الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

بيانه : أنّ المكلّف إذا استوت نسبته إلى ما يريد الحكم منه وإلى ما [لا] (١) يريده ، فيجب على الحكيم أن يقرّبه إلى ما يريده ويبعّده عمّا لا يريده ، حتّى يحصل ترجيح أحد الطرفين [المتساويين] (٢) على الآخر الذي لا يتمّ الوقوع إلّا به.

أمّا إذا كان إلى ما يريده أقرب فالترجيح حاصل ، وموجب الوجوب ـ وهو التساوي المانع عن الوقوع ـ زائد ، فلا يجب عليه.

الثاني : أنّه يكفي في كلّ زمان وجود معصوم ، ويستحيل وجوب شيئين كلّ واحد منهما يقوم مقام الآخر دفعة.

وأمّا الخامسة ؛ فلأنّا قلنا (٣) بوجوب الإمام على تقدير التكليف ، فلا يرد علينا.

ولأنّه دافع للخوف والفساد ، وبه يتمّ نظام النوع.

وهذه الشبهة أوهن من بيت العنكبوت.

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» و «ب» : (المساويين) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) قاله في الوجه الثاني من النظر الرابع من البحث السادس من هذه المقدمة.

١٠١
١٠٢

بسم الله الرحمن الرحيم

[المائة الأولى من الأدلة

الدالة عللى وجوب

عصمة الإمام عليه‌السلام]

١٠٣
١٠٤

البحث السابع : في عصمة الإمام (١)

وهي ما يمتنع المكلّف معه من المعصية متمكّنا فيها ، ولا يمتنع منها مع عدمها. اختلف الناس في ذلك ، فذهبت الإمامية (٢) والإسماعيلية (٣) إليه ، ونفاه الباقون. لنا وجوه :

الأوّل : لو كان غير معصوم لكان محتاجا إمّا إلى نفسه ، أو إلى إمام آخر ، فيدور أو يتسلسل ، وهما محالان ؛ وذلك لوجود العلّة المحوجة إليه فيه.

__________________

(١) ممّا تجدر الإشارة إليه هنا أنّ المصنّف قدس‌سره ذكر في نهاية مقدّمته للكتاب : (وقد رتّبته على مقدّمة ومقالتين وخاتمة. أمّا المقدّمة ففيها مباحث : المبحث الأول : ما الإمام؟) ... إلى آخره ، وشرع في بيان المباحث من تلك المقدّمة ، حتّى إذا ما وصل إلى البحث السابع أخذ في سرد الأدلّة على وجوب عصمة الإمام عليه‌السلام إلى تمام المائة ، ثمّ بعد ذلك شرع في المائة الثانية من الألف الأولى من الأدلّة ، .. وهكذا إلى نهاية الكتاب. فلم يكن منهجه فيه على وفق ما بيّنه فى مقدّمته من كونه مرتّبا على مقدّمة تشتمل على مباحث ومقالتين وخاتمة ، حيث لم يرد ذكر للمقالتين ولا للخاتمة. وربّما يكون ذلك لكونه لم يتمّ كتابه إلى آخر ما ابتغاه منه كما جاء في مقدّمته : (فأوردت فيه من الأدلّة اليقينيّة والبراهين العقليّة والنقلية ألف دليل على إمامة سيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وألف دليل أخرى على إبطال شبه الطاعنين ، وأوردت فيه من الأدلّة على إمامة باقي الأئمّة عليهم‌السلام ما فيه كفاية للمسترشدين) ، واكتفى بهذا القدر من الأدلّة لكفايتها لمن أراد طلب الحقّ وتجنّبا للإطالة كما يظهر ذلك من نهاية الكتاب ، حيث توقّف عند الدليل الثامن والثلاثين من المائة الأولى من الألف الثانية. وعليه عمدنا إلى تصنيف الأدلّة وفقا للمئات من هذا الموضع من الكتاب.

(٢) النكت الاعتقادية (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ١٠ : ٣٩ ـ ٤٠. أوائل المقالات (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ٤ : ٣٩. تقريب المعارف : ١٧٢. الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ٣٠٥ ـ ٣٠٦. قواعد العقائد : ١٢٠ ـ ١٢١. قواعد المرام في علم الكلام : ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٣) الأربعين في أصول الدين ٢ : ٢٦٣. تاج العقائد ومعدن الفوائد : ٧٨. وانظر : المواقف في علم الكلام : ٣٩٩.

١٠٥

لا يقال : المعصوم لا يخلو إمّا أن يقدر على المعصية ، أو لا يقدر.

فإن قدر فلا يخلو إمّا أن يمكن [وقوعها منه ، أو لا يمكن] (١).

فإن أمكن فهو كسائر المكلّفين في الحقيقة من غير امتياز.

وإن لم يمكن فقدرته على ما [لا] (٢) يمكن وقوعه لا يكون قدرة.

وإن لم يقدر فهو مجبور ، وليس ذلك بشرف له.

وأيضا : إذا جاز أن يمتنع وقوع المعصية من شخص من المكلّفين بفعل الله تعالى ولا يضرّ ذلك قدرته وتمكّنه من الطرفين ، فالواجب أن يجعل جميع المكلّفين كذلك إذا كان الغرض من وجودهم إيصال الثواب إليهم دون وقوع المعصية وعقابهم عليها.

وأيضا : فلم لا يجوز أن يكون الانتهاء في الاحتياج إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو القرآن ، وينقطع التسلسل؟

لأنّا نجيب :

عن الأوّل : بأنّه يقدر عليها ، [و] (٣) لكن لا يقع مقدوره منه ؛ لعدم خلوص داعيه إليها ، كما نقول في امتناع وقوع القبائح من الحكيم تعالى ، وكما نقول في عصمة الأنبياء ، فإنّ القدرة على ما لا يمكن وقوعه [لاعتبار] (٤) شيء غير ذاته لا يستنكر ، إنّما يستنكر القدرة على ما لا يمكن وقوعه لذاته.

وعن الثاني : أنّا لا نقول : إنّ الحكيم تعالى جعل شخصا واحدا بفعله معصوما من غير استحقاق منه لذلك ، لكنّا نقول : كلّ من يستحقّ الألطاف الخاصّة ـ التي هي العصمة ـ بكسبه فهو تعالى يخصّه بها ، ثمّ الإمام يجب أن يكون من تلك الطائفة ، فالمكلّفون بأسرهم لو استحقّوا بكسبهم تلك الألطاف لكانوا كلّهم معصومين.

__________________

(١) من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (باعتبار) ، وما أثبتناه من «ب».

١٠٦

فظهر أنّ الخلل في عدم عصمتهم جميعا راجع عليهم لا عليه تعالى.

وعن الثالث : أنّ نسبة غير المعصومين إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن نسبة واحدة ، فلو جاز أن يكون النبيّ الموجود في زمان سابق أو القرآن مغنيا لمكلّف ـ مع جواز خطئه ـ عن الإمام ، لجاز في الجميع مثل ذلك ، وحينئذ لا يجب احتياجهم جميعا إلى إمام ، وقد سبق (١) فساد اللازم ، فظهر فساد الملزوم.

الثاني : لمّا ثبت وجوب نصب الإمام على الله تعالى بالطريق الشافي (٢) ، فنقول : إنّا نعلم ضرورة أنّ الحاكم إذا نصّب في رعيته من يعرف أنّه لا [يقوم] (٣) بمصالحهم ولا يراعي ما لأجله احتاجوا إلى منصوب قبله ، تستقبح العقول منه ذلك النصب وتنفر عنه.

ونصب غير المعصوم [من الله تعالى داخل في هذا الحكم ، فعلمنا أنّه لا ينصّب غير معصوم] (٤) ، وكلّ إمام ينصّبه الله تعالى فهو معصوم.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون خوف الإمام من العزل سببا موجبا لامتناع إقدامه على الخطأ؟

سلّمنا ، لكن ينتقض ما ذكرتم بالنائب له إذا كان في المشرق والإمام في المغرب ، فإنّه غير معصوم ولا يخاف سطوته.

سلّمنا ، لكنّ الإمامة عبارة عن مجموع أمرين ، أحدهما ثبوتي وهو نفوذ حكمه على غيره ، والثاني سلبي وهو انتفاء نفوذ حكم الغير عليه. فلو افتقرت الإمامة إلى العصمة لكان ذلك أمّا للأوّل ، أو للثاني ، أو للمجموع.

__________________

(١) سبق في الوجه الثالث من البحث الخامس من المقدمة.

(٢) أثبته في النظر الرابع من البحث السادس من المقدمة.

(٣) في «أ» : (يقول) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) من «ب».

١٠٧

والكلّ باطل بالنائب المذكور ، فإنّه لا ينفذ حكم أحد عليه [غير الإمام ، والإمام في تلك الحال لا ينفذ حكمه عليه] (١) أيضا ؛ لأنّه يستدعي علم الإمام بالغيب وقدرته على الاختراع ، [و] (٢) هو نافذ الحكم على غيره ، وقد تحقق فيه كلّ واحد من الوصفين ، مع أنّ العصمة غير معتبرة فيه ، فبطل اشتراط العصمة في الإمام.

لأنّا نجيب :

عن الأوّل : بأنّ من عرف العوائد علم بالضرورة عجز الأمّة عن عزل آحاد الولاة ، فكيف بالرئيس المطلق؟

وعن الثاني : (٣) أنّ النائب يخاف من العزل في مستقبل الوقت ، وذلك لطف له ، بخلاف الإمام.

سؤال : فليكن خوف الإمام من عقاب الآخرة لطفا له؟

جواب : الإمام يشارك غيره في الخوف ، فلمّا لم يكن ذلك مغنيا لهم عن الإمام فكذلك له.

ولأنّ [رغبة] (٤) الناس في الدنيا أكثر تقريبا من فعل الطاعة وترك المعصية من الآخرة.

وعن الثالث : [بمنع] (٥) الحصر.

وأيضا : فلم لا يجوز أن يكون الفرق أنّ الإمام حاكم على كلّ المسلمين فوجب عصمته ، بخلاف النائب؟

وأيضا : فلم لا تكون العصمة لأجل عدم حكم غيره عليه ، بخلاف النائب فإنّ الإمام يحكم عليه في تلك الحالة أو فيما بعد؟

__________________

(١) من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» زيادة : (والرئيس) بعد : (الثاني) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٤) في «أ» : (رعية) ، وفي «ب» : (رعبة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٥) في «أ» : (يمتع) ، وما أثبتناه من «ب».

١٠٨

الثالث : أنّ الإمام حافظ للشرع ، فيكون معصوما.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الحافظ له ليس هو الكتاب ؛ لوقوع النزاع فيه ، ولعدم إحاطته بجميع الأحكام.

وليس هو السنّة ؛ للوجهين السابقين ، ولاتّفاق المسلمين على أنّها ليست حافظة للشرع ، ولأنّها متناهية والحوادث غير متناهية.

وليس هو الأمّة ؛ لجواز [الخطأ] (١) عليهم إذا خلوا عن الإمام ؛ لأنّ كلّ واحد يجوز كذبه ، فالمجموع كذلك. ولأنّ الإجماع إنّما يحصل في قليل من المسائل ، ولأنّ الإجماع إنّما يثبت كونه حجّة إذا ثبت كون النقلة معصومين (٢) ، وإنّما يثبت ذلك بالسمع ؛ لأنّا لو علمنا بالعقل لكان إجماع النصارى حجّة. والسمع يتطرّق إليه النسخ والتخصيص ، فلا بدّ من معرفة عدم الناسخ والمخصّص ، ولا طريق إلى ذلك سوى أنّه لو كان لنقل.

وإنّما يتمّ هذا إذا علمنا أنّ الأمّة لا تخلّ بنقل الشرائع ، وإنّما يكون كذلك لو عرفنا كونهم معصومين. وهذا دور ظاهر.

وليس هو القياس ؛ لأنّه ليس حجّة في نفسه ؛ لإفادته الظنّ الضعيف ؛ لأنّه لا بدّ له من أصل منصوص عليه ، فلا يكون بانفراده حافظا ، ولأنّ أحدا لم يقل بذلك.

وليس هو البراءة الأصلية ، وإلّا لما وجب بعثة الأنبياء عليهم‌السلام ، بل كان يكتفى بالعقل ، وذلك باطل.

وليس هو المجموع ؛ لأنّ الكتاب والسنّة وقع التنازع فيهما وفي معناهما ، فلا يجوز أن يكون المجموع حافظا ؛ لأنّهما من جملة ذلك المجموع ، وهما قد اشتملا على بعض الشرع. وإذا كان كلّ واحد من المجموع قد تضمّن بعض الشرع وبطل كونه دليلا على ما تضمّنه ، وذلك البعض الذي تضمّنه ذلك الفرد من جملة الشرع ،

__________________

(١) في «أ» : (الخطايا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) انظر : الذريعة الى أصول الشريعة ٢ : ٦٣٠. العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٢٨.

١٠٩

[فقد صار بعض الشرع] (١) غير محفوظ ، فلا يكون المجموع محفوظا.

فلم يبق إلّا الإمام الذي هو بعض الأمّة المعصوم ؛ لأنّه لو لم يكن معصوما لتطرّق إليه الزيادة والنقصان ، فلا يكون محفوظا.

الرابع : إذا صدر عنه الذنب ، فإمّا أن يتّبع ، [وهو باطل قطعا ، وإلّا لم يكن ذنبا ، ولقوله تعالى : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (٢). وإمّا ألّا يتّبع] (٣) ، فلا يكون قوله مقبولا ، فلا يكون فيه فائدة.

الخامس : إن كان نصب الإمام واجبا على الله تعالى استحال صدور الذنب منه.

لكنّ المقدّم حقّ ـ على ما تقدّم (٤) ـ فالتالي مثله.

بيان الشرطية : أنّه لو صدر عنه الذنب لجوّزنا الخطأ في جميع الأحكام التي يأمر بها ، وذلك مفسدة عظيمة ، والله تعالى حكيم لا يجوز عليه المفسدة.

السادس : قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٥). أشار بذلك إلى عهد الإمامة ، والفاسق ظالم.

السابع : الإنسان مدني بالطبع لا يمكن أن يعيش منفردا ؛ لافتقاره في بقائه إلى مأكل وملبس و [مسكن] (٦) ، لا يمكن أن يفعلها بنفسه ، بل يفتقر إلى مساعدة غيره ، بحيث [يفرغ] (٧) كلّ منهم لما يحتاج إليه صاحبه حتى يتمّ نظام النوع.

ولمّا كان الاجتماع في مظنّة التغالب والتناوش فإنّ كلّ واحد من الأشخاص قد يحتاج إلى ما [في] (٨) يد غيره ، فتدعوه قوّته الشهوية إلى أخذه وقهره عليه وظلمه

__________________

(١) من «ب».

(٢) المائدة : ٢.

(٣) من «ب».

(٤) تقدّم في النظر الرابع من البحث السادس من المقدمة.

(٥) البقرة : ١٢٤.

(٦) في «أ» : (سكن) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» : (يفرع) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) من «ب».

١١٠

فيه ، فيؤدّي ذلك إلى وقوع الهرج [والمرج] (١) وإثارة الفتن ، فلا بدّ من نصب إمام معصوم يصدّهم عن الظلم والتعدّي ، ويمنعهم عن التغلّب والقهر ، وينتصف للمظلوم من الظالم ، ويوصل الحقّ إلى مستحقّه ، لا يجوز عليه الخطأ ولا السهو ولا المعصية ، وإلّا لم يتمّ النظام به.

الثامن : أنّه تعالى قادر على نصب الإمام المعصوم ، والحاجة للعالم داعية إليه ، ولا مفسدة فيه ـ والكلّ ظاهر ـ فيجب نصبه.

التاسع : كلّ صفة نقص توجب احتياج موصوفها [إلى] (٢) الكمال ، ونفيها إلى غيره إنّما يوجب الاحتياج إلى غير موصوف [بتلك الصفة ، فعدم العصمة أوجب الاحتياج إلى غير موصوف] (٣) بها ؛ إذ الموصوف بها مشارك في الاحتياج. وغير الموصوف بعدم العصمة [هو موصوف بالعصمة] (٤).

العاشر : تجويز الخطأ هو (٥) إمكانه ، وإذا وجب الاحتياج إلى علّة في عدمه كانت واجبة العدم ؛ إذ جميع الممكنات تشترك في الإمكان ، فتشترك في الاحتياج إلى علّة خارجة ، والخارج عن كلّ الممكن لا يكون ممكنا ، [و] (٦) واجب عدم الخطأ هو المعصوم.

الحادي عشر : لو كان الإمام غير معصوم لزم تخلّف المعلول عن علته التامّة ، لكنّ التالي باطل ، فالمقدّم مثله.

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» و «ب» : (في) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) من «ب».

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» : (وهو) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٦) من «ب».

١١١

بيان الملازمة : أنّ تجويز الخطأ على المكلّف موجب لإيجاب كونه مرءوسا لإمام ، والإمام لا يكون مرءوسا لإمام ، وإلّا لكان إمامه هو الإمام من غير احتياج إليه.

الثاني عشر : أنّه يجب متابعته ؛ بدليل اللغة والإجماع والعقل.

أمّا اللغة ؛ فلأنّ الإمام عبارة عن شخص يؤتمّ به ، أي يقتدى به (١) ، كما أنّ اسم (الرداء) لما يرتدى به ، و [اللّحاف] (٢) لما يلتحف به.

وأمّا الإجماع ؛ فلأنّه لا خلاف أنّه يجب على كلّ واحد من الناس قبول حكم الإمام ، واتّباعه في جميع الأحكام ، وفي جميع سياساته.

وأمّا العقل ؛ فلأنّه يجب اتّباع الإمام قطعا ، وقبول حكمه ، إمّا أن يكون بمجرّد قوله ، أو لدليل دلّ على ذلك ، أو لا لقوله ولا لدليل دلّ عليه.

لا جائز أن يقال : إنّه لا لقوله ولا لدليل دلّ عليه بالضرورة.

ولا جائز أن يقال : لدليل دلّ عليه ؛ [لوجوب] (٣) اتّباعه على غير المجتهد ولا يتحقّق عليه دليل ولأنّه لا فائدة حينئذ في توسّط قوله.

فتعيّن [أن يكون] (٤) بمجرّد قوله.

فلو [جاز] (٥) عليه الخطأ ، فبتقدير إقدامه على الخطأ ؛ إمّا أن يقال بوجوب اتّباعه والأمر من الله تعالى بالاقتداء به ، أو لا يقال ذلك.

__________________

(١) لسان العرب ١ : ٢١٣ ـ ٢١٤ ـ أمم. المصباح المنير ١ : ٢٣ ـ أمم.

(٢) في «أ» : (المخالف) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (بوجوب) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» : (جلد) ، وما أثبتناه من «ب».

١١٢

فإن كان الأوّل لزم كونه تعالى آمرا بالخطإ ، وهو محال.

وإن كان الثاني فقد خرج الإمام في تلك الحالة عن كونه إماما ، فيلزم منه خلو ذلك الزمان عن الإمام ، وهو محال.

الثالث عشر : [أنّا نعلم] (١) بالضرورة بعثة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتكليف الناس في كلّ زمان باتّباع ما جاء به من الشرائع ، وذلك موقوف على نقلها إلى من بعده ، والناقل إمّا أن يكون معصوما ، أو غير معصوم.

والثاني باطل ، وإلّا لما حصل العلم بقوله فيما ينقله ، ولا الاعتماد على قوله ، فتنتفي فائدة التكليف. فتعيّن الأوّل.

والمعصوم إمّا الإمام ، أو الأمّة فيما أجمعوا [عليه] (٢) ، أو أهل التواتر فيما نقلوه ، لا غير. فالقول بمعصوم خارج عن هؤلاء الثلاثة قول لا قائل به.

ولا يجوز أن يكون مستند علم من بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بشريعته [انعقاد] (٣) الإجماع من الأمّة [عليه] (٤) ، فإنّ عصمة الأمّة عن الخطأ إنّما تعرف [بالنصوص] (٥) الواردة على لسان [الرسول] (٦) من الكتاب والسنّة ، وكلّ نصّ يدلّ على كون الإجماع حجّة فلا بدّ من معرفة كونه منقولا عن الرسول عليه‌السلام ، وأنّه لا ناسخ له ولا معارض ، وكان أيضا يتوقّف على صدق الناقل له ، وصدقه إمّا أن يكون معلوما بالإجماع ، [أو غيره.

__________________

(١) في «أ» : (إذا تعلم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (إليه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (انقياد) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (إليه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (والنصوص) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) من «ب».

١١٣

فإن كان بالإجماع] (١) لزم الدور ، من حيث أنّا لا نعرف صدق الخبر الدالّ على صحة صدق أهل الإجماع إلّا بالإجماع (٢) ، وعصمة أهل الإجماع لا تعرف إلّا بعد معرفة صدق ذلك الخبر ؛ لأنّ الإجماع إنّما هو حجّة باشتماله على قول المعصوم (٣) ؛ لأنّه لولاه لكان [جواز] (٤) الكذب لازما لكلّ واحد ، ولازم الجزء لازم للكلّ.

وقد بيّنا في الأصول (٥) ضعف أدلّتهم على كون الإجماع حجّة ، ولأنّ المسائل الإجماعية قليلة في الغاية ، ولأنّه لا يمكن أن يحتجّ به على الغير.

وإن كان بغير الإجماع ؛ فإمّا بالتواتر ، [أو] (٦) بغيره.

لا جائز أن يكون بالتواتر ، فإنّ غاية التواتر معرفة كون ذلك الخبر منقولا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس فيه ما يدلّ على أنّه ليس بمنسوخ ولا معارض ، فلا يفيد كون الإجماع حجّة.

فلم يبق إلّا الإمام ، وهو المطلوب.

وبهذا بطل كون التواتر مفيدا للأحكام ، ولأنّه لم يكن عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أظهر من الإقامة ؛ لوقوعها في كلّ يوم خمس مرّات على رءوس الأشهاد ، ولم يثبت بالتواتر فصولها ؛ لوقوع الخلاف فيها.

الرابع عشر : أنّه لو لم يكن الإمام معصوما فبتقدير وقوعه في المعصية [إمّا] (٧) أن يجب الإنكار عليه ، أو لا يجب.

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «ب» : (بإجماع) بدل : (بالإجماع).

(٣) الذريعة الى أصول الشريعة ٢ : ٦٣٠. العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٢٨. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٩٠.

(٤) من «ب».

(٥) انظر : تهذيب الوصول إلى علم الأصول : ٢٠٣ ـ ٢٠٤. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٩٠.

(٦) في «أ» : (و) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) من «ب».

١١٤

فإن وجب الإنكار عليه لزم الدور ؛ من جهة توقّف انزجار الإمام على زجر الرعية ، وزجر الرعية على زجر الإمام. ولوقوع الهرج المحذور منه.

وإن لم يجب الإنكار عليه فهو ممتنع ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من رأى (١) منكرا فلينكره» (٢) ، ولوجوب إنكار المنكر بالإجماع.

الخامس عشر : اختلفت الأمّة في مسائل ليست في كتاب الله تعالى ولا السنّة المتواترة ، ولا إجماع عليها ، والقياس ليس بحجّة ؛ لما بيّن في الأصول (٣). والأخبار الآحاد لا تصلح لإفادة الشريعة ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٤). فلا بدّ من معصوم يعرف الحقّ والباطل ، وذلك هو الإمام.

السادس عشر : أنّ القرآن إنّما نزل ليعلم ويعمل به ، وهو مشتمل على ألفاظ مشتركة مجملة لا يعرف مدلولها من نفسها ، وآيات متعارضة ، وآيات متشابهة ، وقد وقع الاختلاف فيها بين المفسّرين ، ولا سبيل إلى معرفة الحقّ منها بقول غير المعصوم ؛ إذ ليس قول أحد غير المعصومين أولى من الآخر ، فلا بدّ وأن يكون المعرّف لذلك معصوما ، وهو الإمام.

السابع عشر : أنّ الله ـ عزوجل ـ هو الناصب للإمام ، ومن يعلم فساده نصبه قبيح عقلا ، والله تعالى لا يفعل القبيح ، فلا بدّ وأن يكون الإمام معصوما.

__________________

(١) في «أ» زيادة : (منه) بعد : (رأى) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب» والمصدر.

(٢) بحار الأنوار ١٠٠ : ٨٥ / ٥٧ نقلا عن التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه‌السلام ، سنن الترمذي ٤ : ٤٠٨ ، ب ١١ ، ح ٢١٧٢. مسند أحمد بن حنبل ٣ / ٥١٨ ، ح ١١٤٦٦.

(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٧٥. العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٦٥ ـ ٦٦٦. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٢١٤ ـ ٢١٦. تهذيب الوصول الى علم الأصول : ٢٤٧.

(٤) يونس : ٣٦.

١١٥

الثامن عشر : قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١). وكلّ [من] (٢) أمر الله تعالى بطاعته فهو معصوم ؛ لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم مطلقا ؛ لأنّه قبيح عقلا.

التاسع عشر : الإمام لو لم يكن معصوما لكان : إمّا أن يكون عامّيا ، أو مجتهدا.

والأوّل محال ، وإلّا لما وجب على المجتهد [طاعته] (٣) ، ولنقص محله من القلوب. ويستحيل من الله تعالى الأمر بطاعة العامّي أيضا ، ولم يجب أيضا على العامّي طاعته ؛ لعدم الأولويّة.

[و] (٤) الثاني محال ، وإلّا لم يجب على المجتهدين غيره اتّباعه ، وعدم الأولويّة ، وتخيّر العامّي بين قوله وقول غيره من المجتهدين ، فلم يبق فائدة في نصبه.

العشرون : قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٥). وغير المعصوم ضالّ ، فلا يسأل اتّباع طريقه قطعا ، فتعيّن أن يكون هنا معصومون.

والهداية إنّما هي بالعلم بطريقهم لا بالظنّ ، وهو نقلي ، والناقل له أيضا معصوم. والإجماع والتواتر غير متحقّق ؛ إذ السؤال إنّما هو اتّباعهم في جميع الأحكام ، والإجماع والتواتر لا يفيدان ذلك ، فليس إلّا الإمام.

فإنّه إذا كان قوله تعالى : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) إشارة إلى الأنبياء ، فالهداية إلى طريقهم بطريق علمي إنّما هو [من] (٦) المعصوم في كلّ زمان ؛ إذ لا يختصّ هذا الدعاء بقوم دون قوم.

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» : (وطاعة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) زيادة اقتضاها السياق.

(٥) الفاتحة : ٦ ـ ٧.

(٦) من «ب».

١١٦

وإن كان إشارة إلى الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام فالمطلوب أيضا حاصل.

الحادي والعشرون : قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (١). هذه نكرة منفية ، فتعمّ الاستثناء (٢) ، فيلزم من ذلك نفي كلّ سلطان للشياطين (٣) على قوم [خاصّة] (٤) في جميع الأوقات ؛ إذ كلّ من صدر منه ذنب في وقت ما كان للشيطان عليه سلطان [في الجملة ، وهو قوله : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ)] (٥).

ويدلّ [هذا على] (٦) عصمة قوم من ابتداء قدرتهم ووجودهم إلى آخر عمرهم من الصغائر والكبائر ، عمدا وسهوا وتأويلا. وكلّ من أثبت [ذلك] (٧) أثبت عصمة الإمام ، [إذ] (٨) لم يقل أحد بعصمة الأنبياء من أوّل عمرهم إلى آخر عمرهم من جميع الصغائر والكبائر عمدا وسهوا وتأويلا إلّا وقال بعصمة الإمام كذلك ، ومن نفى عصمة الإمام لم يقل بذلك ، فالفرق قول ثالث خارق للإجماع.

الثاني والعشرون : قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٩). وغير المعصوم لا يهدي إلّا أن يهدى ، [وقد لا

__________________

(١) الحجر : ٤٢.

(٢) العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٧٥. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. المعتمد في أصول الفقه ١ : ١٩٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٧.

(٣) في «ب» : (للشيطان) بدل : (للشياطين).

(٤) في «أ» : (صاحبة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) في «أ» : (على هذا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) من «ب».

(٨) في «أ» : (إذا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٩) يونس : ٣٥.

١١٧

يهدي] (١) مع أنّه يهدى ، فيكون الإنكار على اتّباعه أولى ، فغير المعصوم لا يجوز اتّباعه ، والإمام يجب اتّباعه ، فلا شيء من غير المعصوم بإمام ، وهو المطلوب.

الثالث والعشرون : قوله تعالى : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٢).

المراد بالنعمة هنا العصمة ؛ إذ سؤال [اتّباع طريقهم] (٣) [التي] (٤) أنعم الله تعالى عليهم بها يدلّ على ذلك ؛ إذ طريقهم هي الصراط المستقيم.

وإنّما يوصف بذلك ما هو صواب دائما [ويستحيل عليه الخطأ ، ولا شيء من غير المعصوم كذلك ؛ إذ طريقه ليست بمستقيمة دائما] (٥).

فدلّ على أنّ كلّ متبوع طريقه كذلك ، وكلّ متبوع معصوم ، والإمام متبوع ، فيجب أن يكون معصوما.

الرابع والعشرون : قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٦).

المراد منه ألّا يكون لأحد من الناس شيء من وجوه الحجج ، فيعمّ في (الناس) ـ وهو ظاهر ـ وفي (الحجّة) ؛ لأنّها نكرة في معرض النفي (٧).

وإنّما يتمّ ذلك في حقّ من يأتي بعد عصر الرسول مع عصمة ناقل الشرع ، وقائم مقام الرسول في جميع ما يراد منه سوى النبوّة ، ولا يتحقق ذلك إلّا مع عصمة الإمام ، فيجب عصمة الإمام.

__________________

(١) من «ب».

(٢) الفاتحة : ٧.

(٣) في «أ» : (طريق اتّباعهم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) النساء : ١٦٥.

(٧) العدّة في أصول الفقه ٢ : ٢٧٥. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. المعتمد في أصول الفقه ١ : ١٩٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٧.

١١٨

لا يقال : نفي الحجّة بعد مجيء الرسول ، فلا يتوقّف على إمام معصوم ، وإلّا لزم التناقض ؛ لأنّه لو لم يكن إمام معصوم يثبت الحجّة بقولكم ، لكنّها منفية [بالآية] (١) ، والزمان واحد ، فشرائط التناقض (٢) متحقّقة.

لأنّا نقول : الإمام المعصوم لازم لإرشاد الرسول للوجه المذكور ، وذكر الملزوم ووجه الملازمة كاف ؛ لأنّ قوله تعالى : (بَعْدَ الرُّسُلِ) هو قوله : بعد الإمام [المعصوم] (٣) ، أو ملزومه.

ولأنّه ليس المراد بعد مجيء الرسول بمجرّده ، بل المراد بعد الرسول وإتيانه بجميع [الشريعة] (٤) وتقريرها وإظهارها ، وجميع ما يتوقف إيصالها عليه ، والعلم بها والعمل ، و [رأس] (٥) ذلك وأهمّه الإمام المعصوم ؛ لأنّه هو [المؤدّي] (٦) للشريعة وبه يعلم. ولا تناقض ؛ لاستحالة مجيء الرسول ووفاته وخلوّ الزمان من إمام معصوم ، وإلّا لثبتت الحجّة.

الخامس والعشرون : قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٧).

وجه الاستدلال من وجهين :

الأوّل : أنّ نفي الخوف ونفي الحزن على وجهين :

__________________

(١) في «أ» : (بالولاية) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) التناقض : هو اختلاف قضيّتين بالإيجاب والسلب ، بحيث يقتضي لذاته أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة. ولا يتحقّق إلّا عند الاتّحاد في أمور :

١ ـ الموضوع. ٢ ـ المحمول. ٣ ـ الزمان. ٤ ـ المكان. ٥ ـ القوّة والفعل. ٦ ـ الكلّ والجزء. ٧ ـ الشرط.

٨ ـ الإضافة. انظر : تجريد المنطق : ٢٤. القواعد الجلية : ٢٨٩ ـ ٢٩١.

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (الشرائط) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (الرأس) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (المروي) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) البقرة : ٦٢.

١١٩

أحدهما : لعدم الالتفات وعدم [التصديق] (١) ، وهو من باب الجهل.

وثانيهما : للعلم بالنجاة واليقين من صحّة العبادات والأحكام التي أتى بها واعتقدها ، والعلم بالطاعات والمعاصي والأحكام بالوجه اليقيني والإتيان بها.

وليس المراد الأوّل ؛ لأنّه تعالى ذكره على سبيل المدح ، والأوّل يقتضي الذم. فتعيّن الثاني.

فلا بدّ من طريق إلى معرفة ذلك ، وليس الكتاب ؛ لاشتماله على المتشابهات والمشتركات ، ولا السنّة ؛ لذلك.

فتعيّن أن يكون الطريق هو قول المعصوم ، فإنّه يعلم متشابهات القرآن ومجازاته ، والألفاظ المشتركة فيه ما المراد بها يقينا. ويعلم الأحكام يقينا ، والعلم بعصمته يحصّل الجزم بقوله.

الثاني : قوله تعالى : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، نكرة منفية ، فتكون للعموم (٢). ونفي الخوف والحزن إنّما هو بتيقّن نفي سببهما ، ومع عدم الإمام المعصوم في زمان ما لا يحصل لأهل ذلك الزمان تيقّن انتفاء [سببهما] (٣) ؛ إذ غير المعصوم يجوز أمره خطأ بالمعصية ونهيه عن الطاعة ، وجميع الأحكام لا يحصل من نصّ القرآن ، ولا من نصّ السنّة المتواترة ، لكن في كلّ زمان يمكن نفيه ، فوجب الإمام المعصوم في كلّ زمان.

__________________

(١) في «أ» : (الصدق) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) العدّة في أصول الفقه ٢ : ٢٧٥. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. المعتمد في أصول الفقه ١ : ١٩٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٧.

(٣) في «أ» و «ب» : (سببها) ، وما أثبتناه للسياق.

١٢٠