بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-065-9
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٧٩

فيما أخذ في اعتباره عدم الظن بخلافه ، ولم يؤخذ في اعتبار الاخبار صدورا ولا ظهورا ولا جهة ذلك (١) ، هذا مضافا إلى اختصاص حصول

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان قوله : «فاسد» هو خبر «توهم». ووجه فساد هذا التوهم : ان حجية الخبر من حيث جهاته الثلاث ـ سندا ودلالة وجهة ـ غير مشروطة بعدم الظن بالخلاف ، لما هو ظاهر من ان حجية الخبر انما هي من باب حجية الظن النوعي ، وان لم يكن مفيدا للظن الشخصي على وفاقه ، وغير مشروطة ايضا بعدم الظن الشخصي بخلافه.

والحاصل : ان في حجية الخبر احتمالات ثلاثة : الاول : ان حجيته من الظنون النوعية غير المشروطة بعدم الظن بالخلاف.

الثاني : ان تكون من باب الظن النوعي لكنها مشروطة بعدم الظن على خلافه.

والفرق بين الاول والثاني هو انه على الاول لا يشترط في حجية الخبر الظن الشخصي على وفاقه ولا يمنع عن حجيته الظن الشخصي على خلافه ، وعلى الثاني فانه وان كان لا يشترط في حجية الخبر الظن الشخصي على وفاقه ، ولكنه يمنع عن حجية الظن الشخصي على خلافه.

الثالث : كون حجية الخبر مشروطة بالظن الشخصي على وفاقه.

والظاهر من ادلة الاعتبار سواء كان بناء العقلاء او الاخبار هو الاول ، وان حجيته من باب الظن النوعي غير مشروطة بعدم الظن بالخلاف ، لقيام بناء العقلاء على الاخذ بخبر الثقة وان لم يفد الظن الشخصي ، والاخذ به وان قام الظن الشخصي على خلافه. ومثله المستفاد من اخبار حجية خبر الثقة وبناء العقلاء ـ ايضا ـ على الاخذ بالظهور الدلالي كذلك ، وبناؤهم ايضا على ان الاصل كونه صادرا لبيان الواقع وان لم يفد الظن الشخصي بذلك وحتى لو قام الظن الشخصي على صدوره لا لبيان الواقع.

فاتضح مما ذكرنا عدم كون الظن بكذب احدهما موجبا لخروج الخبر عن ادلة الحجية. وعلى هذا فالترجيح بما يوجب صدق احد الخبرين هو من ترجيح الحجة

١٢١

الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدورا ، وإلا فلا يوجب الظن بصدور أحدهما لا مكان صدورهما مع عدم إرادة الظهور في أحدهما أو فيهما ، أو إرادته تقية ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

على الحجة ، لا ترجيح الحجة على اللاحجة. والى ما ذكرنا اشار بقوله : «فاسد» أي ان هذا التوهم فاسد «فان الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر» حجية «من باب الظن النوعي» غير المشترط فيه الظن بالوفاق ولا عدم الظن بخلافه «وانما يضر» بحجيته «فيما» لو «اخذ في اعتباره عدم الظن بخلافه ولم يؤخذ في اعتبار الاخبار» من حيث جهاتها الثلاث لا «صدورا ولا ظهورا ولا جهة ذلك» أي عدم الظن بالخلاف كما عرفت انه لم يؤخذ الظن بالوفاق في اعتبار الاخبار ايضا.

(١) هذا اشكال ثان على التوهم المذكور ، وحاصله : ان الظن بصدق احد الخبرين انما يوجب الظن بكذب الآخر في مورد واحد من التعارض ، وهو ما اذا علم بكذب احدهما ، فانه في هذا المقام حيث علم اجمالا بكذب احد الخبرين وعدم صدوره فلا محالة يكون الظن بصدق احد الخبرين موجبا للظن بكذب الآخر وعدم صدوره ، إلّا انه ليس دائما يعلم بكذب احد المتعارضين ، بل كثيرا ما يتعارض الخبران ولا يعلم بكذب احدهما. وحينئذ فالاحتمالات كثيرة : لانه يحتمل صدق احدهما وكذب الآخر ، ويحتمل كذبهما معا وعدم صدورهما ، ويحتمل صدورهما معا ولم يرد الظهور في احدهما اصلا او لم يرد الظهور فيهما معا ، ويحتمل صدورهما معا وقد اريد الظهور في احدهما للتقية لا لبيان الواقع او في كليهما للتقية. ومع هذه الاحتمالات لا يكون الظن بصدق احد الخبرين وصدوره موجبا للظن بكذب الآخر وعدم صدوره ، فلا وجه للتوهم المذكور من كون الظن بصدق احدهما موجبا للظن بكذب الآخر ويكون المقام من باب ترجيح الحجة على اللاحجة ، لا من باب ترجيح احدى الحجتين على الاخرى.

١٢٢

نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته ، من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك ، وإن كان موجبا لقوة مضمون ذيه ثبوتا ، كالشهرة الفتوائية أو الاولوية الظنية ونحوهما ، فإن المنساق من قاعدة أقوى الدليلين أو المتيقن منها ، إنما هو الاقوى دلالة ، كما لا يخفى (١) ،

______________________________________________________

وقد اشار الى ان الظن بصدق احد الخبرين موجب للظن بكذب الآخر في مورد واحد من التعارض ـ وهو ما اذا علم اجمالا بكذب احدهما ـ بقوله : «هذا مضافا الى اختصاص حصول الظن بالكذب بما اذا علم بكذب احدهما صدورا» على نحو الاجمال فانه في هذا المورد يكون الظن بصدق احدهما موجبا للظن بكذب الآخر صدورا. واشار الى انه في غير هذا المورد لا يكون الظن بصدق احدهما موجبا للظن بكذب الآخر ـ مع الاشارة الى بعض الاحتمالات المذكورة ـ بقوله : «وإلّا» أي وان لم يعلم بكذب احدهما اجمالا «فلا يوجب الظن بصدور احدهما» الظن بكذب الآخر «لا مكان صدورهما» معا «مع عدم ارادة الظهور في احدهما او» مع عدم ارادة الظهور «فيهما او ارادته تقية» أي ويحتمل ارادة الظهور تارة في احدهما تقية ، واخرى فيهما معا تقية ، كما اذا كان للعامة قولان وكانا معا مخالفين للواقع «كما لا يخفى».

(١) توضيحه : ان هذا الاستدراك مرتبط بالاشكال الاخير على التعدي لكل ما يوجب القرب الى الواقع ، وهو انه بناء على ان التعدي الى ما يقرب الى الواقع مستفاد من المرجحات المذكورة في اخبار الترجيح ، فانه مما يرد عليه ـ كما مر ـ انه لا معنى للاقتصار في التعدي على خصوص ما يوجب القرب الى الواقع ، بل لا بد من التعدي الى كل مزية توجب مزيد فضل لاحدهما على الآخر. فاستدرك من كلامه هذا بقوله : «نعم» وحاصله : ان التعدي الى كل مزية توجب مزيد الفضل انما هو حيث يكون الوجه للتعدي هو المرجحات المنصوصة.

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واما اذا كان الوجه للتعدي هو قيام الاجماع على ترجيح اقوى الدليلين ، فلا يصح التعدي الى كل مزية توجب مزيد فضل لاحدهما على الآخر ، بل يقتصر على التعدي لكل مزية توجب قوة احد الدليلين في مقام دليليته : أي لا بد من الاقتصار على ما يوجب قوة احد الخبرين في احد جهاته الثلاث ـ من سنده او ظهوره او صدوره لا للتقية ـ ولا يتعدى الى غير ذلك من المزايا ، كالمزية التي توجب قوة مضمونة من دون ان تكون موجبة لقوة جهة من جهاته الثلاث ، كما لو وافق احد الخبرين المتعارضين الشهرة الفتوائية من دون استنادها الى احد الخبرين ، او كانت الاولوية الظنية موافقة لاحدهما ، فلا يجوز التعدي اليهما ، لان الشهرة الفتوائية والاولوية الظنية انما يقويان مضمون الخبر ، من دون تقوية لهما لجهة من جهاته.

والحاصل : ان الظاهر من هذه القضية التي ادعي قيام الاجماع عليها ـ وهو ترجيح اقوى الدليلين ـ هي القوة الراجعة للدليل في مقام دليليته ، وهي منحصرة في جهاته الثلاث من سنده او ظهوره او جهة صدوره. اما ما يرجع الى قوة مضمونة وهو كون مضمونة اقرب الى الواقع من غيره فلا ربط له بمقام دليليته ، وان لم تكن تلك القضية ظاهرة في الاختصاص بما يرجع الى دليلية الدليل. فحيث انها لسان معقد الاجماع وهو دليل لبي لا بد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن هو الاقتصار على ما يرجع الى مقام الدليلية من دون التعدي الى غيره مما لا ربط له بدليلية الدليل ، لانها ان لم تكن ظاهرة في الاختصاص فعدم ظهورها في العموم لكل ما يوجب قوة وان كانت خارجة عن مقام الدليلية مما لا ريب فيه ، فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «نعم لو كان وجه التعدي» الى غير المزايا المنصوصة ليس مستندا الى ما يستفاد من نفس تلك المزايا ، بل كان وجه التعدي هو «اندراج ذي المزية في اقوى الدليلين» لقيام الاجماع على الاخذ باقوى الدليلين ، فلو كان هذا هو الوجه للتعدي «لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته

١٢٤

فافهم (١).

فصل

قد عرفت سابقا أنه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي ، ولا يعمها ما يقتضيه الاصل في المتعارضين ، من سقوط أحدهما رأسا

______________________________________________________

وفي» ما يرجع الى «جهة اثباته وطريقيته» وهي جهاته الثلاث : السند والظهور وجهة الصدور «من دون التعدّي الى ما لا يوجب ذلك» أي من دون التعدّي الى ما لا يوجب قوة للدليل في مقام دليليّته وطريقيته وهي غير الجهات الثلاث «وان» كان هناك ما «كان موجبا لقوة مضمون ذيه ثبوتا» لا اثباتا ، لان جهة الاثبات في الدليل هي جهاته الثلاث «كالشهرة الفتوائية او الاولوية الظنية ونحوهما» فانهما انما يوجبان قوته ثبوتا وهو قوة موافقة مضمونه الواقع ، من دون قوته في مقام دليليته واثباته. واشار الى الوجه في وجوب الاقتصار على ما يرجع الى مقام دليليته بالخصوص بقوله : «فان المنساق» أي الظاهر «من قاعدة اقوى الدليلين او المتيقن منهما انما هو الاقوى» في مقام «دلالة» الدليل بما هو دليل الراجعة الى اثباته «كما لا يخفى».

(١) لعله اشارة الى انه لا وجه للجمود على عنوان الدليليّة ، فان الدليل حيث انه فان في مدلوله فقوّة مدلوله تسري اليه ، فان الخبر كما يوصف بكونه مخالفا للعامة مع ان المخالف للعامة مدلوله ومضمونه ، كذلك يوصف الخبر بانه اقوى فيما اذا كان مضمونه اقوى.

او انه اشارة الى وهن الاجماع على القضية المذكورة ، فانه حيث كان محتمل المدرك فلا حجيّة فيه وان قلنا بحجية الاجماع المنقول. والله العالم.

١٢٥

وسقوط كل منهما في خصوص مضمونه ، كما إذا لم يكونا في البين (١) ، فهل التخيير أو الترجيح يختص أيضا بغير مواردها أو يعمها (٢)؟ قولان :

______________________________________________________

(١) قد مرّ في اول مبحث التعارض ان القاعدة الاولى في المتعارضين هي سقوط احدهما لا بعينه وبقاء حجية احدهما لا بعينه على مختارة (قدس‌سره) ، وحيث انه غير معلوم فلازم ذلك هو سقوط كل منهما في المدلول المطابقي لهما ، لكن انما هي في المتعارضين غير المتلائمين في الدلالة عرفا ، ولازم هذا خروج موارد الجمع والتوفيق العرفي ـ كمورد العام والخاص والمطلق والمقيد والحاكم والمحكوم وغير ذلك مما مرّ بيانه ـ عن موضوع هذه القاعدة ، لما عرفت من اختصاص موضوعها بغير المتلائمين عرفا من حيث الدلالة ، ولما كانت موارد الجمع والتوفيق العرفي من المتلائمين في مقام الدلالة فلا محالة من اختصاص القاعدة الاولى بغير هذه الموارد. والى ما ذكرنا اشار بقوله : «قد عرفت سابقا انه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي ولا يعمّها» أي لا يعم موارد الجمع والتوفيق العرفي «ما يقتضيه الاصل في المتعارضين من سقوط احدهما» لا بعينه عن الحجية «رأسا وسقوط كل منهما في خصوص مضمونة» المطابقي «كما اذا لم يكونا في البين» أي انهما في المضمون المطابقي هما بحكم العدم.

(٢) بعد ما عرفت من اختصاص القاعدة الاولى بغير موارد الجمع والتوفيق العرفي. فهل ان القاعدة الثانية الواردة في خصوص الخبرين المتعارضين من التخيير او الترجيح هي ايضا كذلك مختصة بغير موارد الجمع والتوفيق العرفي ، او انها عامة حتى لموارد الجمع والتوفيق العرفي؟

وعلى الاول يختصّ التخيير والترجيح في الخبرين المتعارضين اللذين ليس بينهما جمع دلالي ، فلا مورد للتخيير أو الترجيح بين العام والخاص والمطلق والمقيد وغيرهما من موارد الجمع الدلالي.

١٢٦

أولهما المشهور (١) ، وقصارى ما يقال في وجهه : إن الظاهر من الاخبار العلاجية ـ سؤالا وجوابا ـ هو التخيير أو الترجيح في موارد التحير ، مما لا يكاد يستفاد المراد هناك عرفا ، لا فيما يستفاد ولو بالتوفيق ، فإنه من أنحاء طرق الاستفادة عنه أبناء المحاورة (٢).

______________________________________________________

وعلى الثاني يكون التخيير او الترجيح عاما شاملا حتى للخبرين اللذين يكون احدهما عاما والآخر خاصا او احدهما مطلقا والآخر مقيدا.

(١) حاصله : ان المنسوب الى المشهور الاول ، وهو اختصاص القاعدة الثانية كالقاعدة الاولى بغير موارد الجمع العرفي.

وظاهر الشيخ (قدس‌سره) في العدّة وغيرها هو الثاني ، وهو عموم اخبار التخيير او الترجيح حتى لموارد الجمع العرفي ، ووافقه على ذلك بعض المحدثين.

(٢) لا يخفى عليك ان ظاهر المتن في اول كلامه موافقة الشيخ وعموم اخبار التخيير والترجيح حتى لموارد الجمع العرفي ، وسيأتي منه (قدس‌سره) في آخر كلامه موافقة المشهور واختصاص اخبار التخيير أو الترجيح بغير موارد الجمع العرفي.

وحيث كان في اول كلامه (قدس‌سره) موافقا للشيخ قال : «وقصارى ما يقال في وجهه» أي وقصارى ما يقال في وجه اختصاص اخبار التخيير أو الترجيح بغير موارد الجمع العرفي كما هو مذهب المشهور هو «ان الظاهر ... الى آخره».

وبيانه : ان غاية ما يمكن ان يقال في وجه اختصاص الاخبار العلاجية الدالة على التخيير او الترجيح بغير الجمع العرفي : هو ان المنصرف منها سؤالا وجوابا غير موارد الجمع العرفي.

اما سؤالا : فلان الظاهر من ان الداعي لسؤال السائل عن حكم الخبرين المتعارضين هو تحيّره فيما يستفاد منهما ، وحيث انه لا تحيّر للسائل فيما يستفاد في موارد الجمع العرفي ، فلازم ذلك ان يكون الظاهر منه هو السؤال عن المتعارضين غير المتلائمين في الدلالة ، لوضوح انه لا تحيّر له في المتلائمين دلالة ، وانما يتحيّر في

١٢٧

ويشكل بأن مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق ، لا يوجب اختصاص السؤالات بغير موارد الجمع ، لصحة السؤال بملاحظة التحير في الحال لاجل ما يتراءى من المعارضة وإن كان يزول عرفا بحسب المآل ، أو للتحير (١) في الحكم واقعا

______________________________________________________

غير المتلائمين في الدلالة. ولما كانت موارد الجمع العرفي من المتلائمين في الدلالة فلا تحيّر له فيها فلا داعي له للسؤال عنها ، فلا محالة يختصّ سؤاله بغير موارد الجمع العرفي.

واما جوابا : فلان الظاهر من الجواب هو جواب الامام عليه‌السلام عمّا يسأل عنه السائل ، فلذا يختصّ ظاهر الجواب ايضا بغير موارد الجمع العرفي.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وقصارى ما يقال في وجهه» أي في وجه ما ذهب اليه المشهور هو «ان الظاهر من الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو» غير المتلائمين في الدلالة لعدم التحيّر في المتلائمين دلالة ، وعليه فيختصّ «التخيير او الترجيح في موارد التحيّر» لان موارد التحيّر هي التي «مما لا يكاد يستفاد المراد» منها «هناك عرفا» ولذلك يتحيّر فيسأل «لا فيما يستفاد» المراد منه «ولو بالتوفيق» العرفي «فانه» حيث كان التوفيق «من انحاء طرق الاستفادة عند ابناء المحاورة» فلا تحير للسائل فيه حتى يسأل عنه. ولما كان الظاهر من السؤال ذلك ، وكون الجواب على طبق السؤال وانه لرفع التحيّر ، فلا بد من ان يكون الظاهر من الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو اختصاص التخيير او الترجيح بغير موارد الجمع العرفي.

(١) اشكل المصنف بوجوه ثلاثة على المشهور.

وحاصل الاشكال الاول على الوجه المذكور لمذهب المشهور ، بمنع كون الظاهر من الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو الاختصاص بغير موارد الجمع العرفي ، هو ان موارد الجمع العرفي مما تنافى فيه الدليلان نتيجة ، لوضوح ان العام والخاص ـ مثلا ـ من المتنافيين ، لدلالة العام على ثبوت حكمه لجميع الافراد حتى مورد

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الخاص ، ودلالة الخاص على خروجه عن حكم العام في مورده ، ولازم التنافي بين الدليلين هو حصول التحيّر ابتداء لمن اطلع عليهما. غايته انه في موارد الجمع يزول التحيّر بعد التأمل والالتفات الى ان العرف بحسب ارتكاز حمل العام على الخاص في اذهانهم لا تحيّر لهم ، وفي غير موارد الجمع يكون التحيّر باقيا. فالتحيّر الابتدائي حاصل في جميع الموارد حتى مورد الجمع العرفي ، وحيث يكون التحيّر الابتدائي موجودا حتى في موارد الجمع العرفي فلا مانع عن صحة سؤال السائل لرفع هذا التحيّر الابتدائي ، لعدم التفاته الى ما هو المرتكز في اذهان العرف.

والحاصل : ان ظهور سؤال السائل بغير موارد الجمع العرفي انما هو حيث لا يكون هناك تحيّر اصلا في موارد الجمع العرفي. اما اذا كان هناك تحير ولو ابتداء يصحّ السؤال عنه ولو في موارد الجمع ، فلا ظهور للسؤال في الاختصاص بغير موارد الجمع ، لما عرفت من صحة السؤال من السائل لتحيّره ابتداء لاجل التنافي الاولى.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ويشكل» ما ذكروه من اختصاص السؤال بغير موارد الجمع لاختصاص التحيّر بها «بان مساعدة العرف على الجمع والتوفيق» الذي به يزول التحيّر والتنافي «و» ذلك لاجل «ارتكازه في اذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص السؤالات» من السائلين «بغير موارد الجمع لصحة السؤال بملاحظة التحيّر في الحال» بعد الالتفات والتأمل. وحيث يصح السؤال من السائل ولو بملاحظة التحيّر الابتدائي فلا يكون سؤال السائل ظاهرا في الاختصاص.

ولا يخلو ما ذكره المصنف عن المناقشة : اولا : ان دعوى كون الظاهر ان السؤال بملاحظة التحيّر غير البدوي لا يرفعها امكان كون السؤال عمّا يعمّ التحيّر البدوي ، لان المدار على الظهور ، والامكان لا يزاحم الظهور ، وبعد تسليم كون الظاهر من السؤال التحيّر غير البدوي لا يعقل ان يرفعها امكان كون السؤال عمّا يعم التحيّر البدوي.

١٢٩

وإن لم يتحير فيه ظاهرا ، وهو كاف في صحته قطعا (١) ، مع إمكان أن يكون لاحتمال الردع شرعا عن هذه الطريقة المتعارفة بين أبناء

______________________________________________________

وثانيا : من ان عنوان السؤال انما هو عن المتعارضين ، وقد مر منه ان المتعارضين هما المتنافيان في الدليلية والحجية الفعلية ، وموارد الجمع العرفي حيث لا تنافي بينهما في الدليلية والحجية الفعلية فهي خارجة موضوعا عن عنوان المتعارضين.

وثالثا : ان ظاهر السؤال من السائل هو لانه لا يعرف الحكم الفعلي وما هو الوظيفة عند التعارض ، والوظيفة الفعلية في موارد الجمع معلومة للسائل. والله العالم.

(١) هذا هو الاشكال الثاني وهو المصحح الثاني لكون السؤال عما يعم موارد الجمع العرفي ، فلا تكون الاخبار العلاجية ظاهرة في الاختصاص بغير موارد الجمع العرفي.

وحاصله : انه لو سلمنا انه اذا كان الداعي للسؤال هو التحير في الوظيفة الفعلية ، ولازمه ان تختص الاخبار العلاجية بغير موارد الجمع العرفي ، إلّا انه مع كون الداعي للسؤال هو التحير في الحكم الواقعي في المتعارضين فانه لا اشكال قطعا في كونه مما يعم موارد الجمع العرفي ، لان الحكم الذي لا تحير فيه في موارد الجمع العرفي هو الحكم الظاهري دون الحكم الواقعي ، فان حمل العام على الخاص هو حكم ظاهري. وكما يجوز ان يكون الداعي للسؤال هو التحير في الحكم الظاهري ، يجوز ايضا ان يكون الداعي للسؤال هو التحير في الحكم الواقعي ، ومع صحة السؤال عما يعم موارد الجمع العرفي حيث يمكن ان يكون الداعي للسؤال هو التحير في الحكم الواقعي ، فلا تكون الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا مما تختص بغير موارد الجمع العرفي.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «أو للتحير في الحكم واقعا» أي يمكن ان يكون الداعي للسؤال هو التحير في الحكم واقعا «وان لم يتحير فيه ظاهرا وهو كاف في صحته قطعا» أي ان التحير الواقعي كاف في صحة السؤال عما يعم موارد الجمع

١٣٠

المحاورة ، وجل العناوين المأخوذة في الاسئلة لو لا كلها يعمها ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

قطعا. وحيث يمكن ان يكون هو الداعي للسؤال فلا ظهور للاخبار العلاجية في الاختصاص بغير موارد الجمع العرفي. وهذا لا يخلو ايضا عن المناقشة :

أولا : بما عرفت من ان الظاهر هو ان الداعي للسؤال هو التحير في الحكم الظاهري والوظيفة الفعلية.

وثانيا : انه لو كان الداعي للسؤال هو التحير في الحكم واقعا لما اكتفى السائل في الجواب بالاخذ بالشهرة او غيرها من المزايا المذكورة في اخبار الترجيح او بالتخيير بينهما ، لان ذلك ايضا لا يرفع التحير في الحكم الواقعي.

وثالثا : ان التحير في الحكم الواقعي موجود حتى مع عدم التعارض ، فان الخبر غير المعارض بمثله لا يزال في مورده تحير في الحكم الواقعي ، فلا خصوصية للتعارض ، مع ان الظاهر ان الداعي للسؤال خصوصية للتعارض ، وليس هي الا التحير في الحكم الظاهري والوظيفة الفعلية.

(١) هذا هو المصحح الثالث لكون السؤال عما يعم موارد الجمع العرفي ، وهو انه مما يحتمل ان يكون الداعي لتعميم سؤال السائل لما يعم موارد الجمع العرفي هو احتماله ردع الشارع عن الطريقة المتعارفة عند ابناء المحاورة في مقام العام والخاص ـ مثلا ـ او المطلق والمقيد ، من حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد. ومع هذا الاحتمال فلا ظهور للاخبار العلاجية بغير موارد الجمع العرفي ، لصحة السؤال قطعا عن الطريقة المتعارفة عند ابناء المحاورة من الشارع ، وانه هل هو ممض لها او يردع عنها؟

ويؤيد ما ذكرنا من الاحتمال ان جل العناوين الماخوذة في أسئلة السائلين هي مما تعم الجمع العرفي ، لان عنوانها السؤال عن المتعارضين وهما المتنافيان دلالة ولا ريب ان موارد الجمع العرفي من المتنافيين دلالة ، وايضا فان بعضها عنوانها انه يرد امر

١٣١

ودعوى أن المتيقن منها غيرها مجازفة ، غايته أنه كان كذلك خارجا لا بحسب مقام التخاطب (١) ، وبذلك ينقدح وجه القول

______________________________________________________

ونهي في شيء واحد ، ولا ريب ان موارد الجمع العرفي كالعام والخاص يتنافي الامر في العام ـ مثلا ـ مع الخاص الذي ينهى عن بعض افراد العام.

وقد اشار الى ما ذكرنا من الاشكال بقوله : «مع امكان ان يكون» الداعي للسؤال عما يعم الجمع العرفي هو «ل» اجل «احتمال الردع شرعا عن هذه الطريقة المتعارفة بين ابناء المحاورة» في مورد الجمع العرفي. ولا ريب انه مع هذا الاحتمال يصح سؤال السائل عما يعم موارد الجمع العرفي ، ولا يختص سؤال بغيرها. واشار الى التأييد بقوله : «وجل العناوين المأخوذة ... الى آخر الجملة».

وهذا ايضا لا يخلو عن المناقشة : اولا بما عرفت من ان الظاهر ان الداعي للسؤال هو غير هذا الاحتمال ، بل هو التحير في الوظيفة الفعلية.

وثانيا : ان ظاهر الأسئلة كلها هو مورد المتعارضين غير المعلومي الصدور ، فمثل الآيتين او الخبرين المتواترين خارجان عن مورد الاسئلة ، ولازم كون الداعي هو احتمال الردع هو عموم الجواب حتى للآيتين والخبرين المتواترين اللذين بينهما عموم وخصوص او كان احدهما مطلقا والآخر مقيدا ، ولا يقول به القائل بشمول الاخبار العلاجية لموارد الجمع العرفي ، فلا وجه لهذا الاحتمال.

(١) حاصله : ان ما تقدم كان كله في قبال دعوى ظهور اختصاص الاخبار العلاجية بغير مورد الجمع العرفي.

اما اذا كان الوجه في ما ذهب اليه المشهور من الاختصاص هو دعوى اجمال الاخبار العلاجية من حيث عمومها لمورد الجمع العرفي ، ولا بد مع الاجمال من الاقتصار على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن من الاخبار العلاجية هو الترجيح او التخيير في غير موارد الجمع العرفي.

١٣٢

الثاني (١) ، اللهم إلا أن يقال : إن التوفيق في مثل الخاص والعام والمقيد والمطلق ، كان عليه السيرة القطعية من لدن زمان الأئمة عليهم‌السلام ، وهي

______________________________________________________

فالجواب عنه : ان هذه الدعوى مجازفة ، لما عرفت من ان جل العناوين المأخوذة في الأسئلة مما تعم موارد الجمع العرفي ، ومع كونها غير مجملة ظهورا فلا وجه لدعوى الاجمال حتى يكون غير موارد الجمع قدرا متيقنا ، وانما يكون الاختصاص هو القدر المتيقن حيث لا يكون للكلام ظهور في العموم ، وحينئذ يكون القدر المتيقن في مقام التخاطب هو غير موارد الجمع العرفي. نعم لا اشكال في كون غير موارد الجمع العرفي هو مورد الاخبار العلاجية قطعا ، إلّا ان هذا قدر متيقن بحسب الخارج لا في مقام التخاطب.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ودعوى ان» القدر «المتيقن منها» أي من الاخبار العلاجية «غيرها» أي غير موارد الجمع العرفي «مجازفة» لما عرفت من ظهورها فيما يعم موارد الجمع العرفي ، ومع ظهورها في ذلك لا يكون الاختصاص قدرا متيقنا في مقام التخاطب «غايته انه كان كذلك» أي غايته كون غير موارد الجمع قدرا متيقنا «خارجا لا بحسب مقام التخاطب». وهذا لا يخلو عن المناقشة لما عرفت : من ظهور الاخبار العلاجية في الاختصاص ، ومع التنزل فلا ظهور لها فيما يعم موارد الجمع ، وعليه فغير موارد الجمع هي القدر المتيقن في مقام التخاطب.

ولا يخفى انه انما ذكرنا هذه المناقشات مع ان مبنى هذا الكتاب على الاقتصار على شرح ما يقوله (قدس‌سره) لا على النقض والابرام ، لعدوله (قدس‌سره) عما ذكره بقوله : «اللهم ... الى آخره».

(١) حاصله : انه بعد ما عرفت ما يرد على مذهب المشهور : من دعوى اختصاص الاخبار العلاجية بغير موارد الجمع العرفي .. ينقدح منه وجه القول الثاني وهو شمول الاخبار العلاجية لمورد الجمع العرفي حيث لا مانع منه مع ظهور الاخبار العلاجية في ما يعمه.

١٣٣

كاشفة إجمالا عما يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفي (١) ، لو لا دعوى اختصاصها به ، وأنها سؤالا وجوابا بصدد الاستعلاج والعلاج في موارد التحير والاحتياج ، أو دعوى الاجمال وتساوي احتمال العموم مع احتمال الاختصاص ، ولا ينافيها مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم ما لم يكن هناك ظهور أنه لذلك (٢) ، فلم يثبت

______________________________________________________

(١) هذا الوجه الاول لعدوله عما ذكره من مساندة القول الثاني ، وهو شمول الاخبار العلاجية لمورد الجمع.

وحاصل هذا الوجه هو : انه وان قلنا بان ظاهر الاخبار العلاجية هو العموم ، إلّا ان السيرة القطعية المستمرة من زمان الائمة عليهم‌السلام الى زماننا على عدم الترجيح او التخيير في موارد الجمع العرفي كاشفة عن تخصيص عموم ادلة العلاج بغير موارد الجمع ، لوضوح ان السيرة القطعية قائمة على ترجيح الخاص بالعام وان كان راوي العام اعدل وان كانت الرواية العامة مشهورة والخاصة غير مشهورة ، ومثله الحال في المطلق والمقيد. والى ما ذكرنا اشار بقوله : «اللهم إلّا ان يقال ... الى آخره».

(٢) هذا هو الوجه الثاني لدعوى الاختصاص بغير موارد الجمع.

وحاصله : ما مر منعه منه واشرنا الى المناقشة فيه ، وهو ان ظاهر الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو الاختصاص بغير مورد الجمع ، لظهورها في كون الداعي الى السؤال هو طلب العلاج في موارد التحير في الحكم الفعلي ، ولا ينافيها امكان ان يكون الداعي هو غير ذلك ، لان الامكان لا ينافي دعوى الظهور ، ولا اقل من دعوى الاجمال كما مر بيانه.

واشار الى ظهورها في الاختصاص بقوله : «لو لا دعوى اختصاصها به» أي بغير موارد الجمع «وانها سؤالا وجوابا ... الى آخر الجملة». واشار الى انه مع التنزل عن ظهورها في الاختصاص فلا مانع من دعوى الاجمال بقوله : «او دعوى

١٣٤

بأخبار العلاج ردع عما هو عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء ، من التوفيق وحمل الظاهر على الاظهر ، والتصرف فيما يكون صدورهما قرينة عليه (١) ،

______________________________________________________

الاجمال وتساوي احتمال العموم» فيها لمورد الجمع «مع احتمال الاختصاص» فيها بغير موارد الجمع.

واشار الى ان امكان ان يكون الداعي للسؤال ما يعم موارد الجمع لا ينافي دعوى الاجمال في دلالة نفس السؤال والجواب على العموم ـ لان مدعي الاجمال ينكر ان يكون للسؤال ظهور في العموم ، ومحض الامكان لا يستلزم الظهور ـ بقوله : «لا ينافيها» أي لا ينافي دعوى اجمال الظهور «مجرد صحة السؤال» بنحو الامكان «لما لا ينافي العموم» المراد من قوله لما لا ينافي العموم هو امكان السؤال فيها عاما ، لان المنافي لدعوى الإجمال هو دعوى ظهورها في العموم ، لا امكان كونها للعموم ف «ما لم يكن هناك ظهور» فيها «انه لذلك» أي للعموم لا يرفع دعوى الاجمال فيها. والحاصل : ان الذي يمنع دعوى الاجمال هو ظهورها في كون السؤال فيها للعموم لا مجرد امكان ذلك.

(١) حاصله منع ما مر من الاحتمال الثالث ، وهو احتمال كون الداعي فيها هو السؤال عن الطريقة المتعارفة في مورد الجمع العرفي ، فيكون الجواب ردعا لهذه الطريقة المتعارفة ، وانه لا بد من اعمال الترجيح فيها أو التخيير.

وحاصل المنع : ان الردع للطريقة المتعارفة العقلائية ولسيرة العلماء في حمل الظاهر على الاظهر لا تكون إلّا بما له ظهور في الردع ، واحتمال كونها للردع لا يتحقق به الردع. وحيث عرفت انها مجملة لا ظهور فيها فلا تكون قابلة لاثبات الردع. والى ذلك اشار بقوله : «فلم يثبت باخبار العلاج ردع» لعدم ظهورها في الردع «عما هو عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء من التوفيق» في موارد الجمع «وحمل الظاهر على الاظهر» فيها «و» لا يثبت بمجرد الاحتمال ردع لما استقرت عليه سيرتهم من «التصرف فيما يكون صدورهما قرينة عليه» أي قرينة على

١٣٥

فتأمل (١).

فصل

قد عرفت حكم تعارض الظاهر والاظهر وحمل الاول على الآخر ، فلا إشكال فيما إذا ظهر أن أيهما ظاهر وأيهما أظهر ، وقد ذكر فيما اشتبه الحال لتمييز ذلك ما لا عبرة به أصلا ، فلا بأس بالاشارة إلى جملة منها وبيان ضعفها (٢):

______________________________________________________

التصرف : أي ان صدور الظاهر والاظهر قرينة عندهم على التصرف في الظاهر وحمله على الاظهر.

(١) لعله اشارة الى ما قيل من كفاية احتمال الردع في عدم حجية السيرة وبناء العقلاء ، لانها تحتاج الى ثبوت الامضاء ، ولا يكفي فيها احتمال الامضاء ، ووضوح ملازمة احتمال الردع لاحتمال عدم الامضاء. إلّا انه قد تقدم في مبحث حجية الخبر وفي مبحث الاستصحاب كفاية عدم ثبوت الردع في حجية مثل هذه السيرة العقلائية ، ولا تحتاج الى اثبات الامضاء ، لان هذه السيرة التي كان العمل على طبقها قائما في جميع الازمنة لا بد في مقام ردعها من ادلة قوية الظهور في مقام الردع ، وحيث لم توجد تلك الادلة فاحتمال عدم الردع لمثل هذه السيرة المتوفر العمل على طبقها يكفي في عدم ردعها.

والحاصل : ان مثل هذه السيرة لا تحتاج الى اثبات الامضاء ، بل يكفي في ثبوتها عدم ثبوت الردع عنها.

(٢) حاصله : انه قد عرفت ان في تعارض الظاهر والاظهر لا مجال لاخبار العلاج ، بل لا بد من حمل الظاهر على الاظهر ، ولا اشكال في ذلك حيث يتميز الظاهر منهما عن الاظهر.

واما فيما لم يتميز احدهما عن الآخر ولم يعرف الاظهر منهما من الظاهر فلا مجال للحمل لعدم معرفة ما يحمل مما يحمل عليه. وقد ذكروا وجوها لتمييز

١٣٦

منها : ما قيل في ترجيح ظهور العموم على الاطلاق ، وتقديم التقييد على التخصيص فيما دار الامر بينهما ، من كون ظهور العام في العموم تنجيزيا ، بخلاف ظهور المطلق في الاطلاق ، فإنه معلق على عدم البيان ، والعام يصلح بيانا ، فتقديم العام حينئذ لعدم تمامية مقتضى الاطلاق معه ، بخلاف العكس ، فإنه موجب لتخصيصه بلا وجه إلا على نحو دائر (١).

______________________________________________________

الظاهر من الاظهر ، وحيث انها ضعيفة لا وجه للمصير اليها ، لذلك نبه على جملة منها وبيان ضعفها.

(١) توضيحه : ان من الموارد التي لم يتميز الظاهر عن الاظهر فيها ما اذا ورد عام ومطلق متنافيان ، كما لو ورد اكرم كل عالم وورد لا تكرم الفساق ، فان شمول كل عالم للعالم العادل والعالم الفاسق بالعموم ، وشمول لا تكرم الفساق للعالم الفاسق بالاطلاق ـ بناء على عدم افادة الجمع المحلى بالالف واللام للعموم وحينئذ فيكون شمول الفساق للعالم الفاسق بالاطلاق ـ وهما متعارضان في العالم الفاسق ، فان كل عالم يقتضي اكرامه وهو العام ، والمطلق يقتضي عدم اكرامه وهو لا تكرم الفساق ... فهل في مثل هذا يكون العام في شموله للعالم الفاسق اظهر من الفساق في شموله له؟ لكون ظهور الاول بالعموم وظهور الثاني بالاطلاق ، فيلزم تقديم العام لكونه اظهر وتقييد الاطلاق وحمله عليه لكونه ظاهرا ... اولا يتقدم ظهور العام على اطلاق المطلق لعدم كون العام اظهر من المطلق؟ بل يتقدم الاطلاق على العموم ، ويكون المطلق مخصصا للعام فيما دار الامر بين تقييد المطلق وبين تخصيص العام ، وذلك في ما كان عام وخاص وكانت دلالة الخاص على وجه يكون مخصصا للعام بالاطلاق ، وفيما لا يدور الامر بينهما كما لو كان بينهما عموم وخصوص من وجه ، وكان دلالة احدهما الموجبة لتخصيص العام بالاطلاق كما في المثال المذكور ، فان الامر يدور بين تخصيص العام وبين تقييد المطلق وبين تساقطهما بحسب القاعدة الاولية او القاعدة الثانوية ايضا.

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : انه فرق بين اكرم كل عالم ولا تكرم العالم الفاسق ، وبين اكرم كل عالم ولا تكرم الفساق. فالاول لا ريب في تقديم الخاص والتخصيص به ، والثاني هو محل الكلام في المقام.

وعلى أي حال فقد وقع الكلام في انه هل هو من موارد الترجيح او التخيير بناء على شمول ادلة العلاج لمثل العموم من وجه؟ او انه لا بد من الرجوع الى الاصول بناء على عدم شمولها للعامين من وجه.

وقد ذكر الشيخ الاجل (قدس‌سره) في رسائله (١) وجهين لكون العام اظهر في العموم من اطلاق المطلق ـ فيتعيّن في مثل المثال المذكور لزوم تقديم العام ووجوب اكرام العالم الفاسق ، وتقييد لا تكرم الفساق بغير العالم الفاسق ـ الاول من الوجهين : ان ظهور العام في عمومه تنجيزي لكونه بالوضع فلا يكون معلّقا على شيء ، بخلاف ظهور المطلق في الاطلاق فانه ليس بالوضع ، بل هو معلّق على تمامية مقدمات الحكمة فيه ، ومن جملة مقدمات الحكمة عدم البيان ، والعام يصلح ان يكون بيانا للمطلق ، بخلاف المطلق فانه لا يصلح ان يكون مخصصا للعام ، لان تخصيصه للعام اما بلا مخصص او على وجه دائر.

وتوضيح ذلك : اما صلاحيّة كون العام بيانا للمطلق ، فلانه حيث كان من مقدمات الحكمة عدم البيان وكان العام ظهوره في العموم بحسب الوضع ، فصلاحيته لان يكون بيانا لا تتوقف الّا على تحققه باستعمال اللفظ في معناه ، والمفروض تحقق استعمال اللفظ في معناه.

واما عدم صلاحية تخصيص المطلق للعام ، فلان تخصيص المطلق للعام يتوقف على تمامية حجية اطلاق المطلق ، ولما كانت حجيته تتوقف على عدم البيان ، فاذا حجيته تتوقف على عدم عموم العام ، لما عرفت من ان ظهور العام في عمومه يصلح

__________________

(١) فرائد الاصول ، تحقيق عبد الله النوراني ج ٢ ، ص ٧٩٢.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

للبيانيّة ، فكون المطلق مخصصا للعام يتوقف على حجيته ، وحجّيّته تتوقف على عدم ظهور العام في عمومه ، وعدم ظهور العام في عمومه يتوقف على تخصيصه بالمطلق ، ولازم ذلك توقف تخصيص المطلق للعام على نفسه ، لان تخصيصه للعام متوقف على حجيّته المتوقفة على عدم ظهور العام في عموم المتوقف ذلك على تخصيصه للعام ، فتخصيصه للعام يتوقف على نفسه وهو الدور.

فظهر ان لازم تخصيص المطلق للعام هو الدور وهو محال ، او نقول بجواز رفع اليد عن عموم العام من دون وجود حجة على تخصيصه ، وهو ظاهر الفساد لانه من المعلول بلا علة. واما تقييد العام للمطلق فهو لا يتوقف الّا على ظهوره في العموم ، وقد حصل ذلك بمجرد استعمال اللفظ في معناه ، من دون توقفه على عدم اطلاق المطلق حتى يكون التوقف من الطرفين.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «من كون ظهور العام في العموم تنجزيا» غير معلق على شيء الّا على استعمال اللفظ في معناه لكونه بالوضع ، والمفروض تحقق استعمال اللفظ الموضوع للعموم في معناه «بخلاف ظهور المطلق في الاطلاق فانه» ليس بتنجيزي لانه ليس بالوضع ، بل هو «معلّق على عدم البيان» لانه بمقدمات الحكمة التي من جملتها عدم البيان «و» قد ظهر مما ذكرنا : ان «العام يصلح» ان يكون «بيانا» وبه يرتفع الاطلاق المتوقف على عدم البيان «ف» لذلك يلزم «تقديم العام حينئذ لعدم تمامية مقتضى الاطلاق معه» أي مع وجود العام لانه يصلح ان يكون بيانا ، وعليه فلا بد من تقديم العام وتقييد المطلق به «بخلاف العكس» وهو تخصيص العام بالاطلاق «فانه موجب» اما «لتخصيصه» أي لتخصيص العام «بلا وجه» أي من دون قيام حجة على تخصيصه ، او تخصيصه بالمطلق وهو لا يكون «الا على نحو دائر» كما عرفت من توقف تخصيص المطلق للعام على عدم حجية العام المتوقف على تخصيصه بالمطلق ، او التخصيص بلا موجب له المساوق للمعلول بلا علّة.

١٣٩

ومن أن التقييد أغلب من التخصيص (١).

وفيه : إن عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدمات الحكمة ، إنما هو عدم البيان في مقام التخاطب الا إلى الابد (٢) ، وأغلبية التقييد مع

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الثاني للزوم تقديم العام على المطلق. وبيانه : انه لما كان تقييد المطلق غالبا على تخصيص العام ، ففيما دار الامر بينهما يلزم الالحاق بالاغلب ، ونتيجة ذلك هو لزوم تقديم العام في ظهوره العمومي وتقييد الاطلاق به ، لان تقييد الاطلاق هو الاغلب ، من دون تقديم اطلاق المطلق وتخصيص العام به ، لانه يلزم منه الالحاق بغير الاغلب ، فلا بد في المثال المتقدّم من وجوب اكرام العالم الفاسق ، وتقييد لا تكرم الفساق بعموم اكرم كل عالم. ولا وجه لتخصيص اكرم كل عالم بلا تكرم الفساق ، ورفع اليد عن وجوب اكرام العالم الفاسق.

(٢) يريد بهذا الاشكال على الوجه الاول. وتوضيحه : ان الاطلاق وان كان معلّقا على عدم البيان ، الّا ان عدم البيان الذي هو احد مقدمات الحكمة هو عدم البيان في مقام التخاطب ، لا عدم البيان الى الابد ، واذا كان هو عدم البيان في مقام التخاطب ، فحيث ان العام كان منفصلا عن حال التخاطب بالمطلق فالمطلق يتمّ ظهوره ، لفرض تحقق ما هو معلّق عليه وهو عدم البيان في مقام التخاطب ، فلا يصلح ان يكون العام المنفصل عنه بيانا له. وعليه فلا يكون تخصيص المطلق للعام اما بلا مخصّص او بوجه دائر ، لتمامية حجية ظهور المطلق وقابليّته لان يكون مخصّصا بمجرد تحقق عدم البيان في مقام التخاطب ، ويكون الامر دائرا بين حجتين تنجيزيتين : ظهور العام في العموم لاجل الوضع ، وظهور المطلق في اطلاقه لفرض تحقق ما هو معلّق عليه ، وبعد تحققه يكون اطلاق المطلق تنجيزيا ايضا.

والحاصل : ان ظهور المطلق في اطلاقه غير متوقف على تخصيص العام به حتى يلزم الدور كما مرّ بيانه ، وحيث ان تقديم الخاص على العام هو المتعارف فينبغي ان

١٤٠