بحث حول الخلافة والخلفاء

منيب الهاشمي

بحث حول الخلافة والخلفاء

المؤلف:

منيب الهاشمي


المحقق: زينب الوائلي
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٢

نقد نظرية عدالة الصحابة

صحابة أم غير صحابة؟

لمّا كان السُنّة يقدّسون الصحابة ويثبتون عدالتهم ـ جميعاً ـ وعدم كذبهم على الرسول ، وان على المسلمين أن يأخذوا السُنّة النبوية عنهم لأنهم النَقَلة الامناء لها ، بل وتُعتبر آراؤهم الفقهية حجّة على الأمّة ، وان أقوالهم وسُنّتهم واجتهاداتهم مفروضة على ابناء المسلمين ، في حال عدم وجود النص النبوي. لكن لم يعيّن الجمهور السُنّي ، عدد الصحابة حتى تنطبق عليهم ، القاعدة المذكورة ، خاصة وان الصحابة ، كانوا حَمَلة الدين بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وورثته ، فكيف لا نعرف صفاتهم وعددهم؟ وحتى كتّاب حياة وسيرة الصحابة ، لا يحدّدون عددهم؟ ويشكّكون في البعض ، هل هم من الصحابة أم لا؟ لكي يأخذ عنهم المسلمون ، سُنّة النبي أو آراءهم الفقهية ... ثم هل يحث أن نتجاهل الكثيرين لأننا لا نعرف لهم صحبة للرسول ، في وقت ربما كانوا صحابة؟ وهل يحق لنا أن نعدّ ـ حسب النظرية السُنّية ـ بعضاً من المسلمين الذين لم يصحبوا الرسول سوى لحظات أو دقائق أو رأوا الرسول من بعيد أو رآهم الرسول ، لندّعي بأنه يجب أن تنطبق عليهم شروط الصحبة التي أبرزها ، العدالة والفقاهة والمكانة المُشرّفة.

وهكذا ... فكيف يا تُرى نثبت «قداسة» و«مكانة» لشريحة لا نعرف عددها ولا الضوابط التي تحدّد إطارها الذي يستوعب هذه الشريحة ، وخاصة وان أهل السُنّة والجماعة يضفون عليها صفات مقدّسة ويحيطونها بهالة نورانية بحيث يربطون رضاها برضى الله ورسوله ، وغضبها بغضبهما ، وإن الذي يلعنها ويسبّها فكأنما يلعن ويسب الله تعالى ورسوله الكريم.

١٢١

فهل من المعقول لفئة هذه مكانتها وميزاتها ، نشكّك في انتماء بعضها لمرتبة الصحبة العظيمة ، لضبابية الشروط الموضوعة لتحديد إطارها ، وهل تستوعب بعض الرجال دون الآخرين؟ لأن بعض علماء السُنّة ، يشترطون سنة واحدة على الأقل من ملازمة النبي حتى تثبت الصحبة ، في حين يتفاوت الآخرون بين مدد طويلة أو قصيرة جداً لكي تثبت صحبتهم ، بينما يتساهل آخرون في هذه الشروط الى حد يثبتون الصحبة لرجال لم يلتقوا بالنبي بتاتاً ، وانما هم رأوه فحسب ، ولم يتكلموا معه ، أو عاصروه فقط!!.

فأي حصانة تنشأن لدى إنسان مسلم يرى الرسول من بعيد ، لتتولد لديه قداسة ومكانة عظيمة من السمو الى درجة تحصّنه من الكذب على الرسول ، ويضحى سبّه بمستوى سبّ الله ورسوله ، والغضب عليه بمثابة الغضب على الله ورسوله ، وبالتالي يندرج السّابون في خالة الفَسَقة والكفار والمنافقين المغضوب عليهم من قبل الله ورسوله الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

لاذ من حقنا التشكيك في كل ما وضعه أهل السُنّة والجماعة من صيغ وضوابط وشروط ، حدّدوا فيها ملامح الصحبة ودرجتها ومكانتها وقدسيتها. وقرّرت ان أُتابع الموضوع بصورة مفصّلة لمعرفة الحقيقة.

بين النبي والصحابة

تُرى ما حقيقة العلاقة بين النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته الكرام؟ وهل كانت علاقة متينة ومُحكمة كما يدّعي أقطاب الجمهور السُنّي؟ وهل حقاً ان الصحابة كانوا ملتفين حول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانوا رهن إشارته ، ومطيعين لأوامره لحظة بلحظة؟ وهل كانت سيرتهم معه سيرة حسنة؟ وهل كان النبي يعامل الصحابة بكل ايجابية ، ويثق بهم ثقة

١٢٢

مطلقة كما يؤكد أهل السُنّة؟ .. وهل وهل ... وهل؟ كل هذه التساؤلات وضعتها في ذهني وأنا أبحث في ثنايا الاحاديث والروايات التي تتناول العلاقات الثنائية والمتبادلة بين الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وصحابته ، وتوصّلت الى الحقائق التالية :

١. ذكّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بأنه لا يخشى عليهم أن يشركوا بعده ، ولكنه يخشى عليهم الدنيا أن يتنافسوا فيها ويقتتلوا فيهلكوا كما هلك من كان قبلهم. ولو كانت في الصحابة ، حصانة ومناعة ضد الانحراف ، لما خشي عليهم من الدنيا (١).

٢. كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل أفعالاً يتنزّه عنها بعض أصحابه ، فكان يعيّرهم بذلك ، ويؤكد لهم بأنه أعلمهم بالله وأشدّ له خشية (٢).

٣. أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بعد أن خرج الى بدر في شهر رمضان المبارك أن يفطروا مثلما أفطر هو صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يفعلوا ، فوبّخهم وقال لهم : (يا معشر العصاة إني مُفطر فأفطروا. وكان من المفروض فيهم أن يمتثلوا لأمره حالاً ، لا أن يعصوه ، خاصة وان القضية تتعلق بحكم شرعي واضح. (٣) ولم يخجل أحد الصحابة أن يوجّه كلاماً لاذعاً غير مؤدب الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : يا رسول الله اتق الله ، فأجابه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله. وواضح ان هذا الصحابي يشكك في عصمة الرسول وعدالته باعتقاده ان

__________________

(١) كنز العمال ـ المتقي الهندي ١٤ : ٤١٦.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٤٥ ؛ صحيح مسلم ٧ : ٩٠ ؛ عمدة القاري ـ العيني ٢٥ : ٣٩.

(٣) المغازي ـ الواقدي ١ : ٤٧ ؛ السيرة الحلبية ـ الحلبي ٢ : ٣٨٣.

١٢٣

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لديه تقوى الله. (١) وبعض الصحابة لم تكن هجرته الى الله ورسوله ، وانما لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها (٢).

٤. حذّر رسول الله اصحابه في حجة الوداع بأن لا يرجعوا بعد موته كفّاراً يضرب بعضهم رقاب البعض الآخر. (٣) كان الرسول في يوم حُنين قد آثر أناساً في العطاء ، تأليفاً لقلوبهم وقلوب عشائرهم وترغيباً لهم في الاسلام ، فإتّهم أحد الصحابة النبي بأنه لم يعدل في القسمة (يعني انه قد ظلم الآخرين) فأجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه إذا لم يعدل الله ورسوله فمن يعدل؟ رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا وكان من المفروض على هذا الصحابي أن لا يحتج على الرسول أبداً وهو المعصوم!! لكن هذا الموقف عن الصحابي يعبّر عن سوء أدب وعدم احترام وتشكيك بسلوك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

٥. وحين نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الآية الكريمة : (٢٨٤) البقرة ، اشتد ذلك على الصحابة ، فأتوا رسول الله ، وقالوا : أي رسول الله ، كُلُفنا من الاعمال ما نطيق : الصلاة والصيام ، والجهاد والصدقة ، وقد أُنزلت عليك هذه ال آية ، ولا نطيقها. قال رسول الله : أتريدون

__________________

(١) مسند احمد ٣ : ٤ ؛ المحلى ـ ابن حزم ١١ : ٣٧٧.

(٢) صحيح البخاري ٢٠ : ١ ؛ صحيح مسلم ٦ : ٤٨ ؛ سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ ؛ سنن النسائي ٦ : ١٥٩.

(٣) تأريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ٤٢ : ٤٣٤ ؛ ميزان الاعتدال ـ الذهبي ١ : ٤٤٢ ، كنز العمال ـ المتقي الهندي ٥ : ٧٢٤.

(٤) صحيح البخاري ٤ : ٦١ ؛ صحيح مسلم ٣ : ١٠٩ ؛ فتح الباري ـ ابن حجر ١٠ : ٤٢٦ ؛ صحيح ابن حبان ١١ : ١٦٠.

١٢٤

أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا (١).

وهنا يبدو الصحابة في موقف غريب منهم ، فهم بدلاً من استقبال الأمر برحابة صدر وإعلان استعدادهم لتقبل الأوامر الالهية ، يحتجون على انهم لا يطيقونها ، بحيث عاتبهم الرسول ووبخهم وحذّرهم من عصيان الله.

ان هذه النماذج التي أوردتها ليست إلا أمثلة قليلة على العلاقة المتبادلة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته ، وهي توضّح ـ بجلاء ـ الموقف السلبي للطرفين ، كل من الآخر ، بحيث لا يمكننا بأي حال ، أن نصف الصحابة كفئة ذات خصائص عالية جداً تتفوّق على غيرها من فئات المسلمين ، وتتميز بالطاعة العمياء للرسول ، وانها رهن إشارته لأنها الصفوة المختارة من الناس لتبليغ الدين عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

بعد كل هذه ا لحقائق الناصعة ، كيف يحق لنا أن نساوي بين الصحابة الأجلاء الذين كانوا مطيعين لأوامر القرآن والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومُبجّلين لشخصيته المباركة ، بحيث لم يُعرف عنهم غير المسارعة في تنفيذ ما يملي عليهم رسول الله من أوامرٍ ونواهٍ ، والمشاركة الفاعلة في غزوات وحروب الاسلام ضد الكفر ، وعدم الفرار من الزحف والمقاومة حتى الاستشهاد في سبيل الله ، ولم يُعرف عنهم ارتكاب أي خطايا أو موبقات ، وبين صحابة ضعاف الايمان ، أو من المنافقين والمؤلفة قلوبهم ، الذين أسلموا بلسانهم دون قلوبهم ، والذين طالما طعنوا بالرسول ، وخالفوا أوامره ، وفرّوا من القتال ، وشكّكوا بمواقفه وسلوكه ، واقترفوا شتى الذنوب والكبائر ، وتناولوا الخمر وغيره ... كيف يصبح جميع الصحابة عدولاً يا ترى؟ ولديهم حصانة ضد الكذب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع انه حذّرهم من الكذب عليه ، والذي يعصي الرسول ويشكّك فيه ،

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٨٠ ؛ الدر المنثور ـ السيوطي ١ : ٣٧٤ ؛ مسند احمد ٢ : ٤١٢.

١٢٥

ويخالف أوامره ، ويسخر منه أحياناً ، ولا يحترمه في أكثر الاحيان وقد يتآمر عليه الى حد القتل ، أو يرتكب حتى كبائر الذنوب والمحرّمات ، فما أسهل عليه الكذب على الهادي النذري ، فضلاً عن صحابة مثل «الوليد بن عقبة» نزلت فيه آيات قرآنية تثبت فسقه وكذبه على الرسول!!

وعليه ان القاعدة السُنّة في هذا المجال ، قاعدة مهزوزة لا تتكأ على أسس صحيحة ، ولا تقوى على النهوض أمام الأدلة الدامغة على أن الصُحبة مجرّد احتكاك وملازمة لا تمنح صاحبها ، حصانة أو عصمة أو مناعة ضد الانحراف أو الكذب على صاحب الرسالة أبداً ، وان الصحابي ربما يُحسن الصحبة مع الرسول أو يسيء معه ، إنما الأمر يتعلق بدرجة إيمانه وتقواه والتزامه ، فهناك صحابة عظماء أتقياء صالحون مؤمنون حقاً ، وفي المقابل هناك صحابة ، ضعيفو الايمان ، سيئو النفوس ، يتذبذبون بين الايمان والشك ، لا يتورّعون عن عصيان الرسول وكراهية أفعاله ، والاساءة إليه والى القرآن والتعاليم الاسلامية ، بل والاستهزاء به صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف والحال هذه ، نضفي عليهم من القَدَاسة والعدالة ما لم يستحقوها من قريب أو بعيد ، ولا تليق بتصرفاتهم وأعمالهم أبداً؟

ثم أليس من الظلم والاجحاف وعدم العقلانية أن نعدّ من يطعن بالمنحرفين من الصحابة أو ينالهم بسوء أو ينتقدهم ويبغضهم فكأنما يسبّ الله او يطعن بالله تعالى ورسوله ويبغضهما!! انه لمنتهى السفاهة والسذاجة والاستهزاء بقَداسة الله ورسوله.

الصحابة والحديث النبوي

الصحابة ـ في نظر أهل السُنّة ـ كلهم عدول ، وهم الذين نقلوا السُنّة النبوية الى

١٢٦

التابعين ثم الى الأجيال التالية ، وذلك لأنهم أمناء وثقات مُؤتمنون لا يكذّبون على النبي أبداً ، وكيف يخونون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم الذين ربّاهم تربية صالحة ، ووجّههم التوجيه السليم بحيث أصبحوا رجالاً أمناء على أقواله وأحاديثه لينقلوها ـ بكل أمانة ـ الى الأمّة؟

وللثقة بالصحابة عند الجمهور ، فإنه قد أتى على الناس زمان لم يسأل أحد عن إسناد الحديث أبداً ، لأن المعتاد انه اذا وضح للصحابي بأن الحديث كان صحيحاً مروياً عن النبي ، طوى الاسناد ولم يذكره ، أما لو لم يتضح له ، نسبه الى غيره ، ليحمّله ما حمّله وذلك لثقة الصحابي بنفسه وانه لا يكذّب على الرسول مطلقاً (١).

لماذا؟ لأنهم أمناء على الحديث ، وبالتالي لا يُتّهمون أبداً. فلم يكن الصحابة محتاجين الى الاسناد ، وذلك لأجل شيوع الصدق والأمانة بينهم ، إذ لم يكذّب بعضهم بعضاً (٢).

ولم يكن يدري الصحابة ما الكذب ، ولذا انتفى الاسناد (٣). ولم يكونوا يسألون عن الاسناد ، إذ لم يكونوا ما يروونه يسمعونه من فم الرسول ، لانهم مشغولون باعمالهم وإنما يسمعونه من بعضهم البعض ، فينسبوه الى النبي مباشرة دون إسناد (٤).

__________________

(١) المذاهب الفقهية ـ ص ٤٣.

(٢) لمحات من تأريخ السنّة وعلوم الحديث ـ ص ١٥١ ـ ١٥٢. ط : مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب ـ الطبعة الرابعة مع الزيادات ١٤١٧.

(٣) مجل الفاروق ـ العدد ٧٩ ـ السنة ٢٠ ـ مكانة الاسناد في الاسلام ـ سجاد بن الحجابي.

(٤) مقدمة مسلم بمشرح النووي ١ / ٤٤ ـ مقدمة مسلم بشرح فتح الملهم للعلامة العثماني من طبعة مكتبة دار العلوم ـ كراتشي ١٤٢١ هـ ، بتخريج العلامة نور البشر.

١٢٧

وكالعادة ، حين نبحث في ثنايا الروايات التأريخية وفي سيرة الصحابة ، نتوصل الى الحقائق التالية :

١. كان الخليفة الاول والثاني ، يشكّكان بالصحابة ولا يثقان بهم ، ولذا كانا يستوجبان البينة من الصحابة الناقلين للحديث النبوي ، للعمل به (١).

٢. يذكر الزركشي في كتابه الذي يحمل عنوان : (الاجابة لا يراد ما استدركه عائشة على الصحابة) ، بأن السيدة عائشة كانت كثيراً ما تستدرك على الصحابة أخطاءهم في نقل الحديث الذي يدّعون انهم سمعوه من الرسول ، فتارة تكذّبهم ، وتارة تتهمهم بالسهو ، أو لكونهم صغاراً في حياة النبي فما يعلمون من حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت تحمّل الصادقين من الصحابة على خطأ السمع أو سوء الفهم.

٣. كان بعض الخلفاء ، يفرض على بعض الصحابة بإتيان شاهد معه في الخبر المروي عن النبي ، وذلك لعدم ثقته به.

٤. لم يتفق كل الجمهور على عدالة جميع الصحابة ، إذ ان منهم يعتبر حكم عدالة الصحابة وحكم من بعدهم سواء في لزوم البحث عن عدالتهم في الرواية ، ومنهم من قال : انهم لم يزالوا عدولاً الى حين وقوع الاختلاف والفتن بينهم (٢).

٥. لو كان الصحابة جميعهم عدولاً في نقل الحديث النبوي ولديهم حصانة من الكذب عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن العبث أن يحذّرهم النبي من الكذب عليه ويوعدهم

__________________

(١) المذاهب الفقهية ـ ١٨.

(٢) الاحكام ـ الآمدي ٢ : ٩٠.

١٢٨

بدخول النار (١).

٦. اذا كان الصحابة هم الذين أخذوا على عاتقهم نقل الحديث النبوي ، لقربهم من الرسول وصدقهم وأمانتهم ، وهم قد ورثوا وظائف النبوة كما يقول أهل السُنّة والجماعة؟ فلِمَ إذاً ثد ثبت بأن كثيراً منهم لم يرو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً ، بحيث ان أحدهم صحَب كبار الصحابة من أمثال طلحة وسعد بن أبي وقاص والمقداد بن الأسود وعبد الرحمن بن عوف ، فما سمع أحداً منهم يحدّث عن رسول الله ، لأنهم يخشون المزيد والنقصان ، بل وكان كثير من أجلّة الصحابة وأهل الخاصة برسول الله كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب ، يقلّون الرواية عنه ، بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئاً كسعيد بن زيد بن عمر بن نفيل الموعود بالجنة كما يقال.

بل وان الصحابة كانوا من خشيتهم الرواية عن رسول الله وتعظيمهم إياه ، يقلّلون ـ خوف الزيادة والنقصان ـ ويحدّثون بالشيء الذي سمعوه من النبي مراراً ، ولا يصرّحون بالسماع ولا يقولون : قال رسول الله (٢).

فيا ترى لو كان الرسول حقاً قد اطمأن للصحابة على حديث الشريف ، فلِمَ كان كبار الصحابة يتهرّبون من رواية الحديث عنه ، وهم الذين كانوا يلازمون الرسول دائماً ولا يفارقونه إلا قليلاً؟ أليس من واجبهم المسارعة في رواية الحديث النبوي دون تردد أو تهيّب حتى يحقّقوا الأمنية النبوية ، ويكونوا قدوة للصحابة الآخرين الأقل ملازمة

__________________

(١) فتح الباري ـ ابن حجر العسقلاني ٦ : ١١٢ ؛ سنن الدارمي ١ : ٧٦ ؛ صحيح البخاري ٢ : ٨١ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ١٣ ؛ سنن الترمذي ٤ : ١٤٢.

(٢) اضواء على السُنّة المحمدية ـ محمود ابو رية : ٥٧.

١٢٩

للرسول؟ واذا كان هؤلاء الكبار من الصحابة وأجلاؤهم ، يخشون عدم ضبط الحديث وإتفانه ، فكيف تليق بهم وراثة النبوة كما يدّعي الجمهور؟

الصحابة وخيرية الأمّة

أبرز دليل يتمسك به أهل السُنّة والجماعة في احتجاجهم على عدالة الصحابة وحصانتهم ضد الكذب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الآية القرآنية : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ... (١).

فهذه (الخيرية) عندهم هي التي يستدلون بها ـ تأريخياً ـ على أن الصحابة هم الأمناء على السُنّة النبوية في نقلها الى التابعين ومن يأتي بعدهم من المسلمين.

فالله تعالى كلّف الأمّة بالدعوة نيابة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن انتشار الاسلام يتم بقيام المسلمين المنتشرين في كل مكان بالدعوة ، فهم بمثابة الرُسُل الذين كان يبعثهم الله تعالى في كل تجمع بشري ، فكل مسلم يحمل أمر الدعوة ، فالنبوة في درجة بين جنبيه بكتابها المحفوظ وسُنّتها المحفوظة (٢).

فخيرية الأمّة أكبر سند للصحابة في تبوء مقعدهم المقدس في حمل الأمانة ونقل السُنّة النبوية الى الآخرين ، فضلاً عن الأدلة القرآنية والتأريخية.

ولنا هنا وقفة حول موضوع «الأمّة» وخيريتها والمدلول الذي تعنيه طبق المفهوم السُنّي ، وهل يحق لنا الاستدلال على أمانة الصحابة ، والواجب المُلقى على عاتقهم في

__________________

(١) آل عمران ١١٠.

(٢) صحيفة المحجة المغربية ـ العدد ١٨٣ ـ حكمة الختم للنبوة والرسالة ـ المفضل الفلواتي.

١٣٠

حمل الرسالة أم لا؟

وحين اشترط الله تعالى على الأمّة وجوب أدائها للأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر حتى تتصف بالخيرية ، نلفى أبناء هذه الأمّة منذ مطلع الرسالة المباركة ، لم يقوموا بهذه الفريضة المقدسة حق قيام ، ناهيكم عن العهود اللاحقة ، فكيف تتصف الأمة إذن بالخيرية؟ ألم يكن الكثير من الصحابة يعصون أوامر الرسول ولا ينفّذونها سواء في الحرب أو السلم؟ وتنزل الآيات القرآنية تترى في التحذير من التمادي في عصيان الله ورسوله ، أو المسارعة في فعل المنكرات وترك المعروف وحتى إضافة الفرائض والواجبات ، فلم يكن أبناء الأمّة ، مواضبين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وانما الذين كانوا يمارسون هذه الفريضة قلّة ، ولذلك كان القرآن الكريم يشدد على أهمية هذه الفريضة شبه المعطلة ، وان الامم السابقة ، كانوا لا ينتهون عن منكر فعلوه.

وليس القرآن الكريم وحده أشار الى مسألة تعطيل هذه الفريضة : «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بل وحتى السُنّة الشريفة لطالما نوّهت الى نتائج التخاذل والتهرب ، عن تطبيق هذه الفريضة ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

إذ يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لتأمرن بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو يُسلّط عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم».

ولذا فإن خيرية الامّة تنتفي في حال ثبوت عدم تنفيذ أبناء الأمّة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أما بعد رحيل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الامور جرت بحيث أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ، خاصة بعد تصدّي حكام منحرفين وظلمة لسدّة الحكم الاسلامي.

ولو كانت الأمّة قد مضت على الصراط المستقيم ، مطيعة لله ورسوله في حياته

١٣١

وبعد مماته ، ومطبّقة لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما آلت الى ما آلت اليه من تراجع وانحطاط وتدهور على جميع المستويات!!.

فهي قد فقدت مقومات الثبات والاستمرار ، حالما تخلّت عن مهامها الجسيمة التي ألقاها الاسلام عليها ، وبدأت بالتقهقر في مرحلة مبكرة من البعثة النبوية كما هو معروف.

فكأنه «سلام الله عليه» قال : إنما يتحقق لكم وصف الوسط لو حافظتم على العمل بهدي خاتم النبيين ، واستقمتم على سُنّته ، وأما لو انحرفتم عن هذه الجادّة ، فالرسول بنفسه ودينه وسيرته ، حجّة عليكم بأنكم لستم من أمّته التي وصفها الله عزّ وجل بقوله : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ... (١).

وهذا ما ينبغي أن تدركه «الأمّة الوسط» خير الأمم ، لتعرف حقيقتها وقيمتها ، وتعرف انها «أُخرجت» لتكون طليعة ، ولتكون لها القيادة ، بما أنها خير أمّة ، ومن ثم لا ينبغي لخير أمّة أن تتلقى من غيرها من أمم الأرض قاطبة.

واجب «الأمّة الوسط» ، خير الامم ، أن تكون في الطليعة دائماً ، وفي مركز القيادة دائماً ، ولهذا المركز تبعاته ، فهو لا يُؤخذ ادّعاء ، ولا يُسلّم لها به ، إلا أن تكون هي أهلاً له.

وبهذا يتبيّن أن منهج «الأمة الوسط الخيّر» يُطالبها بالشيء الكثير ، ويدفعها الى السبق في كل مجال ، لو أنها تتبعه وتلتزم به ، وتدرك مقتضياته وتكاليفه (٢).

__________________

(١) آل عمران ١١٠.

(٢) مجلة العالمية الكويتية ـ العدد ٢٢٤ ـ ذوالقعدة ١٤٢٩ هـ ـ نوفمبر ٢٠٠٨ ـ «الاسلام دين التوازن والتوسط والاعتدال في كل معالمه» ـ الدكتور سعد المرصفي ـ استاذ الحديث وعلومه.

١٣٢

نستشف مما مضى ، ان خيرية الأمّة لم تتحقق ، لانتفاء الشروط التي وضعها الله تعالى ، لتكون خير الأمم ، وبالتالي ، انحرفت كالأمم السابقة وكما أشار الى ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث تكالبت الامم على هذه الأمّة وتداعت عليها كالأكلة على قصعتها على حد تعبيره صلى‌الله‌عليه‌وآله. ومن المعلوم ، ان من أسباب تسمية الله سبحانه وتعالى للأمّة الاسلامية ب«خير الأمم» لكون رسولها صلى‌الله‌عليه‌وآله خير الرسل إطلاقاً ، فمن البديهي ان هذه الأمّة خير أمّة ، مادام نبيها خير الانبياء قاطبة ، وهي آخر الامم وخاتمتها ، اذ يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا آخر الانبياء وأنتم آخر الأمم» وكونه خاتم النبيين إحدى خصائصه (١).

غير ان هذا لا يفرض أن يكون الصحابة وهم جزء من الأمّة ، ذوي عدالة مطلقة ولا يكذّبون على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما يقول أهل السُنّة.

الصحابة وأهل الايمان

من المعروف ان أفضل الناس على الاطلاق بعد الرسول ـ في رأي أهل السُنّة والجماعة ـ هم الصحابة ثم التابعون ، وذلك لاحاديث كثيرة يروونها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تثبت ذلك.

غير اننا ـ بعد التحقيق والتدقيق في هذا الادعاء ـ توصلنا الى أن رسول الله لم يكن قد فضّل الصحابة على غيرهم ، بل العكس ، فهو يعتبر الصحابة كغيرهم من المسلمين وليست هناك أية مزايا تفضّلهم على الآخرين إلا البعض منهم ، والادهى من ذلك ، هناك مِنَ المسلمين من يفوق الصحابة إيماناً وفضلاً وسموّاً. فذات يوم ، قال رسول

__________________

(١) سنن إبن ماجة ـ رقم الحديث ٤٠٧٧.

١٣٣

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأصحابه : أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا : نحن. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومالكم لا تؤمنون ، وأنا بين أظهركم؟ قالوا : فمن يا رسول الله؟ قال : إن أعجب الخلق إلي إيماناً لقوم يكونون بعدكم ، يجدون صحفاً ـ فيها كتاب ـ يؤمنون بما فيها ، وفي روايات أخرى ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هؤلاء أفضل أهل الايمان إيماناً ، وأولئك أعظم منكم أجراً (١).

وفي يوم كان صلى‌الله‌عليه‌وآله في محضر صحابته ، عندما قال : وددت أني لقيت أخواني ، فقال الصحابة : أو ليس نحن أخوانك؟ قال : أنتم أصحابي ، ولكن اخواني الذين آمنوا بي ولم يروني (٢).

وعلى هذا الاساس ، يعدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين الذين يأتون في الازمنة التالية من بعد العصر النبوي ، أفضل إيماناً ، وانهم أخوانه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعظم أجراً من الصحابة الذين كانوا ملازمين له.

ولما كانت الأخوّة أكثر عمقاً من الصحبة ، فلسنا ندري لماذا يصرّ أهل السُنّة على أفضلية الصحابة إيماناً ومكانة ، مع ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يعتبرهم كذلك ، وإنما يفضّل عليهم المؤمنين الذين يأتون من بعده ، والذين لم يرونه ويؤمنون به.

الصحابة وخصلة النفاق

يستثني أهل السُنّة والجماعة من الصحابة ، المرتدين والمنافقين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين ، وفي مقدمتهم ـ بالطبع ـ زعيم المنافقين عبد الله بن أُبي بن أبي سلول.

__________________

(١) تفسير ابن كثير ١ : ٤٤ ؛ الدر المنثور ـ السيوطي ١ : ٢٦.

(٢) مجمع الزوائد ـ الهيثمي ١٠ : ٦٦ ؛ المعجم الاوسط ـ الطبراني ٥ : ٣٤١ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٥٥.

١٣٤

لكن بعد التحرّي الدقيق في هذا الموضوع الحساس ، توصلنا ان قضية المنافقين من الصحابة ، ليست قضية هامشية أو ثانوية كما يحلو للبعض من الباحثين أن يصوّروها ، وانما هي قضية جوهرية ينبغي التوقّف عندها ودراستها بدقة لأنها تتصل بموضوعنا صلة وثيقة.

وحسبما يشير اليه القرآن الكريم ، فإن المنافقين ليسوا قلّة كما يتوهم الكثيرون ، وانما هم كثرة كاثرة ، إذا أضفنا إليهم ، الذين في قلوبهم مرض من ال ذين كانوا يشككون بالرسول «سلام الله عليه» وتعاليمه الخالدة ، وكذلك المُرجفون في المدينة الذين لم يكن همّهم سوى بث الأراجيف والأكاذيب والشائعات حول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولهذا فليس صحيحاً ان المنافقين ، كانوا قلّة قليلة في المدينة فضلاً عن الإعراب الذين يقيمون حولها.

والمنافقون كانوا متظاهرين بالاسلام ، ومتسترين به الى درجة انهم حاولوا خداع الرسول نفسه لولا ان الله تعالى حذّره منهم ومن دسائسهم ، وهؤلاء كانوا من الصحابة ، يعيشون معه في المدينة ويلازمونه ليلاً ونهاراً كما يؤكد القرآن الكريم : لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (١).

وقد لعنهم الله تعالى غير مرّة في قرآنه المجيد.

: وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ (التوبة ١٠١).

__________________

(١) الأحزاب ٦٠.

١٣٥

: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ (المنافقون ٤).

وبالتالي ، فليس المنافقون ، فئة قليلة ، واستثناءات من الأعراب ومن أهل المدينة ، بل هم مندسّون بكثرة في صفوف المسلمين الى حد التأثير في الاوضاع فحذّر الله رسوله منهم ومن كيدهم.

أما الادعاء بأن المنافقين ليسوا من الصحابة ، فهو ادعاء فارغ يفتقد الى المصداقية والدليل الملموس ، لأنّ الهادي البشير «سلام الله عليه» نفسه كان يصف المنافقين بأنهم صحابه وينعتهم بالصحبة ، وان في أصحابه منافقين. ولما طلب ابن عبد الله بن أبي سلول من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله السماح له بقتل والده المنافق ، أجابه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يترفق به ويحسن صحبته ما بقي مع المسلمين ، وحين طلب عمر بن الخطاب منه صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل ابن سلول ، قال «عليه الصلاة والسلام» : فكيف إذا تحدّث الناس ان محمداً يقتل أصحابه؟ (١) وذات يوم ، صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فنادى بصوت رفيع ، فقال : «يا معشر من اسم بلسانه ولم يدخل الايمان الى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ، ولا تعيّروهم ولا تتبعوا عثراتهم» (٢).

والغريب ان المنافقين من الصحابة ، لم يكن يعرفهم حتى رسول الله «سلام الله عليه» وبعد أن عرّفه بهم الله تعالى ، أسرَ باسمائهم الى الصحابي الجليل (حذيفة بن اليمان) دون غيره ، حتى ان الخليفة عمر بن الخطاب ، اذا مات ميّت ، سأل عن حذيفة ،

__________________

(١) تأريخ الاسلام ـ الذهبي ٢ : ٢٦٤ ؛ تأريخ الطبري ٢ : ٢٦١ ؛ البداية والنهاية ـ ابن كثير ٤ : ١٨٠.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٥٥ ؛ تفسير الثعالبي ٤ : ٣٦٠.

١٣٦

فإن حضر الصلاة عليه ، صلّى عليه وإلا لم يصلّ عليه (١).

ونحن من حقنا أن نتساءل : لو كان الصحابة المنافقون ، ليسوا بذات أهمية ، فلماذا لم يذكر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أسماءهم لكل المسلمين حتى يتجنبوهم؟ ولكن يبدو أن لهم دوراً بارزاً ووزناً في المجتمع المدني بحيث كان الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه يخشى أن يتآمروا على الأمّة بعد رحيله ، ويعبثوا بمصيرها ولذلك أخفى أسماءهم!!

واذا كان المؤرخون قد ذكروا أسماء بعض المنافقين في كتبهم ، كصاحب أنساب الاشراف الذي سجّل أسماء المنافقين من الأوس والخزرج ، ولكن ما الدليل على ان هؤلاء المنافقين من الصحابة ، كلهم وليس بعضهم ، خاصة وانهم كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الايمان ، ويؤدون الفرائض الدينية ، والناس مطمئنون لهم ويثقون فيهم. وقد يموتون ولا يعلم المسلمون من هم؟ وما في نفوسهم؟ وبالتالي سيشملهم قانون العدالة الذي وضعه اهل السُنّة والجماعة ليتسع كل الصحابة ، بحيث يدسّون من الاحاديث المكذوبة والموضوعة على لسان رسول الله «سلام الله عليه» ، دون أن يعلم المسلمون من أمرهم شيئاً ، وتصبح هذه الاحاديث ، سُنّة نبوية لا يعتريها الخطأ أو تُثار حولها الشبهات ، خاصة وان المسلمين بعد موت الرسول وفي عصر الصحابة التابعين ، لم يكونوا يسألون عن الإسناد ويتناقلون الأحاديث فيما بينهم دون ذكر الصحابي الأول الذي سمع الحديث من الرسول مباشرة ، كونهم مطمئنين وواثقين بأنه كان صادقاً ولم يكذّب عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله أبداً ، في حين قد يكون منافقاً يتظاهر بالاسلام والتدين ويؤدي الفرائض ، ويحاول أن يشوّه السُنّة النبوية الطاهرة؟!.

__________________

(١) اسد الغابة ـ ابن الاثير ١ : ٣٩١.

١٣٧

الصحابة والإرتداد

الصحبة في تصوّر أهل السُنّة والجماعة تحصّن أشخاصها ضد ال كذب ، وتمنحهم حصانة وقداسة وتشريفاً لكون الصحابة ، يلتمسون من نور النبوة والوحي ، ويستقون من فيض صاحب الرسالة الخالدة ، بحيث تجعل الصحبة ، الانسان الصحابي صادقاً ومتخلّقاً بأخلاق الرسول وسلوكه ، بل وذهب فريق الى القول بأن الصحبة تمنع صاحبها عصمة تردعه عن الخطأ وارتكاب الذنوب ، فكيف بالكذب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ ولذلك بات الصحابة ، حَمَلة الحديث النبوي ، إذ أُلقي على عاتقهم ، نقل السُنّة النبوية الى التابعين ومن بعدهم الى الأجيال اللاحقة ، بكل أمانة وثقة ، ولذلك يُفترض أمانة الصحابي مسبقاً إلا اذا كان قد ارتد عن الدين الاسلامي.

فهناك العديد من الصحابة قد ارتدوا في حياة النبي ، وبعضهم ارتد بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله. وكما هو معروف عند أهل السُنّة والجماعة ، فإن الردّة محبطة للصحبة السابقة ، فلا مجال لبقاء سمة الصحبة (١).

ولنا تعليق وجيه : وهو إذا كانت الصحبة ، تحصَّن الصحابة وتعصمهم من الكذب على الأقل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم أفضل الخلق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلِمَ لا تنسحب العصمة او الحصانة على إيمانهم ، فتمنعهم من الارتداد عن الدين الحنيف؟

__________________

(١) الاصابة ـ ابن حجر ١ : ٩.

١٣٨

الصحابة وحروب النبي مع الكفار والمشركين

هل كان الصحابة الأجلّاء رهن إشارة الرسول وطوع إرادته ، في كل الاوامر والتعليمات التي تصدر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وهل كانوا يُسارعون الى القتال ومحاربة الكفار والمشركين ، إمتثالاً لأوامر الرسول والقرآن الكريم ، ويشاركون في تلقين الكفار والاعداء ، الدروس البليغة ، من خلال الثبات والصمود وعدم التراجع أمام جحافل المشركين ، لأنهم قد تربّوا في أحضان الرسالة ، واستلهموا من شجاعة الرسول وقوته وبأسه الفريد من نوعه؟ بدعوى أن الصحابة كانوا أبطالاً بواسلَ لا يخشون في الله لومة لائم ، يقفون متراصين وهم يوجّهون ضرباتهم لأعداء الله ورسوله ، دون خوف أو وجل أو تراجع.

هذه مزاعمهم عن تسابق الصحابة للمشاركة في الحروب ضد الكفار والمشركين ، والذود عن حرمات الدين الاسلامي تنفيذاً لقوله تعالى : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (١) وبعد القراءة الواعية والتدقيق وتقليب صفحات التأريخ في العهد الاسلامي المدني ، ثبت ان أصحاب الرسول الذين مدحهم الله لمشاركتهم الفاعلة في معركة بدر ضد قريش ، تراجعوا في الحروب اللاحقة ، وكثيرا ما فرّوا من الزحف ، وتهاونوا وضعفوا ، وربما تركوا النبي في ساحة المعركة وحيداً ، ليس معه الا نفر قليل.

ونزلت آيات عديدة في ذمهم وتوبيخهم ووصفهم بأسوء النعوت.

فالآية الكريمة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ

__________________

(١) الحج ٣٩.

١٣٩

اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (١) ، تخص الصحابة الذين يتردّدون عن القتال ويثّاقلون الى الأرض ، ويخلدون الى الدعة والراحة ، تهرّباً من مواجهة الاعداء الذين رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة ، وتهديد الله لهم بالعذاب الأليم ، وإستبدالهم بقوم آخرين ، ليسوا على شاكلة هؤلاء الفارّين المتهاونين المتهيّبين من قتال أعداء الله ورسوله.

ويقرّ علماء السُنّة والجماعة ومنهم النسفي بأن الآية القرآنية : إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا (٢) ، نزلت حينما ترك الصحابة المركز الذي أمرهم رسول الله «سلام الله عليه» بالثبات فيه.

وهذا يعني أنَّ الصحابة الذين أمرهم رسول الله بالثبات في معركة أحد ، قد استزلهم الشيطان ، كما ان الجيش الاسلامي المكوّن من الصحابة قد فرّ بأجمعه من ساحة المعركة ، إلا ثلاثة عشر نفراً ، وبالتالي حقّ عليه اللعن كما أشار الله تعالى الى ذلك في أكثر من آية قرآنية.

ومع كل هذا الموقف المتخاذل من أغلب الصحابة وعصيانهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بين أظهرهم ، وإيثارهم لمنافع دنيوية ضيقة على حساب أوامر الله ورسوله في مقاتلة أعداء الدين الالداء ، يأتي بعضهم بمنطق عجيب غريب ، يحمل قمة التناقض والتضاد مع العقل الانساني ، فيدّعي ان هؤلاء الذين وصفهم الله بالاذعان للشيطان ، وترجيح مصالح الدنيا الزائلة على الآخرة ، بأنهم صحابة مكرّمون ، لو وزن ايمان أحدهم بايمان المسلمين اليوم لرجح إيمانه ، بالرغم من مخالفة أوامر الرسول وهو بينهم ، فهم يبقون يحملون سلامة النية وصدق الايمان ، وإن برزت أمامهم مطامع الحياة الدنيا ،

__________________

(١) التوبة ٣٨.

(٢) آل عمران ١٥٥.

١٤٠