بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-065-9
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٧٩

وتوهم أن المتحير كان محكوما بالتخيير ، ولا تحير له بعد الاختيار ، فلا يكون الاطلاق ولا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار ، لاختلاف الموضوع فيهما ، فاسد ، فإن التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله ، وبمعنى آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

الاول : اطلاق قوله عليه‌السلام موسع عليك باية عملت ، فانه قد دلّ على التوسعة بان له ان يعمل على أيّ الخبرين شاء مطلقا ، سواء كان ما عمل باحدهما او كان قد عمل باحدهما. وحيث انه يمكن ان يناقش في الاطلاق بان مورده من لم يعمل ، فان سؤال السائل فيها قد كان لاجل ان يعرف كيف يعمل عند التعارض ، فمورد الروايات هو من لم يعمل ، وعليه فيكون القدر المتيقن من البيان فيها هو البيان لمن لم يعمل ، فلا يكون لها اطلاق يشمل من عمل. ولذا جعل المصنف الدليل على التخيير الاستمراري أولا هو الاستصحاب ، وذكر الاطلاق بنحو لو لم نقل.

الثاني : الاستصحاب فان التخيير بعد ان ثبت بالروايات لمن لم يعمل فبعد العمل يشك في بقائه فيستصحب بقاؤه ، وقد اشار الى الاستصحاب بقوله : «قضية الاستصحاب» ، والى الاطلاق بقوله : «لو لم نقل الى آخر الجملة».

(١) حاصل هذا التوهّم : انه لا مجال لجريان الاستصحاب ، لانه لا بد في جريانه من اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة ، وحيث ان الموضوع للتخيير هو المتحيّر في عمله ، ولا تحيّر له بعد العمل والاخذ باحدهما ، فلا بقاء للموضوع.

والحاصل : ان المتحيّر من لم يختر احدهما ، اما بعد اختياره احدهما فلا يكون متحيّرا ، وبعد عدم بقاء الموضوع وهو عنوان المتحيّر لا وجه لجريان الاستصحاب.

ومنه يظهر انه لا مجال للتمسك بالاطلاق ايضا ، لان الموضوع لادلّة التخيير اذا كان هو المتحيّر فلا وجه للتمسك باطلاقها ايضا بعد رفع التحير وارتفاع عنوان المتحيّر ، لما عرفت من انه بعد اختيار أحد الخبرين والعمل عليه لا يكون هناك تحيّر

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا وجه للتمسك بالاطلاق ايضا. وعلى هذا فلا وجه للتخيير الاستمراري حيث لا اطلاق يدل عليه ولا استصحاب يقتضيه.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وتوهم ان المتحير» هو الموضوع الذي «كان محكوما بالتخيير ولا تحير له بعد الاختيار» والاخذ باحدهما «فلا يكون الاطلاق ولا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار» للزوم بقاء الموضوع في التمسك بالاطلاق وفي جريان الاستصحاب ، ولا وجه للاطلاق ولا لجريان الاستصحاب بعد اختيار احدهما «لاختلاف الموضوع فيهما» وصيرورة المتحير بعد الاختيار غير متحير ، ولكنه «فاسد» أي هذا التوهم فاسد ، ففاسد خبر التوهم.

ووجه فساده ان لفظ المتحير لم يرد بلفظه في اخبار التخيير ، فلا بد وان يكون مستفادا من الاخبار ، فان كان المراد من المتحير هو من تعارض عنده الخبران ، باعتبار ان من تعارض عنده الخبران يحصل عنده التحير عند تحقق التعارض ، واذا كان المراد من المتحير هو من تعارض عنده الخبران وهو الموضوع لاخبار التخيير كما هو المستفاد من الاسئلة المذكورة في اخبار التخيير ، فان السؤال ورد فيها عن تعارض الخبرين ، والموضوع على هذا باق بعد الاختيار لاحدهما ، لبداهة ان اختياره لاحدهما لا يخرجه عن كونه ممن تعارض عنده الخبران ، ومع بقاء الموضوع يصح التمسك بالاطلاق ويجري الاستصحاب ، لاتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة في الموضوع.

والحاصل : ان المستفاد من اخبار التخيير ان الموضوع للتخيير هو من تعارض عنده الخبران ، وعبر عنه بالتحير لتحيره عند تحقق التعارض ، فاجابه الامام عليه‌السلام بان من تعارض عنده الخبران حكمه التخيير ، فما هو الموضوع لحكم التخيير باق بعد الاختيار لاحدهما ، وعلى هذا فيكون التحير الذي يكون موضوعا للتخيير هو تعارض الخبرين ، وهو باق على حاله بعد اختيار احدهما ، لبداهة انه بعد الاختيار لا يرتفع التعارض بين الخبرين ، فانه لا يزال كل واحد من الخبرين يعارض الآخر في

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مدلوله ، ولذا قال (قدس‌سره) «فان التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله» هذا اذا كان المراد من المتحير هو بمعنى من تعارض عنده الخبران.

واما اذا كان المراد من المتحير لا بهذا المعنى فلا يخلو : اما ان يكون المراد منه المتحير في الحكم الواقعي.

ففيه اولا : انه لم يؤخذ التحير في الحكم الواقعي موضوعا للحكم بالتخيير ، لما عرفت من انه لم يرد لفظ المتحير أو التحير في اخبار التخيير لا سؤالا ولا جوابا.

وثانيا : ان التحير في الحكم باق بعد الاختيار ، فانه لا يزال من اختار احد المتعارضين لا علم له بالحكم الواقعي لا وجدانا وهو واضح ولا تعبدا ، لان الحكم بالتخيير في احد الطريقين ليس معناه كون احد الطريقين هو الواقع تعبدا ، بل معناه كون الوظيفة الفعلية هو الاخذ باحد الطريقين ، كما يشهد به قوله عليه‌السلام : بايهما اخذت من باب التسليم وسعك .. فظهر مما ذكرنا : ان التحير في الحكم الواقعي باق بعد الاختيار.

أو يكون المراد من المتحير هو المتحير في الوظيفة الفعلية .. ففيه اولا : ما أوردناه على أولا على المتحير بالحكم الواقعي.

وثانيا : ان التحير في الوظيفة الفعلية لا يعقل ان يكون عنوانا للحكم بالتخيير ، لوضوح ان موضوع الحكم لا بد وان يكون باقيا حال الحكم ، والتحير في الوظيفة الفعلية يرتفع بمجرد العلم بان الوظيفة الفعلية هو التخيير ، وما يرتفع بمجرد العلم بالحكم لا يعقل ان يكون موضوعا للحكم ، بل يكون كالعلة المحدثة للحكم فقط ، والعلة المحدثة للحكم فقط لا تكون موضوعا له ، فان الموضوع للحكم لا بد وان يكون بمنزلة العلة المحدثة والمبقية ، لا بمنزلة العلة المحدثة فقط.

فتبين ان التحير في الوظيفة الفعلية لا يكون هو الموضوع للحكم بالتخيير.

وما ذكرناه يرد ايضا على ما اذا كان المراد من المتحير هو من لم يعلم الحكم ، فان المراد بمن لم يعلم الحكم : ان كان هو من لم يعلم الحكم الواقعي فيرد عليه ما

١٠٣

فصل

هل على القول بالترجيح ، يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة ، أو يتعدى إلى غيرها؟ قيل بالتعدي ، لما في الترجيح بمثل الأصدقيّة والاوثقية ونحوهما ، مما فيه من الدلالة على أن المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للاقربية إلى الواقع ، ولما في التعليل بأن المشهور مما لا ريب فيه ، من استظهار أن العلة هو عدم الريب فيه بالاضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه ألف ريب ، ولما في التعليل بأن الرشد في خلافهم (١).

______________________________________________________

اوردناه على المتحير في الحكم الواقعي ، لبداهة عدم العلم بالحكم الواقعي لا وجدانا ولا تعبدا بعد الاختيار ، فالموضوع باق بعد الاختيار. وان كان المراد هو من لم يعلم الحكم الفعلي فمرجعه الى عدم العلم بالوظيفة الفعلية فيرد عليه ما ذكرناه في المتحير ، بمعنى من لم يعلم بالوظيفة الفعلية.

وقد اشار المصنف الى الايراد الاول على ما اذا كان الموضوع هو المتحير بمعنى آخر غير من تعارض عنده الخبران بقوله : «وبمعنى آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير اصلا كما لا يخفى» وقد عرفت مفصل الكلام فيه.

(١) الكلام في هذا الفصل هو انه بعد البناء على لزوم الترجيح في الخبرين المتعارضين ، فهل يقتصر على المرجحات المنصوصة الوارد ذكرها في اخبار الترجيح كما هو مذهب الاخباريين ونسب الى المشهور ايضا؟ او يتعدى عنها الى كل مزية توجب الاقربية الى الواقع نوعا؟ كما صار اليه الشيخ الاجل في رسائله. ومختار المتن انه بعد البناء على الترجيح لا بد من الاقتصار على المزايا المنصوصة ، ولا يتعدى عنها الى غيرها ، لان ما ذكر من الوجوه للتعدي كلها مخدوشة.

وقد اشار في المتن الى وجوه ثلاثة تقتضي التعدي : الاول : قوله (قدس‌سره) : «قيل بالتعدي لما في الترجيح بمثل الأصدقيّة الى آخر الجملة».

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح هذا الوجه : انه لا يخفى ان من جملة المرجّحات المنصوصة الأصدقية الواردة في المقبولة والاوثقية الواردة في المرفوعة ، وهما من صفات الراوي ، ولهذه الصفات جهتان : جهة كونهما من الصفات النفسية لذات الراوي ، وجهة تعلّقهما بغير الراوي لانها من الصفات ذات الاضافة ، فان الصدق كما انه صفة لذات الراوي فان له تعلّقا بنفس روايته وكلامه ايضا فانها موصوفة بالصدق ايضا ، فانه كما يقال الراوي صادق كذلك يقال الرواية صادقة وكلامه صدق باعتبار إراءة الواقع ومطابقته له.

والظاهر من اخذ صفة الصدق ليس اخذها بما هي صفة من الصفات بان يكون لها موضوعية ، بل الظاهر منها اخذها مرجّحا بما فيها من إراءة الواقع. ومثلها الاوثقية فانها مما لها تعلق باراءة الواقع ومطابقته ، فان الشخص الذي يكون في كلامه اوثق من غيره معناه ان احتمال مطابقة الواقع في كلامه اشد من غيره. والظاهر منها ايضا هو اخذها مرجّحا من هذه الجهة ، وهي كون احتمال المطابقة للواقع فيها آكد واشد من غيره لا لكونها لها موضوعية ، واذا كان الملاك في اخذهما ذلك فلا بد من التعدّي عنهما لكلّ ما يكون اقرب الى الواقع ، وكذلك الحال في الاعدلية والاورعية فان الظاهر من اخذهما هو اخذهما ايضا بما ان الراوي الاعدل والاورع كلامه آكد في احتمال الواقع ومطابقته من غير الاعدل والاورع.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «لما في الترجيح بمثل الأصدقيّة والاوثقية ونحوهما» كالاعدليّة والاورعية «مما فيه من الدلالة على ان المناط في الترجيح بها هو» الجهة المتعلّقة بكلامه من حيث كونه اقرب الى الواقع ، فالمناط في الترجيح بهذه الصفات هو «كونها موجبة للاقربية الى الواقع» لا جهة موضوعيتها. واذا كان المناط في اخذها ذلك فلا بد من التعدّي عنه لكلّ ما يكون اقرب الى الواقع لتحقق المناط فيه.

الوجه الثاني : في الترجيح بالشهرة فان كونها مرجّحة يقتضي التعدّي ايضا لكلّ ما هو اقرب الى الواقع.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبيان ذلك : ان التعليل الوارد وجها لتقديم الرواية المشهورة على غير المشهورة هو كون المشهور لا ريب فيه ، لا بد وان يكون المراد منه هو نفي الريب الاضافي عنها ، لا نفي الريب عن الرواية المشهورة حقيقة ، لوضوح ان الرواية لها جهات ثلاث : جهة السند ، وجهة الظهور ، وجهة الصدور. ولو كان المراد نفي الريب عنها حقيقة للزم كون المشهورة مقطوعة من الجهات الثلاث ، ومن البديهي ان شهرة الرواية لا توجب القطع لا بسندها ولا بظهورها ولا بجهة صدورها ، بل هي باقية على حالها من كونها ظنية السند ظنية الدلالة ظنية جهة الصدور ، لبداهة ان الروايتين المتعارضتين تكونان معا مشهورتين ، ولا يعقل ان يكون المتعارضان مقطوعين من كل جهة ، والّا كان الحكم الواقعي هو الوجوب والحرمة. وحيث لا يمكن ارادة نفي الريب عنها حقيقة فلا بد وان يكون المراد نفي الريب فيها بالاضافة الى الرواية غير المشهورة ، بمعنى ان الرواية المشهورة اقرب الى مطابقة الواقع من الرواية غير المشهورة.

والحاصل : ان المستفاد من التعليل هو كون العلّة لتقديم الرواية المشهورة على غيرها هو انها لا ريب فيها بالاضافة الى غيرها ، لا انها لا ريب فيها حقيقة ، لان الرواية المشهورة مع كونها مشهورة فيها كثير من الريب كما عرفت. واذا كان المراد من نفي الريب هو نفي الريب الاضافي ، فالمتحصّل منه هو ان المناط للاخذ بالمشهورة دون غير المشهورة هو كونها اقل ريبا ، وكلما كان اقل ريبا كان اقرب الى الواقع.

فاتضح : ان المناط هو الاقربية الى الواقع ، وعليه فلا بد من التعدّي الى كل ما كان اقرب الى الواقع.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ولما في التعليل» لتقديم الرواية المشهورة «بان المشهور مما لا ريب فيه» فانه لا بد «من استظهار ان العلّة هو عدم الرّيب فيه بالاضافة الى الخبر الآخر» لا نفي الريب حقيقة ، فالمشهور لكونه اقل ريبا من غيره يترجّح على غيره «ولو كان فيه الف ريب» واذا كان الترجيح له لكونه اقل ريبا

١٠٦

ولا يخفى ما في الاستدلال بها : أما الاول : فإن جعل خصوص شيء فيه جهة الاراءة والطريقية حجة أو مرجحا لا دلالة فيه على أن الملاك فيه بتمامه جهة إراءته ، بل لا إشعار فيه كما لا يخفى ، لاحتمال دخل خصوصيته في مرجحيته أو حجيته ، لا سيما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلا تعبدا (١) ،

______________________________________________________

فلا بد من التعدّي لكل ما كان الريب فيه اقل ، ومن الواضح ان كل ما كان اقرب الى الواقع من غيره فلا بد من كون الريب فيه اقل من غيره.

الوجه الثالث : التعليل الوارد لترجيح ما خالف العامة وهو كون الرشد في خلافهم ، فان المراد من الرشد في الخبر المخالف للعامة هو الاقربيّة للواقع ، لوضوح كون الرشد على خلاف الخبر الموافق للعامة هو مخالفتهم للواقع في احكامهم ، فالمراد من الرشد هو الموافقة للواقع ، والمراد من خلافهم للرشد هو المخالفة منهم للواقع ، فانما يترجّح الخبر المخالف لهم لان فيه قرب الموافقة للواقع ، وانما يكون الخبر الموافق لهم مرجوحا لكونه موافقا لما هو بعيد عن الواقع. فهذا التعليل يدل على ان المناط للترجيح هو القرب الى الواقع ، وعليه فلا بد من التعدّي لكل مزية توجب القرب الى الواقع لتحقق مناط الترجيح فيه.

(١) اورد المصنف على الوجه الاول بايرادين : الاول : ان وجه الاستدلال به ـ كما مرّ ـ هو ان الظاهر من الأصدقيّة والاوثقية ان الترجيح بهما لا لاخذهما على نحو الموضوعية وبما هما صفة من الصفات النفسيّة ، بل المناط في اخذهما جهة تعلّقهما بالواقع وإراءتهما عنه ومطابقتهما له ، فيتعدّى منهما الى كلّ مزيّة توجب قوة احتمال المطابقة للواقع والاراءة عنه والقرب اليه.

ويرد عليه : ان ترجيح احدى الحجتين في مقام المعارضة هو على طبق جعل الحجية ، فكما ان جعل الحجية لخبر الثقة لا يقتضي التعدّي عنه لحجية مطلق ما يوجب الوثوق من الظنون ، لاحتمال خصوصية لخبر الثقة دون سائر الظنون الموجبة للوثوق ، فكذلك الترجيح لاوثقيّة المخبر على غيره الذي ليس مثله في الاوثقية

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يتعدّى عنها لكل مزية توجب القرب الى الواقع غير الاوثقية ، لاحتمال ان ليس تمام الملاك للترجيح بها هو محض الاراءة عن الواقع ، بل يحتمل ان يكون لاضافتها الى المخبر دخل ايضا في الترجيح ، ومع احتمال الدخل لاوثقية المخبر في الترجيح لا يعلم ان تمام المناط هو الاراءة عن الواقع حتى يتعدّى عنها الى كلّ مزية توجب القرب الى الواقع.

والحاصل : ان خبر الثقة مع ان له إراءة عن الواقع ، لكن جعله حجة لا يقتضي التعديّ عنه لكل ظن يوثق باراءته للواقع ، لاحتمال دخل خصوصية الخبريّة فيه ، كذلك الترجيح بأوثقيّة الراوي يحتمل ايضا ان يكون لخصوصية الاضافة الى الراوي دخل في مقام الترجيح ، فلا يقتضي التعدّي الى كل مزيّة توجب القرب الى الواقع ، لانه لم يعلم ان الاراءة عن الواقع هي تمام الملاك للترجيح.

وبعبارة اخرى : ان مجرد كون الاوثقية لها إراءة عن الواقع لا يقتضي ان تمام الملاك للترجيح بها هي هذه الجهة ، لاحتمال كون اضافتها الى الراوي له دخل في ملاك الترجيح ، فلا دلالة للاصدقيّة والاوثقية على ان تمام الملاك لاخذهما هو جهة الاراءة عن الواقع ، بل لا اشعار في اخذهما على ان تمام الملاك هو الاراءة عن الواقع ، كما لا اشعار في حجية خبر الثقة على ان تمام الملاك فيه هو الظن الموجب للوثوق بالواقع.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «فان جعل خصوص شيء فيه جهة الاراءة والطريقية» الى الواقع «حجة» في اصل جعل الحجية لخبر الثقة «او مرجحا» في مقام ترجيح خبر ثقة على خبر ثقة «لا دلالة فيه» أي في هذا الجعل لما فيه الاراءة «على ان الملاك فيه بتمامه» هو «جهة إراءته» لا في مقام اصل الحجية ولا في مقام ترجيح احدى الحجتين «بل لا اشعار فيه» بان تمام الملاك هو الاراءة «لاحتمال دخل خصوصية» اخرى «في مرجحيته» غير الاراءة «او» دخل خصوصية اخرى في اصل «حجيته» غير الاراءة كما عرفت.

١٠٨

فافهم (١).

وأما الثاني : فلتوقّفه على عدم كون الرواية المشهورة في نفسها مما لا ريب فيها ، مع أن الشهرة في الصدر الاول بين الرواة وأصحاب الائمة عليهم‌السلام موجبة لكون الرواية مما يطمأن بصدورها ، بحيث يصح أن يقال عرفا : إنها مما لا ريب فيها ، كما لا يخفى.

ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله مما يوجب الوثوق والاطمئنان بالصدور ، لا إلى كل مزية ولو لم يوجب إلا أقربية ذي المزية إلى الواقع ،

______________________________________________________

الايراد الثاني : انه لو كان تمام المناط في الترجيح هو الاراءة عن الواقع لما اخذ في روايات الترجيح مزايا لا ربط لها بالاراءة عن الواقع كالافقهيّة ، فان كون الراوي افقه لا يوجب كون خبره اقرب الى الواقع من خبر غير الافقه المساوي له في الأصدقيّة والاوثقية ، فلا يكون الترجيح بها الّا تعبّدا محضا.

والحاصل : ان الترجيح بالافقهيّة ليس لجهة الاراءة عن الواقع ، فلو كان تمام الملاك للترجيح هو الاراءة عن الواقع لما كانت الأفقهيّة من مزايا الترجيح ، وحيث كانت من المرجحات يعلم منه انه ليس تمام الملاك للترجيح هو الاراءة عن الواقع.

والى هذا اشار بقوله : «لا سيما» و «قد ذكر فيها» أي في المرجحات «ما لا يحتمل الترجيح به الا تعبّدا» كالافقهيّة فان الترجيح بها تعبّد محض لا لاجل الاراءة عن الواقع.

(١) لعله يشير الى انه لما كان نقل اكثر الرواة بالمضمون فيكون للأفقهيّة جهة إراءة عن الواقع ، لوضوح ان الافقه اقرب الى الاحاطة بالواقع من غير الأفقه.

١٠٩

من المعارض الفاقد لها (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان الوجه في ان المناط هو القرب الى الواقع هو التعليل لتقديم الخبر المشهور على غير المشهور انه لا ريب فيه ، بتقريب ان المراد من نفي الريب هو نفي الريب الاضافي لا الحقيقي كما مرّ بيانه.

وقد اورد عليه المصنف بانه بعد تعذّر ارادة نفي الريب الحقيقي لا يتعيّن نفي الريب الاضافي ، بل المراد نفي الرّيب بحسب الاستغراق العرفي : أي ان المراد منه نفي الريب الحقيقي العرفي دون نفي الريب الحقيقي حقيقة.

وتوضيح ذلك : انما لا يعقل ارادة نفي الرّيب الاستغراقي حيث يرجع الى الجهات الثلاث في الرواية : جهة السند ، وجهة الدلالة ، وجهة الصدور. اما اذا رجع نفي الريب الى خصوص جهة السند فلا مانع من كون الخبر المشهور لا ريب فيه عرفا من هذه الجهة ، وعلى هذا فيكون الترجيح بالشهرة لأرجحيّة جهة السند في الخبر المشهور على غيره ، لان شهرة الرواية في الصدر الاول القريب من الائمة عليهم‌السلام توجب الاطمئنان بالرواية بحيث يصح ان يقال انها لا ريب فيها عرفا ، ولاجل هذا الاطمئنان تترجح الرواية المشهورة على غير المشهورة.

والحاصل : انه لا اشكال في ان الشهرة في الرواية في الصدر الاول توجب الاطمئنان بالرواية من حيث السند ، فارتباط الشهرة بجهة السند وانها بواسطتها تكون الرواية لا ريب فيها عرفا لا اشكال فيه ، ولا مانع من ترجيح احدى الروايتين على الاخرى المتساويتين فيما عدا السند لاجل الرجحان من جهة السند.

فاتضح مما ذكرنا : انه بعد تعذّر نفي الرّيب الحقيقي فاقرب شيء اليه هو نفي الرّيب بنحو الاستغراق العرفي ، لكنه من حيث جهة السند كما يناسبه ارتباط الشهرة به ـ لا بالجهتين الاخريين ـ فالمراد بنفي الرّيب في الرواية هو نفي الرّيب الحقيقي العرفي لا نفي الرّيب الحقيقي حقيقة ، لا انه بعد تعذّر نفي الرّيب الحقيقي لا بد من ان يكون

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المراد نفي الرّيب الاضافي حتى يتعيّن كون المناط للترجيح بالشهرة هو القرب الى الواقع كما مرّ بيانه.

نعم على هذا لا بد من الالتزام بالتعدّي الى كل ما يوجب وثوقا بجهة السند في احدى الروايتين بعد تساويهما في غيره ، لما ظهر من ان المناط للترجيح بالشهرة هو جهة الوثوق بسند الرواية من حيث الصدور ، فلا بد من التعدّي عنه لكل ما يوجب الاطمئنان من حيث الصدور.

ولا يخفى ان الوثوق من حيث الصدور لا يستلزم القرب الى الواقع ، لبداهة ان مقطوع الصدور مع احتمال الخطأ في دلالته أو احتمال كون صدوره للتقية لا يستلزم القرب الى الواقع ، بل ربما يكون مقطوع الصدور مع كونه موافقا للعامة ابعد عن الواقع من مظنون الصدور المخالف للعامة ، فكيف يكون موثوق الصدور مستلزما له؟

فاتضح مما ذكرنا : انه لا دلالة للترجيح بالشهرة على ان المناط للترجيح هو القرب الى الواقع حتى يتعدّى منها الى كلّ مزية توجب القرب الى الواقع وان لم توجب الوثوق بالصدور.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «واما الثاني» أي الدليل الثاني وهو تعليل الشهرة بان المشهور مما لا ريب فيه ، وانه بعد تعذّر المعنى الحقيقي وهو عدم الرّيب حقيقة من حيث الجهات الثلاث ، لان الشهرة في الرواية لا توجب كون الرواية لا ريب فيها من الجهات الثلاث حقيقة كما مرّ بيانه ، وحينئذ يتعيّن كون المراد من كون الخبر المشهور لا ريب فيه هو نفي الرّيب الاضافي ، ومآله الى ان الشهرة انما كانت مرجّحة لانها توجب الاقربية الى الواقع ، ولا بد بواسطة هذا التعليل من التعدّي الى كل ما يوجب الاقربية الى الواقع.

واورد عليه بقوله : «واما الثاني فلتوقّفه على عدم كون الرواية المشهورة في نفسها مما لا ريب فيها» أي ان هذا الدليل الثاني يتوقف على عدم صحة ارادة نفي الرّيب حقيقة ، لان الرواية المشهورة لا تخلو عن الرّيب ، فلا بد وان لا يكون الريب

١١١

وأما الثالث : فلاحتمال أن يكون الرشد في نفس المخالفة ، لحسنها ، ولو سلم أنه لغلبة الحق في طرف الخبر المخالف ، فلا شبهة في حصول

______________________________________________________

المنفي فيها هو الريب الحقيقي. فيتعيّن ان يكون المنفي فيها هو الرّيب الاضافي ، وبهذا يتمّ هذا الدليل الثاني .. أمّا اذا كان المراد من الرّيب المنفي هو الرّيب الحقيقي لكنه العرفي ـ لا الحقيقي من كل جهة ، والريب الحقيقي العرفي يصدق عليه انه ريب حقيقي ، وحينئذ لا يتعيّن الريب الاضافي ـ فلا يتم الدليل ، ولذا قال (قدس‌سره) : «مع ان الشهرة في الصدر الاول بين الرّواة واصحاب الائمة عليهم‌السلام موجبة لكون الرواية مما يطمأن بصدورها» والرواية المطمأن بصدورها يصدق عليها عرفا انها لا ريب فيها ، وهي التي «بحيث يصح ان يقال عرفا» في حقها «انها مما لا ريب فيها» ولازم هذا التعليل ـ حينئذ ـ هو التعدي الى كل ما يوجب الوثوق بالصدور ، كشدة تحفظ الراوي ومزيد اهتمامه بعدم الكذب. و «لا» موجب للتعدي «الى كل مزية و» ان كانت لا توجب الوثوق والاطمئنان بالصدور ، بل كانت تلك المزية «لم توجب الا اقربية ذي المزية الى الواقع من» الخبر «المعارض» لها «الفاقد لها» أي الفاقد لتلك المزية من دون ان تكون تلك المزية موجبة للوثوق والاطمئنان بالصدور.

مضافا الى انه لو تنزلنا عما ذكرنا وقلنا بان الشهرة في الرواية توجب الاطمئنان بكل جهة من جهات الرواية لا من حيث السند فقط ، فلا يكون المراد منها ايضا نفي الريب الاضافي ، بل المراد منها ايضا نفي الريب الحقيقي العرفي لا الحقيقي حقيقة ، وعليه فلا بد من التعدي الى كل ما يوجب الوثوق والاطمئنان بجميع جهات الرواية لا ما يوجب القرب الى الواقع وان لم يوجب وثوقا ولا اطمئنانا بجهات الرواية.

وينبغي ان لا يخفى ان عبارة المتن يمكن ان يراد منها ما ذكرناه أولا ، ويمكن ان يكون المراد منها ما ذكرناه اخيرا ، ولا يبعد ظهورها فيما ذكرناه أولا. والله العالم.

١١٢

الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض بالمخالف لا يخلو من الخلل صدورا أو جهة ، ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله ، كما مر آنفا (١).

______________________________________________________

(١) حاصله : ان الوجه الثالث وهو التعليل لترجيح الخبر المخالف للعامة على الموافق لهم بان الرشد في خلافهم مرجعه الى كون تقديم الخبر المخالف اقرب الى الواقع ، فالمراد من الرشد هو القرب الى الواقع ، فيتعدى منه الى كل مزية توجب القرب الى الواقع.

وقد اورد عليه المصنف بوجهين :

الاول : ما اشار اليه بقوله : «فلاحتمال ان يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها». وتوضيحه : ان الرشد الذي كان تعليلا لتقديم الخبر المخالف للعامة يحتمل فيه وجهان : الاول : ان يكون نفس مخالفتهم والخلاف عليهم رشدا ، وذلك حيث قاوموا الحق ورفعوه عن اهله ، فنفس الخلاف عليهم ومقابلتهم عملا رشد لانه بنفسه حسن ، كما ورد مثله في اليهود : خالفوهم ما استطعتم. ويشهد لهذا الوجه ما ورد في بعض اخبار مخالفة العامة : (خالفوهم فانهم ليسوا من الحنيفية في شيء) (١) وعلى هذا فيكون التعليل بالرشد اجنبيا عن افادة ان المناط فيه هو القرب الى الواقع ، لوضوح كون الرشد هو نفس الخلاف عليهم ، لا ان ما فيه المخالفة لهم هو الرشد.

الايراد الثاني : مبناه ان يكون المراد من الرشد هو الوجه الثاني ، وهو ـ ايضا ـ ذو وجهين : الاول : ان يكون المراد من الرشد الذي كان علة للاخذ بالخبر المخالف هو غلبة موافقة الخبر المخالف للواقع ، كما يشهد له ما ورد من انه فيه الحق ، فانه ظاهر في ان المراد منه هو الواقع ، لظهور كون الخبر المخالف فيه الحق هو ان فيه موافقة للواقع ، ولازم كون الحق في الخبر المخالف هو الخلل الاجمالي في الخبر الموافق ، اما من حيث صدوره او من حيث جهة صدوره ، فلا يكون مشمولا لادلة الاعتبار بعد

__________________

(١) اورد الحديث بالمضمون راجع الوسائل ج ١٨ ، ٨٥ / ٣٢ ، باب ٩ من ابواب صفات القاضي.

١١٣

ومنه انقدح حال ما إذا كان التعليل لاجل انفتاح باب التقية فيه ، ضرورة كمال الوثوق بصدوره كذلك ، مع الوثوق بصدورهما ، لو لا القطع به في الصدر الاول ، لقلة الوسائط ومعرفتها (١) ، هذا مع ما في

______________________________________________________

وقوع الخلل اجمالا اما في صدوره او جهة صدوره ، فيخرج موضوعا عن باب الترجيح ، لان الترجيح لا بد وان يكون بين الحجتين ، ومع تحقق الخلل اجمالا اما في الصدور او في جهة الصدور يخرج الخبر الموافق عن الحجية ، لعدم شمول ادلة الاعتبار له ، وعلى هذا فلا مانع من التعدي الى كل مزية توجب كون الخبر الخالي عنها غير مشمول لادلة الاعتبار.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ولو سلم انه لغلبة الحق» أي لو سلمنا ان المراد من الرشد هو غلبة الحق «في طرف الخبر المخالف» للعامة «ف» على هذا «لا شبهة في حصول الوثوق بان الخبر الموافق» للعامة «المعارض بالخبر المخالف» للعامة «لا يخلو من الخلل» اجمالا اما «صدورا او جهة» فلا يكون مشمولا لادلة الاعتبار ، ويخرج عما هو مفروض المقام من ترجيح احدى الحجتين على الاخرى «و» منه يظهر انه بناء على ان يكون المراد من التعليل بالرشد هو غلبة الحق «لا بأس بالتعدي منه الى مثله» وهو كل مزية توجب الخلل في الخبر المعارض ، بحيث لا يكون مشمولا لادلة الاعتبار «كما مر آنفا» في الاشكال على اخبار الترجيح.

(١) هذا هو الوجه الثاني من الوجهين للتعليل بالرشد ـ حيث لا يكون نفس الخلاف رشدا بل يكون الرشد في نفس الخبر المخالف للعامة ـ هو ان يكون المراد من التعليل بالرشد الموجب للاخذ بالخبر المخالف للعامة هو التقية في الخبر الموافق للعامة ، كما يشهد له ما ورد في رواية عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام (قال عليه‌السلام : ما سمعته مني يشبه قول الناس فيه التقية ، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه) (١)

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ، ٨٨ / ٤٦ ، باب ٩ من ابواب صفات القاضي.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فان التعليل للاخذ بالخبر المخالف للعامة بانه رشد يكون معناه كون الخبر الموافق لهم قد كان صدوره للتقية ولم يصدر لبيان الواقع ، ومن الواضح ان ما كان صدوره لا لبيان الواقع لا يكون مشمولا لادلة الاعتبار في مقطوع الصدور فضلا عن غيره ، فيكون خارجا عن مقامنا ويكون من ترجيح الحجة على غير الحجة ، لا ترجيح احدى الحجتين على الاخرى كما هو المفروض في المقام.

وعلى كل فالرشد سواء كان المراد منه هو غلبة الحق في الخبر المخالف او صدور الموافق للتقية لا يكون من باب ترجيح احدى الحجتين ليكون المراد منه القرب الى الواقع ، بل يكون خارجا ، ولا بأس بالتعدي عن هذه المزية الى مثلها مما يكون وجود المزية موجبا لعدم شمول ادلة الاعتبار للخبر المعارض.

ووجه انقداح الحال في كون المراد من الرشد هو انفتاح باب التقية في الخبر الموافق للعامة من كون الرشد بمعنى غلبة الحق في الخبر المخالف للعامة واضح ، من انه كما يوجب الخلل اجمالا في الخبر الموافق فلا يكون مشمولا لادلة الاعتبار ، كذلك انفتاح باب التقية في الخبر الموافق يوجب عدم شمول ادلة الاعتبار للخبر الموافق.

إلّا ان يقال ان الكلام حيث كان مورده ترجيح احدى الحجتين على الاخرى لا ترجيح الحجة على اللاحجة ، فلا مناص من ان يكون المراد من الخلل الاجمالي هو احتمال الخلل لا القطع به ، وكذلك المراد بالتعليل بالرشد في الخلاف فان المراد هو الاحتمال ايضا ، دون القطع الموجب لكون المقام من ترجيح الحجة على اللاحجة.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ومنه انقدح حال ما اذا كان التعليل» بالرشد «لاجل انفتاح باب التقية فيه» أي في الخبر الموافق «ضرورة» ان انفتاح باب التقية في الخبر الموافق يوجب «كمال الوثوق بصدوره كذلك» أي للتقية لا لبيان الواقع فلا تشمله ادلة الاعتبار «مع» فرض «الوثوق بصدورهما» أي بصدور كلا الخبرين المخالف والموافق «لو لا القطع به» أي لو لم ندعي القطع بصدورهما معا

١١٥

عدم بيان الامام عليه‌السلام للكلية كي لا يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مرارا (١) ، وما في أمره عليه‌السلام بالارجاء بعد فرض التساوي فيما ذكر من

______________________________________________________

كما هو حاصل كثيرا «في الصدر الاول لقلة الوسائط ومعرفتها» لوضوح ان تعدد الوسائط هو الموجب لتوفر احتمال الظن بالصدور ، اما خبر العادل مع قلة الوسائط فانه موجب غالبا للقطع بالصدور لمعرفة حال الرواة تفصيلا لا بالشهادة والتزكية.

(١) هذا الاشكال ـ كالذي ياتي بعده وكالاشكال الثالث ـ اشكال عام على التعدي الى كل مزية توجب القرب الى الواقع.

وتوضيحه : ان لازم ما ذكر من الوجوه الثلاثة للتعدي هو كون المناط للترجيح هو القرب الى الواقع ، ولا خصوصية للمزايا المنصوص عليها في اخبار الترجيح. ولو كان الامر كما ذكر لما كان هناك داع للامام عليه‌السلام ان ينتقل من خصوصية الى خصوصية اخرى ، بل كان ينبغي ان يقول الامام عليه‌السلام عند ما يسأله السائل عن الحال في المتعارضين : بان الحكم في المتعارضين هو تقديم الخبر الواجد لمزية توجب القرب الى الواقع ، ولا داعي لذكر هذه المزايا واحدة بعد واحدة حتى لا يحتاج السائل الى تكرير السؤال مرارا بفرض كونهما متساويين بالاعدلية وغيرها من صفات الراوي ، فيجيب الامام بالترجيح بالشهرة وهلم جرا ، بل كان ينبغي من الاول ان يقول الامام : المدار في الترجيح على المزية الموجبة للقرب الى الواقع بنحو الكلية كضابط للترجيح فلا يحتاج السائل للتكرير ، فعدول الامام عليه‌السلام عن الكلية وذكره للمزايا واحدة بعد واحدة لفرض السائل التساوي بعد كل واحدة منها يدل على الخصوصية للمزايا المنصوصة.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «هذا مع» أي يضاف الى ما ذكرناه من الاشكالات الخاصة على كل وجه من وجوه التعدي الثلاثة اشكال عام عليها جميعا وهو «ما في عدم بيان الامام عليه‌السلام للكلية» فانه لو كان المناط هو القرب الى الواقع كما تقتضيه الوجوه الثلاثة لذكر الامام عليه‌السلام ان المدار في الترجيح هو كل مزية توجب القرب

١١٦

المزايا المنصوصة ، من الظهور في أن المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة ، كما لا يخفى (١).

ثم إنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن بذي المزية ولا أقربيته ، كبعض صفات الراوي مثل الاورعية أو

______________________________________________________

الى الواقع «كي لا يحتاج السائل الى اعادة السؤال مرارا» فانه لو لم يذكر الامام عليه‌السلام المزايا المذكورة بخصوصها وذكر الترجيح بنحو الكلية لما كرر السائل السؤال مرارا ، فعدول الامام عليه‌السلام عن الكلية الى ذكر المزايا واحدة بعد واحدة دليل على ان للمزايا المذكورة خصوصية في مقام الترجيح.

(١) هذا هو الاشكال الثاني العام على الوجوه الثلاثة للتعدي.

وحاصله : ان الامام عليه‌السلام بعد ذكر المزايا المذكورة واحدة بعد واحدة وفرض السائل تساوي المتعارضين في جميعها امره الامام عليه‌السلام بالارجاء حتى يلقاه ، ولو كان المناط للترجيح هو كل مزية توجب القرب الى الواقع غير المزايا المنصوصة لأمره الامام ـ بعد فرض التساوي في تلك المزايا ـ بالترجيح بما يوجب القرب الى الواقع من غير تلك المزايا ، فاذا فرض السائل التساوي فيها ايضا لا ينبغي ان يامره عليه‌السلام بالارجاء ، بل يأمره بالترجيح بما يوجب القرب الى الواقع ، فأمره عليه‌السلام بالارجاء بمحض فرض التساوي في المزايا المنصوصة دليل على ان للمزايا المنصوصة خصوصية في مقام الترجيح ، وليس المناط في الترجيح هو كل مزية توجب القرب الى الواقع.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «وما في امره عليه‌السلام بالارجاء بعد فرض التساوي فيما ذكر من المزايا المنصوصة من الظهور» أي الاشكال الثاني على الوجوه الثلاثة للتعدي ، فان في امر الامام عليه‌السلام بالارجاء ـ بمجرد فرض التساوي في المزايا المنصوصة من دون ذكره للترجيح بغيرها مما يوجب القرب ـ ظهورا واضحا «في ان المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة» التي نص عليها ، فلا وجه للتعدي عنها «كما لا يخفى».

١١٧

الافقهية ، إذا كان موجبهما مما لا يوجب الظن أو الاقربية ، كالتورع من الشبهات ، والجهد في العبادات ، وكثرة التتبع في المسائل الفقهية أو المهارة في القواعد الاصولية ، فلا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن أو الاقربية ، بل إلى كل مزية ، ولو لم تكن بموجبة لاحدهما ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) هذا اشكال ثالث على التعدي.

وتوضيحه : ان المزايا المذكورة في اخبار الترجيح على انحاء :

منها : ما يوجب القوة من حيث السند وبعد احتمال كذب الراوي كالاصدقية.

ومنها : ما يوجب القوة بالنسبة الى القرب الى الواقع كموافقة الكتاب.

ومنها : ما يوجب القوة في جهة الصدور كمخالفة العامة.

ومنها : ما لا يرجع باطلاقه الى شيء مما ذكرنا كالافقهية والاورعية ، فان الافقه كما يصدق على من كان افقه في مقام نقل المضمون ، كذلك يصدق الافقه على من كان افقه لكثرة تتبعه في المسائل الفقهية ووفور استحضاره لها ، وكذلك يصدق الافقه على من كان أمهر من غيره في المسائل الاصولية وتطبيقها على مواردها. ومن الواضح ان الافقه لمزيد استحضاره للمسائل او لانه امهر في المسائل الاصولية لا يوجب في مقام نقله قوة لخبره ، لا من حيث السند ولا من حيث القرب الى الواقع ولا من حيث جهة الصدور. ومثله الحال في الاورعية فان اطلاقها يشمل ما لا دخل له بالجهات الثلاث ، لا من حيث السند ولا من حيث جهة القرب ولا من حيث الجهة الصدور ، فان الاورع كما يصدق على الاورع من حيث النقل ، كذلك يصدق على من كان اورع في مقام التجنب عن الشبهات ، وعلى من كان اورع لمزيد مواظبته على العبادات وكان شديد الجهد فيها. ومن الواضح ان الاورع لتجنبه عن الشبهات او لمزيد جهده في العبادات لا يوجب قوة لخبره على خبر غيره ، لا من حيث السند ولا من حيث القرب الى الواقع ولا من حيث جهة الصدور. وبناء على التعدّي بما

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

هو مستفاد من المزايا المنصوصة كما هو صريح الوجوه الثلاثة المتقدمة الى كل ما يوجب القرب الى الواقع ، فلا بد من التعدي من الافقهية والاورعية الى كل صفة توجب مزيد فضل للراوي على الراوي الآخر ، ولا وجه للاقتصار على خصوص المزايا التي توجب القرب الى الواقع ، إلّا انه قد تقدم في شرح فافهم المتقدمة بعد الايراد الثاني على الوجه الاول : من ان النقل المتعارف هو النقل بالمضمون ، وعليه فالافقه يكون افهم من غيره لمراد الامام عليه‌السلام ، وكذلك الاورع فان المتثبت يكون ابعد عن احتمال الخطأ ، وليس المراد من الاورعية حيثية التجنب عن الشبهات ، فراجع ...

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «ثم انه بناء على التعدي» بما هو مستفاد من المزايا المنصوصة فانه «حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن بذي المزية» لا من حيث السند ولا من حيث جهة الصدور «ولا» من «اقربيته» الى الواقع «كبعض صفات الراوي مثل الاورعية أو الافقهية» فان اطلاقهما يشمل ما لا دخل له بالجهات المذكورة لا من حيث جهة السند ولا من حيث جهة الصدور ولا من حيث جهة القرب الى الواقع ، وذلك فيما «اذا كان موجبهما مما لا يوجب الظن» بجهة السند أو بجهة الصدور «او الاقربية» الى الواقع «كالتورع من الشبهات والجهد في العبادات» فان من كان شديد التورع في التجنب عن الشبهات كان شديد الجهد في العبادات ، فانه يصدق عليه انه اورع من غيره ، وليس لهذه الاورعية دخل فيما ذكرنا من الجهات «و» مثله الحال في الافقهية فان اطلاقها يشمل «كثرة التتبع في المسائل الفقهية او المهارة في القواعد الاصولية» ويصدق عليه انه افقه ، مع ان افقهيته من حيث كثرة التتبع او المهارة في المسائل الاصولية لا دخل له بالجهات المذكورة. وحيث كان البناء على التعدي مستفادا من المزايا المنصوصة «فلا وجه للاقتصار على التعدي الى خصوص ما يوجب الظن او الاقربية بل» لا بد من

١١٩

وتوهم أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح ، بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية للظن بكذبه حينئذ (١) ، فاسد. فإن الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعا ، وإنما يضر

______________________________________________________

التعدي «الى كل مزية» توجب الفضل للراوي «ولو لم تكن بموجبة لاحدهما كما لا يخفى» أي لا للظن ولا للأقربية.

ومما ذكرنا ظهر ان قوله في المتن فلا وجه للاقتصار مما يتعلق بقوله في صدر عبارته حيث كان في المزايا المنصوصة.

(١) توضيح ربط هذا التوهم بما سبقه من الكلام هو ما ذكره في آخر عبارته السابقة : من انه لا وجه للاقتصار على التعدي الى ما يوجب الظن او الاقربية ، فان كون الظن في قبال الاقربية الى الواقع انما هو حيث يكون المراد من الظن هو الظن الشخصي ، والمراد من الاقربية هي الاقربية النوعية ، كما تقدمت الاشارة الى هذا عند ذكر الاقوال فيما تقتضيه القاعدة الثانية في الخبرين المتعارضين.

وحاصل هذا التوهم : انه لا وجه لكون الظن الشخصي من المرجحات ، لان لازم الظن الشخصي بصدق احد الخبرين هو الظن بكذب الخبر الآخر ، والظن بالكذب مما يوجب عدم شمول ادلة الحجية للخبر المظنون بكذبه ، فيخرج عما هو المفروض في المقام من كون المقام من باب ترجيح احدى الحجتين على الاخرى لا ترجيح الحجة على غير الحجة ، والظن بكذب احد الخبرين يوجب خروجه عن ادلة الحجية ، فلا يكون ذلك من باب ترجيح حجة على حجة ، بل هو ترجيح الحجة على غير الحجة.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وتوهم ان ما يوجب الظن بصدق احد الخبرين لا يكون بمرجح» لاحدى الحجتين على الاخرى «بل» هو «موجب لسقوط الآخر عن الحجية» لان لازم الظن بصدق احد الخبرين الظن بكذب الآخر ، فيسقط هذا الآخر عن الحجية «للظن بكذبه حينئذ».

١٢٠