بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

وجوه (١) : أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط ، وأن تعليق الحكم بإيجاب التبين عن النبأ الذي جيء به على كون الجائي به الفاسق ، يقتضي انتفاؤه

______________________________________________________

فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١) في سورة الحجرات وهي النازلة في الوليد بن عقبة في قضية بني المصطلق ، وهم فئة من خزاعة على ما في مجمع البحرين لما بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأخذ صدقاتهم فخرجوا اليه فرحين بلقائه فظن الوليد انهم انما خرجوا ليقتلوه لعداوة كانت بينه وبينهم في الجاهلية فرجع الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له انهم منعوا صدقاتهم ، فهمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بان يغزوهم فنزل الوحي عليه بهذه الآية.

(١) قد استدلوا بهذه الآية على حجية خبر العادل من وجوه :

منها : مفهوم الوصف فان وجوب التبيّن قد علّق على وصف الفسق ، فيدل بمفهومه على عدم وجوب التبيّن عن النبأ اذا لم يكن الجائي به فاسقا.

وحاصله : ان الوصف المعلق عليه الحكم هو العلة المنحصرة له فيدل على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف ، ولما كان لزوم التبيّن معلّقا على وصف الفسق للمخبر ، فاذا انتفى وصف الفسق عن المخبر بأن كان عادلا فينتفي لزوم التبيّن عند اخباره فلا يجب التبيّن عن الخبر اذا كان المخبر به عادلا.

وفيه : ان الوصف لا مفهوم فيه لعدم دلالته على العلية المنحصرة التي لا مفهوم مع عدمها ، بل لا دلالة له على العلية فضلا عن الانحصار وانما له اشعار بالعليّة ، وخصوصا في الآية المباركة فانه يحتمل ان يكون وصف الفسق قد ذكر لا لتعليق وجوب التبيّن عليه ، بل للتنبيه على فسق الوليد فلا يلزم لغوية ذكره اذا لم يكن علة للحكم.

__________________

(١) الحجرات : الآية ٦.

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ان مرجع هذا الاستدلال الى كون العقل يدل على ان الوصف في المقام علة منحصرة لا من حيث دلالة مفهوم الوصف دلالة لفظية.

وحاصله : لخبر الوليد وصفان : وصف ذاتي وهو كونه خبر واحد ، ووصف عرضي وهو كونه خبر فاسق ، فاما ان يكون العلة لوجوب التبيّن هو وصفه الذاتي فقط وهو كونه خبرا واحدا ، او يكون وصفه العرضي فقط وهو الحاصل من اضافته الى الفاسق ، واما ان يكون كل واحد منهما علة ، وحيث ان ظاهر الآية ان لوصف الفسق خصوصية فلا بد من انتفاء الاحتمال الاول وهو كون العلة المنحصرة هي وصف كونه خبرا واحدا ، وكذلك الاحتمال الآخر وهو كون كل واحد منهما علة مستقلة ، لوضوح انه مع كون الوصف الذاتي علة مستقلة لا وجه لذكر الوصف العرضي ، فيتعيّن ان العلة هي الوصف العرضي وهو كونه خبر فاسق.

فان قيل انه يمكن ان يكون العلة هي الجامع بينهما.

فانه يقال : ان الظاهر هو كون عنوان الفسق بخصوصه له دخل ، واذا كانت العلة هي الجامع لا يكون لوصف الفسق بخصوصه دخل ، فكون الظاهر ان لعنوان الفسق بخصوصه خصوصية تنفي كون العلة هي الجامع.

والجواب عنه : انه يحتمل ان العلة هي الوصف الذاتي ، والوصف العرضي انما جيء به للتنبيه على فسق الوليد.

ومنها : ان مناسبة الحكم والموضوع تقتضي التبيّن عن خصوص خبر الفاسق دون العادل ، لكون الفاسق غير مأمون الكذب ، بخلاف العادل فانه مأمون الكذب.

والجواب عنه : ان مناسبة الحكم والموضوع لا توجب القطع بأن العلية المنحصرة لوجوب التبيّن خصوص صفة الفسق ، لانها مناسبة ظنيّة لا توجب اكثر من الظن بذلك.

وهناك وجوه أخر ضعيفة تركناها مخافة التطويل.

٣٤٢

عند انتفائه (١).

______________________________________________________

(١) وحاصله : ان القضيّة الشرطية حيث انها تدل على كون المقدّم هو العلة المنحصرة لسنخ الحكم المعلّق عليه فهي تدل على انتفاء الحكم حيث ينتفي الشرط.

وتوضيحه : انه لا بد في القضية الشرطية من موضوع وهو المضاف اليه الطبيعة المتعلقة للحكم ، ولما كان الحكم المتعلق بالطبيعة معلقا على الشرط والشرط هو العلة المنحصرة لها ، فلا بد من دلالة القضية الشرطية على انتفاء الحكم المتعلق بالطبيعة المضافة الى ذلك الموضوع عند انتفاء الشرط عن ذلك الموضوع ، مثلا قولنا : ان جاءك زيد فاكرمه فان الحكم قد تعلق بطبيعة الاكرام المضاف الى زيد ، ولما كان الحكم المتعلق بطبيعة الاكرام معلقا على المجيء وهو العلة المنحصرة فالقضية الشرطية تدل على انتفاء الحكم ـ المتعلق بطبيعة الاكرام المضاف الى زيد المعلق على مجيئه ـ عن زيد حيث ينتفي مجيئه ، فمفهوم ان جاءك زيد فاكرمه نفى وجوب اكرام زيد عند انتفاء مجيئه ، فزيد هو الموضوع الموجود في القضية الشرطية المنطوقية والقضية المفهومية ، والموضوع في آية النبأ هو النبأ ، والحكم المتعلق بالتبيّن المضاف الى النبأ قد كان معلقا على مجيء الفاسق بالنبإ ، وحيث كان بمقتضى دلالة الشرطية ان العلة المنحصرة لوجوب التبيّن عن النبأ هو مجيء الفاسق به ، فلا بد من عدم الوجوب المتعلق بطبيعة التبيّن عن النبأ عند الشرط المعلق عليه وهو مجيء الفاسق به ، فلا يجب التبيّن عن النبأ الذي لم يجيء به الفاسق وهو العادل ، لوضوح ان الذي يجيء بالنبإ اما فاسق او غير فاسق وغير الفاسق هو العادل ، وهو الذي لا يجب التبيّن عن خبره.

فتحصّل مما ذكرنا : ان النبأ هو الموضوع في منطوق القضية الشرطيّة وهو متحقق في القضية المفهومية ، فان النبأ كما يجيء به الفاسق يجيء به العادل ، فان جاء به الفاسق فيجب التبيّن عنه وان جاء به العادل لا يجب التبيّن عنه ، ولا يكون الاخذ به من اصابة القوم بجهالة ولا العمل به مما يمكن ان يترتب عليه الندم ، والى هذا اشار بقوله : «وان تعليق الحكم بايجاب التبين عن النبأ الذي جيء به» الذي هو الموضوع

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في القضية المنطوقية «على كون الجائي به الفاسق يقتضي انتفاؤه» أي يقتضي انتفاء الحكم الذي هو وجوب التبين «عند انتفائه» أي عند انتفاء ما علق عليه وهو مجيء الفاسق فلا يجب التبين عن النبأ الجائي اذا لم يكن الذي جاء به فاسقا بان يكون الذي جاء به غير الفاسق.

ثم لا يخفى ان المشهور قد ضمّوا الى هذه القضية المفهومية مقدمة لتتم الدلالة على حجية خبر العادل ، والسبب في ذلك ان القضية المفهومية هي ان لم يجئكم فاسق بنبإ فلا تتبينوا ، وهذه القضية بنفسها لا تثبت حجية خبر العادل ، فانها انما تدل على عدم وجوب التبين عن النبأ الذي جاء به غير الفاسق ، اما انه يجب قبوله فلا صراحة في مقام الدلالة عليه. نعم بضمّ المقدمة التي ضمّوها اليها تكون النتيجة وجوب قبول خبر العادل.

وحاصل المقدمة : انه اذا كان نبأ غير الفاسق لا يجب التبيّن عنه كما هو مدلول القضية المفهوميّة ، فاما ان يتوقف فيه او يقبل ، ولا يعقل ان يتوقف فيه لان مرجع التوقف فيه مع عدم وجوب التبيّن عنه هو الردّ له ، ولا يعقل ان يكون حكم خبر العادل الردّ له من دون تبيّن وحكم خبر الفاسق التوقف فيه ووجوب التبيّن عنه ، فان العادل يكون اسوأ حالا من الفاسق وهذا معلوم العدم ، فيتعيّن قبوله من دون تبيّن وهو معنى حجيته ، فان الحجة هي التي تقبل من دون تبيّن عنها.

وانما احتاج المشهور الى هذه المقدمة لفهمهم من الامر بالتبيّن في القضية المنطوقية هو الوجوب النفسي دون الطريقي ، أما اذا كان الوجوب طريقيا فلا حاجة الى ضمّ هذه المقدمة لان معنى كونه طريقيا ان وجوب التبيّن انما هو في مقام العمل فيكون الوجوب في مقام العمل فمع فرض العمل والامر بوجوب التبيّن عن خبر الفاسق لاجل ان يكون العمل من غير جهالة فتدل القضية المفهومية على عدم وجوب التبيّن في ذلك المقام ، وان العمل بخبر غير الفاسق لا يجب التبيّن عنه ، لان العمل به ليس

٣٤٤

ولا يخفى أنه على هذا التقرير لا يرد : أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم له ، أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع (١) ،

______________________________________________________

من اصابة القوم بالجهالة ، فتكون القضيّة دالة على حجيّة خبر العادل من دون ضمّ تلك الضميمة.

والبرهان على ان وجوب التبيّن طريقي لا نفسي امران :

الاول : ان الظاهر من الاوامر المتعلقة بالتبيّن وامثاله كالعلم هو كون الامر بالتبيّن وبالعلم لاجل كونه طريقا الى حصول العلم والحجة المعذّرة.

الثاني : ان التعليل المذكور في الآية المباركة لوجوب التبيّن هو عدم الاصابة بالجهالة ، وهذا التعليل ظاهر في كون وجوب التبيّن طريقيا الى عدم الاصابة بالجهالة.

(١) لا يخفى انه قد استشكل على دلالة آية النبأ على حجية خبر العادل باشكالات : منها ما هو مختص بنفس الآية ، ومنها ما يعمّ كل ما يدل على حجية الخبر.

فمن الاشكالات المختصة بالآية ما اشار اليه بقوله : «لا يرد أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع الى آخر الجملة».

وتوضيحه : ان هذا الاشكال هو كون الآية سيقت لتحقق الموضوع ولا مفهوم لها فلا يكون لها دلالة على حجية خبر العادل ، وقد ذكر بنحوين :

الاول ما ذكره المصنف في حاشيته على رسائل الشيخ الاعظم ، وحاصله : ان القضية الشرطية : تارة يكون التالي فيها مما ينتفي بانتفاء الشرط عقلا ، مثل ان لقيت العالم فتعلّم منه ، ومثل ان رزقت ولدا فاختنه ، فان التعلّم من العالم والختان للولد مما ينتفيان بانتفاء الشرط المعلقان عليه ، لوضوح انه اذا انتفى لقاء العالم فلا يعقل التعلّم منه واذا انتفى رزق الولد فلا يعقل تحقق ختانه ، ومن الواضح ان هذا القسم من الشرطية لا مفهوم لها ، لان المفهوم انما يعقل دلالة القضية المنطوقة عليه فيما اذا امكن ثبوت التالي عقلا من دون تحقق الشرط المعلق عليه التالي ، فتكون القضية

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرطية من حيث دلالتها على كون الشرط هو العلة المنحصرة دالة على المفهوم ، اما اذا كان التالي مما ينتفي عقلا بانتفاء الشرط فلا يتوهم ثبوته حتى تكون القضية الشرطية بمفهومها دالة على انتفائه.

وبعبارة اخرى : ان القضية الشرطية اذا كانت من هذا القبيل فيها يكون الموضوع هو الشرط ، ومن الواضح انتفاء المحمول بانتفاء الموضوع عقلا فلا تساق القضية الشرطية لبيان هذا المعنى ، وانما تكون مسوقة لبيان ان هذا الشرط هو الموضوع في هذه القضية ، ولذا يقولون ان هذه الشرطية سيقت لتحقق الموضوع لا للمفهوم ، فلا تكون هذه الشرطية من افراد الشرطية التي ذهب المشهور الى دلالتها على المفهوم.

واخرى : تكون الشرطية مما لا ينتفي التالي فيها عقلا بانتفاء الشرط كقولنا : ان جاءك زيد فاكرمه ، فان الاكرام لا يحكم العقل بانتفائه بذاته عند انتفاء المجيء ، وهذه الشرطية هي التي قالوا بدلالتها على المفهوم على كون المجيء هو العلة المنحصرة ، ولو لا دلالة الشرطية على العلية المنحصرة لأمكن ان يثبت اكرام زيد لعلمه ـ مثلا ـ او لغيره.

وعلى كل فالعقل لا يرى ان الاكرام مما ينتفي بذاته عند انتفاء المجيء ، كما ينتفي التعلّم من العالم عند انتفاء لقاء العالم ، وكما ينتفي الختان عند انتفاء رزق الولد.

اذا عرفت هذا .. فنقول ان الآية المباركة من الشرطية التي سيقت لتحقق الموضوع فلا يكون لها مفهوم ، لان التالي فيها وهو نبأ الفاسق مما ينتفي بذاته عند عدم مجيء الفاسق به ، لان مدلول الآية هو وجوب التبيّن عن نبأ الفاسق عند مجيء الفاسق به ، ومن الواضح ان نبأ الفاسق مما ينتفي بذاته عند انتفاء مجيء الفاسق به ، والى هذا اشار بقوله : «فلا مفهوم له».

النحو الثاني : ما ذكره الشيخ الاعظم في الرسائل وهو لا يختلف عمّا ذكره المصنف في المقدمة المذكورة من كون الشرطية على قسمين ، ولكنه يختلف عنه في

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

دعوى أنّ الشرطية التي تساق لتحقق الموضوع مفهومها مفهوم السالبة بانتفاء الموضوع ، فمفهوم هذه القضية ان لم يجيء الفاسق بنبإ فلا تتبينوا ، وهذا المفهوم الذي هو مفهوم السالبة بانتفاء الموضوع لا دلالة على حجية نبأ العادل ، لان الموضوع فيه هو مجيء العادل به ، وهذا موضوع غير الموضوع في الآية ، فان انتفاء التبيّن عن نبأ الفاسق عند عدم مجيء الفاسق به لا يقتضي انتفاء التبيّن عن نبأ العادل عند مجيء العادل به ، فانه من ثبوت حكم لموضوع غير الموضوع المنفي عنه الحكم.

وبعبارة اخرى : انه لا بد من اتحاد الموضوع في القضيتين المنطوقية والمفهوميّة ، فوجوب التبين عن نبأ الفاسق وانتفائه عند عدم مجيء الفاسق به لا يقتضي انتفاء التبين عن نبأ العادل ، لان الموضوع في القضيتين غير الموضوع في القضية التي يراد انتفاؤه فيها.

وبعبارة اخرى : ان القضية التي مفهومها من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا يكون المفهوم فيها مما يفيد ، بخلاف القضية التي مفهومها ليس مفهوم السالبة بانتفاء الموضوع كقولنا ان جاءك زيد فاكرمه ، فان الموضوع في القضية السالبة والموجبة متحد وانما يختلفان بالسلب والايجاب ، فالآية المباركة مفهومها السالبة بانتفاء الموضوع وهو لا يفيد في اثبات ما يراد اثباته فيها من انتفاء وجوب التبيّن عن نبأ العادل عند مجيء العادل به ، والى هذا اشار بقوله : «او مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع».

وقد تبيّن مما ذكرنا في تقرير هذا الاشكال انه مبني على كون الموضوع في الآية هو مجيء الفاسق بالنبإ.

واما على ما ذكره المصنف من كون الظاهر من الآية ان الموضوع فيها هو النبأ لا مجيء الفاسق به ، فلا تكون الآية مما سيقت لتحقق الموضوع ، لوضوح ان الموضوع اذا كان فيها هو النبأ من دون تقيده بمجيء الفاسق به لا يكون مما ينتفي بانتفاء مجيء الفاسق به ، لجواز ثبوته بمجيء العادل به فتكون القضية مما سيقت للمفهوم ويكون

٣٤٧

فافهم (١).

نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به ، كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، مع أنه يمكن أن يقال : إن القضية ولو كانت مسوقة لذلك ، إلا أنها ظاهرة في

______________________________________________________

الموضوع في القضية المنطوقية هو الموضوع في القضية المفهومية ، والمتحصّل منها النبأ ان جاء به فاسق فتبينوا عنه والنبأ ان لم يجيء الفاسق به فلا تتبينوا عنه ، وينتفي الاشكال بكلا نحويه ، ولذا قال المصنف «على هذا التقرير لا يرد الى آخر الجملة».

(١) يمكن ان يكون اشارة الى ان القضية التي تساق لتحقق الموضوع : تارة يكون انتفاء التالي فيها بانتفاء الشرط لان التالي بطبيعته مما لا ثبوت له عند انتفاء الشرط كالختان المعلّق على رزق الولد وكالتعلّم من العالم عند انتفاء لقاء العالم.

واخرى يكون سوق القضية لتحقق الموضوع منوطا بكيفية اخذ الموضوع فيها كما في المقام ، فان النبأ ان كان هو الموضوع في القضيّة كانت مما سيقت للمفهوم ، وان كان الموضوع هو مجيء الفاسق به كانت القضية مما سيقت لتحقق الموضوع ، والظاهر من الآية كون الموضوع فيها هو مجيء الفاسق بالنبإ ، ولو كان النبأ هو الموضوع لقال النبأ ان جاءكم به فاسق فتبينوا ، فانه فرق واضح بين ان يقال : النبأ ان جاءكم فاسق به فتبينوا ، وبين قوله ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ، فان الظاهر من الثانية كون الموضوع فيها هو مجيء الفاسق بالنبإ ، وعليه تكون القضية مما سيقت لتحقق الموضوع فلا يكون لها مفهوم او يكون مفهومها غير مفيد على ما عرفت في النحوين المتقدمين.

٣٤٨

انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق ، فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر (١) ،

______________________________________________________

(١) حاصله : لو كان الموضوع في الآية مركبا من النبأ ومجيء الفاسق به او كان هو النبأ المقيد بمجيء الفاسق به كانت الشرطية في الآية قد سيقت لتحقق الموضوع ومع ذلك فهي تدل على حجية خبر العادل ايضا.

وتوضيحه : انه مما لا ريب فيه ان الشرطية التي سيقت لتحقق الموضوع تدل على التعليق ، وان التالي فيها معلق على الشرط ومن الواضح ايضا ان المعلق على الشرط ، هو سنخ الحكم ، فيكون المعلّق هو سنخ وجوب التبيّن واذا كان سنخ وجوب التبيّن مما ينتفي بانتفاء موضوع القضية وهو مجيء الفاسق بالنبإ فعند وجود موضوع آخر وهو نبأ العادل لا بد وان لا يكون وجوب التبيّن متحققا ، والّا لم يكن سنخ وجوب التبيّن مما ينتفي بانتفاء الموضوع في القضية وهو مجيء الفاسق بالنبإ ، فكون القضية سيقت لتحقق الموضوع يكون آكد في الدلالة على انه لا يجب التبيّن عند نبأ العادل ، لانه لو كانت الشرطية في الآية من الشرطية ذات المفهوم لامكن ان ينكر دلالتها على حجية نبأ العادل من ينكر مفهوم الشرط ، اما اذا كانت مما سيقت لتحقق الموضوع فلا ينكر احد ان المحمول مما ينتفي بانتفاء الموضوع ، والى هذا اشار بقوله : «مع انه يمكن ان يقال ان القضية ولو كانت مسوقة لذلك» أي ولو كانت مسوقة لتحقق الموضوع «إلّا انها» تكون دالة على حجية نبأ العادل لانها «ظاهرة» في تعليق سنخ الحكم الذي هو سنخ وجوب التبيّن على مجيء الفاسق بالنبإ ، ولازم هذا التعليق انتفاء سنخ وجوب التبين عند انتفاء مجيء الفاسق بالنبإ ، فتكون ظاهرة «في انحصار موضوع وجوب التبيّن في النبأ الذي جاء به الفاسق فيقتضي» هذا الانحصار «انتفاء وجوب التبين عند انتفائه» أي عند انتفاء مجيء الفاسق بالنبإ ، ولازم ذلك انتفاء وجوب التبيّن عند «وجود موضوع آخر» وهو نبأ العادل.

٣٤٩

فتدبر (١).

ولكنه يشكل بأنه ليس لها هاهنا مفهوم ، ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم ، لان التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق ، يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم (٢).

______________________________________________________

(١) لعله اشارة الى ما يمكن ان يدعى ان الشرطية التي سيقت لتحقق الموضوع لا تدل على التعليق من رأس.

ويرد على هذه الدعوى ان لازمها تعدد الوضع في حرف الشرط ، وانه قد وضع للدلالة على التعليق في غير القضية التي سيقت لتحقق الموضوع ، واما في القضية التي سيقت لتحقق الموضوع فقد وضعت لان تدل على محض تحقق الموضوع من دون دلالة لها على التعليق فتكون كالقضية الوصفية ، وهذا واضح البطلان لتبادر التعليق فيها ، ولا فرق في دلالة حرف الشرط على التعليق بين قولنا ان جاءك زيد فاكرمه وبين قولنا ان رزقت ولدا فاختنه في انها تدل في الاولى على تعليق وجوب الإكرام على المجيء ، وفي الثانية على تعليق الختان على رزق الولد.

(٢) هذا من الاشكالات المختصّة ايضا بآية النبأ ، وقبل بيان الاشكال نقول :

ان الاستدلال بمفهوم آية النبأ مبني على القول بدلالة القضية الشرطية على المفهوم ، اما من يقول بعدم دلالتها على المفهوم فلا وجه للاستدلال بها في المقام ، والى هذا اشار بقوله : «ولو سلم ان امثالها ظاهرة في المفهوم».

واما الاشكال فحاصله : ان دلالة القضية على المفهوم انما هو لدلالتها على ان الشرط هو العلة المنحصرة للتالي ، ولازم ذلك هو الدلالة على المفهوم وهو الانتفاء عند الانتفاء ، اما اذا كان التعليق في المنطوق ملحوقا بما يدل على ان الشرط ليس هو العلة فضلا عن ان يكون علة منحصرة للتالي فلا يكون في القضية المنطوقة تلك الخصوصية التي تستلزم الدلالة على المفهوم ، مثلا قولنا ان جاء زيد فاكرمه لعلمه لا دلالة لها على المفهوم ، بمعنى كون الاكرام علته التامة المنحصرة هو المجيء لان

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لعلمه قد دل على ان الاكرام معلولا للعلم لا للمجيء ، فلا دلالة لهذه القضية على انتفاء الاكرام عند انتفاء المجيء والآية من هذا القبيل ، فان ذيل الآية وهو قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) قد دل على ان العلة للتبين عن نبأ الفاسق ليس فسقه بل هو اصابة القوم بالجهالة ، والمراد من الجهالة عدم العلم ، فبكون المتحصّل عن الآية ـ والله العالم ـ انه اذا انبأكم الفاسق فتبينوا عن خبره ، ولا تاخذوا به لان الاخذ به من مصاديق الاخذ بعدم العلم المستلزم لاصابة الناس بالجهل.

والحاصل : ان المستفاد منها على هذا هو الاخذ بالعلم ، لان النهي عن اتباع غير العلم وهو الجهل لازمه ذلك ، وحينئذ تكون الآية دالة على النهي عن اتباع خبر العادل ايضا غير الموجب للعلم ، لانه من الواضح ان خبر العادل لا يوجب العلم لاحتمال خطأ العادل على الاقل.

لا يقال : ان ذيل الآية وان دل على ذلك الّا أن صدر الآية وهو التعليق في الشرط يستلزم الدلالة على المفهوم ، فيكون صدر الآية دالا على المفهوم وذيلها دالا على عدمه ، فيقع التعارض بين الصدر والذيل فلا تكون الآية دالة على النهي عن اتباع خبر العادل ، فيكون المتحصّل منها هو النهي عن الاخذ بخبر الفاسق من دون دلالة فيها على المفهوم ، وعدم الدلالة على النهي على الاخذ بخبر العادل لتعارض الصدر والذيل فيه.

فانه يقال : قد عرفت فيما تقدم الفرق بين القرينة المتصلة بالكلام وبين القرينة المنفصلة عنه ، وان الاولى تمنع عن انعقاد الظهور والدلالة ، بخلاف الثانية فانها انما تمنع عن حجية الظهور لا عن انعقاده ودلالته ، فالذيل في المقام قرينة متصلة على ان الشرط ليس علّة منحصرة ، فلا يكون له ظهور ودلالة على العلية المنحصرة المستلزمة للمفهوم ، ولا يكون المورد من التعارض بين الدلالتين لان المفهوم هو القضية المستلزمة للخصوصية المستفادة من المنطوق وهو كون الشرط علة منحصرة ، واذا

٣٥١

ولا يخفى أن الاشكال إنما يبتني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم ، مع أن دعوى أنها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة.

ثم إنه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل (١) ، ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الامام عليه‌السلام بواسطة أو

______________________________________________________

كان الذيل دالا على عدم كون الشرط هو العلة المنحصرة فلا تكون في القضية المنطوقية ظهور في الخصوصية التي تستلزم المفهوم.

فان قلت : اذا كانت علة التبيّن مشتركة بين الفاسق والعادل فما الوجه في ذكر الفاسق بالخصوص؟

قلت : لعل الوجه في ذلك التنبيه على فسق الوليد لانه لم يكن ظاهر الفسق ، ثم لاجل ان التبيّن لا يختص بالفاسق ذكر العلة وهي الجهالة المشتركة بينه وبين غيره ، وقد اشار المصنف الى الاشكال بقوله : «لان التعليل باصابة القوم بالجهالة» التي هي بمعنى عدم العلم «المشترك بين المفهوم» مراده من المفهوم هو عنوان العادل والّا فان لازم العلة المشتركة هو عدم المفهوم «والمنطوق» الذي هو عنوان الفاسق هذا الاشتراك «يكون قرينة على انه ليس لها» أي ليس للقضية المعلّلة ـ بما يلزمه عدم كون عنوان الشرط علة منحصرة ـ «مفهوم».

(١) هذا هو الجواب عن هذا الاشكال ، وحاصله : ان الاشكال مبناه ان العلّة للتبيّن هو الجهالة وعدم العلم المشتركة بين الفاسق والعادل ، واما اذا كان المراد منها هو السفاهة والعمل غير العقلائي فانه كثيرا ما يراد من الجهالة هو هذا المعنى ، كما في قوله تعالى : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)(١) فان الموعظة انما تكون عن

__________________

(١) هود : الآية ٤٦.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل غير المرضي ومنه افعال السفهاء ، واما الجهل وعدم العلم بما هو عدم العلم ليس من السفه.

وبعبارة اخرى : ان المناسب للجهل هو التعليم والايضاح والمناسب للسفه هو الموعظة والرّدع ، فالمراد من الجاهلين هم السفهاء الذين يفعلون بدافع الشهوات او الطغيان والتجبّر لا بما يقتضيه العقل والانصاف ، ومثله الجهالة في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ)(١).

ومن الواضح : ان الاخذ بما ياخذ به العقلاء وهو خبر العادل ليس من السّفاهة ، وانما السفاهة هو الاخذ بخبر الفاسق غير المبالي بما يترتب على العمل بالكذب من الفساد ، وعلى هذا فتكون العلة مما تختص بخبر الفاسق ولا تشمل خبر العادل ومبيّنة ، لوجه عدم حجية خبره ، وان الاخذ به من الاعمال السفهيّة المستلزمة للندم غالبا ، وفي خبر الوليد قطعا لانه أخبر عن كفر بني المصطلق المترتب عليه جهادهم وقتلهم ، وقد كان كذبا لانهم كانوا مؤمنين واي فساد اعظم من قتل المؤمنين.

لا يقال : ان كون الجهالة بمعنى السّفه تنافي المورد فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجل من ان يعمل سفها.

فانا نقول : ان الوليد لم يكن ظاهر الفسق والاعتماد عليه من السفه ، ولكنه لما كان ـ واقعا ـ فاسقا نزلت الآية للتنبيه على فسقه الذي كان يكتمه واعطاء ضابطة لكل خبر يكون من فاسق ، وقد اشار المصنف الى الجواب بقوله : «ولا يخفى ان الاشكال انما يبتني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم» فانها حينئذ تكون علة مشتركة بين الفاسق وغيره «مع ان» مناسبة الحكم الموضوع وان الذيل علة لما يختص بعنوان الفاسق دون غيره ولذا ذكر دون غيره تؤيد «دعوى انها» أي الجهالة «بمعنى السفاهة» لا عدم العلم وان الاخذ بخبر الفاسق هو «فعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل» فان

__________________

(١) النساء : الآية ١٧.

٣٥٣

وسائط (١) ، فإنه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الاثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب ، فيما كان المخبر به خبر العدل (٢) أو عدالة المخبر ، لانه وإن

______________________________________________________

الدعوى «غير بعيدة» بل قريبة لما عرفت من مناسبتها للنهي عن الاخذ بخصوص خبر الفاسق ووجوب التبيّن عن خبره بالخصوص ، لأن الأخذ به من السّفه المستلزم للندم غالبا.

(١) لما فرغ من الاشكالات المختصة بآية النبأ اشار الى ما لا يختص بآية النبأ ولكنه ذكر في مبحث آية النبأ ، كهذا الاشكال وهو عدم شمول ما دل على حجية خبر العادل للخبر مع الواسطة الواحدة او الوسائط المتعددة ، وقد اشار بقوله مثلها الى ذلك وانه لا اختصاص لهذا الاشكال بآية النبأ ويشمل غيرها كصدّق العادل.

(٢) توضيحه : يتوقف على بيان امور : الاول : انه قد ذكر هذا الاشكال بنحوين :

الاول : لزوم اتحاد الحكم والموضوع ، والثاني : لزوم توقف دخول بعض افراد العام في العموم على ثبوت حكم العام لفرد آخر ومحصله لزوم الدور ، والثاني مذكور في بعض نسخ رسائل الشيخ الاعظم ، ويشير اليه المصنف بعد ذكره للاشكال بالنحو الاول والجواب عنه.

الثاني : ان المراد من لزوم اتحاد الحكم والموضوع هو لزوم محذور عروض الشيء على نفسه ، فانه لما كان الحكم من اعراض موضوعه وكل عرض غير معروضه بالبداهة ومتأخر عن موضوعه رتبة الذي هو المعروض ، لامكان وجود الموضوع من دون ما يعرض عليه ، ولا يمكن وجود العارض من دون وجود الموضوع الذي يعرض عليه ، فلا يعقل ان يعرض الشيء على نفسه لانه عين نفسه لا غير نفسه ، ولانه لا يعقل ان يتقدم الشيء على نفسه او يتأخر عن نفسه ، فالحكم لا يعقل ان يعرض على نفسه بان يكون نفسه موضوعا لنفسه.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان الشيء عين نفسه وفي رتبة نفسه ، والعرض لا بد وان يكون غير موضوعه ومتأخرا عن موضوعه ، فعروض الحكم على نفسه هو محذور اتحاد الحكم والموضوع ، لبداهة اتحاد الشيء مع نفسه ، والحال انه باعتبار كونه موضوعا يقتضي ان يكون غير عارضه ويقتضي ايضا باعتبار كونه موضوعا متقدما ، فاذا عرض الشيء على نفسه كان لازم ذلك انه عين عارضه لان الشيء عين نفسه ، مع انه لا بد ان يكون الموضوع غير عارضه ، ولزم كونه متقدما على نفسه باعتبار كونه موضوعا ، ومتاخرا عن نفسه باعتبار كونه حكما.

الثالث : ان الموضوع لحجية خبر العادل مركب من ثلاثة اشياء : الخبر وكونه خبر عادل وكونه ذا اثر ، والوجه في اخذ الخبر وكونه عن عادل في الموضوع واضح ، لدلالة نفس قوله صدّق العادل اذا اخبرك على ذلك.

واما وجه كونه ذا اثر فلوضوح ان التعبّد بخبر العادل اذا لم يكن لخبره اثر لغو لا يصدر من الحكيم ، لان جعل التعبّد بخبره انما هو للأخذ بما يترتب على خبره ، واذا لم يكن له اثر لم يكن هناك شيء يؤخذ به.

اذا عرفت ذلك .. فنقول اذا اخبرنا الصّفار بان العسكري قال يجب كذا فيما اذا كنا في زمانه او اخذنا خبره من كتابه فلا اشكال ، لتحقق الموضوع باجزائه الثلاثة وهو الخبر وكونه خبر عادل وله أثر ، لانا قد سمعنا من الصّفار وهو عادل ، ومؤدى خبره هو الوجوب الكذائي ، فلا ريب في شمول صدّق العادل له.

اما اذا لم يخبرنا الصّفار ولم نأخذ الخبر من كتابه ، ولكن اخبرنا المفيد عن الصّفار انه اخبره بقول الامام ، وهذا هو الخبر ذو الواسطة الواحدة ، او اخبرنا الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه ابراهيم عن ابيه ابراهيم عن البزنطي عن الرضا ، وهذا هو الخبر ذو الوسائط ، فيشكل شمول صدّق العادل لذلك ، ووجهه ما عرفت من لزوم كون الخبر ذا اثر ، وفي الخبر ذي الواسطة الواحدة او الوسائط كمثل خبر المفيد عن الصفار او خبر الكليني عن علي بن ابراهيم لا يوجد اثر سوى تصديق المفيد بان

٣٥٥

كان أثرا شرعيا لهما ، إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض (١).

______________________________________________________

الصفار اخبره ، وهذا المقدار لا يكفي في ترتيب الوجوب بل لا بد من شمول صدّق العادل ايضا للصفار حتى نصل الى الاخذ بما اخبر به وهو الوجوب ، فصدّق العادل الشامل لخبر المفيد لا بد وان يكون شاملا لخبر الصفار ايضا ، ومن الواضح ان خبر الصفار حيث كان منقولا بخبر المفيد عنه لا يكون ذا أثر الّا بعد شمول صدّق العادل لخبر المفيد ، فصدّق العادل الشامل لخبر المفيد الذي لا اثر له سوى تصديقه بان الصفار اخبره لا يعقل ان يكون شاملا ايضا لخبر الصفار ، لان لازم ذلك ان يكون هذا الحكم وهو وجوب تصديق العادل الناظر لخبر المفيد ناظرا الى نفسه فيما اذا شمل خبر الصفار ، فيكون صدّق العادل الذي هو الحكم اللاحق لخبر المفيد المثبت لخبر الصّفار الذي هو حكم له ايضا ، فيكون باعتبار كونه اثرا لخبر المفيد موضوعا لنفسه للأثر في خبر الصّفار ، فانه لا بد ان يلحق خبر الصّفار وجوب التصديق كما لحق خبر المفيد لتتم السلسلة الى الاثر الذي هو الوجوب الكذائي ، والى هذا اشار بقوله : «فانه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي ليس» هو «إلّا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الاثر الشرعي» واذا اخبر المفيد عن الصّفار فيكون الاثر الشرعي لخبر المفيد ليس هو إلّا نفس تصديق المفيد بان الصّفار اخبره ، وهذا هو احد اجزاء الموضوع لخبر الصّفار لان يلحقه وجوب التصديق ايضا ، فيكون وجوب التصديق الذي هو الحكم موضوعا لنفسه فلا يكون هناك اثر شرعي لوجوب التصديق الا «بلحاظ نفس هذا الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل» وهذا معنى قولهم انه يلزم اتحاد الحكم والموضوع.

(١) حاصله : ان اشكال اتحاد الحكم والموضوع الوارد على الخبر ذي الواسطة فيما اذا اخبر العدل عن عدالة مخبر له بخبر ، فانه يرد على خبر العدل المخبر عن عدالة مخبر له ما ورد على اخباره بان العادل اخبره ، فانه اذا اخبر العدل عن عدالة مخبر

٣٥٦

نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا ، فلا بأس في أن يكون بلحاظه أيضا ، حيث إنه صار أثرا بجعل آخر ، فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع ، بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل واحد (١) ،

______________________________________________________

آخر ولم يكن اثر هناك لعدالة المخبر عنه سوى تصديقه في اخباره كما اذا كان قد توفي فلا مجال للاقتداء به حتى يكون هو الاثر الشرعي ، فلا فائدة في ثبوت عدالته ولا أثر لها تعبدا الا نفس تصديقه ، فيكون وجوب التصديق الذي هو الاثر الشرعي للمخبر الاول هو بنفسه الاثر الشرعي لعدالة الذي اخبر عن عدالته ، وقد عرفت ان عدالة المخبر احد اجزاء الموضوع لوجوب صدّق العادل ، فيكون الحكم الذي هو صدّق العادل اللاحق لخبر المخبر الاول عن عدالة المخبر الثاني هو المثبت للعدالة التي هي الموضوع لنفس وجوب صدّق العادل اللاحق ايضا للعدل الثاني ، فيكون صدّق العادل موضوعا للحكم الذي هو نفسه صدّق العادل ايضا ، والى هذا اشار بقوله : «لانه وان كان» تصديق العادل «اثرا شرعيا لهما» أي اثرا شرعيا لما كان المخبر به خبر العدل او عدالة المخبر «إلّا انه» قد حصل هذا الاثر الشرعي لخبر العدل الثاني ولعدالة المخبر الذي اخبر العدل الاول عن عدالته «بنفس الحكم» الذي هو صدّق العادل «في مثل الآية الآمرة بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض».

(١) توضيحه : ان اشكال اتحاد الحكم والموضوع فيما اذا اخبر العادل عن اخبار عدل آخر له او عن عدالة مخبر انما يلزم فيما اذا كان هناك انشاء واحد فانه ليس له إلّا حكم واحد فيكون ذلك الحكم الواحد المنشأ بصدق العادل مرة واحدة موضوعا لنفسه ، للزوم شمول هذا الانشاء الواحد ذي الحكم الواحد لخبر المفيد ولخبر الصّفار فيما اذا اخبر عن اخبار الصفار له ، او عن عدالة الصّفار فيما اذا اخبر عن عدالته ، فيكون صدّق العادل الشامل لخبر المفيد موضوعا لنفسه في خبر الصّفار او في عدالته ، واما اذا أنشأ صدّق العادل مرتين الاولى لخبر المفيد والثانية لخبر الصّفار او لعدالته فلا يرد اشكال اتحاد الحكم والموضوع ، لوضوح كون الحكم المنشأ بصدق العادل الاولى غير

٣٥٧

فتدبر (١).

______________________________________________________

الحكم المنشأ بصدق العادل الثانية ، فلا يكون الحكم في صدّق العادل الاولى موضوعا لنفسه ، بل يكون الحكم في صدّق العادل الاولى موضوعا لحكم آخر غيره ، وهو الحكم المنشأ ثانيا بصدق العادل الثانية ، ولذا قال (قدس‌سره) : «نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا فلا باس في ان يكون بلحاظه ايضا» أي فلا بأس بان يكون صدّق العادل الاول موضوعا بلحاظ صدّق العادل ايضا المنشأ ثانيا «حيث انه صار» صدّق العادل «اثرا» شرعيا آخر «ب» واسطة «جعل آخر» بانشاء آخر لصدّق العادل مرة ثانية «فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع» بل هو كما لو كان صدّق العادل الاول موضوعا لحكم آخر في الخبر الثاني او عدالة المخبر كما لو كان العدل الثاني حيا ، فانه لا يكون الاثر الشرعي هو وجوب تصديقه بل يكون الاثر جواز الاقتداء به او قبول شهادته وهذا «بخلاف ما اذا لم يكن هناك إلّا جعل واحد» بإنشاء واحد فانه لا بد وان يكون هذا الانشاء الواحد الذي ليس فيه إلّا جعل حكم واحد هو الاثر الشرعي الشامل للاول وللثاني.

(١) لعله اشارة الى ان الانشاء الثاني انما يرفع الاشكال في الخبر ذي الواسطة الواحدة وهو الخبر المخبر عن الخبر الثاني المتكفل للحكم الواقعي ، اما اذا تعددت الوسائط فلا بد من تعدد الانشاء بمقدار تعدد الوسائط ، هذا أولا.

وثانيا : ان الواصل لنا ليس إلّا انشاء واحد وجعل واحد ، وهو واضح في مثل آية النبأ فانها ليست إلّا آية واحدة قد تكفلت لانشاء واحد وجعل واحد.

٣٥٨

ويمكن ذب عن الاشكال (١) ، بأنه إنما يلزم إذا لم يكن القضية طبيعية ، والحكم فيها بلحاظ طبيعة الاثر ، بل بلحاظ أفراده ، وإلا فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده ، بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان مراده من قوله الذّبّ عن الاشكال هو دفع الاشكال ، والحال ان الذّبّ عن الشيء هو الدفاع عنه لا دفعه ، فالاولى ان يقال ويمكن الذّبّ للاشكال او ذبّ الاشكال باعتبار كون الذّبّ متعدّيا.

(٢) توضيحه : ان مراده من القضية الطبيعية ليست هي الاصطلاحية المنطقية ، فانها هي القضية التي كان الحكم فيها على الطبيعة ـ بما هي كليّة ـ كقولنا الانسان نوع والحيوان جنس ، والنوع بما هو والجنس بما هو لا وجود لهما الا في الذهن ، ومن الواضح انه المراد بهذه القضايا العامة هي الطبيعة بما هي موجودة خارجا ، بل مراده من القضية الطبيعية هو ان الطبيعة في مقام الحكم لم تلحظ فانية في الافراد كما هي كذلك في القضية المحصورة ، فان الطبيعة في القضية المحصورة قد لحظت بما هي فانية في الافراد ، وفي القضية الطبيعية المرادة في المقام هو لحاظ الطبيعة بما هي موجودة بوجودها السعي ، فالافراد لم تلحظ لا بنحو التفصيل ولا بنحو الاجمال ، واذا كانت القضية ملحوظة كذلك لا يرد اشكال اتحاد الحكم والموضوع ، فان صدّق العادل الذي قد اريد به وجوب ترتيب الاثر قد لحظ فيه طبيعة الاثر ، فالملحوظ في مقام الحكم هو نفس الطبيعة دون الافراد ، والذي يكون بعضه موضوعا للآخر هو الفرد ، فان الفرد الاولى من تصديق العادل يكون موضوعا لفرد آخر من التصديق للعادل ، والحكم المترتب على الطبيعة الملحوظة يسري إلى جميع افراد الطبيعة لاتحاد الطبيعي مع فرده في مقام الوجود خارجا ، فالحكم يكون ساريا لجميع الافراد من دون لزوم المحذور المذكور من اتحاد الحكم والموضوع.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان القضية الطبيعة المقصودة في المقام في قبال المحصورة قد لحظت الطبيعة الموجودة بالاستقلال وبما هي منظور اليها وانها مالها ينظر ، واما في المحصورة فالطبيعة ملحوظة بنحو المرآة والفناء في الافراد فتكون منظورة بالنظر الآلي المرآتي ، فيكون المقصود بالحكم هو الافراد بنفسها ، وفي القضية الطبيعية المقصود بالحكم هو نفس الطبيعة بما هي موجودة خارجا أي بما انها لها وجود خارجي ، ومنها يسري الحكم الى الافراد لاجل اتحاد الطبيعية والفرد في الوجود خارجا ، ومن الواضح ان التقدم والتاخر في افراد الطبيعة الطولية انما هو في افرادها لا في الطبيعة نفسها ، فما فيه التقدم والتأخر الذي هو الافراد ليس موضوعا للحكم وما هو الموضوع للحكم ليس فيه تقدم وتأخر.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان القضية الطبيعية والقضية المحصورة تشتركان في كون الحكم فيهما يلحق الفرد إلّا انه في القضية الطبيعية انما يلحق الفرد لانه يسري اليه من الطبيعة المتحدة معه في الوجود ، وفي المحصورة يلحق الحكم الفرد لان الفرد بنفسه هو موضوع الحكم.

ولاجل ذلك لا يرد الاشكال اذا كانت القضية ملحوظة بنحو ان يكون الحكم فيها على نفس الطبيعة من دون لحاظ الافراد لا تفصيلا ولا اجمالا ، وانما يرد فيما اذا كان الحكم على الطبيعة الملحوظة فانية في الافراد ، فان الافراد فيها وان لم تكن ملحوظة بنحو التفصيل لعدم حصرها وتناهيها في امثال هذه القضايا الحقيقية العامة ، ولكنها ملحوظة بنحو الاجمال وكون الطبيعة مرآة اليها ، فتكون الافراد لبّا هي الموضوع للحكم ، وحينئذ يمكن ان يرد الاشكال بان يقال : ان الطبيعة الملحوظة مرآة لافرادها لا يعقل ان تكون ناظرة بنظر واحد الى الافراد التي يكون بعضها موضوعا للآخر ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «بانه انما يلزم» أي انما يلزم اشكال اتحاد الحكم والموضوع فيما «اذا لم يكن القضية طبيعية» وهي التي لم يلحظ فيها الافراد

٣٦٠