بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-065-9
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٧٩

كثرة التخصيص بمثابة قد قيل : ما من عام إلا وقد خص ، غير مفيد ، ولا بد في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة لا ظهرية أحدهما من الآخر ، فتدبر (١).

ومنها : ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص والنسخ ـ كما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصا أو يكون العام ناسخا ، أو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام ، حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصا للعام ، أو ناسخا له ورافعا لاستمراره ودوامه (٢) ـ في وجه تقديم التخصيص على النسخ ،

______________________________________________________

يتقدّم اطلاق المطلق ويخصّص به العام. والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وفيه ان عدم البيان الذي هو جزء المقتضي ... الى آخر الجملة».

(١) هذا الاشكال على الوجه الثاني. وحاصله : منع اغلبية التقييد على التخصيص ، بل التخصيص ايضا كثير حتى انه قد قيل ما من عام الّا وقد خصّ ، فليس هناك اغلبية للتقييد على التخصيص بحيث اذا دار الامر بينهما يتقدّم التقييد لأغلبيته. والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وأغلبية التقييد مع كثرة التخصيص ... الى آخر الجملة».

(٢) لا يخفى انه قد ذكر المصنف لدوران الامر بين التخصيص والنسخ مقامين :

الاول : ان يرد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، بان يتقدّم الخاص ، بان يتقدّم الخاص ويمضي وقت العمل به ثم يرد العام ، مثلا ان يرد أولا لا تكرم زيدا العالم ثم بعد حضور وقت العمل به يرد اكرم العلماء ، وفي هذا يدور الامر بين كون الخاص مخصصا للعام وبه يرفع اليد عن ظهور العام في عمومه الافرادي حتى لزيد ، وبين كون العام ناسخا للخاص ويرفع اليد عن ظهور الخاص في الدوام والاستمرار.

ولا يخفى انه في هذا الفرض لا مانع من تخصيص العام ، لان الخاص وارد قبل حضور وقت العمل بالعام ، ولا مانع من النسخ لكون العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان يرد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام ، ولا ريب في امكان كون الخاص ناسخا للعام ، لوروده بعد حضور العمل بالعام. ولكن في كونه مخصصا للعام اشكال ، لفرض وروده بعد حضور وقت العمل بالعام ، فيلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

والحاصل : ان النسخ لا بد وان يكون بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ ، لانه لو كان النسخ قبل حضور وقت العمل ولاستلزامه كون الشيء الواحد واجدا للمصلحة وفاقدا لها في وقت واحد ، ولاستلزمه ايضا جعل الداعي ورفعه في زمان واحد يترقب فيه الدعوة. اما لو كان واردا بعد حضور وقت العمل فلا يلزم شيء من اللازمين المذكورين ، لامكان كونه واجدا للمصلحة الى امد معين ، ولحصول الدعوة في زمان يترقب فيه الدعوة .. اما التخصيص فبالعكس للزوم كونه قبل حضور وقت العمل لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

فاتضح مما ذكرنا : انه في الفرض المذكور من كون الخاص واردا بعد حضور وقت العمل بالعام ينبغي ان يتمحّض في كونه ناسخا للعام ، لان كونه مخصصا للعام يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولا بد في دفع هذا الاشكال بصحة التخصيص بعد حضور وقت العمل كما سيأتي التعرض له من الماتن ...

وحاصله : انه هناك اما مصلحة في ابقاء العام على عمومه وارجاء اظهار التخصيص له الى وقت يكون بعد حضور وقت العمل بالعام ، واما المفسدة في اظهار التخصيص قبل حضور وقت العمل. وعلى هذا فالعام يشتمل على حكمين : واقعي بالنسبة الى ما عدا الخاص ، وظاهري بالنسبة الى الخاص ، واذا كان الحكم بالنسبة الى الخاص ظاهريا دعت اليه المصلحة أو المفسدة فلا يكون تأخير البيان في مثل هذا قبيحا ولا يكون من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، لان الحكم الواقعي بالنسبة الى الخاص لم تتم شرائط تأثير المصلحة فيه لان يكون فعليا. والحاصل : ان القبيح هو تأخير البيان عن وقت الحاجة في الحكم الفعلي ، لا في الحكم الواقعي. وقد ظهر مما

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكرنا انه لا يلزم من ورود الخاص بعد العمل بالعام تأخير البيان عن وقت الحاجة ، لعدم كون الحكم الواقعي فعليا حتى يستلزم قبح تأخير البيان فيه عن وقت الحاجة.

فظهر مما ذكرنا : انه في الفرض المذكور كما لا مانع من كون الخاص ناسخا للعام ، لاحتمال كون الحكم الواقعي في العام بعمومه كان فعليا ولكن كان الى امد خاص .. كذلك لا مانع من كون الخاص مخصصا للعام وان الحكم الواقعي في العام كان ما عدا الخاص وقد كان مانع عن فعليته ، فكان عمومه بعد حضور وقت العمل حكما ظاهريا لا واقعيا دعت اليه مصلحة الحكم الظاهري.

فتبين : انه في هذا المقام الثاني ايضا لا مانع من دوران الامر بين كون الخاص ناسخا للعام او مخصصا له ، فيدور الامر بين ظهورين في العام ظهوره في العموم لجميع افراده ، وظهوره في الدوام والاستمرار. فان لازم كون الخاص ناسخا للعام رفع اليد عن ظهور العام في الدوام والاستمرار ، وبقاء ظهوره في عموم حكمه الواقعي لجميع افراده على حاله ، ولازم كونه مخصصا للعام رفع اليد عن ظهوره في عمومه الافرادي ، وانه واقعا مقصور على ما عدا الخاص ، وبقاء ظهوره في بقاء حكمه الواقعي على الدوام والاستمرار على حاله.

وقد اشار الى المقام الاول بقوله : «كما اذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص ... الى آخر الجملة» بان يكون الخاص واردا أولا ، ثم بعد حضور وقت العمل به يرد العام. وقد عرفت انه في هذا الفرض يمكن ان يكون الخاص مخصصا للعام ، ويمكن ان يكون العام ناسخا للخاص.

واشار الى المقام الثاني بقوله : «او ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام ... الى آخر الجملة» وقد عرفت في هذا الفرض ايضا انه لا مانع من كون الخاص مخصصا للعام وان الحكم الواقعي في العام هو ما عدا الخاص ، ومن كون الخاص ناسخا للعام وكون العام بعمومه حكما واقعيا الى زمان ورود الخاص.

١٤٣

من غلبة التخصيص وندرة النسخ (١).

ولا يخفى أن دلالة الخاص أو العام على الاستمرار والدوام إنما هو بالاطلاق لا بالوضع ، فعلى الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص كان اللازم في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص أيضا (٢) ، وإن غلبة التخصيص إنما توجب أقوائية ظهور الكلام في

______________________________________________________

(١) لا يخفى ـ أولا ـ ان قوله : في وجه من متعلقات قوله : ومنها ما قيل. والتقدير انه من الموارد التي ذكروها لتمييز الظاهر عن الاظهر هو ما قيل فيما اذا دار الامر بين التخصيص والنسخ في وجه تقديم التخصيص على النسخ ، فانه بناء على تقديم التخصيص على النسخ يتعين كون العام هو الظاهر والخاص هو الاظهر ، بخلاف الحمل على النسخ ، فانه في المقام الاول يكون العام هو الناسخ لحكم الخاص فلا حمل فيه لظاهر على الاظهر ، وفي المقام الثاني ايضا لا حمل للظاهر على الاظهر بناء على النسخ ، فان المراد من الحمل هو الحمل في مرحلة الحكم الواقعي ، وعلى النسخ يكون الحكم الواقعي في العام هو العموم ولكنه قد ارتفع بالخاص ، لكشفه عن انتهاء أمده واقعا ، فلا حمل فيه لظاهر على الاظهر في مرحلة الواقع.

اما وجه تقديم التخصيص على النسخ فهو اغلبية التخصيص وندرة النسخ ، ولا بد من الحمل على الاعم الاغلب وترك الشاذ النادر. والى هذا اشار بقوله : «من غلبة التخصيص وندرة النسخ».

(٢) اورد المصنف على تقديم التخصيص على النسخ للاغلبية بوجهين : الاول : وحاصله : ان الحمل على الاغلبية انما يصح حيث لا يمنع عنه مانع عقلي وبناء على ما ذهب اليه الشيخ الاجل من كون الاطلاق معلقا على عدم البيان الى الابد ، لا بد من تقديم النسخ على التخصيص في المقامين المذكورين ..

وبيان ذلك : انه في المقام الاول وهو ما اذا تقدم الخاص وتأخر العام عن وقت العمل بالخاص ، فان لازم كون العام ناسخا للخاص هو رفع اليد عن ظهور الخاص

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في الدوام والاستمرار والاخذ بظهور العام في العموم ، ومن الواضح ان ظهور الخاص في الدوام والاستمرار انما هو بالاطلاق ، وظهور العام في العموم بالوضع لا بالاطلاق ، فظهور العام في العموم تنجيزي غير معلق على شيء ، وظهور الخاص في الدوام والاستمرار بالاطلاق وهو معلق على عدم البيان الى الابد ، وظهور العام في العموم يصلح لان يكون بيانا له ، بخلاف التخصيص فان لازمه دوام الخاص واستمراره الذي هو ظهور اطلاقي ، ورفع اليد عن ظهور العام في العموم لجميع الافراد وقصره على ما عدا الخاص ، ولازم ذلك تقديم الظهور الاطلاقي في الخاص على الظهور التنجيزي في العام ، وهو مستلزم للمحذور العقلي المتقدم : من التخصيص بلا مخصص او بوجه دائر. فلا بد ـ بناء على كون الظهور الاطلاقي معلقا على عدم البيان الى الابد ـ من الالتزام بكون العام ناسخا للخاص ، لا كون الخاص مخصصا للعام في هذا المقام.

وفي المقام الثاني ايضا لا بد من تقديم النسخ على التخصيص ، لانه فيما اذا تقدم العام وتأخر الخاص يدور الامر بين ظهور العام في عمومه الافرادي ، وبين ظهوره في الدوام والاستمرار ، فان لازم كون الخاص مخصصا له من الاول رفع اليد عن ظهور عمومه الافرادي واقعا ، ولازم كون الخاص ناسخا له هو بقاء ظهور عمومه الافرادي واقعا ورفع اليد عن ظهوره في الدوام والاستمرار. وحيث ان ظهوره في الدوام والاستمرار بالاطلاق وكون الخاص ناسخا له يصلح ان يكون بيانا له ، فلا بد من الالتزام بكون الخاص في هذا المقام ناسخا للعام ، ولا وجه لكونه مخصصا له ، لان لازم كونه مخصصا للعام تقديم ظهور العام في الدوام والاستمرار ، ورفع اليد عن ظهور العام في كون حكمه الواقعي هو العموم لجميع الافراد وهو ظهور وضعي تنجيزي ، لانه لا بد ـ بناء على التخصيص ـ من كون حكم العام الواقعي هو ما عدا الخاص ، ولازمه رفع اليد عن ظهور تنجيزي للعام ، وابقاء ظهوره في الدوام والاستمرار. وحيث كان ظهور العام في الدوام والاستمرار اطلاقيا فلا بد من رفع

١٤٥

الاستمرار والدوام من ظهور العام في العموم إذا كانت مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام ، وإلا فهي وإن كانت مفيدة للظن بالتخصيص (١) ، إلا أنها غير موجبة لها ،

______________________________________________________

اليد عنه ، والالتزام بكون الخاص ناسخا ، لانه إذا كان الخاص ناسخا فظهور العام في عمومه الافرادي يكون باقيا ، وانما يرفع اليد عن ظهور دوام حكمه العمومي واستمراره ، وهو ظهور اطلاقي معلق على عدم البيان الى الابد ، وكون الخاص ناسخا يصلح ان يكون بيانا له.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ولا يخفى ان دلالة الخاص» كما في المقام الاول «او» دلالة «العام» كما في المقام الثاني «على الاستمرار والدوام انما هو بالاطلاق» وهو ظهور تعليقي معلق على عدم البيان الى الابد «لا بالوضع» ليكون تنجيزيا ولا معلقا على عدم البيان في مقام التخاطب ليكون كالوضع «فعلى الوجه العقلي» الذي مر من الشيخ «في» مقام «تقديم التقييد على التخصيص» من لزوم تقديم التقييد على التخصيص ، لان التخصيص انما هو للاطلاق وهو معلق على عدم البيان الى الابد ، وبعد وجود ما يصلح ان يكون بيانا فلازمه اما التخصيص بلا مخصص او بوجه دائر يأتي هنا ايضا و «كان اللازم» عليه «في هذا» المقام وهو مقام «الدوران» بين التخصيص والنسخ «تقديم النسخ على التخصيص ايضا» لان تقديم التخصيص على النسخ كما عرفت في المقامين لازمه تقديم الظهور الاطلاقي التعليقي على الظهور الوضعي التنجيزي ، وهو محذور عقلي لا وجه معه للاعتماد على الاغلبية مع استلزامهما لمحذور عقلي.

(١) هذا هو الوجه الثاني للاشكال على كون اغلبية التخصيص وندرة النسخ توجب الحمل على التخصيص فيما دار الامر بينهما الحاقا له بالاعم الاغلب.

وحاصله : انه ليس مطلق الغلبة موجبة للحمل على ما هو الغالب ، وانما هي خصوص الغلبة البالغة لحد تكون كالقرينة الحافة بالكلام ، وانما تكون الغلبة كذلك

١٤٦

كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

حيث تكون مرتكزة في اذهان اهل المحاورة بحيث تعد عندهم كالقرينة اللفظية الحافة بالكلام ، فانها حينئذ تكون موجبة للظهور في كون الكلام قد سيق للتخصيص لا للنسخ ، وتكون موجبة لكون ظهور الكلام في التخصيص اقوى من النسخ ، وعلى هذا يكون التخصيص هو الاظهر والنسخ هو الظاهر ، ويجب رفع اليد عن الظاهر حيث يعارضه الاظهر. ولم يثبت كون غلبة التخصيص بالغة لهذا الحد بحيث تعد من القرائن الحافة بالكلام عند ابناء المحاورة.

والحاصل : ان الكلام فيما يوجب كون الكلام اظهر في معنى من معنى آخر ، والاظهرية الكلامية لا بد وان يكون موجبها : اما الوضع ، او القرينة اللفظية ، او قرينة غير لفظية لكنها تكون بحكم القرينة اللفظية لارتكازها في اذهان اهل المحاورة بحيث يكون حالها عندهم حال القرينة اللفظية المكتنفة بالكلام. ولم يثبت كون الغلبة ـ التي هي قرينة غير لفظية ـ بالغة حد القرينة اللفظية. اما اذا لم تبلغ هذا الحد فغايته كونها موجبة للظن بكون التخصيص في المقام هو المراد دون النسخ ، والظن الموافق لاحد الظهورين لا يوجب ظهورا في مقام الدلالة ، فلا وجه للاعتماد عليه.

والحاصل : ان الامر في المقام دائر بين ظهور الكلام في الدوام والاستمرار ، وظهور العام في عمومه الافرادي. والاغلبية المدعاة لا بد من كونها موجبة لكون ظهور الكلام في الدوام والاستمرار اقوى من ظهور العام في عمومه الافرادي ، ليتعين رفع اليد عن الظهور في العموم الافرادي ، ولازمه تقديم التخصيص على النسخ. وحيث عرفت انه لم يثبت للاغلبية ذلك فلا تكون موجبة لتقديم التخصيص على النسخ.

(١) الضمير في «لها» راجع الى اقوائية الظهور : أي ان الغلبة اذا لم تكن بالغة حد القرينة المكتنفة بالكلام لا توجب اقوائية الظهور الموجب لتقديم التخصيص على

١٤٧

ثم إنه بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل في التخصيص ، لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، يشكل الامر في تخصيص الكتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الائمة عليهم‌السلام ، فإنها صادرة بعد حضور وقت العمل بعموماتهما ، والتزام نسخهما بها ولو قيل بجواز نسخهما بالرواية عنهم عليهم‌السلام كما ترى (١) ، فلا محيص في حله من أن يقال : إن

______________________________________________________

النسخ. وبقية عبارة المتن واضحة. ولا يخفى انه سيأتي منه تسليم ندرة النسخ فلا مناص عن التزامه بكونه بالغا حد القرينة اللفظية ، وإلّا فلا فائدة في تسليمه.

(١) حاصله التعرض لما اشرنا اليه من الاشكال في المقام الثاني ـ من ان فرض ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام ينافي احتمال كونه مخصصا ، لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة ـ ودفعه. وانما خص الاشكال هنا بخصوص التخصيص للكتاب والسنة التي كان المراد منها في المقام هي السنة النبوية ، مع جريان هذا الاشكال في العمومات الواردة عن الائمة عليهم‌السلام ، فان التخصيص فيها بعد حضور وقت العمل بالعام ايضا غير معقول ، بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل بالعام فيها لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، لاجل تأتي احتمال صدور الخاص منهم عليهم‌السلام قبل حضور وقت العمل بالعام وخفائه عنا بالنسبة الى العمومات الصادرة عنهم عليهم‌السلام ، وعدم تأتي هذا الاحتمال بالنسبة الى الكتاب والعمومات النبوية ، لمعلومية تأخر زمان الائمة عليهم‌السلام عن وقت العمل بها ، ولذلك خصها بالذكر.

وحاصل الاشكال : انه بعد اعتبار عدم حضور وقت العمل بالعام في التخصيص ، لان التخصيص بعد حضور وقت العمل بالعام مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة ، لمحالية التأخير من الشارع لقدرته على تقديم البيان لاجل ان يكون في وقت الحاجة البيان حاضرا ، ويلزم من تأخير البيان عن وقت الحاجة ان يكون للناس على الله الحجة ، وهو معلوم البطلان.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : انه لما كانت التخصيصات الواردة عن الائمة عليهم‌السلام من التخصيص بعد حضور وقت العمل المستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة .. لذا اشكل الامر في كونها مخصصات لعمومات الكتاب والسنة النبوية. ولما كان الالتزام بكونها ناسخة لحكم الكتاب والسنة بعيدا جدا لكثرة ما ورد عنهم عليهم‌السلام من الاحكام الخاصة ، ومن المعلوم ندرة النسخ في الشريعة ، لذا كان الالتزام بكونها ناسخة لعمومات الكتاب والسنة ـ ايضا ـ بعيدا جدا. فاتضح ان ما ورد عنهم من الاحكام الخاصة على خلاف عمومات الكتاب والسنة مشكل من الطرفين ، لان كونها مخصصات لازمه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وكونها ناسخة ينافيه ندرة النسخ ، ومن المعلوم ندرته. وهذا هو مراده من قوله : «كما ترى» فالاشكال من حيث كونها ناسخة هو البعيد لمنافاته لما هو المعلوم من ندرة النسخ.

لا لاشكال فيه من ناحية عدم امكان نسخ الكتاب والسنة بالرواية عنهم عليهم‌السلام لما يقال : من ان النسخ اما هو نسخ شريعة لشريعة ، ولا يعقل ذلك في شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعدم ورود شريعة بعد شريعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي خاتمة الشرائع ، ومن الواضح ان الائمة عليهم‌السلام لم يأتوا بشريعة جديدة ، لان الشريعة الجديدة من مختصات النبوة دون الامامة. واما ان يكون النسخ نسخا لحكم جاء في الشريعة بحكم آخر قد جاء بعده في نفس تلك الشريعة ، فهذا النحو من النسخ مما يختص بالكتاب والسنة النبوية ، فيجوز نسخ الكتاب بالكتاب ، ويجوز ان ينسخ الكتاب بما ورد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانه مهبط الوحي ، فنسخ الكتاب بما ورد عنهم عليهم‌السلام غير معقول ايضا.

والجواب عنه : ان النسخ منهم عليهم‌السلام للكتاب مرجعه الى نسخ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للكتاب ، لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطلع امير المؤمنين عليه‌السلام على جميع الاحكام ، وتلقوا الائمة عليهم‌السلام هذا العلم واحدا بعد واحد ، ولو لا ذلك لما امكن ان يرد التخصيص للكتاب والسنة ايضا عنهم عليهم‌السلام ، لا من جهة قبح تأخير البيان بل من حيث انه لا وحي ، فمن اين يحصل العلم بالخاص المخالف لعمومات الكتاب والسنة؟

١٤٩

اعتبار ذلك حيث كان لاجل قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وكان من الواضح أن ذلك فيما إذا لم يكن هناك مصلحة في إخفاء الخصوصيات أو مفسدة في إبدائها ، كإخفاء غير واحد من التكاليف في الصدر الأول (١) ، لم يكن بأس بتخصيص عموماتهما بها ، واستكشاف

______________________________________________________

فاتضح : ان نسخ الكتاب والسنة بما ورد عنهم عليهم‌السلام لا مانع منه ، لرجوعه الى نسخ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وظهر ان الاشكال في المقام من ناحية بعد صدور النسخ لندرته.

وقد اشار الى ما ذكرنا من اشكال التخصيص لاستلزامه تأخير البيان ، واشكال النسخ من جهة بعد صدور النسخ ، لا من جهة ما قيل من عدم امكان النسخ عنهم عليهم‌السلام للكتاب والسنة. فاشار الى الاشكال في التخصيص بقوله : «ثم انه بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل في التخصيص لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة يشكل الامر في تخصيص» عمومات «الكتاب او» عمومات «السنة» النبوية «بالخصوصات الصادرة عن الائمة عليهم‌السلام فانها صادرة» قطعا «بعد حضور وقت العمل بعموماتها» الكتابية والنبوية.

واشار الى الاشكال في كونها ناسخة بقوله : «والتزام نسخها بها ... كما ترى» أي الالتزام بنسخ العمومات في الكتاب والسنة بالخصوصات الصادرة عنهم عليه‌السلام كما ترى ، لاستلزامه لكثرة النسخ في الشريعة ومن المعلوم ندرته.

واشار الى ان الاشكال في كون الخصوصات الصادرة عنهم ناسخة هو من ناحية البعد ـ لا من ناحية عدم جواز كونها ناسخة ، لما توهم من عدم امكان النسخ للكتاب والسنة بما صدر عنهم عليهم‌السلام ـ بهذه العبارة التي اقحمها بين قوله : «والتزام نسخها» وقوله : «كما ترى» وهي قوله «ولو قيل بجواز نسخهما» أي نسخ الكتاب والسنة «بالرواية عنهم عليهم‌السلام».

(١) وحاصله : انه بعد معلومية ندرة النسخ فلا وجه للالتزام بالنسخ في الخصوصات الصادرة عنهم عليهم‌السلام للكتاب والسنة. واما كونها مخصصة فلا مانع عن الالتزام به ،

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لان المانع عن كونها مخصصة بعد معلومية صدورها بعد حضور وقت العمل هو قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة انما يكون قبيحا حيث لا يكون هناك في نفس الاخفاء مصلحة تزيد على اظهار الخاص قبل حضور وقت العمل ، او حيث لا يكون هناك مفسدة مانعة عن اظهار الخاص قبل وقت العمل. اما اذا كان هناك مصلحة في الاخفاء او مفسدة مانعة عن الاظهار فلا يكون تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيحا ، لان قبح التأخير انما هو لمنافاته للطف ، وحيث تكون مصلحة في الاخفاء او مفسدة في الاظهار لا يكون التأخير عن وقت الحاجة قبيحا. وغايته الالتزام بان العمومات قبل صدور المخصصات مشتملة على حكم واقعي بالنسبة الى ما عدا الخاص ، وحكم ظاهري بالنسبة الى الخاص.

ويدل على انه لا مانع من الاخفاء في التخصيص هو الاخفاء في نفس الاحكام النبوية ، فان جملة الاحكام النبوية العامة قد نزلت بالتدريج لوجود المانع عن صدورها في اول النبوة كاحكام الكر ، واذا جاز اخفاء نفس الاحكام العامة جاز اخفاء تخصيصها.

وقد اشار الى ما ذكرنا ـ من ان قبح التأخير انما يلزم حيث لا يكون في الاخفاء مصلحة ، او لا يكون في الاظهار مفسدة ـ بقوله : «فلا محيص في حله» بالالتزام بكونها مخصصات ، ولا بد في رفع اشكال لزوم تأخير البيان «من ان يقال ان اعتبار ذلك» وهو الاشكال في كونها مخصصات «حيث كان لاجل قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة» لانها كانت واردة بعد حضور وقت العمل «و» لكنه لا قبح في هذا التأخير لانه «كان من الواضح ان ذلك» وهو قبيح التأخير انما يلزم «فيما اذا لم يكن هناك مصلحة في اخفاء الخصوصات او» فيما اذا لم يكن هناك «مفسدة في إبدائها» واظهارها قبل وقت صدورها.

اما اذا كانت هناك مصلحة في الاخفاء او مفسدة في الابداء فلا يكون تأخير البيان قبيحا. واشار الى الدليل على عدم قبح تأخير البيان ـ فيما اذا كان الاخفاء لمصلحة

١٥١

أن موردها كان خارجا عن حكم العام واقعا وإن كان داخلا فيه ظاهرا (١) ، ولاجله لا بأس بالالتزام بالنسخ بمعنى رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات بإطلاقها في الاستمرار والدوام أيضا ، فتفطن (٢).

______________________________________________________

فيه او لمفسدة في الاظهار : هو نفس تأخير الاحكام العامة الواردة في الكتاب والسنة بالتدريج ـ بقوله : «كاخفاء غير واحد من التكاليف» العامة «في الصدر الاول» فانه من الواضح نزول الحكم بالصوم في المدنية بعد البعثة والهجرة بزمان غير قصير.

(١) أي بعد ما عرفت من حل الاشكال ، وانه لا قبح في هذا التأخير ... اتضح انه لا بأس بتخصيص عمومات الكتاب والسنة بالخصوصات الصادرة عنهم عليهم‌السلام. والى هذا اشار بقوله : «لم يكن بأس بتخصيص عموماتها» أي عمومات الكتاب والسنة «بها» أي بالخصوصات الصادرة عنهم عليهم‌السلام.

ثم اشار الى انه بعد ورود التخصيص على العام بعد حضور وقت العمل يستكشف كون العام كان مشتملا على حكمين : حكم واقعي وهو في ما عدا الخاص ، وحكم ظاهري بالنسبة الى الخاص بقوله : «واستكشاف» أي ان كونها مخصصة للعام كاشف عن ان «موردها» أي مورد الخصوصيات «كان خارجا عن العام واقعا» وان الحكم الواقعي في العام هو لما عدا الخصوصات «و» يستكشف ايضا «ان» مورد الخصوصات قبل ورودها «كان داخلا فيه» أي في العام «ظاهرا» فكان الحكم بالنسبة اليه حكما ظاهريا لا واقعيا.

(٢) توضيحه : ان فرض الكلام هو بالنسبة الى الخصوصات الواردة عن الائمة عليهم‌السلام بالنسبة الى عموم الكتاب والسنة ، ولا بد في هذا الفرض من كونها واردة بعد حضور وقت العمل. وقد عرفت ان لازم كون الخاص واردا بعد حضور وقت العمل بالعام هو رفعه لحكم فعلي ظاهري ، بخلاف ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام فانه لا يكون رافعا لحكم فعلي ، لعدم كشفه ان الحكم الواقعي الفعلي في العام هو ما

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عدا الخاص ، وحيث كان واردا قبل حضور وقت العمل بالعام فليس للعام حكم فعلي ظاهري حتى يكون الخاص رافعا له.

فتبين مما ذكرنا : انه في حال ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام لا بد من كونه رافعا لحكم فعلي ، غايته انه ظاهري لا واقعي.

ومنه يظهر انه لا مانع ـ ايضا ـ من كون هذه الخصوصات الواردة عن الائمة عليهم‌السلام ناسخة لظهور العموم الكتابي والسنة في الدوام في الاستمرار ، لانها لا تكون رافعة ـ بناء على كونها ناسخة ـ الا لظهور فعلي في الدوام والاستمرار في العموم الكتابي والسنة بالنسبة الى افراد الخاص ، ولما كان خروج الخاص قطعيا سواء على التخصيص او النسخ ، ولا فرق بين التخصيص والنسخ الا كون التخصيص رافعا لظهور فعلي ظاهري ، والنسخ رافعا لظهور واقعي فعلي في الدوام والاستمرار ، فالرفع للظهور الفعلي في كل واحد منهما لازم ، فلا مانع من الالتزام بكونها ناسخة ، كما لا مانع من الالتزام بكونها مخصصة.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ولاجله» أي ولاجل كون تلك الخصوصات ـ بناء على كونها مخصصة ـ مما لا بد من كونها رافعة لظهور فعلي في المقام لفرض كونها واردة بعد حضور وقت العمل يظهر انه «لا باس بالالتزام بالنسخ» فيها «بمعنى رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات باطلاقها في الاستمرار والدوام» فانه لا مانع منه ايضا.

وما يقال من معلومية ندرة النسخ وكثرة التخصيص انما هو بالنسبة الى كثرة التخصيص غير المستلزم لرفع اليد عن ظهور فعلي في العام ، كالتخصيص قبل حضور وقت العمل بالعام ، لا في التخصيص اللازم فيه رفع اليد عن ظهور حكم فعلي ، وهو التخصيص بعد حضور وقت العمل بالعام كما في المقام.

إلّا انه بعد ما عرفت من ندرة النسخ ولا فرق في هذه الندرة بين كونها بعد حضور وقت العمل ، او قبل حضور وقت العمل. وتخصيصها بخصوص التخصيص

١٥٣

فصل

لا إشكال في تعيين الاظهر لو كان في البين إذا كان التعارض بين الاثنين ، وأما إذا كان بين الزائد عليهما فتعينه ربما لا يخلو عن خفاء ، ولذا وقع بعض الاعلام في اشتباه وخطأ (١) ، حيث توهم أنه إذا كان هناك

______________________________________________________

قبل حضور وقت العمل بالعام لا يخلو عن تحكم لان النادر لا يصار اليه ، ولا بد من الحمل على غير النادر.

مضافا الى ما في دعوى ندرة النسخ وكثرة التخصيص انما هو في التخصيص قبل حضور وقت العمل بالعام فانها مجازفة واضحة ، لعدم ضبط التواريخ بحيث يعرف منها ان هذا الخاص وارد قبل حضور وقت العمل ، وغيره وارد بعد حضور وقت العمل ، وهو واضح لمن نظر في الاخبار ، بل حتى بالنسبة الى الكتاب وحتى بالنسبة الى السنة النبوية.

(١) هذا الفصل لبيان انقلاب النسبة وعدم انقلابها. ولما كان الانقلاب وعدمه انما هو حيث يكون التعارض بين اكثر من اثنين. اما اذا كان التعارض بين اثنين فحيث فرض ان مورد هذا التعارض من موارد الجمع العرفي الذي لا بد فيه من كون الاظهر والظاهر متعينين فلا خفاء مع هذا الفرض ، ولا بد من حمل الظاهر فيه على الاظهر ، ولا مجال لانقلاب النسبة وعدم انقلابها فيه ، اذ ليس هناك ثالث حتى يكون مجال للانقلاب وعدمه. اما اذا كان التعارض بين اكثر من اثنين كما في الفرضين المشار اليهما في المتن ، وهو ما اذا ورد عام وخاصان او عامان من وجه وخاص ، فحيث انه بناء على عدم الانقلاب يكون هناك ظاهر واظهر ، وبناء على الانقلاب لا يكون هناك ظاهر واظهر بل يكونان خارجين عن الجمع العرفي ، لذلك كان هذا المقام مورد الخفاء والاشتباه.

ولذا قال (قدس‌سره) : «لا اشكال في تعيين الاظهر» ولزوم حمل الظاهر عليه «لو كان في البين اذا كان التعارض بين الاثنين» كما لو ورد عام وخاص فانه

١٥٤

عام وخصوصات وقد خصص ببعضها ، كان اللازم ملاحظة النسبة بينه وبين سائر الخصوصات بعد تخصيصه به ، فربما تنقلب النسبة إلى عموم وخصوص من وجه ، فلا بد من رعاية هذه النسبة وتقديم الراجح منه ومنها ، أو التخيير بينه وبينها لو لم يكن هناك راجح ، لا تقديمها عليه ، إلا إذا كانت النسبة بعده على حالها (١).

______________________________________________________

لا ريب في ان الخاص هو الاظهر والعام هو الظاهر الذي لا ريب في حمله على الخاص الاظهر منه ، وحيث لا خفاء في هذا فلم يكن مورد الاشتباه. «واما اذا كان» التعارض «بين الزائد عليهما» أي على الاثنين «فتعيّنه» أي تعيّن الاظهر الذي لا بد من حمل الظاهر عليه «ربما لا يخلو عن خفاء» لانه بناء على عدم الانقلاب فالاظهر متعيّن ، وبناء على الانقلاب لا يكون هناك اظهر «ولذا وقع بعض الاعلام» والظاهر انه صاحب المستند «في اشتباه وخطأ» لانه قال بانقلاب النسبة.

(١) توضيحه يتوقف على امور : الاول : ان الكلام في التعارض بين الادلة المتعدّدة في مقامين : المقام الاول : ان تكون النسبة بينها متحدة ، وهو ما اشار اليه في المتن بقوله : «اذا كان هناك عام وخصوصات وقد خصّص بعضها» كما لو كان احد الخاصين قطعيا أو واردا قبل ورود الخاص الثاني «كان اللازم ملاحظة النسبة بينه» أي بين العام «وبين سائر الخصوصات بعد تخصيصه به» أي بعد تخصيص العام بالخاص القطعي ، مثلا تلاحظ النسبة بينه وبين غير هذا الخاص القطعي من ساير الخواص ـ بناء على عدم الانقلاب ـ وكأنّه لم يخصّص العام اصلا ، وعليه فلا بد من تخصيص العام بالخاص الآخر. واما بناء على الانقلاب فلا يكون الامر كذلك.

ومن الواضح ان النسبة ـ بناء على عدم الانقلاب ـ تكون متحدة ، لوضوح انها هي العموم المطلق ، لان المفروض ان العام لوحظ بالنسبة الى كل واحد من الخواص

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كان عاما مطلقا والخاص اخص منه ، فالنسبة بين العام وكل واحد من الخواص متحدة وهي العموم المطلق.

المقام الثاني : ما اذا كانت النسبة بين الادلة مختلفة ، كما اذا ورد عامان بينهما عموم وخصوص من وجه وورد خاص مخصّص لاحدهما ، فان النسبة هنا مختلفة لانها بين العامين بنحو العموم من وجه ، وبين العام والخاص هي العموم المطلق ، وسيأتي الكلام في هذا عند تعرض المصنف له.

الامر الثاني بيان اقسام المقام الاول ، وهو فرض اتحاد النسبة الذي اشار اليه المصنف ، وتعيين محل الكلام فيه.

ولا يخفى ان النسبة بين الخاصين : تارة تكون بنحو التباين ، كما اذا ورد اكرم العلماء وورد يستحب اكرام النحاة من العلماء ويحرم اكرام النحاة من العلماء ، وفي هذا الفرض حيث كان بين الخاصين تعارض بنحو التباين فلا يكون كل واحد منهما بحجة بالفعل ، فلا بد من اجراء قاعدة التعارض بينهما من الترجيح أو التخيير ، وعلى الترجيح يختصّ ذو المزية منهما بالحجية الفعلية وهو الذي يخصّص به العام ، وعلى التخيير يختار احدهما وهو الذي يخصص به العام. وهذا الفرض ليس مورد الكلام في انقلاب النسبة وعدمه لكون الحجة احدهما ويكون المآل في هذا الفرض الى التعارض بين اثنين ، ولا يكون من التعارض بين الادلة المتعددة وهو واضح.

واخرى يكون بين الخاصين عموم من وجه ، كما اذا ورد اكرم العلماء ويستحب اكرام العلماء البصريين ويحرم اكرام العلماء النحاة ، فان بين الخاصين عموما من وجه ، لتصادقهما على العالم النحوي البصري ، وصدق العالم البصري على العالم البصري غير النحوي ، وصدق النحوي على العالم النحوي غير البصري. فان قلنا بان العموم من وجه داخل في ادلة العلاج ومما تشمله ادلة الترجيح او التخيير ، فلا بد أولا من ملاحظة الترجيح أو التخيير بينهما ، وبعد الاخذ باحدهما اما ترجيحا او تخييرا يخصّص به العام الباقي على اطلاقه ، ويخصص العام بالمخصص الثاني فيما

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عدا مورد الاجتماع ، ففي المثال المتقدم اذا اختير استحباب اكرام العلماء البصرين فلا بد من اكرام العلماء البصريين استحبابا مطلقا : أي لا بد من الالتزام بكون اكرام العلماء البصريين مستحبا لا واجبا تحقيقا للعمل باستحبابه ، واما في العلماء النحاة من غير البصريين فيخصّص به عموم اكرم العلماء. وان قلنا بعدم شمول ادلّة العلاج للعموم من وجه ، فالقاعدة تقتضي تساقطهما في مورد الاجتماع ، ويخصص العام بكل واحد منهما في غير مادة الاجتماع ، ففي المثال المتقدّم يتساقط ما دلّ على استحباب اكرام العلماء البصريين في خصوص النحاة ، وما دلّ على حرمة اكرام النحاة في خصوص العلماء البصريين ، ويخصّص اكرم العلماء باكرام العلماء البصريين استحبابا فيما عدا النحاة ، ويخصّص بحرمة اكرام العلماء النحاة غير البصريين. ثم ان قلنا بان المتعارضين حجة على نفي الثالث في مورد التعارض ، فلا يكون المرجع الى هذا العام المخصّص في مورد الاجتماع ، ولا بد من الرجوع الى غيره. وان قلنا بعدم الحجية على نفي الثالث فالمرجع يكون الى هذا العام المخصّص.

وثالثة : ان يكون بين الخاصين عموم من مطلق ، بان يكون احد الخاصين اعم من الآخر مطلقا ، كما اذا ورد اكرم العلماء ثم ورد يحرم اكرام العلماء النحاة ثم ورد نفي حرمة اكرام خصوص علماء النحاة البصريين ، فلا بد أولا من تخصيص حرمة اكرام العلماء النحاة باخراج البصريين منهم ثم تخصيص اكرم العلماء باخراج العلماء النحاة ما عدا البصريين.

ورابعة : ان لا يكون بين الخاصين تناف اصلا ، وهذا نحوان :

الاول : ان لا يلزم من التخصيص باحدهما انقلاب نسبة العام بالنسبة الى الخاص الآخر ، كما لو ورد اكرم العلماء ويستحب اكرام زيد العالم العادل ويحرم اكرام الفساق من العلماء ، فانه لا يوجب تخصيص وجوب اكرام العلماء باستحباب اكرام زيد العالم العادل انقلاب النسبة بين اكرم العلماء وبين حرمة اكرام فساق

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العلماء ، ولا من تخصيصه بحرمة اكرام فساق العلماء يلزم انقلاب النسبة بين اكرم العلماء واستحباب اكرام زيد العالم العادل.

الثاني : ان يلزم من تخصيص العام باحدهما انقلاب النسبة بين العام والخاص الآخر ، كما لو تقدم احد الخاصين في الزمان على الخاص الآخر. وهذا الانقلاب تارة يكون الى التباين ، واخرى الى العموم من وجه .. والاول مثل ما اذا ورد اكرم العلماء ، ثم ورد بعده يستحب اكرام العدول من العلماء ، ثم بعد هذا الخاص بمقدار من الزمان ورد يحرم اكرام الفساق من العلماء. فانه لو خصصنا العام بالخاص الاول واخرجنا منه العلماء العدول لا يبقى تحته الا فساق العلماء ، والنسبة بين وجوب اكرام فساق العلماء وحرمة اكرامهم هي التباين .. والثاني كما اذا ورد اكرم العلماء وورد بحرم اكرام العالم الفاسق النحوي والصرفي ، ثم ورد بعده بمقدار من الزمان يحرم اكرام فساق العلماء. فان النسبة بين اكرم العلماء بعد اخراج العالم الفاسق النحوي والصرفي منه وبين يحرم اكرام فساق العلماء هي العموم من وجه ، لصدق اكرم العلماء بدون يحرم اكرام فساق العلماء في العلماء العدول ، وصدق يحرم اكرام الفساق من العلماء بدون اكرم العلماء في العالم الفاسق النحوي والصرفي لخروجه اولا عن مصاديق العام ، واجتماعهما في فساق العلماء عدا العالم النحوي والصرفي ، فان وجوب اكرام العلماء يقتضي اكرامهم ، وحرمة اكرام فساق العلماء عدا النحوي والصرفي يقتضي حرمة اكرامهم.

الامر الثالث : ان التخصيص الموجب لانقلاب النسبة هو مورد الخلاف ، سواء كان انقلابها الى التباين او الى العموم من وجه.

فقد نسب الى النراقي القول بانه يقتضي ملاحظة النسبة بين العام والخاص الثاني بعد اخراج الخاص الاول ، اما لكونه قطعيا دون الخاص الآخر ، او لكونه واردا قبل ورود الآخر ، فان كانت هي التباين يكونان من المتعارضين اللذين هما مورد الترجيح او التخيير ، وان كانت هي العموم من وجه فعلى الخلاف في دخولها في ادلة

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

العلاج وعدم دخولها فيه ، فعلى الاول يكون الترجيح او التخيير ، وعلى الثاني يكون التساقط ... وقد نسب الى النراقي انه يقول بانقلاب النسبة في خصوص ما اذا كان احد الخاصين لبيا لا لفظيا ، اما اذا كان كلاهما لفظيين فلا يقول بالانقلاب.

ولا يخفى انه اذا كان تخصيصه باللبي فهو اما لدعوى كونه من المخصص المتصل بالعام أو هو كاشف عن مخصص متصل بالعام ، فلا يكون ذلك قولا بانقلاب النسبة ، لانه مع التخصيص بالمتصل لا يكون للعام ظهور نوعي في العموم حتى يكون محلا للقول بانقلاب النسبة. وان كان تخصيصه باللبي لدعوى كون الظهور في العام كان خياليا فلا وجه لتخصيص ذلك باللبي ، فانه يتأتى هذا الوجه حتى في المخصص اللفظي.

وذهب المصنف وفاقا لجماعة من المحققين الى عدم انقلاب النسبة بين العام والخاص الثاني ، وان النسبة بينهما هي العموم المطلق ، ولا بد من تخصيص العام بالخاص الثاني كما خصص بالاول.

نعم فيما يلزم منه عدم بقاء مورد للعام اصلا كما في المثال المتقدم وهو اكرم العلماء ويستحب اكرام العدول منهم ويحرم اكرام الفساق منهم ، لا يبقى مورد للعام. ومثله ما اذا بقى للعام مورد قليل بحيث لا يستحسن سوق العموم اليه ، كما لو ورد اكرم العلماء ثم ورد يستحب اكرام العدول من العلماء الا زيدا العادل فهو واجب ثم ورد يحرم اكرام فساق العلماء ، فان اخراج العلماء العدول عدا زيد واخراج فساق العلماء يستلزم سوق اكرم العلماء الى وجوب اكرام زيد العالم العادل خاصة وهو مستهجن. وسيأتي انه اذا كان تخصيص العام بكلا الخاصين يوجب بقاء العام بلا مورد ، او بقاء مورد يستهجن سوق العموم بالنسبة اليه فلا بد ـ حينئذ ـ من ملاحظة التعارض بين العام وكلا الخاصين كما يلاحظ التعارض بين المتباينين.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اما فيما اذا لم يلزم ذلك بان كان للعام بعد اخراج الخاص الاول والثاني موارد كثيرة ، فلا بد من تخصيص العام بالخاصين معا الاول والثاني ، ولا وجه لملاحظة انقلاب النسبة.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان ثمرة الخلاف في انقلاب النسبة في مورد ما اذا كان الانقلاب موجبا للتباين هو ملاحظة التعارض بنحو التباين بين العام والخاص الثاني بناء على انقلاب النسبة ، وملاحظة التعارض بنحو التباين بين العام والخاصين معا بناء على عدم انقلاب النسبة حيث لا يبقى مورد للعام او كان الباقي موردا لا يستحسن سوق العام بالنسبة اليه. ففي المثال المتقدم ـ وهو اكرم العلماء ـ ويستحب اكرام العدول منهم ، ويحرم اكرام فساق العلماء ـ يكون التعارض بنحو التباين بين العام وهو اكرم العلماء ويحرم اكرام فساق العلماء بناء على الانقلاب ، وملاحظة التعارض بنحو التباين بين العام ومجموع الخاصين بناء على عدم الانقلاب.

وفيما اذا كان الانقلاب موجبا للعموم من وجه بين العام والخاص الثاني ، فان ثمرة الخلاف بناء على الانقلاب هي لزوم ملاحظة تعارض العامين من وجه بين العام والخاص الثاني ، فان قلنا بشمول ادلة العلاج له فالترجيح او التخيير ، وإلّا فالتساقط ان قلنا بعدم شمول ادلة العلاج له. وبناء على عدم الانقلاب فاللازم تخصيص العام بالخاص الثاني كما خصص بالخاص الاول. ففي مثل ـ اكرم العلماء ، ويحرم اكرام فساق العلماء النحاة والصرفيين ، ويحرم اكرام فساق العلماء ـ يلزم تخصيص اكرم العلماء بحرمة اكرام فساق العلماء كما خصص بحرمة اكرام فساق النحاة والصرفيين منهم. بخلافه بناء على الانقلاب ، فانه لا بد من ملاحظة العموم من وجه بين العام ويحرم اكرام فساق العلماء.

الامر الرابع : ما يمكن ان يقال في لزوم الانقلاب وجهان :

الاول : انه لا اشكال في ان المدار على الظهور المستقر لا على الظهور الخيالي ، وبعد تخصيص العام بالخاص الاول ينكشف انه لا ظهور للعام مستقرا بالنسبة الى

١٦٠