بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

فصل

المشهور بين الاصحاب حجية خبر الواحد (١) في الجملة بالخصوص ،

______________________________________________________

وينبغي ان لا يخفى ان الشهرة ليست بحجة ، لانه لم يعلم ان مستندهم فيها دليل معتبر ، فهي أضعف من الاجماع لوجود المخالف ، وقد عرفت عدم حجية الاجماع فضلا عن الشهرة ، وان علم او حصل الاطمئنان بان لهم مستندا من دليل معتبر عندهم فقد عرفت ايضا عدم كفاية هذا العلم في الحجية ، لان الدليل المعتبر لا بد وان يكون رواية ، والرواية وان كانت حجة من حيث السند وان كان لاستناد المشهور اليها ، الّا انها ليست بحجة من حيث الظهور ، لان تحقق الظهور عندهم لا يوجب تحقق الظهور عند غيرهم كما مر بيان ذلك في الاجماع ، والسبب في انحصار الدليل المعتبر في الرواية ، لوضوح انه لو كان الكتاب لما خفي على من تأخر عنهم وعلى المخالف لهم في عصرهم ، وعدم كونه هو العقل لبداهة عدم خفاء الدليل العقلي على غير المشهور ، وعدم كونه هو الاصل والقاعدة لذلك ايضا.

(١) لا يخفى ان صلاحية الخبر لان يكون دليلا على الحكم او على موضوع ذي حكم انما تتم بجهات أربع :

الاولى : حجية الظهور وقد مرّ البحث عنها وان الظهور حجة.

الثانية : كون الظهور الاستعمالي هو المراد الجدي ، وقد مرّ ايضا قيام بناء العقلاء على ان ما كان اللفظ ظاهرا فيه هو المراد الجدي للمتكلم.

الثالثة : ان الظاهر الذي هو المراد جدّا بيانه قد كان الداعي لبيانه هو بيان الواقع ، وهذه الجهة هي المعبّر عنها بجهة الصدور ، وان الاصل في ما تضمن الحكم ان يكون الحكم قد صدر لبيان الواقع وانه هو الحكم الواقعي ولم يصدر تقية او امتحانا ، وهذه الجهة وان لم تكن معنونة بذاتها في كلامهم إلّا ان الظاهر من الاصحاب بناؤهم على ان الاصل في جهة الصدور هو كون الحكم قد صدر لبيان الواقع ، الا

٣٢١

ولا يخفى أن هذه المسألة (١) من أهم المسائل الاصولية ، وقد عرفت في أول الكتاب أن الملاك في الاصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق

______________________________________________________

ان يوثق بصدوره لبيان غير الواقع ، فما لم يوثق بذلك فالاصل فيه هو كون الصدور فيه لبيان الواقع.

ولا يخفى ان هذه الجهات الثلاث مما يشترك فيها الخبر الواحد غير المعلوم الصدور ، والخبر المعلوم الصدور ، فان كون الخبر المعلوم الصدور انما يختلف عن الخبر الواحد غير المعلوم الصدور من جهة السند لا من جهة الظهور ، ولا من جهة كون ظاهره هو المراد جدّا ولا كون صدوره لبيان الواقع ، فان الجهات تتأتى في الخبر المعلوم صدوره ايضا.

الجهة الرابعة : هي حجية الخبر الواحد من جهة السند او انه من الظنون الخاصة المحتاجة الى دليل قطعي يقوم على حجيته ، لما عرفت من ان الاصل عدم حجية كل ظن عدا ما يقوم الدليل القطعي على حجيته.

ومما ذكرنا يظهر خروج المعلوم الصدور عن محل البحث ، فان المبحوث عنه في المقام هو هذه الجهة الرابعة ، وهي حجيّة الخبر الواحد من ناحية السند لأنه لا يفيد الّا الظن بالصدور ، فالخبر المعلوم الصدور خارج عن موضوع البحث في هذا الفصل.

(١) لا يخفى ان المحتملات في حجية خبر الواحد كثيرة :

منها حجيته مطلقا.

ومنها حجية خبر العادل منه بخصوصه اما مطلقا او بشرط كون كل واحد من رواته معدلا بعدل واحد او بعدلين او موثقا.

ومنها حجية الخبر الواحد الموثوق به وان لم يكن رواته عدولا لا بحسب الاصطلاح فضلا عن ان يكون كل واحد منهم معدلا بعدلين ، فان العادل بحسب

٣٢٢

الاستنباط ، ولو لم يكن البحث فيها عن الادلة الاربعة ، وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الاصول هي الادلة ، وعليه لا يكاد يفيد في ذلك ـ أي كون هذه المسألة أصولية ـ تجشم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل ، ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الادلة ، بل عن حجية الخبر الحاكي عنها (١) ، كما لا يكاد يفيد

______________________________________________________

الاصطلاح هو الامامي الذي له ملكة الخوف من الله الرادعة عن الكبائر وعن الاصرار على الصغائر ، نعم لا بد من ان تكون سلسلة الرواية موثوقا بهم.

ومنها عدم حجية الخبر الواحد مطلقا.

والمشهور عند الاصحاب هو حجية الخبر الواحد في الجملة في قبال عدم حجيته مطلقا ، والمراد من قوله : «بالخصوص» هو حجية الخبر الواحد بما هو خبر واحد لا لكونه من مصاديق حجية مطلق الظن.

(١) لا يخفى ان سبب الاشكال في هذه المسألة وفي غيرها كمسألة التعادل والتراجيح هو لاجل البناء على ان موضوع علم الاصول هو الادلة الاربعة ، والاشكال من جهتين :

الاولى : ان البحث هنا عن حجية الخبر فلا بد وان يكون بما هو بحث عن حجيّته من عوارض موضوع علم الاصول ، ومن الواضح ان البحث عن الحجية هو بحث عن دليلية الدليل ، فهو بحث عن نفس الموضوع لا عن عوارض الموضوع ، فان الخبر لو كان احد الادلة الاربعة لا يكون البحث عن دليليته بحثا عن عوارضه ، لان البحث عن عوارض الموضوع لا بد وان يكون بعد الفراغ عن موضوعيته ، ولما كان الموضوع هو الدليل بوصف كونه دليلا فالبحث عن دليلية الدليل بحث عن نفس الموضوع لا عن عوارضه.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واجاب صاحب الفصول عن هذا الاشكال : بان الموضوع ليس هو الأدلة بما هي أدلة بل نفس ذوات الأدلة لا بوصف كونها أدلة ، وحينئذ يكون البحث عن دليلية الدليل بحثا عن عوارضه.

وفي هذا الجواب تجشم واضح ، فان الظاهر كون الأدلة بما هي أدلة موضوعا لا نفس ذوات الأدلة.

الجهة الثانية : انه لو سلّمنا ان البحث عن دليلية الأدلة الاربعة من العوارض إلّا ان الخبر الواحد ليس واحدا من الأدلة الاربعة ، فان الأدلة الاربعة هي الكتاب والاجماع والعقل والسنة ، ومن الواضح ان الخبر الواحد ليس من الكتاب ولا من الاجماع ولا من العقل فتبقى السنة ، فاذا كان الخبر الواحد ليس من السنة يكون خارجا عن الأدلة الاربعة ويكون بحثا عن مسألة ليس لها مساس بما هو الموضوع لعلم الاصول ، فيخرج البحث عنه عن ان يكون بحثا عن علم الاصول بعد فرض عدم انطباق ما هو الموضوع لعلم الاصول عليه.

واما كون الخبر الواحد ليس من السنة ، فلأن السنة هي قول المعصوم او فعله او تقريره ، والخبر الواحد هو الحاكي لاحد هذه الثلاثة ، ومن الواضح ان الحاكي غير المحكي عنه ، وقد اشار المصنف الى الجهة الاولى من الاشكال ، وان الجواب المذكور عنها من التكلف والتجشم بقوله : «لا يكاد يفيد في ذلك» أي بعد كون الموضوع هو الأدلة يستشكل بكون البحث عن دليليّة الخبر ليس بحثا عن عوارض الموضوع بل هو بحث عن نفس الموضوع ، فلا يكاد يفيد في ذلك «أي» في مقام الجواب عنه وتصحيح «كون هذه المسألة اصولية» ما اجاب عنه في الفصول من «تجشم دعوى ان» الموضوع هو ذوات الأدلة لا بما هي أدلة.

وعليه يكون «البحث عن دليليّة الدليل بحثا عن احوال الدليل» لانه أولا تجشم لان الظاهر كون الأدلة بما هي أدلة هي الموضوع لا ذوات الأدلة.

٣٢٤

عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة ـ وهي قول الحجة أو فعله أو تقريره ـ هل تثبت بخبر الواحد ، أو لا تثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة (١)؟. فإن التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار

______________________________________________________

وثانيا : لا ينفع هذا الجواب مع ما فيه من التجشم في إدراج هذه المسألة في الأدلة الاربعة ، لما يرد عليه من الجهة الثانية التي اشار اليها بقوله : «ضرورة ان البحث في المسألة» أي ان البحث عن حجية الخبر «ليس» بحثا «عن دليلية» احد «الأدلة» الاربعة ، لوضوح ان الخبر الواحد ليس كتابا ولا اجماعا ولا عقلا «بل» ولا من السنة ايضا ، لان الخبر حاك عنها ، فالبحث عنه بحث «عن حجية الخبر الحاكي عنها» والبحث عن الحاكي ليس بحثا عن المحكى وهو واضح.

(١) هذا تعرّض لما أجاب به الشيخ الاعظم عن هذا الاشكال الثاني وهو تجشم وتكلف ايضا.

وحاصله : ان مرجع البحث في حجية الخبر الى البحث عن عوارض السنة ، فانه يرجع الى ان السنة التي هي قول المعصوم او تقريره او فعله هل تثبت بالخبر الحاكي عنها ام لا تثبت إلّا بما يفيد القطع بها كالخبر المتواتر والخبر المحفوف بالقرينة القطعيّة؟ والبحث عن ثبوت السنة بالخبر وعدم ثبوتها به بحث عن عوارض السنة ، وقد اشار الى هذا بقوله : «تجشم دعوى ان مرجع هذه المسألة الى» البحث عن عوارض السنة التي هي المحكى ، لان البحث عن حجية الخبر يرجع الى «ان السنة وهي قول الحجة او فعله او تقريره هل تثبت بالخبر الواحد او لا تثبت الى آخر الجملة» فلا يكون البحث هنا بحثا عن دليلية الدليل ولا بحثا عما هو خارج عن الموضوع بل هو بحث عن عوارض الموضوع ، فان البحث عن ان السنة هل نثبت بالخبر الواحد ام لا تثبت بحث عن عوارضها بما هي دليل.

٣٢٥

بها ليس من عوارضها ، بل من عوارض مشكوكها ، كما لا يخفى (١) ، مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر ، والمبحوث عنه في

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان المصنف في اول هذا الكتاب في مقام البحث عن موضوع علم الاصول ذكر هذا الجواب ، واورد عليه بنحو الترديد وان المراد من ثبوت السنة بالخبر لا يخلو اما ان يراد به ثبوتها واقعا او ثبوتها تعبدا.

وهنا اعرض عن احتمال ارادة ثبوت السنة واقعا وتعرّض لثبوتها تعبدا.

والسبب في عدم تعرّضه للثبوت الواقعي هنا :

اما لما اورده هناك عليه من انه اذا كان المراد ثبوت السنة واقعا يكون البحث ايضا بحثا عن نفس الموضوع لا عن عوارض الموضوع ، لان ثبوت السنة واقعا هو وجودها ، والبحث عن وجود الموضوع بحث عن تحقق الموضوع لا عن عوارض الموضوع ، فان البحث عن عوارض الموضوع انما يكون بعد الفراغ عن تحقق الموضوع.

او لاستحالة كون الخبر مما تثبت به السنة واقعا وتوجد به ، لان وجوده متأخر عن وجود السنة لوضوح تأخر وجود الحاكي عن المحكي ، فلا يعقل ان يكون الحاكي مما يوجد به المحكي واقعا ، فلذلك اقتصر هنا على التعرّض لثبوت السنة بالخبر تعبدا.

وأورد عليه بايرادين : الاول : ان البحث عن ثبوت السنة بالخبر تعبدا ليس بحثا عن عوارض السنة ، بل هو من عوارض الخبر لان الثبوت التعبدي انما هو الثبوت التنزيلي ، والثبوت التنزيلي إنما يكون لما ليس له ثبوت واقعي والسنة لها ثبوت واقعي ، والذي ليس له ثبوت واقعي هو الخبر فهو الذي يكون له ثبوت تعبدي تنزيلي.

وبعبارة اخرى : ان معنى الثبوت التعبدي في المقام هو جعل الحجية لما ليس بحجة ، والسنة الواقعية حجة واقعا فلا معنى لجعل حجيتها تنزيلا ، بخلاف الخبر الحاكي لها فانه ليس بحجة ، وبواسطة تنزيله منزلة السنة الواقعية قد جعلت الحجية له.

٣٢٦

المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره ، لا ما هو لازمه ، كما هو واضح (١).

______________________________________________________

والحاصل : ان السنة الواقعية المحكية مقطوعة التعبّد ، والثبوت التعبدي التنزيلي لا وجه لان يكون لما هو مقطوع التعبد بل لا بد ان يكون لمشكوك التعبد وهو الحاكي لها ، فالأدلة الدلة على ثبوت التعبّد قد دلّت على لزوم التعبّد بالخبر المشكوك التعبّد ، ولا معنى لان تدل على ثبوت التعبد لما هو مقطوع التعبّد وهو السنة الواقعية.

لا يقال : ان الثبوت التعبّدي انما لا يعقل للسنة المقطوع بتحققها ، واما السنة المشكوك تحققها فلا مانع من اعتبار الثبوت التعبدي لها ، ومن البديهي ان السنة المحكية بالخبر مشكوك تحققها لا مقطوعة التحقق.

فانه يقال : ان الشك في تحقق السنة انما نشأ من حيث ان طريق ثبوتها ليس مما يوجب القطع بها ، لوضوح كون الخبر الواحد ليس كالخبر المتواتر او المحفوف بالقرائن القطعيّة مما يوجب القطع بتحقق السنة به ، بل هو مما يشك بتحقق السنة به ، فالثبوت التعبدي انما هو لجعل هذا الطريق المشكوك بمنزلة الطريق المقطوع تعبدا ، فالتعبد والجعل انما هو من عوارض هذا الحاكي لها وهو الخبر لا من عوارض نفس السنة الواقعية ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فان التعبد بثبوتها» أي السنة «مع الشك فيها لدى الاخبار بها» المفروض كونه مما لا يوجب القطع بها لازمه كون هذا التعبد «ليس من عوارضها بل من عوارض مشكوكها» أي من عوارض السنة المشكوكة ، فان السنة تارة يراد بها السنة الواقعية وحينئذ لا يصح اطلاقها على الخبر الحاكي لها ، واخرى تطلق السنة على ما يشمل الخبر فيكون الخبر من السنة المشكوكة ، والتعبد انما يكون للمشكوك لا للمقطوع.

(١) هذا هو الايراد الثاني ، وحاصله : ان المدار في البحث عن المسألة هو العنوان المبحوث عنه فيها ، والعنوان المبحوث عنه هو حجية خبر الواحد وعدم حجيته ، فكون البحث عن هذا العنوان مما لازمه البحث عن ما هو من عوارض السنة الداخل

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في عوارض موضوع الأدلة لا يجعل البحث في هذا العنوان داخلا فيما هو الموضوع ، بعد اعترافه بان هذا العنوان بنفسه البحث عنه بما هو ليس داخلا في الموضوع وانما لازمه هو الداخل ، فالبحث في هذه بما هي معنونة بعنوان كونه بحثا عن حجية الخبر لا يكون بحثا عما هو من موضوع علم الاصول ، فان الملاك في الدخول والخروج هو دخول العنوان المبحوث عنه وعدم دخوله ، لا دخول لازم ما هو المبحوث والّا لوجب تغيير العنوان الى عنوان اللازم ، ومن الواضح ان العنوان المبحوث عنه هو حجية الخبر وهو ليس من السنة.

وبعبارة اخرى : ان السنة التي ادعى الشيخ ان البحث في هذه المسألة يرجع الى ثبوتها بالخبر هي نفس الوجوب المستفاد ـ مثلا ـ من الخبر القائم على وجوب صلاة الجمعة والمبحوث عنه في هذه المسألة هو وجوب تصديق العادل ، ووجوب تصديق العادل غير وجوب صلاة الجمعة ، فلو كان المبحوث عنه هو ثبوت السنة بالخبر لكان عنوان المسألة : هل تثبت السنة كالوجوب او غيره من الاحكام بالخبر ام لا؟ مع ان المبحوث عنه هو وجوب تصديق العادل الذي لازمه ثبوت السنة كالوجوب او غيره من الاحكام به ، ولو كان المبحوث عنه هو اللازم له وهو عنوان ثبوت السنة بالخبر للزم تغيير عنوان المسألة اليه ، والى هذا اشار بقوله : «مع انه لازم لما يبحث عنه» أي ان ثبوت السنة بالخبر لازم لما يبحث «في» هذه «المسألة من» العنوان فان العنوان هو «حجية الخبر و» العنوان «المبحوث عنه في المسائل انما هو الملاك في انها من المباحث» الداخلة في موضوع العلم «او» انها «من غيره» لعدم شمول موضوع العلم لها «لا» ان الملاك في دخول المسألة في مباحث العلم «ما هو لازمه» أي لازم العنوان «كما هو واضح» والّا لوجب تغيير العنوان المبحوث عنه الى عنوان ما هو اللازم له ، فلو تمّ ما ادعى للزم ان يكون العنوان المبحوث عنه في المقام هو : انه هل تثبت السنة بالخبر ام لا؟

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتضح من مجموع ما ذكرنا : ان الذي يرفع الاشكال بحذافيره هو انكار كون موضوع علم الاصول هو الادلة الاربعة لا بما هي هي ولا بما هي ادلة ، بل موضوع علم الاصول الذي هو الملاك في كون المسألة اصولية هو صحة وقوع تلك المسألة في طريق الاستنباط ، وهذا هو الذي أشار اليه في أول الامر وهو قوله : «وقد عرفت في اول الكتاب ان الملاك الى آخر الجملة».

قوله : (قدس‌سره) : «في طريق الاستنباط الخ» المسألة الاصولية هي التي تقع نتيجتها في طريق الاستنباط للحكم الشرعي ، بان يكون المتحصّل من المسألة الاصولية قضية كلية تقع كبرى في الشكل بحيث تستلزم الحكم المستنبط ، كمسألة حجية الخبر الواحد فانها من مسائل علم الاصول ، لان نتيجتها قضية كلية تكون مما يستلزم الحكم ، فان نتيجة هذه المسألة هي حجية الخبر الواحد ، وهذه النتيجة مما يستلزم الحكم بعد قيام الخبر الواحد على وجوب ـ مثلا ـ او غيره من الاحكام الخمسة ، فنقول ـ مثلا ـ ان هذا الوجوب مما قام عليه الخبر الواحد ، وكل ما قام عليه الخبر الواحد يلزم العمل به ، فهذا الوجوب يلزم العمل به ، فالنتيجة لهذه المسألة هي كون كل ما قام عليه الخبر الواحد يلزم العمل به ، وهذه القضية تستلزم العمل بالوجوب المستفاد من الخبر الواحد.

وبعبارة أوضح : ان الخبر طريق الى الحكم والحكم ذو الطريق ، ومن البديهي ان الطريق غير ذي الطريق ونتيجة حجية خبر الواحد هي حجية الطريق الذي يلزمه الاخذ بذي الطريق فالاستنباط هو الحكم الذي استلزمه حجية الخبر وحجية الخبر غير الحكم ، وهما من قبيل اللازم والملزوم ، بخلاف التطبيق فانه من قبيل الكلي والفرد لا من قبيل اللازم والملزوم.

وبهذا يفترق الاستنباط عن التطبيق في القواعد الفقهية الكليّة ، فانها وان كانت القواعد الفقهية كلية ايضا كمثل كل مشكوك الطهارة طاهر وتكون كبرى ايضا في شكل ينتج حكما شرعيا ، الّا ان الحكم الشرعي هو احد افراد القضية الكلية لا انه

٣٢٩

وكيف كان فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن ادريس عدم حجية الخبر (١) ، واستدل لهم بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم (٢) والروايات الدالة على ردّ ما لم يعلم انه قولهم عليهم‌السلام ، أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان ، أو لم يكن موافقا للقرآن إليهم ، أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله ، أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف ، أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق

______________________________________________________

مما تستلزمه الكلية التي هي الكبرى في الشكل ، فان قولنا هذا مشكوك الطهارة وكل مشكوك الطهارة طاهر فهذا طاهر وان انتج طهارة هذا المشكوك إلّا ان هذا المشكوك الطهارة هو احد افراد القضية الكلية ، بخلاف الوجوب المستنتج من حجية الخبر فانه ليس من افراد الخبر ، لوضوح ان الوجوب هو المخبر به بالخبر والخبر غير المخبر به فحجيّة الخبر لازمها العمل بالوجوب وليس الوجوب هو نفس الخبر القائم عليه ، بخلاف مشكوك الطهارة في القضية المستنتجة فانه نفس مشكوك الطهارة في القضية التي انتجتها ، وانما الفرق بينهما بالكلية والجزئية وهو الفرق بين الكلي ومصداقه.

(١) قد استدل على عدم حجية الخبر الواحد بالكتاب والسنة والاجماع ، ولم يستدل بالعقل لان الدليل العقلي هو ان الاصل في كل ظن عدم حجيته ، وهذا الاصل مرتفع بالادلة التي اقيمت على حجية الخبر الواحد ، فلذا استدلوا بغيره من الادلة الثلاثة.

(٢) وهي قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) وقوله عزّ من قائل : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢) فانها قد دلت على عدم حجية الخبر الواحد لانها نهت عن اتباع غير العلم ، ومن الواضح ان الخبر الواحد لا يوجب علما.

__________________

(١) الاسراء : الآية ٣٦.

(٢) يونس : الآية ٣٦.

٣٣٠

الكتاب (١) أو السنة ، إلى غير ذلك والاجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه ، بل حكي عنه أنه جعله بمنزلة القياس ، في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة.

______________________________________________________

(١) الروايات التي استدل بها على عدم حجية الخبر الواحد هي على مضامين :

منها ما دل على ردّ كل ما لا يعلم انه من كلامهم عليهم‌السلام ، ولزوم الرّد لما لا يعلم انه من كلامهم يوجب الحصر في العمل بالخبر المتواتر او المحفوف بالقرائن القطعية ، واما الخبر الواحد فحيث لا يوجب العلم بان المخبر به من كلامهم فيجب ردّه ، والى هذا اشار بقوله : «الروايات الدالة على ردّ ما لم يعلم انه قولهم عليهم‌السلام».

ومنها : ردّ ما لم يكن عليه شاهد أو شاهدان من كتاب الله ، فان هذا القسم من الروايات الدالة على ان الحجة من الخبر هو خصوص ما كان عليه شاهد من الكتاب وردّ ما عداه يوجب سقوط المهم الذي ذهب المشهور الى حجيته من الخبر الواحد ، فان الخبر الذي عليه شاهد من الكتاب يكون العمل به في الحقيقة من العمل بالكتاب دون الخبر الذي ليس عليه شاهد من الكتاب ، والى هذا اشار بقوله : «او لم يكن الى آخر الجملة».

ومنها : ما ورد عنهم عليهم‌السلام من ان الحديث الذي لا يوافق القرآن يجب ردّ علمه اليهم الدالة على ان ما لا يوافق الكتاب لا يعمل به قبل ان يرد اليهم ليبيّنوا الوجه فيه ، وهذا ايضا يوجب سقوط المهم من الخبر الواحد ، اذ قلّما يتفق خبر لا يكون مخالفا لعموم من القرآن او اطلاق منه ، والى هذا اشار بقوله : «او لم يكن موافقا للقرآن اليهم» أي الروايات الدالة على لزوم ردّ ما لم يكن موافقا للقرآن اليهم عليهم‌السلام.

ومنها : ما دلّ على بطلان الخبر الذي لا يصدقه الكتاب ، فان معنى بطلانه هو عدم حجيته وعدم جواز العمل به ، وهذا يدل ايضا على عدم حجية المهم من الخبر

٣٣١

والجواب : أما عن الآيات ، فبأن الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الاصول الاعتقادية ، لا ما يعم الفروع الشرعية (١) ،

______________________________________________________

الباطل غير الصحيح ، والى هذا اشار بقوله : «او على بطلان ... الى آخر الجملة».

ومنها ما دل على النهي عن قبول الخبر الذي لا يوافق الكتاب ، فان النهي لا يكون إلّا عمّا هو غير حجة ، اذ لا يعقل النهي عن قبول ما هو الحجة ، والى هذا اشار بقوله : «او على النهي ... الى آخر الجملة».

قوله (قدس‌سره) : «او السنة ... الخ» المراد من السنة هي السنة النبوية المقطوع بها.

قوله (قدس‌سره) : «الى غير ذلك ... الخ» كالاخبار الدالة على ان ما خالف الكتاب يضرب به عرض الجدار او ما خالف قول ربنا لم نقله.

قوله (قدس‌سره) : «والاجماع ... الخ» قد ادعى السيد الاجماع على عدم حجيّة الخبر الواحد وانه من ضروريات المذهب وان العمل بالخبر الواحد عند الشيعة كالعمل بالقياس المعلوم من مذهب الشيعة عدم صحة العمل به.

(١) من الآيات التي استدل بها هي قوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.)

والجواب عنها اولا : ان المنصرف من هذه الآية هو الظن في اصول الدين ، اما لان السياق فيها يقتضي ذلك لانها واردة في سياق قوله تعالى في سورة النجم (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى * وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(١) والسياق شاهد على ان الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا هو الظن في اصول الدين ، فان قوله (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) شاهد على ان المراد عدم اغناء ظن الذين لا يؤمنون بها ، وقوله (لَيُسَمُّونَ

__________________

(١) النجم : الآية ٢٧ ـ ٢٨.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) فانه شاهد ايضا على ان المراد هو الظن المتعلق بمثل ذلك ، وهو الظن المتعلق باصول الدين ، فان كون الملائكة ذكورا او اناثا مما يتعلق بالاصول لا بالفروع ، وكذا ظن الذين لا يؤمنون بالاخرة فانهم هم الكفار المنكرون للبعث ، وظن هؤلاء انما هو في اصول الدين فان الذي ينكر اصول الدين لا يفكر في فروع الدين حتى يكون له ظن بها.

واما لان الظاهر من الآية هو عدم اغناء الظن بما هو ظن عن الحق وان اصاب الواقع ، وكون الظن مع اصابته للواقع غير مغن عن الحق انما هو فيما اذا كان في اصول الدين ، لان المطلوب فيها هو التيقن وعقد القلب على ما تيقن به ، واما الظن في الفروع فالمصيب منه للواقع لا يكون غير مغن عن الحق لفرض اصابته لما هو الحق وهو الواقع ، وقد اشار الى الانصراف فيها الى الظن بالاصول بقوله : «فبان الظاهر» فانه انما يكون الظاهر منها هو الظن بالاصول لا بالفروع لاجل الانصراف ، ولولاه لكانت مما تعمّ الفروع.

وثانيا : انه لو تنزّلنا عن دعوى ظهورها بواسطة الانصراف في الظن في الاصول فلا اقل من ان يكون ما ذكرناه موجبا لاجمالها من حيث الشمول للفروع ، لاحتمال كون البيان فيها انما هو لاجل خصوص الاصول ، فان شمولها انما هو بالاطلاق ولا بد من احراز كون البيان لاجل ما يشمل الفروع ، وما ذكرنا اذ لم يصلح لان يوجب الانصراف فيها لخصوص الاصول فلا اقل من كونه موجبا لعدم احراز البيان فيها لما يشمل الفروع ، فلا يكون لها اطلاق شامل للفروع وتكون مجملة والقدر المتيقن منها هو الظن في اصول الدين ، والى هذا اشار بقوله : «او المتيقن من اطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الاصول الاعتقادية لا ما يعم الفروع الشرعية».

واما آية (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) فلا يتأتى فيها الجوابان المذكوران ،

__________________

(١) الاسراء : الآية ٣٦.

٣٣٣

ولو سلم عمومها لها ، فهي مخصصة بالادلة الآتية على اعتبار الاخبار (١).

______________________________________________________

لان سياقها في مقام الفروع ، فان ما قبلها (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ) مضافا الى استشهاد الامام فيها على حرمة الغناء فان الآية (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) واستدل الامام بها على حرمة استماع الغناء لان استماعه مما يسأل عنه السمع ، فسياقها صدرا وذيلا واستشهاد الامام بها مما يقتضي شمولها للفروع ، فلا يكون لها انصراف الى الظن بخصوص اصول الدين ولا يكون القدر المتيقن فيها ذلك فينحصر الجواب عنها بما يأتي.

(١) الظاهر من المصنف كون الادلة الآتية الدالة على حجية الخبر مخصّصة لهذه الآيات ، وقد ذهب بعض الى كونها واردة على هذه الآيات ، فان الورود هو خروج المورد عن العام موضوعا ولكنه بواسطة البيان ، كورود الادلة المتكفلة للبيان على خروج ما فيه البيان عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وبهذا يمتاز عن التخصّص فانه ما كان الخروج فيه بذاته لا بواسطة البيان ، كخروج الجاهل عن اكرم العالم فانه خارج بذاته.

وعلى كل فقد ذكر وجهان لكون الادلة الدالة على حجية الخبر واردة على الآيات :

الاول : ان المتحصّل من هذه الآيات هو عدم حجية غير العلم ، وبعد قيام الادلة على حجية الخبر تكون حجة فتخرج موضوعا عن غير العلم الذي ليس بحجة.

وفيه : ان الورود مما اوجب خروج الشيء بموضوعه لا بمحموله ، والموضوع في الآيات هو غير العلم والمحمول فيها عدم الحجيّة ، والادلة الدالة على حجية الخبر لا توجب كون الخبر علما بل هو بعد من غير العلم ، لوضوح ان الخبر الواحد بعد فرض حجيته لا يوجب العلم ، وكيف يدعى ذلك فيه مع انه من الظنون التي قام الدليل على اعتبارها ، فهو من غير العلم وان قام الدليل على اعتباره وانما يخرج عنها حكما فانه حجة دون غير العلم الذي لم يقم دليل على اعتباره.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان المستفاد من هذه الآيات هو النهي الامضائي لما يراه العقلاء غير حجة من الظنون ، فهذه ادلة امضائية لا تاسيسية ، واذا كانت امضائية لما لا يراه العقلاء حجة فما يراه العقلاء حجة خارج موضوعا ، والخبر الواحد حيث انه مما يراه العقلاء حجة فبواسطة بنائهم على حجيته يكون خارجا موضوعا عن هذا النهي الامضائي.

والجواب عنه : ان الموضوع في هذه الآيات هو عدم العلم وهو مما يشمل عدم العلم الذي يعمل به العقلاء وعدم العلم الذي لا يعمل به العقلاء ، فيكون بالنسبة الى ما لا يعمل به العقلاء امضاء وبالنسبة الى ما يعمل به العقلاء تاسيس وردع لهم ، ومما يقرّب عدم اختصاصها بالامضاء انه وردت ردعا لعمل اهل الجاهلية ، وكون اهل الجاهلية كلهم من غير العقلاء بعيدا ، فكون ادلة حجية الخبر واردة غير واضح الوجه ، ويكفي في الجواب هو كون ادلة اعتبار الخبر مخصّصة لهذه الآيات ، لوضوح شمولها للظن بالاصول وللظن بالفروع الحاصل من غير خبر الثقة وللظن الحاصل من خبر الثقة ، فالادلة الدالة على حجية خصوص الظن الحاصل من خبر الثقة اخص منها فتكون مخصّصة لها ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فهي مخصّصة بالادلة الآتية» الدالة «على اعتبار الاخبار».

نعم لا يبعد دعوى كون الادلة الدالة على حجية الخبر حاكمة على هذه الآيات ، لان المتحصّل من هذه الآيات عدم اتباع غير العلم وعدم اغناء الظن ، والادلة الدالة على اعتبار الخبر وردت بلسان ان خبر الثقة علم تنزيلا كقوله عليه‌السلام : (ما حدثا عني فعني يحدثان) فانه يدل على ان حديث العمريين بمنزلة حديثه وحديثه عليه‌السلام يوجب العلم ، فحديث العمري وابنه مما يوجب العلم ، وحيث ان حديثهم لا يوجب العلم واقعا فيكون الدليل الدال على حجية قولهما بلسان انه علم حاكما على الآيات الناهية على اتباع غير العلم ، وحاكما على ما دل على ان الظن لا يغني لأنه جعله علما.

٣٣٥

وأما عن الروايات ، فبأن الاستدلال بها خال عن السداد فإنها أخبار آحاد (١).

______________________________________________________

وهذا هو الفرق بين الحكومة والتخصيص ، فان التخصيص هو رفع حكم العام عن الخاص مع حفظ الموضوع فيه كقوله لا تكرم زيدا العالم بعد قوله اكرم العلماء.

واما الحكومة فهي اما رفع الحكم بلسان رفع الموضوع كما اذا قال اكرم العلماء ثم قال زيد ليس بعالم وكان زيد عالما واقعا ، وكقوله عليه‌السلام : لا شك لكثير الشك ، فانه حاكم على ادلة الشك من حكم البطلان او البناء على الاكثر ، واما توسعة الحكم بتوسعة الموضوع كقوله عليه‌السلام : الطواف في البيت صلاة ، فانه اثبت حكم الصلاة للطواف بتوسعة الموضوع ، واعتبار الطواف صلاة وادلة اعتبار الخبر بالنسبة الى العلم من توسعة الموضوع ، فان المتحصّل من ادلة الاعتبار كون الخبر الواحد علما وليس من غير العلم ، وحيث كان ـ وجدانا ـ هو من غير العلم فتكون ادلة اعتباره بهذا اللسان حاكمة على ادلة العلم باعتبار توسعة الموضوع ، وحاكمة على الآيات الناهية عن اتباع غير العلم باعتبار انها بلسان خروج الخبر الواحد موضوعا عنها لانه علم وليس هو من غير العلم ، فلسانها لسان الحكومة على ما دل على النهي عن اتباع غير العلم.

(١) حاصله : ان الاخبار المذكورة الدالة على عدم حجية الخبر هي بنفسها اخبار آحاد ولا بد في الدليل ان يكون حجة ، فالاستدلال بها ممن لا يقول بحجية اخبار الآحاد استدلال منه بما ليس حجة.

فان قلت : انها وان كان لا يصح الاستدلال بها بما هي دليل عند من استدل بها ولكنه يصح الاستدلال منه بها جدلا ، لانها مع كونها اخبار آحاد لازم حجيتها عدم حجيتها.

قلت : اولا : انه لا يصح الاستدلال بها حتى جدلا لان الدليل الذي يلزم من وجوده عدمه لا يصلح ان يكون دليلا.

٣٣٦

لا يقال : إنها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى ، إلا أنها متواترة إجمالا ، للعلم الاجمالي بصدور بعضها لا محالة (١).

فإنه يقال : إنها وإن كانت كذلك ، إلا أنها لا تفيد إلا فيما توافقت عليه ، وهو غير مفيد في إثبات السلب كليا ، كما هو محل الكلام ومورد النقض والابرام ، وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة (٢) ،

______________________________________________________

وثانيا : ان تخريجها عن من يرى حجية الخبر هو ان المراد بها المخالف الذي يكون مباينا لكتاب الله دون المخالفة بنحو التخصيص او التقييد ، وقد اشار الى عدم صحة استدلالهم بها بقوله : «فانها اخبار آحاد».

(١) حاصل لا يقال : ان الاستدلال بها منهم انما هو لانها ليست من اخبار الآحاد لانها متواترة اجمالا.

وتوضيحه : ان التواتر تارة يكون باللفظ والمعنى كما ادعي تواتر الاخبار على ان الاعمال بالنيات قد تواترت الاحاديث فيها بهذه الجملة.

واخرى يكون التواتر معنى لا لفظا بان تتواتر الاخبار على معنى يكون بالفاظ مختلفة بحيث كل لفظ منها لا يكون من المتواتر ولكن المعنى المدلول لها يكون متواترا كالاخبار الدالة على كرم الحسن عليه‌السلام وشجاعة امير المؤمنين عليه‌السلام فانها متواترة معنى.

وثالثة : يكون هناك علم بصدور بعضها فان الاخبار اذا تكاثرت يحصل العلم بصدور بعضها ، والمقام من قبيل الثالث فانا نعلم اجمالا بان بعض هذه الاخبار قد صدرت عنهم عليهم‌السلام ، والى هذا اشار بقوله : «إلّا انها متواترة اجمالا للعلم الاجمالي بصدور بعضها لا محالة».

(٢) حاصله : ان التواتر الاجمالي لازمه كون اخص الاخبار مضمونا هو الذي يعلم بصدوره قطعا ، لانه اما ان يكون هو الصادر أو يكون ما هو اعم منه صادرا ، فهو يكون صادرا ايضا ، وقد عرفت ان الاخبار عبارة عن مضامين متعددة بعضها عام

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعضها خاص وبعضها اخص ، فالعام هو الدال على عدم حجية غير معلوم الصدور ، والخاص ما دل على انحصار الحجية بما وافق الكتاب وعدم حجية ما لا يوافق الكتاب سواء خالف الكتاب او لم يخالفه ، والأخص هو ما دل على عدم حجية خصوص المخالف للكتاب ، وهذا الاخير لا ينفع السيد واتباعه القائلين بعدم حجية الخبر الواحد مطلقا ، فانه لنا ان نلتزم بذلك ونقول بحجية الخبر الواحد عدا الخبر الواحد المخالف للكتاب.

لا يقال : ان هذا وان افاد في قبال دعوى السيد واتباعه القائلين بالسلب الكلي وعدم حجية الخبر الواحد مطلقا ، الّا انه اذا تمّ عدم حجية المخالف للكتاب يسقط المهم مما ذهب اليه المشهور من حجية الخبر الواحد مطلقا حتى المخالف للكتاب ، فانه قلّما يوجد خبر واحد لا يكون على خلافه عموم او اطلاق من كتاب الله.

فانه يقال : ان المخالفة للكتاب هي المخالفة بنحو التباين او بنحو العموم من وجه ، واما المخالفة بنحو العموم والخصوص والاطلاق والتقييد فليست عرفا من المخالفة ، فروايات المخالفة منصرفة عن هذه المخالفة ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «انها وان كانت كذلك» أي انها من المتواتر اجمالا المعلوم صدور بعضها «إلّا انها لا تفيد الا فيما توافقت عليه» تلك الاخبار وهو اخصها مضمونا وهو خصوص الخبر المخالف للكتاب ، فانه هو الذي يكون متواترا اجمالا «وهو غير مفيد» لدعوى السيد «في اثبات السلب كليا» وان الخبر الواحد مطلقا غير حجة «كما هو محل الكلام ومورد النقض والابرام» فان المتواتر الاجمالي فيها اخص ما فيها «و» هي «انما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة» لا عدم حجية الخبر مطلقا.

٣٣٨

والالتزام به ليس بضائر (١) ، بل لا محيص عنه في مقام المعارضة (٢).

وأما عن الاجماع ، فبأن المحصل منه غير حاصل ، والمنقول منه للاستدلال به غير قابل ، خصوصا في المسألة ، كما يظهر وجهه للمتأمل ، مع أنه معارض بمثله ، وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه.

وقد استدل للمشهور بالادلة الاربعة (٣):

______________________________________________________

(١) لعله انما كان الالتزام به ليس بضائر لان المراد بالمخالفة هي المخالفة بنحو التباين ، والالتزام بعدم حجية الخبر المخالف للكتاب بنحو التباين لا يضر بمقالة المشهور من حجية الخبر بعد ان كان الخبر المخصص والمقيد للكتاب ليس من المخالفة.

(٢) لا يخفى ان المخالفة الموجبة لترجيح احد المتعارضين على الآخر عند تعارض الخبرين هي المخالفة للكتاب ولو بنحو العموم والخصوص او الاطلاق والتقييد ، بمعنى ان احد المتعارضين اذا كان مخصصا للكتاب والآخر موافقا لعموم الكتاب ، او كان احد المتعارضين مقيدا والآخر موافقا لاطلاق الكتاب ، فان الخبر الموافق للعموم والاطلاق يترجح على المعارض المخالف للكتاب بنحو التخصيص او التقييد ، فالمخالفة في باب التعارض هي المخالفة بنحو الاعم من التباين ، ولا يضر هذا بكون المخالفة هنا هي خصوص المخالفة بنحو التباين وانها هي المنصرفة من اطلاق المخالفة ، لان كون المخالفة في باب التعارض هي المخالفة بنحو اعم انما هي لقرينة خارجية دلت على ان مطلق المخالفة مرجحة ، فكون المخالفة هناك هي المخالفة بنحو اعم لا يضر بكون المنصرف منها هي خصوص المخالفة بنحو التباين ، ولعل هذا هو الوجه في الترقي ببل.

وحاصله : انه يمكننا ان نترقى ونقول بعدم حجية الخبر المخالف مطلقا ولو بنحو التخصيص والتقييد في خصوص باب المعارضة.

(٣) قد عرفت ان تحقق الاجماع بوجهه الصحيح وهو الدخولي في عصر الغيبة مستحيل عادة.

٣٣٩

فصل

في الآيات التي استدل بها : فمنها : آية النبأ ، قال الله تبارك وتعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (١). ويمكن تقريب الاستدلال بها من

______________________________________________________

واما الاجماع المنقول فأولا : لا دليل على حجيّته لانه من الحدسيات لا الحسيات.

وثانيا : انه لو قام الدليل على حجيته فلا يعقل ان يشمل الاجماع المنقول على عدم حجية الخبر ، لان دليل حجية الاجماع المنقول هو شمول ادلة اعتبار حجية الخبر الواحد له ، ولا يعقل ان يكون دليل اعتبار حجية الخبر شاملا لما يقتضي عدم حجية الخبر وعدم اعتباره فانه يلزم من وجوده عدمه.

وثالثا : بانه معارض اجماع السيد باجماع الشيخ الذي ادعاه على حجية الخبر الواحد.

ورابعا : ان اجماع السيد موهون بذهاب المشهور الى خلافه ، فان الاجماع المدعى اذا خالفه المشهور يسقط عن الاعتبار لو كان بأي وجه من الوجوه المذكورة للاجماع ، لوجود مجهول النسب في المشهور ، وعدم تأتي اجتماع العصر مع مخالفة المشهور.

وعدم صحة دعوى الاجماع العادي والاتفاقي مع مخالفة المشهور واضح ايضا.

فاجماع السيد لو لم يكن له معارض لكان موهونا بمخالفة المشهور له ، فكيف يكون حاله مع المعارضة.

وقد اشار الى عدم كونه من المحصّل بقوله : «المحصّل منه غير حاصل» واشار الى المناقشة الاولى في المنقول بقوله : «والمنقول منه الى آخر الجملة» والى المناقشة الثانية بقوله : «خصوصا في المسألة» والى الثالثة بقوله : «مع انه معارض بمثله» والى الرابعة بقوله : «وموهون بذهاب المشهور الى خلافه».

(١) من الآيات التي استدل بها على حجية الخبر الواحد اذا كان المخبر عادلا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ

٣٤٠