بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الاضافة ـ ولذا كان العلم نورا

______________________________________________________

في صحة شيء ، كمثل شرطية احراز طهارة اللباس والبدن في الصلاة ، فان المشهور على صحة صلاة من احراز طهارة لباسه وبدنه وان انكشف بعد اتيانها بنجاستهما او نجاسة احدهما ، وقد اشار الى هذا بقوله : «تارة بنحو يكون تمام الموضوع بان يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطا» القطع «موجبا لذلك» أي لوجوب التصدق كمن نذر انه اذا قطع بوجوب صلاة الجمعة يتصدق بنحو ان يكون في مقام نذره قاصدا ذلك وان انكشف خطأ قطعه بعد ذلك.

واخرى : يكون القطع بشيء مأخوذا بنحو جزء الموضوع او قيد له ، فيكون الموضوع للحكم المرتب عليه مركبا من القطع بذلك الشيء ومن تحقق ذلك الشيء واقعا ، كمن نذر انه ان قطع بذلك بحياة شخص يتصدق ، فان الظاهر منه كون القطع والحياة كلاهما هو الموضوع لوجوب التصدق ، ولازم هذا كون القطع فيما لو اصاب موجبا لترتب ذلك الحكم ، والى هذا اشار بقوله : «واخرى بنحو يكون» القطع بالشيء «جزؤه وقيده» أي جزء الموضوع او قيد الموضوع المرتب عليه الحكم ، بنحو يكون الموضوع مركبا منهما ، ولازم كون القطع جزءا او قيدا ما اشار اليه بقوله : «بان يكون القطع به في خصوص ما اصاب موجبا له».

وعلى كل من هذين النحوين الذي كان القطع فيهما موضوعا للحكم.

تارة : يكون الملحوظ فيه جهة كشفه.

واخرى : تكون الجهة الملحوظة فيه جهة صفتية ، والى هذا اشار بقوله : «وفي كل منهما يؤخذ طورا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه وآخر بما هو صفة للقاطع او المقطوع به».

ولا يخفى ان القطع حيث كان من الصفات ذات الاضافة بمعنى انه متقوم بطرفين ، وهما من تحقق عنده القطع وما تعلق به القطع ، فهو كما يكون صفة للقاطع يكون ايضا صفة لما تعلق به وهو المقطوع به.

٦١

لنفسه ونورا لغيره ـ صح أن يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة ، بإلغاء جهة كشفه ، أو اعتبار خصوصية أخرى فيه معها ، كما صح أن يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه وحاك عنه ، فتكون أقسامه أربعة ، مضافا إلى ما هو طريق محض عقلا غير مأخوذ في الموضوع شرعا (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان كون القطع كاشفا تاما وكونه صفة للقاطع أو المقطوع به وان كانا متلازمين تحققا ، إلّا انه للشارع في مقام اخذ القطع موضوعا لحكمه ان يفك بينهما ، ويلحظ جهة الكشف تارة ، وجهة الصفتية اخرى ، وهذا مما لا اشكال فيه.

وانما الاشكال في جهة الصفتية في خصوص القطع التي هي جهة غير جهة كشفه.

ولا يخفى إن في القطع جهات لا تخصه بما هو قطع : منها كونه عرضا ، ومنها كونه من مقولة الكيف ، ومنها كونه من الكيف النفساني ، وهذه الجهات الثلاث لا تختص بالقطع بما هو قطع ، فان جهة عرضيته تشاركه فيها سائر الاعراض ، ومثلها جهة كونه كيفا وكونه نفسانيا ، فلذلك اشار الى جهة الصفتية التي تخص القطع وهي كونه نورا تاما لنفسه ، لبداهة كون القطع هو الحضور والكشف التام ، فلا يعقل ان يحتاج الى حضور آخر وكاشف يكشفه ، وحيث انه من الامور ذات الاضافة فهو ايضا نور ينكشف به متعلقه ، فهو نور لغيره ولمتعلقه ، فجهة كونه نورا تاما لنفسه لا يحتاج الى نور آخر يكشفه هي جهة صفتيته ، فللشارع ان يلحظ هذه الجهة في القطع في مقام اخذه موضوعا لحكم آخر ، وله ان يلحظ انكشاف غيره به وهي جهة كاشفيته.

ولا يخفى ان جهة كون القطع نورا تاما صفة تخص القطع ولا يشاركه فيها غيره حتى الظن ، لبداهة كونه نورا ناقصا وكشفا غير كامل ، لكونه مشوبا باحتمال الخلاف ، وبها يمتاز القطع عن ساير الاعراض وعن مطلق مقولة الكيف وعن خصوص النفساني منه ، وعن الظن المشارك له في كل جهة عدا كونه نورا ناقصا وكشفا غير تام ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وذلك لان القطع لما كان من الصفات

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الحقيقية» لا الاعتبارية المحضة كالملكية والرقية ولا الصفات التي كان الموجود في الخارج منشأ انتزاعها لا نفسها كالامكان والانقسام بمتساويين الموصوف به العدد الزوجي ، بل لنفس ماهية القطع مطابق حقيقي خارجي ، إلّا انها من الصفات الحقيقية «ذات الاضافة» فانها من الماهيات التعليقية المحتاجة الى طرفين ، لوضوح احتياج القطع الى قاطع ومقطوع به ، ولذلك فرع عليه بقوله : «ولذا كان العلم» المراد من العلم هو القطع ، والتعبير عنه بالعلم لبيان تمامية نوريته ، فلاجل ذلك كان «نورا تاما لنفسه» لعدم احتياجه الى كاشف آخر يكشفه ويكون طريقا له ، وحيث انه لا بد له من متعلق ومتعلقه منكشف ومستنير به «و» لذلك كان القطع «نورا لغيره» ايضا ففيه جهتان جهة نوريته التامة لنفسه ، وجهة تنوير غيره به ، فالجهة الاولى جهة صفتيته ، والثانية جهة كاشفيته ، ولما كان فيه هاتان الجهتان «صح ان يؤخذ فيه» أي صح ان يؤخذ في القطع جهته الاولى فيلاحظه الشارع ويأخذه موضوعا للحكم «بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة» ونور تام لنفسه ، وعند ملاحظته بهذه الجهة لا تكون جهة كشف متعلقه ملحوظة ، ويكون القطع الملحوظ بالجهة الاولى ملحوظا «بإلغاء جهة كشفه» لغيره ، وهو تارة يكون ملحوظا بما هو تمام الموضوع ، واخرى بنحو جزء الموضوع ، فيكون قد لحظ مع هذه الجهة خصوصية اخرى ، والى هذا اشار بقوله : «او اعتبار خصوصية اخرى فيه» أي في القطع كتحقق متعلقه في الخارج ايضا «معها» أي مع لحاظه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة ، فهذان قسمان لحاظه بنحو الصفتية تمام الموضوع وبنحو جزء الموضوع او قيده.

وللشارع ان يأخذ القطع موضوعا ملاحظا فيه جهته الثانية ، وهي جهة كاشفيته وانكشاف غيره به ، وهو ايضا تارة بنحو تمام الموضوع ، واخرى بنحو جزء الموضوع او قيده ، والى هذا اشار بقوله : «كما صح ان يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه وحاك عنه» بنحو تمام الموضوع او جزئه ، ولذا فرع بعد هذا بقوله : «فتكون

٦٣

ثم لا ريب في قيام الطرق والامارات المعتبرة ـ بدليل حجيتها واعتبارها ـ مقام هذا القسم (١) ، كما لا ريب في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل مقام

______________________________________________________

اقسامه اربعة» فان ملاحظته بنحو الكاشفية ايضا قسمان كما عرفت ، فلذلك كانت اقسام القطع الموضوعي اربعة «مضافا» هذه الاربعة «الى ما هو طريق محض عقلا» لا تصرف للشارع فيه وهو «غير مأخوذ في الموضوع شرعا» فتكون الاقسام خمسة.

(١) لا يخفى ان المهم في هذا الكلام هو ان دليل التنزيل الدال على تنزيل الظن منزلة القطع الطريقي كقوله عليه‌السلام : (العمري وابنه ثقتان فما حدثا عني فعنى يحدثان) (١) هل يمكن ان يشمل القطع المأخوذ بنحو الموضوع ام لا يمكن ان يشمله؟

وتوضيحه : ان قوله عليه‌السلام ـ العمري وابنه ثقتان ـ يرجع الى اعتبار الظن الحاصل من حديث العمري بالحكم المتضمن له حديثه هو كالقطع الحاصل من سماع حديثي بنفسي ، فقد جعل في هذا الحجية للظن الحاصل من مثل العمري والغاء احتمال الخلاف الموجود في طبيعة الظن ، فقول العمري ان الصادق عليه‌السلام يقول اذا شككت ـ مثلا ـ فابن على الاكثر هو بمنزلة ما اذا سمعتني اقول اذا شككت فابن على الاكثر ، فهذا الدليل الذي هو دليل الاعتبار للظن الحاصل من مثل حديث العمري لا اشكال في وفائه في قيام الطرق والامارات مقام القطع الطريقي المحض : أي في حجية الطرق والامارات المعتبرة ، وانه لها ما للقطع الطريقي من الآثار ، وانه كما ان القطع الطريقي الحاصل من سماع قول الامام حجة في لزوم الالتزام بما افاده من الحكم ، كذلك نقل العمري لذلك فانه لا بد فيه من لزوم الالتزام بما افاده من الحكم.

فاتضح من هذا ان المتحصل من دليل الاعتبار هو الالتزام بالحكم المتعلق به الظن الحاصل من الامارة ، وان هذا الظن حجة على الواقع كما ان القطع حجة بذاته عليه ، ومرجع هذا اما الى جعل الحجية للظن الطريقي مقام القطع الطريقي غير

__________________

(١) الكافي ج ١ ، ص ٣٣٠.

٦٤

ما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية من تلك الاقسام ، بل لا بد من دليل آخر على التنزيل ، فإن قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار ، لا له بما هو صفة وموضوع ، ضرورة أنه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصفات (١).

______________________________________________________

المأخوذ موضوعا لحكم من الاحكام ، او الى جعل الحكم على طبق الامارة طريقيا او نفسيا كما سيأتي التعرّض له في مبحث الظن ان شاء الله ، والى هذا اشار بقوله : «ثم لا ريب في قيام الطرق والامارات المعتبرة» وهو عطف تفسير للطرق ، فان الكلام في قيام الاصول مقام القطع الطريقي وعدم قيامها مقامه سيأتي الكلام فيه في قوله : ـ بعد ذلك ـ واما الاصول.

وعلى كل فلا اشكال في قيام الطرق والامارات «ب» واسطة «دليل حجيتها واعتبارها مقام هذا القسم» أي مقام القطع الطريقي المحض ، كما عرفت من وفاء دليل الاعتبار والحجية بذلك.

(١) قد عرفت ان القطع المأخوذ في الموضوع يمكن ان يكون مأخوذا بنحو الصفتية ، ويمكن ان يكون مأخوذا بنحو الكاشفية ، ولم يتوهم احد في شمول دليل اعتبار حجية الظن لقيام الظن مقام القطع المأخوذ موضوعا بنحو الصفتية ، فان القطع المأخوذ بنحو الصفتية موضوعا لحكم آخر لم يؤخذ بالنسبة الى الحكم الذي كان موضوعا فيه لكونه طريقا اليه ، بل قد اخذ القطع الذي كان هو الطريق لشيء بما هو نور موضوعا لشيء آخر ، فهو بالنسبة الى الحكم الذي لم يكن طريقا اليه قد اخذ بما هو صفة من الصفات المتكيّفة بها النفس لا بما هو طريق موصل ، لما عرفت من ان طريقيّته انما هي للشيء الذي كان متعلقا له لا للحكم الذي رتب عليه بما هو صفة ، لوضوح كون القطع لم يكن طريقا اليه بل كان موضوعا له كسائر الموضوعات الخارجية ، ودليل التنزيل والاعتبار للامارة وجعلها بمنزلة القطع انما هو لترتيب آثار القطع على الظن ، وآثار القطع هي لوازمه الذاتية من كونه موصلا تاما وكاشفا

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لا كاشف اتم منه ، وايصاله وكاشفيته هي آثار طريقيّته ، واما كونه صفة تتكيف بها النفس فهي نفس ذات القطع لا آثاره ، فلو دلّ دليل التنزيل على قيام الظن مقام القطع الصفتي فلا بد وان يكون ناظرا لغير جهة كشفه وايصاله ، بل لجهة تكيف النفس به وكونه من صفاتها.

ومنه ظهر : ان دليل التنزيل الدال على لزوم ترتيب آثار القطع على الظن الناظر لجهة كاشفيّة القطع وايصاله لا يكون ناظرا لجهة كونه صفة من صفات النفس ، فيحتاج تنزيل الظن مقام القطع الموضوعي الصفتي الى دليل آخر على التنزيل غير الدليل الدال على تنزيل الظن مقام القطع في آثاره ، فان الملحوظ في الدليل الدال على تنزيل الظن منزلة القطع في آثاره لا بد وان يختص بتنزيل الظن منزلة القطع الطريقي المحض ، ولذا قال (قدس‌سره) : «كما لا ريب في عدم قيامها» أي لا ريب في عدم قيام الامارة «بمجرد ذلك الدليل» الدال على اعتبارها وكونها كالقطع في آثاره «مقام» القطع الصفتي وهو «ما اخذ في الموضوع على نحو الصفتية» من تلك الاقسام التي مرّت سواء كان تمام الموضوع او جزء الموضوع ، لما عرفت من عدم وفاء دليل اعتبار حجية الظن بذلك ، فانها بلحاظ ما للقطع من الآثار لا بلحاظ ذات القطع وكونه صفة من صفات النفس «بل لا بد» في قيام الظن مقام القطع الموضوعي الصفتي «من دليل آخر» يدل على تنزيله غير الدليل المتكفل لكونه كالقطع الطريقي.

ثم اشار الى الوجه في ذلك ، وان دليل التنزيل الدال على كون الظن كالقطع الطريقي لا يفي بتنزيل الظن مقام القطع الموضوعي الصفتي بقوله : «فان قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار» وهو كونه موصلا وكاشفا تاما «لا له» أي لا يدل ذلك الدليل على ترتيب ما للقطع «بما هو صفة وموضوع ضرورة انه كذلك» أي بما هو صفة وموضوع «يكون كسائر الموضوعات

٦٦

ومنه قد انقدح عدم قيامها بذاك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو نحو الكشف ، فإن القطع المأخوذ بهذا النحو في الموضوع شرعا ، كسائر ما لها دخل في الموضوعات أيضا ، فلا يقوم مقامه شيء بمجرد حجيته ، أو قيام دليل على اعتباره ، ما لم يقم دليل على تنزيله ، ودخله في الموضوع كدخله (١) ، وتوهّم كفاية دليل الاعتبار الدال على

______________________________________________________

والصفات» فانه بما هو موضوع للحكم المرتب عليه لم يكن طريقا له ولا كاشفا عنه ، بل هو موضوع له كسائر الموضوعات الخارجية.

(١) بعد ما عرفت من ان دليل حجية الامارة انما يدل على تنزيلها منزلة القطع الطريقي المحض ، ولا يشمل تنزيل الامارة منزلة القطع الموضوعي الصفتي لان مفاد دليل الاعتبار هو كون الظن موصلا ، وان ما يتضمنه الطريق من الحكم يعتبر واصلا كالحكم الموصل له القطع ، فالملحوظ في مقام التنزيل ترتيب آثار القطع على الظن ، وليس الملحوظ فيه تنزيل الظن مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو صفة وكيفية خاصة تتكيف بها النفس ، بل لا بد في قيام الظن مقامه بهذه الملاحظة من دليل آخر يدل على كونه قد لحظ في مقام التنزيل بما هو صفة خاصة وكيفية مخصوصة.

فمن هذا البيان يتضح ايضا ان دليل الاعتبار والحجية للظن لا يشمل القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الكاشفية ، فان الفرق بين الموضوعي الصفتي والكاشفي هو جعله موضوعا في الاول بما هو صفة ، وفي الثاني بما هو كاشف عن متعلقه موضوعا للحكم المرتب عليه ، فهو بالنسبة الى الحكم المرتب في كونه موضوعا كسائر الموضوعات لا فرق بينه وبين القطع الصفتي ، وليس طريقا له ولا كاشفا عنه ، وانما كاشفيته الملحوظة في مقام موضوعيته انما هي بلحاظ كشفه عن متعلقه لا عن الحكم المرتب عليه ، مثلا اذ لحظ القطع بالوجوب بما هو كاشف موضوعا لوجوب التصدق فكاشفية القطع الملحوظ انما هي بالنسبة الى الوجوب المتعلق به القطع ، واما بالنسبة الى وجوب التصدق فليس لكاشفيته دخل في ذلك اصلا ، وهو بالنسبة الى وجوب

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التصدق موضوع كسائر الموضوعات الخارجية ، ولا فرق بينه وبين القطع الصفتي اصلا في ذلك ، فاذا كان دليل حجية الامارة ناظرا الى ترتيب آثار القطع كان الملحوظ فيه ذلك ، فلا يكون شاملا لتنزيل الظن مقام القطع الصفتي.

ومنه يظهر انه لا يكون شاملا ايضا للقطع المأخوذ موضوعا على نحو الكاشفية ، فان كاشفيته الملحوظة في مقام الموضوعية انما هي بالنسبة الى متعلقه وهو وجوب الجمعة ـ مثلا ـ لا بالنسبة الى الحكم المرتب عليه وهو وجوب التصدق ، فلا فرق بين الموضوعي الصفتي والموضوعي الكاشفي في عدم شمول دليل اعتبار حجية الامارات له ، وانه لا بد له من دليل آخر يدل على تنزيل الظن منزلة القطع المأخوذ موضوعا لحكم مترتب عليه سواء كان موضوعيته بنحو الصفتية او الكاشفية ، ولا فرق بينهما اصلا من جهة عدم شمول دليل اعتبار حجية الامارات لذلك ، والى هذا اشار (قدس‌سره) بقوله : «ومنه قد انقدح عدم قيامها» أي عدم قيام الامارات «بذاك الدليل» الدال على قيامها مقام القطع الطريقي المحض ، وانه لا يفي بقيامها «مقام ما اخذ في الموضوع على» نحو «الكشف» لما عرفت من عدم الفرق بين القطع الموضوعي الصفتي والكاشفي في ذلك «فان القطع المأخوذ بهذا النحو» أي بنحو الكاشفية «في الموضوع شرعا» كما اخذ القطع بالوجوب بنحو الكاشفية موضوعا للتصدق فانه مثل القطع الصفتي وكلاهما موضوع كسائر الموضوعات الخارجية لا فرق بينهما وبينها اصلا فهي «كسائر ما لها دخل في الموضوعات» الخارجية الماخوذة موضوعا للاحكام المرتبة عليه ، فالقطع المأخوذ موضوعا بنحو الكشف كالقطع الصفتي «ايضا» ، وقد عرفت انه لا يقوم مقام الظن الذي قام الدليل على قيامه مقام القطع الطريقي ، لعدم وفاء دليل اعتباره بذلك «فلا يقوم مقامه» أي لا يقوم مقام القطع المأخوذ بنحو الكشف «شيء» من الظن الحاصل من الطرق والامارات «بمجرد» قيام الدليل الدال على «حجيته او قيام دليل على اعتباره ما لم يقم دليل» آخر يدل «على تنزيله و» ان يكون ذلك الدليل الآخر قد

٦٨

الغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع ، من جهة كونه موضوعا ومن جهة كونه طريقا فيقوم مقامه طريقا كان أو موضوعا (١) ، فاسد جدا فإن

______________________________________________________

قام بلحاظ «دخله» أي دخل الظن «في الموضوع كدخله» أي كدخل القطع في الموضوع ، واما لو خلينا نحن ودليل الاعتبار القائم على حجية الظن فلا يفي الا بقيام الظن الطريقي مقام القطع الطريقي.

(١) لا يخفى انه يظهر من الشيخ في الرسالة شمول دليل الاعتبار الدال على حجية الظن الطريقي مقام القطع الطريقي ، للقطع الموضوعي الذي اخذ موضوعا بنحو الكاشفية دون القطع الموضوعي المأخوذ بنحو الصفتية ، وقد ذكر بعضهم منتصرا للشيخ وجها نتيجته شمول دليل الاعتبار لذلك ، وهو مركب من مقدمات اشار المصنف في عبارته الى احدها.

وتوضيح هذا الوجه ، انه مركب من مقدمات :

الاولى : ان الظن والقطع كلاهما كاشفان ويختلفان في كون القطع كاشفا تاما والظن كاشفا ناقصا لكونه مشوبا باحتمال الخلاف.

الثانية : ان القطع الموضوعي المأخوذ بنحو الكاشفية حقيقته انه يرى الواقع وانه تام الإراءة له ، والظن وان كان يرى الواقع إلّا انه حيث كان ناقص الإراءة فدليل الاعتبار الدال على إلغاء احتمال الخلاف فيه يجعله تام الإراءة تنزيلا.

الثالثة : ان دليل الاعتبار الدال على تنزيل الظن منزلة القطع ناظر الى تنزيله منزلته بجميع ما للقطع من الآثار سواء كانت عقلية او شرعية ، وآثاره العقلية التنجيز لو اصاب والعذر لو خالف ، ولزوم الالتزام بمتعلقه وآثاره الشرعية كونه موضوعا لحكم من الاحكام ، فدليل الاعتبار القائل ان الظن كالقطع وان المنزل له منزلة المنزل عليه يدل على لزوم ترتيب جميع ما للقطع من اثر ، سواء كان ذلك من آثاره غير المجعولة له او من آثاره المجعولة له ، وانه يترتب على الظن جميع آثار القطع ، فلا مانع من شمول دليل الاعتبار للظن باطلاقه لجميع ما للقطع من الآثار ، فهو واف بتنزيل

٦٩

الدليل الدال على إلغاء الاحتمال لا يكاد يكفي إلا بأحد التنزيلين ، حيث لا بد في كل تنزيل منهما من لحاظ المنزل والمنزل عليه ، ولحاظهما في أحدهما آلي ، وفي الآخر استقلالي ، بداهة أن النظر في حجيته وتنزيله منزلة القطع في طريقيته في الحقيقة إلى الواقع ومؤدى الطريق ، وفي كونه بمنزلته في دخله في الموضوع إلى أنفسهما ، ولا يكاد يمكن الجمع بينهما. نعم لو كان في البين ما بمفهومه جامع بينهما ، يمكن أن يكون دليلا على التنزيلين ، والمفروض أنه ليس ، فلا يكون دليلا على التنزيل إلا بذاك اللحاظ الآلي ، فيكون حجة موجبة لتنجز متعلقه ، وصحة العقوبة على مخالفته في صورتي إصابته وخطئه بناء على استحقاق المتجري ، أو بذلك

______________________________________________________

الظن منزلة القطع الطريقي ومنزلة القطع الموضوعي فيما كان القطع مأخوذا بنحو الكاشفية ، لان دليل الاعتبار الذي قد أنزل الظن وجعله منزلة القطع له اطلاق يشمل جميع آثار المنزل عليه ، ومن جملة آثاره كونه موضوعا لحكم من الاحكام.

الرابعة : ان لسان دليل اعتبار الظن منزلة القطع لما كان بلسان إلغاء احتمال الخلاف ، ومن الواضح ان الظاهر من لسان الغاء احتمال الخلاف هو لحاظ الكاشفية دون الصفتية ـ كان اطلاق دليل الاعتبار في مقام التنزيل مختصا بشموله لتنزيل الظن منزلة القطع الطريقي والقطع الموضوعي المأخوذ بنحو الكاشفية ، دون القطع المأخوذ موضوعا بنحو الصفتية ، والى ذلك اشار بقوله : «وتوهم كفاية دليل الاعتبار الدال على الغاء احتمال خلافه» في الظن «و» على «جعله بمنزلة القطع» في جميع ما للقطع من الآثار سواء الشرعية منها وهي ما اشار اليه بقوله : «من جهة كونه موضوعا» أو العقلية منها وهي ما اشار اليه بقوله : «ومن جهة كونه طريقا فيقوم» الظن «مقامه» أي مقام القطع «طريقا كان او موضوعا».

٧٠

اللحاظ الآخر الاستقلالي ، فيكون مثله في دخله في الموضوع ، وترتيب ما له عليه من الحكم الشرعي (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان قوله «فاسد جدا» هو خبر «توهم» : أي التوهم المذكور من شمول دليل الاعتبار باطلاقه لقيام الظن مقام القطع الطريقي والموضوعي فاسد جدا.

وقد اورد عليه بايرادين :

الاول : ما اشار اليه بقوله : «فان الدليل الى آخره» وتوضيحه على وجه لا يرد عليه ما ظن انه وارد عليه ، هو ان الظن الطريقي المراد جعله كالقطع الطريقي لم ينظر اليه الا كمرآة الى ما تعلق به وجعل متعلقه كالمقطوع ، فقوله : العمري وابنه ثقتان فما حدثا عني فعني يحدثان ، قد نظر فيه الى الظن الحاصل من تحديث العمري بما هو مرآة الى الحكم الذي يحدث به العمري ، فالظن في مقام التنزيل وان كان منظورا اليه إلّا انه منظور اليه بما هو مرآة محض لمتعلقه ، فان الغرض في هذا الجعل جعل المظنون الذي يحدث به العمري كالمقطوع الذي يحس بالمشاهدة من سماع قول الامام عليه‌السلام ، والظن المراد جعله قائما مقام القطع الموضوعي ينظر فيه الى الظن بما هو وبذاته لا كونه مرآة للمظنون ، فان الظن القائم مقام القطع الموضوعي يقوم مقامه بما هو ظن منظور اليه لان يكون قائما مقام القطع ، فالظن الذي يراد قيامه مقام القطع الموضوعي منظور اليه بنفسه لا بنحو ان يكون مرآة للمظنون.

ومن الواضح : ان الظن بما هو منظور اليه بنفسه ليس من شئون الظن المنظور اليه كمرآة الى المظنون حتى يكون اطلاق إلغاء احتمال الخلاف شاملا له ، فان كون الظن منظورا اليه بنفسه ليس من شئون الظن المنظور اليه مرآة الى المظنون ، وهذا هو مراده من قوله (قدس‌سره) : «حيث لا بد في كل تنزيل منهما من لحاظ المنزل» وهو الظن «والمنزل عليه» وهو القطع «ولحاظهما في احدهما آلي» وهو لحاظهما في مقام التنزيل كمرآة الى المظنون والمقطوع «وفي الآخر استقلالي» وهو كون الظن ملحوظا بما هو ظن قائما مقام القطع الموضوعي ، فان المنظور فيه لا بد وان يكون

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

الظن بما هو لا كمرآة الى المظنون ، وهو مراده من قوله في الآخر استقلالي ، ولذا فسر ذلك معقبا بقوله : «بداهة ان النظر في حجيته وتنزيله منزلة القطع في طريقيته في الحقيقة الى الواقع ومؤدى الطريق» فان المنظور اليه في جعل الظن مقام القطع الطريقي هو كون مؤداه هو الواقع ، فالظن في مثل هذا الجعل قد نظر اليه بما هو مرآة الى المؤدى «و» المظنون «في كونه بمنزلته» و «في» مقام «دخله في الموضوع الى أنفسهما» أي في مقام جعل الظن كالقطع الموضوعي ينظر الى الظن بما هو لا كمرآة الى المظنون ، فهو بنفسه المنظور اليه ويكون الغرض تنزيله بنفسه لا تنزيل مؤداه ، ومن الواضح ان الاطلاق انما يشمل ما يمكن ان يكون من شئون المطلق ، وكون الظن منظورا اليه بنفسه ليس من شئون الظن المنظور به كمرآة الى متعلقه وهو المظنون ، ولذا عقبه بقوله : «ولا يكاد يمكن الجمع بينهما نعم لو كان في البين ما» يمكن ان يكون «بمفهومه» ك «جامع بينهما» أي كجامع بين لحاظه بما هو مرآة الى المظنون ولحاظه بما هو وبنفسه «يمكن ان يكون» ذلك الجامع «دليلا على التنزيلين والمفروض انه ليس» لما عرفت من ان لازم لحاظه كمرآة الى المظنون عدم لحاظه بنفسه ، ولا جامع بين لحاظ الشيء وعدم لحاظه ، فلا يعقل ان يكون الدليل الدال على إلغاء احتمال الخلاف شاملا باطلاقه للظن الطريقي الملحوظ كمرآة الى المظنون وللظن الموضوعي الملحوظ الظن فيه بنفسه ، فان النظر اليه كمرآة لازمه عدم النظر اليه بنفسه ، ولا يعقل ان يكون هناك جامع بين شيئين لازم احدهما عدم الآخر.

فاتضح مما ذكرنا : ان دليل إلغاء احتمال الخلاف اما ان يكون في مقام النظر الى الظن كمرآة الى المظنون وحينئذ «فلا يكون دليلا على التنزيل إلّا بذاك اللحاظ الآلي» المنظور فيه الى جعل المظنون كالمقطوع ، فيكون خاصا بجعل الظن الطريقي كالقطع الطريقي «فيكون» الظن «حجة موجبة لتنجز متعلقه وصحة العقوبة على مخالفته في صورتي اصابته وخطئه» فالتنجز مختص بصورة الاصابة وصحة العقوبة على المخالفة يشمل الاصابة به والخطأ «بناء على استحقاق المتجري» للعقاب.

٧٢

لا يقال : على هذا لا يكون دليلا على أحد التنزيلين ، ما لم يكن هناك قرينة في البين (١).

فإنه يقال : لا إشكال في كونه دليلا على حجيته ، فإن ظهوره في أنه بحسب اللحاظ الآلي مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه (٢) ، وإنما يحتاج تنزيله بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالي من نصب دلالة عليه (٣) ، فتأمل في

______________________________________________________

واما ان يكون في مقام النظر الى الظن بنفسه وجعله كالقطع الموضوعي ، فيكون الظن في هذا الجعل ملحوظا لا كمرآة بل بنفسه ، وحينئذ يكون دليل التنزيل مختصا بجعل الظن الموضوعي مقام القطع الموضوعي ، والى هذا اشار بقوله : «او بذلك اللحاظ الآخر الاستقلالي فيكون مثله» أي فيكون الظن مثل القطع الموضوعي «في دخله في الموضوع و» لازمه «ترتيب ما له» أي ترتيب ما للقطع الموضوعي على الظن الموضوعي «من الحكم الشرعي».

(١) حاصله : انه بعد ان كان دليل التنزيل لا يعقل ان يشمل تنزيل الظن الطريقي والظن الموضوعي معا ، بل لا بد ان يكون متكفلا لا حدهما فقط ، فلازم ذلك كون دليل الاعتبار من المجملات ويحتاج الى قرينة تعين ان المراد به احد التنزيلين ، والى هذا اشار بقوله : «على هذا لا يكون دليلا على احد التنزيلين الى آخره».

(٢) حاصله : انه لا اشكال في كونه في مقام تنزيل الظن الطريقي ، لظهور مثل قوله فما حدثا عني فعني يحدثان انه في مقام كون المظنون الذي حدثا به هو كالمقطوع المشاهد بسماع حديث الامام نفسه ، ولذا قال : «فان ظهوره في انه بحسب اللحاظ الآلي مما لا ريب فيه».

(٣) بعد ما عرفت من كون دليل التنزيل لا يمكن ان يكون شاملا لكليهما معا ، وعرفت ظهوره ايضا في تنزيل الظن الطريقي .. تعرف انه لو قام دليل آخر على لحاظ الظن وتنزيله منزلة القطع الموضوعي يكون دليلا آخر على تنزيل آخر ، وهو مراده من قوله : «وانما يحتاج تنزيله بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالي من نصب دلالة

٧٣

المقام فإنه دقيق ومزال الاقدام للأعلام (١).

______________________________________________________

عليه» وهو ما اشار اليه في اول كلامه بقوله : لا ريب في قيام الطرق والامارات المعتبرة بدليل حجيتها مقام هذا القسم أي القطع الطريقي ، كما لا ريب في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل مقام ما اخذ في الموضوع على نحو الصفتية من تلك الاقسام ، بل لا بد من دليل آخر على التنزيل فيكون دليلا ثانيا على تنزيل ثان.

(١) ولعل مراده الاشارة الى دفع ما اوردوه على ما ذكره : من كون الظن على كل حال في مقام التنزيل لا بد وان يكون منظورا اليه بالاستقلال فلا يعود كلامه الى محصل ، وهو قوله ان الظن في دليل الاعتبار منظور اليه بالنظر الآلي ، فان الظن يكون آليا في مقام تحققه متعلقا بمتعلقه لا في مقام لحاظه في مقام التنزيل ، بل هو في مقام التنزيل سواء كان المراد به تنزيله منزلة القطع الطريقي او الموضوعي لا محالة يكون منظورا بالاستقلال.

والجواب عنه ما عرفت : من ان مراده من النظر الآلي للظن في مقام الاعتبار هو لحاظه بما هو مرآة الى المظنون ، فالظن وان نظر اليه في مقام التنزيل إلّا ان المراد منه بالنظر اليه هو المظنون : أي ان المراد به جعل المظنون كالمقطوع ، وليس مراده ان الظن في هذا المقام لم ينظر اليه وهو آلي ، بل المراد من آليته كون المراد به هو المظنون ، وهذا لا ينافي كونه منظورا اليه ولكنه لم يكن منظورا اليه بما هو بل منظور اليه بما هو مراد منه المظنون ، وهذا من موارد الخلط في المنظور بالحمل الاولي ، فان ماهية الظن بالحمل الاولي هي المنظورة في مقام التنزيل ، ولكن تارة يراد النظر اليها بما هي ماهية الظن ، واخرى يراد بالنظر اليها المظنون ، فهي ككثرة الرماد المنظورة في الكناية فانها منظور اليها بنفسها ولكنها كطريق الى المكنى عنه وهو الجود ، والنظر اليها كطريق الى المكنى عنه لا يجعلها من الماهية الموجودة بالحمل الشائع.

وبعبارة اخرى : ماهية الظن الموجودة بالحمل الشائع هي المتعلقة بمتعلقها خارجا لا الماهية المنظور اليها كطريق الى المظنون ، فتدبر.

٧٤

ولا يخفى أنه لو لا ذلك ، لا مكن أن يقوم الطريق بدليل واحد ـ دال على إلغاء احتمال خلافه ـ مقام القطع بتمام أقسامه ، ولو فيما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية ، كان تمامه أو قيده وبه قوامه.

فتلخص مما ذكرنا : إن الامارة لا تقوم بدليل اعتبارها إلا مقام ما ليس مأخوذا في الموضوع أصلا (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الايراد الثاني وحاصله : انه لو لا ما ذكرنا من عدم امكان شمول دليل الاعتبار الا لتنزيل واحد لما كان مانعا من ان يكون شاملا للقطع الموضوعي الصفتي ايضا.

وبعبارة اخرى : انه اذا امكن ان يكون لدليل التنزيل اطلاق يشمل القطع الطريقي والقطع الموضوعي الكشفي ، فلا مانع من ان يشمل القطع الموضوعي الصفتي ايضا.

فان قلت : إلغاء احتمال الخلاف يمكن ان يكون جامعا بين الطريقي والكشفي ولا يكون جامعا للصفتي ايضا فان الملحوظ فيه جهة الصفتية لا الكشفية.

قلت : ان كشف القطع الطريقي المحض غير كشف القطع الموضوعي الكشفي ، فان الاول كشفه عن الحكم الذي كان القطع طريقا محضا اليه ، والقطع الموضوعي الكشفي كشفه عن متعلقه الذي هو جزء الموضوع للحكم المرتب ، فالفرق بين الكشفين واضح ، فإلغاء احتمال الخلاف في الظن الطريقي انما هو بالنسبة الى الحكم المظنون ، وإلغاء احتمال الخلاف بالنسبة الى الظن الموضوعي الكشفي انما هو بالنسبة الى ما هو جزء الموضوع للحكم المرتب عليه ، فاذا كان إلغاء احتمال الخلاف مما يمكن ان يكون شاملا لهما مع الفرق بين كشفهما فلم لا يكون شاملا للقطع الصفتي ، لانه ايضا بما هو قطع كشف لا خلاف فيه ، فيكون إلغاء احتمال الخلاف ناظرا الى الظن الذي هو الكشف الناقص المحتمل للخلاف ، ومنزلا له منزلة القطع الذي هو الكشف التام الذي لا يحتمل الخلاف فيكون شاملا للقطع بجميع اقسامه ولا خصوصية

٧٥

وأما الاصول فلا معنى لقيامها مقامه بأدلتها ـ أيضا ـ غير الاستصحاب ، لوضوح أن المراد من قيام المقام ترتيب ما له من الآثار والاحكام ، من تنجز التكليف وغيره ـ كما مرت إليه الاشارة ـ وهي ليست إلا وظائف مقررة للجاهل في مقام العمل شرعا أو عقلا (١).

______________________________________________________

لخصوص القطع الموضوعي الكشفي ، ولذا قال (قده) : «لو لا ذلك لا مكن ان يقوم الطريق بدليل واحد دال» ذلك الدليل «على الغاء احتمال خلافه مقام القطع بتمام اقسامه ولو فيما اخذ في الموضوع على نحو الصفتية» سواء «كان» القطع «تمامه» اي تمام الموضوع «او قيده وبه قوامه» فيكون دليل التنزيل شاملا للقطع باقسامه الخمسة المزبورة.

ولكن بعد ما عرفت من عدم امكان شمول دليل الاعتبار الا لتنزيل واحد ، وظهور دليل الاعتبار في تنزيل المظنون منزلة المقطوع ـ تعرف ان الامارة لا تصلح الا لقيامها مقام القطع الطريقي ، فمحصلها ثبوت الحكم الذي دلت عليه الامارة ، كثبوت الحكم الذي كان مقطوعا به ، والى هذا اشار بقوله : «فتلخص مما ذكرنا الى آخر كلامه».

(١) توضيح مرامه (قدس‌سره) ببيان امرين :

الاول : ان الاصول المقررة للجاهل ستة :

ـ البراءة العقلية وهي قبح العقاب بلا بيان ، والبراءة النقلية وهي مثل رفع ما لا يعلمون ، والاحتياط العقلي كلزوم اجتناب كلا المشتبهين في مورد العلم الاجمالي ، بناء على كونه علة تامة للزوم الاجتناب كما يظهر منه (قدس‌سره) في مباحث البراءة لا في مباحث القطع ، فانه سيأتي منه اختيار انه مقتض لا علة تامة ، والاحتياط النقلي وهو كلزوم الاجتناب في الشبهة البدوية على مذاق بعض الاخباريين ، او في بعض موارد الشبهة البدوية التي علم الاهتمام بها من الشارع كمورد الدماء

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والفروج ، والتخيير وهو عقلي فقط كما في مورد الدوران بين المحذورين والاستصحاب.

الثاني : ان المراد من قيام شيء مقام شيء ليس كونه مرجعا بعد فقده ، فانه لو كان هذا المراد من القيام مقام القطع لقامت الاصول كلها مقام القطع ، ولا فرق بين الامارات والاصول اصلا ، بل المراد من القيام مقام القطع كون القائم مقام القطع له ما للقطع من الاثر من كونه طريقا منجزا للواقع لو اصاب وعذرا عنه لو خالف.

واذا كان هذا هو المراد من القيام مقام القطع ـ يتبين بوضوح عدم قيام الاصول ما عدا الاستصحاب مقام القطع ، لوضوح كون لسان الجعل فيها ليس جعلها طريقا منجزا للواقع لو اصابت وعذرا عنه لو اخطأت ، بل لسان جعلها هي كونها هي المرجع حيث لا قطع ولا دليل كالقطع موصلا الى الواقع ، فلأن لا يبقى الجاهل في حيرة فله في مورد اجراء البراءة ، وفي مورد آخر يرجع الى غيرها من الاصول بحسب مواردها كما سيأتي بيانها عند التعرّض لها في هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.

ولا يخفى ان لسان البراءة العقلية وهي قبح العقاب بلا بيان ، ولسان الجعل في البراءة النقلية وهي دليل الرفع ليس معناه كون البراءة منجزة لو اصابت ومعذرة لو خالفت ، بل البراءة العقلية هي عدم صحة عقاب الجاهل غير المقصّر في الفحص عند عدم وصوله الى ما حكم الله واقعا او تنزيلا ، ولازم هذه القضية وان كان هي المعذرية عند المخالفة إلّا ان هذه المعذرية ليست لكون المكلف قد سلك السبيل الموصل بحسب المعتاد فاخطأ الواقع ، بل انما هي عذرية المكلف حيث لم يصل اليه الحكم بنحو من انحاء الوصول ، فليست هذه المعذّرية هي المعذّرية التي عرفت انها من لوازم القطع لو اخطأ ، فلم تقع هذه المعذرية أثرا لطريق له شان الايصال حتى تكون هي الاثر المرتب على القطع.

واما البراءة النقلية وهي دليل الرفع فلوضوح كون لسانها هو رفع الالزام او رفع المؤاخذة حيث لا علم ، ولازمها هو العذر ايضا عند المخالفة ، وقد عرفت ان هذه

٧٧

لا يقال : إن الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه في تنجز التكليف لو كان (١).

______________________________________________________

المعذّرية ليست هي المعذّرية المترتبة على القطع لو خالف ، فليس للبراءة لسان يقتضي قيامها مقام القطع. واما بقية الاصول فسيأتي التعرّض من المصنف في عدم كونها قائمة مقام القطع لكونها طريقا الى الواقع ، والى هذا اشار بقوله : «واما الاصول فلا معنى لقيامها مقامه» أي مقام القطع «ب» واسطة «ادلتها ايضا» أي هي كالامارة في عدم قيامها مقام القطع الموضوعي «غير الاستصحاب» ولم يذكر الوجه لاستثناء الاستصحاب منها ، ويظهر منه أن لسان دليله يمكن ان يكون دالا على قيامه مقام القطع الطريقي ، وسنذكر ما يمكن ان يكون وجها لهذا الاستثناء ان شاء الله تعالى عند تعرض المصنف لعدم قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي.

وعلى كل فقد اشار الى دليل عدم قيامها مقام القطع الطريقي بقوله : «لوضوح ان المراد من قيام المقام» المقام بالرفع ، والمراد منه هي الاصول القائمة مقام القطع ان المراد من قيامها مقامه هو «ترتيب ما له» أي ترتيب ما للمقام عنه من الآثار وهو القطع على القائم مقامه من الاصول ، فيترتب عليها جميع ما للقطع «من الآثار والاحكام من تنجز التكليف» لو اصاب «وغيره» وهو العذر لو خالف «كما مرت اليه الاشارة» في كلامه المتقدم «و» الحال ان الاصول ليس لها هذا اللسان بل «هي ليست إلّا وظايف مقررة للجاهل في مقام العمل شرعا» كما في البراءة النقلية «او عقلا» في البراءة العقلية ، وليس لها مساس بكونها واقعة في طريق الايصال الى الواقع حتى تكون معذّريتها كمعذّرية القطع.

(١) حاصله : ان الاصول انما لا تقوم مقام القطع لانها ليست واردة بلسان الاحراز للواقع ، وانما كان لسانها لسان انها وظيفة للشاك ، وقد عرفت ان المراد من قيام شيء مقام شيء ليس هو مجرد كونه مرجعا يرجع اليه بعد فقده ، بل المراد من القيام مقامه هو البدلية عنه ، وان له ما للمقام عنه من الآثار والاحكام ، وحيث ان لسان

٧٨

فإنه يقال : أما الاحتياط العقلي ، فليس إلّا نفس حكم العقل بتنجز التكليف ، وصحة العقوبة على مخالفته ، لا شيء يقوم مقامه في هذا الحكم.

وأما النقلي ، فإلزام الشارع به ، وإن كان مما يوجب التنجز وصحة العقوبة على المخالفة كالقطع ، إلّا أنه لا نقول به في الشبهة البدوية ، ولا يكون بنقلي في المقرونة بالعلم الاجمالي (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

الاصول ليس لسان البدلية عن القطع وان لها ما له من الاحكام والآثار ، لذلك قلنا بعدم قيامها مقام القطع.

ولكنه لا يخفى ان هذا انما يتم في دليل البراءة العقلية منها والنقلية ، ولا يتم في الاحتياط فان لسانه لسان احراز الواقع ، وهو وان لم يثبت له أثر القطع من حيث المعذّرية في حال عدم الاصابة لوضوح كون الاحتياط موصلا للواقع على كل حال ولا يتأتى الخطأ فيه ، الّا ان له اثر القطع من حيث تنجيز الواقع به في حال الاصابة.

فينبغي ان يقال بقيام الاحتياط مقام القطع وان كان في بعض آثاره لا في جميعها.

(١) وحاصل الجواب ان تنزيل شيء يحتاج الى ان يكون هناك شيئان يكون احدهما منزلا والآخر منزلا عليه ، فيلحق المنزل ما للمنزل عليه من آثاره واحكامه.

والاحتياط اما عقلي او نقلي ، والاحتياط العقلي هو نفس حكم العقل بتنجيز الواقع ، فليس الاحتياط شيئا قد لحظه العقلاء ونزّلوه منزلة القطع حتى يكون هناك شيء قائم مقام القطع قد لحقه ما للقطع من اثر التنجيز.

واما النقلي فهو وان كان امرا مجعولا من الشارع لازمه التنجيز ، إلّا انه لا وجود له ، اما في الشبهة البدوية فلأنّا لا نقول به بل نقول بالبراءة فيها ، واما في مورد العلم الاجمالي فهو ليس باحتياط نقلي بل هو عقلي ، وقد عرفت انه نفس حكم العقل بالتنجيز لا انه شيء منزل عندهم منزلة القطع في اثره وهو التنجيز.

(٢) لعله اشارة الى ان عدم القول به منه (قدس‌سره) لا يمنع من كونه اصلا يقوم مقام القطع في أثره وهو التنجيز عند من يقول به.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

او انه اشارة الى ان الاحتياط في المقرون بالعلم الاجمالي انما يكون عقليا حيث يكون علة تامة للتنجيز كما هو مختاره في مباحث البراءة ، واما ما سيأتي منه في مباحث القطع فان الظاهر منه كونه مقتضيا لا علة تامة ، فيكون امر الشارع به جعلا منه للاحتياط لتنجيز الواقع كقوله عليه‌السلام : اهرقهما وتيمّم.

او اشارة الى ان جعل الاحتياط النقلي متحقق في غير الشبهة البدوية ومورد العلم الاجمالي ، كما في مقام علم من الشارع الاهتمام به كمورد الدماء والفروج ، فانه اصل قد جعل لتنجيز الواقع ، فلسانه لسان احراز الواقع لا جعل الحكم في مقام الشك كوظيفة للجاهل.

واما التخيير فلم يتعرّض المصنف لسبب عدم قيامه مقام القطع ، والسبب فيه هو ان المراد من التخيير هو التخيير العقلي في مثل دوران الامر بين المحذورين ، ومن الواضح انه اصل ليس حكم العقل به لكونه طريقا الى الواقع ، بل هو من الوظائف المقررة للجاهل بالحكم في مقام العمل ، لوضوح كون المكلف حيث لا بد له من ان يفعل او يترك في مورد يحتمل كونه واجبا او محرما ، وان امره لا يخلو عن الفعل او الترك ولا يستطيع ان يحتاط بترك كلا الامرين بل لا مناص له من احدهما ، ولا حجة له من الشارع في تعيين ما هو الواقع ، والمحذور محتمل في كلا طرفي العمل والترك ـ فلذا يحكم العقل له بالتخيير ، فهو وظيفة له في مقام الشك وليس واقعا في طريق الواقع حتى يمكن ان يقال بقيامه مقامه.

وبقي الاستصحاب وان لسانه هل هو لسان الاحراز والوقوع في طريق الواقع فيكون كالامارات ، ويقوم مقام القطع الطريقي ، او انه وظيفة للشاك فيكون كالبراءة ولا يقوم مقام القطع؟ وسنتعرّض ان شاء الله تعالى في الحاشية الآتية.

٨٠