بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-065-9
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المتعلق بالموضوع العرفي ، فان متعلقه نفس الوقت او القبلة ، فلا يكون اثباتهما بالظن القياسي من اعماله في الدين لا في حكم فرعي ولا في حكم اصولي ، بخلاف الظن القياسي على طبق مضمون الخبر الموافق له ، فان متعلق الظن القياسي نفس الحكم الذي هو مؤدى الخبر الموافق له ، لبداهة ان متعلق القياس ليس هو ذات الخبر بل مضمون الخبر وما ادى اليه من الحكم ، ومعنى الترجيح في المقام ليس هو إلّا أقوائية مضمون الخبر باعتبار اقربيته الى الواقع ، فليس متعلق الظن القياسي في المقام موضوعا عرفيا ، بل متعلقه نفس كون الحكم قريبا الى الواقع. ومن البديهي ان اقربية الحكم بواسطة الظن القياسي اعمال للظن القياسي في الدين.

فاتضح الفرق بين الظن القياسي المتعلق بالموضوع العرفي ، وبين الظن القياسي في المقام فان متعلقه نفس ما به الترجيح الذي هو حكم الشرعي اصولي.

وما يقال من الفرق بين دليل النهي عن القياس بالنسبة الى الدليل الدال على حجية كل ظن كما في الانسداد فان النسبة بينهما هي العموم المطلق ، وبين دليل النهي عن القياس بالنسبة الى ادلة الترجيح فان النسبة بينهما هي العموم من وجه ، لعدم دلالتها على حجية كل ظن ، وانما تدل على ما يوجب الاقربية بصدق الترجيح في غير الظن القياسي ، وصدق الظن القياسي في غير مورد الترجيح بالظن القياسي ، واجتماعهما في الترجيح بالظن القياسي الموافق لاحد المتعارضين.

ففيه أولا : ان الكلام بناء على التعدي ، وان مدلول ادلة الترجيح هو الترجيح بكل ما يوجب الاقربية الى الواقع ، وليست الأقربية الى الواقع إلّا الظن النوعي بالاقربية ، والمفروض في المقام كون الظن القياسي موجبا لاقربية المظنون به الى الواقع ، فالنسبة بينهما هي العموم من مطلق ايضا.

وثانيا : لو سلمنا ان النسبة بينهما هي العموم من وجه ، إلّا ان اللازم بناء على العموم من وجه هو التساقط ، فالترجيح بواسطة الظن القياسي هو مادة الاجتماع

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

بين ادلة الترجيح وادلة النهي عن العمل بالقياس ، وبعد تساقطهما لا يصح الترجيح بواسطة الظن القياسي ، لانه من الترجيح من غير دليل شرعي يدل على الترجيح به.

وعلى كل فقد اتضح بطلان الترجيح بواسطة الظن القياسي ، وقياسه على الظن القياسي المتعلق بالموضوعات العرفية قياس مع الفارق.

وقد اشار الى ذلك بقوله : «قياس مع الفارق» أي ان قياس الترجيح بواسطة القياس على القياس المتعلق بالموضوعات هو قياس مع الفارق بينهما «لوضوح الفرق بين المقام» وهو الترجيح بواسطة القياس «و» بين «القياس في الموضوعات الخارجية الصرفة ، فان القياس المعمول فيها» أي في الموضوعات الخارجية الصرفة «ليس» من اعمال القياس «في الدين فيكون افساده اكثر من اصلاحه» كما دلت الاخبار الناهية على ذلك وهو كون ما يفسده القياس اكثر مما يصلحه ، «بخلاف» القياس «المعمول في المقام» وهو الترجيح به «فانه نحو اعمال له في الدين ضرورة انه لولاه» أي ضرورة انه لو لا تعلق الظن القياسي بمضمون الخبر الموافق «لما تعين الخبر الموافق له للحجية» دون الخبر المخالف للظن القياسي «بعد سقوطه ...» أي بعد فرض سقوط الخبر الموافق للظن القياسي من حيث ما يوجب أرجحية غير الظن القياسي «بمقتضى ادلة الاعتبار» الدالة على حجية اصل خبر الواحد ، لما عرفت من ان القاعدة الاولى في المتعارضين بعد شمول ادلة الاعتبار لهما معا تقتضي تساقطهما «و» بمقتضى القاعدة الثانية الواردة في خصوص الخبرين المتعارضين هو «التخيير بينه» أي بين الخبر الموافق للظن القياسي «وبين معارضه» وهو الخبر المخالف له ، لفرض كونهما متساويين في المزايا كلها عدا الظن القياسي فانه «بمقتضى ادلة العلاج» لا بد من التخيير بينهما عند تساويهما.

٢٢٢

وأما ما إذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا في نفسه ، كالكتاب والسنة القطعية (١) ، فالمعارض المخالف لاحدهما إن كانت مخالفته بالمباينة الكلية ، فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجيح ، لعدم حجية الخبر المخالف كذلك من أصله ، ولو مع عدم المعارض ، فإنه المتيقن من الاخبار الدالة على أنه زخرف أو باطل ، أو أنه : لم نقله ، أو غير ذلك. وإن كانت مخالفته بالعموم والخصوص المطلق ، فقضية القاعدة فيها ، وإن كانت ملاحظة المرجحات بينه وبين الموافق وتخصيص الكتاب به تعيينا أو تخييرا ، لو لم يكن الترجيح في الموافق ، بناء على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، إلا أن الاخبار الدالة على أخذ الموافق من المتعارضين غير قاصرة عن العموم لهذه الصورة ، لو قيل بأنها في مقام ترجيح أحدهما لا تعيين الحجة عن اللاحجة ، كما نزلناها عليه ، ويؤيده أخبار العرض على الكتاب الدالة على عدم حجية المخالف من أصله ، فإنهما تفرغان عن لسان واحد ، فلا وجه لحمل المخالفة في أحدهما على خلاف المخالفة في الاخرى ، كما لا يخفى (٢).

______________________________________________________

(١) هذا هو القسم الثالث وهو ما اذا وافق احد الخبرين الدليل المعتبر كالكتاب او السنة القطعية ، بان يكون مورد الخبر الموافق مشمولا لاحدهما بحسب الدلالة اللفظية ، وهذا هو مراده من الاعتضاد بقوله : «واما اذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا في نفسه» لان هذا هو الفرق بين هذا القسم الثالث وهو موافقة احد الخبرين للكتاب او السنة ، والقسم الرابع الآتي وهو موافقة احد الخبرين للاصل.

(٢) وملخص الكلام في هذا القسم ـ وهو معارضة الخبر الموافق للكتاب للخبر المخالف للكتاب ـ ان الخبر المعارض للخبر الموافق للكتاب على انحاء ثلاثة :

ـ الاول : ان يكون الخبر المعارض للخبر الموافق للكتاب مخالفا للكتاب بنحو التباين.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الثاني : ان يكون الخبر المخالف للكتاب مخالفا له بنحو العموم والخصوص المطلق.

ـ الثالث : ان يكون المخالف مخالفا للكتاب بنحو العموم والخصوص من وجه.

فان كانت النسبة بينه وبين الكتاب هي التباين فالخبر المخالف للكتاب على نحو التباين ليس بحجة حتى يكون معارضا للخبر الموافق للكتاب ، فانه حتى اذا لم يكن الخبر الموافق موجودا فلا تشمل ادلة حجية خبر الواحد للخبر المخالف للكتاب على نحو التباين ، حتى تقع المعارضة بينه وبين الخبر الموافق ، لان المخالفة بنحو التباين هي القدر المتيقن من الاخبار القائلة بان ما خالف قول ربنا زخرف او باطل او انا لم نقله ، فالمخالف بنحو التباين ليس بحجة ولو لم يكن هناك معارض له موافق للكتاب والسنة. ومفروض الكلام هو ترجيح احدى الحجتين لا كون احد الخبرين حجة والخبر الآخر ليس بحجة. وحيث عرفت ان الخبر المخالف للكتاب على نحو التباين ليس بحجة وغير مشمول لادلة الحجية ولو لم يكن هناك خبر موافق معارض له ، فيكون خارجا عما هو مفروض الكلام في المقام من ترجيح احد الحجتين على الحجة الاخرى عند المعارضة.

والى هذا اشار بقوله : «فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجيح ... الى آخر الجملة».

وان كانت المخالفة بين الخبر المخالف للكتاب وبين الكتاب هي المخالفة بنحو العموم المطلق ، بان يكون الخبر المعارض كان على خلافه عموم الكتاب ، بحيث ان الخبر المخالف للكتاب لو قدم على الخبر الموافق للكتاب فلا بد من تخصيص الكتاب به ، بناء على ما مر في مباحث الالفاظ من جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد.

فحاصل الكلام في هذا : انه بمقتضى ادلة حجية الخبر لا مانع من ترجيح الخبر المخالف للكتاب على الخبر الموافق له ـ لو كان للخبر المخالف ما يقتضي ترجيحه على

٢٢٤

اللهم إلا أن يقال : نعم ، إلا أن دعوى اختصاص هذه الطائفة بما إذا كانت المخالفة بالمباينة ـ بقرينة القطع بصدور المخالف غير المباين عنهم عليهم‌السلام كثيرا ، وإباء مثل : ما خالف قول ربنا لم أقله ، أو زخرف أو باطل عن التخصيص ـ غير بعيدة ، وإن كانت المخالفة بالعموم والخصوص من وجه ، فالظاهر أنها كالمخالفة في الصورة الاولى كما لا يخفى (١) ، وأما الترجيح بمثل الاستصحاب ، كما وقع في كلام غير

______________________________________________________

الخبر الموافق ، او كان الخبر المخالف هو المختار عند تساوي الخبرين ـ لشمول ادلة الاعتبار له ، وبعد ترجيحه او اختياره يتخصص الكتاب.

إلّا انه قد مر من المصنف ان اخبار العرض على الكتاب لا مانع من شمولها للمخالفة ولو بنحو العموم والخصوص المطلق ... وعليه فيخرج الخبر المخالف للكتاب عن ادلة الاعتبار ، وتكون الحال فيه كالحال في المخالف للكتاب على نحو التباين ، ويكون عند المعارضة بينه وبين الخبر الموافق للكتاب ترجيح الخبر الموافق عليه من باب ترجيح الحجة على اللاحجة ، لا من باب ترجيح احدى الحجتين على الاخرى كما هو مفروض الكلام.

والى ما ذكرنا ـ أولا ـ اشار بقوله : «فقضية القاعدة فيها ... الى آخر الجملة» واشار الى ما ذكرنا ـ ثانيا ـ من كونه من باب ترجيح الحجة على اللاحجة بقوله : «إلّا ان الاخبار الدالة على اخذ الموافق ... الى آخر الجملة».

(١) حاصله : هو العدول عما ذكره ـ بقوله : «إلّا ان الاخبار» وهو اختصاص دلالة الاخبار الدالة على طرح ما خالف الكتاب بخصوص المخالفة للكتاب بنحو التباين ، ولا تشمل المخالفة بنحو العموم المطلق ـ لامرين :

الاول : صدور المخالف للكتاب بنحو العموم والخصوص المطلق منهم عليهم‌السلام قطعا ، مع ان اخبار العرض تصرح بان المخالف لقول ربنا لم نقله ، فمع القطع بصدور هذا النحو من المخالفة عنهم عليهم‌السلام لا بد من ان يكون المراد بالمخالف هو

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المخالف بنحو التباين ، والى هذا اشار بقوله : «بقرينة القطع بصدور المخالف غير المباين عنهم عليهم‌السلام» ولعل مرجع هذا الى دعوى انصراف لفظ المخالفة عن المخالفة بنحو العموم المطلق ، وان صدور المخالفة منهم عليهم‌السلام بنحو العموم المطلق قرينة على هذا الانصراف.

الثاني : انه مع القطع بصدور المخالف بنحو العموم والخصوص المطلق منهم عليهم‌السلام لا بد من التزام التخصيص للاخبار الدالة على طرح الخبر المخالف وعدم حجيته ، ولسانها آب عن التخصيص ، فان مثل قولهم عليهم‌السلام ما خالف قول ربنا لم نقله او انه زخرف وباطل آب عن التخصيص ، فإباء لسان هذه الاخبار عن التخصيص مما يدل على ان المراد بالمخالفة هي المخالفة بنحو التباين لا بنحو العموم المطلق. والى هذا اشار بقوله : «وآباء مثل ما خالف قول ربنا ... الى آخر الجملة».

وان كانت النسبة بين الخبر المخالف وبين الكتاب بنحو العموم والخصوص من وجه ، فقد قال المصنف انها كالصورة الاولى ـ أي القسم الاول وهي ما اذا كانت النسبة بينهما بنحو التباين ـ ومعناه خروج الخبر المخالف لهما عن الحجية. والوجه في الحاقه بالقسم الاول هو عدم جريان الوجهين السابقين في العموم المطلق هنا ، فلا قطع بصدور الخبر الذي كان بينه وبين الكتاب عموم من وجه عنهم عليهم‌السلام ، ولا تخصيص في العموم من وجه حتى يكون المانع هو الإباء عن التخصيص ، لان القاعدة في العموم من وجه هي التساقط. ولذا قال (قدس‌سره) : «فالظاهر انها» أي ما اذا كانت نسبة المخالفة بنحو العموم من وجه هي «كالمخالفة في الصورة الاولى» وهي ما اذا كانت النسبة بنحو التباين.

وينبغي ان لا يخفى ان الترجيح للخبر الموافق للكتاب في جميع الصور الثلاث المذكورة بناء على لزوم الترجيح للتعدي او للاقتصار على المزايا المنصوصة. نعم بناء على التخيير مطلقا كما هو مبنى الماتن لا يلزم الترجيح به في خصوص ما اذا كان بين المخالف والكتاب عموم من مطلق. اما في صورة المخالفة بنحو التباين

٢٢٦

واحد من الاصحاب ، فالظاهر أنه لاجل اعتباره من باب الظن والطريقية عندهم ، وأما بناء على اعتباره تعبدا من باب الاخبار وظيفة للشاك ، كما هو المختار ، كسائر الاصول العملية التي تكون كذلك عقلا أو نقلا ، فلا وجه للترجيح به أصلا ، لعدم تقوية مضمون الخبر بموافقته ، ولو بملاحظة دليل اعتباره كما لا يخفى (١). هذا آخر ما اردنا إيراده ، والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا.

______________________________________________________

والعموم من وجه ـ على رأي الماتن ـ فلا بد من العمل على طبق الخبر الموافق لانه من قبيل الحجة واللاحجة.

(١) حاصله : انه بناء على حجية الاستصحاب من باب الظن ـ كما هو رأي بعض المتقدمين ـ فبناء على التعدي يترجح الخبر الموافق له على الخبر المخالف له عند تعارضهما ، لان الخبر الموافق لهذا الظن المعتبر يكون اقرب الى الواقع ، او يحصل الظن الشخصي بمطابقته للواقع.

ومنه يظهر ما اذا كان الموافق للخبر أي ظن من الظنون المعتبرة. وتعبير المصنف بلفظ مثل الاستصحاب للاشارة الى ذلك.

واما بناء على كون حجية الاستصحاب ليس من باب الظن وان افاد الظن اتفاقا ـ كما هو مبنى حجية الاستصحاب عند المتأخرين ـ بل حجيته لكونه وظيفة للشاك تعبدا ، كسائر الاصول العملية العقلية كقبح العقاب بلا بيان ، او النقلية كرفع ما لا يعلمون ، فلا تكون موافقته للخبر مفيدة للاقربية ولا للظن الشخصي وان افاد الظن اتفاقا ، لان المراد بترجيح الخبر بالظن ـ بناء على التعدي ـ هو الترجيح بما يفيد الظن بمقتضى ذاته : أي بما له اقتضاء افادة الظن بذاته لا بما يفيد الظن اتفاقا ، فاذا استفيد الظن منه اتفاقا فالترجيح للظن لا للاستصحاب بما هو استصحاب.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «واما بناء على اعتباره تعبدا ... الى آخر الجملة». واشار الى الوجه في عدم صحة الترجيح به بناء على كونه وظيفة من باب التعبد في

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

حال الشك «فلا وجه للترجيح به اصلا لعدم تقوية مضمون الخبر بموافقته ولو بملاحظة دليل اعتباره» لان دليل اعتباره لم يدل على اعتباره بما هو ظن ، لعدم افادته للظن الا اتفاقا ، بل دل على اعتباره من باب كونه وظيفة للشاك كما هو مبنى المتأخرين في الاستصحاب.

انتهى بحمد الله مبحث التعادل والتراجيح ، وهو آخر ما يتعلق بعلم الاصول ، في يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة الالف والواحد والثمانين بعد الثلاثمائة هجرية ، على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام والتحية.

٢٢٨

الخاتمة

في

الاجتهاد والتقليد

٢٢٩
٢٣٠

وأما الخاتمة : فهي فيما يتعلق بالاجتهاد والتقليد

فصل

الاجتهاد لغة : تحمل المشقة ، واصطلاحا كما عن الحاجبي والعلامة : استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي ، وعن غيرهما ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الاصل فعلا أو قوة قريبة.

ولا يخفى أن اختلاف عباراتهم في بيان معناه اصطلاحا ، ليس من جهة الاختلاف في حقيقته وماهيته ، لوضوح أنهم ليسوا في مقام بيان حده أو رسمه ، بل إنما كانوا في مقام شرح اسمه والاشارة إليه بلفظ آخر وإن لم يكن مساويا له بحسب مفهومه ، كاللغوي في بيان معاني الالفاظ بتبديل لفظ بلفظ آخر ، ولو كان أخص منه مفهوما أو أعم.

ومن هنا انقدح أنه لا وقع للايراد على تعريفاته بعدم الانعكاس أو الاطراد ، كما هو الحال في تعريف جل الاشياء لو لا الكل ، ضرورة عدم الاحاطة بها بكنهها ، أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها ، لغير علام الغيوب (١) ،

______________________________________________________

(١) والكلام فيه في مقامات : الاول : ان الاجتهاد لغة هو بذل الجهد ، والجهد بضمّ الجيم ـ كما عن بعضهم ـ هو المشقّة والطاقة ، ومعنى المشقّة واضح ، والطاقة هي ما يطيقه الفاعل. والجهد بفتح الجيم هو المشقة كما عن بعض آخر.

والاجتهاد في الاصطلاح كما عرّفه الحاجبي والعلامة الحلي (قدس‌سره) : انه استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي.

وعن غير الحاجبي والعلامة تعريف الاجتهاد : بانه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الاصل فعلا او قوة قريبة من الفعل ، بمعنى انه متى اعمل ملكته حصل على الحكم مستنبطا له من ادلته. فالمراد من قوله فعلا هو الحكم المستنبط بالفعل بسبب تلك الملكة ، والمراد من القربية الى الفعل هو الحكم الذي يحصل عند إعمال تلك الملكة.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى ان التعريف الاول صريح في كونه ناظرا الى الاجتهاد بمعنى الفعلية ، لانه عرّف الاجتهاد بنفس استفراغ الوسع واعمال ما عنده من قوّة لتحصيل الظن بالحكم ، فهو عندهما نفس العمل الذي مصدره هو الملكة والقدرة على تحصيل الحكم. كما ان ظاهر التعريف الثاني هو كونه ناظرا الى الملكة وان لم يكن معملا لها بالفعل.

ثم لا يخفى ـ ايضا ـ ان مراده من قوله فعلا او قوة قريبة من الفعل هي من قيود استنباط الحكم الشرعي الفرعي ، لوضوح كون الملكة لا بد من ان تكون بالفعل لا بالقوة ، لخروج من كان مقتدرا على تحصيل الملكة على الاستنباط عن كونه مجتهدا بالفعل ، والّا لزم كون العامي الذي له قوّة على تحصيل الملكة مجتهدا فعلا ، وهو واضح البطلان.

وعلى هذا فيكون المعنى ان الاجتهاد هو الملكة الفعلية التي يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي اما فعلا او بالقوة القربية من الفعل ، بمعنى انه متى اعملها ورجع الى مدارك الحكم يستنبطه.

كما ان الظاهر من المراد من الاصل هو مطلق الحجة المعتبرة سواء كانت امارة او اصلا ...

المقام الثاني : انه اورد على التعريف الاول بعدم الاطراد أي كون التعريف اعم من المعرّف لصدقه على الظن بالحكم الشرعي من طريق غير معتبر شرعا ، ولصدقه على الظن بالحكم الاصولي ، والحكم الاصولي خارج عن الاجتهاد بحسب الاصطلاح ، لانه يختصّ بالحكم الفرعي اصطلاحا ، وغير ذلك من الموارد التي ذكروها.

وبعدم الانعكاس : وهو كون التعريف اخصّ من المعرّف ، لخروج تحصيل القطع بالحكم الفرعي عن التعريف لانه ليس من الظن بالحكم الشرعي ، وهو ممّا يعمّه الاجتهاد بحسب الاصطلاح قطعا. وخروج الحكم الذي قامت عليه امارة غير مفيدة

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

للظن فعلا ، بناء على ان المراد من الظن في التعريف هو الظن الفعلي بالحكم ، لا الظن النوعي وان لم يكن مفيدا للظن فعلا. وخروج الحكم الذي قام عليه الاصل عن التعريف ، مع انهما داخلان في المعرّف ، لان تحصيل هذين من الاجتهاد بحسب الاصطلاح.

ويرد على التعريف الثاني عدم الانعكاس ، لخروج الظن الانسدادي عنه حيث يقوم الظن الانسدادي ـ على الحكومة ـ على سقوط الحكم وعدمه ، لا على ثبوت الحكم ووجوده ، بناء على ان المراد من الحكم هو ما يخصّ وجود الحكم لا ما يعمّ عدم الحكم.

ولا يخفى ان هذا يرد على التعريف الاول ايضا فانه غير منعكس ايضا لانه ليس من الظن بالحكم بل هو ظن بعدم الحكم. هذا مضافا الى ما يختصّ بالتعريف الثاني من كون نفس الملكة التي يقتدر بها على استنباط الحكم ليست اجتهادا ، بل الاجتهاد هو الحكم المستنبط عن الملكة لا نفس الملكة.

المقام الثالث : ان هذه التعاريف بل كلّ التعاريف في رأي المصنف هي تعاريف لفظية لشرح الاسم وليست تعاريف حقيقية لا حدّا ولا رسما ، كما مرّت الاشارة منه الى ذلك في كثير من الموارد في هذا الكتاب.

واشار الى وجهين يدلان على ذلك : الاول : ان الظاهر من القوم كونهم في مقام الاشارة الى المعنى بوجه من الوجوه لا في صدد بيانه بالحدّ او بالرسم ، وان حال الاصوليين في تعاريفهم حال اللغويين هو بيان المعنى بوجه من الوجوه التي تشير اليه ، سواء كان ذلك بما يعمّه وغيره أو كان بما هو اخصّ منه. فلا وجه للايراد عليهم بعدم الاطراد تارة وبعدم الانعكاس اخرى.

الثاني : ان التعريف الحقيقي لا يقدر عليه البشر بل هو مما يخصّ علام الغيوب ، لان التعريف الحقيقي لا يكون الّا بماهية الشيء المركبة من الجنس والفصل ، والفصول وجودات بسيطة ولا يحيط بالبسائط الّا علام الغيوب ، لعدم التركيب فيها.

٢٣٣

فافهم (١).

______________________________________________________

وقد اشار الى الوجه الاول بقوله : «لوضوح انهم ليسوا في مقام بيان حدّه او رسمه ... الى آخر الجملة». واشار الى الوجه الثاني بقوله : «ضرورة عدم الاحاطة بها بكنهها او بخواصها ... الى آخر الجملة».

(١) لعلّه اشارة الى المناقشة في الوجهين : اما في الاول فلوضوح ان ظاهرهم انهم في مقام بيان التعاريف الحقيقة ، ولذا أورد بعضهم على بعض بعدم الاطراد وعدم الانعكاس. واما اللغوي فلان غرضه بيان الاستعمال لا بيان معنى اللفظ حقيقة وما هو موضوع له.

واما في الثاني : فأولا ان المراد من التعريف الحقيقي ما كان في قبال معرفة الشيء بوجه ما وهو معرفة الشيء بما يتركب منه من جنسه وفصله ، لا معرفته بالاحاطة بكنه فصله.

وبعبارة اخرى : ان المراد من التعريف الحقيقي هو تحليل الشيء بمعرفة ما تركبت ذاته منه على قدر ما تصل اليه معرفة البشر من تركيبه في قبال معرفته بوجه ما ، كتعريف الانسان بانه حيوان ناطق في قبال تعريفه بانه موجود من موجودات عالم الكون.

وثانيا بان الوجه الثاني لازمه انكار التعريف الحقيقي في أي علم من العلوم ، ولا يخصّ التعاريف المذكورة للقوم في الفقه او الاصول ، ومرجعه الى انكار ما الحقيقية لعدم امكان الجواب بما يدل على حقيقة الشيء. هذا مضافا الى جعل المصنف التعريف اللفظي في قبال التعريف الحقيقي الذي صرّح فيما تقدّم : بان الاول مفاد ما الشارحة ، والثاني مفاد ما الحقيقية. وقد صرّح المحققون بان الفرق بين ما الشارحة وما الحقيقية هو ان الغرض في الاولى مطلق الشرح والاشارة ، وفي الثانية كون الغرض بيان حقيقة الشيء ، ولا فرق بينهما في نفس التعريف ، فيجوز ان يكون

٢٣٤

وكيف كان ، فالاولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه ، فإن المناط فيه هو تحصيلها قوة أو فعلا لا الظن حتى عند العامة القائلين بحجيته مطلقا ، أو بعض الخاصة القائل بها عند انسداد باب العلم بالاحكام ، فإنه مطلقا عندهم ، أو عند الانسداد عنده من أفراد الحجة ، ولذا لا شبهة في كون استفراغ الوسع في تحصيل غيره من أفرادها من العلم بالحكم أو غيره مما اعتبر من الطرق التعبدية غير المفيدة للظن ولو نوعا اجتهادا أيضا (١).

______________________________________________________

الجواب في مقام ما الشارحة بنفس التعريف الحقيقي كما يصح ان يكون بوجه من الوجوه.

والحاصل : ان الفرق بين ما الشارحة وما الحقيقية هو كون الغرض في الاولى الشرح وفي الثانية بيان الحقيقة ، ولا يلزم في ما الشارحة ان يكون التعريف بوجه من الوجوه ، بل يجوز ان يكون بالتعريف الحقيقي ايضا. نعم في ما الحقيقية لا بد وان يكون بما يفيد شرح الحقيقة. والله العالم.

(١) لا يخفى ان هذا مقدّمة لما فرّع عليه من عدم انعكاس التعريف الاول.

وحاصل ذلك انه لا وجه لاخذ الظن في التعريف الاول ، لان تحصيل الظن بالحكم بما هو ظن ليس من الاجتهاد ، بل الظن بما هو حجة ، واذا كان المناط كونه بما هو حجة فلا خصوصية للظن بما هو ظن. ومن الواضح ـ ايضا ـ انه اذا كان المناط هو تحصيل الحجة يدخل في التعريف تحصيل العلم القائم على الحكم ، ويدخل في التعريف ايضا تحصيل الحكم عن حجة معتبرة وان لم يفد الظن الفعلي كجملة من الامارات ، ويدخل في التعريف الحجة القائمة على الحكم من غير الامارات كالاصول التعبديّة التي لا توجب ظنا بالحكم لا شخصا ولا نوعا ، لانها ليست من الطرق الظنية اصلا لا الشخصية منها ولا النوعية.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومما ذكرنا يظهر : انه لو بدّل الظن في التعريف بالحجة لما ورد عليه عدم الانعكاس في الموارد التي اشرنا اليها.

ويدل على ان الظن ليس بما هو ظن دليلا للحكم بل بما هو حجة : ان العامة القائلين بحجية مطلق الظن وبعض الخاصة القائلين باعتبار الظن من باب الانسداد انما يقول الفريقان به العامة والخاصة لكونه حجة لا لانه ظن بما هو ظن ، لوضوح عدم حجية الظن بما هو ظن ، بل الاصل الاولي هو عدم حجيته كما تقدّم بيانه في اول مبحث الظن.

وقد اشار الى الوجه في اولوية تبديل الظن بالحكم بالحجة على الحكم بقوله : «فان المناط فيه» أي ان المناط في تحصيل الحكم الذي هو الاجتهاد «هو تحصيلها» أي تحصيل الحجة على الحكم اما «قوة» والمراد بها هي القوة القريبة «او فعلا لا الظن» بما هو ظن. واشار الى الدليل على ذلك بقوله : «حتى عند العامة القائلين بحجيّته» أي بحجية الظن «مطلقا او» عند «بعض الخاصة القائل بها» أي بحجيّة الظن «عند انسداد باب العلم بالاحكام فانه مطلقا» أي فان حجية الظن مطلقا «عندهم» أي عند العامة «او» حجيّة الظن «عند الانسداد عنده» أي عند بعض الخاصة انما هو لان الظن «من افراد الحجة» لا لانه بما هو ظن. واشار الى انه مع تبديل الظن بالحجة لا يرد على التعريف عدم الانعكاس في الموارد التي يشير اليها بقوله : «ولذا لا شبهة في كون استفراغ الوسع في تحصيل غيره» أي غير الظن «من افرادها» أي من افراد الحجة «من العلم بالحكم» هذا بيان لافراد الحجة التي هي غير الظن ، لوضوح ان العلم بالحكم ليس هو من الظن بالحكم «او غيره» أي او غير الظن بالحكم «مما اعتبر من الطرق التعبدية غير المفيدة للظن» شخصا كالامارات التي هي من الظنون النوعية او الاصول التعبدية التي هي غير مفيدة للظن «ولو نوعا».

٢٣٦

ومنه قد انقدح أنه لا وجه لتأبي الاخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى ، فإنه لا محيص عنه كما لا يخفى ، غاية الامر له أن ينازع في حجية بعض ما يقول الاصولي باعتباره ويمنع عنها ، وهو غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بذاك المعنى ، ضرورة أنه ربما يقع بين الاخباريين ، كما وقع بينهم وبين الاصوليين (١).

______________________________________________________

وقوله (قدس‌سره) : «اجتهادا ايضا» هذا خبر لكون ، والتقدير انه لا شبهة في كون هذه الموارد المشار اليها اجتهادا ايضا كما ان الظن بالحكم اجتهاد.

والحاصل ان الايراد بخروج هذه الموارد انما كان لاخذ الظن في التعريف ، ولو بدّل بالحجة لما أورد عليه بذلك. ثم لا يخفى انه مع التبديل بالحجة لا يسلم من ايراد عدم الاطراد لصدق الحجة على الحكم الاصولي مع انه خارج كما عرفت ولا يخفى ايضا انه قال فالاولى ولم يقل فاللازم لاجل ما يراه من كون هذه التعاريف ليست تعاريف حقيقية.

(١) توضيحه : ان بعض الاخباريين انكروا على الاصوليين قولهم بالاجتهاد ، مدعين ان قول الاصوليين بالاجتهاد مما لا اساس له في مذهب الخاصة ، فهو خروج منهم عن مذهب الخاصة واخذ بمذهب العامة.

والظاهر ان السبب في ذلك هو التعريف الاول للاجتهاد : بانه استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم ، والظن لا يغني عن الحق شيئا.

اما على ما ذكرنا من تبديل الظن بالحجة فلا محالة انه لا وجه لانكار الاجتهاد من الاخباريين ، لبداهة انه لا بد من الاخذ بالحكم الذي قامت عليه الحجة. ومخالفة الاخباريين للاصوليين في بعض مصاديق الحجة لا يستلزم انكار الاجتهاد.

وبعبارة اخرى : انه بعد كون الكبرى من الامور المسلمة ـ وهي لزوم الاخذ بما قامت عليه الحجة ، وان الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع لتحصيل الحجة على الحكم مما لا مجال لانكاره ـ فالاختلاف في بعض صغريات هذه الكبرى لا يستلزم انكار

٢٣٧

فصل

ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجز ، فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة ، أو أصل معتبر عقلا أو

______________________________________________________

الكبرى من رأس. لانه من الواضح ان الخلاف بين الاصوليين والاخباريين في بعض مصاديق الحجة ليس هو إلّا كالاختلاف بين الاخباريين انفسهم في بعض مصاديق الحجة ايضا.

وقد اشار الى عدم صحة انكار الاخباريين للاجتهاد حيث يكون الاجتهاد هو استفراغ الوسع لتحصيل الحجة بقوله : «ومنه قد انقدح» أي ومما ذكرنا من اولوية تبديل الظن بالحجة ينقدح «انه لا وجه لتأبي الاخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى» أي حيث يكون المراد من الاجتهاد هو تحصيل الحجة «فانه لا محيص عنه كما لا يخفى» لعدم امكان تأبي الاخباري عن الاجتهاد بمعنى تحصيل الحجة.

واشار الى ان مخالفة الاخباريين في بعض مصاديق الحجة لا يستلزم انكار الكبرى وهي اصل الاجتهاد ، وانه كالخلاف بين الاخباريين انفسهم في بعض مصاديق الحجة بقوله : «غاية الامر له» أي للاخباري «ان ينازع في حجية بعض ما يقول الاصولي باعتباره» وحجيته ، وللاخباري ان لا يرى بعض المصاديق من مصاديق الحجة «ويمنع عنها وهو غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بذاك المعنى» أي بمعنى تحصيل الحجة «ضرورة انه ربما يقع بين الاخباريين كما وقع بينهم وبين الاصوليين» أي انه من الواضح ان الخلاف كما يقع بين الاخباريين والاصوليين في بعض مصاديق هذه الكبرى التي لا مناص عن التسليم بها ، كذلك يقع الخلاف بين الاخباريين انفسهم في بعض مصاديق هذه الكبرى ايضا.

٢٣٨

نقلا في الموارد التي لم يظفر فيها بها ، والتجزي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الاحكام (١).

ثم إنه لا إشكال في إمكان المطلق وحصوله للاعلام (٢) ، وعدم التمكن من الترجيح في المسألة وتعيين حكمها والتردد منهم في بعض المسائل إنما

______________________________________________________

(١) المراد من الاجتهاد المطلق هو السعة والشمول. فالمجتهد المطلق : هو من كان له ملكة يقتدر بها على استنباط كل حكم من دليله ، بان يعرف جميع ما يرجع الى الامارات من الادلة اللفظية وغيرها القائمة على الحكم في مقام دلالتها ومقام تعارضها ، وجميع ما يرجع الى الاصول التي هي وظائف للشاك ـ العقلية منها كقبح العقاب وكالاحتياط الواجب ، والنقلية كالبراءة الشرعية وكالاستصحاب ـ حيث لا تقوم امارة معتبرة على الحكم لا تعيينا ولا تخييرا.

والمتجزي : هو من كان له ملكة يقتدر بها على استنباط بعض الاحكام لا كلها.

وظهر مما ذكرنا : انه لا بد من كون الملكة موجودة بالفعل ، فمن كان له قوة ان تحصل له الملكة ليس بمجتهد مطلق ولا متجز ، وإلّا لزم كون جل العوام مجتهدين. وعبارة المتن واضحة.

(٢) لا يخفى انه اذا كان الاجتهاد هو الملكة فلا اشكال في امكان الاجتهاد ذاتا وامكانه وقوعا ، بل لا ريب في تحققه خارجا ، فان علماءنا الاعلام كلهم لهم ملكة يقتدرون بواسطتها على استنباط جميع الاحكام.

نعم ، بناء على كون الاجتهاد هو تحصيل الظن بالحكم الفعلي فهناك مجال لعدم امكانه وقوعا بل لعدم امكانه ذاتا ، لاستلزامه الاحاطة بما لا يتناهى تقريبا ، ولا سيما مع تحقق عدم الالتفات الى بعض الاحكام لعدم الابتلاء بها مع تحقق مواردها ، مضافا الى عدم تحقق موارد بعضها من رأس.

فظهر : ان عدم تحقق الاستنباط للظن الفعلي بجميع الاحكام مما لا ريب فيه. ولعله لذلك انكر بعضهم الاجتهاد المطلق ، فانه مبني على كون الاجتهاد هو تحصيل

٢٣٩

هو بالنسبة إلى حكمها الواقعي ، لاجل عدم دليل مساعد في كل مسألة عليه ، أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم ، لا لقلة الاطلاع أو قصور الباع.

وأما بالنسبة إلى حكمها الفعلي ، فلا تردد لهم أصلا (١) ، كما لا إشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف

______________________________________________________

الظن الفعلي بالحكم. ولكنه حيث كان الاجتهاد هو الملكة فتحقق الملكة التي يقتدر بها على استنباط جميع الاحكام الفعلية والمقدرة مما لا ينبغي الاشكال فيه.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ثم انه لا اشكال في امكان المطلق وحصوله للاعلام» وذلك لما مر تحقيقه من ان الاجتهاد هو الملكة.

(١) حاصله : الاشارة الى ما يمكن ان يتوهم من عدم وقوع الاجتهاد المطلق حتى للاعلام فكيف في غيرهم ، بدعوى ان كتب الاعلام مملوءة بتصريحهم بعدم التمكن من تعيين الحكم الفعلي في بعض المسائل ـ كالقائلين بالتوقف في بعض المسائل ـ وتصريحهم بالتردد في الحكم الفعلي في بعض المسائل ، ولا يخلو كتاب من كتبهم عن ذلك. ولو كانوا مجتهدين بالاجتهاد المطلق لما صرحوا بعدم التمكن ولا بالتردد. وقد اشار الى هذا التوهم بقوله : «وعدم التمكن من الترجيح ... الى آخر الجملة».

والجواب عنه : ان تصريحهم بعدم التمكن في بعض المسائل وتصريحهم بالتردد في بعضها انما هو بالنسبة الى الحكم الواقعي ، لا بالنسبة الى الحكم الظاهري الذي قامت عليه الحجة فان مقامهم اجل من ذلك. والسبب في تصريحهم بعدم التمكن من تعيين الحكم الواقعي والتردد فيه يرجع : تارة الى عدم مساعدة ادلة كافية على الحكم الواقعي ، واخرى ترجع الى تورعهم لاحتمال وجود دليل لم يظفروا به وان فحصوا بالمقدار اللازم في مقام الفحص عنه. واما قدرتهم على استنباط الحكم الظاهري الفعلي لكل مسالة لأعلام العلماء فمما لا ريب فيها.

٢٤٠