الأذان والمؤذن

السيد محمّد الحسيني الجلالي

الأذان والمؤذن

المؤلف:

السيد محمّد الحسيني الجلالي


الموضوع : العقائد والكلام
المطبعة: چاپ ديجيتال آفرنگ
الطبعة: ٣
الصفحات: ١٠٤

وعن أميرالمؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : «مَنْ صَلّى بِأذَانٍ وإقَامَةٍ ، صَلّى خَلْفَه صَفَّان مِنَ المَلائِكَةِ لا يَرى طَرَفَاهُمَا ، ومَنْ صَلّى بِإقَامَةٍ ، صَلّى خَلْفَه مَلَك» (١).

وعن الصادق عليه‌السلام قوله : «مَنْ صَلّى بِأذَانٍ وإقَامَةٍ ، صَلّى خَلْفَه صَفَّان مِنَ المَلائِكَةِ لا يَرى طَرَفَاهُمَا ، ومَنْ صَلّى بِإقَامَةٍ ، صَلّى خَلْفَه صَفٌّ وَاحدٍ مِنَ المَلائِكَةِ. وسئل مفضل بن عمر : وكَم مِقدَارُ كُلِّ صَفّ؟ قال عليه‌السلام : أقَلُّه مَا بَيْنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ وَأكثَرَهُ مَا بَيْنَ السَمَاءِ وَالأرضَ» (٢).

وعن أبي ذر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في وصيّة له : «يَا أبَا ذَرٍ! أَنَّ رَبَّكَ يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ ، رَجُلٌ يُصْبِحُ فِي أَرْضٍ قَفْرٍ فَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ ثُمَّ يُصَلِّي فَيَقُولُ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي يُصَلِّي وَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَيَنْزِلُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى الْغَدِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ... (

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ، ج١ ، ص٢٨٧ ، ح٨٨٩.

(٢) ثواب الأعمال ، ص٣٣.

٢١

إلى قَولِهِ) : يَا أبا ذَرٍّ ، إذا كانَ العَبدُ في أرضٍ قَفرٍ فَتَوَضَّأَ أو تَيَمَّمَ ثُمَّ أذَّنَ وأقامَ وصَلّى ، أمَرَ اللّه ُ عزَّ وجَلَّ المَلائِكَةَ فَصَفّوا خَلفَهُ صَفّا لا يُرى طَرَفاهُ ، يَركَعونَ بِرُكوعِهِ ويَسجُدونَ بِسُجودِهِ ويُؤَمِّنونَ عَلى دُعائِهِ. يا أبا ذَرٍّ ، مَن أقامَ ولَم يُؤَذِّن لَم يُصَلِّ مَعَهُ إلَا المَلَكانِ اللَّذانِ مَعَهُ» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثَلاَثَةٌ لاَ يُبَالُونَ بِالْحِسَابِ وَلاَ يَخَافُونَ اَلصَّيْحَةَ وَاَلْفَزَعَ اَلْأَكْبَرَ : رَجُلٌ تَعَلَّمَ اَلْقُرْآنَ وَحَفِظَهُ وَعَمِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي اَللَّهَ تَعَالَى سَيِّداً شَرِيفاً ، وَمُؤَذِّنٌ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ لَمْ يَطْمَعْ فِي أَذَانِهِ أَجْراً ، وَعَبْدٌ أَطَاعَ اَللَّهَ وَأَطَاعَ سَيِّدَهُ» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً : «الْمُؤَذِّنُ الْمُحْتَسِبُ كَالشَّاهِرِ سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، الْقَاتِلِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ» (٣).

__________________

(١) الأمالي للصدوق ، ص٥٣٥ ، ح١١٦٢/١ ؛ مكارم الأخلاق ، ص ٤٦٦.

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ٤ ، ص ٢١.

(٣) المحاسن ، ج١ ، ص٤٩ ، ح٦٨ ؛ بحار الأنوار ، ج٨١ ، ص١٤٩ ، ح٤٣.

٢٢

وجاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسألوه عن مسائل ... إلى أن قال : «أَعْلَمُهُمْ أَخْبِرْنِي عَنْ سَبْعِ خِصَالٍ أَعْطَاكَ اَللَّهُ مِنْ بَيْنِ اَلنَّبِيِّينَ ، وَأَعْطَى أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ اَلْأُمَمِ!

قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أَعْطَانِي اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاتِحَةَ اَلْكِتَابِ ، وَاَلْأَذَانَ ، وَاَلْجَمَاعَةَ فِي اَلْمَسْجِدِ ، وَيَوْمَ اَلْجُمُعَةِ ، وَاَلْإِجْهَارَ فِي ثَلاَثِ صَلَوَاتٍ ، وَاَلرُّخْصَة لِأُمَّتِي عِنْدَ اَلْأَمْرَاضِ وَاَلسَّفَرِ ، وَاَلصَّلاَةَ عَلَى اَلْجَنَائِزِ ، وَاَلشَّفَاعَةَ لِأَصْحَابِ اَلْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي.

قَالَ اَلْيَهُودِيُّ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فَمَا جَزَاءُ مَنْ قَرَأَ فَاتِحَةَ اَلْكِتَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْ قَرَأَ فَاتِحَةَ اَلْكِتَابِ أَعْطَاهُ اَللَّهُ بِعَدَدِ كُلِّ آيَةٍ أُنْزِلَتْ مِنَ اَلسَّمَاءِ فَيَجْزِي بِهَا ثَوَابَهَا ، وَأَمَّا اَلْأَذَانُ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ اَلْمُؤَذِّنُونَ مِنْ أُمَّتِي مَعَ اَلنَّبِيِّينَ وَاَلصِّدِّيقِينَ وَاَلشُّهَدَاءِ وَاَلصَّالِحِينَ» (١).

__________________

(١) الأمالي ، ص٢٦١ ، ح٢٧٩/١ ؛ الخصال ، ص٣٥٥ ، ح٣٦ ؛ الإختصاص ، ص٣٩.

٢٣

وعن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثَلَاثٌ لَوْ تَعْلَمُ أُمَّتِي مَا لَهُمْ فِيهَن لَضَرَبُوا عَلَيْهَن بِالسِّهَامِ : الْأَذَانُ وَالْغُدُوُّ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالصَّفُّ الْأَوَّل» (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ احْتِسَاباً ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا ذَنْبَ لَهُ» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام قوله : «إذَا إفْتَتَحْتَ الصَلاةَ وَنَسِيتَ أنْ تُؤَذِّنَ وَتُقِيمَ ثُمّ ذَكرتَ قَبْلُ أنْ تَرْكَعَ ، فَأنْصَرِف فَأذِّن وَأقِم وَأستَفْتِح الصَلاةَ وإنْ كُنْتَ قَدْ رَكَعْتَ فَأتمَّ عَلى صَلاتِكَ» (٣).

روى عمار عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لابُدَّ لِلمَرِيضِ أنْ يُؤَذِّنُ ويُقِيمَ إذَا أرَادَ الصّلَاةَ وَلَو فِي نَفْسِه إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلى أنْ

__________________

(١) دعائم الإسلام ، ج١ ، ص١٤٤ ، ج٨٤ ، ص١٥٦.

(٢) تهذيب الأحكام ، ج٢ ، ص٢٨٣ ؛ المعتبر ، ج٢ ، ص١٢٢ ؛ نهاية الإحكام ، ج١ ، ص٤١٠.

(٣) ثواب الأعمال ، ص٣١ ؛ تهذيب الأحكام ، ج٢ ، ص٢٨٣ ، ح ١١٢٨/٣٠.

٢٤

يَتَكَلَّمَ بِه ، سُئِلَ فِإنْ كَانَ شَدِيدُ الوَجَعِ؟ قَالَ عليه‌السلام : لابُدَّ مِنْ أنْ يُؤذِّنَ ويُقِيمَ؛ لأنَّه لا صَلَاةَ إلاّ بِأذَانٍ وإقَامَةٍ» (١).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج٢ ، ص٢٧٨ ، ح١١٠٣/٥ ؛ الإستبصار ، ج١ ، ص٣٠٤ ، ح ١١٢٧/٧.

٢٥
٢٦

أَثَرُ الأَذَانِ فِي الْحَيَاةِ

إنّ الإنسان مهما بلغ من القدرة والكفاءة ، كان ولا يزال ضعيفاً محتاجاً إلى رحمة الله تعالى؛ لتسيير مستصعبات الحياة وحلّ مشاكلها. فلو حدثت له ظاهرة مؤلمة لا يمكنه الصمود أمامها ، يتقرّب إلى الله عزّ وجلّ بالأذكار والأدعية ومن ثمّ يناجيه كي يكشف عنه الضرّ والكرب.

فالأذان أيضاً من الأذكار التي يتقرّب العبد به إلى مولاه في تسيير المعقدّات ، وحلّ المشاكل التي تعكر سعادة الإنسان في حياته.

وهذه ثلّة من الروايات التي تساند قولنا في أثر الأذان على الحياة العمليّة :

٢٧

١. الأذان وسعة الرزق :

شكا رجل لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام الفقر : فقال له عليه‌السلام : «أذِّن كُلَّما سَمِعتَ الأَذانَ كَما يُؤَذِّنُ المُؤَذِّنُ» (١).

وقال سليمان بن عقيل المدايني : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : «لِأَيِّ عِلَّةٍ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَنْ يَقُولَ : كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؟

قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ» (٢).

٢. الأذان والمولود :

روى السكوني عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن وُلِدَ لَهُ مَولودٌ فَليُؤَذِّن في اُذُنِهِ اليُمنى بِأَذانِ الصَّلاةِ ، وَليُقِم فِي اليُسرى؛ فَإِنَّها عِصمَةٌ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ» (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج٢ ، ص٢٨٢ ، ح١١٢٣/٢٥ ؛ الإستبصار ، ج١ ، ص٣٠٠ ، ح١١٠٩/٦.

(٢) مكارم الأخلاق ، ص٣٤٨.

(٣) علل الشرائع ، ج١ ، ص٢٨٥ ، ح٤.

٢٨

٣. الأذان والمرض :

قال مفضل بن عمر : «دَخَل عَلى الإمَامَ الصَادِقِ عليه‌السلام رَجُلٌ مِن مَوالِيهِ وَقَد وَعَكَ.

فَقَالَ لَه الإمَام عليه‌السلام : مَالِي أَرَاك متغير اللَّوْن؟

فَقَالَ : جُعلتُ فِدَاكَ ، وَعكتُ (مَرضتُ) وَعَكاً شَدِيداً مُنذُ شَهرٍ ، ثُمّ لَمْ تَنقَلِع الحُمّى عَنِّي ، وَقَد عَالَجتُ نَفسِي بِكُلِّ مَا وَصَفَه لِي المُتَرَفِقُون فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

فَقَالَ لَه الإمَام عليه‌السلام : حُلَّ أَزْرَارَ قَمِيصِكَ وَ أَدْخِلْ رَأْسَكَ فِي قَمِيصِكَ وَأَذِّنْ وَأَقِمْ وَاقْرَأِ الْحَمْدَ سَبْع مَرّاتٍ.

قال : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَكَأنَّمَا نَشَطْتُ مِنْ العَقَال» (١).

وعن محمّد بن راشد أنّه قال : «وكُنتُ دائِمَ العِلَّةِ ما أنفَكُّ مِنها في نَفسي وجَماعَةِ خَدَمي وعِيالي ، فَلَمّا سَمِعتُ ذلِكَ مِن هِشامٍ عَمِلتُ بِهِ ، فَأَذهَبَ اللّه ُ عَنّي وعَن عِيالِيَ العِلَلَ» (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج٩٢ ، ص٢٢ ، ح٧.

(٢) وسيأتي حديث هشام في الأذان والعقم.

٢٩

٤. الأذان ووجع الرأس :

فقد روي عن الأئمة عليهم‌السلام : «أَنَّهُ يُكْتَبُ اَلْأَذَانُ وَاَلْإِقَامَةُ لِرَفْعِ وَجَعِ اَلرَّأْسِ وَيُعَلَّقُ عَلَيْهِ» (١).

٥. الأذان والعقم :

روي أنّ هشام بن إبراهيم «شَكا إلى أبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه‌السلام سُقمَهُ وأنَّهُ لا يولَدُ لَهُ وَلَدٌ ، فَأَمَرَهُ عليه‌السلام أن يَرفَعَ صَوتَهُ بِالأَذانِ في مَنزِلِهِ.

قالَ : فَفَعَلتُ ، فَأَذهَبَ اللّه ُ عَنّي سُقمي وكَثَّرَ وُلدي» (٢).

٦. الأذان وسوء الخلق :

قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : «کُلُوا اللَّحْمَ ، فَإنَّ اللَّحْمَ مِنَ اللَّحْمِ ، وَاللَّحْمَ يُنْبِتُ اللَّحْمَ ، وَمَنْ لَمْ يَأْکُلْ اللَّحْمَ أَرْبَعينَ يَوْمَاً سَاءَ خُلْقُهُ ، وَإذا ساءَ خُلْقُ أَحَدِکُمْ مِن إنْسَانٍ أوْ دابَّةٍ فَأْذِنُوا في

__________________

(١) مستدرك الوسائل للطبرسي ، ج٤ ، ص٧٦ ، ح٤١٩٦/١٠.

(٢) مستدرك سفينة البحار ، ج١ ، ص٩٦.

٣٠

أُذُنِهِ الْأذانَ کُلَّهُ» (١). وقال الصادق عليه‌السلام : «إنَّ لِكُلِّ شَيءٍ قَرَما ، وإنَّ قَرَمَ الرَّجُلِ اللَّحمُ ، فَمَن تَرَكَهُ أربَعينَ يَوماً ساءَ خُلُقُهُ ، ومنَ ساءَ خُلُقُهُ فَأَذِّنوا في اُذُنِهِ اليُمنى» (٢).

٧. الأذان وطرد الشيطان :

روى سليمان الجعفري أنّه سمع الإمام الصادق عليه‌السلام يقول : «أَذِّنْ فِي بَيْتِكَ فَإِنَّهُ يَطْرُدُ اَلشَّيْطَانَ وَيُسْتَحَبُّ مِنْ أَجْلِ اَلصِّبْيَانِ» (٣).

٨. الأذان والغول :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إِذَا تَغَوَّلَتْ بِكُمُ اَلْغِيلاَنُ فَأَذِّنُوا بِأَذَانِ اَلصَّلاَةِ» (٤).

__________________

(١) المحاسن ، ج٢ ، ص٤٦٦ ، ح٤٣٦ ؛ قرب الإسناد ، ص١٠٧ ، ح٣٦٧ ؛ بحار الأنوار ، ج٦٣ ، ص٥٦ ، ح١.

(٢) المحاسن ، ج٢ ، ص٤٦٥ ، ح٤٣٥.

(٣) الكافي ، ج٣ ، ص٣٠٨ ، ح٣٥ ؛ المحاسن ، ج١ ، هامش ص٤٩.

(٤) المحاسن ، ج١ ، هامش ص٤٩ ؛ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ، ج٣ ، ص٢٣٦ ؛ الجعفريات ، ص٤٢.

٣١

وقال الصادق عليه‌السلام : «إِذَا تَغَوَّلَتْ بِكُمُ الْغولُ فَأَذِّنُوا» (١).

وروى زيد الزراد : «حَجَجْنَا سَنَةً فَلمّا صِرنَا فِي خَراباتِ المَدِينَة بَينَ الحِيطَانِ افتَقَدنَا رَفِيقاً لَنَا مِن إخوَانِنا فَطَلبنَاهُ فَلَم نَجِدُه.

فَقَالَ لَنَا النَّاسُ بالمَدِينَةِ : أنّ صَاحِبَكُم إختَطفَه الجِنّ ، فَدخلتُ عَلى أبِي عَبدِ اللهِ عليه‌السلام ، وأخْبَرتُه بِحَالِه وَبِقَولِ أهلِ المَدِينَة.

فَقَالَ عليه‌السلام : أخْرُج إلى المَكَانِ الذِي إختُطِف أو قَالَ : إفتُقِدَ ، فَقُل بأعلى صَوتِكَ : يَا صَالِحَ بن عليّ ، إنّ جَعفَرَ بن مُحمّد عليه‌السلام يَقولُ لَكَ : أهكَذَا عَاهَدت وعَاقَدت الجِنَّ عليّ إبن أبي طالب عليه‌السلام؟ أطلُب فُلاناً حَتَّى تُؤدِيَه إلى رُفَقائِه ، ثُمّ قَالَ : يَا مَعشرَ الجِنّ عَزَمتُ عَليكُم بِمَا عَزَمَ عليّ بن أبي طَالِب عليه‌السلام ، لمَّا خُلِّيتُم عَن صَاحبِي وأرشَدتُمُوه إلى الطرِيقِ.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ، ج١ ، ص١٩٥ ، ح٩١٠ ؛ بحار الأنوار ، ج٦٠ ، ص٢٦٧ ، ح١٥٢.

٣٢

قَالَ : فَفعلتُ ذلِكَ ، فَلَم ألبَثْ إذَا بِصَاحبِي قَد خَرَجَ على بَعضِ الخَرَابَاتِ ،

فَقَالَ : أنّ شَخصاً تَرايَا لِي ، مَا رأيتُ صورَةً إلّا وهُو أحسَنُ مِنهَا.

فَقَالَ : يَا فَتى أظنُكَ تَتولى آلَ مُحَمّد.

فَقُلتُ : نَعم.

فَقَالَ : إنّ هَاهُنا رَجُلاً مِن آل مُحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هَل لَك أنْ تؤجَر وتُسلِّم عَلَيه؟

فَقُلتُ : بَلى ، فأدَخَلنِي مِن هَذه الحِيطَان وهُو يَمشِي أمَامِي ، فَلَمَّا أنْ سَارَ غَيرَ بَعِيد نظرتُ فَلَم أرَ شَيئاً وغُشيَ عَليّ فَبقِيتُ مَغشِياً عَليّ لا أدرِي أينَ أنَا مِن أرضِ اللهِ حَتّى كَانَ الآن ، فَإذَا قَدْ أتَانِي آتٍ وحَمَلنِي حَتّى أخرَجَنِي إلى الطَريِقِ ، فَأخبرتُ أبَا عَبدِ اللهِ عليه‌السلام ، بِذلِكَ ،

قَالَ عليه‌السلام : ذَلك الغوالُ أو الغُولُ نَوعٌ مِن الجِنِّ يَغتَالُ الإنسَانَ ، فَإذَا رَأيتَ الوَاحِد فَلا تَستَرشِدهُ ، وإنْ أرشَدَكُم

٣٣

فَخَالَفوه ، فإذَا رَأيتُه فِي خَرابٍ وَقَدْ خَرجَ عَليكَ أو فَلاةَ مِن الأرضِ فَأذِنَ فِي وَجهِه وأرفَع صَوتُك وقُلْ :

سُبحَانَ الذِي جَعَلَ فِي السَمَاءِ نُجُوماً رَجُوماً لِلشَيَاطِينِ ، عَزَمتُ عَليكَ يَا خَبيثَ بِعَزيمةِ اللهِ التِي عَزَمَ بِهَا أميرُ المُؤمِنِينَ عَليّ بن أبِي طَالب عليه‌السلام وَرَميتُ بِسَهمِ اللهِ المُصيِب الذِي لا يُخطئُ وَجَعلتُ سَمعَ اللهِ عَلى سَمعِكَ وَبَصركَ وَذلِك تَكُ بِعِزةِ اللهِ وَقَهرتُ سُلطَانَكَ بِسُلطَانِ اللهِ ، يَا خَبيثُ لا سَبيلَ لَكَ. فإنَّكَ تقهره إنْ شَاءَ اللهُ وتصرفه عنك. فإذا ضللت الطريق فأذّن بأعلى صوتك ، وقُلْ : يَا سَيَّارةَ اللهِ دلّونَا عَلى الطريِقِ يَرحمَكمُ الله ، أرشِدونَا يُرشِدكمَ الله ، فإنْ أصبتَ وإلّا فَنادِ :

يَا عَتاةَ الجنِّ ويا مَرَدَةَ الشَياطِينَ أرشِدونِي ودَلّونِي الطَريقَ وإلّا أشرَعتُ لَكم بِسهمِ الله المُصِيب إيّاكُم عَزِيمَةَ عليّ بن أبِي طالب عليه‌السلام ، يَا مَردَةَ الشَياطِينِ إنْ إستَطعَتم أنْ تَنفِذُوا مِن أقطَارِ السَمَاواتِ والأرضِ ، فَأنفِذوا لا تُنفدونَ إلّا بِسلطَانٍ مَبِينٍ ، اللهُ غَالِبُكم بِجُنِدهِ الغَالِبِ ، وقَاهرُكم بِسُلطَانِه القَاهرِ ،

٣٤

ومُذلُّكُم بِعِزَّةِ المَتِين ، (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (١) ، وأرفَع صَوتَكَ بالأذَانِ تُرشِدُ وتُصيبُ الطَرِيقُ إنْ شَاء الله تَعالى» (٢).

__________________

(١) التوبة : ١٢٩.

(٢) بحار الأنوار ، ج٦٠ ، ص١١١ ، ح٧٣ ؛ الأصول الستة عشر ، ص١٢.

٣٥
٣٦

مَصْدَرُ الأَذَانِ

روى عبد الصمد بن بشير ، أنّه قال : «ذُكِرَ عِندَ أبي عَبدِ اللّه ِ عليه‌السلام بَدءُ الأَذانِ فَقالَ : إنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنصارِ رَأى في مَنامِهِ الأَذانَ فَقَصَّهُ عَلى رَسولِ اللّه ِ صلى‌الله‌عليه‌وآله فَأَمَرَهُ رَسولُ اللّه ِ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يُعَلِّمَهُ بِلالاً.

فَقالَ أبو عَبدِ اللّه ِ عليه‌السلام : كَذَبوا! إنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى‌الله‌عليه‌وآله كانَ نائِما في ظِلِّ الكَعبَةِ ، فَأَتاهُ جَبرَئيلُ عليه‌السلام ومَعَهُ طاسٌ فيهِ ماءٌ مِنَ الجَنَّةِ ، فَأَيقَظَهُ وأمَرَهُ أن يَغتَسِلَ بِهِ ، ثُمَّ وُضِعَ في مَحمِلٍ لَهُ ألفُ ألفِ لَونٍ مِن نورٍ. ثُمَّ صَعِدَ بِهِ حَتَّى انتَهى إلى أبوابِ السَّماءِ ... حَتَّى انتَهى إلَى السَّماءِ السّابِعَةِ. قالَ : وَانتَهى إلى سِدرَةِ المُنتَهى. قالَ : فَقالَتِ السِّدرَةُ : ما جاوَزَني مَخلوقٌ قَبلَكَ. ثُمَّ مَضى فَتَدانى فَتَدَلّى ، فَكانَ قابَ قَوسَينِ أو أدنى ، فَأَوحَى اللّه ُ إلى عَبدِهِ ما أوحى .... قالَ : فَجَمَعَ لَهُ النَّبِيّينَ

٣٧

وَالمُرسَلينَ وَالمَلائِكَةَ ، ثُمَّ أمَرَ جَبرَئيلَ عليه‌السلام فَأَتَمَّ الأَذانَ وأقامَ الصَّلاةَ ، وتَقَدَّمَ رَسولُ اللّه ِ صلى‌الله‌عليه‌وآله فَصَلّى بِهِم ، فَلَمّا فَرَغَ التَفَتَ إلَيهِم ، فَقالَ اللّه ُ لَهُ : سَلِ الَّذينَ يَقرَؤونَ الكِتابَ مِن قَبلِكَ لَقَد جاءَكَ الحَقُّ مِن رَبِّكَ فَلاتَكونَنَّ مِنَ المُمتَرينَ. فَسَأَلَهُم يَومَئِذٍ النَّبِيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ....

فَقالَ أبو عَبدِ اللّه ِ عليه‌السلام : فَهذا كانَ بَدءُ الأَذانِ» (١).

وسُئل الإمام الحسين بن عليّ ‘ عن قول الناس في الأذان ، أنّ السّبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر بالأذان ، فقال عليه‌السلام : «الوَحيُ يَتَنَزَّلُ عَلى نَبِيِّكُم وتَزعُمونَ أنَّهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخَذَ الأَذانَ عَن عَبدِ اللّه ِ بنِ زَيدٍ ، وَالأَذانُ وَجهُ دينِكُم! وغَضِبَ عليه‌السلام ، ثمَّ قالَ عليه‌السلام : بَل سَمِعتُ أبي عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه‌السلام يَقولُ : أهبَطَ اللّه ُ عزّ وجَلَّ مَلَكاً ، حَتّى عَرَجَ بِرَسولِ اللّه ِ صلى‌الله‌عليه‌وآله وذَكَرَ حَديثَ الإِسراءِ بِطولِهِ ، اختَصَرناهُ نَحنُ هاهُنا ، قالَ فيهِ : وبَعَثَ اللّه ُ مَلَكاً لَم يُرَ فِي السَّماءِ قَبلَ

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج٨١ ، ص١١٩ ، ح١٩.

٣٨

ذلِكَ الوَقتِ ولا بَعدَهُ ، فَأَذَّنَ مَثنى وأقامَ مَثنى ، وذَكَرَ كَيفِيَّةَ الأَذانِ. وقالَ جَبرائيلُ عليه‌السلام لِلنَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا مُحَمَّدُ! هكَذا أذِّن لِلصَّلاةِ» (١).

روى الفضل بن يسار عن الباقر عليه‌السلام ، أنّه قال : «لَمّا اُسرِيَ بِرَسولِ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلَى السَّماءِ فبَلَغَ البَيتَ المَعمورَ وحَضَرَتِ الصَّلاةُ فأذَّنَ جَبرئيلُ عليه‌السلام وأقامَ ، فتَقَدَّمَ رَسولُ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصُفَّ المَلائكَةُ والنَّبِيّونَ خَلفَ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

قال ابن أبي عقيل : «أجْمَعَتِ الشِّيعَةُ عَنِ الصّادِقِ عليه‌السلام أنَّهُ لَعَنَ قَوماً زَعَموا أنَّ النَّبِيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخَذَ الأَذانَ مِن عَبدِ اللّهِ بنِ زَيدٍ ، فَقالَ : يَنزِلُ الوَحيُ عَلى نَبِيِّكُم فَتَزعُمونَ أنَّهُ أخَذَ الأَذانَ مِن عَبدِ اللّهِ بنِ زَيدٍ؟!» (٣).

__________________

(١) دعائم الإسلام ، ج١ ، ص١٤٢ ؛ بحار الأنوار ، ج٨١ ، ص١٥٦ ، ح٥٤.

(٢) الكافي ، ج٣ ، ص٣٠٢ ، ح١ ؛ الإستبصار ، ج١ ، ص٣٠٥ ، ح١١٣٤/٣ ؛ تهذيب الأحكام ، ج٢ ، ص٦٠ ، ح٢١٠/٣.

(٣) وسائل الشيعة ، ج٤ ، ص٦١٢ ، ح٣.

٣٩

قال الطوسي رحمه‌الله : «والأذَانُ مَأخُوذٌ مِنْ الوَحْيِ النَّازِلِ عَلى النَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دُونَ الرُّؤيَا وَالمَنَامِ» (١).

__________________

(١) المبسوط ، ج١ ، ص٩٥.

٤٠