بحث حول الخلافة والخلفاء

منيب الهاشمي

بحث حول الخلافة والخلفاء

المؤلف:

منيب الهاشمي


المحقق: زينب الوائلي
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٢

أنه يأتي أهله وهو لا يأتي ، وانه كان مسحوراً على يد أحدهم ثم بعد ذلك ذهب السحر بعد مدّة (١).

وطبق صحيح البخاري ، فإن رسول الله يقول بأن ما من بني آدم ، مولود يُولَد إلا يمسّه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وإبنها (٢) ، وهو في ذلك لم يستثن إلا مريم العذراء والسيد المسيح ، أي انه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل الآخرين مسّه الشيطان عند ولادته ، وان عيسى المسيح أفضل منه لأنه أُستثني من المس!!!

ومن روايات البخاري عن أم المؤمنين عائشة ان عمر أمر الرسول أن يحجب نساءه ، فلم يكن الرسول يفعل ، وكان عمر بن الخطاب قد عرف أم المؤمنين سودة بنت زمعة وكانت قد خرجت الى الشارع (٣).

ويبدو هنا ان عمر بن الخطاب أكثر غيرة وحمية من النبي على نسائه بحيث انه لم يبال بهنّ وهنّ يخرجن سافرات غير مستورات؟ واذا كان تشريع الحجاب قد فرضه الله تعالى ، فلماذا لم يمتثل إليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دون عمر بن الخطاب الذي سارع في توجيه عتابه الى النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان غير متورع عن ستر نسائه بالرغم من الامر الالهي القاضي بتحجّب النساء!!.

ومن الذين يروي عنهم البخاري ، خادل الرسول ، أنس بن مالك الذي يقول بأن رسول الله كان يدور على نسائه في ساعة واحدة من الليل والنهار ، وهنّ إحدى عشرة ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ٨٨.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٣٨.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٤٦.

٣٠١

لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد أُعطي قوة ثلاثين ، كما كان يتحدث أنس ورفاقه (١).

والتساؤل الوجيه في هذا المقام : مَنْ أعلم أنس ابن مالك ان النبي كان يدور على نسائه في ساعة واحدة من الليل والنهار ويضاجعهنّ جميعاً؟ فهل كان رسول الله يُطلعه على أسراره الزوجية أم كان انس يتلصص على بيوت زوجات الرسول؟ ثم اذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خصّص يوماً لكل زوجة من زوجاته ليبيت عندها حتى يحقق العدل بينهنّ ، فكيف يتفق هذا البرنامج النبوي مع رواية أنس التي تزعم باجتماع الرسول مع زوجاته في ساعة واحدة؟

ثم ألا كان من الأجدر لأنس وأصحاب رسول الله أن يتحدّثوا في مواضيع ضرورية مهمة لا هذا الموضوع الذي يمسّ عِرض الرسول وأسراره الزوجية التي يجب أن تبقى مُصانة من أن تلوكها أفواه الرجال؟

وفي قضية أخرى ـ كما ينقل البخاري ـ كان النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرّ بأن النبي يونس بن متى خير منه ، مع ان يونس كان نبياً ولم يكن من أولي العزم ، فكيف يصبح خيراً من أفضل الانبياء على الإطلاق (٢).

وهذا إن دل على شيء فانما يدلّ على ان تلك الأحاديث موضوعة ، سواء وضعها أولئك الصحابة أم قيلت على لسانهم وهم منها براء.

بيْد ان البخاري الذي يُعتبر صحيحه ، أصح كتاب بعد كتاب الله ، لم يتورّع عن تدوين أحاديث وروايات بالرغم من هشاشتها ، ووضوح كذبها وإبتداعها.

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٧١.

(٢) صحيح البخاري ٥ : ١٨٥.

٣٠٢

طعون على البخاري

من خلال تتبّع المصادر والكتابات التي تناولت صحيح البخاري ، اكتشفنا ان هناك عدداً كبيراً من العلماء والفقهاء والمؤرخين قد طعنوا في هذا الصحيح ، وانتقدوا بعض أحاديثه ورواته وأسانيده.

منهم الإسماعيلي الذي بعد أن أورد الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة بان إبراهيم يلقى أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزرقترة. قال بأن هذا الخبر في صحته نظر (١).

وقال أحد علماء أهل السُنّة والجماعة بأن سند ابن ماجة خماسي ، وسند البخاري سداسي ، فحصل له تفوّق (أي ابن ماجة) بهذا الاعتبار أيضاً (٢).

وفي «السنن» من الأحاديث الصحيحة التي هي أصحّ من أحاديث صحيح البخاري صحة (٣).

يقول الحازمي تحت عنوان : «باب في إبطال قول من زعم ان شرط البخاري ، إخراج الحديث عن عدلين وهلم جرّا ، إلى أن يتصل الخبر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ان هذا الحكم من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح ، ولو استقرأ الكتاب حق الاستقراء لوجد جملة من الكتاب ناقضة عليه دعواه ، فإبن حبان ، قال : وأما الأخبار فإنها كلها أخبار الآحاد ، لأنه ليس يوجد عن النبي خبر من رواية عدلين روى أحدهما عن عدلين ، وكل واحد منهما عن عدلين حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله ، فلما استحال هذا وبطل ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١١٠.

(٢) مجلة الفاروق ـ العدد ٧٩ ـ السنة ٢٠ ـ الامام ابن ماجة ـ باكستان.

(٣) المصدر السابق.

٣٠٣

ثبت ان الأخبار كلّها أخبار الآحاد ومن إشترط ذلك ، فقد عمد الى ترك السُنن كلها لعدم وجود السُنن إلا من رواية الآحاد (١).

وقد يقع لمحمد البخاري الغلط في أهل الشام ، وذلك لأنه أخذ كتبهم ونظر فيها فربما ذكر الرجل بكنيته ، ويذكره في موضع آخر بإسمه يظنهما إثنين (٢).

والإمام البخاري صنّف كتابه في طول رحلته ، لأجل هذا ربما كتب الحديث من حفظه فلا يسوق ألفاظه برمّتها بل يتصرّف فيه ويسوقه بمعناه (٣).

واعتمدا لبخاري ونقل كثيراً عن عكرمة مولى ابن عباس ، وهو خارجي كما نصّ على ذلك ابن خلكان في وفياته والشهرستاني في «الملل والنحل» وكان إبن عمر يقول لمولاه نافع : لا تكذّب عليّ كما يكذّب عكرمة على ابن عباس ، وكما كان ابن سيرين يقول ما يسوءني أن يدخل (عكرمة) الجنة ولكنه كذاب وإنه يكذّب على ابن عباس كما يؤكد ابنه علي. وقد كذّبه عطاء ويحيى بن سعيد الانصاري ، وأمر مالك بن أنس أن لا يُؤخذ عن عكرمة ، ويقرّ الشافعي بأن مالكاً سيء الرأي في عكرمة ، قائلاً : لا أرى لأحد أن يقبل حديث عكرمة ، وعكرمة لا يُحسن الصلاة ، ولم يشهد جنازة عكرمة إلا السودان (٤).

ومع كل هذه التهم والطعون ضد عكرمة الخارجي ، فقد وثّقه الامام البخاري واعتمده كثيراً.

ويحتج البخاري بسمرة بن جندب الخارجي ، أحد ولاة معاوية الذي قتل ثمانية

__________________

(١) صحيح ابن حيان ١ : ١٥٥.

(٢) تذكرة الحفاظ ـ الذهبي ٢ : ٥٨٩.

(٣) النكت على كتاب ابن الصلاح ـ ابن حجر : ٦٢.

(٤) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ٤٢٥.

٣٠٤

آلاف من المسلمين ، وقد قتل في يوم أربعين رجلاً كلهم قد جمع القرآن ، وسمرة كان يبيع الخمر أيام الخليفة عمر بن الخطاب (١).

والامام البخاري نفسه يقول بأن رُبّ حديث سمعه بالبصرة ثم كتبه بالشام ، ورُب حديث سمعه بالشام كتبه بمصر ، وعندما قيل له : بكماله ، سكت (٢).

والبخاري يروي عن ألف ومئتين من الخوارج ، وانتسخ ابو إسحاق المستملي كتاب البخاري من اصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الغربري ، فرأى فيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضافوا بعض ذلك الى بعض.

ومما يدل على صحة هذا القول ، هو اختلاف رواية أبي اسحاق المستملي ، ورواية أبي محمد السرخسي ، ورواية أبي الهيثم الكشميهي ، ورواية أبي زيد المرزوي ، بالتقديم والتأخير مع انهم نسخوا من أصل واحد ، وانما حصل ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في رقعة مُضافة أنه من موضع ما ، فأضافه إليه ، ويبين ذلك ان نجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث (٣).

وكل ذلك يدل دلالة واضحة على أن صحيح البخاري نفسه لم يكتمل بعد وكان بحاجة الى إضافة وتنقيح وتعديل من قبل صاحبه البخاري الذي مات وتركه بكل تلك النقائص والعيوب ، فكيف يصح ان نقول إن البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله ، وهو بتلك الحالة حيث تتعدد النسخ عنه وكل نسخة تختلف وتتفاوت فيما بينها حسب مزاج وذوق النسّاخ الذين وجدوا ثغرات وفراغات فملؤوها حسب أذواقهم وأفهامهم.

__________________

(١) الكامل في التأريخ ـ ابن الاثير ٣ : ٤٦٣.

(٢) تأريخ بغداد ـ الخطيب البغدادي ٢ : ١١.

(٣) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ٦.

٣٠٥

والبخاري احتج بجماعة سبق من غيره الجرح لهم ، كعكرمة الذي ذكرناه سابقاً ، واسماعيل بن أبي أويس ، وعاصم بن علي ، وعمر بن مرزوق ، وغيرهم (١).

وقد تصدّى ابن حجر في كتاب «التقريب» وفي مقدمة شرحه للبخاري ، والعلامة الدهلوي في كتابه «مشكاة المصابيح» ، الى حصر ما روى البخاري عن الخوارج والمُضعَّفين.

ويقول محمد بن الأزهر السجستاني : كان البخاري معنا يسمع ولا يكتب ، فقيل لبعضهم : ما له لا يكتب ، فقال : يرجع الى بخارى ويكتب من حفظه (٢).

ومن نوادر ما وقع في البخاري ، أنه يخرج الحديث تاماً بإسناد واحد بلفظين (٣) ، والسبب هو إنه كان يكتب من حفظه ولما كان ينسى ويغفل كغيره من الناس ، فمن الطبيعي أن يكتب الحديث النبوي بالمعنى دون النص في أكثر الأحوال ، فيأتي الحديث بألفاظ مختلفة. فضلاً عن ان الامام البخاري قد ترك كتابه مسودّة ، ودلّ ذلك على أنه كتب كل ترجمة على حدة ، فضمّ بعض النقلة بعضها الى بعض حسبما اتفق.

والبخاري ، أول لمن كتب الصحيح من الحديث ـ في نظره ـ قبل غيره ، فاختار كتابه مما تبيّن له أنه صحيح.

وقد انتقده الحفّاظ في مئة وعشرة أحاديث ، منها ٣٢ حديثاً ، وافقه مسلم على تخريجه ، و٧٨ حديثاً انفرد هو بتخريجه (٤).

ويقول السيوطي وأبو بكر بن العربي : الموطأ هو الأصل الأول واللُباب ، وكتاب

__________________

(١) التأريخ الصغير ـ البخاري ١ : ٢٠.

(٢) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ٤٧٩.

(٣) فتح الباري ـ ابن حجر ١٠ : ١٩٣.

(٤) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ٣٤٥.

٣٠٦

البخاري هو الأصل الثاني في الباب ، أي ان الأهمية الأولى تُولّى للموطأ قبل البخاري (١).

هذا وعقد ابن حجر فصلاً خاصاً في الجزء الثاني من مقدمة فتح الباري للطعن في رجال البخاري ، وسرد فيه اسماءهم ، مع حكاية ذلك الطعن والتنقيب عن سببه ، والقيام بجوابه ... وقد استغرقت هذه الاسماء نحو أربعمائة ، وبلغت ٦٥ صفحة من رقم ١١٣ ـ ١٧٦.

ويسرد ابن حجر العسقلاني اسماء من طعن فيهم من رجال البخاري (٢).

روايات مطعون في صدقيتها

يروي البخاري عن أنس بن مالك روايتين عن الصحابة الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. الرواية الأولى يذكر أنس أن الذين جمعوا القرآن ، هم أربعة من الأنصار : كعب ، معاذ بن جبل ، زيد بن ثابت ، أبو زيد.

وفي الرواية الثانية ، ذكر أنس أن هؤلاء الأربعة هم : أبو الدرداء ، معاذ بن جبل ، زيد بن ثابت ، أبو زيد. وأنس بذلك ذكر خبرين يختلفان اختلافاً واضحاً في مَنْ الذين جمعوا القرآن على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ ففي الجزء الأول ذكر كعب وفي الجزء الثاني أبا الدرداء. وقد اعترض الاسماعيلي على إخراج حديثي أنس معاً في الصحيح لتباينهما ، بل الصحيح أحدهما.

__________________

(١) تنوير الحوالك ـ السيوطي : ٦.

(٢) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر.

٣٠٧

وجَزَم البيهقي بأن ذكر أبي الدرداء وهْمٌ ، والصواب أبي بن كعب. وقال الداودي : لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظاً ، والصحيح هو الرواية الأولى (١).

ويقرّ هؤلاء جميعاً بأن الرواية الثانية غير صحيحة مطلقاً بالرغم من أن الامام البخاري نفسه نقلها في (صحيحه).

ومن مُفارقات البخاري في (صحيحه) انه ينقل حديثاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يلعن فيه السارق لسرقته البيضة أو الحبل فتقطع يده. في وقت يروي حديثاً عن السيدة عائشة تزعم فيه ان يد السارق لا تقطع إلا في ربع دينار (٢) ، أي بأكثر من البيضة كثيراً ، وهاتان الروايتان تتعارضان كما يبدو ، ولابد ان إحداهما موضوعة حتماً.

__________________

(١) عمدة القاري ـ العيني ٢٠ : ٢٨.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٦ ـ ١٧ ؛ صحيح البخاري ٨ : ١٥.

٣٠٨

صحيح مسلم .. وحكم التأريخ

النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في صحيح مسلم

يروي مسلم في صحيحه بأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد ، فليقل : لا ردّها الله عليك ، فإن المساجد لم تُبن لهذا (١) ، ولا شك ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بريء من مثل هذا القول الذي لا يتّفق وأخلاق النبوة ومكانة المسجد في الاسلام ، إذ ان المسجد لا يختص فقط بالصلاة والعبادة ، وإنما لكل الأمور التي تخصّ المسلمين ، فكيف اذا كان الأمر هو نشْد ضالة أو طلب قضاء حاجة أو مشكلة ، فليس هناك مكان أولى من المسجد ولا أنسب لحل مشاكل المسلمين ومعضلاتهم ، فلِمَ ينصح الرسول المسلمين بهذا الدعاء السلبي؟ انها ليست من صفات ولا خصال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو قدوة الأمّة.

ثم يروي مسلم القشيري بأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : اللهم ، إنما أنا بشر فأيّما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته ، فاجعله له زكاة ورحمة (٢).

فهل يصحّ من النبي المعصوم ، الذي لا ينطق عن الهوى ، والذي هو ذو خلق

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٢.

(٢) صحيح مسلم ٨ : ٢٤.

٣٠٩

عظيم ، أن تصدر منه هذه الكلمات التي لا تليق به أبداً ، وهو القدوة الحسنة للمسلمين جميعاً ..؟ لابد ان هذا الحديث من الموضوعات للحطّ من منزلة صاحب الدعوة الاسلامية المقدسة.

القرآن الكريم في صحيح مسلم

يروي مسلم كصاحب البخاري عن صحابة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن هناك سُوَراً وآيات عديدة كانت ضمن القرآن الكريم وحُذفت منه ، كقول أبي موسى الأشعري بأنه هو والصحابة كانوا يقرأون سورة يشبّهونها في الطول بسورة براءة حفظ منها : (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن ادم إلا التراب» وكان الاشعري وصحبه يقرأون سورة أخرى كانوا يشبهونها بإحدى المسبحات ، حفظ منها : «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة (١).

وتعليقنا على هذه الرواية :

١ ـ تثبت رواية الأشعري وجود عدة سُوَر كانت في القرآن الكريم ثم حُذفت منه.

٢ ـ الآيات التي أوردها الأشعري كنماذج من الآيات التي كان حفظها من تلك السور ، ركيكة جداً ولا تنسجم والاسلوب البلاغي البديع والرصين للقرآن الكريم.

ويروي مسلم عن عائشة بأن آيات قرآنية كانت تحدّد ثبوت شرعية أخوّة الرضاعة

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٠٠.

٣١٠

في عشر رضعات معلومات ولكن نُسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله وهنّ فيما يُقرأ من القرآن. وإطلالة على القرآن الكريم تثبت عدم صحة هذه الرواية فضلاً عن ان هذه الرواية تدلّ على تحريف القرآن في هذا الصدد (١).

ويروي مسلم بأن ابن عباس كان يشك في بعض كلمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، انها من القرآن ، وانه قال مرّة بعد نقله لحديث عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : فلا أدري أمن القرآن هو أم لا؟ (٢)

وهذا يثبت بأن إبن عباس لم يكن يطمئن الى سلامة القرآن من التحريف ومن الزيادة والنقصان وانه هو نفسه لا يعلم ان بعض أقوال الرسول هل هي آيات قرآنية أم أحاديث؟ فكيف والحال هذه أن نطمئن الى صحيح مسلم بأنه لم يسلم من الأخطاء وهو يقرّ بأن القرآن لم يخلُ من التحريف؟

مسلم والأنبياء

يروي مسلم في صحيحه إسطورة كراهية النبي موسى عليه‌السلام للموت التي نقلها البخاري ايضاً. ويذكر مسلم أيضاً بأن آدم أقرّ بالمعصية لأكله من الشجرة ، وان ابراهيم أقرّ بأنه كان كاذباً ، وان موسى أقرّ انه قتل نفساً (٣) ، مع ان هذه الأمور لم تكن معاصي أبداً لأن الانبياء معصومون ولم يكونوا يفعلون المعاصي والذنوب ، ولكن يبدو أن

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٠٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ١٢٧ ـ ١٢٨.

٣١١

مسلم القشيري لا يتورّع عن رواية الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة التي تنال من الانبياء عليهم السلام.

مسلم وصفات الله تعالى

يروي مسلم أحاديث وروايات تُضفي صبغة الجسم والهيئة على الله تعالى ، منها قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن جهنم لا تزال يُلقى فيها البشر وهي تقول هل من مزيد حتى يضع الله فيها قدمه ، فينزوي بعضها الى بعض وتقول قط قط (١) ، أو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن الناس يرون الله في يوم القيامة. أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن الله يتحاور مع آخر الداخلين الى الجنة ـ مراراً ـ ولا يزال هذا الشخص يدعو الله حتى يضحك الله منه كما ذكرنا هذه الرواية الموضوعة عندما تحدثنا عن صحيح البخاري (٢). كما يتحدّث مسلم عن رب يظلم فيدخل العاصي الجنة ، ويدخل المؤمن النار .. بالرغم من ان هذا الحديث يتعارض مع تأكيد القرآن الكريم بأن الله عادل ولا يظلم أحداً من عباده ، وهو ليس بظلام للعبيد ، وان الحديث السابق ينسب الظالم بأقسى أشكاله الى الخالق العظيم.

الطعن على مسلم

طعن على مسلم وصحيحه ، عدد كبير من العلماء والمحققين من أهل السُنّة والجماعة ، وتناولوه بالنقد والتجريح.

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ : ١٥٢.

(٢) صحيح مسلم ١١٤ : ١.

٣١٢

فالحافظ الرشيد ، له كتاب «الفوائد المجموعة في شأن ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة» ، ويقول : فقد روى مسلم عن ليث بن أبي سليم وغيره من الضعفاء.

وروى مسلم عن أبي الزبير عن جابر ، أحاديث كثيرة ، وقد قال الحفاظ عنه أنه يدلس في حديث جابر.

ويذكر مسلم بأن أبا سفيان قال للنبي بأن يعطيه ثلاثاً ، أن يزوّجه ابنته أم حبيبة ، وأن يجعل ابنه معاوية كاتباً له ، وأن يأمره أن يقاتل الكفّار ، وان النبي أعطاه ما سأل وفي هذا من الوهم لا يخفى ، فأم حبيبة تزوّجها رسول الله وهي بالحبشة ، وأما إمارة أبي سفيان ، فقد قال الحفّاظ إنهم لا يعرفونها أي ينكرونها ، وكذلك تأميره في بعض الغزوات ، وهذا لا يعرف وما حملهم على هذا كله إلا بعض التعصّب (١). إذ ان المعروف عكس هذه المزاعم ، فأبو سفيان كان لا يشارك في المعارك وانما يقف متفرجاً ، أملاً في انتصار الكفار حتى يلتحق بهم كما تؤكد الروايات ، فكيف يا تُرى يدعو الرسول لتأميره على جيوش المسلمين لمقاتلة الكفار؟

واحتج مسلم أيضاً بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم ، وهكذا فعل أبو داود السجستاني ونقل السيوطي عن ابن الصلاح انه قال : قد عيب على مسلم روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين.

وقد احتج علماء سُنّة على قول مسلم : ليس كل شيء صحيحاً عندي وضعته في كتابي ، وإنما وضعت هذا ما أجمعوا عليه. إذ يقول النووي إن هذا القول مُشكل ، فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلف في صحّتها لأنها من حديث من اختلفوا في صحة حديثه.

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ : ١٧١.

٣١٣

وكذلك قال ابن الصلاح ، وقال ابن تيمية في تفسير سورة الاخلاص : ان الحديث الذي رواه مسلم في خلق التربة يوم السبت ، حديث معلول قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره ، وقالوا إنه من قول كعب الأحبار ، ولهذا الحديث نظائر عند مسلم ، فقد روى أحاديث عرف أنها غلط ، مثل قول أبي سفيان لما أسلم أُريد أن أزوجك أم حبيبة ، ولا خلاف بين الناس ان النبي قد تزوّجها قبل إسلام أبي سفيان ، ومثل صلاة الكسوف ان النبي صلّاها باربع ركع ، والصواب أنه لم يصلّا إلا مرة واحدة بركوعين (١).

وقد بلغت الأحاديث التي انتقدت على مسلم ١٣٢ ، وعدد من انتقدوه من رجاله ١١٠.

ومسلم روى حديث الجساسة في كتابه من طرق يخالف بعضها بعضاً ، منها : ان النبي جمع الناس وقال لهم : جمعتكم لأن تميماً كان رجلاً نصرانياً ، فجاء فبايع وأسلم ... ثم حدّثه بحديث الجساسة الذي مؤداه : أن تيماً الداري ركب سفينة بحرية مع عدد من الرجال ، ثم دخلوا جزيرة ، فوجدوا إنساناً يديه الى عنقه ، وما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ... ولما عرف أنهم من العرب ، سألهم عن النبي ... ثم قال : أنا المسيح ، وان أوشك أن يؤذن لي في الخروج.

وإن التي أخبرتهم عن المسيح ، دابة تتكلم وقالت : أنا الجساسة حيث أشارت الى الدَيْر ، وان بين قرني الجساسة فرسخاً للراكب (٢).

ومن المعلوم ، إضافة الى إختلاف الروايات التي يذكرها مسلم في كتابه بخصوص

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ٣٤ ؛ مجموعة الفتاوى ـ ابن تيمية ١٧ : ٢٣٦.

(٢) صحيح مسلم ٨ : ٢٠٤.

٣١٤

حديث الجساسة ، ان عيسى المسيح ، رفعه الله إلى السماء كما يشير القرآن الكريم ، فكيف عاد الى الأرض واستقر في الدَيْر ، ولم يكن قد آن آوان آخر الزمان ، كما ان هذه الدابة التي بين قرنيها فرسخ من المسافة ، تبدو من اساطير وخرافات كعب الأحبار اليهودي الذي اسلم نفاقاً لدس الأحاديث بين المسلمين.

إن هذه المآخذ والطعون المُتخذة ضد صحيح مسلم ، تتعارض وقول مسلم بأنه أخرج كتابه وقال عنه هو (صحيح) ، وانه أخرجه من الحديث الصحيح ليكون مجموعاً عنده وعند من يكتبه عنه ، ولا يرتاب في صحتها .. وقد اتضح عند الكثيرين أن هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة في كتابه الذي يدّعي بأنه صحيح والذي اختاره من ٦٠٠ ألف حديث.

٣١٥

بين صحيحي البخاري ومسلم

سنتناول الآن صحيحي البخاري ومسلم معاً والاختلافات بينهما ، وموقف العلماء منهما معاً ، خاصة وهما الشيخان اللذان عليهما مدار الحديث على مر الأزمان والحُقَب وكل حديث يُخرّج على شرطيهما ، يُعدّ حديثاً ذا شأن ومقبولية عند المحقّقين والمؤرخين والفقهاء.

وأول ما نُفاجأ في هذا الشأن ، ان الذين انفرد مسلم بالاخراج لهم دون البخاري ، ستمائة وعشرون ، المُتكلّم فيهم بالضعف منهم مائة وستون رجلاً ، اختص البخاري بأقل من (٨٠) وباقي ذلك يختص بمسلم (١). كما ان مسلماً أخرج أحاديث أقوام ، ترك البخاري حديثهم لشبهة وقعت في نفسه ... ذلك بأن ائمة النقل ، في تعاطي اصطلاحاتهم يختلفون في أكثرها ، فرُبّ راوِ هو موثوق به عند عبد الرحمن بن مهدي ، ومجروح عند يحيى القطّان وبالعكس ، وهما إمامان عليهما مدار النقد في النقل ، ومن عندهما يتلقى معظم شأن الحديث (٢).

وهذا دليل آخر يثبت أن مصادر البخاري ومسلم نفسهما لم يتّفقا على الجرح

__________________

(١) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ١٠.

(٢) اضواء على السنة النبوية ـ ابو رية : ٣١٠.

٣١٦

والتعديل وانما يختلفان أو يتعارضان كثيراً.

ومع كل ذلك فإن ابن الصلاح يحتج بدون أي دليل أو مصداقية ويحاول جاهداً التأكيد بأن الأمّة قد تلقّت البخاري ومسلم بالقبول ، فيردّ عليه الجزائري قائلاً : فإذا أراد بالأمّة كل الأمّة ، فلا يخفى فساده لأن الكتابين إنما حُسناً في المئة الثالثة بعد عصر البخاري وأئمة المذاهب المتّبعة ، وإن أراد بعضها ، وهم من وُجد بعد الكتابين ، فهم بعض الأئمة فلا يستقيم دليله ، وإن أراد بالأمّة علماء ، فإن العلماء في هذا الأمر ، ثلاثة أقسام : على ان العلماء الذين جاءوا بعد ظهور هذه الكتابين ، في القرن الثالث الهجري ، أما من قبلهم من أهل القرون الاولى الذين جاء فيهم حديث ، رفعوه الى النبي بأنهم خير القرون ، فهم جميعاً لم يروا هذين الكتابين حتى كان يُعلم رأيهم فيهما ولا كيف لقوهما (١).

ويقول الامام أبو زرعة عن سُنن ابن ماجة : أظنّ إنْ وقع هذا في أيدي الناس ، تعطّلت هذه الجوامع أو أكثرها. وبالطبع تتضمن هذه الجوامع : البخاري ومسلم ، وهو في ذلك يفضّل سُنن إبن ماجة على الصحيحين (٢).

وعند الترجيح بين البخاري ومسلم ، يقول ابن حجر : إن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم ، أربعمائة وبضعة وثمانون رجلاً ، المُتكلّم فيهم بالضعف منهم ثمانون رجلاً (٣) ، وينقل الذهبي عن أبي عمر وحمدان بأنه سأل ابن عقدة : أيهما أحفظ ، البخاري أم مسلم؟ فقال : يقع للبخاري الغلط في أهل الشام ، وذلك لأنه أخذ كتبهم ونظر فيها ، فربما ذكر الرجل بكنيته ، ويذكره في موضع آخر بإسمه يظنّهما إثنين ،

__________________

(١) المصدر السابق : ٣٦٣.

(٢) تذكرة الحفاظ ـ الذهبي ٢ : ٦٣٦.

(٣) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ٩.

٣١٧

وأما مسلم فقلّما يوجد له غلط في العلل ، لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع والمراسيل. ومن الواضح هنا أن ابن عقدة يُفضّل مسلماً على البخاري في هذا النطاق (١).

إن الأحاديث التي انتقدت البخاري ومسلماً معاً بلغت ٢١٠ أحاديث ، اختص البخاري من فيها بأقل من ٨٠ ، وباقي ذلك تختص بمسلم. ويقول ابن حجر ، عن الاحاديث التي انتقدها الدارقطي : ان هذه المواضع مُتنازع في صحّتها ، فلم يحصل لها من التلقّي ما حصل لمعظم الكتاب (٢).

وبهذه المناسبة ، نعود للحديث عن موقف البخاري ومسلم من عكرمة ، فبالرغم من أن ابن سعد كان يؤكّد بأنه لا يحتج بحديث عكرمة ، بينما يثق الطبري به كل الثقة ويملأ تفسيره وتأريخه بأقواله والرواية عنه ، وان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وغيرهم من كبار المحدّثين وثقوه ، فإن مسلماً ترجّح عنده كذب عكرمة ، فلم يرو له إلا حديثاً واحداً في الحج ، ولم يعتمد فيه عليه وحده وانما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه (٣).

أما البخاري فقد ترجّح عنده صدق عكرمة ، فهو يروي له في صحيحه كثيراً ، فاذا كان عكرمة كذّاباً لدى مسلم ولا يثق به أبداً ، وكذلك لدى العديد من أهل العلم ، فكيف يثق به البخاري ثقة مطلقة ويملأ له حيزاً كبيراً من صحيحه؟

ومن الذين روى لهم البخاري ومسلم في صحيحهما ، إبراهيم بن سعد وهو موسيقار من العلماء بالحديث ، كان يبيح السماع ويضرب العود ويغنّي عليه ، كما وُلي

__________________

(١) سير اعلام النبلاء ـ الذهبي ١٢ : ٥٦٥.

(٢) مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ٣٤٤.

(٣) اضواء على السنة المحمدية ـ ابو رية : ٣٠٤.

٣١٨

القضاء ببغداد (١).

ويعلّق زين الدين العراقي في شرح ألفيته في علوم الحديث على قول محمد بن طاهر في كتاب (شروط الأئمة) بأن شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المُجتمع على ثقة نقلته الى الصحابي المشهور : ليس ما قاله ابن طاهر بجيد لأن النسائي ضعّف جماعة أخرج لهم الشيخان أو أحدهما (٢) ، ويقول المقبلي في العلم الشامخ : في رجال الصحيحين كثير من الائمة مَنْ صرح بجرحهم ، وتكلّم فيهم من تكلّم بالكلام الشديد. ويقول ابن الصلاح : احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة وكإسماعيل بن أبي أويس ، وعاصم بن علي ، وعمرو بن مرزوق وغيرهم ، واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم وهكذا فعل أبو داود (٣).

بل وقد وقع في الصحيحين ، أحاديث كثيرة من رواية المدلّسين ، مع ان التدليس من أسباب الجرح (٤).

ويقول بن الهمام : وقد أخرج مسلم عن كثير ممن لم يسلم من غوائل الجرح ، وكذا في البخاري جماعة تكلّم فيهم (٥).

ويقول كمال الدين بن الهمام في شرح الهداية : وقول من قال : أصحّ الأحاديث ما في الصحيحين ثم ما انفرد به البخاري ، ثم ما انفرد به مسلم ، ثم ما اشتمل على

__________________

(١) نهاية الارب ـ النويري ٤ : ٢٢٨.

(٢) اضواء على السنة المحمدية ـ ابو رية : ٣١٠.

(٣) المصدر السابق : ٣١٠ ـ ٣١١.

(٤) المصدر السابق : ٣١١.

(٤) شرح معاني الآثار ـ الطحاوي ٤ : ٤٠٦.

٣١٩

شرطهما ، ثم ما اشتمل على شرط أحدهما ، تحكّم لا يجوز التقليد فيه ، إذ الأصحية ليست إلا لاشتمال رواتهما على الشروط التي اعتبراها ، فإن فرض وجود تلك الشروط في رواة حديث في غير الكتابين ، أفلا يكون الحكم بأصحية ما في الكتابين عين التحكّم (١).

وقد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلّا بشرطيهما فيها ، ونزلت عن درجة ما إلتزماه ، وقد ألّف الإمام الحافظ الدارقطني في بيان ذلك ، كتابه المسمّى (بالاستدراكات والتتبع) استدراكاً عليهما ، وكذا لأبي علي الغساني في كتابه (تقييد المهمل) ، وما يقوله الناس ان من روى له الشيخان فقد جاوز القنطرة! هذا من التجوّز ولا يقوى (٢).

ويقول ابن أمير الحاج في شرح التحرير : ان أصحية البخاري ومسلم على ما سواهما تنزّلاً ، إنما تكون بالنظر الى ما بعدهما ، لا المجتهدين المتقدّمين عليهما (٣).

واذا قالوا : صحيح متّفق عليه ، أو على صحته ، فمُرادهم : اتفاق الشيخين ، إذ ذكر ابن الصلاح : أن ما روياه أو أحدهما ، فهو مقطوع بصحته ، والعلم القطعي حاصل فيه. لكن هذا الزعم قد خالفه فيه المحقّقون والأكثرون ، فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر (٤).

ولا يلزم من إجماع الأمّة على العمل بما في الصحيحين ، إجماعهم على انه

__________________

(١) اضواء على السنة المحمدية ـ ابو رية : ٣١٢ نقلاً عن كتابي توجيه النظر وشرح شروط الائمة الخمسة.

(٢) فتح الباري ـ ابن حجر ١٣ : ٣٨٢.

(٣) اضواء على السنة النبوية ـ ابو رية : ٣١٤.

(٤) النكت على كتاب ابن الصلاح ـ ابن حجر : ١١١ ؛ شرح صحيح مسلم ـ النووي ١ : ٢٠.

٣٢٠