بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-065-9
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : انه في المتكافئين لا يقول بجعل التعبد فعلا فيهما حتى ينقض عليه ، بانه مع الاخذ بالمرجح الجهتي يلزم الغاء التعبد الفعلي بالصدور في المتكافئين. واما القول بالتعبد الشأني في المتكافئين فلا مانع منه ، لانه لا تعبد بالفعل فيهما حتى يلزم من الاخذ بالمرجح الجهتي الغاء للتعبد بنفس الصدور.

وبعبارة اخرى : المتحصل من كلام الشيخ (قدس‌سره) ان الاقتضاء للحجية في المتكافئين بالنسبة اليهما على حد سواء ، وحينئذ يكون مجال للترجيح بالجهة فيؤثر المقتضي فيما فيه المرجح الجهتي ويكون هو المتعبد به بالفعل ، واما في المتخالفين فحيث ان الاقتضاء فيهما ليس على حد سواء ، بل هو في خبر الاعدل اقوى فيكون هو المؤثر ، ومع تأثير المقتضي للتعبد فعلا في واجد المرجح الصدوري لا مجال للتعبد الفعلي في فاقده ، وحيث لا تعبد فيه فلا مجال للترجيح بالجهة لانها فرع التعبد بنفس الصدور.

اما البرهان على كون مراد الشيخ ليس هو التعبد الفعلي في المتكافئين ، فلان فرض الكلام في المتعارضين ، وقد عرفت فيما مر ان ادلة الحجية في المتعارضين لا تقتضي الحجية الفعلية بصدور كل واحد من المتعارضين ، بل غايته هو تساوي الخبرين من حيث الاقتضاء بالصدور ، اما فعلية صدورهما او فعلية صدور احدهما دون الآخر فلا دلالة لدليل حجية الخبر عليه. هذا بالنسبة الى اصل دليل حجية الخبر. واما بالنسبة الى دليل العلاج فهي انما تدل على ان الحجية بالفعل هو الراجح معينا او احدهما مخيرا ، ولا يدل على حجيتهما بالفعل معا.

فظهر مما ذكرنا : انه لا بد وان يكون مراد الشيخ من تساوي المتكافئين تعبدا هو تساويهما من حيث الاقتضاء والشأنية للحجية لا فعلية الحجية.

وقد اشار الى ان النقض انما يرد على الشيخ حيث يقول بالحجية الفعلية في المتكافئين لا بالشأنية بقوله : «وفيه ما لا يخفى من الغفلة وحسبان انه» أي الشيخ «التزم (قدس‌سره) في مورد الترجيح بحسب الجهة باعتبار تساويهما من حيث

٢٠١

لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله ، وبين صدوره تقية ، ولا يعقل التعبد به على التقديرين بداهة ، كما أنه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق (١) ، بل الامر في الظني الصدور أهون ، لاحتمال عدم صدوره ،

______________________________________________________

الصدور اما للعلم بصدورهما» كما في مقطوعي الصدور «واما للتعبد به» أي بالصدور «فعلا» كما في المتكافئين «مع بداهة» ان الشيخ لم يلتزم بالتعبد فعلا في المتكافئين ، بل «ان غرضه» (قدس‌سره) «من التساوي من حيث الصدور تعبدا هو تساويهما بحسب دليل التعبد بالصدور قطعا» من حيث جهة الاقتضاء للتعبد لا فعلية التعبد.

واشار الى البرهان على ان غرض الشيخ من التساوي هو التساوي في مرحلة الاقتضاء دون الفعلية بقوله : «ضرورة ان دليل حجية الخبر» بالنسبة الى المتعارضين «لا يقتضي التعبد فعلا» بالمتعارضين معا «بل ولا» يقتضي دليل حجية الخبر بالنسبة الى المتعارضين التعبد فعلا «باحدهما» كما مر بيانه.

«و» اما بالنسبة الى ادلة العلاج فان «قضية دليل العلاج ليست» هي حجية التعبد بكلا المتعارضين فعلا ، بل لا تقتضي ادلة العلاج «الا التعبد» فعلا «باحدهما» اما «تخييرا او ترجيحا» فحيث لا يكون هناك دليل على التعبد فعلا بالمتعارضين لا من جهة دليل اصل حجية الخبر ولا من حيث ادلة العلاج ، لا يمكن ان يكون غرض الشيخ من التساوي في المتكافئين تعبدا هو التساوي بينهما في التعبد الفعلي ، بل لا محالة يكون غرضه من التساوي بينهما تعبدا هو التساوي في مرحلة الاقتضاء والشأنية.

(١) ان المحقق الرشتي (قدس‌سره) بعد ان اورد على الشيخ (قدس‌سره) بالنقض بالمتكافئين .. برهن على لزوم تقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري ببرهانين :

الاول : انه حيث يكون الارجح صدورا موافقا للعامة ويكون معارضه المرجوح صدورا مخالفا للعامة ، كما لو كان خبر الاعدل موافقا للعامة وخبر العادل مخالفا

٢٠٢

بخلافه (١). ثم قال : فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة ، مع نص الامام عليه‌السلام على طرح موافقهم ، من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة ، فضلا عمن هو تالي العصمة علما وعملا. ثم قال : وليت شعري ، إن هذه الغفلة الواضحة

______________________________________________________

لهم ، فانه يستحيل التعبد بخبر الاعدل مع معارضته بما يخالف العامة ، لوضوح انه لا اشكال في ان الخبر المخالف للعامة لم يصدر للتقية بل كان لبيان الواقع ، ولازم ذلك كون الخبر الموافق لهم اما غير صادر اصلا أو كان صادرا لا لبيان الواقع ، ومع العلم الاجمالي بان خبر الاعدل اما غير صادر أو صادر لا لبيان الواقع يمتنع التعبد بصدوره ، للعلم بان مؤداه غير مطابق للواقع اما لعدم صدوره اصلا او لصدوره لبيان غير الواقع. والى هذا اشار بقوله : «لدوران امره» أي لدوران امر خبر الاعدل الموافق للعامة «بين عدم صدوره من أصله وبين صدوره تقية» لا لبيان الواقع «ولا يعقل التعبد به على التقديرين بداهة» للعلم الاجمالي بعدم مطابقته للواقع ، اما لعدم صدوره من رأس او لصدوره لا لبيان الواقع.

ثم اشار الى ان لزوم تقديم الخبر المخالف في مقطوعي الصدور ـ كما اعترف به الشيخ نفسه ـ انما هو للكشف عن ان صدور الموافق كان للتقية لا لبيان الواقع بقوله : «كما انه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق» للعامة مع معارضته بالقطعي الصدور المخالف لهم.

(١) لا يخفى انه انما كان الامر في ظني الصدور اهون من قطعي الصدور بملاحظة ان الخبر الموافق المقطوع الصدور يتمحض تقديم الخبر المخالف المقطوع الصدور عليه في جهة الصدور لكشفه عن كون مقطوع الصدور الموافق للعامة قد صدر لا لبيان الواقع بل للتقية. واما في مظنوني الصدور فلا يتمحض التقديم للخبر المخالف على الموافق في الجهة ، لاحتمال كون الخبر الموافق المظنون الصدور لم يكن صادرا اصلا ، فيكون تقديم الخبر المخالف لانه هو الصادر لا لاجل محض صدوره لبيان الواقع.

٢٠٣

كيف صدرت منه؟ مع أنه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو البرهان الثاني. وحاصله : ان الامام عليه‌السلام نص على تقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري ، فانه امر بتقديم المخالف على الموافق مع فرض كون الموافق واجدا للمزية من حيث نفس الصدور ، ومع نص الامام عليه‌السلام بتقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري لا وجه لاحتمال تقديم المرجحات السندية على المرجح الجهتي. ولذا قال (قدس‌سره) : «فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة» الذي هو المرجح الجهتي «مع نص الامام عليه‌السلام على طرح موافقتهم» مع فرض كونه واجدا للمزية من حيث نفس الصدور «من العجائب ... الى آخر الجملة».

ولا يخفى ان المصنف لم يتعرض لرد هذا البرهان الثاني ، فلا بد من التعرض لرده.

وحاصله : ان كون الامام عليه‌السلام قد نص على تقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري لا يخلو عن مغالطة ، فان محل الكلام هو ان يكون احد الخبرين واجدا للمرجح السندي ، ويكون الآخر فاقدا له ولكنه كان واجدا للمرجح الجهتي ، وان نص الامام عليه‌السلام على تقديم المرجح الجهتي انما هو حيث يكون كلا الخبرين واجدين للمزية المرجحة من حيث السند ، والفرق بين المقامين واضح ، فان الخبرين اذا كانا متساويين من حيث السند حينئذ يترجح الواجد للمرجح الجهتي على الخبر الفاقد لهذا المرجح ، فان الخبر الموافق الواجد للمزية من حيث السند حيث كان الخبر الآخر المخالف ايضا واجدا لتلك المزية المرجحة من حيث السند لذلك تقدم المرجح الجهتي ، اما اذا لم يتساويا من حيث السند فلا نص يدل على تقديم الخبر المخالف على الموافق.

٢٠٤

وأنت خبير بوضوح فساد برهانه ، ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين الصدور تقية وعدم الصدور رأسا ، لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا ، وعدم صدور المخالف المعارض له أصلا ، ولا يكاد يحتاج في التعبد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة (١) ، وإنما دار

______________________________________________________

فظهر مما قلنا : انه لا «نص من الامام عليه‌السلام» على تقديم المرجح الجهتي على المرجح السندي حيث يدور الامر بينهما كما هو مفروض الكلام في المقام.

(١) حاصله منع ما ذكره من العلم الاجمالي بتردد الخبر الموافق بين عدم الصدور وصدوره للتقية لا لبيان الواقع ، لبداهة عدم العلم الاجمالي المدعى ، لاحتمال صدور الخبر الموافق لبيان الواقع وعدم صدور الخبر المخالف ، فلا علم اجمالي اما بعدم صدور الخبر الموافق او بصدوره للتقية حتى يستحيل التعبد به.

والحاصل : ان الخبرين المظنونين عند تعارضهما وكان احدهما موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم .. فان الاحتمالات في الخبر الموافق ثلاثة : عدم صدوره ، وصدوره للتقية ، وصدوره لبيان الواقع. وفي الخبر المخالف احتمالان : عدم صدوره ، وصدوره لبيان الواقع ، لوضوح عدم احتمال صدوره للتقية لفرض كونه مخالفا للعامة. وحيث يحتمل عدم صدور الخبر المخالف فلا بد من ان يكون الخبر الموافق مما يحتمل صدوره لبيان الواقع. ومجرد كون الخبر محتمل الصدور لبيان الواقع موجب لدخوله تحت عموم ادلة الحجية للخبر. فظهر انه لا استحالة في التعبد به.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ضرورة عدم دوران أمر» الخبر «الموافق بين الصدور تقية وعدم الصدور رأسا» حتى يستحيل التعبد به ويكون خارجا عن ادلة الحجية للخبر «لاحتمال صدوره» أي لاحتمال صدور الموافق «لبيان حكم الله واقعا» ايضا ، فالمحتملات في الخبر الموافق ثلاثة لا اثنان كما توهمها. واشار الى ان السبب لهذا الاحتمال الثالث في الخبر الموافق هو ان من المحتمل في الخبر المخالف عدم الصدور ايضا بقوله : «وعدم صدور المخالف المعارض له اصلا». واشار الى

٢٠٥

احتمال الموافق بين الاثنين إذا كان المخالف قطعيا صدورا وجهة ودلالة ، ضرورة دوران معارضه حينئذ بين عدم صدوره وصدوره تقية (١) ، وفي غير هذه الصورة كان دوران أمره بين الثلاثة لا محالة ، لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعي حينئذ أيضا.

ومنه قد انقدح إمكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي أيضا ، وإنما لم يكن التعبد بصدوره لذلك إذا كان معارضه المخالف قطعيا بحسب السند والدلالة ، لتعيين حمله على التقية حينئذ لا محالة ، ولعمري إن ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على مثله ، إلا أن الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للانسان ، عصمنا الله من زلل الاقدام

______________________________________________________

ان محض احتمال الصدور لبيان الواقع كاف في دخول الخبر في ادلة الحجية بقوله : «ولا يكاد يحتاج في التعبد» بالخبر وشمول ادلة الحجية له «الى ازيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة». المشار اليه بقوله : «ذلك» هو الواقع : أي لبيان الواقع.

(١) حاصله : ان مورد العلم الاجمالي في الخبر الموافق ـ بانه اما صادر للتقية او غير صادر اصلا ـ مثاله غير المفروض في محل الكلام ، وهو كون الخبرين مظنوني الصدور ، بل هو فيما اذا كان الخبر المخالف مقطوع الصدور ، ومقطوع الدلالة ، ومقطوع الجهة .. فانه حينئذ يكون الخبر الموافق دائرا أمره بين عدم الصدور او الصدور للتقية ، لوضوح ان الخبر المخالف اذا كان مقطوعا صدوره ومقطوعا دلالته ومقطوعا صدوره لبيان الواقع ، فلا محالة يكون الخبر الموافق دائرا امره بين عدم الصدور او الصدور للتقية.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وانما دار احتمال الموافق بين الاثنين» أي بين عدم الصدور او الصدور للتقية هو فيما «اذا كان» الخبر «المخالف قطعيا صدورا وجهة ودلالة ... الى آخر الجملة».

٢٠٦

والاقلام في كل ورطة ومقام (١). ثم إن هذا كله إنما هو بملاحظة أن هذا المرجح مرجح من حيث الجهة ، وأما بما هو موجب لاقوائية دلالة ذيه

______________________________________________________

(١) توضيحه : انه قد ظهر من ان انحصار العلم الاجمالي ـ بكون الخبر الموافق دائرا امره بين عدم الصدور او الصدور للتقية في خصوص ما اذا كان الخبر المخالف مقطوعا به من حيث جهاته الثلاث : صدوره ، ودلالته ، وجهته ـ امور اربعة :

الاول : عدم العلم الاجمالي في مفروض المقام من كون الخبرين مظنوني الصدور ، كما عرفت من ان الامر في الخبر الموافق يدور بين الاحتمالات الثلاثة عدم الصدور والصدور للتقية ، والصدور لبيان الواقع. والى هذا اشار بقوله : «وفي غير هذه الصورة كان دوران امره بين الثلاثة ... الى آخر الجملة».

الثاني : ان الخبر الموافق المقطوع الصدور المعارض بالخبر المخالف المظنون الصدور لا يتعين صدور الموافق للتقية ، بل يحتمل كون صدوره لبيان الواقع لاحتمال عدم صدور الخبر المخالف من رأس.

الثالث : ان الخبرين المقطوعي الصدور غير المقطوعي من حيث الدلالة من المحتمل في الخبر الموافق صدوره لبيان الواقع ، لاحتمال كون الخبر المخالف المقطوع الصدور غير مراد ظاهره ، لفرض عدم القطع بارادة ظاهره.

الرابع : ان الخبر الموافق المقطوع الصدور ـ اذا كان الخبر المخالف مقطوعا من حيث الصدور ومن حيث الدلالة والجهة ـ يتعين حمله على صدوره للتقية.

وقد اشار الى امكان التعبد بالخبر الموافق القطعي الصدور فيما اذا كان الخبر المخالف ظنيا صدورا او كان مقطوعا صدورا ولكنه كان غير مقطوع الدلالة بقوله : «ومنه انقدح امكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي ايضا» فيما اذا كان الخبر المخالف ظنيا او قطعيا ولكنه غير مقطوع الدلالة. واشار الى تعين حمل الخبر الموافق المقطوع الصدور على التقية في صورة ما اذا كان الخبر المخالف مقطوعا سندا ودلالة بقوله : «وانما لم يكن التعبد بصدوره لذلك» أي وانما لم يكن التعبد

٢٠٧

من معارضه ، لاحتمال التورية في المعارض المحتمل فيه التقية دونه ، فهو مقدم على جميع مرجحات الصدور ، بناء على ما هو المشهور من تقدم التوفيق ـ بحمل الظاهر على الاظهر ـ على الترجيح بها (١).

______________________________________________________

بصدور الموافق لبيان الواقع فيما «اذا كان معارضه المخالف قطعيا بحسب السند والدلالة لتعيين حمله» أي لتعيين حمل الموافق في هذا الفرض «على التقية حينئذ لا محالة» لفرض كون الخبر الموافق مقطوع الصدور ، والخبر المخالف مقطوع الصدور والدلالة والجهة ، فلا محالة حينئذ من كون صدور الخبر الموافق للتقية لا لبيان الواقع.

(١) توضيحه يتوقف على بيان امرين : الاول : ان مخالفة العامة : يحتمل ان يكون الترجيح بها لانها بنفسها من الامور الحسنة. وعلى هذا فالاخذ بمخالفة العامة بنفسه عنوان حسن من باب كونه خلافا على مخالفينا ، ولاجله يترجح المخالف على الموافق.

ويحتمل ان يكون الترجيح بالمخالفة لغلبة الحق. ومعنى ذلك ان المخالف قد صدر لبيان الحق الذي هو مخالف لما عليه العامة ، لان العامة حيث تركوا الطريق الذي نصبه الله سبيلا لمعارفه كان سيرهم على غير هدى ، لذلك كانوا غالبا يخطئون الحق ، فيكون الغالب في صدور المخالف هو بيان الحق. واما غير الغالب فيحتمل ان يكون للجهة الاولى وهي كونه خلافا على مخالفينا.

والترجيح للمخالف على هذين الاحتمالين هو ترجيح لجهة الصدور ، وانه قد صدر لبيان الواقع اما لكون عنوان المخالفة حسنا بالذات او لكونه لبيان الواقع ، ولازمه قوة الخبر المخالف من هذه الجهة وضعف الخبر الموافق لان احتمال صدوره لبيان الواقع ضعيف.

ويحتمل ان يكون الترجيح بالمخالفة انما هو لاجل ان السبب لصدور الموافق هو التقية والخوف من اظهار الحق في قبالهم.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الاولين فانه مما يحتمل صدور الخبر الموافق لبيان الواقع وان كان الاحتمال ضعيفا ، بخلافه على الاخير فان صدوره لمحض التقية ولا احتمال فيه لبيان الواقع.

الثاني : ان المشهور ذهبوا الى انه في مورد التقية لا بد على الامام عليه‌السلام ان يقصد التورية في كلامه : بان يريد به ما هو خلاف ظاهره ، اما لعدم جواز الكذب عليه وان كان لاجل المصلحة حيث يمكن ارادة الخلاف ، أو لأن الأليق بمقام الامام عليه‌السلام هي التورية وعدم افناء اللفظ فيما هو ظاهر فيه وان جاز افناؤه فيه كذبا لاجل المصلحة.

فاذا عرفت هذا ... نقول : بناء على ان الترجيح بمخالفة العامة للاحتمالين الاولين لا يتعين ترجيح المخالف على الموافق ، لعدم ارادة الظاهر في الموافق ، بخلافه على الاحتمال الثالث فانه يتعين بان يكون الترجيح للمخالف انما هو لان الموافق لم يرد به ظاهره ، وعلى هذا فيكون الترجيح للمخالف على الموافق داخلا في الجمع الدلالي ، لرجوعه الى ان الظاهر في المخالف هو الاقوى لقوة كونه هو المراد والضعف في الخبر الموافق لوهن ارادة الظاهر فيه. ومن الواضح انه مع الجمع الدلالي لا تصل النوبة الى المرجحات كلها سندا وجهة.

فظهر مما ذكرنا : انه بناء على كون الترجيح بمخالفة العامة لاجل الاحتمال الثالث يتقدم الترجيح بها على المرجحات جميعا ، لانها تكون من الجمع الدلالي كما عرفت.

نعم بناء على الاحتمالين الاولين يأتي الكلام الذي مر : من ان المختار هو عدم تقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري كما يراه المحقق الرشتي (قدس‌سره) ، وعدم تقديم المرجح الصدوري على المرجح الجهتي كما يراه الشيخ.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ثم ان هذا كله» أي ان الكلام الذي مر من مناقشة كلا الرأيين «انما هو بملاحظة ان هذا المرجح» وهو المرجح الجهتي «مرجح من حيث الجهة» كما يقتضيه الاحتمالان الاولان. واما بناء على الاحتمال الثالث فان

٢٠٩

اللهم إلا أن يقال : أن باب احتمال التورية وإن كان مفتوحا فيما احتمل فيه التقية ، إلا أنه حيث كان بالتأمل والنظر لم يوجب أن يكون معارضه أظهر ، بحيث يكون قرينة على التصرف عرفا في الآخر (١) ،

______________________________________________________

الترجيح بالمخالفة يكون «بما هو موجب لاقوائية دلالة ذيه من معارضه» وهو الخبر الموافق «لاحتمال التورية» وارادة خلاف الظاهر «في المعارض المحتمل فيه التقية» وهو الخبر الموافق «دونه» أي دون الخبر المخالف لعدم احتمال التورية فيه وارادة خلاف ظاهره ، ولازم ذلك كما عرفت هو كونه من الجمع الدلالي ، وحيث يكون من الجمع الدلالي «فهو مقدم على جميع مرجحات الصدور بناء على ما هو المشهور» كما مر في اول مبحث التعارض «من تقديم التوفيق» العرفي «بحمل الظاهر على الاظهر على الترجيح بها» أي على الترجيح بالمرجحات.

(١) وحاصله : ان موارد التوفيق العرفي التي هي مقام الجمع الدلالي : هو ان يكون لكل من الدليلين ظهور يكون الجمع العرفي بين هذين الظهورين هو حمل الظاهر منهما على الاظهر ، بان يكون مجرد الجمع بين هذين الظاهرين موجبا لان يكون احدهما اظهر دلالة من الآخر ، وقرينة بحسب مقام الظهور على حمل احدهما على الآخر فيكون الجمع لاجل قوة الظهور الموجب للتصرف بحمل الظاهر منهما على الاظهر. لا ان تكون القرينة لحمل احدهما على الآخر هو امر عقلي ـ كعدم صحة ارادة الظاهر من احدهما للزوم التورية ـ فانه ليس من الجمع الدلالي ، لوضوح عدم كون ذلك موجبا للأظهرية في احدهما بالنسبة الى ظاهر الآخر ، فان لزوم التورية عقلا لا يوجب كون المخالف في مقام الدلالة اظهر من الخبر الموافق ظهورا دلاليا.

والحاصل : ان الامور العقلية لا ربط لها بمقام الدلالة حتى تكون موجبة لقوة الظهور في احدهما على الآخر. والى ما ذكرنا اشار بقوله : «اللهم إلّا ان يقال ان باب احتمال التورية وان كان مفتوحا فيما احتمل فيه التقية» وهو الخبر الموافق للعامة «إلّا انه» لا يوجب كون الخبر المخالف للعامة اقوى في مقام الظهور منه

٢١٠

فتدبر (١).

فصل

موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعا من المرجحات في الجملة (٢) ـ بناء على لزوم الترجيح ـ لو قيل بالتعدي عن المرجحات

______________________________________________________

«حيث كان» باب التورية من القرائن العقلية الحاصلة «بالتأمل والنظر» ولذا «لم يوجب» ذلك «ان يكون معارضه» وهو الخبر المخالف «اظهر» دلالة «بحيث يكون قرينة على التصرّف عرفا في الآخر» وهو الخبر الموافق.

(١) لعله اشارة الى ان القرينة العقليّة في المقام وان لم توجب اظهرية في مقام الدلالة ، الّا ان المناط لتقديم هذا المرجح على المرجحات موجود لاجلها ، لان التقدّم في مقام تحقق الاظهرية انما هو لقوة الاظهر وضعف الظاهر ، وهذا موجود في هذه القرينة العقلية ، لانها موجبة لضعف ارادة الظاهر في الخبر الموافق وقوة ارادة الظاهر في الخبر المخالف. والله العالم.

(٢) لا يخفى ان المرجحات الداخلية في الخبر هي : جهة دلالته ، وجهة نفس صدوره ، وجهة كون صدوره لبيان الواقع. والاولى هي المرجح الدلالي ومورد الجمع العرفي ، والثانية هي المرجح الصدوري ، والثالثة هي المرجح الجهتي. وقد فرغ من الكلام في هذه المرجحات في الفصول المتقدمة.

وهذا الفصل معقود للكلام في المرجحات الخارجية ، وهي على اقسام :

الاول : المرجح الخارجي الذي لم يقم على اعتباره ولا على عدم اعتباره دليل ، كموافقة احد الخبرين للشهرة الفتوائية.

الثاني : المرجح الخارجي الذي قام الدليل على عدم اعتباره ، كالظن الحاصل من القياس حيث يوافق احد الخبرين المتعارضين.

الثالث : المرجح الخارجي الذي قام الدليل على اعتباره ، كموافقة احد الخبرين للكتاب.

٢١١

المنصوصة ، أو قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها كما ادعي ، وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين (١) ، وقد عرفت أن التعدي محل نظر بل منع ،

______________________________________________________

الرابع : المرجح الخارجي الذي قام الدليل على اعتباره في نفسه من دون كونه ناظرا الى ارتباط له بالخبر الموافق له ، كالاصول العملية الموافقة لاحد المتعارضين.

والفرق بين الثالث والرابع واضح ، فان موافقة الكتاب معناه كون احد الخبرين موافقا لعموم الكتاب ، ولا ريب ان العموم باعتبار فناء العام في مصاديقه وافراده يكون ناظرا الى مورد مدلول الخبر الذي وافقه ، بخلاف الاصل فانه حيث كان حكما للمشكوك ـ بما هو مشكوك حكمه واقعا ـ لا يكون له نظر الى مورد الخبر الموافق ، لان الخبر يتضمن الحكم بما انه هو الحكم واقعا ، والاصل يتضمن الحكم له بما انه حكم ظاهري للمشكوك حكمه واقعا ، فلا يعقل نظر الاصول الى احد المتعارضين ، لفرض ان موضوع الاصل الشك في الحكم الواقعي.

وقد تعرّض المصنف لجميع الاقسام. والكلام الآن في القسم الاول كما يدل عليه قوله في آخر كلامه «هذا حال الامارة غير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها».

(١) قد استدل على الترجيح بالمرجح الخارجي ـ الذي لم يقم على اعتباره ولا على عدم اعتباره دليل ـ بدليلين : الاول : انه بناء على التعدّي عن المزايا المنصوصة الى كل ما يوجب الاقربية النوعية ، لا ريب في كون موافقة الخبر للشهرة الفتوائية مما يستلزم الظن نوعا باقربية مضمونة الى الواقع.

الثاني : ان القاعدة المجمع عليها وهي لزوم العمل باقوى الدليلين تقتضي الترجيح بهذا المرجح ، لوضوح ان موافقة الشهرة الفتوائية لاحد الخبرين مما توجب اندراجه تحت هذه القاعدة المجمع عليها ، لاستلزام الشهرة اقوائية الدليل الموافق لها.

وقد اشار الى الدليل الاول بقوله : «بناء على لزوم الترجيح لو قيل بالتعدي عن المرجحات المنصوصة» وحاصله : انه بناء على التعدّي فموافقة الخبر لمثل

٢١٢

وإن الظاهر من القاعدة هو ما كان الاقوائية من حيث الدليلية والكشفية ، وكون مضمون أحدهما مظنونا ، لاجل مساعدة أمارة ظنية عليه ، لا يوجب قوة فيه من هذه الحيثية ، بل هو على ما هو عليه من القوة لو لا مساعدتها ، كما لا يخفى (١) ، ومطابقة أحد الخبرين لها لا يكون لازمه

______________________________________________________

الشهرة الفتوائية مما يوجب الظن باقربية مضمونه الى الواقع. واشار الى الدليل الثاني بقوله : «او قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها ... الى آخر الجملة».

(١) اورد المصنف على الدليل الاول : بمنع اصل المبنى ، وهو انه لا دليل على التعدي لما يوجب الاقربية النوعية ، وحيث يكون اصل التعدي الى ما يوجب الاقربية ممنوعا فلا يكون ما يوجب الاقربية ـ نوعا ـ مرجحا ، وقد مر الكلام عليه مفصلا. والى هذا اشار بقوله : «وقد عرفت ان التعدي محل نظر بل منع».

واورد على الدليل الثاني ـ وهو دخول الخبر الموافق للشهرة مثلا تحت اقوى الدليلين ـ بما مر فيه ايضا عند التعرض لهذه القاعدة ، وهو ان القدر المتيقن منها هو الاخذ بما يوجب اقوائية احد الدليلين في مقام دليليته وكشفه النوعي ، وذلك هو الذي يوجب قوة الدليل بما هو دليل ، وهذا المرجح الخارجي لا يوجب قوة الدليل الموافق له من حيث دليليته وان اوجب الظن باقربية مضمونه للواقع ، إلّا ان الدليل ـ بما هو دليل ـ لم تحدث له قوة بما هو دليل وكاشف ، لوضوح ان مساندة الشهرة الفتوائية لاحد الخبرين لا تجعله بالنسبة الى معارضه من قبيل الاظهر والظاهر ، بل الظهور فيه على ما هو عليه ، بل لا توجب ايضا قوة ملاك الحجية فيه من حيث الصدور ، ولا توجب ايضا قوة ملاك صدوره لبيان الواقع ، وانما غاية ما توجب هو قرب مضمونه الى الواقع ، وهو غير هذه الجهات. نعم قوة احتمال مطابقته للواقع لا بد ان تكشف عن احتمال خلل في المخالف اما من حيث حيثية صدوره ، او من حيث جهة صدوره ، كما ستأتي الاشارة اليه في توضيح مراد الشيخ الاعظم. فان اريد من القوة هو قوة احتمال صدوره او صدوره لبيان الواقع من دون وجود هذا في

٢١٣

الظن بوجود خلل في الآخر ، إما من حيث الصدور ، أو من حيث جهته ، كيف؟ وقد اجتمع مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف لو لا معارضة الموافق ، والصدق واقعا لا يكاد يعتبر في الحجية ، كما لا يكاد يضر بها الكذب كذلك ، فافهم. هذا حال الامارة غير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها (١).

______________________________________________________

معارضه فهو صحيح ، ولذا قال (قدس‌سره) : «وان الظاهر من القاعدة» هو الاخذ بالدليل الاقوى لاجل قوته في دليليته و «هو ما كان الاقوائية فيه من حيث الدليلية والكشفية».

واشار الى ان موافقة الامر الخارجي الموجبة لكون الخبر مظنون المضمون من حيث الاقربية لا توجب قوة له في مقام الدليلية بقوله : «وكون مضمون احدهما مظنونا لاجل مساعدة امارة ظنية عليه» كالشهرة الفتوائية «لا توجب قوة فيه من هذه الحيثية» من جهة حيثية دليليته «بل هو» من حيث دليليته «على ما هو عليه من القوة لو لا مساعدتها» أي ان مساعدة الامارة الظنية اجنبية عن الدليل من ناحية دليليته.

(١) توضيحه : ان الشيخ الاعظم قد ذهب الى التعدي والى الترجيح بما يوجب الاقربية للمضمون ، وهو الذي استدل بالدليلين المذكورين ، واجاب عن الاشكال المذكور من كون القاعدة انما تدل على الاقوى من حيث الدليلية ، والمرجح الخارجي الموجب لاقربية المضمون لا يكون موجبا لاقوائية الدليل من حيث الدليلية ، وانما الموجب لاقوائية الدليل من حيث الدليلية هو المرجح الداخلي.

وحاصل جوابه : ان المرجح الخارجي وان كان اقتضاؤه المطابقي هو الاقربية من حيث المضمون للخبر الموافق له ، إلّا ان أقربية احد الخبرين للواقع مستلزمة للظن بكون الخبر المخالف فيه خلل ، اما من حيث الصدور ، او من حيث الجهة ، لبداهة ان الواقع حيث لا يعقل ان يكون على طبق كل منهما ، فاذا كان احتمال مطابقة

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقع في احدهما اقوى من الآخر فلازم ذلك بعد الخبر الآخر عن مطابقة الواقع ، وبعده عن المطابقة لا بد وان يكون اما لضعف حيثية صدوره ، او لضعف حيثية جهة صدوره. ونتيجة ذلك رجوع هذا المرجح الخارجي للمضمون الى المرجح الداخلي على سبيل الترديد بين المرجح الصدوري والمرجح الجهتي.

فالفرق بين هذا المرجح الخارجي والمرجح الداخلي هو ان هذا المرجح الخارجي مرجح داخلي بنحو الاجمال بين المرجحين الداخليين ، والمرجح الداخلي مرجح بنحو التفصيل. ومن الواضح عدم الفرق في الترجيح من ناحية الاجمال والتفصيل.

وينبغي ان لا يخفى ايضا انه على ما ذكره الشيخ من لزوم الظن بالخلل يستلزم تقديم المرجح المضموني على المرجح الصدوري والمرجح الجهتي ، وهذا ما اشرنا اليه سابقا من ان الشيخ يقدم المرجح المضموني على المرجح الصدوري ، والصدوري على الجهتي.

وأورد عليه المصنف : بان الظن باقربية مضمون احدهما للواقع لا يستلزم الظن الاجمالي بالخلل في حجية الخبر المردد بين حيثية الصدور وحيثية الجهة.

وتوضيح ذلك : ان ملاك حجية الخبر من ناحية الصدور ـ بحسب ما يستفاد من ادلة الاعتبار ـ هو كون الراوي عادلا من غير اشتراط لها بالظن الشخصي على وفق مضمون الخبر ، بل ولو مع الظن بخلافه. وملاك حجية الخبر من حيث الجهة هو بناء العقلاء على ان الاصل في المتكلم الملقى لكلامه هو انه مريد جدا لظاهر كلامه. ومن الواضح ان الظن الخارجي بعدم مطابقة الخبر للواقع يجتمع مع حجية الخبر صدورا وجهة ، فلا يوجب الظن بعدم المطابقة الظن بالخلل من ناحية حجيته المردد بين حيثية صدوره وحيثية جهته ، فلا يوجب كون الراوي غير عادل ولا يوجب صرف العقلاء عن بنائهم على انه مريد جدا لظاهر كلامه ، فان عمل العقلاء على البناء على كون المتكلم مريدا جدا لظاهر كلامه ولو مع الظن الخارجي بعدم المطابقة للواقع. ويدل على ذلك انه لو لم يكن لهذا الخبر المظنون عدم مطابقته للواقع معارض اصلا لما كان

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الظن بعدم مطابقته للواقع مانعا عن شمول ملاك حجية الصدور له ولا عن شمول ملاك حجية الجهة له. والسبب في ذلك ما عرفت من عدم كون الظن بالمطابقة للواقع دخيلا فيما هو الملاك للحجية ، ولا الظن بعدم المطابقة مانعا عن تأثير الملاك للحجية لا في نفس الصدور ولا من حيث الجهة.

فظهر مما ذكرنا : ان موافقة احد الخبرين لهذا الامر الخارجي وان اوجب الظن بمطابقته للواقع نوعا وبعد مطابقة معارضه للواقع ، إلّا ان هذا لا يستلزم الظن بالخلل اجمالا فيما هو ملاك الحجية للخبر المعارض ، لان الظن بالموافقة للواقع والظن بعدم الموافقة للواقع اجنبيان عما هو ملاك الحجية في الخبر صدورا او جهة.

وبعبارة اخرى : ان صدق الخبر واقعا ليس مناط حجيته ، ولا كذب الخبر واقعا مناط المانعية عن حجيته ، والمقدار اللازم في التعبد بالخبر كونه مما يحتمل صدقه. نعم الخبر المقطوع بصدقه غير مشمول لادلة الحجية لكونه مقطوعا به ، والخبر المعلوم كذبه خارج عنها لعدم معقولية التعبد بصدق ما هو معلوم الكذب ، فيبقى الخبر المحتمل الصدق والكذب ـ من حيث ذاته ـ هو الذي دل دليل الاعتبار على التعبد به والبناء على صدقه وان ظن بعدم صدقه.

فظهر ان الظن بصدق الخبر الموافق للامارة الخارجية لا يوجب خروج الخبر المخالف لها عن كونه محتمل الصدق ، ولا يمنع عن تحقق ملاك الحجية فيه لا صدورا ولا جهة كما هو واضح.

والحاصل : ان الظن بالمطابقة للواقع لا يستلزم الظن بالخلل في حجية الخبر المخالف لها. إلّا ان يقال : انه حيث كان الحكم واقعا واحدا فبالضرورة تكون ملازمة بين الظن بالمطابقة للواقع في احد الخبرين وبين الظن بالخلل في المعارض له ، وان كان هذا الظن بالخلل ليس بحجة ، لكن الكلام ليس في حجيته ، بل في كون المظنون المطابقة ذا مزية على المعارض له.

٢١٦

أما ما ليس بمعتبر بالخصوص لاجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص كالقياس ، فهو وإن كان كالغير المعتبر لعدم الدليل ، بحسب ما يقتضي الترجيح به من الاخبار بناء على التعدي ، والقاعدة بناء على دخول مظنون المضمون في أقوى الدليلين ، إلا أن الاخبار الناهية عن القياس وأن السنة إذا قيست محق الدين ، مانعة عن الترجيح به ، ضرورة أن استعماله في ترجيح أحد الخبرين استعمال له في المسألة الشرعية الاصولية ، وخطره ليس بأقل من استعماله في المسألة الفرعية (١).

______________________________________________________

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ومطابقة احد الخبرين لها» للامارة الظنية «لا يكون لازمه الظن بوجود خلل» اجمالا «في الآخر» المعارض له «اما من حيث الصدور أو من حيث جهته».

وقد اشار الى ان ذلك اجنبي عما هو الملاك للحجية ـ وانه لو كان ذلك موجبا للعلم بالخلل المردد لمنع عن حجية الخبر ولو في حال عدم المعارضة ، مع انه من الواضح انه لو لم يكن للخبر المخالف معارض لكان حجة ولما منع عن حجيته الظن بعدم مطابقته للواقع ـ بقوله : «كيف وقد اجتمع» قيام الامارة الظنية على عدم المطابقة التي لم يقم على اعتبارها دليل «مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية» الخبر «المخالف لو لا معارضة الموافق». واشار الى انه لا دخل للصدق واقعا في حجية الخبر ولا دخل للكذب واقعا في المانعية عن الحجية فيه بقوله : «والصدق واقعا لا يكاد يعتبر في الحجية كما لا يكاد يضر بها» أي بالحجية «الكذب كذلك» أي واقعا كما عرفت.

قوله (قدس‌سره) : «هذا حال الامارة ... الخ» هذا هو الدليل على ان محل ما تقدم من الكلام هو القسم الاول كما اشرنا اليه.

(١) هذا هو القسم الثاني ، وهو الترجيح بما قام الدليل على عدم اعتباره كالظن الحاصل من القياس. ففيما لو وافق احد المتعارضين الظن الحاصل من القياس ..

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فهل يصح الترجيح به لاحد الخبرين المتعارضين ـ فيما اذا وافق احدهما الظن الحاصل من القياس ـ ام لا يصح الترجيح به؟

ولا يخفى انه بناء على ما مر من عدم صحة الترجيح بالامارة الظنية ـ التي لم يقم على اعتبارها ولا على عدم اعتبارها دليل ، لعدم صحة التعدي من أصله ولعدم شمول قاعدة وجوب العمل باقوى الدليلين للمرجح الخارجي كما مر بيانه ـ لا مجال لتوهم الترجيح بهذا الظن الحاصل من القياس كما هو واضح.

واما بناء على صحة الترجيح بالامارة الظنية التي لم يقم على اعتبارها ولا على عدم اعتبارها دليل ، للزوم التعدي الى كل ما يوجب مزية الاقربية ، ولدخوله في القاعدة المجمع عليها من لزوم العمل باقوى الدليلين .. فهل يكون الظن القياسي كهذه الامارة ام لا؟

وحاصل ما افاده في المتن : انه لو لا الادلة الناهية عن العمل بالقياس لكان حال الظن القياسي حال الامارة غير المعتبرة لعدم الدليل ، لانه بعد كون المناط هو الاقربية وكون المظنون اقربيته ولو بالظن الخارجي اقوى الدليلين فلا محالة يصح الترجيح به ، لوضوح انه يحصل بواسطة هذا الظن القياسي اقربية مضمون الخبر الموافق له للواقع ، ويدخل تحت القاعدة لكونه اقوى من الدليل المخالف له. فادلة الترجيح تشمل الترجيح بالظن القياسي كما تشمل الترجيح بالامارة الظنية التي لم يقم على اعتبارها دليل ، إلّا ان النهي عن اعمال القياس في الدين مانع عن الترجيح به ، لان الترجيح بالظن القياسي اعمال له في الدين.

والحاصل : ان المقتضي للترجيح بالمرجح الخارجي يشمله ، إلّا ان النهي عن اعمال القياس في الدين يمنع عن الترجيح به ، لان نفس الترجيح لاحد المتعارضين جعل شرعي تعبدي ، فالترجيح بالظن القياسي اعمال له في الدين.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «فهو» أي ان ما ليس بمعتبر بالخصوص لاجل الدليل على عدم اعتباره كالقياس هو «وان كان كالغير المعتبر لعدم الدليل» على

٢١٨

وتوهم أن حال القياس هاهنا ليس في تحقق الاقوائية به إلا كحاله فيما ينقح به موضوع آخر ذو حكم ، من دون اعتماد عليه في مسألة أصولية ولا فرعية (١) ، قياس مع الفارق ، لوضوح الفرق بين المقام

______________________________________________________

اعتباره بالنظر الى ما يوجب الترجيح بالمرجح الخارجي لان الملاك للتعدي وهو الاقربية وقاعدة العمل باقوى الدليلين تشمله كما تشمل الامارة الظنية غير المعتبرة. واشار الى شمول ملاك التعدي بقوله : «بحسب ما يقتضي الترجيح به» كما يستفاد «من الاخبار بناء على التعدي». واشار الى شمول القاعدة له بقوله : «والقاعدة بناء على دخول مظنون المضمون في اقوى الدليلين». واشار الى ان المانع عن الترجيح به هو النهي عن اعمال القياس في الدين ، ومن الواضح ان الترجيح بالقياس من الاعمال له في الدين بقوله : «إلّا ان الاخبار الناهية عن القياس ... الى آخر الجملة». واشار الى ان الترجيح به من اعماله في الدين بقوله : «ضرورة ان استعماله في ترجيح احد الخبرين ... الى آخر الجملة».

فظهر مما ذكرنا : ان المقتضي للترجيح بالنسبة الى القياس والامارة غير المعتبرة على حد سواء ، إلّا ان الاخبار الناهية عن العمل بالقياس هي المانع عن الترجيح به.

(١) توضيحه : ان المتحصل من النهي عن القياس هو النهي عن اعماله في الدين ، كمثل كونه واسطة في استنباط حكم شرعي فرعي او اصولي. اما كون القياس واسطة في ثبوت موضوع عرفي ذي حكم فغير مشمول لادلة النهي عن القياس ، فلذا لا مانع من اثبات القبلة او الزوال ـ مثلا ـ بواسطة القياس في مقام كان الظن بهما كافيا في ثبوت حكمهما ، لعدم تعلق الظن القياسي حينئذ بالحكم الشرعي ، فلا يكون ذلك من الاعمال له في الدين ، وانما كان متعلق الظن القياسي هو الموضوع العرفي.

وفي المقام كذلك لانه من قبيل اثبات الموضوع بالظن القياسي ، فان متعلق الظن القياسي هو كون الخبر ذا مزية ، وكون الخبر ذا مزية هو موضوع للترجيح به الذي

٢١٩

والقياس في الموضوعات الخارجية الصرفة ، فإن القياس المعمول فيها ليس في الدين ، فيكون إفساده أكثر من إصلاحه ، وهذا بخلاف المعمول في المقام ، فإنه نحو إعمال له في الدين ، ضرورة أنه لولاه لما تعين الخبر الموافق له للحجية بعد سقوطه عن الحجية بمقتضى أدلة الاعتبار ، والتخيير بينه وبين معارضه بمقتضى أدلة العلاج ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

هو الحكم الشرعي ، فالترجيح به الذي هو الحكم الشرعي لا تعلق للظن القياسي به ، وما كان متعلقا للظن القياسي هو نفس الخبر ، وهو كسائر الموضوعات العرفية كالقبلة والزوال مثلا.

والحاصل : ان الظن القياسي المتعلق بالخبر الموافق له لم يتعلق بحكم شرعي لا فرعي ولا اصولي ، وانما تعلق بالخبر فاوجب ان يكون الخبر اقوى من معارضه لاقوائيته بذلك ، لصيرورته ذا مزية. فكان الثابت بالقياس هو الموضوع للترجيح الذي هو الحكم الشرعي ، ولا تعلق للقياس بالحكم الشرعي اصلا ... هذا حاصل التوهم الذي اشار اليه بقوله : «وتوهم ان حال القياس هاهنا ليس في تحقق الاقوائية به» من الاعمال له في الدين لانه متعلق بالموضوع العرفي وهو الخبر ، وليس حال القياس في تعلقه بالخبر «الا كحالة فيما ينقح به موضوع آخر» من الموضوعات «ذو حكم» كالقبلة والزوال مثلا «من دون» تعلق له بالحكم الشرعي ، وليس في ذلك «اعتماد عليه» أي على القياس «في مسألة اصولية ولا فرعية».

(١) قوله : (قدس‌سره) : «قياس مع الفارق ... الخ» هذا هو خبر توهم ، وهو الجواب عنه. وتوضيحه : ان الحكم الشرعي ، تارة يكون فرعيا كالوجوب وساير الاحكام التكليفية ، واخرى يكون اصوليا كالحجية مثلا. ومن الواضح ان الترجيح لخبر على خبر هو من الاحكام الاصولية الشرعية ، والثابت بالظن القياسي في المقام هو الترجيح للخبر وهو من الاحكام الشرعية الاصولية. وليس هو كالظن القياسي

٢٢٠