بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-065-9
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى ان الشهرة في الرواية وصفات الراوي كالاعدلية مما ترجع الى الترجيح من حيث نفس الصدور ، ومتنه ومضمونه مما ترجع الى اقربية الحكم الى الواقع ، ومخالفة العامة مما ترجع الى جهة صدوره لبيان الواقع.

وقد اشار الى الامر الاول بقوله : «وان كانت على انحاء مختلفة». واشار الى الامر الثاني بقوله : «ومواردها متعددة ... الى آخر الجملة».

وقوله : «الى غير ذلك» كالافقهيّة والاورعية. فان الترجيح بالافقهية ان كان من جهة رجوعها الى ان النقل في الغالب بالمضمون ـ والافقه اعرف بالمضمون من غير الافقه ـ فهي ترجع الى الترجيح من حيث قرب الحكم الواقع ، وان كان الترجيح بها لمحض كونه اعرف بالمسائل الاصولية ، فلا تكون راجعة الى احدى الجهات الثلاث.

ومثله الاورعية فانها ان رجع الترجيح بها الى الورع في مقام الضبط في النقل تكون مما ترجع الى المضمون ايضا ، وان كانت للجهد في العبادة والتورّع عن ارتكاب الشبهات تكون خارجة ايضا عن الجهات الثلاث.

وقوله (قدس‌سره) : «لو قيل بالتعدّي» للاشارة الى ان الفصاحة والموافقة للشهرة الفتوائية انما تعدّ من المرجحات اذا قلنا بالتعدّي عن المزايا المنصوصة ، لعدم ذكرهما في المزايا المنصوصة.

الامر الثالث : ان التعبّد بنفس الصدور لا اثر له الّا التعبّد بحكم الخبر الصادر ، والّا فالتعبّد بنفس الصدور من دون ملاحظة هذا الاثر لا معنى له.

اذا عرفت هذا ... فنقول : انه اذا تساوى الخبران من حيث نفس الصدور ، وترجّح احدهما من حيث جهة الصدور ، بان كان الخبران المتساوي الراوي فيهما من حيث العدالة كان احدهما مخالفا للعامة والآخر موافقا لهم ، فان ترجيح الخبر المخالف للعامة على الموافق لا بد وان يرجع الى ترجيح جهة السند والصدور فيه لوجهين :

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجه الاول : ان الروايات الدالّة على الترجيح تدلّ على تعبّد واحد وهو الاخذ بالخبر الراجح لاجل احدى المزايا التي ذكرت في الروايات ، ولا دلالة لها على تعبدات متعدّدة : من حيث نفس الصدور ، ومن حيث المضمون ، ومن حيث جهة الصدور. وسيأتي في الوجه الثاني البرهان على رجوع التعبدات من غير نفس الصدور ، الى نفس الصدور فلازم ذلك ان ذلك التعبّد الواحد هو التعبّد بسند الخبر ونفس صدوره.

الوجه الثاني : انه لو لم يرجع الى ذلك للزم التناقض ، لانه لو لم يرجع الى ذلك بان كان الترجيح فيه لجهة الصدور مع الغض عن نفس الصدور ، فمعنى ذلك انه مع التعبد بنفس الصدور في الخبرين مع ذلك يترجح الخبر المخالف للتعبد بجهة صدوره مع التعبد بنفس صدور الخبر الآخر الموافق ، وقد عرفت ان معنى التعبد بنفس الصدور هو التعبد بحكم الخبر الصادر ، وحيث فرض كونهما من حيث نفس الصدور متساويين فلا بد وان يكون قد جعل التعبد بصدور الخبر الموافق ، ومع التعبد بصدوره قد رجح عليه الخبر المخالف ، فالخبر الموافق قد جعل التعبد بحكمه للتعبد بنفس صدوره ، وقد رفع ذلك التعبد بالحكم للامر بالتعبد بحكم الخبر المخالف لاجل جهة الصدور ، فالخبر الموافق قد جعل التعبد بالحكم به ورفع التعبد به ، وهذا تناقض واضح.

بخلاف ما اذا رجع الترجيح من غير نفس الصدور الى ترجيح نفس الصدور ، فانه لا يكون هناك الا تعبد واحد وهو التعبد بحكم الخبر الصادر. غايته انه تارة : يكون للرجحان فيما يعود الى نفس الصدور كالشهرة الروائية أو الاعدلية. واخرى : يكون للرجحان من حيث جهة الصدور كالمخالفة للعامة. وثالثة : يكون الرجحان لما يرجع الى قرب مضمونه الى الواقع كموافقة الكتاب او الشهرة الفتوائية. وانما كان هذا التعبد الواحد هو التعبد بنفس الصدور دون غيره من الجهتين لما عرفت : من انه لا معنى للتعبد بالصدور الا الاخذ بحكم الخبر الصادر.

١٨٢

الصدور متمحضة في ترجيح الجهة لا يوجب كونها كذلك في غيرهما ، ضرورة أنه لا معنى للتعبد بسند ما يتعين حمله على التقية ، فكيف يقاس على ما لا تعبد فيه للقطع بصدوره (١)؟.

______________________________________________________

وقد اشار الى ان الترجيح من غير جهة السند يرجع الى السند بقوله : «إلّا انها» أي إلّا ان المزايا الأخر التي هي من غير جهة السند «موجبة لتقديم احد السندين وترجيحه وطرح الآخر». واشار الى الوجه الاول بقوله : «فان اخبار العلاج دلت على» تعبد واحد وهو «تقديم رواية ذات مزية في احد اطرافها ونواحيها» على اختلافها من حيث كونها في نفس الصدور او في نفس المضمون او في جهة الصدور ، وحيث لم تدل الا على تعبد واحد وهو تقديم الرواية الراجحة «فجميع هذه» المزايا من غير جهة السند تكون «من مرجحات السند حتى موافقة الخبر للتقية فانها ايضا مما توجب ترجيح احد السندين وحجته فعلا وطرح الآخر رأسا».

(١) يتضمن هذا بيان امرين : الاول دفع ما يمكن ان يتوهم كونه اشكالا في المقام. الثاني الاشارة الى بعض لواحق الوجه الثاني المذكور : وهو لزوم رجوع الجهات كلها الى جهة السند ، لانه لو لم ترجع اليه للزم التناقض.

والمقام الثاني بحث فيه عن انه هل هناك تقدم في الرتبة بالنسبة الى الجهات المذكورة.

اما الاشكال المتوهم في المقام فحاصله : انه لا ريب في الخبرين المتواترين المقطوعي السند ان الترجيح فيه من أي جهة من الجهات المذكورة لا يرجع الى الترجيح من حيث السند ، لانه بعد فرض كون السند مقطوعا فلا يعقل ترجيح الآخر عليه من حيث نفس الصدور ، فاذا جاز ان يكون الترجيح من غير جهة نفس الصدور في مقام غير راجع اليه وهو في مقطوعي السند جاز ايضا في المقام الآخر وهو في مظنوني الصدور.

١٨٣

ثم إنه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي وإناطة الترجيح بالظن أو بالاقربية إلى الواقع ، ضرورة أن قضية ذلك تقديم الخبر الذي ظن صدقه أو كان أقرب إلى الواقع منهما ، والتخيير بينهما

______________________________________________________

والجواب عنه : ان المحذور المذكور ـ وهو لزوم التناقض ـ هو كون الترجيح من حيث التقية اذا لم يرجع الى التعبد من حيث السند لازمه التعبد بنفس الصدور وعدم التعبد به ، وهذا انما يكون حيث يكون هناك تعبد بنفس الصدور وهو في الخبر المظنون الصدور ، اما اذا لم يكن هناك تعبد بنفس الصدور فلا يكون هناك تعبد حتى يلزم التناقض من جعله ورفعه ، وفي مقطوعي الصدور لا تعبد بنفس الصدور لفرض كونه قطعيا ، ولا معنى للتعبد مع القطع.

وقد اشار الى الاشكال بقوله : «وكونها في مقطوعي الصدور ... الى آخر الجملة» واشار الى الجواب عنه والى الوجه الثاني بقوله : «لا يوجب كونها كذلك في غيرها» أي ان الترجيح في مقطوعي الصدور ـ متمحضا في كونه مرجحا بنفسه من غير رجوعه الى نفس الصدور ـ لا يوجب عدم رجوعها في غير مقطوعي الصدور الى نفس الصدور ، لان السبب في رجوعها الى نفس الصدور في غير مقطوعي الصدور هو التناقض «ضرورة انه لا معنى للتعبد بسند ما يتعين حمله على التقية» في مظنوني الصدور لاستلزامه التناقض كما عرفت بيانه ، فان في مظنوني الصدور تعبدا بنفس الصدور ، فيلزم مع عدم الرجوع التعبد به وعدم التعبد به «فكيف يقاس على ما لا تعبد فيه» بنفس الصدور ، لوضوح عدم التعبد بالصدور في مقطوعي الصدور «للقطع بصدوره» فلا يستلزم التعبد من حيث جهة الصدور التناقض ، لعدم التعبد في الصدور في فرض القطع بالصدور.

١٨٤

إذا تساويا ، فلا وجه لإتعاب النفس في بيان أن أيّها يقدّم أو يؤخّر إلّا تعيين أن أيّها يكون فيه المناط في صورة مزاحمة بعضها مع الآخر (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو المقام الثاني والكلام فيه من حيث ترتيب المرجحات وتأخر رتبة بعض المزايا عن بعض وعدمه. فهل تكون ـ مثلا ـ رتبة جهة الصدور متأخرة عن نفس الصدور؟ ام لا ترتيب بينها فلا تأخر لرتبة بعضها عن بعض؟ .. مثلا اذا كان احد الخبرين واجدا للترجيح من حيث نفس الصدور ككون راويه اعدل ، والخبر الآخر واجدا للترجيح من ناحية جهة الصدور ككونه مخالفا للعامة ، او من ناحية قرب مضمونه الى الواقع ككونه موافقا للكتاب او للشهرة الفتوائية.

فهل يترجّح الخبر الذي راويه اعدل على خبر غير الاعدل ، وان كان خبر غير الاعدل مخالفا للعامة وخبر الاعدل موافقا لهم ، للترتيب بين المرجحات وتأخر رتبة المخالفة عن الاعدلية.

ام يقع التزاحم بين المرجحين لعدم الترتيب بين المرجحات ، ولا تأخر لرتبة بعضها عن بعض.

ولا بد لتوضيح ذلك من بيان امرين :

الاول : انه قد عرفت فيما تقدّم ان القائلين بالترجيح قد اختلفوا في التعدّي عن المزايا المنصوصة وعدم التعدّي عنها ، وقد عرفت ايضا ان القائلين بالتعدّي اختلفوا في ان التعدّي هل يكون الى ما يوجب الاقربية النوعية؟ او انه الى ما يوجب الظن الشخصي بالصدق وبالموافقة الى الواقع؟

الثاني : ان القائلين بالتعدي قد اختلفوا ـ هنا ـ من حيث القول بالترتيب.

فذهب المحقق الرشتي صاحب البدائع وفاقا للآغا الوحيد (قدس‌سرهما) ان المرجح الجهتي مقدّم على سائر المرجحات.

وذهب الشيخ الاعظم في رسائله الى تقديم المرجح المضموني على المرجح الصدوري ، وتقديم المرجّح الصدوري على المرجّح الجهتي. ولا يخفى ان تقديم

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المرجّح المضموني على المرجّح الصدوري وغيره لا يتعرّض له في هذا الفصل ، وسيأتي التعرّض له في الفصل الآتي. واما في هذا الفصل فالكلام مع الشيخ الاعظم في ترجيح المرجّح الصدوري على المرجح الجهتي فقط.

والقائلون بعدم التعدّي عن المزايا المنصوصة ذهب بعضهم الى لزوم الترتيب على حسب الترتيب المذكور في ادلّة المرجحات.

وذهب المصنف الى عدم الترتيب ، لا بناء على القول بالتعدّي عن المزايا المنصوصة ، ولا بناء على القول بعدم التعدّي ولزوم الاقتصار على المزايا المنصوصة.

وقد اورد المصنف على القائلين بالتعدّي ايرادين : ثانيهما سيأتي بيانه في الجواب عمّا ذكره الشيخ الاعظم وجها لتقديم المرجّح الصدوري على المرجح الجهتي.

واما الاول ، فحاصله : ان القول بالتعدّي سواء كان هو التعدّي الى ما يوجب القرب الى الواقع نوعا ، او كان ما يوجب الظن الشخصي بأن مؤدّى الخبر موافق للواقع ، معناه ان الملاك للترجيح واحد. فمن يقول بالقرب النوعي يكون الملاك عنده هو القرب النوعي ، ومن يقول بالظن الشخصي يكون الملاك عنده هو الظن الشخصي.

والقول بالترتيب وان أحد المرجحات مقدّم على غيره لازمه كون الملاك للترجيح متعددا ، وكون ملاك المرجح السندي غير ملاك المرجح الجهتي ، وملاك المرجح المضموني غيرهما ، ليكون احدها مقدما على الآخر ، والّا فلو كان الملاك واحدا فلا معنى للتقديم ، بل المدار يكون على ذلك الملاك الواحد والمرجحات كلها تكون طريقا اليه. فاذا كان احد الخبرين ـ مثلا ـ راجحا من حيث السند ، والآخر راجحا من حيث جهة الصدور ، فلا بد من ملاحظة ايّهما بالفعل موجب للقرب النوعي او ايهما موجب للظن الشخصي ، ولا وجه لملاحظة نفس المرجحات من دون ملاحظة ذلك الملاك الواحد.

١٨٦

وأما لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله وجه لما يتراءى من ذكرها مرتبا في المقبولة والمرفوعة (١) ، مع إمكان أن يقال : إن الظاهر

______________________________________________________

فلا وجه لما ذهب اليه المحقق الرشتي من تقديم المرجح الجهتي على ساير المرجحات.

ومثله الحال فيما اذا كان احد الخبرين راجحا من حيث السند او راجحا من حيث جهة الصدور ، وكان الخبر الآخر موافقا للكتاب او للشهرة الفتوائية ، فانه لا بد من ملاحظة ذلك الملاك الواحد وان ايّهما يوجب القرب النوعي او الظن الشخصي. ولا وجه لاطلاق القول بتقديم المرجح المضموني على غيره كما ذهب اليه الشيخ الاعظم ، لما عرفت من انه ليس هناك الّا ملاك واحد على القول بالتعدّي والمرجحات كلها طريق اليه. ولازم الترتيب في المرجحات ما عرفت من تعدد الملاك وكون ملاك المرجح السندي غير ملاك المرجح المضموني ، وملاك المرجح المضموني غير ملاك المرجح الجهتي. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «انه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات ... الى آخر الجملة».

(١) لا يخفى ان الوجه في الترتيب بين المرجحات ـ بناء على عدم التعدّي عن المزايا المنصوصة ـ هو انه بناء على الاقتصار على المزايا المنصوصة لا يكون هناك ملاك واحد للترجيح وان هذه المرجحات تكون طريقا اليه ، بل يكون كل واحد من المرجحات له ملاك يخصّه ، وحيث ان المرجحات قد ذكرت مترتبة في ادلّة الترجيح كالمقبولة ، فلا بد من الالتزام بعدم مزاحمة المتأخّر منها للمتقدّم ، مثلا لو كان احد الخبرين راويه اعدل والخبر الآخر غير اعدل ولكن كان خبر غير الاعدل مشهور الرواية ، فلا بد من تقديم خبر الاعدل وان لم يكن مشهورا ، لان الرواية ذكرت الترجيح بالاعدلية مقدّما على الترجيح بالشهرة الروائية ، وهلمّ جرّا ...

والى هذا اشار بقوله : «واما لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة» وعدم التعدي عنها «فله وجه» أي لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فللقول

١٨٧

كونهما كسائر أخبار الترجيح بصدد بيان أن هذا مرجح وذاك مرجح ، ولذا اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجح واحد ، وإلا لزم تقييد جميعها على كثرتها بما في المقبولة ، وهو بعيد جدا (١) ، وعليه فمتى وجد

______________________________________________________

بالترتيب في المرجحات وجه لعدم وحدة الملاك للترجيح ، بل يكون كل واحد من المرجحات له ملاك يخصه و «ل» أجل «ما يتراءى من ذكرها» أي المرجحات «مرتبا في المقبولة والمرفوعة» فلا بد من مراعاة ذلك الترتيب المذكور فيها فلا يزاحم المتأخر ذكرا للمتقدم ذكرا.

(١) اورد المصنف على مراعاة الترتيب ـ بناء على الاقتصار على المزايا المنصوصة ـ ايرادين ايضا : الاول : ما اشار اليه «مع امكان ... الى آخر الجملة» وحاصله : منع ظهور روايات الترجيح بعد ضم بعضها الى بعض في مراعاة الترتيب.

ويدل على ذلك انه اقتصر في بعض الروايات على مرجح واحد ، والاطلاق فيها يقتضي كون الترجيح بهذا المرجح الواحد ليس مراعى بغيره من المرجحات.

والمتحصل من ذلك : هو ظهور كون روايات الترجيح مسوقة لبيان نفس المرجحات ، لا لبيانها وبيان الترتيب فيها ، فلا يكون للترتيب المذكور في المقبولة والمرفوعة ظهور في لزوم مراعاته. والى ما ذكرنا اشار بقوله : «مع امكان ان يقال ان الظاهر» من المقبولة والمرفوعة هو «كونهما كسائر اخبار الترجيح» انما هي «بصدد بيان» اصل الترجيح و «ان هذا مرجح وذاك مرجح» لا بصدد بيان الترتيب ايضا. واشار الى الوجه في كونها بصدد بيان اصل ذكر المرجح لا انها بصدد بيان المرجح وبيان الترتيب بقوله : «ولذا اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجح واحد».

الثاني : ما اشار اليه بقوله : «وإلّا ... الى آخر الجملة» وحاصله : ان روايات الترجيح لما كانت مختلفة في الترتيب حتى في المقبولة والمرفوعة ، فان الترتيب في المقبولة غير الترتيب في المرفوعة ، لورود الترجيح بالاعدلية مقدما على الشهرة في المقبولة ،

١٨٨

في أحدهما مرجح وفي الآخر آخر منها ، كان المرجع هو إطلاقات التخيير ، ولا كذلك على الاول بل لا بد من ملاحظة الترتيب ، إلا إذا كانا في عرض واحد (١).

______________________________________________________

وورد الترجيح بالشهرة في المرفوعة مقدما على الاوثقية. وبناء على لزوم مراعاة الترتيب لا بد من تقييد روايات الترجيح بعضها ببعض حتى يكون المرجع في مراعاة الترتيب واحدا منها ، وهي المقبولة لانها اتمها في المرجحات ، مع ان تقييد بعضها ببعض بعيد جدا ، لان من جملة روايات الترجيح ما هو آب عن التقييد ، كمثل قوله عليه‌السلام : ما خالف قول ربنا لم نقله ، او زخرف وباطل ، ومثل الرشد في خلافهم.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وإلّا لزم تقييد جميعها على كثرتها بما في المقبولة» لانها اتمها «وهو بعيد جدا» كما عرفت.

(١) هذا نتيجة بطلان مراعاة الترتيب بناء على الاقتصار على المرجحات المنصوصة ، لانه لا بد من ظهور يدل على ذلك ، وحيث ان الظاهر منها هو كونها بصدد بيان اصل المرجحات لا الترتيب بينها ، فلا بد على هذا من مزاحمة أي مرجح للمرجح الآخر ، وعليه فيزاحم الخبر الذي راويه غير أعدل للخبر الذي راويه اعدل اذا كان خبر غير الاعدل موافقا للكتاب او مخالفا للعامة دون خبر الاعدل ، ويكون المرجع هو التخيير. بخلاف البناء على الترتيب فانه لا بد من تقديم خبر الاعدل وان كان مخالفا للكتاب او موافقا للعامة ، ولا رجوع الى التخيير. نعم لو كان الخبران متساويين من كل جهة من حيث المرجحات المنصوصة حينئذ يكون المرجع هو التخيير.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وعليه» أي وعلى ما عرفت من بطلان مراعاة الترتيب بناء على الاقتصار على المزايا المنصوصة «فمتى وجد في احدهما مرجح» من المرجحات كالاعدلية «وفي الآخر» مرجح «آخر منها» كالموافقة للكتاب او المخالفة للعامة «كان المرجع هو اطلاقات التخيير» لوقوع المزاحمة بين المرجحين «ولا كذلك على الاول» أي لا يكون المرجع هو التخيير بناء على لزوم مراعاة

١٨٩

وانقدح بذلك أن حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات ، في أنه لا بد في صورة مزاحمته مع بعضها من ملاحظة أن أيهما فعلا موجب للظن بصدق ذيه بمضمونه ، أو الاقربية كذلك إلى الواقع ، فيوجب ترجيحه وطرح الآخر ، أو أنه لا مزية لاحدهما على الآخر ، كما إذا كان الخبر الموافق للتقية بما له من المزية مساويا للخبر المخالف لها بحسب المناطين ، فلا بد حينئذ من التخيير بين الخبرين ، فلا وجه لتقديمه على غيره ، كما عن الوحيد البهبهاني (قدس‌سره) وبالغ فيه بعض أعاظم المعاصرين أعلى الله درجته ولا لتقديم غيره عليه ، كما يظهر من شيخنا العلامة أعلى الله مقامه (١) قال : أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح

______________________________________________________

الترتيب بين المرجحات «لا بد من مراعاة الترتيب» فيقدم الخبر الذي راويه اعدل المخالف للكتاب أو الموافق للعامة على خبر غير الاعدل وان كان موافقا للكتاب او مخالفا للعامة «إلّا اذا كانا في عرض واحد» بان كانا متساويين من كل جهة.

(١) لما فرغ من بيان بطلان مراعاة الترتيب بناء على الاقتصار على المزايا المنصوصة ... اشار الى بطلان المراعاة للترتيب بناء على التعدي.

ولا يخفى ان ظاهر مراده في وجه انقداح بطلان الترتيب ـ بناء على التعدي ـ هو ما ذكره في صدر عبارته وهو الايراد الاول على القول بالتعدي ، وانه بعد ان كان الترتيب لا بد وان يكون بملاكات متعددة ولازم التعدي هو وحدة الملاك ، فينقدح منه بطلان القول بلزوم الترتيب ، فلا وجه لترجيح المرجح الجهتي على غيره كما هو مذهب المحقق الرشتي وفاقا للآغا (قدس‌سرهما) ، ولا وجه لترجيح المرجح المضموني على غيره كما هو مذهب الشيخ الاعظم.

ويحتمل ان يكون مراده من وجه الانقداح هو انه : وان قلنا بامكان تعدد الملاك في المرجحات المذكورة ، إلّا انه لا بد من دلالة روايات الترجيح على تقديم أي ملاك منها على الآخر ، وحيث عرفت مما ذكرنا في بطلان القول بالترتيب ـ بناء على

١٩٠

من حيث جهة الصدور ، بأن كان الارجح صدورا موافقا للعامة ، فالظاهر تقديمه على غيره وإن كان مخالفا للعامة ، بناء على تعليل

______________________________________________________

الاقتصار ـ انه لا دلالة لروايات الترجيح على لزوم مراعاة الترتيب فلا يكفي صرف امكان تعدد الملاك. وعلى كل فلا وجه لما ذهب اليه المحقق الرشتي (قدس‌سره) ولا لما ذهب اليه الشيخ الاعظم.

واشار الى بطلان ما ذهب اليه المحقق الرشتي من لزوم تقديم المرجح الجهتي على غيره من المرجحات بقوله : «وانقدح بذلك ان حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات» لا تقديم له على غيره. وقد ظهر مما ذكر المصنف (قدس‌سره) : «في انه لا بد في صورة مزاحمته» أي مزاحمة المرجح الجهتي «مع بعضها» من المرجحات الآخر «من ملاحظة ان ايهما فعلا موجب للظن بصدق ذيه بمضمونة» بناء على الظن الشخصي «او» ان ايهما فعلا يقتضي «الاقربية كذلك» أي فعلا بناء على التعدي لما يوجب الاقربية النوعية «الى الواقع فيوجب» المرجح الموجب للظن الشخصي او الاقربية «ترجيحه» أي ترجيح الخبر الذي يكون مظنونا فعلا بمطابقة حكمه للواقع ، او بكون مضمونه اقرب نوعا الى الواقع «وطرح الخبر الآخر». وحيث لا يكون احد المرجحين موجبا لاحد الملاكين للتعدي فالتخيير ، ولازم ذلك التساوي بين الخبرين. والى هذا اشار بقوله : «او انه لا مزية لاحدهما على الآخر كما اذا كان الخبر الموافق للتقية بما له من المزية» ككون راويه اعدل «مساويا للخبر المخالف لها» أي للتقية «بحسب المناطين» للتعدي من الظن الشخصي او الاقربية النوعية «فلا بد حينئذ من التخيير بين الخبرين فلا وجه لتقديمه» أي فلا وجه لتقديم الخبر المخالف للعامة «على غيره كما عن الوحيد البهبهاني (قدس‌سره) وبالغ فيه بعض اعظام المعاصرين» وهو المحقق الرشتي «اعلى الله درجته ولا» وجه «لتقديم غيره» وهو المرجح الصدوري «عليه» أي على المرجح الجهتي «كما يظهر من شيخنا العلامة اعلى الله مقامه».

١٩١

الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق ، لان هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين ، أو تعبدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبد بصدور أحدهما وترك التعبد بصدور الآخر ، وفيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضى أدلة الترجيح من حيث الصدور (١).

______________________________________________________

(١) حاصل ما يريده الشيخ (قدس‌سره) بكلامه هذا الى قوله ان قلت : هو انه لا يزاحم المرجح الجهتي المرجح للصدور ، لان المرجح الجهتي لا مورد له في المقام ، بل مورده مقطوعي الصدور كالخبرين المتواترتين او المتكافئين من حيث الصدور تعبدا ، كالخبرين المتساويين من حيث عدالة الراوي. اما في المقام المفروض فيه كون احد الخبرين ارجح من حيث الصدور لان راويه اعدل ، فلا مجال للترجيح بالجهة حتى يزاحم بها الترجيح من حيث نفس الصدور.

والحاصل : ان الترجيح بالجهة انما هو في المتساويين من حيث الصدور ، اما عقلا كمقطوعي الصدور ، او تعبدا كالمتكافئين ، لشمول ادلة الحجية لهما معا لفرض كونهما متساويين من حيث نفس الصدور كما لو كان رواة الخبرين متساويين في العدالة. اما في مقطوعي الصدور فلانه لا مجال للتعبد فيهما اصلا لان كل واحد منهما مقطوع صدوره. واما في المتكافئين فلانه حيث كانا متساويين فلا محالة يتساويان من ناحية التعبد بالصدور ، ولا يعقل في هذين المقامين التعبد بصدور احدهما دون الآخر.

اما في المتخالفين من حيث الصدور فيمكن التعبد بصدور احدهما دون الآخر ، لفرض كون الراوي في احدهما اعدل وقد دل على الترجيح به ادلة الترجيح ، فلا مجال للترجيح فيه بالجهة ، بل لا بد من تقديم الخبر الذي هو ارجح صدورا ، وعليه فلا بد من الاخذ بالخبر الذي راويه اعدل وان كان موافقا للعامة ، وطرح الخبر الذي راويه غير اعدل وان كان مخالفا للعامة.

١٩٢

إن قلت : إن الاصل في الخبرين الصدور ، فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقية ، كما يقتضي ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما ، فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور (١).

______________________________________________________

(١) حاصل ما اورده الشيخ (قدس‌سره) على نفسه ـ بقوله : ان قلت ـ هو ان دليل التعبد يشمل الخبرين غير المتكافئين من حيث نفس الصدور ، لفرض كون خبر غير الاعدل واجدا لشرط الحجية للتعبد بالخبر الواحد ، فان ادلة الحجية لخبر الواحد هو صدق العادل ، والمفروض ان خبر غير الاعدل هو خبر عادل وان كان الراوي للخبر الآخر اعدل منه ، فاذا تساوى الخبران في الحجية من حيث نفس الصدور فلا بد حينئذ من الترجيح بالجهة وتقديم الخبر المخالف للعامة على الخبر الموافق لهم وان كان راويه اعدل.

والحاصل : انه بعد شمول ادلة الحجية لهما فكل واحد منهما متعبد بصدوره ، لدلالة ادلة الحجية على التعبد بصدور كل منهما ، وبعد دلالة ادلة الحجية على التعبد بصدور كل واحد منهما لا بد من ترجيح الخبر المخالف للعامة ، لكشفه ان الحكم في الخبر الموافق للعامة قد صدر للتقية لا لبيان الواقع ، فيكون الخبر الموافق للعامة اضعف من حيث مطابقة حكمه للواقع من الخبر المخالف لهم من هذه الجهة ، وان كان الخبر الموافق راويه اعدل.

والحاصل : ان حال التقديم من حيث الجهة في المتخالفين وفي المتكافئين على حد سواء بعد شمول ادلة الحجية لهما ، وهو كحال التقديم من حيث الدلالة ، فان خبر الاعدل لو كان ظاهرا وكان خبر غير الاعدل نصا لا بد من تقديم خبر غير الاعدل على خبر الاعدل فيما كان نصا فيه. ولا اشكال في شمول دليل الحجية للتعبد بكل منهما ، فيكون حال الترجيح بالجهة كحال تقديم النص على الظاهر يقتضي تقديم الخبر المخالف للعامة مع كون راويه غير أعدل على الخبر الموافق للعامة وان كان

١٩٣

قلت : لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية ، لانه إلغاء لاحدهما في الحقيقة. وقال بعد جملة من الكلام : فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور ، إما علما كما في المتواترين ، أو تعبدا كما في المتكافئين من الاخبار ، وأما ما وجب فيه التعبد بصدور أحدهما المعين دون الآخر فلا وجه لاعمال هذا المرجح فيه ، لان جهة الصدور متفرعة على أصل الصدور ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ، زيد في علو مقامه (١).

______________________________________________________

راويه اعدل ، كما يقتضي تقديم النص الذي راويه غير أعدل على الظاهر الذي راويه اعدل.

(١) توضيحه : انه لا معنى للتعبد بالصدور في المقام ، بخلافه في مورد الجمع الدلالي فان مورد الجمع الدلالي هو العموم من مطلق والخاص ، او العامين من وجه فيما كان احدهما نصا في مورد الاجتماع ، فانه لا مانع من التعبد بصدور كل منهما. اما في المقام وهو مورد المتباينين فلا معنى للتعبد بصدور كل منهما مع ترجيح احدهما المستلزم لطرح الآخر للتناقض كما مر بيانه في المقام الاول ، فلا بد في مورد المتباينين من التعبد بصدور احدهما في مقام الترجيح تعيينا او احدهما تخييرا.

والى هذا اشار بقوله : «لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل احدهما المعين على التقية ... الى آخر الجملة».

واما وجه ترجيح المرجح الصدوري على الجهتي فلان الجهة من شئون الخبر الصادر ، لوضوح انه بعد فرض الصدور في كل منهما ـ اما للقطع بصدورهما او لكونهما متساويين من حيث نفس الصدور تعبدا ـ يكون مجال للترجيح بالجهة وحمل الخبر الصادر على كونه صادرا للتقية لا لبيان الواقع. اما مع فرض التعبد بصدور خبر الاعدل فلا يكون مجال للترجيح بالجهة في خبر غير الاعدل ، لعدم التعبد بصدور خبر غير الاعدل حتى يكون مجال للترجيح فيه من حيث الجهة.

١٩٤

وفيه مضافا إلى ما عرفت أن حديث فرعية جهة الصدور على أصله إنما يفيد إذا لم يكن المرجح الجهتي من مرجحات أصل الصدور ، بل من مرجحاتها ، وأما إذا كان من مرجحاته بأحد المناطين ، فأي فرق بينه وبين سائر المرجحات؟ ولم يقم دليل بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبد بصدور الراجح منهما من حيث غير الجهة ، مع كون الآخر راجحا بحسبها ، بل هو أول الكلام ، كما لا يخفى (١) ، فلا محيص

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان المرجح من حيث نفس الصدور حاكم على المرجح الجهتي ، فان التعبد بخبر الاعدل معناه البناء على كونه هو الصادر دون خبر غير الاعدل ، فالتعبد بالصدور رافع للموضوع بالنسبة الى المرجح الجهتي ، لانه بعد البناء تعبدا على كون الصادر هو خبر الاعدل لا يكون خبر غير الاعدل متعبدا به حتى يكون مجال للترجيح بحيثية الجهة فيه ، ولذلك كان الترجيح بالجهة مورده مقطوعي الصدور والمتكافئين من حيث التعبد بالصدور.

وقد اشار الى ما ذكرنا ـ بعد ان جعل مورد الترجيح بالجهة هو المتساويين صدورا اما علما كما في المتواترين ، او تعبدا كما في المتكافئين من حيث نفس الصدور ـ بقوله (قدس‌سره) : «واما ما وجب فيه التعبد بصدور احدهما المعين» لفرض كون راويه اعدل «دون الآخر» لفرض كون راويه غير الاعدل «فلا وجه لاعمال هذا المرجح فيه» وهو المرجح الجهتي «لان جهة الصدور متفرعة على اصل الصدور».

(١) وقد اورد عليه المصنف بايرادين : الاول : ان التقديم للمرجح الصدوري على المرجح الجهتي انما هو حيث يكون ملاك الترجيح متعددا اما بناء على التعدي كما يراه الشيخ (قدس‌سره) فالمرجح واحد ولا تعدد في ملاك الترجيح حتى يكون ملاك المرجح الصدوري مقدما على المرجح الجهتي ، بل المدار على ملاحظة كون أي الخبرين موجبا للاقربية النوعية كما هي ملاك التعدي عنده (قدس‌سره) ، او ان ايهما موجب للظن الشخصي كما هو ملاك التعدي عند غيره.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والى هذا الايراد اشار بقوله : «وفيه مضافا الى ما عرفت».

الثاني : ما اشار اليه بقوله : «ان حديث فرعية جهة الصدور ... الى آخر الجملة».

وتوضيحه : هو ان الوحدة في المرجحات لا من ناحية ملاك التعدّي ، بل لاجل ما مرّ تحقيقه في المقام الاول ـ من رجوع جميع المرجحات الى المرجح الصدوري ـ لانه بعد فرض كون المقام من باب ترجيح احدى الحجتين على الحجية الاخرى فلا بد من شمول ادلة الحجية لكل من الخبرين. وحيث عرفت مما مرّ انه لا معنى للتعبّد بالصدور الّا ترتيب الاثر على الخبر الصادر والاخذ بما ادّى اليه من الحكم ، فلا بد من رجوع جميع المرجحات.

وما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من الفرعية والحكومة انما هو حيث لا يرجع المرجح الجهتي الى المرجّح الصدوري. اما اذا رجع اليه فلا حكومة ولا فرعية ، بل تكون المزاحمة بين نفس الصدور في الخبرين وان اختلفت المزيات المرجّحة ، فمزية الاعدلية مرجحة لصدور الخبر الذي راويه اعدل ، ومزيّة مخالفة العامة ايضا مرجّحة لصدور الخبر المخالف للعامة ، فالمزاحمة تقع على كل حال في نفس الصدور.

نعم لو لم ترجع المرجحات كلها الى المرجح من حيث نفس الصدور لكان لما ذكره الشيخ (قدس‌سره) مجال.

والحاصل : انه بناء على التعدّي وان كان الملاك واحدا ، الّا ان طريق هذا الملاك سواء كان هو الاقربية النوعية أو الظن الشخصي هو الاقوى صدورا ، لرجوع جميع المرجحات اليه ، فان كان لاحد الخبرين مزية تزيد على الآخر مع تساويهما في المزايا الباقية فذو المزية هو الراجح من حيث الصدور على الخبر الآخر ، وهو الذي يكون اقرب الى الواقع نوعا او موجبا للظن الشخصي بمطابقة مؤدّاه للواقع. وان تساويا من ناحية المزايا فالتخيير.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم لو دلّ دليل لفظي كاخبار العلاج ـ مثلا ـ على كون احدى المزايا اقوى مرجحا للصدور من بقية المزايا للزم تقديم الواجد لتلك المزية ، وليس لنا دليل آخر غير اخبار العلاج يدل على ذلك.

واما اخبار العلاج فدلالتها على الترتيب وكون بعض المزايا اقوى من البعض الآخر اول الكلام ، بل قد عرفت عدم دلالتها على ذلك ، وان الظاهر فيها سوقها لاصل بيان المرجحات لا للترتيب بينها وكون بعضها اقوى من بعض.

فظهر مما ذكرنا : انه حيث لا يكون احد المرجحات موجبا لقوة احد المناطين من الاقربية أو الظن الشخصي ، فلا بد من وقوع التزاحم بين المرجحات ويكون المرجّح لنفس الصدور في احد الخبرين مزاحما بمرجّح جهة الصدور في الخبر الآخر ، ومع تزاحمها وعدم معلوميّة الاقوى منهما لا بد من الرجوع الى التخيير بينهما.

وقد اشار الى ان حديث الفرعية انما ينفع حيث لا ترجع المرجحات كلها الى المرجح الصدوري بقوله : «ان حديث فرعية جهة الصدور على أصله انما يفيد ... الى آخر الجملة». واشار الى ان المرجحات المذكورة ـ مع رجوعها الى المرجح من حيث الصدور ـ كلها طريق الى ما هو المناط للتعدي من الاقربية او الظن الشخصي بقوله : «واما اذا كان» المرجح الجهتي «من مرجحاته» أي من مرجحات نفس الصدور «باحد المناطين» من الاقربية او الظن الشخصي. واشار الى انه بعد رجوع المرجحات الى المرجح الصدوري لا فرق بين مرجح ومرجّح بقوله : «فاي فرق بينه» أي بين مرجح اصل الصدور «وبين سائر المرجحات». واشار الى عدم قيام دليل آخر لفظي على كون احد المرجحات اقوى من الاخرى بقوله : «ولم يقم دليل بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبّد بصدور الراجح منهما من حيث غير الجهة مع كون الآخر راجحا بحسبها» أي لم يقم دليل في الخبرين المتعارضين على ترجيح المرجح من حيث نفس الصدور ـ وهو المعنى بقوله من حيث غير الجهة ـ على المرجّح من حيث جهة الصدور ـ وهو المراد بقوله مع كون الآخر راجحا بحسبها أي

١٩٧

من ملاحظة الراجح من المرجحين بحسب أحد المناطين ، أو من دلالة أخبار العلاج ، على الترجيح بينهما مع المزاحمة (١) ، ومع عدم الدلالة ولو لعدم التعرض لهذه الصورة فالمحكم هو إطلاق التخيير ، فلا تغفل (٢).

______________________________________________________

بحسب جهة الصدور ـ «بل هو اول الكلام كما لا يخفى» لما عرفت من سوق اخبار العلاج لبيان اصل المرجح لا للترتيب بينها ، وليس هناك دليل آخر لفظي يدل على مراعاة الترتيب من تقديم المرجح لاصل الصدور على المرجح الجهتي كما يدعيه الشيخ الاجل (قدس‌سره).

(١) هذا نتيجة ما مرّ ، فيه ردّ على مذهب الشيخ : من تقديم المرجح لنفس الصدور على مرجح جهة الصدور.

وحاصله : انه قد عرفت من مجموع ما مرّ ان الترجيح ـ بناء على التعدي ـ انما هو بملاحظة ما يقتضي قوة احد المناطين في احد المتعارضين بالنسبة الى الآخر من الاقربية النوعية او ما يوجب الظن الشخصي. وبناء على الاقتصار على المزايا المنصوصة ـ بناء على دلالة اخبار العلاج على الترتيب في المزايا ـ هو تقديم الاول فالاول بحسب ما ذكرت في المقبولة.

وقد ظهر مما ذكرنا : انه لا دلالة على تقديم المرجح الصدوري على المرجح الجهتي بناء على التعدّي الذي هو مذهب الشيخ. وبناء على الاقتصار على المزايا المنصوصة فالمرجح الصدوري وان كان مقدما بحسب الترتيب ، الّا انه مقدّم على ساير المرجحات ولا خصوصية لتقديمه على خصوص المرجح الجهتي.

(٢) عدم الدلالة اما لما مرّ بيانه من عدم دلالة اخبار العلاج على انها مسوقة للترتيب وانما هي مسوقة لبيان اصل المرجح ، او فيما اذا كان التزاحم في صورة لم تفرض في المقبولة وهو كون احدى الروايتين ـ مثلا ـ موافقة للكتاب والاخرى مخالفة للعامة ، ففي مثل هذه او بناء على عدم الدلالة كما مرّ تحقيقه فلا بد من الرجوع الى التخيير. ولا وجه لما ذكره من لزوم تقديم الخبر الموافق للكتاب على غيره حيث يرى تقديم

١٩٨

وقد أورد بعض أعاظم تلاميذه عليه بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور ، فإنه لو لم يعقل التعبد بصدور المتخالفين من حيث الصدور ، مع حمل أحدهما على التقية ، لم يعقل التعبد بصدورهما مع حمل أحدهما عليها ، لانه إلغاء لاحدهما أيضا في الحقيقة (١).

______________________________________________________

المرجح المضموني على غيره من المرجحات. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «ومع عدم الدلالة» وذلك بناء على ما مر تحقيقه من عدم دلالة اخبار العلاج على الترتيب ، وعدم اقتضاء ملاك الاقربية او الظن الشخصي للترتيب ايضا. واشار الى صورة التزاحم التي لم تذكر في المقبولة بقوله : «ولو لعدم التعرض لهذه الصورة ... الى آخر الجملة».

(١) لا يخفى ان بعض الاعظام هو المحقق الرشتي صاحب البدائع (قدس‌سره) ، وهو حيث ذهب وفاقا للوحيد (قدس‌سره) الى تقديم المرجح الجهتي على ساير المرجحات ... اورد على استاذه الشيخ الاعظم (قدس‌سره) حيث ذهب الى تقديم المرجح الصدوري على المرجح الجهتي.

وحاصل ايراده عليه : هو ان المتحصل من كلام الشيخ (قدس‌سره) عدم معقولية تقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري في غير المتكافئين من حيث الصدور ، لفرعية المرجح الجهتي على المرجح الصدوري ، لانه مع التعبد بالمرجح الصدوري لا يبقى مجال للتعبد بالمرجح الجهتي لحكومته عليه ، وهذا الكلام يجري بعينه في المتكافئين فانه في المتكافئين من حيث الصدور كما فيما اذا كان الراوي في كليهما اعدل او متساويين في العدالة فانه لا اشكال في شمول ادلة التعبد بحجية الخبر لهما ، ومع ذلك يلزم من الترجيح بالمرجح الجهتي طرح التعبد بالصدور. فاذا كان مع التعبد بالصدور في غير المتكافئين من حيث نفس الصدور لا يعقل الترجيح بالجهة ، ففي المتكافئين من حيث نفس الصدور ـ ايضا ـ يلزم ذلك من عدم معقولية الترجيح بالجهة مع التعبد بالصدور.

١٩٩

وفيه ما لا يخفى من الغفلة ، وحسبان أنه التزم (قدس‌سره) في مورد الترجيح بحسب الجهة باعتبار تساويهما من حيث الصدور ، إما للعلم بصدورهما ، وإما للتعبد به فعلا ، مع بداهة أن غرضه من التساوي من حيث الصدور تعبدا تساويهما بحسب دليل التعبد بالصدور قطعا ، ضرورة أن دليل حجية الخبر لا يقتضي التعبد فعلا بالمتعارضين ، بل ولا بأحدهما ، وقضية دليل العلاج ليس إلا التعبد بأحدهما تخييرا أو ترجيحا. والعجب كل العجب أنه رحمه‌الله لم يكتف بما أورده من النقض ، حتى ادعى استحالة تقديم الترجيح بغير هذا المرجح على الترجيح به (١) ، وبرهن عليه بما حاصله امتناع التعبد بصدور الموافق ،

______________________________________________________

والحاصل : ان الشيخ صرح بان مورد الترجيح بالجهة هو مقطوعي الصدور والمتكافئين من حيث الصدور ، وما ذكره مانعا من الترجيح بالجهة في غير المتكافئين يجري حرفا بحرف في المتكافئين من حيث الصدور ، وان كان لا يجري في المقطوعين وذلك لعدم التعبد في مقطوعي الصدور ، بخلاف المتكافئين فانه لا اشكال في كونهما مورد التعبد بالصدور كما صرح به الشيخ الاعظم (قدس‌سره).

والى ما ذكرنا اشار المحقق الرشتي (قدس‌سره) بقوله : «فانه لو لم يعقل التعبد بصدور المتخالفين من حيث الصدور» وذلك فيما كان راوي احد الخبرين اعدل «مع حمل احدهما» وهو خبر الاعدل على التقية كذلك «لم يعقل التعبد بصدورهما» أي بصدور المتكافئين «مع حمل احدهما عليها» أي على التقية «لانه الغاء لاحدهما ايضا» من حيث التعبد بنفس الصدور «في الحقيقة».

(١) حاصله : انه انما يصح النقض على الشيخ بالمتكافئين حيث يقول بالتعبد الفعلي فيهما ، اما اذا كان مراده التعبد الشأني فيهما لتساويهما بالنسبة الى ما هو شرط التعبد بنفس الصدور فلا يكون كلامه في المتخالفين منقوضا بالمتكافئين.

٢٠٠