بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

ثم لا يخفى إن دليل الاستصحاب أيضا لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ في الموضوع مطلقا ، وإن مثل (لا تنقض اليقين) لا بد من أن يكون مسوقا إما بلحاظ المتيقن ، أو بلحاظ نفس اليقين (١).

______________________________________________________

(١) لم يشر المصنف الى الوجه في كون لسان دليل الاستصحاب ليس كلسان ساير الاصول في كونها وظيفة للشاك ، فلذا لا تقوم مقام القطع الطريقي في الاحراز للواقع ليترتب عليها آثاره واحكامه كما عرفت مما مرّ.

وحاصل ما يمكن ان يكون وجها لكون الاستصحاب ليس كسائر الاصول هو ان الاستصحاب برزخ بين الامارات والاصول الأخر ، ولذا يكون حاكما عليها او واردا في مورد جريانه ، ولا مجال لجريانها معه ، كما لا مورد لجريانه في مورد قيام الامارة ، فان لسان الاستصحاب لسان ابقاء الواقع وعدم رفع اليد عنه بمجرد الشك ، وحيث كان لسانه ابقاء ما كان كان مجال لان يقال انه ليس هو مجرد كونه وظيفة في مقام الشك بل هو اقامة المشكوك المسبوق باليقين مقام المتيقّن ، فيكون نحو لسان الجعل فيه نحو لسان الجعل في الامارة ، وان الاخذ به للبناء على انه هو الواقع.

هذا ما يمكن ان يقال في وجه استثناء الاستصحاب عن لسان ساير الاصول التي كانت هي محض وظيفة مقررة في مقام فقد العلم والدليل.

ولكن بعد ما عرفت : من ان قيام شيء مقام القطع ليس مجرد كونه مرجعا بعده ، بل لا بد وان يكون بلسان انه هو الواقع ، ويتوقف هذا اللسان على كون المجعول له لسان الكشف عن الواقع ، فيكون الجعل والاعتبار متمما لذلك ، واما مع كون المفروض في الاستصحاب هو الشك الفعلي وان كان مسبوقا باليقين فليس للاستصحاب لسان الكشف حتى يكون الجعل متمما له ومصححا لقيامه مقامه ، وهو ايضا وظيفة من الوظائف المقررة للجاهل ، فان الاستصحاب حيث ان مورده مورد الشك وهو تساوي الطرفين ، فليس له لسان الكشف حتى يكون الجعل متمّما له ، فان كون الشك محرزا مع كونه فرض تساوي الطرفين فرض الخلف ، لعدم قابلية

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الشك بما هو شك لان يكون محرزا ، ولم يعتبر الشارع الاستصحاب لكونه من موارد الظنون ، بل يظهر من الشارع إلغاء الظن الحاصل في مورده ، وان اعتباره له لكونه مسبوقا باليقين.

وعلى هذا ، فغاية ما يدل عليه دليل الاستصحاب هو البناء عملا على بقاء اليقين ، لا أن الشك المسبوق باليقين من المحرزات للواقع.

نعم لو كانت حجية الاستصحاب لا من جهة الاخبار بل كانت حجيته من باب كونه احد الظنون التي قام الدليل على اعتبارها ـ لكان لاستثناء الاستصحاب مجال ، إلّا انه ليس بناء المصنف وغيره من المتأخرين على حجيته من هذا الباب ، وانما كان حجة للاخبار الدالة على حجيته كما سيأتي مفصّل القول في ذلك في بابه ، وانما كان حاكما على ساير الاصول لكونه امرا بالجري العملي على وفق اليقين إبقاء لليقين عملا في مورد الشك ، ومع بقاء اليقين ولزوم الجري العملي على طبقه لا يكون الاستصحاب اصلا محضا في مقام الشك ، بل يكون برزخا بين الامارة وساير الاصول ، ولذا كان الاستصحاب حاكما على ساير الاصول.

وعلى كل فلو قلنا بان لسانه لسان القيام مقام القطع فانما يكون قائما مقام القطع الطريقي دون الموضوعي ، كما عرفت في لسان الطرق والامارات ، فلا يقوم الاستصحاب مقام القطع الموضوعي مطلقا سواء القطع الموضوعي الكاشفي أو الصفتي ، وهو مراده من الاطلاق في قوله لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ في الموضوع مطلقا ، لما عرفت من ان الدليل الدال على الاعتبار لا يعقل ان يكون دالا بالمطابقة بحسب اطلاقه على التنزيلين ، لما تقدم من لزوم ذلك الجمع بين اللحاظين كما مرّ بيانه ، وان دليل الاعتبار اما ان يكون مسوقا لبيان القطع الطريقي او القطع الموضوعي ، والى هذا اشار بقوله : «وان مثل لا تنقض اليقين لا بد من ان يكون مسوقا أما بلحاظ المتيقن» وهو القطع الطريقي الذي كان الملحوظ اعتبار المظنون او المشكوك هو المتيقن ، والغاء احتمال الخلاف فيه «او» يكون مسوقا «بلحاظ نفس

٨٢

وما ذكرنا في الحاشية في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل منزلة الواقع والقطع ، وأن دليل الاعتبار إنما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع ، وإنما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين تنزيلهما ، وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة (١) ـ لا يخلو من تكلف بل تعسف. فإنه لا يكاد يصح تنزيل

______________________________________________________

اليقين» وملاحظة الظن بما هو ظن او الشك بما هو شك ، وتنزيلهما منزلة القطع ونتيجته تنزيلهما منزلة القطع الموضوعي ، ولا يعقل ان يكون دليل التنزيل دالا بالمطابقة عليهما معا بان يكون له اطلاق يشمل كلا التنزيلين بنحو المطابقة كما مرّ مفصلا.

(١) لا يخفى ان المصنف ذكر في حاشيته على الرسائل وجها لا مكان دلالة دليل الاعتبار على كلا التنزيلين ، بان يكون دالا على احدهما بالمطابقة وعلى الآخر بالالتزام ، ولا مانع منه لو تمّ ، لان المحال دلالة دليل التنزيل عليهما معا بالمطابقة ، واما دلالته على احدهما بالمطابقة وعلى الآخر بنحو الكشف والملازمة العرفية فيكون كاشفا عن حصول التنزيلين معا ، فلا مانع منه ولا محالية فيه لعدم لزوم ما هو كالجمع بين اللحاظين فيه ، فانه على هذا الوجه لو تمّ لدل على ان هناك تنزيلين ومنزلين قد نظر الشارع فيهما الى لحاظ الاستصحاب وتنزيله منزلة القطع الطريقي ، وله نظر آخر وتنزيل آخر قد نظر فيه الى تنزيله منزلة القطع الموضوعي ايضا ، وهذا وان ذكره في دليل الاستصحاب إلّا انه يجري حرفا بحرف في دليل الاعتبار الدال على جعل الامارة وتنزيلها منزلة القطع الطريقي ايضا.

وتوضيحه يحتاج الى بيان امور توضيحا لاصل التقريب ، ولعبارته في الكتاب :

الاول : ان القطع الموضوعي وان كان تمام الموضوع بمعنى انه لو انكشف الخلاف لما كان مضرا في ترتيب الحكم ، إلّا انه حيث كان لتعلق القطع بالخمر ـ مثلا ـ بالخصوص دخل في اخذه موضوعا للحكم المرتب عليه كان القطع جزء الموضوع

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

على كل حال ، لفرض كونه مأخوذا بما هو متعلق بالخمر أو الوجوب موضوعا لوجوب التصدق ، فللخمر او الوجوب دخل في ترتب الحكم ولو لكونهما قد اخذا متعلقا للقطع ولو لم يكن لوجودها الخارجي دخل في ذلك ، ولكن هذا المقدار كاف في كون القطع جزءا لموضوع الحكم.

الثاني : ان الموضوع المركب من جزءين ، تارة : يكون الموضوع بكلا جزأيه محرزا بالوجدان كالماء والكرية المأخوذين موضوعا لعدم انفعال الماء. واخرى يكون احد الجزءين محرزا بالوجدان كمائية الماء ، ولكن كريّته محرزة بالاستصحاب بان كان متيقن الكريّة سابقا ومشكوكا فيها فعلا. وثالثة : يكون كلا الجزءين محرزين بالاستصحاب كما لو كانت مائية الماء وكريته كلتاهما مشكوكتين ، ولكنهما كانتا مسبوقتين باليقين بان كان هذا الماء سابقا ماء وكرا ، فيجري الاستصحاب في كليهما وبه يحرز كونه ماء وكرا بالفعل ويترتب عليه آثار الماء الكر المحرز بالوجدان.

الثالث : ان دليل الاعتبار يدل بالمطابقة على تنزيل المشكوك او المظنون منزلة المتيقن والمقطوع ، فهو يدل بالمطابقة على تنزيل الاستصحاب والامارة منزلة القطع الطريقي ، وبعد تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع يكون المستصحب والمؤدى حكما تعبديا تنزيليا ، ويحصل القطع بهذا الحكم التعبدي التنزيلي ، وهذا هو القطع بالواقع التنزيلي اللازم لجعل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع ، وهو مركب جعلي في ازاء المركب من القطع والواقع في القطع الموضوعي ، وهو الذي يشير اليه في عبارته (قدس‌سره) بقوله : «ملازمة بين تنزيلهما وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة».

ولما كان اطلاق دليل الاعتبار دالّا على لزوم ترتيب جميع ما للمتقين من الآثار على المشكوك والمظنون ومن بعض آثار المتيقن كونه جزءا للقطع الموضوعي ، وهو يتوقف على لحاظ آخر وتنزيل ثان للمشكوك والمظنون غير تنزيلهما منزلة المتيقن ـ فدليل الاعتبار الدال على لزوم ترتيب جميع الآثار على هذا المظنون والمشكوك

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يتوقف على ان يكون هناك لحاظ وتنزيل آخر ، قد لحظ الشارع فيه تنزيل المشكوك والمظنون منزلة المقطوع بما هو جزء الموضوع ، فدليل الاعتبار الدال على لزوم ترتيب جميع الآثار على هذا المشكوك والمظنون سواء كان المشكوك والمظنون تمام الموضوع للاثر كما في القطع الطريقي او كانا جزءا لما هو موضوع الاثر ، ودليل الاعتبار وان كان ساكتا عن تعيين الجزء الآخر الذي يكون له مع المتيقن دخل في ترتب الحكم ، إلّا ان الاطلاق في لزوم ترتيب جميع ما للمتيقن من الآثار على المشكوك والمظنون ، بعد ان دلّ بالالتزام على ان يكون هناك لحاظ آخر للشارع للمشكوك والمظنون وتنزيله منزلة المتيقن بما له من الآثار ، فيكون دالا على ان الجزء الآخر الذي قد لحظه الشارع في هذا التنزيل لترتيب جميع الآثار هو القطع دون شيء آخر ، وهو امر يفهمه العرف ، فانه من المستبعد جدا ان يكون الجزء الآخر هو شيء آخر غير القطع ، فانه بعد ان كان دليل الاعتبار دالا باطلاقه على ترتيب جميع الآثار للمظنون ، ومنها الأثر المرتب على القطع بالواقع التنزيلي الحاصل قهرا من تنزيله منزلة المقطوع ، فالعرف يفهم من هذا ان الجزء الآخر الذي لحظ بلحاظ آخر غير هذا اللحاظ الآلي هو القطع بالواقع التنزيلي ، لا شيء آخر غير القطع به.

فتحصل مما ذكرنا : انّ لدليل الاعتبار دلالتين : دلالة بالمطابقة وهي تنزيل المظنون أو المشكوك منزلة المقطوع الطريقي ، ودلالة بالالتزام وهي لحاظ القطع بالواقع التنزيلي منزلة القطع بالواقع بما هو جزء الموضوع.

وبعبارة اخرى : ان المحافظة على الاطلاق في لزوم ترتيب جميع الآثار على المشكوك والمظنون يدل بالمطابقة على تنزيلهما منزلة الواقع ، ونتيجة هذا هو جعل المظنون والمشكوك كالمقطوع الطريقي ، وحيث ان من جملة آثار الواقع كونه جزء الموضوع في القطع الموضوعي ، ولزوم ترتيب هذا الاثر ايضا على المشكوك والمظنون لاجل الاطلاق فلا بد في لزوم ترتيب هذا الاثر المشمول للاطلاق ان يكون دالا بالالتزام على انه بعد تنزيل المشكوك والمظنون منزلة الواقع قد صار هذا المشكوك

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والمظنون واقعا تنزيليا ، وقد حصل القطع به بواسطة هذا التنزيل المطابقي ، وبه يتم كلا جزأي المركب الجعلي ، فانه بعد تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع يحصل واقع جعلي ويحصل قطع بهذا الواقع الجعلي قهرا ، وهو مركب بإزاء المركب من القطع بالواقع في القطع الموضوعي ، ولازم اطلاق دليل الاعتبار لجميع الآثار التي من جملتها كون المؤدى والمستصحب جزء الموضوع أن يكون دالا على ان الشارع قد لحظ هذا المركب الذي حصل قهرا ونزله بتنزيل آخر منزلة القطع الموضوعي ، فالاطلاق يدل على ان الجاعل قد لحظ ايضا بلحاظ آخر هذا القطع بالواقع التنزيلي ونزله منزلة القطع بالواقع الذي هو جزء الموضوع ، كل ذلك محافظة على الاطلاق في لزوم ترتيب جميع الآثار التي للواقع على المشكوك والمظنون التي من جملتها ما كان الواقع فيها جزء الموضوع ، فالقطع بالواقع التنزيلي وتنزيله منزلة القطع بالواقع الموضوعي قد حصل كلا جزأيه قهرا بواسطة الاطلاق في ترتيب جميع ما للواقع من الآثار على المشكوك والمظنون ، التي من جملتها الحكم المرتب على الواقع باعتبار كونه جزء الموضوع للقطع الموضوعي ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وما ذكرنا في الحاشية» أي في حاشيته على رسائل الشيخ «في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل منزلة الواقع و» منزلة «القطع و» طريق ذلك «ان دليل الاعتبار» بدلالته المطابقية «انما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدى» في الاستصحاب والامارات «منزلة الواقع» فهو لا يدل إلّا على تنزيل المظنون والمستصحب منزلة الواقع ، فهو ناظر الى الطريقية فقط والى ما كان القطع آليا لا استقلاليا ، واما الدلالة التي يكون القطع فيها ملحوظا بالاستقلال فانما هي لدلالة التزامية غير هذه الدلالة المطابقية اقتضاها الاطلاق في لزوم ترتيب جميع ما للواقع على المستصحب والمؤدى التي منها ما كان الواقع فيها جزء الموضوع ، والى هذا اشار بقوله : «وانما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة» فهي دلالة اخرى التزامية غير هذه الدلالة المطابقية تدل بان هناك ملازمة «بين تنزيلهما» أي بين تنزيل المستصحب والمؤدى

٨٦

جزء الموضوع أو قيده ، بما هو كذلك بلحاظ أثره ، إلا فيما كان جزؤه الآخر أو ذاته محرزا بالوجدان ، أو تنزيله في عرضه ، فلا يكاد يكون دليل الامارة أو الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع ، ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر ، فيما لم يكن محرزا حقيقة ، وفيما لم يكن دليل على تنزيلهما بالمطابقة ، كما في ما نحن فيه ـ على ما عرفت ـ لم يكن دليل الامارة دليلا عليه أصلا ، فإن دلالته على تنزيل المؤدى تتوقف على دلالته على تنزيل القطع بالملازمة ، ولا دلالة له كذلك إلا بعد دلالته على تنزيل المؤدى ، فإن الملازمة إنما تدعى بين القطع بالموضوع التنزيلي والقطع بالموضوع الحقيقي ، وبدون تحقق الموضوع التنزيلي التعبدي أولا بدليل الامارة لا قطع بالموضوع التنزيلي كي يدعى الملازمة بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي ، وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كما لا يخفى ، فتأمل جيدا (١) ، فإنه لا يخلو عن دقة.

______________________________________________________

منزلة الواقع ، وتنزيل آخر اقتضاه الاطلاق «و» هو «تنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا» الحاصل هذا القطع بالواقع التنزيلي والتعبدي من تنزيلهما منزلة الواقع ، فانه بعد تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع يكون المستصحب والمؤدى من الواقع التنزيلي ، ويحصل القطع بهذا التنزيل بواسطة دليل الاعتبار الدال بالمطابقة على تنزيلهما منزلة الواقع ، والمحافظة على الاطلاق تقتضي ان يكون هناك تنزيل آخر غير التنزيل المطابقي وهو تنزيل القطع بالواقع التعبدي «منزلة القطع بالواقع حقيقة».

(١) قوله : «لا يخلو من تكلف بل تعسف» هذا خبر لقوله : «وما ذكرنا في الحاشية» أي ما ذكرنا في الحاشية بالبيان الذي مر لا يخلو من تكلف وتعسف.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

اما وجه كونه تكلفا فلعله لكون هذا التكليف كله انما هو للمحافظة على الاطلاق في لزوم ترتيب جميع الآثار التي منها كونه جزء الموضوع.

ولا يخفى ان كونه جزء الموضوع ليس من شئون تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع ، فان الاطلاق انما يقتضي ترتيب جميع ما للخمر الواقعية التي يكون القطع طريقا لها على الخمر التي تعلق الظن بها ، ولا يدل الاطلاق على ترتيب آثار القطع بالخمر الواقعية على القطع بالخمر الجعلية ، فان آثار المظنون ذاته من شئونه ، واما آثار القطع به فليس من شئونه ، فكون هذا الاطلاق مقتضيا لذلك لا يخلو عن تكلف.

واما كونه تعسفا فلما اشار اليه بقوله (قدس‌سره) : «فانه لا يكاد يصح الخ» وتوضيحه ببيان امرين :

الاول : ان تنزيل شيء منزلة شيء لا بد فيه من وجود اثر مفروغ عنه يكون التنزيل بلحاظه ، اما اذا لم يكن هناك اثر فلا يعقل التنزيل ويكون لغوا.

الثاني : انه اذا كان هناك موضوع مركب لاثر من الآثار فتنزيل شيء منزلة جزء هذا المركب لا يعقل إلّا ان يكون الجزء الآخر محرزا اما بالوجدان او تنزيل آخر يحرزه في عرض هذا التنزيل ليكون لتنزيل هذا الجزء اثر بالفعل بحسبه يصح التنزيل له.

اذا عرفت هذا ـ تعرف انه لا يعقل ان يكون الاطلاق ناظرا الى لزوم ترتيب جميع الآثار على المستصحب والمؤدى حتى كونه جزءا للموضوع ، لوضوح ان نظره الى ذلك موقوف على لحاظ الجزء الثاني وهو القطع به ليكون لهذا الجزء اثر بالفعل ، والجزء الآخر وهو القطع به الذي هو القطع بالواقع التنزيلي يتوقف على الجعل المطابقي للمستصحب والمؤدى منزلة الواقع ، فاللحاظ الاطلاقي لمثل هذا الاثر يتوقف على لحاظ الجزء الثاني وهو القطع به المتوقف هذا القطع على الجعل المطابقي للمستصحب والمؤدى ، لوضوح انه بعد جعلهما بمنزلة الواقع يحصل القطع بهذا

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقع التنزيلي ، فالدلالة الالتزامية متوقفة على الدلالة المطابقية ، وقد عرفت ان الاطلاق في الدلالة المطابقية يتوقف على الدلالة الالتزامية ، فالاطلاق في الدلالة المطابقية يتوقف على الدلالة الالتزامية المتوقفة على الدلالة المطابقية ، وهذا دور واضح ، فتحقق الاطلاق في الدلالة المطابقية بحيث يكون ناظرا حتى الى التنزيل منزلة القطع الموضوعي مستلزم للدور فهو محال ، لان ما يستلزم المحال محال.

هذا ما اورده في عبارته ولم يشر الى الامر الاول لمفروغيته ، ولكن اشار الى الأمر الثاني بقوله : «فانه لا يكاد يصح الخ».

قوله : «تنزيله في عرضه» أي ان الجزء الآخر اذا لم يكن محرزا بالوجدان فلا بد وان يكون محرزا بتنزيل في عرض هذا التنزيل للجزء.

قوله : «كما في ما نحن فيه» أي انه بعد ما عرفت من ان تنزيل شيء منزلة جزء المركب يتوقف على احراز الجزء الآخر اما بالوجدان او بتنزيل آخر ـ يتضح انه في مثل ما نحن فيه الذي ليس هناك شيء غير دليل الاعتبار الدال بالمطابقة على جعل الظن كالقطع الطريقي لا يعقل ان يكون له اطلاق يشمل تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع بما هو جزء للقطع الموضوعي ، لان تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع بما هو جزء للموضوع في القطع الموضوعي لا يصح إلّا اذا كان جزء المركب الآخر محرزا وهو القطع بالواقع التنزيلي ، اما بالوجدان وهو غير موجود او بتنزيل بدليل آخر غير هذا الدليل الذي كانت دلالته المطابقية هو الجعل الطريقي وهو غير موجود ايضا ، فان المفروض انه ليس هناك دليل عدا دليل الاعتبار ، وكون دليل الاعتبار له دلالتان : مطابقية على الجعل الطريقي ، والتزامية على الجعل الموضوعي يلزمه الدور ، والى الدور اشار بقوله : «فان دلالته على تنزيل المؤدى» بما هو جزء الموضوع المستفاد من الاطلاق في الدلالة المطابقية «تتوقف على دلالته على تنزيل القطع» أي تتوقف على تنزيل القطع بالواقع التنزيلي الذي هو جزء الموضوع في هذا المركب «ب» واسطة «الملازمة دلالة الاطلاق على ذلك التنزيل للجزء الآخر ، لما

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عرفت من انه لا معنى لتنزيل شيء منزلة جزء المركب ما لم يكن الجزء الآخر محرزا اما بالوجدان او بتنزيل آخر في عرض هذا التنزيل «و» المفروض انه «لا دلالة له كذلك» أي المفروض انه لا دلالة لدليل الاعتبار بنحو الاطلاق الشامل حتى لتنزيل الجزء في القطع الموضوعي «الا بعد دلالته» أي بعد دلالة دليل الاعتبار بالمطابقة «على» الجعل الطريقي الذي هو «تنزيل المؤدى» منزلة الواقع ، فالدلالة المطابقية المتضمنة للاطلاق تتوقف على الدلالة الالتزامية المتوقفة هذه الدلالة الالتزامية على الدلالة المطابقية ، وهو دور واضح ، فيلزم من الاطلاق في الدلالة المطابقية الدور وما يستلزم الدور محال ، فالاطلاق في الدلالة المطابقية محال.

والى توضيح هذا اشار بقوله : «فان الملازمة انما تدعى بين القطع بالموضوع التنزيلي» وهو القطع بالواقع التنزيلي «والقطع» بالواقع «بالموضوع» الواقعي في القطع الموضوعي.

ومن الواضح توقف حصول القطع بالواقع التنزيلي على تنزيل المؤدى منزلة الواقع المدلول عليه بالدلالة المطابقية ، ولذا قال : «وبدون تحقق الموضوع التنزيلي التعبدي اولا بدليل الامارة» الدال عليه بالمطابقة «لا قطع بالموضوع التنزيلي كي يدعى الملازمة» محافظة على الاطلاق «بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي و» بين «تنزيل المؤدى منزلة الواقع» ليكون لهذا التنزيل أثر حتى يصح التنزيل لجزء المركب ، لما عرفت من ان تنزيل شيء منزلة جزء المركب لغو ما لم يكن الجزء الآخر محرزا اما بالوجدان او بتنزيل آخر في عرض هذا التنزيل ، والمفروض عدمهما وانه ليس هناك إلّا دليل الاعتبار فقط ، وكونه دالا على التنزيلين معا يستلزم الدور كما عرفت.

٩٠

ثم لا يذهب عليك أن هذا لو تم لعمّ ، ولا اختصاص له بما إذا كان القطع مأخوذا على نحو الكشف (١).

الامر الرابع : لا يكاد يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدور (٢) ، ولا مثله

______________________________________________________

(١) حاصله : انه بناء على تمامية ما ذكره في الحاشية من دلالة دليل الاعتبار على التنزيلين معا ، فلا وجه لاختصاص ذلك بتنزيل الظن منزلة القطع الكشفي ، بل يعم القطع الماخوذ بنحو الصفتية ، ولذا قال : «فان هذا لو تم لعمّ» أي لعمّ القطع الموضوعي الصفتي ايضا ، ولا اختصاص له بما اذا كان مأخوذا بنحو الكشف فقط.

(٢) قد عرفت فيما مرّ امكان اخذ القطع بالحكم او بالموضوع في حكم آخر ، كاخذ القطع بالوجوب او بالخمر في وجوب التصدق ، أمّا اخذ القطع بالوجوب في نفس ذلك الوجوب او اخذ القطع بالصلاة الواجبة في نفس وجوبها فغير معقول ، للزوم الدور كما اشار اليه في المتن والخلف ايضا ، اما لزوم الدور فلوضوح توقف الحكم على موضوعه فيكون ذلك الحكم الشخصي بما انه جزء الموضوع فهو مما يتوقف عليه ذلك الحكم الشخصي ، لفرض كون القطع به هو الموضوع لترتبه بنفسه على ذلك الموضوع ، فهو من حيث كونه جزء الموضوع يكون موقوفا عليه ، ومن حيث كونه حكما لذلك الموضوع يكون موقوفا على الموضوع ، لتوقف كل حكم على موضوعه ، فيتوقف ذلك الحكم الشخصي باعتبار كونه حكما لموضوع على موضوعه ، ومن حيث كونه بنفسه جزء ما هو الموضوع له فيتوقف الموضوع المركب منه ومن القطع عليه توقف المركب على اجزائه ، فيكون تحقق ذلك الحكم الشخصي متوقفا على مركب يتوقف تحقق ذلك المركب على نفس ذلك الحكم الشخصي ، ونتيجة ذلك توقف الحكم الشخصي على نفسه لتوقفه على موضوعه الذي كان ذلك الموضوع متوقفا عليه ايضا والى هذا اشار بقوله : «لا يكاد يمكن ان يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم» الشخصي «للزوم الدور».

٩١

للزوم اجتماع المثلين (١) ، ولا ضده للزوم اجتماع

______________________________________________________

ولو قلنا بان هذا التوقف ليس من الدور لان الدور توقف موجود على موجود آخر يكون ذلك الموجود متوقفا على ما كان متوقفا عليه ، ولكن محذور الدور موجود فيه وهو محالية توقف الشيء على نفسه.

ولكن لا يخفى ان هذا الدور او محذوره انما يلزم تحققه في نظر القاطع لا في الواقع لجواز خطأ القطع ، فيكون القطع بالحكم الموهوم موضوعا للحكم الواقعي ، فيكون الموقوف غير الموقوف عليه فلا دور ولا نتيجته. بل يمكن منع الدور حتى عند القاطع ، لان القطع متوقف على ماهية الحكم ووجود الحكم وكونه بالحمل الشائع حكما موقوفا على القطع المتعلق بهذه الماهية ، فاختلف الموقوف والموقوف عليه ، ومع الاختلاف لا دور.

نعم يلزم الخلف من اخذه في موضوع نفسه ، لوضوح ان فرض كونه جزء الموضوع فرض تحققه ، وفرض توقف تحققه على تحقق موضوعه فرض عدم تحققه ، فاخذه موضوعا لنفسه يلزم منه فرض تحققه وعدم تحققه وهو الخلف.

(١) لا يخفى انه كما لا يعقل اخذ القطع موضوعا لنفس الحكم الشخصي كذلك لا يمكن ان يكون القطع بالوجوب موضوعا لوجوب آخر لذلك الشيء ، بان يقول اذا قطعت بوجوب شيء فذلك يكون واجبا ايضا بوجوب ثان وارد على ذلك الشيء ، فان لازمه اجتماع وجوبين على ذلك الشيء ، لوضوح محاليه جعل بعثين بداعي جعل الداعي متسلطين على شيء واحد ومحركين اليه ، والى هذا اشار بقوله : «ولا مثله للزوم اجتماع المثلين».

ولا يخفى ان هذا ايضا انما يلزم بنظر القاطع لا في الواقع ، لجواز خطأ القطع فلا يكون هناك الا تحريك واحد ، وهو التحريك الثاني الذي كان موضوعه هو القطع بالوجوب.

٩٢

الضدين (١) ، نعم يصح أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة أخرى منه أو مثله أو ضده (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان القطع بوجوب شيء لا يعقل ان يكون موضوعا لحكم ضد ذلك الوجوب واردا على ذلك الموضوع ، فانه يلزم منه اجتماع الضدين على موضوع واحد بنظر القاطع ايضا ، فلا يعقل ان يقول المولى اذا قطعت بوجوب الصلاة فهي محرمة او مباحة وهذا واضح.

(٢) قد تقدم ان للحكم مراتب ، والمحال هو اخذ القطع بالحكم موضوعا للحكم في المرتبة التي تعلق بها القطع ، او موضوعا لحكم آخر مثله في نفس تلك المرتبة او لحكم آخر ضده في نفس تلك المرتبة ايضا.

اما اخذ القطع بالحكم في مرتبة موضوعا لنفس الحكم في المرتبة الاخرى ، بان يقول اذا قطعت بالوجوب الانشائي يكون واجبا بالفعل ، فلا مانع منه لقابلية الحكم الانشائي ان يترقى الى المرتبة الفعلية بواسطة القطع به ، فيكون القطع بالحكم بمرتبته الانشائية مبلغا لنفس ذلك الحكم لمرتبة الفعلية ، ولا محذور فيه اصلا ، لا محذور الدور لتعدد الموقوف والموقوف عليه ، فان الحكم بمرتبته الفعلية موقوف على الحكم بمرتبته الانشائية ، والحكم بمرتبته الانشائية ليس موقوفا على الحكم بمرتبته الفعليّة. ولا خلف ايضا لان لزوم الخلف هو فرض كونه موجودا في مرتبته وليس بموجود في تلك المرتبة ، اما فرض كونه موجودا في مرتبة وليس بموجود في مرتبة اخرى فلا خلف فيه.

وكذلك لا مانع من كون القطع بالحكم بمرتبته الانشائية موجبا لجعل حكم آخر مثله او ضده في المرتبة الفعلية ، فلا مانع منه ايضا لجواز ان يقول اذا قطعت بوجوب الصلاة الانشائي فالصلاة واجبة بوجوب آخر فعلي ، او انها تكون فعلا محرمة او مباحة ولا محذور في هذا الحكم ، فالحكم الانشائي موضوعه نفس الصلاة ، والقطع

٩٣

وأما الظن بالحكم ، فهو وإن كان كالقطع في عدم جواز أخذه في موضوع نفس ذاك الحكم المظنون ، إلا أنه لما كان معه مرتبة الحكم الظاهري محفوظة ، كان جعل حكم آخر في مورده ـ مثل الحكم المظنون أو ضده ـ بمكان من الامكان (١).

______________________________________________________

كان طريقا اليه ، والقطع المتعلق به بهذه المرتبة يكون موضوعا وسببا لحكم آخر في المرتبة الفعلية.

لا يقال : القطع بالحكم بمرتبته الانشائية يوجب بلوغه لمرتبة الفعلية فيلزم من جعل الحكم الآخر في المرتبة الفعلية اجتماع المثلين فيما كان الحكم الثاني ـ مثلا ـ للحكم الانشائي ، والضدين فيما كان ضدا له لان الحكم الانشائي بتعلق القطع به يكون فعليا ، وقد فرضنا ان تعلق القطع به سبب لحكم آخر فيجتمع الحكمان في المرتبة الفعلية ، فان كانا مثلين كان من اجتماع المثلين ، وان كانا ضدين كان من اجتماع الضدين.

فانه يقال : ان هذا انما يلزم حيث يكون بلوغ الحكم الانشائي لمرتبة الفعلية قد تمت جميع شرائطه عدا تعلق القطع به ، اما اذا لم يستوف جميع الشرائط فان تعلق القطع به لا يبلغه للمرتبة الفعلية ويكون باقيا على انشائيته ، وحينئذ لا يلزم اجتماع المثلين أو الضدين ، لوضوح عدم المانع من اجتماع الحكمين المتماثلين او المتضادين في مرتبتين ، وانما المحال اجتماعهما في مرتبة واحدة ولذا قال (قدس‌سره) : «نعم يصح اخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة اخرى منه» أي من نفس ذلك الحكم بان يكون القطع بمرتبته الانشائية موجبا لترقيه وجعله فعليا ، ويصح ايضا اخذ الحكم بمرتبته الانشائية موضوعا لمثل ذلك الحكم او لضد ذلك الحكم في المرتبة الفعلية ، والى هذا اشار بقوله : «او مثله او ضده».

(١) حاصله : انه فرق بين القطع والظن ، فان الظن مثل القطع في عدم امكان اخذه موضوعا لنفس ذلك الحكم ، فلا يعقل ان يكون الظن بالوجوب الفعلي موضوعا

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لنفس ذلك الوجوب الفعلي ، واما اخذ الظن بالحكم الفعلي موضوعا لحكم آخر مثل ذلك الحكم او ضدا لذلك الحكم فلا مانع.

اما عدم امكان اخذه في موضوع نفسه كالقطع فلبداهة استلزام ذلك للخلف ، لان فرض كونه متعلقا للظن فرض كون موضوعه ومتعلقه ليس هو الظن ، بل الصلاة ـ مثلا ـ او غيرها من متعلقات الاحكام ، وفرض كون موضوعه هو الظن به فرض عدم كون موضوعه هو الصلاة او غيرها ، بل موضوعه نفس الظن المتعلق به دون الصلاة او غيرها من متعلقات الاحكام ، فاخذ الظن بالحكم في موضوع شخص ذلك الحكم لازمه فرض الحكم وفرض عدم الحكم وهذا خلف واضح ، والى هذا اشار بقوله : «واما الظن بالحكم فهو وان كان كالقطع في عدم جواز اخذه في موضوع نفس ذاك الحكم المظنون» بنفسه وبشخصه لما عرفت من لزوم الخلف.

واما امكان اخذه موضوعا لحكم آخر مثله او ضده في نفس مرتبته فلا مانع منه ، وهو ليس كالقطع من هذه الجهة لان القطع بالحكم بمرتبة الفعلية وصول للحكم تام لا مجال لاحتمال الخلاف فيه ، فيلزم من كونه موضوعا لحكم آخر مثله او ضده في مرتبة الفعلية القطع باجتماع المثلين او الضدين ، واما الظن فحيث انه ليس وصولا تاما للشيء المتعلق به واحتمال الخلاف فيه موجود ، فلا يلزم من جعل حكم آخر في تلك المرتبة القطع باجتماع المثلين او الضدين ، فيجوز للمولى ان يقول اذا ظننت بوجوب الصلاة فالصلاة تكون واجبة بالفعل او محرمة او مباحة ، والى هذا اشار بقوله : «إلّا انه لما كان معه» أي مع الظن حيث كان مشوبا باحتمال الخلاف ولم يكن الحكم المتعلق به الظن تام الوصول ، فلا يلزم من جعل الحكم في هذه المرتبة قطع باجتماع المثلين ، لفرض كونه ظنا غير تام الوصول ، فهناك مجال لجعل حكم آخر موضوعه الظن بالحكم الواقعي ، فيقول المولى اذا ظننت بالحكم الواقعي فقد جعلت ذلك الحكم ثانيا في ظرف ذلك الظن ، ويكون هذا الحكم حكما ظاهريا آخر موضوعه الظن بالحكم الواقعي.

٩٥

إن قلت : إن كان الحكم المتعلق به الظن فعليا أيضا ، بأن يكون الظن متعلقا بالحكم الفعلي ، لا يمكن أخذه في موضوع حكم فعلي آخر مثله أو ضده ، لاستلزامه الظن باجتماع الضدين أو المثلين ، وإنما يصح أخذه في موضوع حكم آخر ، كما في القطع ، طابق النعل بالنعل (١).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : انه لا مانع من الحكم الظاهري حيث لم ينكشف الحكم الواقعي ، حيث عرفت ان المانع منه في القطع هو القطع باجتماع المثلين او الضدين ، وفي مورد احتمال الخلاف لا قطع باجتماع المثلين او الضدين ، فلا مانع من جعل حكم آخر مثل الحكم المتعلق به الظن او ضده ، والى هذا اشار بقوله : «لما كان معه مرتبة الحكم الظاهري محفوظة» لفرض احتمال الخلاف وعدم وصول الحكم الواقعي تماما لذلك «كان جعل حكم آخر في مورده مثل الحكم المظنون او ضده بمكان من الامكان» لما عرفت من عدم المانع الموجود في مورد القطع بالحكم.

(١) حاصله : ان المحال لا بد وان يكون مقطوعا بعدمه ، فكما ان ما يوجب القطع بالمحال محال كذلك ما يوجب الظن بالمحال محال ايضا ، فكيف يعقل ان يكون الظن بالحكم الواقعي الفعلي موضوعا لحكم آخر فعلى مثله او ضده ، فانه لا محالة يوجب الظن باجتماع المثلين او الضدين في المرتبة الفعليّة ، وهو محال كالقطع باجتماع المثلين او الضدين لما عرفت ، اذ المحال لا بد وان يكون مقطوع العدم لا محتملا ، واحتمال المحال كالقطع بالمحال.

نعم لا مانع من اخذ الظن بالحكم الواقعي موضوعا لحكم آخر او اخذ الظن بالحكم في مرتبة موضوعا للحكم في مرتبة اخرى ، فالظن كالقطع من دون خلاف بينهما اصلا ، وما يجوز في القطع يجوز في الظن وما لا يجوز في القطع لا يجوز في الظن ، ولذا قال (قدس‌سره) : «كما في القطع طابق النعل بالنعل» أي ان الحال في الظن كالحال في القطع سوى ان اللازم في القطع هو القطع بالمحال وفي الظن الظن بالمحال ، وقد عرفت ان الظن بالمحال كالقطع بالمحال محال ايضا.

٩٦

قلت : يمكن أن يكون الحكم فعليا ، بمعنى أنه لو تعلّق به القطع ـ على ما هو عليه من الحال ـ لتنجز واستحق على مخالفته العقوبة ، ومع ذلك لا يجب على الحاكم دفع عذر المكلف ، برفع جهله لو أمكن ، أو بجعل لزوم الاحتياط عليه فيما أمكن ، بل يجوز جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة ، وإلى ضدّه أخرى ، ولا يكاد يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده ، كما لا يخفى (١) ،

______________________________________________________

(١) توضيحه ببيان امور : الاول : ان هذا الاشكال لا يختص بالمقام وهو فيما اخذ الظن بالحكم الواقعي موضوعا لحكم آخر مثله او ضده ، بل هو مشترك الورود في الامارات المعتبرة والاصول الجارية في مورد الشك في الحكم الفعلي ، كما سيجيء ان شاء الله تعالى التعرض له في مبحث الامارات في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.

الثاني : ان الظن المأخوذ موضوعا لحكم مثل الحكم الواقعي او ضده هو الظن غير المعتبر طريقا الى الواقع ، اذ لو كان هو الظن المعتبر لما كان قسما في قبال الامارات المعتبرة والاصول ، وانما كان هذا الظن قسما في قبال الامارات لكونه مأخوذا لمحض الموضوعية للحكم الثاني.

الثالث : ان التماثل والتضاد بين الاحكام انما يكون في الفعلية الحتمية ، لوضوح ان البعث الفعلي المنجز في مورد لا يقبل بعثا آخر نحوه او زجرا عنه فيتماثلان او يتضادان ، اما اذا كان الحكم غير بالغ هذه المرتبة بل كانت فعليته معلقة ، فيكون حاله حال الحكم الانشائي مع مثله او ضده من الحكم الفعلي ، وقد عرفت انه لا مانع من اجتماعهما في القطع فضلا عن الظن.

الرابع : ان الحكم لا بد ان يكون منبعثا عن مصلحة ملزمة ، ولكنها تارة : تكون مما يجب ايصالها وان يكون المولى بصدد ايصالها ، لانها تكون من الالزام بحد تدعو المولى الى ايصالها اما بالعلم او باقامة الحجة عليها او بالاحتياط في موردها ، وهذه هي المرتبة التي يكون الحكم فيها فعليا حتميا.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى : لا تكون المصلحة الملزمة بهذا المقدار من الالزام بحيث تدعو الى ايصالها اما بالعلم او بجعل الاحتياط او باقامة الحجة عليها ، ويكون حدها انها بحيث لو علم بها من باب الاتفاق لتنجزت ، والحكم في مثل هذا الفرض يكون فعليا غير حتمي وتكون فعليته تعليقية ، لانها بحيث لو علم بها لتنجزت ، وحال هذه الفعلية حال المرتبة الانشائية لعدم بلوغ الحكم الى حد يستحق فاعله المثوبة وتاركه العقوبة ، والحكم في هذه المرتبة ليس باعثا ولا زاجرا بالفعل.

اذا عرفت هذه الامور ـ تعرف الفرق بين الظن المأخوذ في الموضوع وبين القطع المأخوذ كذلك ، فان الظن غير المعتبر وكان اخذه لمحض كونه موضوعا لحكم ثان لا يكون منجزا للحكم الفعلي التعليقي ، فلا مانع من جعل حكم مماثل للحكم الواقعي او مضاد له لفرض كون الفعلية فعلية تعليقية وليست بعثا وزجرا بالفعل ، فلا مانع من ان يكون هناك بعث آخر أو زجر آخر متعلقين بمتعلق الحكم الواقعي ، بخلاف القطع فانه لو تعلق بالمرتبة التعليقية لتنجزت ، وحينئذ لا يعقل في موردها جعل حكم آخر مثل الحكم الواقعي او ضده ، للزوم اجتماع المثلين على الاول والضدين على الثاني.

فاتضح الفرق بين الظن والقطع في امكان اخذ الاول موضوعا لحكم مثل الحكم الواقعي او ضدا له ، وقد اشار الى خصوص المقدمة الرابعة بقوله : «يمكن ان يكون الحكم فعليا» معلقا لا حتميا ولا تكون مصلحته تدعو الى الايصال كما تدعو مصلحة الحكم الظاهري الى جعل الحكم على طبقها ، وفسر الفعلية التعليقية بقوله : «بمعنى انه لو تعلق به القطع على ما هو عليه من الحال لتنجز و» حينئذ يكون فعليا حتميا «استحق» تاركه «على مخالفته العقوبة ومع ذلك» أي ومع كون المصلحة بهذا المقدار «لا يجب على الحاكم دفع عذر المكلف ب» لزوم «رفع جهله» اما بالحجة او بجعل الاحتياط ، والى هذين اشار بقوله : «لو امكن او يجعل لزوم الاحتياط عليه».

٩٨

فافهم (١).

إن قلت : كيف يمكن ذلك؟ وهل هو إلا أنه يكون مستلزما لاجتماع المثلين أو الضدين؟

______________________________________________________

وحيث ان الحكم في المرتبة الفعلية التعليقية ليس بعثا وزجرا بالفعل ولا يجب على الحاكم ايصاله بنحو من انحاء الايصال «بل يجوز جعل اصل او امارة مؤدية اليه تارة والى ضده اخرى» لعدم كونه في هذه المرتبة باعثا وزاجرا حتى لا يعقل بعث آخر أو زجر آخر في مورده ، وكما يجوز جعل الاصل والامارة في مورد هذه الفعلية كذلك يجوز اخذ الظن غير المعتبر في مورده موضوعا لحكم مثل الحكم الواقعي أو ضده ، ولا يجوز ذلك في القطع لفرض تنجزه وفعليته الحتمية بمجرد تعلق القطع به ، فاتضح الفرق بين اخذ الظن موضوعا للحكم المماثل والمضاد واخذ القطع موضوعا لهما ، ولذا قال : «ولا يكاد يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله او ضده».

(١) لعله اشارة الى انه ينافي ما مر منه من انحصار مراتب الحكم في اربع ، فان الفعلية اذا كانت حتمية وتعليقية كانت الاقسام خمسة لا اربعة.

او انه اشارة الى انه خلاف الفرض ، فان الفرض هو الفرق بين الظن والقطع مع كون الحكم بالغا الى مرتبة الفعلية ، والفعلية التعليقية هي مرتبة الانشاء في الحقيقة ، والتعبير عنها بالفعلية التعليقية لا يغير واقعها عما هو عليه ، ففي مرتبة الفعلية الحتمية لا فرق بين الظن وان كان غير معتبر وبين القطع في عدم امكان اخذهما موضوعا لحكم مماثل او مضاد للحكم الواقعي ، لكون احتمال المحال كالقطع بالمحال ، وينحصر الجواب بما ياتي في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي من انه لا فعلية إلّا بالوصول ، وما لم يصل الحكم اما بالعلم او بايجاب الاحتياط في مورده لا محالة يكون انشائيا ، وان شئت فسمه فعليا معلقا.

٩٩

قلت : لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذاك المعنى ـ أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز ـ مع حكم آخر فعلي في مورده بمقتضى الاصل أو الامارة ، أو دليل أخذ في موضوعه الظن بالحكم بالخصوص ، على ما سيأتي من التحقيق في التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي (١).

الامر الخامس : هل تنجز التكليف بالقطع ـ كما يقتضي موافقته عملا ـ يقتضي موافقته التزاما ، والتسليم له اعتقادا وانقيادا؟ كما هو اللازم في الاصول الدينية والامور الاعتقادية ، بحيث كان له امتثالان وطاعتان ، إحداهما بحسب القلب والجنان ، والاخرى بحسب العمل بالاركان ،

______________________________________________________

(١) ليس في هذا الا التكرير والايضاح لما سبق ، وان هذا المتوهم تخيل ان محض اسم الفعلية بأي معنى كانت لازمها الظن باجتماع المثلين او الضدين.

وحاصل قلت : انه ليس كل فعلية مستلزمة لذلك ، بل المستلزمة لذلك هي الفعلية الحتمية دون التعليقية ، ولذا قال : «لا باس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذاك المعنى» وهي الفعلية التعليقية مع حكم فعلي حتمي مماثل او مضاد في مورد الحكم الواقعي التعليقي ، وقد اشار الى ان هذا الاشكال مشترك الورد بين الاصل والامارات المعتبرة وبين مقامنا وهو اخذ الظن غير المعتبر موضوعا للحكم المماثل او المضاد وهو الامر الاول الذي ذكرناه بقوله : «مع حكم آخر فعلي في مورده بمقتضى الاصل او الامارة او دليل اخذ في موضوعه الظن بالحكم بالخصوص» وهو مقام بحثنا في هذا الامر.

١٠٠