اللوامع النورانيّة في أسماء علي وأهل بيته القرآنيّة

السيد هاشم الحسيني البحراني

اللوامع النورانيّة في أسماء علي وأهل بيته القرآنيّة

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: الشيخ حامد الفدوي الأردستاني
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-96904-4-1
الصفحات: ٩٤١

سورة القارعة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الإسم الأربعون ومائة وألف : انّه من ثقلت موازينه ، في قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) الآية.

الإسم الحادي والأربعون ومائة وألف : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(١).

١٥٧٥ / ١ ـ محمّد بن العبّاس : قال : حدّثنا الحسن بن عليّ بن زكريّا بن عاصم اليمني ، عن الهيثم بن عبد الرحمن ، قال : حدّثنا أبو الحسن عليّ بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه صلوات الله عليهم ، في قوله عزوجل : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ، قال : «نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام» (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) ، قال : «نزلت في ثلاثة» (٢).

١٥٧٦ / ٢ ـ ابن شهر آشوب ، قال : الإمامان الجعفران عليهما‌السلام في قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) : «فهو أمير المؤمنين عليه‌السلام (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* وَأَمَّا

__________________

(١) القارعة ١٠١ : ٧.

(٢) تأويل الآيات ٢ : ٨٤٩ / ١.

٨٨١

مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) وأنكر ولاية عليّ عليه‌السلام (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) في النار ، جعلها الله أمّه ومأواه» (١).

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ١٥١.

٨٨٢

سورة التكاثر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الإسم الثاني والأربعون ومائة وألف : انّه من النعيم ، في قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(١).

١٥٧٧ / ١ ـ الشيخ في (أماليه) ، قال : أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مهدي ، قال : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن بن عقدة الحافظ ، قال : حدّثنا جعفر بن عليّ بن نجيح الكندي ، قال : حدّثنا حسن بن حسين ، قال : حدّثنا أبو حفص الصائغ ـ قال : أبو العبّاس : هو عمر بن راشد ، وأبو سليمان ـ عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، في قوله : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، قال : «نحن من النعيم» ، وفي قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً)(٢) ، قال : «نحن الحبل» (٣).

__________________

(١) التكاثر ١٠٢ : ٨.

(٢) آل عمران ٣ : ١٠٣.

(٣) أمالي الطوسي : ٢٧٢ / ٤٨.

٨٨٣

١٥٧٨ / ٢ ـ عليّ بن إبراهيم ، قال : أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد ، عن سلمة بن عطاء ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت : قول الله : (لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ؟) قال : «تسأل هذه الأمّة عمّا أنعم الله عليهم برسول الله ثمّ بأهل بيته عليهم‌السلام (١)» (٢).

١٥٧٩ / ٣ ـ محمّد بن يعقوب : عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي سعيد ، عن أبي حمزة ، قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام جماعة ، فدعا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذة وطيبا ، وأوتينا بتمر ننظر فيه إلى وجوهنا من صفائه وحسنه ، فقال رجل : لتسألنّ عن هذا النعيم الّذي تنعمتم به عند ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل أكرم وأجلّ أن يطعمكم طعاما فيسوغكموه ثمّ يسألكم عنه ، ولكن يسألكم عمّا أنعم عليكم بمحمّد وآل محمّد عليهم‌السلام» (٣).

١٥٨٠ / ٤ ـ محمّد بن العبّاس ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد الورّاق ، عن جعفر بن عليّ بن نجيح ، عن حسن بن حسين ، عن أبي حفص الصائغ ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، في قوله عزوجل : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، قال : «نحن النعيم» (٤).

١٥٨١ / ٥ ـ عنه ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن الحسن بن القاسم ، عن محمّد بن عبد الله بن صالح ، عن فضل (٥) بن صالح ، عن سعد بن عبد الله (٦) ،

__________________

(١) زاد في المصدر : المعصومين.

(٢) تفسير القمّي ٢ : ٤٤٠.

(٣) الكافي ٦ : ٢٨٠ / ٣.

(٤) تأويل الآيات ٢ : ٨٥٠ / ٣.

(٥) في المصدر : مفضّل.

(٦) في المصدر : طريف.

٨٨٤

عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليّ عليه‌السلام ، أنّه قال : («ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ ، عَنِ النَّعِيمِ؟) قال : نحن النعيم» (١).

١٥٨٢ / ٦ ـ وعنه : عن أحمد بن القاسم ، عن أحمد بن محمّد بن الخالد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، قال : «نحن نعيم المؤمن ، وعلقم الكافر» (٢).

١٥٨٣ / ٧ ـ وعنه ، قال : حدّثنا عليّ بن عبد الله ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن إسماعيل بن بشّار ، عن عليّ بن عبد الله بن غالب ، عن أبي خالد الكابلي ، قال : دخلت على محمّد بن عليّ عليهما‌السلام ، فقدّم [لي] طعاما لم آكل أطيب منه ، فقال لي : «يا أبا خالد ، كيف رأيت طعامنا» قلت : جعلت فداك ، ما أطيبه! غير أنّي ذكرت آية في كتاب الله فنغصت (٣) ، فقال : «وما هي؟ قلت : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، فقال : «والله لا تسأل عن هذا الطعام أبدا» ثمّ ضحك حتّى افترّ (٤) صاحكا وبدت أضراسه ، وقال : «أتدري ما النعيم؟» قلت : لا ، قال : «نحن النعيم [الذي تسألون عنه]» (٥).

١٥٨٤ / ٨ ـ الشيخ المفيد : بإسناده إلى محمّد بن السائب الكلبي ، قال : لمّا قدم الصادق عليه‌السلام العراق ونزل الحيرة ، فدخل عليه أبو حنيفة وسأله عن مسائل ، وكان ممّا سأله أن قال له : جعلت فداك ، ما الأمر بالمعروف؟ فقال عليه‌السلام : «المعروف ـ يا أبا حنيفة ـ المعروف في أهل السماء ، المعروف في أهل الأرض ، وذاك أمير المؤمنين

__________________

(١) تأويل الآيات ٢ : ٨٥١ / ٦.

(٢) تأويل الآيات ٢ : ٨٥١ / ٥.

(٣) في المصدر : فنغصته.

(٤) افترّ فلان ضاحكا ، أي أبدى أسنانه. «لسان العرب ٥ : ٥١».

(٥) تأويل الآيات ٢ : ٨٥١ / ٧.

٨٨٥

عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام».

قال : جعلت فداك ، فما المنكر؟ قال : «اللذان ظلماه حقّه ، وابتزاه أمره ، وحملا الناس على كتفه».

قال : ألا ما هو ترى الرجل على معاصي الله فتنهاه عنها؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ليس ذاك أمرا بالمعروف ، ولا نهيا عن المنكر إنّما ذاك خيرا قدّمه».

قال أبو حنيفة : أخبرني ـ جعلت فداك ـ عن قول الله عزوجل : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، قال : «فما عندك يا أبا حنيفة؟» قال : الأمن في السّرب ، وصحّة البدن ، والقوت الحاضر. فقال : «يا أبا حنيفة ، لئن وقفك الله وأوقفك يوم القيامة حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولنّ وقوفك» قال : فما النعيم جعلت فداك؟ قال : «النعيم نحن الذين أنقذ الله الناس بنا من الضّلالة وبصّرهم بنا من العمى ، وعلّمهم بنا من الجهل».

قال : جعلت فداك ، فكيف كان القرآن جديدا أبدا؟ قال : «لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان فتخلقه (١) الأيام ، ولو كان كذلك لفني القرآن قبل فناء العالم» (٢).

١٥٨٥ / ٩ ـ أبو عليّ الطبرسي ، قال : روي العيّاشي بإسناده ـ في حديث طويل ـ قال : سأل أبو حنيفة أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية ، فقال له : «ما النعيم عندك يا نعمان؟» قال : القوت من الطعام والماء البارد. فقال : «لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتّى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولنّ وقوفك بين يديه» ، قال : فما النعيم جعلت فداك؟ قال : «نحن أهل البيت ، النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين ، وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم

__________________

(١) أي تبليه.

(٢) تأويل الآيات ٢ : ٨٥٢ / ٨.

٨٨٦

إخوانا بعد أن كانوا أعداءا ، وبنا هداهم الله إلى الإسلام ، وهي النعمة التي لا تنقطع ، والله سائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم الله به عليهم ، وهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته» (١).

تنبيه

الإسم الثالث والأربعون ومائة وألف : إنّه النّور ، في قوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٢) الآية.

١٥٨٦ / ١ ـ العيّاشي : بإسناده عن مسعدة بن صدقة (٣) ، قال : قصّ أبو عبد الله عليه‌السلام قصّة الفريقين جميعا في الميثاق ، حتّى بلغ الاستثناء من الله في الفريقين ، فقال : «إنّ الخير والشرّ خلقان من خلق الله ، له فيهما المشيئة في تحويل ما يشاء فيما قدّر فيها حال عن حال ، والمشيئة فيما خلق لها من خلقه في منتهى ما قسّم

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ : ٨١٣.

(٢) البقرة ٢ : ٢٥٧.

(٣) أبو محمّد مسعدة بن صدقة العبدي البصري. من أصحاب الإمامين : الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وكان عامّي المذهب ، كما صرّح الشيخ ، ونسبه الكشّي إلى البترية ، واكتفى العلّامة بنقل أقوالهما ، واستظهر غيره من توصيف الشيخ له بالعامّي عند عدّه في أصحاب الباقر عليه‌السلام ، وعدم توصيفه بذلك عند ذكره له في أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وفي فهرسته أيضا أنّ البتري العامّي هو الأول دون الثاني الثقة.

ذكره ابن حجر والذهبي ، ونقلا عن الدار قطني قوله فيه : متروك.

روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وعن رجل ، وروى عنه جعفر بن عبد الله وهارون بن مسلم. له كتب ، منها : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

رجال النجاشي : ٤١٥ / ١١١٠٨ ؛ رجال الطوسي : ١٣٧ / ٤٠ و ٣١٤ / ٥٤٥ ؛ فهرست الشيخ : ١٦٧ / ٧٣٢ ؛ الخلاصة : ٢٦٠ / ٣ ؛ رجال الكشّي : ٣٩٠ / ٧٣٣ ؛ لسان الميزان ٦ : ٢٢ / ٨٣ ؛ معجم رجال الحديث ١٨ : ١٣٥ / ١٢٢٧٥.

٨٨٧

لهم من الخير والشرّ ، وذلك أنّ الله قال في كتابه : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) فالنور هم آل محمّد عليهم‌السلام ، والظلمات عدوّهم» (١).

الإسم الرابع والأربعون ومائة وألف : إنّه من الذين آمنوا ، في قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ)(٢) الآية.

١٥٨٧ / ٢ ـ الشيخ في (أماليه) ، قال : أخبرنا محمّد بن محمّد ـ يعني المفيد ـ قال : حدّثنا أبو الحسن عليّ بن بلال ، [قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن حميد بن الربيع اللّخمي ، قال : حدّثنا سليمان بن الربيع النّهدي ، قال : حدّثنا نصر بن مزاحم المنقري ؛ قال أبو الحسن بن عليّ بن بلال :](٣) وحدّثني عليّ بن عبد الله بن أسد بن منصور الأصفهاني ، قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد بن هلال الثقفيّ ، قال : حدّثني محمّد بن عليّ ، قال : حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن يحيى بن يعلى الأسلميّ ، عن عليّ بن الحرور (٤) ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل إلى عليّ عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هؤلاء القوم الذين تقاتلهم ؛ الدعوة واحدة ، والرسول واحد ، والصلاة واحدة ، والحج واحد ، فبم نسمّيهم؟ فقال : «بما سمّاهم (٥) الله في كتابه».

فقال : ما كلّ ما في كتاب الله أعلمه.

قال : «أما سمعت الله تعالى يقول في كتابه : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ١٣٨ / ٤٦١.

(٢) البقرة ٢ : ٢٥٣.

(٣) أثبتناه من المصدر ، وهو الطريق الأول لرواية هذا الحديث.

(٤) في المصدر : الحزور.

(٥) في المصدر : سمهم بما سماهم.

٨٨٨

وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) ، فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى بالله عزوجل ، وبالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالكتاب ، وبالحقّ ، فنحن الذين آمنوا ، وهم الذين كفروا ، وشاء الله قتالهم بمشيئته وإرادته» (١).

الشيخ المفيد في (أماليه) : بإسناده ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ... وذكر الحديث بعينه (٢).

١٥٨٨ / ٣ ـ عليّ بن إبراهيم ، [قال] : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمل ، فقال : يا عليّ ، علام تقاتل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن شهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله؟ قال : «على آية في كتاب الله ، أباحت لي قتالهم». فقال : وما هي؟

قال : «قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ)».

فقال الرجل : كفر ـ والله ـ القوم (٣).

الإسم الخامس والأربعون ومائة وألف : انّه من (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٤).

١٥٨٩ / ٤ ـ العيّاشي : بإسناده عن سلّام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في

__________________

(١) أمالي الطوسي : ١٩٧ / ٣٩ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ٢٥٨.

(٢) أمالي المفيد : ١٠١ / ٣.

(٣) تفسير القمّي ١ : ٨٤.

(٤) البقرة ٢ : ٢٦٥.

٨٨٩

قوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ). قال : «نزلت في عليّ عليه‌السلام» (١).

١٥٩٠ / ٥ ـ عنه : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ، قال : «عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أفضلهم ، وهو ممّن ينفق ماله ابتغاء مرضات الله» (٢).

الإسم السادس والأربعون ومائة وألف : انّه الوسيلة ، في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)(٣).

١٥٩١ / ٦ ـ عليّ بن إبراهيم ، قال : تقرّبوا إليه بالإمام (٤).

١٥٩٢ / ٧ ـ ابن شهر آشوب ، قال : قال المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) : «أنا وسيلته» (٥).

١٥٩٣ / ٨ ـ محمّد بن الحسن الصفّار : عن الفضل العلوي ، قال : حدّثني الفضل (٦) بن عيسى ، عن إبراهيم بن محمّد بن الحسن بن ظهر (٧) ، عن أبيه ، عن شريك بن عبد الله ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن أبي تمّام ، عن سلمان الفارسي ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قول الله تبارك وتعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(٨) [قال : «أنا هو الذي عنده علم الكتاب»]. وقد صدّقه

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ : ١٤٨ / ٤٨٥ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٣٤ / ١٤٤.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ١٤٨ / ٤٨٦.

(٣) المائدة ٥ : ٣٥.

(٤) تفسير القمّي ١ : ٦٨.

(٥) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٧٥.

(٦) في المصدر : سعيد.

(٧) في المصدر : إبراهيم بن الحكم بن ظهير.

(٨) الرعد ١٣ : ٤٣.

٨٩٠

الله ، وأعطاه الوسيلة في الوصيّة ، ولا تخلى امّة من وسيلة إليه وإلى الله تعالى ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)(١).

الإسم السابع والأربعون ومائة وألف : إنّه من الذين ، في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ)(٢) الآية.

١٥٩٤ / ٩ ـ العيّاشي : بإسناده عن مالك الجهنيّ ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) إلى قوله : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) ، قال : «فينا نزلت» (٣).

١٥٩٥ / ١٠ ـ عنه : بإسناده عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ ممّا استحقّت به الإمامة : التطهير ، والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التي توجب النار ، ثمّ العلم المنور (٤) بجميع ما تحتاج إليه الأمّة من حلالها وحرامها ، والعلم بكتابها ، خاصّه وعامّه ، المحكم والمتشابه ، ودقائق علمه ، وغرائب تأويله ، وناسخه ومنسوخه».

قلت : وما الحجّة بأنّ الإمام لا يكون إلّا عالما بهذه الأشياء الذي ذكرت؟

قال : «قول الله فيمن أذن الله لهم في الحكومة وجعلهم أهلها : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) فهذه الأئمّة دون الأنبياء الذين يرثون الناس (٥) بعلمهم ، وأمّا الأحبار

__________________

(١) بصائر الدرجات ٢١٦ / ٢١.

(٢) المائدة ٥ : ٤٤.

(٣) تفسير العيّاشي ١ : ٣٢٢ / ١١٨.

(٤) في النسخة : المكنون.

(٥) في النسخة : يربون الناس.

٨٩١

فهم العلماء دون الربّانيين ، ثمّ أخبر ، فقال : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) ولم يقل بما حملوا منه» (١).

الإسم الثامن والأربعون ومائة وألف : إنّه من الذين ، في قوله تعالى : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ)(٢).

١٥٩٦ / ١١ ـ محمّد بن يعقوب : عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ؛ وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن عمر (٣) بن رياح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، [قال : قلت له :] بلغني أنّك تقول : من طلّق لغير السنّة أنّك لا ترى طلاقه شيئا؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما أقوله ، بل الله عزوجل يقوله ، والله لو كنّا نفتيكم بالجور ، لكنّا شرّا منكم ، لأنّ الله عزوجل يقول : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ»)(٤).

١٥٩٧ / ١٢ ـ العيّاشي : بإسناده عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ عمر بن رياح زعم أنّك قلت : «لا طلاق إلّا ببيّنة؟».

قال : فقال : «ما أنا قلته ، بل الله تبارك وتعالى يقول ، إنّا والله لو كنّا نفتيكم بالجور ، لكنّا أشرّ (٥) منكم ، إنّ الله يقول : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ»)(٦).

الإسم التاسع والأربعون ومائة وألف : إنّه من الّذين آمنوا ، في قوله تعالى :

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ : ٣٢٢ / ١١٩.

(٢) المائدة ٥ : ٦٣.

(٣) في المصدر : عمرو ، والظاهر أنّه تصحيف كما أشار لذلك في معجم رجال الحديث ١٣ : ٣٥ و ٩٨.

(٤) الكافي ٦ : ٥٧ / ١.

(٥) في المصدر : أشد.

(٦) تفسير العيّاشي ١ : ٣٣٠ / ١٤٤.

٨٩٢

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ)(١).

١٥٩٨ / ١٣ ـ عليّ بن إبراهيم ، قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبلال ، وعثمان بن مظعون.

فأمّا أمير المؤمنين عليه‌السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبدا ، وأمّا بلال ، فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا ، وأمّا عثمان بن مظعون ، فإنّه حلف أن لا ينكح أبدا ، فدخلت امرأة عثمان على عائشة ، وكانت امرأة جميلة ، فقالت عائشة : مالي أراك متعطّلة؟ (٢) فقالت : ولمن أتزيّن؟ فو الله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا ، فإنّه قد ترهّب ولبس المسوح ، وزهد [في] الدنيا.

فلمّا دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرته عائشة بذلك ، فخرج ، فنادى الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيّبات؟ ألا إنّي أنام بالليل ، وأنكح وأفطر بالنهار ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. فقام هؤلاء ، فقالوا : يا رسول الله ، قد حلفنا على ذلك ، فأنزل الله تعالى عليه : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ)(٣)» (٤).

١٥٩٩ / ١٤ ـ أبو عليّ الطبرسي ، قال : روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : «نزلت

__________________

(١) المائدة ٥ : ٨٧.

(٢) في المصدر : معطّلة. وعطلت المرأة وتعطّلت : نزعت حليها.

(٣) المائدة ٥ : ٨٩.

(٤) تفسير القمّي ١ : ١٧٩.

٨٩٣

في عليّ عليه‌السلام ، وبلال ، وعثمان بن مظعون.

فأمّا عليّ عليه‌السلام فإنّه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلّا ما شاء الله ، وأمّا بلال فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار [أبدا] ، وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبدا» (١).

الإسم الخمسون ومائة وألف : من سورة الأعراف انّه من الآيات ، في قوله تعالى : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ)(٢).

١٦٠٠ / ١٥ ـ عليّ بن إبراهيم ، قال : بالأئمّة يجحدون (٣).

الإسم الحادي والخمسون ومائة وألف : انّه الصراط ، في قوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ)(٤) الآية.

١٦٠١ / ١٦ ـ العيّاشي : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، [قال] : «الصراط الذي قال إبليس : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) الآية ، وهو عليّ عليه‌السلام» (٥).

الإسم الثاني والخمسون ومائة وألف : انّه من الذين يمسكون بالكتاب ، في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(٦).

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٣٦٤.

(٢) الأعراف ٧ : ٩.

(٣) تفسير القمّي ١ : ٢٢٤.

(٤) الأعراف ٧ : ١٦ ، ١٧.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ : ٩ / ٦ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٧٩ / ٩٥.

(٦) الأعراف ٧ : ١٧٠.

٨٩٤

١٦٠٢ / ١٧ ـ عليّ بن إبراهيم ، قال : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) إلى آخره ، [قال] : «نزلت في آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشياعهم» (١).

[الإسم] الثالث والخمسون ومائة وألف : انّه من الذين (أَقامُوا الصَّلاةَ).

[الإسم] الرابع والخمسون ومائة وألف : انه من المصلحين.

.. وعلى الانتهاء والله تعالى العالم بالعد والاحصاء ، وهذا ما سنح لي بحسب الطاقة بعد كثرة الشواغل والاضاعة وقلّة البضاعة ومن تأمّل هذا الكتاب على الأمر الذي أشرنا إليه في فوائد الكتاب من معنى ذكر إسم أمير المؤمنين عليه‌السلام وأهل بيته عليهم‌السلام رأى العدّ يزيد على ذلك ولنختم الكتاب بفوائد.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ٢٤٦.

٨٩٥

الفائدة الاولى

في سبب الاسقاط لاخفاء أسماء أمير المؤمنين

الأئمّة عليهم‌السلام في القرآن

١٦٠٣ / ١ ـ روى الشيخ أحمد بن عليّ الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في جواب سائل سأله عن بعض آيات القرآن خفى معناها على السائل ، فقال له : «وأمّا ما كان من الخطاب بالانفراد مرّة وبالجمع مرّة وهو من صفة الباري جلّ ذكره ، فإنّ الله تبارك وتعالى اسمه على ما وصف به نفسه بالانفراد والوحدانيّة ، هو النور الأزلي القديم ، الذي ليس كمثله شيء ، لا يتغيّر ، ويحكم ما يشاء ويختار ، ولا معقّب لحكمه ، ولا رادّ لقضائه ، ولا ما خلق زاد في ملكه وعزّة ، ولا نقص منه ما لم يخلقه ، وإنّما أراد بالخلق إظاهر قدرته ، وإبداء سلطانه ، وتبيين براهين حكمته ، فخلق ما شاء كما شاء ، وأجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه ، فكان فعلهم فعله ، وأمرهم أمره ، كما قال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)(١).

وجعل السماء والأرض وعاء لمن شاء من خلقه ، ليميز الخبيث من الطيّب ،

__________________

(١) النساء ٤ : ٨٠.

٨٩٦

مع سابق علمه بالفريقين من أهلها ، وليجعل ذلك مثالا لأوليائه وأمنائه ، وعرّف الخليقة فضل منزلة أوليائه ، وفرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرض منه لنفسه ، وألزمهم الحجّة بأن خاطبهم خطابا يدلّ على انفراده وتوحّده ، وبأنّ له أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله ، فهم العباد المكرمون ، الّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، هو الذين أيدهم بروح منه ، وعرّف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)(١) ، وهم النّعيم الذي يسأل العباد عنه ، لأنّ الله تبارك وتعالى أنعم بهم على من أتّبعهم من أوليائهم».

قال السائل : من هؤلاء الحجج؟ قال : «هم رسول الله ، ومن أحلّ محلّه من أصفياء الله الذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله ، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه ، وهم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٢) ، وقال فيهم : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(٣)».

قال السائل : ما ذاك الأمر؟ قال عليّ عليه‌السلام : «الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، من خلق ورزق ، وأجل وعمر ، وحياة وموت ، وعلم غيب السماوات والأرض ، والمعجزات التي لا تنبغي إلّا لله وأصفيائه ، والسفرة بينه وبين خلقه ، وهم وجه الله الذي قال : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)(٤) ، وهم بقية الله ، يعني المهديّ عليه‌السلام الذي يأتي عند انقضاء هذه النظرة ، فيملأ الأرض

__________________

(١) الجنّ ٧٢ : ٢٦ ، ٢٧.

(٢) النساء ٤ : ٥٩.

(٣) النساء ٤ : ٨٣.

(٤) البقرة ٢ : ١١٥.

٨٩٧

[قسطا و] عدلا كما ملئت جورا وظلما ومن آياته : الغيبة والاكتتام عند عموم الطغيان ، وحلول الانتقام ، ولو كان هذا الأمر الذي عرّفتك نبأه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون غيره ، لكان الخطاب يدلّ على فعل ماض غير دائم ولا مستقبل ، ولقال : نزلت الملائكة ، وفرق كلّ أمر حكيم ، ولم يقل (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ)(١) و (يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)(٢) قد زاد جلّ ذكره في التبيان وإثبات الحجّة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم‌السلام : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)(٣) ، تعريفا للخليقة قربهم ، ألا ترى أنك تقول : فلان إلى جنب فلان ، إذا أردت أن تصف قربه منه؟

وإنّما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه ، لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدّلون من إسقاط أسماء حججه منه ، وتلبيسهم ذلك على الأمّة ، ليعينوهم على باطلهم ، فأثبت فيه الرموز ، وأعمى قلوبهم وأبصارهم ، لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدالّ على ما أحدثوه فيه ، وجعل أهل الكتاب القائمين (٤) به والعالمين بظاهره وباطنه ، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها ، أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت ، وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم فأبى الله إلّا أن يتمّ نوره. ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بيّنت لك تأويلها ، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ، ولكنّ الله تبارك اسمه ماض حكمه بايجاب الحجّة

__________________

(١) القدر ٩٧ : ٤.

(٢) الدخان ٤٤ : ٤.

(٣) الزمر ٣٩ : ٥٦.

(٤) في المصدر : المقيمين.

٨٩٨

على خلقه كما قال : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(١) ، أغشى أبصارهم ، وجعل على قلوبهم أكنّة عن تأمّل ذلك ، فتركوه بحاله ، وحجبوا عن تأويل الملتبس بإبطاله ، فالسعداء يتثبّتون عليه ، والأشقياء يعمون عنه (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(٢).

ثمّ إنّ الله جلّ ذكره لسعة رحمته ، ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كتابه ، قسّم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه ، وصحّ تمييزه ممّن شرح الله صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلّا الله وأمناؤه والراسخون في العلم ، وإنّما فعل الله ذلك لئلّا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار بمن ولّاه أمرهم ، فاستكبروا عن طاعته تعزّزا وافتراء على الله عزوجل ، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عزّ اسمه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب الله ، فهو قول الله سبحانه : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، وقوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(٣) ، ولهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر : قوله : (صَلُّوا عَلَيْهِ) ، والباطن : قوله : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي سلّموا لمن وصّاه واستخلفه وفضّله عليكم ، وما عهد به إليه تسليما ، وهذا ممّا أخبرتك أنّه لا يعلم تأويله إلّا من لطف حسّه ، وصّفا ذهنه ، وصحّ تمييزه ، وكذلك قوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ)(٤) لأنّ الله سمّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٤٩.

(٢) النور ٢٤ : ٤٠.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٥٦.

(٤) الصافات ٣٧ : ١٣٠.

٨٩٩

الاسم حيث قال : (يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)(١) ، لعلمه بأنهم يسقطون قوله : سلام على آل محمّد ، كما أسقطوا غيره ، وما زال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتألفهم ويقرّبهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتّى أذن الله عزوجل في إبعادهم بقوله : (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)(٢) ، وبقوله : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ* عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ* أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ* كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ)(٣) ، وكذلك قول الله عزوجل : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)(٤) ، ولم يسمّهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمّهاتهم.

وأمّا قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)(٥) ، فالمراد (٦) كل شيء هالك إلّا دينه ، لأنّ من المحال أن يهلك منه كلّ شيء ويبقى الوجه ، هو أجلّ وأكرم وأعظم من ذلك ، وإنّما يهلك من ليس منه ، ألا ترى أنّه قال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٧)؟ ففصل بين خلقه ووجهه.

وأمّا قوله : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ)(٨) ، فإنّ الله جلّ ذكره أنزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة ، كما خلق السماوات والأرض في ستة أيّام ، ولو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر لخلق ، ولكنّه جعل الأناة

__________________

(١) يس ٣٦ : ١ ـ ٣.

(٢) المزمل ٧٣ : ١٠.

(٣) المعارج ٧٠ : ٣٦ ـ ٣٩.

(٤) الإسراء ١٧ : ٧١.

(٥) القصص ٢٨ : ٨٨.

(٦) في المصدر : فانّما أنزلت.

(٧) الرحمن ٥٥ : ٢٦ ، ٢٧.

(٨) سبأ ٣٤ : ٤٦.

٩٠٠