضهم.

والأوّل محال ، فإنّ الأمّة يتعذّر اجتماعها في حال ، فضلا [عن] (٤) الأمر بكلّ معروف لكلّ أحد ، والنهي كذلك.

والثاني محال أيضا ؛ لأنّ الواقع خلافه.

فتعيّن الثالث وهو المعصوم ، فثبت المعصوم في كلّ عصر ؛ لعمومها [لكلّ عصر] (٥) ، وهو المطلوب.

الثالث عشر : قوله تعالى : (أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) ـ إلى قوله ـ (وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٦).

يقتضي الأمر بكلّ معروف والنهي عن كلّ منكر ، والمسارعة إلى كلّ الخيرات ،

__________________

ولا غيره إلّا بدليل. اللمع في أصول الفقه : ١٣.

وقال فخر الدين الرازي : إنّ تلك الماهية عندنا شيء غير الإرادة. واستدلّ على ذلك بوجوه. المحصول في علم أصول الفقه ٢ : ١٩ ـ ٢٣. وانظر المعتمد في أصول الفقه ١ : ٤٨ ـ ٤٩.

(١) انظر : تهذيب الوصول إلى علم الأصول : ٩٤.

(٢) في «أ» : (العباد) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) آل عمران : ١١٠.

(٤) في «أ» و «ب» : (على) ، وما أثبتناه للسياق.

(٥) من «ب».

(٦) آل عمران : ١١٣ ـ ١١٤.

١٧١

بحيث لا يلزم تكليف ما لا يطاق ، وذلك هو المعصوم ، فثبت.

وهي عامّة في كلّ زمان إجماعا اتّفاقيّا ومركّبا (١).

الرابع عشر : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) ـ إلى قوله ـ (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٢).

الاستدلال به من وجهين : الأوّل : أنّه نهى عن اتّباع هؤلاء وحذّر منه تحذيرا تامّا ، واتّباع من يمكن أن يكون كذلك فيه خوف وضرر مظنون ، ودفعهما واجب بترك اتّباعه ، [وغير المعصوم كذلك ، فيجب ترك اتّباعه ، فلو كان إماما لوجب اتّباعه] (٣) ، فلزم التكليف بالضدّين ، وهو تكليف بالمحال.

الثاني : قوله تعالى : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٤).

هذا إشارة إلى نصب المعصوم في كلّ زمان ؛ إذ بيان الآيات ممّن لا يحتمل أن يكون كذلك ، ليس إلّا [من] (٥) المعصوم كما تقدّم (٦) ، فدلّ على ثبوته.

__________________

(١) الإجماع الاتفاقي : هو عبارة عن اتفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر من الأمور. تهذيب الوصول الى علم الأصول : ٢٠٣.

أو : اتّفاق علماء العصر على حكم الحادثة. اللمع في أصول الفقه : ٨٧.

أو : اتّفاق من يعتبر قوله في الفتاوى الشرعية على أمر من الأمور الدينية قولا كان أو فعلا. معارج الأصول : ١٢٥.

الإجماع المركّب : عبارة عن إطباق أهل الحلّ والعقد في عصر من الأعصار على قولين لا يتجاوزونهما إلى ثالث. راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٣٨. معارج الأصول : ١٣١. مدارك الأحكام ١ : ٢٧٤.

(٢) آل عمران : ١١٨.

(٣) من «ب».

(٤) آل عمران : ١١٨.

(٥) من «ب».

(٦) تقدّم في الدليل الرابع والأربعين ، والوجه الثالث من الدليل الستّين ، والدليل السبعين من

١٧٢

الخامس عشر : قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١).

فدلّ على ثبوت قوم كذلك لا يعلم باطنهم إلّا الله تعالى ؛ لأنّه من باب الغيب ، وقد حذّر عن اتّباع من يمكن منه ذلك. وغير المعصوم كذلك ، فلا يجوز اتّباعه ، والإمام يجب اتّباعه.

السادس عشر : قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (٢).

فالأولى ألّا يكون للرعية نصب الإمام ، بل يكون إلى الله تعالى ، ويستحيل منه نصب غير المعصوم والأمر بطاعته في كلّ ما يأمر به ، وإلّا أمكن اجتماع الضدّين ، وحسن القبيح في نفسه وقبح الحسن ، وهو محال.

السابع عشر : قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٣).

والإمام المعصوم لطف في هذا التكليف ، وفعله موقوف عليه من جهة العلم والعمل كما تقدّم تقريره (٤) ، فيجب ، وإلّا ناقض الغرض ، وهو [على] (٥) الحكيم محال.

الثامن عشر : قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ـ إلى قوله ـ (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٦).

والاستدلال بها من وجوه :

__________________

المائة الأولى ، والدليل التاسع من المائة الثانية.

(١) آل عمران : ١١٩.

(٢) آل عمران : ١٢٨.

(٣) آل عمران : ١٣٢.

(٤) تقدّم في البحث الرابع من المقدمة ، وفي الدليل الحادي والأربعين ، والدليل الستّين من المائة الأولى.

(٥) من «ب».

(٦) آل عمران : ١٣٣ ـ ١٣٤.

١٧٣

الأوّل : مراده من التكليف هذه الغاية ، والإمام المعصوم لطف فيه ، وفعله يتوقّف عليه ، وإلّا لناقض الغرض.

الثاني : أنّ ذلك لا يعلم إلّا من الإمام كما تقدّم (١).

الثالث : أنّ خلقهم على جهة التكليف [للتعريض] (٢) للمنافع تفضّل ، وقد فعله الله تعالى. واللطف المقرّب من ذلك بعد خلقهم على جهة التكليف وتكليفهم أولى أن يفعله الله تعالى ، وهو المعصوم.

وهل يتصوّر من الحكيم تعالى التفضّل بخلق الخلق وتكليفهم للتعريض للمنافع ولا يخلق لهم الإمام المعصوم الذي هو مقرّب إلى ذلك ، ومبعّد عن القوى الشهوية والغضبية المبعّدة عن ذلك ، الغالبة في أكثر الأمور؟! وهذا لا يجوز في الحكمة ، ولا يتصوّره عاقل.

التاسع عشر : قوله تعالى : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٣).

هذا دليل على ثبوت المعصوم ؛ إذ غيره ظالم ، والذي [يتّخذه] (٤) الله شاهدا له العدالة المطلقة التي هي العصمة.

وبالجملة ، فهو غير ظالم ، أعني غير المعصوم ، فيكون هو المعصوم.

العشرون : قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (٥).

وجه الاستدلال به : أنّه بمجرّد الإرادة من دون فعل سبب الثواب [لا يحصل الثواب] (٦) ، وهو ظاهر ، وإلّا كان تفضّلا ، فلا يكون ثوابا.

__________________

(١) تقدّم في الدليل الستّين من المائة الأولى.

(٢) في «أ» و «ب» : (التعريض) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) آل عمران : ١٤٠.

(٤) في «أ» و «ب» : (يتّخذ) ، وما أثبتناه للسياق.

(٥) آل عمران : ١٤٥.

(٦) من «ب».

١٧٤

ولا بدّ من طريق يحصّل العلم بأسباب الثواب جزما ؛ ولذلك لا بدّ من معرفة كيفية الشكر وسببه ، وإنّما يحصل من المعصوم.

وإذا تبيّن أنّ فعل الطاعات موجب للثواب ، والله داع إلى الثواب و [مريد] (١) لحصوله من العباد ، فلا بدّ من خلق المقرّب والمبعّد ، وهو المعصوم.

الحادي والعشرون : أنّ الله تعالى فاعل مختار ، ومتى تحقّقت القدرة والداعي وجب الفعل.

والإحسان المطلق إنّما هو بفعل الطاعات والامتناع عن القبائح ، والمعصوم لطف فيه محصّل له لا يحصل بدونه ، كما تقدّم (٢). والله يريد الإحسان ويحبّه ؛ لقوله (٣) تعالى : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٤) ، فدلّ على تأكّد الإرادة له.

وإنّما يريد ذلك على سبيل الاختيار ، فيلزم أن يريد الألطاف الموقوف عليها الإحسان المطلق ، والتي تقرّب المكلّف إليه وتبعّده عن ضدّه ، التي لا تبلغ الإلجاء ، فيريد خلق المعصوم والأمر بطاعته ؛ لوجود القدرة والداعي وانتفاء [الصارف] (٥) ؛ إذ هو مناف للإرادة ، وقد تحقّق انتفاء [الصارف] (٦) ، وهو المطلوب.

الثاني والعشرون : قوله تعالى : [(وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (٧).

وجه الاستدلال به : ما تقدّم (٨).

الثالث والعشرون : قوله تعالى] (٩) : (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) (١٠).

__________________

(١) في «أ» : (مزيده) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) تقدّم في البحث الرابع من المقدمة ، والدليل الحادي والأربعين من المائة الأولى.

(٣) في «أ» : (ولقوله) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٤) آل عمران : ١٤٨.

(٥) في «أ» : (الصادق) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (الصادق) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) آل عمران : ١٤٦.

(٨) تقدّم في الدليل السابق : الحادي والعشرين من هذه المائة.

(٩) من «ب».

(١٠) آل عمران : ١٥٠.

١٧٥

المراد فاعل لمصالحكم ومرشد لكم ، وإنّما يتمّ ذلك بخلق الألطاف الموقوف عليها الفعل ، وهو المعصوم ؛ إذ غيره ربّما يقرّب من المعصية ويبعّد عن الطاعة ، وهو ضد اللطف ، ولا يحصل [الوثوق] (١) بقوله ، فتنتفي فائدة نصبه ، فتعيّن المعصوم ، وهو المطلوب.

الرابع والعشرون : قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) (٢).

وجه الاستدلال : أنّه ذمّ التنازع والخذلان والعصيان وجعله سبب النار ، وعدم المعصوم مؤدّ إلى ذلك وموجب له. والمعصوم من فعله تعالى ، فلو لم يخلقه لكان الله تعالى [سببا] (٣) في ذلك ، وهو قبيح ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ولأنّه لم يحسن حينئذ الذم ؛ لعدم الطريق [المفيد] (٤) لليقين في كثير من الأحوال والأحكام ، والأمارات والظنون المختلفة ، وكان التكليف بعدم الخلاف في ذلك تكليف ما لا يطاق.

الخامس والعشرون : قوله تعالى : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (٥).

وهذا الذي يريد الآخرة لا بدّ له من طريق موصل يتيقّن الوصول به ، وليس إلّا المعصوم ، فثبت.

السادس والعشرون : قوله تعالى : (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٦).

وهو إمّا بالمنافع الدنيوية ، أو الأخروية ، أو هما.

__________________

(١) في «أ» : (الوقوف) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) آل عمران : ١٥٢.

(٣) في «أ» : (شيئا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (المقيّد) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) آل عمران : ١٥٢.

(٦) آل عمران : ١٥٢.

١٧٦

لا جائز الأوّل ؛ إذ هو محتقر بالنسبة إلى الأخروي ، فلا يجوز الامتنان بالفاني المحتقر مع إمكان الدائم العظيم ، فتحقّق أحد القسمين الآخرين.

فلا يتمّ لهم ذلك إلّا باللطف المقرّب المبعّد الذي هو المعصوم ، فثبت به ، وإلّا لم يحسن الامتنان.

السابع والعشرون : قوله تعالى : (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (١).

وجه الاستدلال : أنّ هذا يدلّ على أن ليس لهم أمر ولا حكم في شيء مطلقا ، بل الكلّ لله تعالى ، فلا يجوز أن يكون نصب الإمام مستندا إليهم ؛ لأنّه من أعظم الأمور وأتمّها وأهمّها ، وعليه يبنى المصالح الدينية ، فيكون إلى الله تعالى ، والله تعالى لا يجوز أن يجعل غير المعصوم ؛ لأنّه قبيح ؛ لما تقدّم (٢) ، والله تعالى لا يفعل القبيح.

[ولأنّه] (٣) لو أمر بطاعته في جميع أوامره ، وهو يمكن أن يأمر بما يريد وبما سنح في خاطره وقد وقع (٤) مثل ذلك ، فلو أمر الله به لزم أن يكون [له] (٥) من الأمر شيء ، لكنّه منفي.

وإن كان فيما يعرف المكلّف أنّه صواب لزم إفحامه ، فلا حاجة إلى نصبه.

الثامن والعشرون : علّة السبب علّة المسبّب ، فلو كان نصب الإمام من فعلهم لكان جميع الأوامر والنواهي والأحكام الصادرة منه من فعلهم ، فثبت نقيض السالبة (٦) التي حكم الله تعالى بصدقها ، وهو خلف.

__________________

(١) آل عمران : ١٥٤.

(٢) تقدّم قي الدليل السابع عشر من المائة الأولى ، وفي الدليل الرابع والعشرين من هذه المائة.

(٣) في «أ» : (ولو أنّه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» زيادة : (في) بعد : (وقع) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٥) من «ب».

(٦) السالبة هي : (ليس لهم أمر ولا حكم في شيء مطلقا). المتقدّمة في الدليل السابق.

١٧٧

التاسع والعشرون : قوله تعالى : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ) (١) ، وفي موضع آخر : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) (٢) ، أي من أمور الدنيا.

وهذا المراد موقوف على المعصوم ؛ إذ هو أشدّ التكاليف ، فلا يحصل إلّا [للمعصوم] (٣) وبه ؛ لما تقدّم من التقرير ، فدلّ على ثبوته.

الثلاثون : قوله تعالى : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) (٤).

هذه صفة ذمّ تقتضي عدم جواز اتّباع من يمكن منه ذلك ، وهو غير [المعصوم] (٥).

الحادي والثلاثون : قوله تعالى : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٦).

وجه الاستدلال به أن نقول : القتل في سبيل الله بالجهاد على نية (٧) أوامر الله تعالى ونواهيه ، وذلك لا يتمّ إلّا بالإمام المعصوم ؛ إذ لا يتيقّن دعاؤه إلى الله تعالى إلّا إذا كان معصوما.

الثاني والثلاثون : قبول غير المعصوم إلقاء باليد إلى التهلكة خصوصا في الجهاد ، [فلا يجب ، وكلّ إمام يجب امتثال دعائه إلى الجهاد] (٨) وقبول قوله ، فلا شيء من غير المعصوم بإمام.

الثالث والثلاثون : غير المعصوم لا يجوز القتال بقوله ، ولا امتثال [أوامره] (٩) في

__________________

(١) آل عمران : ١٥٣.

(٢) الحديد : ٢٣.

(٣) في «أ» : (المعصوم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) آل عمران : ١٥٤.

(٥) في «أ» و «ب» : (معصوم) ، وما أثبتناه للسياق.

(٦) آل عمران : ١٥٧.

(٧) في هامش «ب» : (تيقّنه) خ ل ، بدل : (نية).

(٨) من «ب».

(٩) في «أ» : (أوامر الله) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

١٧٨

الشرع ونواهيه ، مع عدم [تيقّن] (١) صوابها بطريق غير قوله.

وكلّ إمام يجب القتال بقوله ، ويجب امتثال [أوامره] (٢) ونواهيه في الشرع ، ويعلم منه صواب ما يثابه وخطؤه.

ينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الإلقاء باليد إلى التهلكة منهي عنه قطعا ، وامتثال أوامر غير المعصوم في القتال وغيره لا يعلم أنّه في سبيل الله ولا صوابه ، والمقطوع به مقدّم على المظنون.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّ فائدة نصب الإمام الجهاد ، وهذا الأمر العظيم الذي وعد الله عليه من الثواب ما وعد إذا لم يتولّه الإمام ما فائدته؟

والإمام حافظ للشرع ، فإذا لم يجزم بقوله فما فائدته؟

الرابع والثلاثون : قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (٣).

هذا يدلّ على الرحمة التامّة واللطف العظيم بالعباد ، وإرادة مصالحهم والشفقة عليهم من الله تعالى ، وأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك.

ولا شيء من الشفقة والرحمة كنصب الإمام المعصوم المقرّب إلى الطاعات يقينا والمبعّد عن المعاصي جزما ، وبه يحصل النعيم المؤبّد ، والخلاص من العذاب السرمد. فهل يجوز ممّن يصدر هذه الرحمة والشفقة إهماله وعدم نصبه؟! وهل

__________________

(١) من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) آل عمران : ١٥٩.

١٧٩

يجوز من النبيّ عليه‌السلام مع أمره بمثل هذه الشفقة [التامّة] (١) والرحمة العامّة عدم الوصية وعدم نصب المعصوم؟!

إهمال هذا مع هذه الرحمة والشفقة ممّا لا يجتمعان ، والثاني ثابت ، فينتفي الأوّل.

لا يقال : هذا من باب [الخطابيات] (٢) ، والمسألة علمية برهانية ؛ [لأنّها أهمّ المصالح ، وبها يتمّ نظام العالم.

لأنّا نقول : بل هي برهانية] (٣) من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، فإنّ اللين لهم والاستغفار والعفو عنهم واستعمال التواضع والأخلاق الحميدة معهم ليس في اللطف المقرّب والمبعّد كالمعصوم ، فإنّ المعصوم أصل ، وهذا [زيادة] (٤) وفضل ، ويستحيل من الحكيم قصد اللطف وأن يأتي بما لا هو مهم في هذا المعنى ويخلّ بالأصل. [بل] (٥) هذا الخطاب الإلهي برهان لمّيّ [وبرهان إنّيّ] (٦) (٧) ؛ لأنّ إثبات

__________________

(١) في «أ» : (الثانية) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (الخطائيات) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (زرارة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) من «ب».

(٧) البرهان اللمّي : هو ما كان الحدّ الأوسط فيه يعطي العلّة في التصديق بالحكم وفي نفس الوجود معا ، أي يكون مع ذلك علّة لوجود الحكم في الخارج ، كقولنا : (هذه الخشبة مسّتها النار ، وكلّ خشبة مسّتها النار فهي محترقة). وبعبارة أخرى : هو ما كان الانتقال فيه من العلة إلى المعلول. البرهان الإنّي : هو ما كان الحدّ الأوسط فيه يعطي العلّة في التصديق بالحكم لا غير ، ولا يعطي العلّة في نفس الأمر ، أي لا يكون مع ذلك علّة لوجود ذلك الحكم في الخارج ، كقولنا : (هذه الحمّى تشتد غبّا ، وكلّ حمّى تشتد غبّا فهي محترقة). وبعبارة أخرى : هو ما كان الانتقال فيه من المعلول إلى العلّة. انظر : الشفاء (المنطق ٣) : ٧٩ ـ ٨٠ الإشارات والتنبيهات (المنطق) : ٤٨٥ ـ ٤٨٦. تجريد المنطق ٥٣. الجوهر النضيد : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

١٨٠