بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-065-9
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٧٩

وإن كان بالنقل فكذلك ، على ما هو التحقيق من أن قضية الحجية شرعا ليس إلا ذلك ، لا إنشاء أحكام شرعية على طبق مؤداها ، فلا مجال لاستصحاب ما قلده ، لعدم القطع به سابقا (١) ، إلا على ما

______________________________________________________

(١) هذا هو الجواب عن هذا الاستصحاب. وتوضيحه : ان الاستصحاب متقوم باليقين السابق والشك اللاحق ، فلا بد في استصحاب الاحكام من اليقين السابق بالحكم ، ولا يقين بالحكم حتى يستصحب ، لان التقليد ان كان للفطرة والوجدان عقلا فالحجة على الحكم عقلية وهي المنجزية والمعذرية ، ومرجع ذلك الى ان الرجوع الى الغير بحكم العقل منجز لو اصاب وعذر لو خالف. وان كان التقليد للأدلة الشرعية المتقدمة الدالة على التقليد كمثل قوله عليه‌السلام : فهم حجتي عليكم وانا حجة الله. فان قلنا بان المستفاد من الحجية ـ على الطريقية ـ هو جعل المنجزية والمعذرية أيضا إلّا انها بجعل ذلك شرعا وتعبدا كما هو مختار المصنف في جعل الحجية ، او قلنا بان الحجية ـ على الطريقية ـ هو جعل الحكم المماثل الطريقي ولازمه جعل الحكم المماثل في حال الاصابة لا في حال الخطأ. وعلى كلا هذين المبنيين لا يقين بالحكم ، بل على الاول ليس هناك حكم مجعول اصلا لا عند الاصابة ولا عند الخطأ ، اما عند الاصابة فالحكم الموجود هو الحكم الواقعي والمجعول بالحجية ليس إلّا المنجزية ، واما عند الخطأ فلا حكم هناك لا واقعا لفرض الخطأ ، ولا حكم تعبدا ايضا لفرض الخطا ايضا ، وعند الخطأ لا حكم طريقي.

فاتضح ـ بناء على الطريقية ـ انه لا يقين بالحكم سابقا ، بل ليس هناك إلّا احتمال الحكم الواقعي بناء على مسلك المصنف في جعل الحجية ، واحتمال الحكم المماثل الطريقي بناء على المسلك الثاني في الطريقية. وحيث ان المفروض هو استصحاب الحكم والاستصحاب متقوم باليقين السابق ، فلا بد من كون متعلق اليقين هو الحكم ، ولا يقين متعلق بالحكم بناء على الطريقية في جعل الحجية.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد اشار الى ذلك بقوله : «ولا يخفى انه لا يقين بالحكم شرعا سابقا» حتى يجري استصحاب الحكم في حال الحياة لما بعد الموت ، واذا كان لا يقين سابقا بالحكم فلا مجال لاستصحاب الحكم لتقومه باليقين ولا يقين بالحكم. واشار الى الوجه في عدم اليقين السابق بالحكم بقوله : «فان جواز التقليد ان كان بحكم العقل وقضية الفطرة كما عرفت» في اول مبحث التقليد المتقدم «فواضح» لان حكم العقل ليس هو إلّا ان الرجوع الى المجتهد له ما للقطع من الآثار «فانه» بناء على كون التقليد بحكم العقل هو حكم العقل بان الرجوع الى المجتهد هو الحجة الفعلية بنظره بالنسبة الى المقلد ، والحجية الفعلية «لا يقتضي ازيد من تنجز ما اصابه» الرجوع الى الغير «من التكليف والعذر فيما اخطأ وهو واضح» أي ان هذا واضح اذا كان حجية الرجوع الى الغير غير مجعولة شرعا ، بل كانت بحكم العقل «وان كان» حجية الرجوع الى الغير «بالنقل» كما تدل عليه ادلة التقليد النقلية «فكذلك» ايضا «على ما هو التحقيق من ان قضية الحجية» المجعولة «شرعا ليست إلّا ذلك» أي ليست هي إلّا جعل المنجزية والمعذرية شرعا. ومثله الحال فيما اذا كانت الحجية المجعولة على الطريقية هي جعل الحكم المماثل الطريقي. وعلى كل منهما «لا» يكون المستفاد من دليل الحجية هو «انشاء أحكام شرعية على طبق مؤداها» أي مؤدى الطرق القائمة على الحكم سواء اصابت الطرق أم اخطأت كما هو مبنى الموضوعية في جعل الحجية للطرق «ف» اتضح مما ذكر انه «لا مجال لاستصحاب ما قلده» أي لا مجال لاستصحاب الحكم الذي قلد فيه ، لان الاستصحاب لا بد في جريانه من اليقين بالمستصحب سابقا ، وحيث ان المفروض ان المستصحب هو الحكم ، فلا بد من اليقين السابق بالحكم ، وقد عرفت انه لا يقين بالحكم فلا مجال لاستصحاب الحكم «لعدم القطع به سابقا».

٣٦٢

تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب ، فراجع (١) ، ولا دليل على حجية

______________________________________________________

(١) وهو التنبيه الثاني. وملخص ما ذكره فيه : انه يجري الاستصحاب وان كان لا يقين بالحكم ، بتقريب ان المراد من اليقين المقوم للاستصحاب والمأخوذ ركنا في ادلة الاستصحاب ليس هو اليقين بما هو صفة للنفس ، بل بما هو كاشف عن الثبوت واقعا. وعليه فالمستفاد من ادلة الاستصحاب جعل الملازمة بين ما ثبت واقعا سابقا ، وبين ثبوته بقاء لاحقا : أي جعل الملازمة بين ثبوت الحكم واقعا سابقا ، وبين ثبوته ظاهرا بقاء تعبدا. واذا كان المستفاد من الاستصحاب جعل هذه الملازمة فيكون الحجة على الثبوت حجة على البقاء ، لان الحجة على احد المتلازمين حجة على الآخر ، ولا بد من ان يكون منجز الثبوت منجزا للبقاء لاجل هذا التلازم. وعلى هذا فلا حاجة في مقام الشك بقاء الى اليقين بالثبوت ، بل نفس الحجة المنجزة للثبوت سابقا تكون حجة على الحكم الظاهري بقاء ، لانه بعد جعل الملازمة بين الثبوت واقعا والحكم الظاهري بقاء فنفس الحجة المنجزة القائمة على الثبوت تكون حجة على الحكم الظاهري بقاء عند الشك لاحقا ، فلا حاجة في جريان الاستصحاب الى اليقين بالحكم سابقا ، بل بناء على جعل الحجية في الطرق يجري الاستصحاب فيما اذا قامت الحجة على الثبوت لانها هي الحجة على الحكم الظاهري بقاء. ففي المقام وان لم يجعل الحكم النفسي في مورد الامارة او في مورد التقليد كما هو مبنى الموضوعية ، بل قلنا بجعل حجية الخبر او حجية الرجوع الى الغير ، إلّا انه بعد ان قامت الحجة على الحكم بحسب رأي المجتهد المقلد في حال حياته ، فنفس حجية الرجوع في حال الحياة تكون منجزة للحكم الواقعي ، ومنجز الثبوت هو منجز البقاء تعبدا .. هذا ملخص ما تكلفه في التنبيه الثاني من الاستصحاب.

ولعل السبب في كونه تكلفا هو ان المستفاد من ادلة الاستصحاب جعل الملازمة بين المثبت للحكم الواقعي وبين الحكم بالبقاء تعبدا ، سواء كان المثبت للحكم يقينا او غير اليقين ، فالملازمة بين المثبت للحكم الواقعي وبين الحكم بالبقاء ، لا بين

٣٦٣

رأيه السابق في اللاحق (١).

وأما بناء على ما هو المعروف بينهم ، من كون قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما أدت إليه من الاحكام الواقعية التكليفية أو الوضعية شرعا في الظاهر ، فلاستصحاب ما قلده من الاحكام وإن كان مجال ، بدعوى بقاء الموضوع عرفا ، لاجل كون الرأي عند أهل العرف من أسباب العروض لا من مقومات المعروض (٢).

______________________________________________________

الثبوت الواقعي للحكم والحكم بالبقاء تعبدا. وحيث ان المثبت هنا هو حجية رأي المجتهد ، ورأي المجتهد بعد انعدامه بنظر العرف لا يكون منجزا للحكم بقاء ، لان كونه منجزا للبقاء تعبدا يتوقف على بقاء الموضوع في القضيتين ، ولا بقاء للموضوع كما عرفت.

(١) حاصله : انه بعد ان كان الاستصحاب ـ بناء على المختار له من جعل الحجية ـ لا مجرى له في نفس الحكم لعدم اليقين بالحكم ، وبالنسبة الى نفس حجية رأي المجتهد في السابق لا مجرى له ايضا لعدم الموضوع بنظر العرف ، فلا جريان للاستصحاب بناء على الطريقية ، ولذا بعد ان نفى جريان الاستصحاب في الحكم عقبه بقوله : «ولا دليل على حجية رأيه السابق في اللاحق».

(٢) بعد ذكر عدم وجه جريان الاستصحاب على الطريقية في جعل الحجية لا في نفس الحكم ولا في حجية الرأي ـ تعرض لجريان الاستصحاب على الموضوعية.

وحاصله : انه بناء على الموضوعية المجعول هو الحكم النفسي على طبق ما ادى اليه الخبر ، وعلى طبق ما ادى اليه رأي المجتهد ، ورأي المجتهد بالنسبة الى الحكم ليس من قبيل الموضوع بل هو من قبيل العوارض بالنسبة الى الحكم لا من قبيل الموضوع بالنسبة اليه ، وعند قيام رأي المجتهد على الحكم يجعل الحكم النفسي الظاهري على طبقه ، وبعد تقليده يكون ذلك الحكم النفسي الظاهري فعليا بالنسبة الى المقلد ، ويشك في ارتفاعه بعد موت المجتهد ، فيستصحب لليقين السابق به والشك اللاحق

٣٦٤

إلا ان الإنصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف ، فانه من المحتمل لو لا المقطوع ان الاحكام التقليدية عندهم أيضا ليست احكاما لموضوعاتها بقول مطلق بحيث عد من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه بسبب تبدل الرأي ونحوه ، بل إنما كانت أحكاما لها بحسب رأيه بحيث عد من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عند التبدل ، ومجرد احتمال ذلك يكفي في عدم صحة استصحابها لاعتبار إحراز بقاء الموضوع ولو عرفا ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

بسبب الموت لاحتمال دخالة الحياة ، فلا مانع من جريان الاستصحاب على الموضوعية. والى هذا اشار بقوله : «واما بناء على ما هو المعروف بينهم من كون قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما أدّت اليه من الاحكام الواقعية التكليفية» كالوجوب «او الوضعية شرعا» كالملكية في البيع «في الظاهر» والمراد من قوله في الظاهر هو حال الشك في الحكم الواقعي ، واما الحكم المجعول على طبق ما ادى اليه الطريق فهو حكم نفسي ، وعلى هذا «فلاستصحاب ما قلده» فيه «من الاحكام» في حال الحياة «وان كان له مجال بدعوى بقاء الموضوع» لان موضوع الحكم هو متعلقه دون الخبر القائم عليه او رأى المجتهد المؤدى له «لاجل كون الرأي عند اهل العرف من اسباب العروض» أي من اسباب عروض الحكم على موضوعه «لا من مقومات المعروض» وهو الموضوع.

(١) حاصله : منع كون رأي المجتهد من اسباب العروض ، بل رأي المجتهد ـ بناء على الموضوعية ـ مما له دخالة في الموضوع ، لان متعلق الحكم الواقعي كوجوب الجمعة او وجوب القصر والاتمام وان كان موضوعه هو الجمعة والقصر والاتمام ، إلّا ان الحكم النفسي الظاهري المستفاد من ادلة التقليد لم يكن فعليا بالنسبة الى المقلد من دون قيد ، بل كان مقيدا بعنوان انه اتباع لرأي المجتهد.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : ان الحكم المجعول ـ بناء على الموضوعية في الطرق ـ هو وجوب الجمعة او القصر بعنوان كونه اتباعا لرأي المجتهد لا مطلقا ، فرأي المجتهد له دخالة في جعل الحكم النفسي الظاهري للجمعة او القصر ، ومعنى هذا ان لراي المجتهد دخالة فيما هو موضوع الحكم ، وليس موضوع الحكم هو الجمعة او القصر من دون رأي قيد.

والحاصل : انه فرق بين وجوب الجمعة والقصر الذي هو الحكم الواقعي فان تمام الموضوع لهما هو نفس الجمعة والقصر ، وبين الوجوب المجعول على طبق رأي المجتهد ، فان متعلقه وان كان هو الجمعة والقصر إلّا انه ليس ذلك هو تمام الموضوع ، بل هو وجوب الجمعة والقصر بما هو اتباع من المقلد لرأي المجتهد ، فلرأي المجتهد دخالة في ما هو الموضوع. ويدل على دخالة رأي المجتهد انه عند تبدل رأي المجتهد يرتفع الحكم عندهم بارتفاع الرأي. وحيث يكون لرأي المجتهد دخالة فيما هو الموضوع لا جريان للاستصحاب ، لما عرفت من كون رأي المجتهد مرتفعا بنظر العرف ، فيكون الموت موجبا لارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ، لا موجبا للشك في الحكم مع بقاء موضوعه. ولا اقل من احتمال كون رأي المجتهد دخيلا في الموضوع وهو كاف في عدم جريان الاستصحاب ، لانه لا بد في جريانه من احراز بقاء الموضوع ، ومع احتمال عدم بقاء الموضوع لا يكون بقاء الموضوع محرزا فلا يجري الاستصحاب.

فاتضح مما ذكرنا : ان دعوى جريان استصحاب الحكم ـ بناء على الموضوعية ، لان رأي المجتهد من اسباب العروض لا داخل في الموضوع ـ غير صحيحة. فلا مجرى للاستصحاب حتى بناء على الموضوعية في جعل الطرق. ولذا قال (قدس‌سره) : «إلّا ان الانصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف» أي ان دعوى كون رأي المجتهد من اسباب العروض لا دخيلة في المعروض ـ أي الموضوع ـ غير خالية عن الجزاف «فانه» لا اقل من كون دخالته في الموضوع «من المحتمل لو لا» ان ندعي ان

٣٦٦

هذا كله مع إمكان دعوى انه اذا لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي بسبب الهرم او المرض إجماعا لم يجز في حال الموت بنحو اولى قطعا (١) ، فتأمل (٢).

______________________________________________________

دخالته من «المقطوع» به ل «أن الاحكام التقليدية عندهم ليست احكاما لموضوعاتها بقول مطلق» كما هو في الاحكام الواقعية «بحيث» يكون قد «عد» ارتفاعها «من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه بسبب تبدل الرأي ونحوه» من المرض والهرم وقد عرفت انه ليس كذلك ، ولذا قال : «بل انما كانت احكاما لها» أي انها أحكام لموضوعاتها بما هي مقيدة «بحسب رأيه بحيث عد من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عند التبدل و» مع التنزل عن القطع بكونها كذلك فان «مجرد احتمال ذلك» أي مجرد احتمال دخالة الرأي في ما هو الموضوع لتلك الاحكام «يكفي في عدم صحة استصحابها ل» وضوح لزوم «اعتبار احراز بقاء الموضوع ولو عرفا».

(١) حاصله الاستدلال بالأولوية على عدم جواز البقاء على تقليد المجتهد بعد الموت ، بتقريب : انه لا اشكال عندهم في انه لا يجوز البقاء على رأي الحي الاول بعد تبدل رأيه ، ولا اشكال ايضا في عدم جواز البقاء على تقليد الحي بعد اختلال رأيه بمرض او هرم ، واذا لم يجز البقاء على تقليده عند التبدل او الهرم فلا يجوز البقاء على تقليده عند الموت بطريق اولى والوجه في الاولوية : ان المجتهد لا ينعدم كله بالتبدل او الهرم ، بخلاف الموت فان المجتهد ينعدم كله بالموت ، فاذا كان مع بقاء اكثره لا يجوز البقاء على تقليده ، فمع عدم بقائه بكله لا يجوز تقليده بطريق اولى. وعبارة المتن واضحة.

(٢) لعله اشارة الى منع الاولوية ، فان الرأي بالتبدل وبالاختلال بالمرض او الهرم لا بقاء له حقيقة وعقلا ، بخلاف الموت فانه لا بقاء له بحسب رأي العرف لا حقيقة وعقلا. وبقاء اكثره مع التبدل والهرم لا يوجب الاولوية ، مع ان الرأي غير باق

٣٦٧

ومنها : إطلاق الآيات الدالة على التقليد.

وفيه : مضافا الى ما أشرنا اليه من عدم دلالتها عليه ـ منع اطلاقها على تقدير دلالتها وإنما هو مسوق لبيان أصل تشريعه كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

حقيقة بالتبدل والهرم ، وهو باق حقيقة عقلا بالموت كما يدل على ذلك القرآن الكريم قال تبارك وتعالى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(١) والله العالم.

(١) هذا هو الدليل الثاني الذي استدلوا به على جواز تقليد الميت الاستمراري.

والآيات المشار اليها آية النفر وآية السؤال ، وكيفية الاستدلال بهما هو الاستدلال باطلاقهما ، بدعوى ان آية النفر قد دلت على حجية قول المنذر ، وباطلاقه يدل على حجية قوله وان مات لعدم تقييد حجيته بكونه ما دام حيا. ومثلها آية السؤال فانها قد دلت على حجية قول المسئول في مقام الجواب مطلقا غير مقيدة لحجيته بالحياة.

وقد اجاب عن هذا الاستدلال بجوابين :

الاول : انه لا دلالة لهما على التقليد حتى يكون لهما اطلاق من حيث الحياة والموت. بل غاية ما يمكن ان يدعى هو دلالة آية النفر على حجية الخبر لا على حجية الرأي ، لان المستفاد منها هو حجة قول المنذر في اخباره عما سمعه وشاهده. واما آية السؤال فلا دلالة لها لا على حجية الخبر ولا على التقليد كما مر بيان ذلك. والى هذا اشار بقوله : «وفيه مضافا الى ما اشرنا اليه من عدم دلالتها عليه» أي على اصل التقليد.

الثاني : انه على فرض تسليم دلالتهما على اصل التقليد لا اطلاق لهما ، لانهما واردان في مقام تشريع اصل التقليد ، لا في مقام بيان طوارئه من حيث الحياة والموت. والى هذا اشار بقوله : «منع اطلاقها» أي مضافا الى ما ذكرنا من عدم

__________________

(١) ق : الآية ٢٢.

٣٦٨

ومنه انقدح حال إطلاق ما دل من الروايات على التقليد ، مع إمكان دعوى الانسباق الى حال الحياة فيها (١).

ومنها : دعوى أنه لا دليل على التقليد إلا دليل الانسداد ، وقضيته جواز تقليد الميت كالحي بلا تفاوت بينهما أصلا كما لا يخفى.

وفيه : انه لا يكاد تصل النوبة اليه ، لما عرفت من دليل العقل والنقل عليه (٢).

______________________________________________________

الدلالة على اصل التقليد نمنع ان للآيات اطلاقا على جواز التقليد بعد الموت «على تقدير دلالتها» على اصل التقليد لان مساقها لغير الطوارئ من حيث الحياة والموت «وانما هو مسوق لبيان اصل تشريعه» أي اصل تشريع التقليد لا للتقليد من حيث طوارئه.

(١) أي مما ذكرنا ـ من منع اطلاق الآيات من حيث الحياة والموت ـ ينقدح انه لا مجال للاستدلال على صحة التقليد الاستمراري باطلاق الروايات الدالة على التقليد كقوله عليه‌السلام : هم حجتي عليكم وانا حجة الله. بدعوى انها تدل على الرجوع في الحوادث الى رواة احاديثهم وهم حجة عليكم وان ماتوا. وقد ظهر منع هذه الدعوى ، لان الروايات قد وردت لمشروعية اصل التقليد ، لا لبيان احواله وطوارئه. هذا أولا.

وثانيا : ان دعوى ان المنصرف من مثل قوله عليه‌السلام ـ وعجل الله فرجه ـ : واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا ، هو الرجوع الى خصوص الاحياء فلا تشمل الاموات.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ومنه انقدح حال اطلاق ما دل من الروايات على التقليد». والى ما ذكره ثانيا اشار بقوله : «مع امكان دعوى الانسباق الى حال الحياة فيها».

(٢) هذا هو الدليل الثالث على جواز التقليد الاستمراري. وحاصله : ان دليل التقليد هو دليل الانسداد لا غير ، لعدم دلالة الآيات والروايات عليه كما مرت

٣٦٩

ومنها : دعوى السيرة على البقاء ، فإن المعلوم من أصحاب الائمة (عليهم‌السلام) عدم رجوعهم عما أخذوه تقليدا بعد موت المفتي.

وفيه : منع السيرة فيما هو محل الكلام ، وأصحابهم (عليهم‌السلام) إنما لم يرجعوا عما أخذوه من الاحكام ، لأجل أنهم غالبا إنما كانوا يأخذونها ممن ينقلها عنهم عليهم‌السلام ، بلا واسطة أحد ، او معها من

______________________________________________________

المناقشة فيها. ومقدماته هي : العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الفعلية ، وانسداد باب العلم والعلمي على الجاهل ، وعدم جواز الاهمال ، وعدم امكان الاحتياط ولا الرجوع الى الاصول للعامي لعدم معرفته ، وانحصار الحال على هذا بتقليده للغير لانه اقرب الامور بالنسبة اليه الى معرفة التكاليف الفعلية عليه.

ولا يخفى ان النتيجة على هذا هو حجية رأي المجتهد بالنسبة الى العامي من دون فرق بين الحي والميت. ولا يخفى ايضا انه لو تم دليل الانسداد لدل على جواز تقليد الميت ابتداء ايضا ، بل لدل ايضا على تعيين تقليد الميت فيما اذا كان اعلم من الحي لانه اقرب الى معرفة التكاليف الواقعية الفعلية.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «دعوى انه لا دليل على التقليد الا دليل الانسداد وقضيته جواز تقليد الميت كالحي بلا تفاوت بينهما اصلا» كما عرفت ، بل ربما يتعين تقليد الميت.

والجواب عنه منع المقدمة الثانية وهي انسداد باب العلم والعلمي ، لما عرفت من انفتاح باب العلم والعلمي. اما انفتاح باب العلم الدال على التقليد فهو ما مرت الاشارة اليه : من انه من الامور البديهية الوجدانية. واما انفتاح باب العلمي فهو الاخبار الدالة على التقليد التي قد مر بيانها. والى هذا اشار بقوله : «وفيه انه لا يكاد تصل النوبة اليه» أي لا تصل النوبة الى دليل الانسداد «لما عرفت من دليل العقل والنقل عليه».

٣٧٠

دون دخل رأي الناقل فيه أصلا ، وهو ليس بتقليد كما لا يخفى (١) ، ولم يعلم الى الآن حال من تعبد بقول غيره ورأيه أنه كان قد رجع او لم يرجع بعد موته.

ومنها : غير ذلك مما لا يليق بأن يسطر او يذكر (٢).

______________________________________________________

(١) هذا هو الدليل الرابع على التقليد الاستمراري. وحاصله : دعوى السيرة على البقاء ، بتقريب : ان سيرة المتشرعة هو البقاء على ما اخذوه من المجتهد في مقام التقليد بعد موته ، ولم يعرف منهم الرجوع عما اخذوه من الحي بعد موته. وحيث ان هذه السيرة ممتدة الى زمان الائمة عليهم‌السلام فهي كاشفة عن صحة البقاء على تقليد الميت شرعا.

والجواب عنها : ان السيرة على البقاء على التقليد ـ وهو البقاء على ما اخذوه من الحي باعمال رأيه ـ ممنوعة ، وانما سيرة المتشرعة على البقاء على ما اخذوه من الاحياء فيما رووه : أي ان السيرة قائمة على بقاء حجية ما يرويه الراوي بعد موته ، لا على بقاء حجية ما يراه بحسب اعمال رأيه.

وقد اشار الى منع السيرة على البقاء في مقام التقليد بقوله : «وفيه منع السيرة فيما هو محل الكلام». واشار الى ان السيرة انما هي على البقاء في مقام الرواية لا في التقليد بقوله : «واصحابهم عليهم‌السلام انما لم يرجعوا عما اخذوه من الاحكام» عن الاحياء بعد موتهم «لاجل انهم غالبا انما كانوا يأخذونها» أي انما يأخذون الاحكام «ممن ينقلها عنهم عليهم‌السلام بلا واسطة احد او معها» أي أو مع الواسطة «من دون دخل رأي الناقل فيه» أي فيما ينقله «اصلا وهو ليس بتقليد» بل مرجعه الى حجية الرواية بعد موت الراوي ، لا الى حجية رأيه.

(٢) هذا بيان لمنع قيام السيرة على البقاء في مقام التقليد. وحاصله : انه لم يعلم حال المقلدين من انهم رجعوا او لم يرجعوا عن تقليدهم بعد موت المجتهدين الذين قلدوهم. وعبارة المتن واضحة.

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

انتهى بحمد الله ومنه وفضله الفراغ من هذا الشرح في يوم السبت الرابع من صفر الخير سنة الالف والثلاثمائة والاثنتين والثمانين من الهجرة ، على مهاجرها واهل بيته افضل الصلاة والسلام ، راجين منه تعالى التوفيق للموافاة على منهاجهم وولائهم واتباع هداهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.

٣٧٢

الفهرس

٣٧٣
٣٧٤

الفهرس

المقصد الثامن : مبحث التعادل والتراجيح........................................... ١

الفصل الاول : تعريف التعارض.................................................... ٣

تعريف الحكومة.................................................................. ٨

الجمع العرفي................................................................... ١٢

تقدّم الامارات على الاصول...................................................... ١٦

حمل الظاهر على النص أو الاظهر................................................ ٢٧

صور تعارض الدليلين........................................................... ٣٠

الفصل الثاني : الاصل الاولي في المتعارضين بناء على الطريقية......................... ٣٥

حجية احدهما بنحو التخيير العقلي بينهما.......................................... ٣٦

حجية الخبر الموافق للواقع وعدم حجية الخبر الكاذب................................ ٣٧

حجية احدهما من غير تعيين..................................................... ٣٨

نفي الثالث بالمتعارضين.......................................................... ٣٩

سقوط المتعارضين في الحجيّة الفعلية............................................... ٤٠

مختار الشيخ الاعظم (قده) من التخيير مطلقا ـ بناء على السببية ـ وتعريض المصنف (قده) به من وجوه         ٤٤

قاعدة (الجمع مهما امكن اولى من الطرح) والاشكال عليها........................... ٥٨

الفصل الثالث : القاعدة الثانوية في الخبرين المتعارضين............................... ٦٥

تأسيس الاصل................................................................. ٦٦

الأخبار العلاجية............................................................... ٦٩

أخبار التخيير.................................................................. ٧٠

أخبار الوقوف.................................................................. ٧٢

٣٧٥

أخبار الاحتياط................................................................ ٧٣

أخبار الترجيح.................................................................. ٧٤

الاقوال المشار اليها في الترجيح ثلاثة............................................... ٧٥

تحقيق فساد الاقوال الثلاثة....................................................... ٧٦

مقبولة عمر بن حنظلة.......................................................... ٧٦

مرفوعة زرارة.................................................................... ٧٧

اشكالات المصنف في الاستدلال بهما على وجوب الترجيح........................... ٧٧

حكم سائر الاخبار المشتملة على المرجحات........................................ ٨٥

دلالة اخبار موافقة الكتاب ومخالفة العامة على تمييز الحجة على اللاحجة.............. ٨٥

الاستدلال على وجوب الترجيح بوجوه أخر........................................ ٩٢

الاجماع على الأخذ بأقوى الدليلين ومنعه.......................................... ٩٢

الترجيح بحكم العقل ومنعه....................................................... ٩٣

الإفتاء بالتخيير بين الخبرين المتعارضين............................................. ٩٩

الفصل الرابع : الاقتصار على المرجحات المنصوصة والتعدي عنها................... ١٠٤

الاستدلال على التعدي بوجوه.................................................. ١٠٤

مناقشة المصنف (قده) فيها..................................................... ١٠٧

الفصل الخامس : اختصاص الاخبار العلاجية بغير موارد الجمع العرفي................ ١٢٥

إشكال المصنف (قده) على مسلك المشهور بوجوه ثلاثة............................ ١٢٨

الفصل السادس : تمييز الظاهر عن الأظهر....................................... ١٣٦

ترجيح العموم على الاطلاق والتقييد على التخصيص.............................. ١٣٧

دوران الأمر بين التخصيص والنسخ............................................. ١٤١

٣٧٦

الفصل السابع : انقلاب النسبة وعدمه.......................................... ١٥٤

وجهان في لزوم الانقلاب...................................................... ١٦٠

الجواب عن الوجهين........................................................... ١٦٢

لزوم تخصيص العام بكل واحد من الخصوصيات ما لم يلزم محذور الاستهجان.......... ١٧٠

الفصل الثامن : رجوع جميع المرجحات الى الصدور................................ ١٧٩

عدم مراعاة الترتيب بين المرجحات.............................................. ١٨٥

ايراد المصنف (قده) على مراعاة الترتيب.......................................... ١٨٨

ايراد المصنف (قده) على الشيخ الاعظم (قده).................................... ١٩٥

برهانان للمحقق الرشتي (قده) على لزوم تقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري.... ٢٠٢

الفصل التاسع : المرجحات الخارجية............................................. ٢١١

اقسام المرجح الخارجي......................................................... ٢١١

مذهب الشيخ الاعظم (قده) في لزوم التعدي والترجيح بما يوجب الاقربية للمضمون ـ ومناقشة المصنف (قده) ٢١٤

الخاتمة / في الاجتهاد والتقليد................................................... ٢٢٩

الفصل الاول : تعريف الاجتهاد................................................ ٢٣١

الفصل الثاني : انقسام الاجتهاد الى مطلق ومتجز................................. ٢٣٨

توهم عدم وقوع الاجتهاد المطلق والجواب عنه..................................... ٢٤٠

اشكال رجوع الغير الى المجتهد الذي انسد باب العلم والعلمي عليه................... ٢٤٣

اشكال رجوع الجاهل الى المجتهد في مورد الاصول العقلية............................ ٢٥٢

نفوذ قضاء المجتهد المطلق الانفتاحي............................................. ٢٥٥

٣٧٧

الاشكال في نفوذ قضاء المجتهد الانسدادي على الحكومة........................... ٢٥٧

التجزي في الاجتهاد........................................................... ٢٦٣

استدلال المصنف (قده) على إمكانه............................................ ٢٦٤

حجية رأي المتجزي لعمل نفسه................................................. ٢٧٣

جواز تقليد المتجزي ورجوع الغير اليه............................................. ٢٧٤

نفوذ قضاء المتجزي........................................................... ٢٧٦

الفصل الثالث : مبادئ الاجتهاد............................................... ٢٧٧

الفصل الرابع : التخطئة والتصويب.............................................. ٢٨٢

الفصل الخامس : تبدّل رأي المجتهد.............................................. ٢٩٣

تفصيل صاحب الفصول بين تعلق الاجتهاد في نفس الحكم وبين كونه في متعلق الحكم. ٣٠١

استدلال صاحب الفصول على لزوم عدم البطلان في المتعلقات..................... ٣٠٣

جواب المصنف (قده) عن استدلال صاحب الفصول.............................. ٣٠٥

الفصل السادس : التقليد وبعض احكامه........................................ ٣٠٩

المقام الاول : في معنى التقليد................................................... ٣٠٩

المقام الثاني : الدليل على التقليد................................................ ٣١٢

الاخبار الدالة على جواز التقليد................................................ ٣٢١

الفصل السابع : تقليد الاعلم................................................... ٣٢٩

مناقشة المصنف (قده) في ادلة التقليد بحيث تشمل مورد الاختلاف في الفتوى........ ٣٣٦

دعوى السيرة على الاخذ بفتوى احد المخالفين................................... ٣٤٠

استلزام وجوب تقليد الأعلم للعسر والجواب عنه................................... ٣٤١

٣٧٨

ادلة وجوب تقليد الاعلم....................................................... ٣٤٣

الفصل الثامن : تقليد الميت.................................................... ٣٥١

ادلة جواز تقليد الميت ومناقشة المصنف (قده) فيها................................ ٣٥٢

الفهرس...................................................................... ٣٧٣

٣٧٩