بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-065-9
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٧٩

امرأة له من أحكامهم (عليهم‌السلام) فصحة إسناد حكمه إليهم (عليهم‌السلام) إنما هو لاجل كونه من المنصوب من قبلهم (١).

______________________________________________________

(١) حاصله : الاشارة الى ما يمكن ان يكون منافيا لما ادعاه من صدق الموضوع على من يرى الانسداد .. وتوضيح ذلك : ان ما ذكرت من ان من حصّل جملة من الاحكام بالطرق الثلاثة وهي المتواترات والاجماعات القطعية والضروريات ، يصدق عليه انه عرف احكامهم ونظر في حلالهم وحرامهم ، الّا انه ينافيه قوله عليه‌السلام في المقبولة ـ فاذا حكم بحكمنا ـ فان ظاهره كون ما يحكم به بين المتنازعين هو حكمهم ، ولازم ذلك كون الحكم الذي يحكم به بينهم مجعولا اما بنفسه بناء على جعل الحكم على طبق مؤدّى الامارات ، او كون المجعول ما ينجّزه بناء على كون المجعول هو الحجية. وعلى هذا فتكون هذه الفقرة مبيّنة للموضوع الذي به تكون الروايات صادقة على من له منصب القضاء ، وحينئذ لا بد من خروج من يرى الانسداد عن منصب القضاء حيث يكون قضاؤه مستندا الى ظنه الانسدادي ، وهذا هو محل الاشكال في المقام لا حكم من يرى الانسداد ـ على غير الحكومة ـ المستند حكمه الى المتواترات او الاجماعات أو الضروريات.

والحاصل : انه بموجب هذه الفقرة وهي قوله عليه‌السلام : فاذا حكم بحكمنا ، يكون الموضوع تعبّدا بذلك ، فالموضوع على هذا هو من عرف احكامهم بحيث يكون حكمه في مورد القضاء حكمهم ، ولازم ذلك خروج من يرى الانسداد عن الروايات ، لوضوح عدم كون حكمه المستند الى ظنه الانسدادي على الحكومة (١) هو

__________________

(١) المتحصّل من هذا الاشكال : هو ان الظاهر من حكمهم هو حكمهم المجعول اما هو او حجيته ، والانسداد على الكشف المجعول هو الظن في حال الانسداد ، كالحجية للخبر بناء على ان المجعول الحجية. اما الانسداد على نحو الحكومة فلا جعل فيه من الشارع ، فالاشكال يختصّ بخصوص الانسداد على نحو الحكومة ، فان ظاهر حكمنا في المقبولة يقتضي خروجه عن منصب القضاء (منه قدّس سره).

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

حكمهم عليهم‌السلام ، لوضوح عدم جعل الشارع لذلك الحكم ، ولا للحجة القائمة عليه. والى ما ذكرنا اشار بقوله : «واما قوله عليه‌السلام في المقبولة فاذا حكم بحكمنا» بان يدعى منافاته لما مرّ من تحقق موضوع منصب القضاء لمن يرى الانسداد بنحو الحكومة.

والجواب عنه : ان المراد من كون حكمه حكمهم عليهم‌السلام ليس كون الحكم الذي يحكم به مستندا اليهم عليهم‌السلام ، بل المراد من نسبة حكمه اليهم عليهم‌السلام لأنّه حكم من جعلوه قاضيا وحاكما ، فان جعله حاكما وقاضيا معناه جعل النيابة له عنهم عليهم‌السلام في القضاء ، ومن الواضح ان النائب المجعول من قبل من له الامر يصح نسبة جميع احكامه الى من جعله حاكما وقاضيا بالنيابة عنه.

ويدل على كون المراد من نسبة حكم الحاكم اليهم هو ما ذكرناه ، من ان مورد المنازعات كلها او جلّها موضوعات خارجية جزئية ، وحكم الشارع انما هو في الشبهات الحكمية الكلية لا في الموضوعات الخارجية الجزئية ، لبداهة ان حكم الحاكم ـ في كون هذه الدار المتنازع فيها هي لزيد ، او الزوجة المتنازع فيها هي زوجة عمر ـ ليس هذا هو حكم الامام عليه‌السلام حتى لو كان المجتهد الحاكم ممن يرى الانفتاح ، ولا اشكال ان حكم هذا الحاكم مشمول لقوله عليه‌السلام حكم بحكمنا ، وانما تصحّ نسبة هذا الحكم اليهم عليهم‌السلام لما ذكرنا : وهو كونه حكم من جعلوه نائبا عنهم عليهم‌السلام.

ينبغي ان لا يخفى ان كون المتنازع فيه غالبا من الشبهات الموضوعية لا يقتضي ما ذكره من الجواب ، لانه لا بد للقاضي من معرفة المدعي والمدعى عليه ، ومعرفة من عليه اليمين وكيفية اليمين ومقدار ما يلزم به من كيفية اليمين.

والحاصل : ان كون المراد من نسبة الحكم اليهم هو كون الحاكم مجعولا منهم خلاف الظاهر من قوله عليه‌السلام حكم بحكمنا ، وما استدل له يكون الحكم غالبا في الشبهات الموضوعية ، فان معرفة الشبهة الموضوعية ـ من كون الدار لزيد أو الزوجة لعمرو ـ بعد معرفة الحاكم بموازين القضاء ، وانه من المدعي ومن المدعى عليه ، وما

٢٦٢

وأما التجزي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام (١):

______________________________________________________

هو مورد التداعي ، ونحو ذلك من موارد انطباق الشبهة الحكمية .. فلا يتم الاستدلال المزبور.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «فالمراد ان مثله اذا حكم كان بحكمهم» عليهم‌السلام قد «حكم حيث كان منصوبا منهم» لا لان نفس حكمه حكمهم عليهم‌السلام ، بل هو من باب كون حكم النائب هو حكم المنوب عنه. واشار الى الدليل على ذلك بقوله :

«كيف» أي كيف يكون المراد من نسبة حكمه اليهم هو كون نفس حكمه حكمهم «و» الحال ان «حكمه غالبا يكون في الموضوعات الخارجية» الجزئية وليس للشارع حكم في الموضوعات الخارجية الجزئية «و» ذلك لوضوح انه «ليس مثل» حكمه في المنازعة في ملكية دار انها مملوكة لاي المتنازعين هو من احكامهم عليهم‌السلام ، فحكم الحاكم ب «ملكية دار لزيد» لا لعمرو «أو» حكمه في «زوجية امرأة له» لا لعمرو ليس هو «من احكامهم عليهم‌السلام».

فظهر ان الوجه في نسبة حكم الحاكم اليهم عليهم‌السلام هو ما ذكرنا من كونه نائبا عنهم ومنصوبا منهم ، لا كون الحكم الذي يحكم به هو بنفسه من احكامهم عليهم‌السلام ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فصحة اسناد حكمه» أي صحة اسناد حكم الحاكم «اليهم عليهم‌السلام انما هو لاجل كونه من المنصوب من قبلهم» وعلى هذا فلا تكون الفقرة المذكورة مقيدة للموضوع ، فلا تكون منافية لما ذكرنا من تحقق الموضوع لمن يرى الانسداد بمعرفته جملة من احكامهم بواسطة المتواترات والضروريات والاجماعات القطعية.

(١) لا يخفى ان المواضع التي مرت في الاجتهاد المطلق اربعة : امكانه ، وحجية رأي المجتهد المطلق على نفسه ، وحجية رأيه بالنسبة الى غيره أي جواز تقليده ، وكونه له منصب القضاء وفصل الخصومات.

٢٦٣

الاول : في إمكانه ، وهو وإن كان محل الخلاف بين الاعلام إلا أنه لا ينبغي الارتياب فيه ، حيث كانت أبواب الفقه مختلفة مدركا ، والمدارك متفاوتة سهولة وصعوبة ، عقلية ونقلية ، مع اختلاف الاشخاص في الاطلاع عليها ، وفي طول الباع وقصوره بالنسبة إليها ، فرب شخص كثير الاطلاع وطويل الباع في مدرك باب بمهارته في النقليات أو العقليات ، وليس كذلك في آخر لعدم مهارته فيها وابتنائه عليها ، وهذا بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركه أو لمهارة الشخص فيه مع صعوبته ، مع عدم القدرة على ما ليس كذلك (١) ، بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة

______________________________________________________

وهذه المواضع الاربعة ـ أيضا ـ موجودة في تجزي الاجتهاد : الاول : في امكانه. الثاني : في حجية رأيه بالنسبة الى نفسه. الثالث : في جواز تقليده. الرابع : في قضائه ونفوذ حكمه.

(١) وقع الكلام في امكان التجزي ، وهذا على العكس من الكلام في امكان المطلق ، فان دعوى عدم امكان المطلق مرجعها الى ان الممكن هو التجزي دون المطلق ، وعلى خلافه دعوى عدم امكان التجزي فان مرجعها الى ان الممكن هو الاجتهاد المطلق دون التجزي. فان امكان الاجتهاد ـ بما هو ـ مما لا ريب فيه ولم يقع خلاف في أصله ، وانما الخلاف في امكان المطلق منه ـ كما مر فيه ، وفي امكان التجزي كما هو محل الكلام هنا.

وقد استدل المصنف على امكانه بوجهين :

الاول : شهادة الوجدان بان الاجتهاد ـ وهو القدرة على استنباط الحكم من مدركه ـ مختلف بحسب اختلاف المدارك من حيث السهولة او الصعوبة لفظية او عقلية.

اما المدرك اللفظي السهل فمثل استنباط الحكم من الكتاب ، فانه لا يتوقف على اكثر من معرفة حجية الظواهر ومعرفة ظاهر الكتاب. واما المدرك اللفظي الصعب

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فمثل استنباط حكم الكر الذي كانت الاخبار فيه مختلفة ، فانه مع توقفه زيادة على معرفة حجية الظواهر يتوقف على معرفة حجية الخبر ، ومعرفة التعارض بين الاخبار ، ومعرفة أحكام التعارض ، وبعض الجهات الأخر كالرطل العراقي والرطل المدني ، فكون حكم الكر من المسائل الصعبة واضح لمن اراد استنباط حكم الكر.

واما المدرك العقلي السهل فمثل دوران الامر بين المحذورين ، فان كون حكم العقل فيه هو التخيير مما يدركه العقل بسهولة. واما المدرك العقلي الصعب فمثل استنباط حكم صحة الصلاة في المكان المغصوب او بطلانها المتوقف على معرفة مسألة اجتماع الامر والنهي في الواحد ذي الوجهين ، وهي من المسائل العويصة التي لا تزال محل الخلاف بين الاعلام.

هذا من ناحية الاختلاف في نفس استنباط الحكم عن مدركه من حيث السهولة والصعوبة.

واما الاختلاف من ناحية المستنبط فهو من حيث اختلافهم في سعة الاطلاع وقلته واختلافهم من ناحية عمق النظر وعدم عمقه.

والحاصل : ان الوجدان شاهد ـ ايضا ـ على اختلاف الاشخاص من جهة طول الباع وقصره ، واختلافهم في العقليات والنقليات ، فرب شخص طويل الباع في العقليات قصير الباع في النقليات وبالعكس.

وبعد شهادة الوجدان باختلاف المسائل المستنبطة ، واختلاف المستنبطين انفسهم ، يظهر واضحا امكان تجزي الاجتهاد لسهولة الاحكام المستنبطة من المدارك الواضحة ، وسهولة الاستنباط لبعض الاحكام عند من كان له سعة الاطلاع في النقليات ، او بعد الغور في المسائل العقلية.

ومما ذكرنا يظهر انه ربما يكون لبعض القدرة على استنباط بعض الاحكام دون بعضها ، وهذا هو معنى تجزي الاجتهاد.

٢٦٥

غير مسبوق بالتجزي ، للزوم الطفرة (١). وبساطة الملكة وعدم قبولها التجزئة ، لا تمنع من حصولها بالنسبة إلى بعض الابواب ، بحيث يتمكن

______________________________________________________

والمتحصل من هذا الدليل هو ان الاجتهاد عبارة عن مدارك متعددة مختلفة ، ويختلف ايضا من ناحية المستنبط من حيث سعة الاطلاع ومن حيث عمق النظر ، واذا كان كذلك فلا محالة يكون تجزي الاجتهاد موجودا بالفعل.

وقد اشار الى اختلاف المسائل نفسها ـ سهولة وصعوبة ـ بقوله : «حيث كانت ابواب الفقه مختلفة مدركا والمدارك متفاوته سهولة وصعوبة عقلية ونقلية». واشار الى الاختلاف من ناحية الاشخاص بقوله : «مع اختلاف الاشخاص في الاطلاع ... الى آخر الجملة». واشار الى ان هذا الاختلاف من هاتين الجهتين يستلزم التجزي في الاجتهاد بقوله : «وهذا بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركه ... الى آخر الجملة».

(١) هذا هو الوجه الثاني على امكان التجزي. وحاصله : ان الاجتهاد المطلق امر تدريجي الحصول ، واذا ثبتت تدريجيته فالعقل يحكم بضرورة التجزي في الاجتهاد ، لحكم العقل باستحالة الطفرة في كل امر

تدريجي. ولا فرق بين حكمه باستحالة الطفرة في المسافة الخارجية وبين الطفرة في الاجتهاد في ابواب الفقه ، وكما ان الطفرة في المسافات محال لاستلزامها الخلف ، من ناحية فرض كون الحصول في المكان الاخير متوقفا على الحصول قبله في المكان المتقدم عليه ، أو لزوم حصول المعلول من دون بعض ما تتوقف عليه علته ، فان الحصول في المكان المتقدم من بعض ما يتوقف عليه الحصول في المكان المتأخر ، والحال كذلك في كل امر تدريجي.

ومما ذكرنا يظهر : ان الطفرة محال في حصول الاجتهاد المطلق من دون حصول التجزي قبله لكون كل منهما امرا تدريجيا.

واما كون الاجتهاد تدريجيا فلما اشرنا اليه من ان استنباط بعض الاحكام يتوقف على مسائل تتوقف بعضها على بعض ، فان استنباط حكم الكر يتوقف على معرفة

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أحكام التعارض المتوقفة على حجية الظواهر اولا وحجية الخبر ثانيا. ومثل تعارض الاخبار الظاهر بعضها في وجوب الظهر وبعضها في وجوب الجمعة في زمان الغيبة ، فانه يتوقف معرفة الحكم في مثل هذه المسألة على حجية الظواهر أولا ، وكون الامر ظاهره الوجوب ثانيا ، ومعرفة أحكام التعارض ثالثا. ومن الواضح ان الامور المتوقف بعضها على بعض تدريجية. وبعد ثبوت كون الاجتهاد المطلق امرا تدريجيا يستحيل حصوله من دون حصول التجزي قبله ، وإلّا لزم الطفرة وهي محال.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزي للزوم الطفرة» ولا يخفى انه لا منافاة بين قوله عادة وبين كونه برهانا عقليا يستلزم الطفرة التي هي محال بحكم العقل ، لان المراد من قوله عادة هو طبيعة الانسان التي تكون معرفتها للاشياء على نحو التدريج.

وينبغي ايضا التنبيه على امر : وهو ان الاجتهاد بناء على كونه هو الملكة هل ان التدريجية فيها من جهة اختلاف المطلق من الاجتهاد للتجزي من ناحية الشدة والضعف او الكثرة والقلة.

وبعبارة اخرى : ان الاجتهاد المطلق هل هو عبارة عن ملكة واحدة قوية والتجزي هو الملكة الضعيفة؟ او ان الاجتهاد المطلق هو عبارة عن ملكات متعددة كثيرة والتجزي عبارة عن ملكات قليلة؟

والحاصل : ان التشكيك في الاجتهاد هل هو من التشكيك في الشدة والضعف؟ او انه من التشكيك في الزيادة والنقص؟

وربما يكون الظاهر من المصنف هو الاول ، ولكن الوجدان شاهد بانه من الثاني ، لبداهة كون الاجتهاد المطلق ملكات متعددة ، لان معرفة المدارك اللفظية غير معرفة المدارك العقلية ، ولا ينافي تعدد الملكات بساطة الملكة وهو واضح ، لعدم المانع من تعدد الامور البسيطة ، وقولهم ان البسيط لا يتثنى ولا يتكرر لازمه كون كل واحدة

٢٦٧

بها من الاحاطة بمداركه ، كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط في جميعها ، ويقطع بعدم دخل ما في سائرها به أصلا ، أو لا يعتني باحتماله لاجل الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله ، كما في الملكة المطلقة ، بداهة أنه لا يعتبر في استنباط مسألة معها من الاطلاع فعلا على مدارك جميع المسائل ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

من هذه الملكات لانها بسيطة لا تتثنى ولا تتكرر ، وإلّا فتعدد البسائط كالمجردات مما لا ريب فيه.

(١) ظاهر عبارة المتن الاشارة الى اشكال واحد ، إلّا انه يمكن ارجاعها الى اشكالين :

الاول : من ناحية بساطة الملكة ، بدعوى ان الاجتهاد هو ملكة يقتدر بها على استنباط الاحكام ، وحيث ان الملكة من البسائط والبسيط لا يعقل ان يتجزى ، لوضوح ملازمة التجزية للتركيب ، ولا يتثنى لان الثاني اما ان يكون مما يرتبط بالاول فيكون لازمه التركيب ، واما ان لا يرتبط به فهو بسيط آخر في قباله ، واما الارتباط بنحو الشرطية فغير مناف للبساطة ، لبداهة ان الشرط خارج عما به قوام الذات ، فلذا كان غير مناف للبساطة. فان حصلت هذه الملكة فلا بد وان تكون هي الاجتهاد المطلق وهي التي يقتدر بها على استنباط جميع الاحكام ، ولازم هذا عدم امكان تجزي الاجتهاد ، لان لازم تجزيه تجزي الملكة ، وقد عرفت انها بسيطة لا تتجزى ، لبداهة انه لو تجزى الاجتهاد لكانت الملكة مركبة مما يقتدر به على استنباط بعض الاحكام ومما يقتدر به على اكثر من ذلك وهو استنباط جميع الاحكام ، بل لو كان التجزي ممكنا للزم تركب الملكة من اجزاء عددها بقدر ابواب الفقه بل بقدر احكامه.

فاتضح عدم امكان تجزي الاجتهاد ، لأن لازم امكانه امكان تجزي الملكة ، وحيث انها من البسائط لا يعقل تجزيها ، فلا يعقل امكان تجزي الاجتهاد لأن ما يستلزم المحال محال.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والجواب عنه ـ بناء على وحدة الملكة ـ فهي وان كانت من الكيف النفساني وهو عرض ، والاعراض بسائط لانها ليس لها مادة وصورة ولا جنس وفصل ، بل مادتها وجنسها من نحو ذاتها ، فان البياض الشديد ليس بمركب من مادة وصورة ، وإلّا لزم تركب البياض من البياض وغير البياض ، فالبياض الشديد هو بياض بمرتبة قوية.

والحاصل : انه لا مانع من التشكيك في بعض البسائط ، وكونها مختلفة من حيث الشدة والضعف ، لضرورة كون البياض من الاعراض لانه من مقولة الكيف المبصر ، وهو مختلف من ناحية الشدة والضعف ، ولا ينافي هذا التشكيك بساطته لعدم التركيب في ذات الشيء اذا كان له حدود مختلفة ، لان البياض الضعيف هو واجد لتمام حقيقة البياض ، والبياض الشديد ليست حقيقته مركبة من مرتبة الضعف ومرتبة الشدة ، بل ليس هناك في البياض الشديد الا حقيقة واحدة للبياض ايضا ، وليست المرتبة الضعيفة تكون جنسا فصله المرتبة الشديدة ، بل هي حد يزول ويحل محله حد آخر ، لان المرتبة الضعيفة هي انتهاء الوجود الى حد خاص يرتفع ذلك الحد بوجود المرتبة القوية ، وهو انتهاء الوجود بحد أعلى من الحد الضعيف قد حل محله ، وتفصيل الكلام في هذا موكول الى محله.

وعلى كل فلا منافاة بين بساطة الملكة وكونها مختلفة من ناحية الضعف والشدة ، وهي ما يقتدر بها على استنباط بعض الاحكام وما يقتدر بها على استنباط جميع الاحكام.

والمراد من التجزي في الاجتهاد هو التبعيض من ناحية حدوده لا تركبه والتبعيض من ناحية ذاته.

والحاصل : ان الاجتهاد ملكة بسيطة لها حدود مختلفة : حدها الضعيف هو التجزي ، وحدها الشديد هو المطلق. هذا بناء على كون الاجتهاد ملكة واحدة بسيطة.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

واما بناء على كونه مجموعة ملكات كل واحدة منها يقتدر بها على استنباط الاحكام المرتبطة بها ، فلا وجه لهذا الاشكال ، لان كل واحدة من هذه الملكات بسيطة وبعض منها هو التجزي ومجموعها هو المطلق ، فلا يكون التجزي مستلزما لتجزي البسيط وهو واضح.

وقد اشار الى الاشكال في تجزي الاجتهاد من ناحية بساطة الملكة بقوله : «وبساطة الملكة وعدم قبولها التجزية». واشار الى الجواب بقوله : «لا تمنع من حصولها بالنسبة الى بعض الابواب» اما لعدم المنافاة بين بساطة الشيء وكونه مشككا له مراتب مختلفة من ناحية القوة والضعف ، واما لكونها عبارة من مجموعة ملكات. وعلى كل فلا منافاة بين البساطة والتجزي في الاجتهاد الذي هو ملكة بالنسبة الى بعض الابواب «بحيث يتمكن بها» أي يتمكن بواسطة تلك الملكة التي هي مرتبطة ببعض الابواب «من الاحاطة بمداركه» أي من الاحاطة بمدارك ذلك البعض من الابواب «كما اذا كانت له هناك ملكة» الاجتهاد المطلق وهي ملكة «الاستنباط في جميعها» أي في جميع الابواب.

الاشكال الثاني ، وحاصله : ان الاجتهاد الذي يكون الحكم المستنبط بواسطته يجوز العمل به للمستنبط منوط بالفحص ، لانه انما تتم حجيته له حيث لا يحتمل المجتهد ان هناك ما ينافي ما استنبط من الحكم ولم يطلع عليه ، وحيث ان المفروض في التجزي هو استنباط الحكم المرتبط ببعض ابواب الفقه مع عدم معرفة المستنبط الأبواب الأخر فلا يكون التجزي ممكنا ، لانه لا ريب في احتمال وجود ما ينافي ما استنبطه من الحكم في الأبواب الاخرى من الفقه ، وعليه فلا يعقل تجزي الاجتهاد لان ما استنبطه المتجزي لا يكون حجة الا حيث يقتدر على معرفة الابواب الأخر كلها ، واقتداره على معرفة جميع الابواب لازمه الاجتهاد المطلق ، ففرض امكان تجزي الاجتهاد مستلزم للخلف ، لان فرض القدرة على استنباط بعض الابواب لازمه القدرة على الابواب الأخر وهو فرض الاجتهاد المطلق لا التجزي.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : ان الاجتهاد في بعض الابواب بحيث لا يكون مرتبطا بالاجتهاد في الابواب الأخر ليس من التجزي في الاجتهاد ، والاجتهاد في بعض الابواب المرتبط بالاجتهاد في الابواب الأخر ليس من تجزي الاجتهاد بل هو الاجتهاد المطلق ، لما عرفت من ان كون الحكم الذي يجوز العمل به منوطا بالفحص ، بحيث لا يحتمل الفاحص ان هناك ما ينافي الحكم الذي استنبطه ، وحيث يحتمل وجود المنافي في الابواب الاخرى فلا يكون الحكم المستنبط الذي لم يفحص عما ينافيه في الابواب الأخر مما يجوز العمل به ، وحيث لا يجوز العمل به فلا يكون فرض التجزي من الاجتهاد. والحكم الذي يجوز العمل به في بعض الابواب الذي بحيث يكون المجتهد قادرا على الفحص عنه في الابواب الأخر هو من الاجتهاد المطلق ، لا من تجزي الاجتهاد.

والجواب عنه : ان استنباط الحكم ببعض الابواب وان كان مرتبطا بالفحص ، إلّا ان الفحص لا يستلزم الاحاطة بجميع الابواب الأخر ، فان الفحص اللازم هو ان لا يحتمل احتمالا عقلائيا وجود ما ينافي ما استنبطه ولم يطلع عليه. وربما يكون المستنبط مطمئنا ان لم يكن قاطعا ـ بعض الاحيان ـ بانه لا يوجد في الابواب الأخر ما ينافي ما استنبطه وان لم يكن له احاطة بها ، ولا سيما بعد تبويب الفقهاء للابواب والبحث عن كل باب وذكر كل ما يمكن ان يكون مرتبطا به. ومع الاطمئنان فاحتمال وجود المنافي ليس من الاحتمال المعتد به عند العقلاء ، لان الاطمئنان له حكم القطع عند العقلاء ، والاحتمال معه موهون جدا عندهم غير معتد به في نظرهم اصلا. ويدل على ذلك ان المجتهد المطلق اذا حصل له الاطمئنان في الحكم ـ في باب من الابواب ـ بان لا يوجد ما ينافيه في الابواب الأخر لا يلزمه الفحص في الابواب الأخر مع فرض قدرته على الفحص وليس ذلك إلّا للاطمئنان الذي به يتم الفحص اللازم عندهم.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

فظهر مما ذكرنا عدم توقف الاجتهاد في بعض الابواب على الاجتهاد في الابواب الأخر حتى يكون فرض التجزي مستلزما للخلف ، بل يمكن ان ينقض ـ ايضا ـ بان المجتهد المطلق الذي يقدر على استنباط جميع الاحكام لا يمكنه ان يستنبط حكما من الاحكام حتى يحيط بابواب الفقه جميعا ، لاحتمال ان يكون الحكم الذي استنبطه مربوطا بباب منها ، ولازمه كون المجتهد المطلق محيطا فعلا بجميع ابواب الفقه ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، وشهادة الوجدان على خلافه ، لان جل المجتهدين لا احاطة لهم فعلية بجميع ابواب الفقه ، بل المحيط بجميع ابواب الفقه مخلوق نادر جدا ان لم يكن لا وجود له.

ولا يخفى ان المصنف اشار الى الجواب عن هذا الاشكال الثاني ، من دون تعرض صريح منه لنفس الاشكال ، بل ظاهره بدوا انه مما يتعلق بالاشكال الاول ، وان كان في تعرضه للجواب عنه تلويح اليه. وعلى كل فقد اشار الى الجواب عنه بقوله : «ويقطع بعدم دخل ما في سائرها به» أي ويقطع بعدم دخل ما في ساير ابواب الفقه بالباب الذي استنبط حكمها «اصلا أو» ان لم نقل بحصول القطع بعدم الدخل فلا اقل من حصول الاطمئنان بذلك ، ومع الاطمئنان «لا يعتنى باحتماله» أي لا يعتنى باحتمال وجود المنافي في الابواب الأخر حيث يحصل للمستنبط الاطمئنان بعدم وجود المنافي فيها لما استنبطه في هذا الباب.

واشار الى ان الوجه في عدم الاعتناء بالاحتمال مع الاطمئنان ـ هو لان الفحص اللازم هو الفحص بالمقدار المعتد به في عرف العقلاء ـ بقوله : «لاجل» تحقق «الفحص بالمقدار اللازم» وهو الفحص «الموجب للاطمئنان بعدم دخله» أي الاطمئنان بعدم دخل ما في ساير الابواب في هذا الباب الذي استنبط الحكم فيه. واشار الى الدليل على الاكتفاء في التجزي بالاطمئنان بعدم الدخل هو كفاية هذا الاطمئنان في الاجتهاد المطلق من غير لزوم الفحص في الابواب الأخر بقوله : «كما في الملكة المطلقة» أي يقتدر بها على استنباط جميع الاحكام فانه من الواضح

٢٧٢

الثاني : في حجية ما يؤدي إليه على المتصف به ، وهو أيضا محل الخلاف ، إلا أن قضية أدلة المدارك حجيته ، لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق ، ضرورة أن بناء العقلاء على حجية الظواهر مطلقا ، وكذا ما دل على حجية الخبر الواحد ، غايته تقييده بما إذا تمكن من دفع معارضاته كما هو المفروض (١).

______________________________________________________

«بداهة انه لا يعتبر في استنباط مسألة معها» أي انه لا يعتبر مع تحقق الملكة المطلقة في استنباط ما يتعلق ببعض الابواب «من الاطلاع فعلا على مدارك جميع المسائل».

(١) بعد الفراغ من الكلام في الموضع الاول ـ وهو امكان تجزي الاجتهاد ـ اشار الى الموضع الثاني : وهو كون رأي المتجزي حجة عليه ام لا؟ ... وقد وقع الخلاف فيه ، إلّا ان الصحيح هو حجية رأي المتجزي عليه فيما ادى اليه نظره.

وبيان ذلك : ان الاصل وان كان عدم الحجية في غير مورد القطع بالحكم ، إلّا ان أدلة المدارك مختلفة : منها بناء العقلاء ، ومنها الجعل الشرعي المستفاد من الادلة القطعية ، وكلها تدل على حجية رأي المتجزي بالنسبة الى نفسه. اما ما كانت حجيته ببناء العقلاء كحجية الظواهر فان بناء العقلاء قد تم على الاخذ بالظاهر غير مقيد بقيد اصلا ، فان الظاهر كما هو حجة عندهم للمتصف بالاجتهاد المطلق ، كذلك هو حجة عند العقلاء للمتصف بالتجزي ، ولا فرق عندهم في حجية الظاهر بين شخص وشخص ، وانه كما لا فرق عندهم بين ظاهر وظاهر كذلك لا فرق عندهم فيمن قام عنده الظاهر ، سواء كان مجتهدا مطلقا او متجزيا.

واما ما كان حجة بالجعل من الشارع كحجية الخبر الواحد فانه ايضا لا تقييد فيه ، بل هو مطلق من حيث الاجتهاد المطلق والمتجزي ، فان آية النبأ تدل على حجية الخبر لمن جاءه النبأ مطلقا غير مقيد بقيد من حيث اطلاق الاجتهاد وتجزيه. نعم حيث ان ادلة حجية الخبر خرج عنها مورد التعارض فان القاعدة الاولى في المتعارضين هي عدم حجيتهما في مدلولهما المطابقي ، والقاعدة الثانية في الخبرين المتعارضين من

٢٧٣

الثالث : في جواز رجوع غير المتصف به إليه في كل مسألة اجتهد فيها ، وهو أيضا محل الاشكال ، من أنه من رجوع الجاهل إلى العالم ، فتعمه أدلة جواز التقليد ، ومن دعوى عدم إطلاق فيها ، وعدم إحراز أن بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة على الرجوع إلى مثله أيضا ، وستعرف إن شاء الله تعالى ما هو قضية الادلة (١).

______________________________________________________

الترجيح او التخيير تتوقف على معرفة ما به الترجيح ثم التخيير او التخيير مطلقا. وعلى كل فحجية الخبر بالفعل تتوقف على دفع ما يعارضه ، فلا بد من فرض قدرة المتجزي على دفع ما يعارض الخبر في مقام كونه حجة بالفعل.

والحاصل : ان ادلة حجية الخبر الاولية الدالة على حجية الخبر لمن جاءه النبأ وان كانت مطلقة ، إلّا انها مقيدة بان حجية الخبر بالفعل تتوقف على دفع ما يعارض حجيته ، فلا بد من فرض قدرة المتجزي على دفع ما يعارض حجيته. وقد اشار الى ان بناء العقلاء قائم على ما يشمل المتجزي بقوله : «ضرورة ان بناء العقلاء ... الى آخر الجملة» واشار الى دلالة الادلة اللفظية على ما يشمله ايضا بقوله : «وكذا ما دل على حجية الخبر الواحد» واشار الى ان حجية الخبر الخارج عنها التعارض لا بد للمتجزئ عند وجود المعارض للخبر من القدرة على دفع ما يعارض حجيته بالفعل بقوله : «غايته تقييده بما اذا تمكن ... الى آخر الجملة».

(١) هذا هو الموضع الثالث : وهو جواز تقليد المتجزئ ورجوع غيره اليه. ولا يخفى ان الكلام في جواز تقليد المتجزئ وعدمه انما هو بحسب ما تقتضيه الادلة.

اما تقليد الجاهل له العاجز عن معرفة ما تقتضيه الادلة فسيأتي الكلام فيه في مباحث التقليد وان اللازم على الجاهل العاجز في تقليده ، ابتداء هو الرجوع الى الاعلم فضلا عن المتجزئ ، لان التقليد لا يكون بالتقليد ، وحيث ان المقلد عاجز عن معرفة حكمه في التقليد فعليه ان يعمل بالاحتياط ، وامره في المقام دائر بين التخيير والتعيين. ولما كان الاعلم مما يجوز تقليده قطعا بخلاف غيره حيث يحتمل عدم

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز تقليده مع وجود الاعلم ، كان ملزما من ناحية العقل احتياطا بتقليد الاعلم ، نعم لو كان الاعلم ممن يرى جواز تقليد غير الاعلم مع وجود الاعلم او جواز تقليد المتجزئ ، فيجوز للمقلد ان يقلد الاعلم اولا ثم يقلد غيره بحسب فتوى الاعلم.

وعلى أي حال فالكلام في جواز تقليد المتجزئ بدوا ـ هنا ـ كلام علمي بين المجتهدين لا يفيد المقلد الجاهل العاجز عن النظر في الادلة.

وعلى كل فقد وقع الخلاف في جواز رجوع الغير الى المتجزئ وعدم جوازه ، وتفصيل الكلام فيه سيأتي في مبحث التقليد .. اما مجملا : فمن يقول بجواز الرجوع اليه يرى شمول ادلة التقليد لذلك ، كالفطرة القاضية برجوع الجاهل الى العالم ، وحيث ان المفروض كون المتجزئ عالما بالحكم الذي استنبطه عن دليله فلا مانع من رجوع الجاهل اليه في ما استنبطه من الحكم. او نقول ان المستفاد من ادلة التقليد هو الموضوعية دون الطريقية لرأي المجتهد ، وعلى الموضوعية لا فرق بين الاعلم وغير الاعلم والمتجزئ. نعم بناء على الطريقية حيث ان الاعلم اوصل الى معرفة الحكم الواقعي يشكل تقليد غيره ابتداء ، والى هذا اشار بقوله : «من انه من رجوع الجاهل الى العالم فتعمه ادلة جواز التقليد».

ومن يقول بعدم جواز تقليده فالوجه فيه ان الفطرة دليل لبي لا اطلاق فيه يشمل المتجزئ ، وبعد فرض وجود المجتهد المطلق يكون رجوع الغير الى المتجزئ مشكوكا والاصل عدم حجية رأيه بالنسبة الى غيره ، ومثله بناء العقلاء وسيرة المتشرعة فان من جملة ادلة التقليد هو بناء العقلاء وسيرة المتشرعة على رجوع الجاهل الى العالم ولكنه ايضا لا اطلاق لهما يشمل المتجزئ ، فلم يثبت بناء من العقلاء بالخصوص على الرجوع الى المتجزئ مع وجود المجتهد المطلق ، ولم تقم سيرة المتشرعة ايضا على الرجوع الى المتجزئ مع وجود المجتهد المطلق.

واما الادلة اللفظية فسيأتي مفصل الكلام فيها. وعلى الاجمال ان كونها لها اطلاق بحيث يشمل المتجزئ لا يخلو عن الاشكال ، لان الموضوع فيها العلماء

٢٧٥

وأما جواز حكومته ونفوذ فصل خصومته فأشكل ، نعم لا يبعد نفوذه فيما إذا عرف جملة معتدا بها واجتهد فيها ، بحيث يصح أن يقال في حقه عرفا أنه ممن عرف أحكامهم ، كما مر في المجتهد المطلق المنسد عليه باب العلم والعلمي في معظم الاحكام (١).

______________________________________________________

والعارف بالاحكام والفقيه ، وشمول هذه العناوين للمتجزئ محل اشكال. وقد اشار الى الوجه في عدم جواز تقليد المتجزئ ان ادلة التقليد اللفظية لا اطلاق فيها يشمل تقليد المتجزئ ، وغير اللفظية لم يحرز قيامها بالخصوص على الرجوع الى المتجزئ ، لان شمول بناء العقلاء والسيرة غير معلوم ايضا بقوله : «ومن دعوى عدم اطلاق فيها» أي في ادلة التقليد ، وظاهره منع الاطلاق في الادلة اللفظية. واشار الى عدم قيام بناء العقلاء ولا سيرة المتشرعة على الرجوع الى المتجزئ بقوله : «وعدم احراز ان بناء العقلاء او سيرة المتشرعة على الرجوع الى مثله».

واما الفطرة فالمناقشة فيها من جهات : اولا : انه لا دليل على إمضائها بما هي فطرة. وثانيا : ان الفطرة ليست هي إلّا السيرة. وثالثا : يجري فيها ما ذكرنا من المناقشة في سيرة المتشرعة وبناء العقلاء ، ولعله لذلك لم يشر اليها في المتن.

(١) هذا هو الموضع الرابع : وهو حكومة المتجزئ ونفوذ قضائه على المتنازعين.

ولا يخفى ان الوجه في كونه اشكل من جواز تقليده ، لان ادلة التقليد غير منحصرة بالادلة اللفظية كما اشرنا اليها ـ وسيأتي ذكرها ان شاء الله تعالى ـ بخلاف حكومته ونفوذ قضائه فانها منحصرة بالادلة اللفظية كالمقبولة وامثالها ، وقد عرفت المناقشة فيها من حيث ان الموضوع للحكومة فيها هو عنوان العلماء وعنوان العارف والفقيه ، ولا اطلاق لها بحيث يشمل المتجزئ مطلقا حتى من استنبط بابا او بعض باب من ابواب الفقه. نعم يمكن ان يقال : ان بعض افراد المتجزئ له منصب القضاء وهو من استنبط حكم جملة من ابواب الفقه ، بحيث يصدق عليه عرفا انه من العلماء

٢٧٦

فصل

لا يخفى احتياج الاجتهاد إلى معرفة العلوم العربية في الجملة ولو بأن يقدر على معرفة ما يبتني عليه الاجتهاد في المسألة ، بالرجوع إلى ما دون فيه ، ومعرفة التفسير كذلك وعمدة ما يحتاج إليه هو علم الاصول ، ضرورة أنه ما من مسألة الا ويحتاج في استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد برهن عليها في الاصول ، أو برهن عليها مقدمة في نفس المسألة الفرعية ، كما هو طريقة الاخباري (١) ، وتدوين تلك القواعد المحتاج إليها

______________________________________________________

وانه عارف باحكامهم ، ويكون حاله حال المجتهد المنسد عليه باب العلم فيما اذا كان عارفا بجملة من الاحكام.

والى هذا اشار بقوله : «نعم لا يبعد ... الى آخر كلامه» وقد مر الكلام والاشكال فيه ، ولكنه ينبغي ان لا يخفى ان المتجزئ الذي عرف الاحكام التي يتعلق بها القضاء لا ينبغي الاشكال في صحة حكومته ، لما مر من ان الظاهر انه من باب الطريقية ، والعارف بالاحكام التي يتعلق بها القضاء مشمول للادلة اللفظية ، لان اطلاق العارف بالاحكام يشمل العارف بالاحكام التي يتعلق بها القضاء. والحاصل انه اذا كان الامر من باب الموضوعية وان المدار على صدق معرفته بجملة من الاحكام ، فالعارف بجملة الاحكام التي يتعلق بها القضاء يصدق عليه انه عارف باحكامهم ، وان كان من باب الطريقية فمعرفة الاحكام التي يتعلق بها القضاء مما تشمله الادلة الدالة على جعل من له حق فصل الخصومات.

(١) هذا الفصل لبيان ما يحتاج اليه الاجتهاد من العلوم.

واحتياجه الى علم النحو واضح ، لان معرفة معنى الكلام العربي موقوف على معرفة حركات أواخر الكلمة من كون الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا ، وحيث لا تظهر الحركة على آخر الكلمة كما اذا كانت مقصورة او مبنية لا بد ـ مثلا ـ من تقديم الفاعل وتأخير المفعول.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واحتياجه الى علم الصرف في الجملة واضح ايضا خصوصا بناء على وجوب القلب مثلا كقلب النون ميما اذا وقعت ساكنة متصلة بالباء ، وكالقلب والادغام في حروف يرملون ، وكتمييز المنقوص من المقصور لاختلافهما في الاعراب من ظهور بعض الحركات على المنقوص في مقام وحذف آخره في مقام آخر ، وغير ذلك من مباحث الصرف المتوقف عليها معنى الكلام العربي.

واحتياجه الى علم اللغة مما لا يحتاج الى بيان.

ومثله احتياجه الى علم التفسير ايضا ، لوضوح العلم الاجمالي بارادة خلاف الظاهر في بعض الآيات ، ولا ينحل الامر الا بمراجعة التفسير لآيات الاحكام ولوجود الاجمال في بعض الآيات ، وقد علم اجمالا بانه قد ورد لها من التفسير ما تكون به ظاهرة لا اجمال فيها.

واما احتياجه الى بعض علوم العربية الاخرى كعلم المعاني والبيان كمعرفة الفصاحة والبلاغة منه قد انكر بعض الاعلام الحاجة اليه. والحق الحاجة اليه فانه ربما يحصل الاطمئنان في بعض افراد التعارض بان احدهما هو كلام الامام عليه‌السلام ، وربما يشير اليه ما ورد في بعض الاخبار من ان لكلامنا نورا ، فان نور كلامهم عليهم‌السلام مما يساعد على معرفته الاحاطة بالفصاحة والبلاغة ، واحتياج الاجتهاد الى معرفة الحقيقة والمجاز والكناية مما لا اشكال فيه.

واعظم ما يحتاج اليه الاجتهاد هو معرفة علم الاصول ، فان كل مسألة من مسائل الفقه يتوقف استنباط الحكم فيها عليه في غير الضروريات والمتواترات ، لبداهة توقف استنباط الحكم على الدليل الدال عليه ، والدليل اما لفظي او غير لفظي ، والدليل اللفظي هو كحجية الظواهر وحجية الخبر الواحد ، وغير اللفظي فهو الاجماع والعقل ، وتحرير هذه الادلة كلها في الاصول ، ولا يخلو استنباط حكم فرعي من التوقف على أحد هذين الامرين : أي اما الدليل اللفظي او العقلي.

٢٧٨

على حدة لا يوجب كونها بدعة ، وعدم تدوينها في زمانهم (عليهم‌السلام) لا يوجب ذلك ، وإلا كان تدوين الفقه والنحو والصرف بدعة (١).

______________________________________________________

وقد اشار الى توقف الاجتهاد على معرفة النحو والصرف والمعاني والبيان واللغة من العلوم العربية بقوله : «لا يخفى احتياج الاجتهاد الى معرفة العلوم العربية في الجملة ... الى آخر الجملة». واشار الى احتياجه الى علم التفسير بقوله : «ومعرفة التفسير كذلك». واشار الى ان عمدة ما يحتاج اليه الاجتهاد هو علم الاصول بقوله : «وعمدة ما يحتاج اليه هو علم الاصول». واشار الى الوجه في كونه هو عمدة ما يحتاج اليه الاجتهاد بقوله : «ضرورة انه ما من مسألة الا ويحتاج في استنباط حكمها الى قاعدة ... الى آخر كلامه».

(١) لا يخفى ان الاجتهاد يتوقف على معرفة علم الاصول ، اما ذكر المسائل الاصولية على حدة او في نفس علم الفقه ـ بان يذكر في كل مسألة فقهية المسألة الاصولية التي تتوقف عليها ـ فمما لا ربط له بما يتوقف عليه الاجتهاد ، لبداهة ان المتوقف عليه الاجتهاد هو العلم ، والاحاطة بالمسائل الاصولية اينما ذكرت اما كونها مذكورة على حدة او في نفس ابواب الفقه فلا تعلق له بما يتوقف عليه الاجتهاد. ولاجل ذلك خالف الاخباريون في تدوين علم الاصول على حدة ، وذهب بعضهم الى حرمة تدوينه على حدة بدعوى انه بدعة. وقد اشار الى هذه الدعوى والجواب عنها حلا بقوله : «وتدوين تلك القواعد المحتاج اليها على حدة لا يوجب كونها بدعة» والظاهر ان المراد من دعوى البدعة هو انه لم يكن على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمة عليهم‌السلام.

ولا يخفى ان مثل هذه التوهمات لا ينبغي ذكرها والجواب عنها لانها اشبه بالخرافات ... وعلى كل فقد اجاب المصنف عنها بجوابين حلا ونقضا :

اما الجواب الحلي : فان البدعة هي ادخال ما ليس من الدين واحداثه في الدين بعنوان كونه امرا دينيا ، وليس ذكر كل ما ليس بمذكور سابقا هو بدعة ، فكون

٢٧٩

وبالجملة لا محيص لأحد في استنباط الاحكام الفرعية من أدلتها إلا الرجوع إلى ما بنى عليه في المسائل الاصولية ، وبدونه لا يكاد يتمكن من استنباط واجتهاد ، مجتهدا كان أو أخباريا (١).

نعم يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل والازمنة والاشخاص ، ضرورة خفة مئونة الاجتهاد في الصدر الاول ، وعدم

______________________________________________________

تدوين علم الاصول لم يكن سابقا لا يكون ذكره وتدوينه على حدة بدعة ، فان تدوينه على حدة ليس إلّا لكونه محتاجا الى معرفته ، وتدوينه على حدة اسهل للاطلاع عليه من ذكر كل مسألة منه مع ما يناسبها من ابواب الفقه ، وليس تدوينه على حدة بعنوان كونه امرا دينيا حتى يكون بدعة.

وبقوله : «لا يوجب كونها بدعة» اشار الى الجواب الحلي.

واما الجواب النقضي : فبأنه لو كان تدوين الاصول على حدة بدعة لانه احداث ما لم يكن في الدين لكان تدوين علم الفقه وعلم النحو والصرف ايضا بدعة ، لان الفقه وان كان موجودا على عهد النبوة إلّا انه لم يكن مدونا ، فتدوينه يقتضي ان يكون بدعة على مذاق هؤلاء ، لانها لم تكن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد اشار الى ذلك بقوله : «وإلّا كان تدوين الفقه والنحو والصرف بدعة».

(١) حاصله : انه لا خلاف بين المجتهدين والاخباريين في الحاجة الى علم الاصول ، لضرورة توقف استنباط الحكم الفرعي عليه ، وانما الخلاف منهم في تدوينه على حدة ، فكل مستنبط للحكم محسوس له الاحتياج الى علم الاصول سواء كان من المجتهدين او من الاخباريين ، ولذلك كان لا محيص عن الاحاطة به ومعرفته معرفة تامة على نحو يكون على يقين مما تقتضيه المسائل الاصولية في مقام الاستنباط او التطبيق. وقد اشار الى ضرورة الحاجة الى علم الاصول وانه لا خلاف في اصل الحاجة اليه بقوله : «وبالجملة لا محيص لأحد في استنباط الاحكام الفرعية ... الى آخر كلامه».

٢٨٠