بحث حول الخلافة والخلفاء

منيب الهاشمي

بحث حول الخلافة والخلفاء

المؤلف:

منيب الهاشمي


المحقق: زينب الوائلي
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٢

للرسول وأوصيائه ـ فضلاً عن الأدلة القوية المأخوذة من أقواله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي يؤكد فيها ان خلفاءه اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (١).

فهؤلاء الأئمة ماداموا يصونون الأمّة من الضلال والغواية اذا تمسّكَت بهم ، فهم ـ بالتالي ـ ينبغي أن يكونوا حكّاماً على الأمّة من دون الناس ، حتى لا تنحرف وتضل وتختلف وتنشق إلى فرق وطوائف وشيع كثيرة متناحرة.

وهذا الأمر ـ في رأي الشيعة ـ واضح لا يكتنفه الغموض أبداً ، ومع ذلك فإن لصحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أطاعوه ولم يعصوه ـ سواء في حياته أو من بعد مماته ـ فضلهم واحترامهم ، وتُؤخذ الأحاديث التي رووها عنه ، موضع الصحة والقبول والوثاقة ، إلا أنه لم تثبت عدالة الصحابة جميعاً ، ففيهم المشككون بالدين ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعصاة والطلقاء والمؤلفة قلوبهم والمتذبذبون والمنافقون ، ثم ليس هناك أدلة على عدالة الصحابة كلهم ، أو الاعتصام بهم وبآرائهم وفتاواهم وأقوالهم ، خاصة وإن القرآن الكريم ، صريح في نقد الكثير منهم ونعتهم بمختلف الاوصاف والنعوت السيئة ، بل وحتى اتهامهم بالكذب.

وفي اعتقاد الشيعة بأن الأئمة الاثني عشر ـ عدا عليّ في فترة محدّدة ـ حتى وإن لم يمارسوا الخلافة والحكم ، إلا انهم ظلوا أئمة ، يرجع إليهم شيعته في التماس العلم والفقه والاحكام الشرعية منهم ، تطبيقاً لقول رسول الله فيهم : لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تتخلفوا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فهم أعلم منكم (٢).

__________________

(١) انظر : مسند أحمد ٥ : ١٠٧.

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ ابن سعد ٢ : ١٩٤ ط دار صادر ـ بيروت ؛ نهاية الارب ـ النويري ١٨ : ٣٧٧ ط وزارة الثقافة ـ مصر.

٥٢١

٤ ـ ان الائمة الاثني عشر ، بالنظر لكونهم حَفَظة للسُنّة النبوية ، وشارحين لها ، وعارفين بمدلولها الفقهي ، فضلاً عن علمهم بالقرآن الكريم وتأويله ، فهم أكدوا ـ على الدوام ـ منذ عهد عليّ الذي هو أولهم وفي طليعتهم وحتى آخرهم ، بأنهم يسيرون على وفق السُنّة النبوية الخالصة ، ولا يؤمنون أو يعيرون أهمية لسُنن الآخرين ، كسُنّة الخلفاء الثلاث ، أو سُنّة الصحابة والتابعين وأقوالهم وآرائهم التي تعارض ـ صراحة ـ القرآن الكريم والسُنّة النبوية.

٥ ـ وبناء عليه فإن أبناء الأمّة الاسلامية ، لو أطاعوا الرسول في أهل بيته ، واتخذوهم خلفاء له ، وحاكمين على أنفسهم ، وأئمة هداة دون غيرهم ، خصوصاً في المئة الاولى للهجرة وما بعدها من قرون ، لما تجزّأت الأمّة إلى مذاهب ونِحَل وفِرَق كثيرة ، ولا انقسمت إلى شيع متطاحنة ، إنْ في الاصول أو في الفروع ، ولا تفرّعت إلى مدارس اصولية وعقائدية وفقهية وفكرية متعدّدة.

٦ ـ لو أطاعت الأمّة بأجمعها ، رسول الله في أهل بيته ولم تتخذ سواهم خلفاء له ، لما طمع الكل حتى الطُلقاء واراذل الأمّة في التسلّط على رقاب المسلمين والتحكّم في مصائرهم ، والتلاعب بمقدراتهم ، وبذر الخلاف في أوساطهم ، إلى درجة أن طمع الكفار والمستكبرون في أرضهم ، فأحكموا قبضتهم عليهم ، وتفوقوا عليهم في كل شيء ، وأصبح المسلمون تَبعاً لهم وفي الدرجة الأخيرة من حيث الرقي العلمي والتكنولوجي والاقتصادي ، وحتى الاجتماعي.

٧ ـ ان ما حذّر منه رسول الله من معصيته وعدم مولاة واتِّباع أهل بيته ، قد حصل بالفعل ، وما هذا التقهقر والنزاع والضعف الذي أصاب جسد الأمّة من أقصاها إلى أقصاها ، إلا نتيجة تولّي معظم أبناء الأمّة لخلفاء من غير اهل البيت الذين أوصى بهم رسول الله طيلة فترة نزول الوحي في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

٥٢٢

٨ ـ من نتائج عزوف الأمّة أو معظمها ، عن الولاء لاهل البيت ، انحسار الفتح الاسلامي وانكفاء المسلمين ، ولم يبلغ الإسلام إلا أجزاء من آسيا وافريقيا واوروبا ، في حين كان ينبغي أن يصل الإسلام إلى أرجاء المعمورة كافة ، تطبيقاً لقوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (١).

٩ ـ السنّة النبوية حين كانت مُودَعة في الأئمة الاثني عشر ، الخلفاء لرسول الله من أهل البيت ، وهي تضمّ ثروة فقهية وفكرية وعقائدية هائلة ، امتدت إلى نحو أربعة قرون ، ولذلك لم يحتج فقهاء الشيعة من المتمسكين بمنهج أهل البيت ، إلى قواعد دخيلة مثل الاستحسان والمصالح المرسلة وعمل أهل المدينة وشرع ما قبلنا ... إلى آخره ، ولا الاعتماد على الرأي والقياس وأقوال الصحابة وآرائهم وفتاواهم ، وهو ما كان يتخذه أصحاب المذاهب السُنّية لسدّ النقص الحاصل لديهم بسبب قلة الأحاديث النبوية الصحيحة في مسائل الاحكام والفقه ، ولكون السُنّة النبوية لم تدوَّن إلا في أواسط القرن الثاني الهجري ، ونتج عن ذلك ، إقرار أصحاب المذاهب السُنّية بجهلهم في الكثير من لأحكام الشرعية ، وتضارب أقوالهم في هذا المضمار ، وان أقوالهم مجرّد اجتهادات ظنية قابلة للخطأ ، فيما كان أئمة أهل البيت يتحدثون بثقة تامة ، واقوالهم كأقوال رسول الله ، حُجة مطلقة ، لا يتسلل إليها الظن أو الشك أو التردد ، ولا الإقرار بالعجز كما هو ديدن أصحاب المدارس السُنّية.

١٠ ـ وأخيراً ، يعتقد أصحاب المدرسة الشيعية ، بأن المقصود من المذهب الشيعي ـ بشكل عام ـ هو المذهب الجعفري ، نسبة إلى إمامهم السادس جعفر الصادق ، وهذا المذهب المعمول به حالياً في عالم التشيع لاهل البيت ، وهو يتّبع الأئمة الاثني عشر

__________________

(١) سبأ ٢٨.

٥٢٣

الذين أمر رسول الله أمّته بموالاتهم وإتّباعهم وطاعتهم وعدم معصيتهم ، أو التقدّم أو التأخّر عنهم.

أما الفِرَق والمذاهب الشيعية الأخرى التي تدّعي الانضواء تحت لواء أهل البيت النبوي ، والتي تؤمن ببعض أئمة العترة الطاهرة دون البعض الآخر ، فإنها لم تلبِّ وصية النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته حق التلبية ، وانما تتراوح بين الاقتراب من تعاليم اهل البيت والابتعاد عنها بصورة متفاوتة ، كالمذهب الزيدي أو الاسماعيلي ، وهناك مذاهب منحرفة مُغالية قد تبرأ منها أئمة أهل البيت ، لأنها تضم مفاهيم وأفكاراً ضالة لا تمت للإسلام بصلة ، وانْ حاول أعداء الشيعة ، احتسابها منهم ، كيداً لهم وتشويهاً لعقائد أهل البيت التي هي امتداد للإسلام المحمدي الأصيل كما يقول الشيعة.

إستنتاج مهم

وإليكم ما إستنتجناه ، بعد التمعّن في الظروف التي أسست للكيان السُنّي على مدّ التأريخ ، منذ وفاة رسول الله ، وحتى نشوء وقيام المذاهب المختلفة.

١ ـ أول ما لفت نظرنا عند البدء بالتفكير في قضية الاسلام وما آل إليه المسلمون من تمزّق وتشتت في مختلف المجالات ، سواء كانت العقائدية أو الفقهية أو الفكرية أو حتى الاجتماعية ، هل أن الإسلام كان قاصراً أم ان المسلمين أنفسهم لم يستوعبوا هذا الدين بصورة تامة لأسباب كامنة في عقولهم ونفوسهم؟ والحقيقة ان الجواب واضح وبديهي ، لأننا لو تصوّرنا ان الإسلام قاصر ، فيعني ذلك الطعن في القدرة الالهية وعلم الله تعالى والعياذ بالله ، في حين يقول عزّ وجل : قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّـهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١).

__________________

(١) الحجرات ١٦.

٥٢٤

ويقول تعالى في آية أخرى : اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (١).

على ان التقصير جاء من المسلمين أنفسهم لأنهم لم يستجيبوا لداعي الله كما ينبغي ، ولم يؤدوا الأمانة التي حُمِّلوها حق الاداء ، ولابد في البحث عن الاسباب والعوامل والعلل ، لمعرفة مواضع الداء مهما كانت النتائج قاسية وتُطال هذا الفريق أو ذاك ، ومهما كانت قداسته في نفوسنا ، أو نفوس بعضنا على الأقل.

إذ ربما كانت هذه القداسة من ابتداع السياسة الحاكمة لأمر في نفوس يعقوب ، فاتخذتها الأمّة بمرور الزمن ، حقيقة لا يرقى إليها الشك ، في حين هي أسطورة تأريخية لا أصل لها مطلقاً.

٢ ـ لماذا خلق الله البشرية؟ هذا التساؤل الوجيه ، يجيب الله تعالى عليه في آية محكمة واحدة : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٢).

وإذا كان هذا هو ال هدف من الخلقة ، فلابد أن تكون عبادة الله التي لا تقتصر على الفرائض والواجبات ، وإنما عموم الأوامر والتعاليم الالهية ، طبق ما يمليه الوحي على الأنبياء ، لا أن تكون العبادة ، على وفق الأهواء الإنسانية القاصرة ، بالرغم من ان الانسان مفطور على عبادة الله تعالى والإلتجاء إليه ، إلا انه يجهل الطريق الذي يوصله إلى الله ، والوسيلة الصحيحة لاداء تلك العبادة ، ولقد رأينا كيف أن المشركين والوثنيين يعبدون الأصنام والأوثان لتقرّبهم إلى الله زلفى مع ان هذه ال وسائل باطلة.

فليس من حق العباد أن يبتدعوا الوسائل والوسائط والطُرق لعبادة الله تعالى ، ولا يتلاعبوا بمنهجه العبادي على الأقل ، لأن هذه الأمور من مهام الأنبياء عبر الوحي

__________________

(١) الأنعام ١٢٤.

(٢) الذاريات ٥٦.

٥٢٥

الالهي ، وليست خاضعة للأهواء الانسانية والارادة البشرية ، كما حصل في الأديان السابقة ، حيث حرّف أتْباعها ـ خاصة الرئيسية منها كالديانة اليهودية والمسيحية ـ مبادئها وتعاليمها بحسب أهوائهم. فاليهود أطاعوا السامري وقاموا بعبادة العجل مع الله. والنصارى ابتدعوا مذاهب متعدّدة ، ورهبانية ما أنزل الله بها من سلطان ، بل وحرّفوا كتبهم المقدّسة طبق أهوائهم ومصالحهم.

وحين إصطفى الله نبيه محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله للرسالة الاسلامية ، حذّر المسلمين من أن يصبحوا كأتْباع الديانات السابقة ، الذين عصوا أنبياءهم ، وحرّفوا كتبهم ، فآلوا إلى التمزق والاختلاف والانحراف عن تعاليم رسالاتهم ، وكيف لا يحذِّر الله ونبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الأمّة الإسلامية من مصير الأمم السابقة والإسلام آخر الأديان السماوية جميعاً ، ورسوله ، خاتم الأنبياء والمرسلين؟ وهو الديانة الخاتمة الباقية إلى يوم الدين ، فلابد من تحذير أتْباع الدين الجديد الخاتم لئلا يكون مصيرهم كمصير اليهود والنصارى وغيرهم ، من الانحراف والتشرذم والابتعاد عن الحق ، سيّما وانهم أحقّ من غيرهم في هذا المجال ، لأنه ليس هناك ، بعد الاسلام ، دين آخر يقوم بتصحيح انحرافات الأمّة الاسلامية.

وبالفعل فلابد أن يفكّر رسول الله في مصير اُمّته قبل أن يدركه الموت ، حيث ان الإسلام قد اكتمل فعلاً ، وتطبيقه على الأمّة بحاجة إلى أيد عليمة أمينة لا يغرب عنها شيء من القرآن وأحكامه وتشريعاته ، وكذلك السُنّة النبوية ومعانيها وتفسيرها ، حتى لا تزيغ الأمّة وتنحرف وتتوزع إلى مذاهب وفرق شتى.

وإذا كان أبسط الصحابة قد فكّر بذلك إثر رحيله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف خفي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو خاتم الأنبياء وأعلم الأمّة ، ذلك الأمر الخطير وهو الفراغ الذي سيخلفه بوفاته ، وترْك الأمّة بلا راعٍ حتى قيام الساعة.

٥٢٦

وقد يجيب أهل السُنّة والجماعة : وما الإشكال في ذلك ، فقد ترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صحابته ليختاروا خليفة له ، كحاكم للمسلمين ، يطبّق عليهم شرع الله ، وهم أجادوا إذ إختاروا الخليفة الأول والثاني والثالث والرابع ، أي الخلفاء الراشدين ، ثم انحرفت الخلافة لتصبح ملكاً عضوضاً في العهد الأموي والعباسي والعثماني ، ومع ذلك فهي خلافة مقبولة حفظت حصون المسلمين أمام الأعداء ، وقامت بالفتوحات في آسيا وافريقيا وأوروبا وما الضير في ذلك؟ فقد انتشر الاسلام في القارات الثلاث بفعل الفتوحات أو الدعاة ... هذا هو رأي أهل السُنّة والجماعة.

لكن عاقبة الامّة المُتقهقرة تثبت ، فضلاً عن الإنحراف عن القرآن والسُنّة النبوية والتمذهب والتفرّق والتمزّق والتشرذم ، كم كان أسلافها مُخطئين في تنحية أهل ال بيت عن دورهم الحقيقي الذي بوأهم الله تعالى به ، واستبدلوا بهم أفراداً كانوا قاصرين عن قيادة السفينة الى شاطئ النجاة.

مع الشيعة في عقائدهم

ولإكمال ما بدأْناه حول أتْباع اهل البيت من الشيعة المعروفين بالامامية أو الاثني عشرية أو الجعفرية ، قُمنا بتحرّي أقوال أئمتهم وعلمائهم حول قواعدهم الاصولية والفقهية.

وأول ما يلفت نظرنا في هذا الموضوع ، ان أئمة أهل البيت يؤمنون بحقيقتين :

ـ ليس هناك سُنّة أخرى غير السُنّة النبوية ، فهم تناقلوها ، أباَ عن جد ، حتى تصل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ـ لم يكن هناك مانع أو حائل دون تدوين الحديث النبوي ، ولذلك كانت السُنّة النبوي تُدوّن لديهم منذ عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى آخر إمام لديهم.

٥٢٧

فالامام الاول للشيعة وهو عليّ بن أبي طالب ، كان قد كتب مُصحفاً فيه جملة من علوم القرآن الكريم ، مثل : المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ، وتفسير الآيات وتأويلها.

والمُصحف هنا هو : الجامع للصحيفة والصحف بين الدفتين ، ولا يتبادر للأذهان إنّ كل مصحف هو كتاب الله ، اي القرآن الكريم.

وكان التابعي ابن سيرين قد تمنّى لو أصاب ذلك الكتاب حيث كان فيه علم.

وكان مولى لرسول الله يُدعى أبو رافع ، قد أصبح صاحب بيت مال عليّ بن أبي طالب عندما كان خليفة على المسلمين ، وهو من شيعة عليّ ، ألّف كتاب السُنن ، والأحكام والقضايا من حديث عليّ خاصة.

أما عليّ بن أبي رافع ، الذي سمّاه النبي بعليّ ، فله كتاب في فنون الفقه على مذهب أهل البيت ، وكانت أئمة اهل البيت يزكّون هذا الكتاب ويُرجعون شيعته إليه.

أما شقيقه عبيد الله بن أبي رافع ، فكان كاتب عليّ ووليه ، وكان قد سمع من رسول الله وروى عنه وروى الاصبغ بن نباتة عن عليّ بن أبي طالب ، عهده الى عامله مالك الاشتر ، وكذلك وصيته الى ابنه محمد بن الحنفية.

ويقول ابن شهرآشوب : أول من صنّف في الاسلام عليّ بن أبي طالب ، ثم سلمان الفارسي ، ثم أبو ذر.

ومن أتباع أهل البيت (سُليم بن قيس الهلالي) ، له كتاب في الامامة ، وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها ، وكذلك ربيعة بن سميع ، له كتاب في زكاة النعم.

وهناك كتب عديدة من مؤلفات أتْباع اهل البيت وشيعتهم ، منها : كتاب الفهرست للنجاشي ، وكتاب منتهى المقال في أحوال الرجال ، وكتاب منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال.

٥٢٨

ويُعدّ حَمَلة العلم من الشيعة بآلاف الرجال ، ومصنفاتهم عشرة آلاف كتاب ، حيث روى أبان بن تغلب عن جعفر الصادق خاصة ، ثلاثين ألف حديث ، فيما أخذ ثابت بن دينار المعروف بـ(أبي حمزة الثمالي) ، عن الصادق والباقر والسجاد ، وروى رسالة الحقوق عن السجّاد خاصة.

ومن الذين رووا عن أئمة اهل البيت : بريد بن معاوية العجلي ، ليث بن مراد البختري ، زرارة بن أعين ، ومحمد بن مسلم بن رباح الكوفي.

والمعروف ان اربعمئة مؤلّف شيعي ، صنّفوا أربعمئة كتاب من فتاوى الصادق ، فيما روى التابعي كميل بن زياد النخعي ، أحاديث عن عليّ بن أبي طالب (١).

ويذكر المؤرخون أن من روّاد التشيع الأوائل : أبو ذر الغفاري ، عمار بن ياسر ، سلمان الفارسي ، المقداد بن عمرو الكندي ، حذيفة بن اليمان ، خزيمة بن ثابت الأنصاري، أبو الهيثم بن التيهان الانصاري ، جابر بن عبد الله ، محمد بن أبي بكر ، مالك الأشتر ، براء بن عازب ، أبي بن كعب ، عبادة بن الصامت ، أبو الأسود الدؤلي ، أو دجانة الانصاري ، سهيل بن عمرو ، سهل بن حنيف ، أبو رافع ، زيد بن ارقم ، الأصبغ بن نباتة ، يزيد الأسلمي ، حكيم بن جبلة العبدي ، بديل بن ورقاء الخزاعي ، أبو الطفيل (عامر بن واثلة) ، عدي بن حاتم الطائي ، أويس القرني ، أبان بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس.

أما صحيفة رسول الله التي أملاها على عليّ ، فيبلغ طولها سبعين ذراعاً ، وكتبها عليّ بخطه ، وهي «أول كتاب جُمع فيه العلم» على عهد رسول الله ، وانّ الائمة الاثني

__________________

(١) تأريخ بغداد ـ الخطيب البغدادي ٦ : ٣٧٦ ؛ الامالي ـ الشيخ المفيد : ٢٤٧ الحديث ٣ : خصائص الائمة : ١٠٥.

٥٢٩

عشر من ذريته ، توارثوا ذلك الكتاب أو الصحيفة ، وقد وصفوها بكونها : كتاباً مدروجاً عظيماً (١).

وكان لامام الشيعة (علي بن الحسين) المعروف بالسجاد ، كتاب أدعية بأسم «الصحيفة السجادية» وكذلك رسالة حقوق ، وصحيفة في الزهد ، والجامع في الفقه ، وكتاب حديث ، نقلها عنه ، جمع من العلماء والرواة والمؤرخين الشيعة.

وسأل جابر الجعفي إمام الشيعة (محمد الباقر) (ت ١١٤ هجـ) : أقيّد الحديث اذا سمعت؟

فقال الباقر : إذا سمعت حديثاً من فقيه خير مما في الأرض من ذهب وفضه (٢).

والباقر نفسه قد قال : عرْض الكتاب ، والحديث سواء (٣) ، وقال الصادق (١٤٨ هـ) للمفضل بن عمر الجعفي : اكتب ، وبثّ علمك في إخوانك ، فإن متّ ، فأورث كتبك بنيك (٤) ، ودخل عليّ أناسٌ من أهل البصرة ، فسألوني عن أحاديث ، فكتبوها ، فما يمنعكم من الكتاب؟ أما انكم لم تحفظوا حتى تكتبوا (٥). والقلب يتّكل على الكتاب (٦).

واحتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها (٧) ، ولولا الكتابة ، لدُرسَت العلوم ، وضاعت الآداب ، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاته ، وما

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٦٠ الحديث ٩٦٦ ؛ وسائل الشيعة ١ : ٦٢.

(٢) أدب الاملاء ـ السمعاني : ٥٥.

(٣) سنن الدارمي ١ : ١٥٢ ؛ الكفاية في علم الرواية : ٣٠٠.

(٤) اصول الكافي ـ الكليني ١ : ٥٢ الحديث ١١ ؛ بحار الانوار ـ المجلسي ٢ : ١٥٠ الحديث ٢٧.

(٥) اصول الكافي ـ الكليني ١ : ٥٢ الحديث ٩ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ٨١ الحديث ٣٣٢٦١.

(٦) اصول الكافي ـ الكليني ١ : ٥٢ الحديث ٨ ؛ بحار الانوار ـ المجلسي ٢ : ١٥٢ الحديث ٣٩.

(٧) اصول الكافي ـ الكليني ١ : ٥٢ الحديث ١٠ ؛ بحار الانوار ـ المجلسي ٢ : ١٥٢ الحديث ٤٠.

٥٣٠

يحتاجون الى النظر فيه من أمر دينهم ، وما روي لهم مما لا يسعهم جهلة (١).

وكان عند جعفر الصادق ، رسائل وأحاديث ونُسخ (٢) ، في حين يقرّ أبو حنيفة بأن الامام الصادق كان (صُحُفياً) ، أي يأخذ علمه من الكُتب ، وكان جواب الصادق : أما في قوله «أنا رجل صُحُفي» ، فقد صدق ، قرأت صُحف آبائي وابراهيم وموسى (٣).

كما ان (كتاب التوحيد) أملاه جعفر الصادق على المفضّل بن عمر الجعفي الكوفي ، وهو يحتوي على بيان عقيدة التوحيد (٤).

ورسالة (الاهليجة) في التوحيد ، كتبها الامام الصادق ، ردّاً على الملحدين المنكرين للربوبية ، احتجاجاً عليهم (٥).

وكان للامام الصادق ، تلامذة كثيرون ، ألفوا الكتب ، ودوّنوا الحديث في المصنفات والمسانيد (٦) ، وان الرواة هم ممن ألّف حديث الامام الصادق على شكل «المسند». فجُمع فيه ما رواه الصادق ، مسنداً مرفوعاً عن آبائه عن رسول الله (٧).

أما (الجعفريات) فهي مجموعة من أحاديث الاحكام ، مرتّبة على أبواب الفقه ، رواها عن الامام الصادق ، ابنه الامام الكاظم ، مسندة عن آبائه ، مرفوعة الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (٨).

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٣ : ٢٥٩ الحديث ١٥٢٩٤ ؛ بحار الانوار ـ المجلسي ٣ : ٨٢.

(٢) تهذيب التهذيب ٢ : ٨٨ الحديث ١٥٦ ؛ الكامل ـ ابن عدي ٢ : ١٣٤ الحديث ٣٣٤.

(٣) علل الشرائع ١ : ٨٩ الحديث ٥ ؛ بحار الانوار ٢ : ٢٩٢ الحديث ١١.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٦ الحديث ١١١٢ ؛ معجم رجال الحديث ١٩ : ٣١٧ الحديث ١٢٦١٥.

(٥) تدوين السنة الشريفة : ١٦٥ ؛ بحار الانوار ١ : ٣٢.

(٦) تدوين السنة الشريفة : ١٧٢.

(٧) المصدر السابق.

(٨) المصدر السابق : ١٦٦.

٥٣١

وللامام الصادق ، كتاب الحج ، وكتاب في الحلال والحرام ، وكذلك له وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكرها كتاب الفهرسة (١).

ونستنتج مما مضى ، بأن أئمة الشيعة ، كانوا يتناقلون الاحاديث النبوية بينهم مدوّنة منذ عهد رسول الله وإلى آخر إمام منهم ، وكانوا يسمحون لتلامذتهم بتدوين تلك الاحاديث وكذلك الفتاوى والاحكام الشرعية الصادرة عنهم في مصنفات وكتب ومؤلفات ، مما يدل على إن حركة التدوين عند الشيعة لم تتوقف منذ عهد رسول الله والى يومنا هاذ ، دون التذرّع بالخوف من اختلاط الحديث النبوي بالقرآن الكريم ، كما هو عند أهل السُنّة والجماعة في المئة ال اولى للهجرة ، حيث منعوا التدوين أو التحدّث بالسُنّة النبوية حتى أواسط القرن الثاني.

القرآن الكريم في الرؤية الشيعة

ما هو موقف أئمة الشيعة من القرآن الكريم وصيانته من التحريف؟ وما هو موقع القرآن عندهم نسبة للحديث النبوي؟ وهل يؤمنون بأن كتاب الله هو الفيصل والميزان أم الحديث الشريف؟

قبل كل شيء ، يعتقد أئمة الشيعة ، بأن لم يوافق كتاب الله فهو زخرف (٢) ، إذ يقول الصادق بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب بمنى ، فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (٣) ، وفي تعبير آخر ، قال

__________________

(١) المصدر السابق : ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٢) اصول الكافي ـ الكليني ١ : ٦٩ الحديث ٣ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ١١١ الحديث ٣٣٣٤٧.

(٣) كتاب الام ـ الشافعي ٧ : ٣٥٨ ؛ اصول الكافي ـ الكليني ١ : ٦٩ الحديث ٥.

٥٣٢

الصادق نقلاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه (١).

وأما تحريف كتاب الله ، فينفيه علماء الشيعة وكبارهم ، فهذا الشيخ الطوسي المتوفى عام ٤٣٦ ، يقول : «واذا كان الموجود بيننا مُجمعاً على صحته ، فينبغي أن نتشاغل بتفسيره ، وبيان معانيه ، نترك ما سواه» (٢).

أما الطبرسي وهو من أكابر علماء الشيعة ، فيؤكد : «لأن القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته ، الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من أغرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوحاً مع العناية الصادقة ، والضبط الشديد» (٣).

وينفي الفيض الكاشاني خبر التحريف ، قائلاً : انه مُخالف لكتاب الله ، مكذّب له ، فيجب ردّه ، والحكم بفساده (٤) ، فيما يصرّ الشيخ المفيد : بميله الى سلامة القرآن ، والى عدم زيادة الكلمة والكلمتين ، والحرف والحرقين». فيما أكد الشريفة المرتضى ، بأن : «القرآن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ، فإن القرآن كان يُحفظ ، ويُدرس جميعه في ذلك الزمان ، حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنه كان يُعرَض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويُتلى عليه ، وأن جماعة

__________________

(١) المصنف ـ الصنعاني ٦ : ١١٢ الحديث ١٠١٦٣ ؛ الدر المنثور ـ السيوطي ٥ : ١٤٧ ؛ اصول الكافي ـ الكليني ١ : ٦٩ الحديث ١ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٨ الحديث ٣٣٣٦٢.

(٢) تفسير التبيان ١ : ٤.

(٣) مجمع البيان ١ : ٤٣.

(٤) التفسير الصافي ١ : ٥١.

٥٣٣

من الصحابة مثل : عبد الله بن مسعود ، وأُبي بن كعب وغيرهما ، ختموا القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عدّة ختمات ، وكل ذلك يدلّ ـ بأدنى تأمل ـ على أنه كان مجموعاً مرتّباً غير منثور ولا مبثوث» (١) ، ويعتقد الشيخ الصدوق ، المتوفي عام ٣٨١ هـ بأن : اعتقادنا إن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ، وعدد سوره على المعروف ١١٤ سورة. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كذّاب (٢). ويوضح عالم شيعي آخر وهو الحرّ العاملي بأن القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر ، وأن آلاف الصحابة كانوا يحفظونه ويتلونه وأنه كان على عهد رسول الله مجموعاً مؤلِّفاً (٣) ، وهذا ما يقرّه العلامة المجلسي الذي يقول : «غير ان الخبر قد صح عن أئمتنا ، أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين ، وأن لا نتعدّاه بلا زيادة فيه ولا نقصان منه» (٤). وعلى هذا المنوال يقول بهاء الدين العاملي المتوفي في عام ١٠٣٠ هـ : «الصحيح ان القرآن العظيم محفوظ عن ذلك» (٥).

ويتساءل الفيض الكاشاني انه : «لو تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن ، لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما أنزله الله ، فلا يكون القرآن حجة لنا ، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه. وقال في تفسير قوله تعالى :

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٤٣ ؛ تفسير الصافي ١ : ٥٣.

(٢) الاعتقادات في دين الامامية : ٨٤.

(٣) الفصول المهمة في تأليف الامة : ١٦٦.

(٤) بحار الانوار ـ المجلسي ٨٩ : ٧٤ ؛ المسائل السروية ـ الشيخ المفيد : ٨١.

(٥) آلاء الرحمن ١ : ٢٥ ـ ٢٦.

٥٣٤

وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١) : من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان (٢).

ولتصحيح بعض المعلومات الخاطئة عن الشيعة ، يقول الشيخ المفيد المتوفي عام ٤١٣ هـ : وقد قال جماعة من أهل الامامة ، انه لم ينقص منه كلمة ، ولا من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وان لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز .. وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب» (٣).

أما من الذين قالوا بتنزيه القرآن من المعاصرين ، فمنهم ، الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفي عام ١٢٢٨ هـ ، الذي يقول : ان القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان ، كما دلّ عليه صريح الفرق ، وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ثم كيف يكون ذلك ، وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه؟ (٤) ، وهذا ما يؤكده العالم الشيعي الكبير الخوئي المتوفي في عام ١٤١٣ هـ ، اذ يقول : «ان حديث تحريف القرآن ، حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلّا من ضعف عقله .. وأما العاقل المًنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته» (٥).

ويواصل الخوئي دفاعه عن صيانة القرآن من التحريف ، فيقول : «علماء الشيعة الامامية الذين ألّفوا في فقه القرآن ، ينكرون التحريف ، وكذلك علماء التفسير.

__________________

(١) الوافي ٢ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٢) يوسف ١٢.

(٣) أوائل المقالات : ٨١.

(٤) كشف الغطاء (الطبعة القديمة) ٢ : ٢٩٩.

(٥) البيان في تفسير القرآن : ٢٥٩.

٥٣٥

ففقهاء الشيعة ومؤلفو آيات الأحكام ، يحتجون بالقرآن ، وصيانته من التحريف ، وكذلك علماء الكلام ، وان العلماء يستدلون على الامامة والخلافة بآيات من القرآن الكريم».

وأخيراً يوضّح العالم الشيعي نورالله التستري نقلاً عن القاضي الشهيد المتوفي ١٠١٩ هـ : «ما نُسب الى الشيعة الامامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ، ليس مما قال به جمهور الامامية ، إنما قال به شرذمة قليلة منهم ، لا اعتداء بهم فيما بينهم» (١).

من هم الشيعة؟

مَنْ هم الشيعة ، أو (الرافضة) كما يسمّيهم البعض من أهل السُنّة والجماعة؟ هل هم فئة طارئة منشقة عن الدين ، أو متمرّدة أو خارجة على تعاليمه؟ وهل هم أهل بدعة وضلالة؟ أم هم أصل الدين وأساس الملّة دون الآخرين من فئات الأمّة؟

أول ما يلفت إنتباهنا ان رسول الله هو أول من ذكر كلمة (شيعة) وخصّ بها ، أتباع علي ومناصريه ، اذ قال ان الآية الكريمة : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٢) نزلت في آل البيت وشيعته (٣) ، وفي رواية أخرى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان علياً وشيعته هم خير البرية ، و«ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة» (٤).

__________________

(١) الفصول المهمة في تليف الامة : ١٧٧ ؛ انظر : تفسير شبر : ١٧.

(٢) البينة ٧.

(٣) شواهد التنزيل ـ الحاكم الحسكاني ٢ : ٤٥٩ الحديث ١١٢٥ ؛ الدر المنثور ٦ : ٣٧٩ ؛ تفسير الآلوسي ٣٠ : ٢٠٧ ؛ نظم درر السمطين : ٩٢.

(٤) شواهد التنزيل ـ الحاكم الحسكاني ٢ : ٤٦٧ الحديث ١١٣٩ ؛ الدر المنثور ٦ : ٣٧٩ ؛ فتح القدير ٥ : ٤٧٧ ؛ تأريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٣٣٣.

٥٣٦

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ في يوم فتح خيبر ، وذلك عند حديثه عن الحوض في يوم القيامة : وان شيعتك على منابر من نور ، رواء مرويون ، مبيضة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، فيكونون غداً في الجنة جيراني ، وان عدوّك غداً ظماء مظمئون ، مسوّدة وجوههم مقمحون (١) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ أيضاً : إني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة ، إخوان على سرر متقابلين ، أنت معي وشيعتك في الجنة (٢). «وكان أصحاب النبي إذا أقبل عليّ ، قالوا : قد جاء خير البرية (٣) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : أنت وشيعتك ، وموعدكم الحوض ، إذا جثيت الأمم للحساب ، تُدعون غرّاً محجّلين (٤) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : انك ستقدم على الله وشيعتك راضون مرضيون (٥) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ أنت وأصحابك في الجنة ، أنت وشيعتك في الجنة ، ألا انه من يزعم أنه ممن يحبّك أقوام يصغّرون الاسلام ، ثم يلفظونه ، يقرؤنّ القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يرقون منه كما يمرق السهم من الرمية (١) ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : تزفّ أنت وشيعتك مع محمد وحزبه الى الجنّة زفاً زفاً ، قد أفلح من تولاك ، وخاب وخسر من عاداك ، محبّو محمد محبّوك ،

__________________

(١) المعجم الكبير ـ الطبراني ١ : ٣١٩ الحديث ٤٤٨.

(٢) المعجم الاوسط ـ الطبراني ٧ : ٣٤٣ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٧٣.

(٣) الدر المنثور ٦ : ٣٧٩ ؛ فتح القدير ٥ : ٤٧٧.

(٤) شواهد التنزيل ٢ : ٤٦٠ الحديث ١١٢٥ ؛ الدر المنثور ٦ : ٣٧٩ ؛ مناقب علي بن ابي طالب ـ ابن مردويه : ٣٤٧ الحديث ١٠٨.

(٥) المعجم الاوسط ـ الطبراني ٤ : ١٨٧ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٣١ ؛ النهاية في غريب الحديث ٤ : ١٠٦ ؛ مناقب علي بن ابي طالب ـ ابن مردويه : ١٨٧ الحديث ٢٥٥.

(٦) تأريخ بغداد ١٢ : ٣٥٣ ؛ المعجم الاوسط ـ الطبراني ٦ : ٣٥٤.

٥٣٧

ومبغضوك لن تنالهم شفاعة محمد (١) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ أيضا : أول من يدخل الجنّة أنا وأنت ، والحسن والحسين ، وذرارينا خلفنا ، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا (٢).

ويقرّ العالم السُنّي الكبير «ابن خلدون» بأنه : كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعليّ ويرون استحقاقه على غيره ، ولما عُدل به الى سواه ، تأففوا من ذلك ، وأسفوا له ، إلا أنّ القوم لرسوخ قدمهم في الدين ، وحرصهم على الألفة ، لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأنف والأسف (٣).

ونستدل من ما مضى :

ان التشيّع لاهل البيت لم يكن طارئاً أو وُجد بعد وفاة رسول الله بفترة قصيرة أو طويلة كما يزعم البعض ، وانما كان موجوداً في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومتجسّداً في عليّ وأتباعه وشيعته.

ان شيعة عليّ وأتباعه المطيعين له هم خير البرية والفائزون يوم القيامة ويُحشرون مع رسول الله ، واعداءه من الخائبين والخاسرين.

هذا ويرتأي بعض علماء أهل السُنّة والجماعة بوجود صحابة متشيعين لعلي في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) مناقب علي بن ابي طالب ـ ابن مردويه : ٦٣ الحديث ٣٢ ؛ المناقب ـ الخوارزمي : ٣٢٣ الحديث ٣٢٩ ؛ كشف الغمة ١ : ٣٥٠.

(٢) تفسير الثعلبي ٨ : ٣١١ ؛ مناقب علي بن ابي طالب ـ ابن مردويه : ١٨٧ الحديث ٢٥٤ ؛ ميزان الاعتدال ـ الذهبي ٣ : ٦٣٥ الحديث ٧٩٠٤.

(٣) تأريخ ابن خلدون ٣ : ١٧١.

٥٣٨

معالم الاجتهاد لدى الشيعة

يعتمد علماء الشيعة الامامية في الاستنباط الشرعي على نصوص القرآن الكريم والسُنّة النبوية التي هي مُودعة لدى الائمة الاثني عشر من قبل رسول الله ، والذين لديهم مَلَكة وقدرة على معرفة الأبعاد الفقهية والاحكام الشرعية التي تتضمنها الآيات الكريمة والاحاديث النبوية بحكم تسديدهم من قبل الله تعالى ، فضلاً عن تزكيتهم من لدن رسول الله ، كما انهم المُطهّرون من الرجس والكذب والخطأ على وفق آية التطهير.

ولذلك فعلماء وفقهاء الشيعة ، يتعبّدون بأقوال أئمة اهل البيت ، كما يتعبّدون بأقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يعدّونها إجتهاداً قابلاً للخطأ ، ولمّا كانت أقوال الأئمة الاثني عشر خلال ما يقارب على ثلاثمئة عام ، هي بمثابة السُنّة النبوية ، فأصبح للشيعة خزين وافر من السُنّة النبوية المتجسّدة بأقوال رسول الله وعليّ بن أبي طالب وبقية الأئمة الآخرين ، وهي كلها مُدوّنة من قبل تلامذتهم في كتب ومؤلفات كثيرة ، وعليه فإن حاجة العلماء للقواعد الاصولية محدودة جداً ، ولا تتضمن قواعد ليست لها صلة بالنصوص الشرعية ، التي تعتبر أهواء دخيلة على الشرع المقدّس ، كالرأي والقياس والمصالح المرسلة والاستحسان وشرع ما قبلنا وعمل أهل المدينة ، أما الاجماع والعقل ، فهما مصدران يرجعان الى النصوص (الكتاب والسُنّة).

ومن هنا فإن الشيعة يرفضون أية قاعدة لا ترجع الى النص ، لانها ستصبح من الأهواء والظنون التي لا تغني من الحق شيئاً ، وكما قال إمامهم جعفر الصادق عن القياس ، بأنه قاعدة غير شرعية ، وإن أول من قاس هو إبليس (١).

__________________

(١) جامع المقاصد ـ المحقق الكركي ١ : ٢١.

٥٣٩

أفضلية عليّ وولايته للأمر من خلال مناقبه الجمّة

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم من آمن بي وصدّقني ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب ، فإنّ ولايته ولايتي ، وولايتي ولاية الله تعالى (١).

ومن اقتدى في دينه بعليّ فقد اهتدى (٢) ، وإن علياً مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي (٣) ، وهو أخي وصاحبي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، ووليكم من بعدي (٤) ، وهو أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي (٥) ، وأنت وليي في الدنيا والآخرة (٦) ، وأوحي إلي في عليّ أنه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ، وقائد

__________________

(١) كنز العمال ـ المتقي الهندي ١١ : ٦١١ ـ الحديث ٣٢٩٥٨.

(٢) تفسير الرازي ١ : ٢٠٥.

(٣) خصائص امير المؤمنين ـ النسائي : ٩٨ ؛ عمدة القاري ـ العييني ١٦ : ٢١٤ ؛ مسند احمد ٤ : ٤٣٨.

(٤) تأريخ الطبري ٢ : ٦٣ ؛ تأريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ٤٢ : ٤٩ ؛ الكامل في التأريخ ـ ابن الاثير ٢ : ٦٣ ؛ كنز العمال ـ المتقي الهندي ١٣ : ١١٤.

(٥) شرح نهج البلاغة ـ ابن ابي الحديد المعتزلي ١٣ : ٢٤٥.

(٦) المستدرك على الصحيحين ـ الحاكم النيسابوري ٣ : ١٣٣ ؛ مجمع الزوائد ـ الهيثمي ١٠ : ١١٣ ؛ المعجم الكبير ـ الطبراني ١٢ : ٧٧ ؛ مسند احمد ١ : ٣٣١.

٥٤٠