بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى كل منهما فتارة يكون في احد الاجماعين المتعارضين خصوصية ، واخرى لا تكون هناك خصوصية.

والكلام فعلا في الصورة الاخيرة وهي الاجماعان المنقولان على نحو الاجمال ، ولا يكون لاحدهما خصوصيّة من جهة امكان كون احدهما سببا تاما او جزء سبب ، اما عدم امكان كون كل منهما سببا تاما فهو بديهي بعد فرض تعارضهما وتكاذبهما في المسبب ، فانه بعد فرض تكاذبهما في المسبب لا يمكن ان يصلح كل منهما لان يكون سببا تاما عند المنقول اليه ، لان لازم كونه سببا تاما حصول العلم منه برأي الامام ، ومع العلم بكذب احدهما يعلم بعدم سببية احدهما التامة ، فصلوح كل منهما لان يكون سببا تاما خلف.

واما صلاحية كل منهما لان يكون جزء سبب فممنوع ايضا ولا يصلحان لان يكونا جزء سبب ايضا ، لفرض كونهما منقولين بالاجمال ولا خصوصية في احدهما ، فأخذ احدهما لان يضم اليه دون الآخر مع كون الآخر ينافيه فيما يترتب عليه من الحكم الواقعي ولو بكونه جزء سبب له لا وجه له ، فانه مع كونه ترجيحا بلا مرجح لا يعقل ان يقتضي الملازمة للحكم الواقعي بنحو كونه جزء سبب له مع اقتضاء الاجماع الآخر عدم الملازمة لهذا الحكم ، لفرض كون الاجماع الآخر يقتضي حكما آخر واقعيا غير هذا الحكم ، ولذا قال (قدس‌سره) : «لكن نقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ» مع عدم الخصوصية في احدهما «لا يصلح لان يكون سببا» تاما للعمل بكذب احدهما المانع من العلم بالملازمة «ولا جزء سبب لثبوت الخلاف فيها» أي حيث كان كل منهما مخالفا للآخر في الاقتضاء لحكم غير ما يقتضيه الآخر كان مانعا ان يكون جزء سبب يوجب العلم بالحكم.

ومن هذا يعلم اجمالا فيما اذا كان الناقل للاجماع قد نقل الاقوال بالتفصيل في ذكره أسماء المجمعين ولم يكن لاحد الاجماعين المنقولين بالتفصيل خصوصية على الآخر ، بان كان كل منهما ينقل عن جماعة من المتأخرين أو المتقدمين قد تساوى افراد الجماعتين من ناحية الورع والضبط وغيرهما من النواحي الأخر ، فانه ايضا لا يصلح ان يكون كل منهما سببا تاما ولا جزء سبب ، والحال فيه كالصورة السابقة.

٣٠١

على الخلاف ، وهو وإن لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد ، إلا أنه مع عدم الاطلاع عليها كذلك إلا مجملا بعيد (١) ،

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان وجود الخصوصية في احد الاجماعين دون الآخر على صورتين ايضا ، لانهما اما ان يكونا منقولين بالتفصيل ، او بالاجمال بلفظ الاجماع من دون ذكر اسماء المجمعين

اما في المنقولين بالتفصيل مع وجود الخصوصية في احدهما دون الآخر كما لو كان في احد الاجماعين افراد المجمعين من القدماء الأجلاء الموجودين في عصر الائمة عليهم‌السلام ، ولم تكن هذه الخصوصية في افراد المجمعين في الاجماع الآخر ، فان المنقول اليه اذا كان ممن يرى الملازمة العادية ـ مثلا ـ يكون الاجماع المشتمل على تلك الخصوصية سببا تاما عنده فضلا عن كونه جزء سبب ، واذا كان لا يرى الخصوصية يكون الاجماع جزء سبب فيمكن ان يضمّ اليه حتى يحصل عنده الاجماع الذي هو السبب التام ، ولا يكون الاجماع الآخر عنده سببا ولا جزء سبب مع وجود الاجماع المشتمل على تلك الخصوصية ، والى هذا اشار بقوله : «إلّا اذا كان في احد» الاجماعين «المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول اليه برأيه عليه‌السلام الى آخر الجملة».

واشار ان ذلك فيما اذا كان منقولا بالتفصيل بقوله : «وهو وان لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصّلا ببعيد» أي ان صلاحية هذا الاجماع المشتمل على الخصوصية لان يكون سببا تاما عند المنقول اليه ليست ببعيدة ، وان كان هناك اجماع مفصل آخر معارض له ، لاشتمال الاول على خصوصية تقتضي ذلك عند المنقول اليه دون الاجماع الآخر.

واما في المنقولين بالاجمال فالذي يظهر من المصنف استبعاد ان يكون في احد الاجماعين خصوصية تقتضي كونه سببا عند المنقول اليه ، لان الخصوصية انما هي في افراد المجمعين ، ومع عدم الاطلاع عليهم تفصيلا كما هو المفروض من كون الاجماع

٣٠٢

فافهم (١).

الثالث : إنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل التواتر ، وأنه من حيث المسبب لا بد في اعتباره من كون الاخبار به إخبارا على الاجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم به (٢) ، ومن

______________________________________________________

منقولا بالاجمال بلفظ اجمع اصحابنا او مثله من الفاظ نقل الاجماع على وجه الاجمال كيف تحصل تلك الخصوصية المقتضية لكونه سببا تاما مع وجود الاجماع المعارض؟ ولذا استبعد المصنف ذلك وقال : «إلّا انه مع عدم الاطلاع عليها» أي مع عدم الاطلاع على اهل الفتاوى «كذلك» أي تفصيلا ، فان المفروض انه قد نقل الاجماع بنحو الاجمال فلا يكون للمنقول اليه اطلاع عليها «الّا مجملا» فان ادعاء حصول الخصوصية في احدهما دون الآخر «بعيد».

(١) لعله اشارة الى ان الخصوصية الموجبة لكون احدهما سببا دون الآخر ، تارة تكون في افراد المجمعين وهذه الخصوصية غير موجودة في نقل الاجماع بنحو الاجمال ، واخرى تكون في ناقل الاجماع ، فان الناقل لاحد الاجماعين من القدماء الاجلاء الموجودين في عصر الامام عليه‌السلام فانه لا يعقل ان يكون ناقلا عن المتأخرين عن زمانه ، وحيث كان من الأجلاء الذين لا يعتمدون الا على فتاوى الأجلاء ايضا ، فان إجماعه وان كان منقولا بالاجمال إلّا انه يكون ذا خصوصية دون الاجماع الآخر فيما اذا كان ناقله من المتأخرين ولم يكن في الجلالة كناقل الاجماع الاول ، وحينئذ فلا بعد في ان تحصل الخصوصيّة في احدهما الموجبة لكونه سببا تاما عند المنقول اليه دون الاجماع الآخر ، وان كان كلا الاجماعين منقولين بالاجمال.

(٢) هذا الامر لبيان التواتر المنقول ، وتوضيحه أن المعروف في معنى التواتر هو اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة : أي اخبار جماعة يفيد قولهم بذاته عادة العلم بما اخبروا به ، فان لازم امتناع تواطئهم على الكذب عادة كون اخبارهم بما انه اخبار يقتضي بذاته عادة العلم بالخبر ، لان احتمال عدم المطابقة للواقع ، اما

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لاحتمال الكذب ، او لاحتمال الخطأ ، واذا كان هو الاخبار من جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة فامتناع التواطؤ على الكذب مما ينفي عدم المطابقة من ناحية الكذب ، ونفيه لاحتمال الخطأ آكد ، لان الخطأ حيث انه عن لا عمد فاحتمال كون هؤلاء الجماعة أخطئوا كلهم من باب الصدفة مستحيل غاية الاستحالة بحسب العادة ، فانهم حيث كانوا من الكثرة ـ مثلا ـ بحيث يمتنع ان يتواطئوا على الكذب ، فاحتمال خطئهم كلهم من باب الصدفة اولى بالامتناع عادة ، فان الكثرة عادة اشد منعا لاحتمال الخطأ في المحسوسات من منعها لاحتمال التواطؤ على الكذب.

وقد تبيّن مما ذكرنا : ان التواتر هو ما يستلزم العلم بالمخبر به لانه اخبار قد تواتر من دون ملاحظة حال المخبرين ، هذا هو المعروف في معنى التواتر.

ويطلق ايضا على اخبار جماعة يفيد اخبارهم العلم بالمخبر به سواء كان قولهم مما يقتضي ذلك عادة ام لا.

والمعنى الثاني اعم من المعنى الاول لانه منوط بالعادة وهي لا يختلف حالها بحسب الاشخاص ، بخلاف المعنى الثاني لان اخبار من يفيد قولهم العلم اذا لم يكن مقيدا بالعادة فقد يفيد العلم عند شخص ولا يفيده عند شخص آخر ، فيصدق المعنى الثاني دائما على التواتر المفيد للعلم عادة ويصدق في اخبار من لا يفيد العلم بحسب العادة ، ولكن يحصل منه العلم عند بعض ، فلذا كان اعم من المعنى الاول.

فاذا عرفت معنى التواتر ـ يتضح لك : ان التواتر وصف للخبر بحال نفسه لانه هو خبر قد تواتر ، ووصف للمخبر به باعتبار كون الاخبار به كان متواترا ، فهو وصف له باعتبار غيره ، وهو خبره لا باعتبار نفسه ، فهناك سبب وهو الخبر المتواتر ومسبب وهو المخبر به.

ويمكن ان يقال : انه وصف للمخبر به ايضا بحال نفسه وان كان سببه تواتر نفس الخبر ، فهو من قبيل الواسطة في الثبوت التي يكون الاثر موجودا في الواسطة وذي

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الواسطة ، كالنار بالنسبة الى حرارة الماء فان النار واسطة في ثبوت الحرارة للماء وهي موجودة ايضا في النار ، هذا اذا كان المراد من المخبر به مؤدى الخبر.

واما اذا كان المراد من المخبر به مطابق المؤدى فهو ليس بمتواتر ، ووصفه بالتواتر بحال غيره لا بحال نفسه.

ولا يخفى ان الحال كذلك ، فان الخبر الدال على شيء ـ كمجيء زيد ـ حسي ، واما مطابقه وهو مجيء زيد في الخارج فليس بحسي.

ويتضح لك ايضا مما ذكرنا انه اذا قام التواتر عند شخص فالخبر متواتر والمخبر به متواتر ، فانه اذا اخبر جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب فنفس اخبار الجماعة متواتر وما اخبروا به متواتر ، هذا حال التواتر المحصّل وهو حسي.

واما التواتر المنقول فهو نقل لنفس السبب وهو الخبر المتواتر عن حس ، وللمسبب وهو المخبر به نقل عن حس ايضا. نعم هو نقل لمطابق المخبر به في الخارج عن حدس.

وقد عرفت مما مر في الاجماع ان أدلة اعتبار الخبر الواحد كما تشمل المخبر به عن حس كذلك تشمل المخبر به عن حدس اذا كان المنقول اليه ممن يرى الملازمة بين السبب ووقوع المسبب في الخارج ، لانه اخبار حسي عما يستلزم اثرا شرعيا وان لم يكن حسيّا عن نفس الاثر الشرعي.

والحاصل : ان الناقل لتواتر خبر ينقل الخبر والمخبر به عن حس ومطابق المخبر به في الخارج عن حدس. ولما كان الاثر لمطابق المخبر به في الخارج ، فاذا كان الناقل ينقل التواتر العادي فهو حجة لانه نقل للمخبر به عن حس ومطابقة المخبر به لما في الخارج امر عقلي لان المفروض ان استلزامه للصدق لانه يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة.

واما اذا كان الناقل يقول بالتواتر بالمعنى الثاني فالتواتر عنده متحقق ، واما عند غيره فيثبت حيث يفرض ان المنقول اليه ممن يرى الملازمة بين السبب المنقول عن حس

٣٠٥

حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالّا عليه ، كما إذا أخبر به على التفصيل ، فربما لا يكون إلا دون حد التواتر ، فلا بد في معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار ، يبلغ المجموع ذاك الحد (١).

______________________________________________________

وبين مسببه فأدلة الخبر تقتضي ترتيب الاثر على ما له اثر شرعي اذا كان ما له الاثر حسيّا ، والى هذا اشار بقوله : «وانه من حيث المسبب لا بد في اعتباره من كون الاخبار به اخبارا على الاجمال بمقدار يوجب قطع المنقول اليه لو علم به» كما لو اخبر العادل بان الخبر الكذائي قد نقله جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة.

(١) توضيحه : انه قد عرفت ان التواتر يطلق على معنيين :

الاول : اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة ، وهذا يستلزم العلم بالمخبر به بحسب اقتضاء من ذاته وكونه اخبارا تواتريا.

الثاني : اخبار جماعة يحصل من قولهم العلم بالمخبر به عند من قام عنده التواتر ، وان لم يكن أخبارهم بحسب العادة مما يقتضي بذاته العلم بالمخبر به.

ثم ان الناقل للتواتر لا يخلو : اما ان ينقله بالتفصيل بان ينقل اسماء نقلة الخبر او ينقله بالاجمال بان يقول ان الخبر الكذائي قد نقل متواترا من دون ذكر اسماء النقلة له.

فان نقله بالتفصيل : فتارة يكون المنقول عنهم يحصل منهم العلم بحسب العادة لو سمعهم المنقول اليه بالمشاهدة ، وهذا نقل للسبب التام الموجب للعلم بالمخبر به ، وتشمله أدلة حجية الخبر لانه نقل حسي بالنسبة الى السبب ، ويثبت المسبب أي المطابق بالملازمة.

واخرى : تكون الجماعة المنقولة اسماؤهم بالتفصيل مما لا يستلزم عادة العلم بالمخبر به ولكن قد حصل للناقل منه العلم ولذا جعله من المتواتر ، وحينئذ يختلف الحال في المنقول اليه.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فان كان الجماعة المنقول عنهم ممن يحصل من قولهم العلم للمنقول اليه فيما لو شاهدهم وسمع منهم فهذا ايضا يكون نقلا لسبب تام عند المنقول اليه ويستلزم المخبر به بالملازمة وتشمله أدلة حجية الخبر بما هو سبب تام.

وان كان الجماعة المنقول عنهم ممن لا يحصل للمنقول اليه العلم من خبرهم لو كان قد شاهدهم وسمع منهم ، فلا يكون هذا نقلا للسبب التام وانما يكون نقلا لجزء السبب ، لانه لو ضمّ اليه لكان سببا تاما وتشمله أدلة الاعتبار بما هو جزء سبب كما عرفت ذلك في نقل الاجماع ، هذا فيما اذا كان الناقل للتواتر قد نقله بالتفصيل.

واما اذا كان ممن ينقله بالاجمال ، فان عرف من حاله انه ممن يرى التواتر بالمعنى الاول ولا يرى اخبار الجماعة الذي لا يحصل العلم من قولهم بحسب العادة من التواتر ، وان حصل من قولهم العلم لغيره او عرف من حاله انه ممن لا يحصل له العلم الا مما يوجب العلم بحسب العادة ، ولا يكون الخبر من المتواتر عنده إلّا اذا كان قد نقله جماعة يوجب اخبارهم العلم بالمخبر به لانه اخبار يقتضي ذلك عادة ، فهذا يكون نقلا للسبب التام ايضا وتشمله أدلة الاعتبار بما هو سبب تام.

واما ان عرف من حاله انه ممن يرى التواتر بالمعنى الثاني او لم يعرف حاله فيكون نقله نقلا لجزء السبب لانه هو القدر المتيقن من هذا النقل ، ولا بد للمنقول اليه من الضمّ له ليحصل السبب التام ، والى هذا اشار بقوله : «من حيث السبب» فيما اذا كان الناقل قد نقل التواتر بنحو الاجمال فانه «يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه كما اذا اخبر به على التفصيل فربما» يكون سببا تاما وربما «لا يكون الّا دون حد التواتر» فيكون نقلا لجزء السبب «فلا بد في معاملته معه» أي فلا بد من معاملة المنقول اليه مع المنقول «معاملته» أي معاملة جزء السبب فلا بد «من لحوق مقدار آخر من الاخبار» وضمها اليه حتى «يبلغ المجموع ذاك الحد» أي حتى يبلغ المجموع السبب التام.

٣٠٧

نعم ، لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة ـ ولو عند المخبر ـ لوجب ترتيبه عليه ، ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار (١).

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان الاثر المترتب على التواتر ، تارة يكون اثرا للمخبر به كالمخبر المتواتر الذي يتضمن الاخبار عن حكم من الاحكام ، وهو كالخبر المتواتر الدال على وجوب شيء او حرمته او غيرهما من الاحكام الباقية ، والكلام المتقدم كله كان بملاحظة هذا الاثر الذي هو اثر للمخبر به.

واخرى يكون الاثر لنفس التواتر ولو عند المخبر بالتواتر ، كما لو اخبر الناقل للتواتر ـ مثلا ـ بان وقف الواقف الفلاني قد نقل بالتواتر سواء كان الناقل للتواتر قد حصّل التواتر بنفسه او كان قد نقل له الثقة ما يكون تواترا عنده بحيث كان الناقل لهذا التواتر قد نقل له الناقل الثقة ما يكون تواترا عنده لو حصّله بنفسه ، وكان هذا الناقل للتواتر ممن له تعلق بميراث الواقف ، فيكون هنا لهذا التواتر المنقول اثران : اثر يترتب على المخبر به وهو ثبوت الوقف الذي اخبر عنه ، واثر لنفس التواتر الثابت عند المخبر من لزوم عدم ميراثه بالنسبة الى الوقف الذي ثبت عنده بالتواتر وقف الواقف له ، فانه بعد ان اخبر الناقل للتواتر فقد تحقق الوقف عنده بالتواتر وقد حصل له العلم بالوقف ، ولازمه خروج الموقوف عن الميراث ، فلا بد أن لا يرث الناقل منه ، وهذا اثر يترتب على التواتر عند المخبر ولا بد من ترتبه عليه وان كان ما نقله لم يبلغ حد التواتر عند المنقول اليه ، ولذا قال (قدس‌سره) : «نعم لو كان هناك اثر للخبر المتواتر في الجملة ولو عند المخبر» لا للمخبر به «لوجب ترتيبه عليه» لانه اثر لنفس التواتر والمفروض ثبوت التواتر عند المخبر لفرض نقله لتواتره فيجب ترتيب الاثر بالنسبة الى المخبر «ولو لم يدل» ما نقله من التواتر «على ما بحد التواتر من المقدار» الذي يحصل به التواتر عند المنقول اليه.

٣٠٨

فصل

مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى (١) ، ولا يساعده

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الشهرة تارة : تكون في الرواية ، بان تكون الرواية قد كثر ورودها في الاصول القديمة الأصلية التي جمعت في الجوامع الاربعة ، وهذه الشهرة من مرجحات الرواية عند المعارضة والكلام فيها في باب التعارض.

واخرى : تكون في العمل بالرواية بان يستند المشهور في الفتاوى الى رواية بخصوصها ، وتسمى هذه الشهرة بالشهرة العملية ، وهذه الشهرة هي الشهرة الجابرة فيما اذا كانت الرواية التي استند اليها المشهور مرسلة او ضعيفة ، فان استناد المشهور اليها يرفع الغمز فيها من ناحية الارسال ويجعلها بحكم الرواية المتصلة بسندها الى المعصوم ، ويجبر ضعفها ان كانت ضعيفة ويجعلها بحكم الرواية الصحيحة ، لان المتحصّل من أدلة اعتبار الخبر الواحد هو حجية الخبر الموثوق بصدوره واستناد المشهور اليها يجعلها من مصاديق الخبر الموثوق ، وليست هذه الشهرة هي محل الكلام في المقام.

وثالثة : الشهرة في الفتوى من دون استناد الى دليل مصرّح به.

والكلام فيها تارة : من ناحية كونها موجبة للغمز في الرواية الصحيحة فيما اذا قامت الشهرة في الفتوى على خلافها ، فان اعراض المشهور عن الاستناد الى الرواية الصحيحة الماثلة نصب اعينهم وافتاؤهم بخلاف ما دلت عليه ـ هل يوجب وهنا وعدم الوثوق بها مطلقا او في خصوص ما اذا كانت الرواية الصحيحة على وفق الاحتياط او القاعدة ومع ذلك تقوم الشهرة في الفتوى على خلافها ، او لا توجب وهنها فيها مطلقا؟

وتشارك هذه الشهرة من هذه الجهة الشهرة العملية بدعوى ان استناد المشهور الى الرواية المرسلة او الضعيفة وإفتاؤهم على طبقها مع وجود الرواية الصحيحة الدالة على خلاف ذلك يوجب وهنها بالاعراض عنها.

٣٠٩

دليل (١) ، وتوهم دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى ، لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر (٢) ، فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم

______________________________________________________

وعلى كل فالكلام في الشهرة الفتوائية في المقام ليس من هذه الناحية ايضا والكلام فيها في باب التعادل والتراجيح.

واخرى : يقع الكلام في الشهرة الفتوائية من ناحية كونها احد الظنون الخاصة ، وهذا الفصل معقود للتكلم فيها من هذه الناحية.

وقبل الشروع في الادلة التي ذكرت لحجيتها لا باس بالاشارة الى تفسيرها.

وقد عرفها الشيخ الاعظم في الرسائل : بفتوى جلّ الفقهاء المعروفين سواء كان في مقابلها فتوى غيرهم بالخلاف أم لم يعرف الخلاف والوفاق من غيرهم.

ولا يخفى ان تعريفها بذلك مما يشمل الاجماع ببعض الوجوه التي مرّ ذكرها ، فان فتوى جلّ الفقهاء المعروفين حيث لا يعرف الخلاف من غيرهم هو المسمى بالاجماع السكوتي ، وهو الاجماع الذي لم يعبر عنه بلفظ الاجماع ، ويأتي فيه ما مرّ من الكلام في الاجماع المعبر عنه بلفظ الاجماع كما لا يخفى.

والاولى تعريفها بانها : هي تطابق فتاوى جماعة كثيرة من الفقهاء غير الموجبة للعلم بالواقع ولا للعلم بوجود دليل معتبر سندا ودلالة وجهة.

(١) قد تقدم ان الاصل عدم حجية الظن ما لم يقم على حجيّته دليل يوجب القطع بحجيّته فاذا لم تكن الادلة التي ذكرت لحجيتها مما تفيد القطع بالحجيّة فهي باقية على مقتضى الاصل وهو عدم حجيتها ، ولذا اكتفى في نفي حجيتها بقوله : «ولا يساعده دليل» أي ان القول بحجية الظن الحاصل من الشهرة في الفتوى لا يساعده دليل ، وحيث لا يساعده دليل فهو باق على اصالة عدم الحجيّة.

(٢) قد ذكروا لحجية الظن الحاصل من الشهرة اكثر من ما اشار اليه المصنف ، ولعل عمدة الادلة ثلاثة ، وهي التي اشار اليها في عبارته :

٣١٠

دلالتها على كون مناط اعتباره إفادته الظن ، غايته تنقيح ذلك بالظن ، وهو لا يوجب إلا الظن بأنها أولى بالاعتبار ، ولا اعتبار به ، مع أن دعوى القطع بأنه ليس بمناط غير مجازفة (١).

______________________________________________________

الاول من الادلة : ان المناط لحجية الخبر الواحد الثابتة حجيته بالقطع هو كونه مما يفيد الظن ، والظن الحاصل من الشهرة أقوى من الظن الحاصل من الخبر الواحد ، فما دل على حجية الخبر يدل على حجية الشهرة بالفحوى ، فان الفحوى هي مفهوم الموافقة الذي هو عبارة عن دلالة المنطوق على حكم يكون مناط ذلك الحكم في غيره اقوى مما في المنطوق ، كدلالة لا تقل لهما اف على حرمة الضرب ، فاذا ثبت ان المناط لحجية الخبر هو الظن الحاصل منه وان الظن الحاصل من الشهرة اقوى منه كانت أدلة حجية الخبر دالة على حجية الشهرة بالفحوى.

لا يقال : ان مفهوم الموافقة مشروط بان تكون الاقوائية ارتكازية ، واقوائية الشهرة في افادتها للظن ليست ارتكازية ، فلا تكون الدلالة من الدلالة بالفحوى.

فانه يقال : ان الارتكاز في مفهوم الموافقة هو امر كلي ، وهو لزوم تحقق الحكم فيما هو اقوى منه في المناط ، فاذا كان المناط في حجية الخبر هو الظن فالارتكاز في تحقق الحكم فيما هو اقوى منه ظنا موجود ، ولا داعي لان يكون نفس الظن بخصوص الشهرة ارتكازيا ، وقد اشار الى هذا الدليل بقوله : «وتوهم دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه» أي على حجية الظن الحاصل من الشهرة «بالفحوى لكون الظن الذي تفيده» أي الشهرة «اقوى مما يفيد الخبر».

(١) وحاصل ما اجاب به المصنف عن هذا الدليل وجهان :

الاول : انه الدلالة بالفحوى لا بد فيها من القطع بمناط الحكم المنطوقي لان تكون الاولوية قطعيّة ، ولا قطع بكون المناط في حجية الخبر هو افادته للظن ، وغايته هو الظن بكون المناط في حجيّته هو الظن فتكون الاولوية ظنّية لا قطعيّة ، ومرجع

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولوية الظنيّة الى الظن بكون الشهرة اولى بالحجية من الخبر ، وهو بنفسه ظن من الظنون يحتاج الى دليل قطعي يقوم على حجيته.

والحاصل : انه لا دليل على حجية الاولوية الظنية ، وانما الدليل قائم على حجية الاولوية القطعية والاولوية هنا ظنية لا قطعيّة ، والى هذا اشار بقوله : «ضرورة عدم دلالتها» بنحو القطع «على كون مناط اعتباره» أي مناط اعتبار حجية الخبر هو «افادته الظن غايته تنقيح ذلك بالظن» أي غايته انا نظن بان مناط الاعتبار في الخبر هو افادته للظن وهذا تنقيح للمناط بنحو الظن لا بنحو القطع ، ولا بد في الدلالة بالفحوى من تنقيح المناط فيها بالقطع دون الظن ، ولذا قال : «وهو» أي تنقيح المناط بالظن «لا يوجب إلّا الظن بانها» أي الشهرة «اولى بالاعتبار» من الخبر «ولا اعتبار به» أي ولا اعتبار بالمناط المنقح بالظن لانه اولوية ظنية لا قطعية.

الوجه الثاني في الجواب عن هذا الدليل : انا نقطع بانه ليس المناط في حجية الخبر هو افادته للظن بان يكون افادته له هو العلة التامة في حجيته ، لان لازم العلية التامة في تنقيح المناط هو ثبوت الحكم بنحو الكلية بحيث يكون المورد احد مصاديقه كما في قولنا لا تشرب الخمر لانه مسكر ، فان المستفاد منه كون المناط في حرمة الخمر هو الاسكار ، والخمر احد مصاديق الاسكار ، فالحكم المستفاد منه هو حرمة كل مسكر ، فلذا يصح ان نقول الخمر حرام لان كل مسكر حرام ، ولو كان الظن هو المناط لحجية الخبر لصح ان نقول الخبر حجة لان كل ظن حجة ، وهذا لا يلتزم به القائل بحجية الشهرة من باب الفحوى.

هذا مضافا الى انه لو كان المناط في حجية الخبر هو افادته للظن لاختصت حجية الخبر بالخبر المفيد للظن ، وسيأتي في أدلة اعتبار الخبر دلالتها على حجية الخبر الواحد وان لم يفد الظن ، بل وان كان الظن قائما على خلاف الخبر الواحد ، وهذا مما يدل بالقطع على انه ليس المناط في حجيته افادته للظن.

٣١٢

وأضعف منه ، توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه ، لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الاولى خذ بما اشتهر بين أصحابك وفي الثانية ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه بين

______________________________________________________

نعم ، يمكن ان يكون كونه مما يفيد الظن نوعا حكمة في جعل حجيته ، والحكمة لا تتعدّى موردها ، والتعدّي عن المورد للعلة دون الحكمة ، ولذا قال : «مع ان دعوى القطع بانه ليس بمناط» أي دعوى القطع بانه ليس المناط في حجيته هو افادته للظن «غير مجازفة».

ولا يخفى ان الجواب الاول والثاني مبني على تسليم كون الظن المستفاد من الشهرة اقوى من الخبر ، فان الجواب الاول هو عدم القطع بان المناط في حجية الخبر افادته للظن ، والثاني القطع بان افادته للظن ليس هو المناط في حجيته. ولكنه يمكن ان يدعي عدم تسليم ذلك ، وان الظن المستفاد من خبر العادل اقوى من الظن المستفاد من الشهرة كما هو ظاهر صاحب المعالم ، فانه قال في المعالم : ان خبر العادل اقوى الظنون ، فان الشهرة الفتوائية حيث عرفت في تعريفها هي التي لا تفيد علما بالحكم الواقعي ولا علما بوجود دليل معتبر سندا وجهة ودلالة ، ومن المحتمل ان السبب فيها هو حسن ظن بعضهم ببعض كما فيما لو كان المفتي الاول جليل القدر كشيخ الطائفة ، فان من جلالته قد بلغ حدا يحصل للمتأخرين عنه الاطمئنان منهم بما يفتي به ، وهذا يرجع الى ما يشبه التقليد دون الاجتهاد ، ومع وجود هذا الاحتمال في موارد الشهرة او غيره كاحتمال كون السبب فيها في بعض الموارد هو موافقة فتوى المفتي الاول للاحتياط لا يكون الظن الحاصل في الشهرة اقوى من الظن الحاصل من الخبر ، فدعوى ان الظن الحاصل منها اضعف من الظن الخبري غير بعيدة جدا.

٣١٣

أصحابك ، فيؤخذ به هو الرواية ، لا ما يعم الفتوى ، كما هو أوضح من أن يخفى (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الدليل الثاني الذي تعرض له المصنف من الادلة التي احتج بها على حجية الشهرة في الفتوى ، وهو الاستدلال على حجيتها بالمشهورة والمقبولة ، والمراد من المشهورة هي المرفوعة وهي ما روي عن العلامة مرفوعا الى زرارة (قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ ، فقال عليه‌السلام : يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر) (١) الحديث.

وطريق الاستدلال بها جهتان : الاولى : هي الفقرة الواردة فيها ، وهي قوله عليه‌السلام : خذ بما اشتهر بين اصحابك ، فان الموصول من ادوات العموم والمسئول عنه وان كان الروايتين إلّا ان المورد لا يخصص الوارد حيث يكون الدال على الحكم من الفاظ العموم ، فيكون المستفاد من عموم الموصول فيها وهو قوله ما اشتهر بين اصحابك هو الاخذ بكل ما يشتهر بين الاصحاب فيشمل الشهرة في الفتوى. والجواب عنه : ان الرواية منصرفة الى الرواية المشهورة والحديث المشهور ، فلا بد من الاقتصار في دلالتها على الاخذ بالرواية المشهورة فلا تشمل الشهرة في الفتوى بعد ان اختصت دلالتها بالشهرة الروائية ، ولعل السبب في الانصراف ان المورد ربما يكون المستفاد منه هو التقييد فيكون مما يخصص الوارد وان كان من الفاظ العموم ، وربما يكون محض كونه موردا فلا يخصص الوارد العام وان كان اطلاق ، فربما يكون مانعا عن الاطلاق فيما عداه.

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ٤ ، ص ١٣٣.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مثلا لو كان السؤال عن الخمر ويكون الجواب ما اسكر فهو حرام فانه لا يستفاد من السؤال القيديّة ، وحينئذ يستفاد من الجواب حكما عاما يشمل المورد وغيره وهو حرمة كل مسكر.

وربما يسأل ـ مثلا ـ عن بيع المثل بالمثل ، فيكون الجواب ما اشتمل على زيادة ونقيصة فهو حرام ، فان المستفاد من مورد السؤال قيد يلحق الصلة ، فلا تدل الرواية على حرمة الزيادة والنقيصة في غير البيع للمثل بالمثل ، فان السؤال عن بيع المثل بالمثل يجعل الجواب مما يختص به لاستفادة القيديّة ، ولذا كان المنصرف منه ان ما اشتمل على زيادة ونقيصة من بيع المثل بالمثل فهو حرام ، فلا يكون المستفاد منه حكما عاما يشمل بيع المثل بالمثل وغيره من البيوع والمعاملات.

ومثله مورد السؤال في المشهورة ، فان المنصرف من قوله خذ بما اشتهر بين اصحابك بمناسبة السؤال هو الاخذ بما اشتهر بين الاصحاب من الرواية والحديث ، فالسبب في الانصراف هو استفادة القيد للصلة من مورد السؤال ، ومع استفادة القيدية لا تدل على حكم عام يشمل كل شهرة حتى الشهرة الفتوائية ، بل المستفاد منها هو خصوص الاخذ بما اشتهر من الرواية ، ومع التنزل عن الانصراف فلا اقل من كون المورد في مثل هذا السؤال مما يصلح للقرينة على التقييد ، فيكون الجواب مما احتف بمحتمل القرينية فيكون مجملا من ناحية افادة العموم.

ولعل المتحصل مما ذكرنا هو ان المورد الذي لا يخصص الوارد هو الذي كان للعموم ظهور في كون المورد من اصناف مصاديقه ، اما اذا كان المورد صنفا له افراد ولم يكن للعموم ظهور في ان الصنف من مصاديقه فالمورد يكون موجبا لاجمال العام لاحتفافه بما يصلح للقرينية لاحتمال ان يكون العموم بالنسبة الى افراد هذا الصنف ، فلا دلالة فيه على العموم لجميع الاصناف.

الجهة الثانية في طريق الاستدلال بالمرفوعة هو الاستدلال بعلية الوصف فيها ، فان الشهرة التي هي الوصف للرواية قد علق عليها الامر بالاخذ فهي العلة له ، واذا

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كانت الشهرة هي العلة للاخذ بالرواية فلا بد من الاخذ بكل شهرة ، اذ لا فرق بين شهرة وشهرة ، فالرواية حيث دلت على الاخذ بالرواية المشهورة لاجل تحقق الشهرة فهي تدل على الاخذ بكل ما تحقق فيه الشهرة ، والمفروض تحقق الشهرة الفتوائية على الحكم فلا بد من الاخذ به.

والجواب عنها : ان الوصف لا دلالة فيه على العليّة ، ولذا يقولون ان للوصف اشعارا بالعليّة والاشعار غير الدلالة ، بل لو قلنا بعليّة الوصف فان المستفاد من الرواية هو الاخذ بالشهرة التي يكون الحكم المخبر به فيها ناشئا عن حس كما في الرواية المشهورة ، لا في مثل الشهرة في الفتوى فان الحكم فيها مصدره الحدس دون الحس ، ولعل الوجه في ذلك هو انه لما لم يكن الاستدلال بالعموم ولا بالاطلاق وانما كان من جهة عليّة الوصف ، فالقدر المتيقن من كون هذا الوصف علة هو عليّة هذا الوصف المستند الى الحس دون الحدس.

واما المقبولة ، فهي مقبولة عمر بن حنظلة المروية عن المشايخ الثلاثة عن عمر بن حنظلة ، وفيها انه يسأل السائل الامام عليه‌السلام عن الروايتين المتعارضتين ، ويفرض السائل تساوي الراويين من حيث العدالة ونحوها ، فيقول الامام عليه‌السلام : ـ بعد فرض السائل لتساوي الراويين ـ (ينظر في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به ، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور بين اصحابك ، فان المجمع عليه لا ريب فيه) (١) الحديث.

وطريق الاستدلال بها ايضا جهتان : الاولى : علية الوصف كما مر في المشهورة ، فان المراد من المجمع عليه الذي لا ريب فيه هو المشهور بقرينة قوله عليه‌السلام ويترك الشاذ النادر ، فالاخذ بالمشهور انما هو لاجل الشهرة كما يساعد على ذلك قوله : فان المجمع عليه لا ريب فيه ، فان الظاهر ان العلة في الاخذ بالمجمع عليه حيث ان المشهور

__________________

(١) الكافي ج ١ ، ص ٦٨.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا ريب فيه ، ومن الواضح ان العلة لعدم الريب في المشهور هو حيثية الشهرة فيه ، فالرواية وان دلت على اخذ الرواية المشهورة لان موردها هي الشهرة الروائية ، الّا ان التعليل فيها ظاهر في كون العلة في الاخذ بها هو وصف الشهرة ، ووصف الشهرة كما هو موجود في الشهرة الروائية كذلك هو موجود في الشهرة الفتوائية.

والجواب عنها : ان مراد المستدل ان كان عليّة الوصف فقد مرّ الجواب عنه ، وان الوصف بما هو وصف لا دلالة فيه على العليّة ، مضافا الى ان القدر المتيقن منه هو الشهرة في الرواية لانه عن حس ، لا في الفتوى لانها عن حدس كما تقدم بيانه.

وان كان المراد هو عليّة خصوص هذا الوصف بقرينة التعليل بقوله فان المجمع عليه لا ريب فيه بعد قيام القرينة في الرواية ، بان المراد من المجمع عليه هو المشهور ، فتكون الرواية دالة على ان وصف الشهرة بالخصوص هو العلة في وجوب الاخذ ، لان عدم الريب في المشهور انما هو لاجل كونه مشهورا لا بشيء آخر.

فالجواب عنه اولا : ان مرجع هذا الاستدلال الى الاستدلال بمنصوص العلة لا بمفهوم الوصف ، لان المتحصّل منه ان الشهرة لكونها مما لا ريب فيه هي الموجبة للاخذ لا لكونها وصفا لحق الموصوف ، فيكون مرجعه الى ان عدم الريب هو العلة في الاخذ بالرواية المشهورة ، وهذه العلة موجودة في الشهرة الفتوائية فانها مما لا ريب فيها ازاء الفتوى غير المشهورة.

وثانيا : ان العلة المنصوصة في المقام هي عدم الريب ، وعدم الريب في الشيء تارة يكون على وجه الاطلاق ، بان يكون لا ريب فيه مطلقا لا بالاضافة الى شيء آخر ، ومن الواضح ان الذي لا ريب فيه مطلقا هو ما اوجب العلم والشهرة لا توجب العلم ، ولو كانت مما يوجب العلم لخرجت عن كونها من الظنون.

واخرى يكون على نحو الاضافة الى شيء بان يكون مما لا ريب فيه بالنسبة الى غيره لا مطلقا كما في المقام ، فان الرواية المشهورة لا ريب فيها بالنسبة الى الرواية غير المشهورة لا مطلقا ، فالعلة المنصوصة المدعاة في المقام هي الاخذ بما لا ريب فيه

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاضافة الى غيره ، فيكون مرجع هذه الدعوى انه يؤخذ بكل مما لا ريب فيه بالاضافة الى غيره ، ولازم هذا هو الاخذ بكل راجح بالنسبة الى غيره ، فاذا كان هناك ظنان احدهما ارجح من الآخر فلا بد من الاخذ بالراجح منهما لانه لا ريب فيه بالنسبة الى الآخر ، وهذا مما لا يلتزم به القائل بحجيّة الشهرة.

نعم يمكن ان يقول المستدل بان العلة المنصوصة في المقام هي ان المشهور لا ريب فيه ، وهذه كلية تدل على ان كل مشهور لا ريب فيه.

وبعبارة اخرى : ان الرواية تدل على الاخذ بما لا ريب فيه من الشهرة بالاضافة الى الشاذ ، وهذا كاف في الاستدلال لانه يدل على ان كل شهرة بالاضافة الى الشاذ لا ريب فيها وتكون العلة مما تعم الشهرة في الفتوى.

وبعبارة اوضح : ان العلة ليست هي عدم الريب قطعا ، ولا عدم الريب بالاضافة بنحو الاطلاق ايضا ، بل العلة هي عدم الريب الاضافي في خصوص الشهرة بالنسبة الى الشاذ النادر.

فالجواب عنه ـ حينئذ ـ ينحصر بان نقول بان مورد العلة حيث كان متعلق الشهرة فيه امرا حسيا فالعلة المنصوصة تدل على الاخذ بكل شهرة كان متعلقها امرا حسيا كالشهرة المتعلقة بالرواية والخبر ، والشهرة المتعلقة بالفتوى ليس متعلقها امرا حسيا لوضوح كون الفتوى من الحدسيات دون الحسيات.

الجهة الثانية في الاستدلال بالمقبولة هي العموم المستفاد من قوله : ان المجمع عليه لا ريب فيه ، فان المورد وان كان هو الرواية إلّا ان المورد لا يخصص العموم.

والجواب عنه : ان العموم المدعي في المقام هو المستفاد من لفظ المجمع عليه باعتبار كونه محلى بالالف واللام ولا عموم فيه في المقام ، لان الالف واللام التي قيل بدلالتها على العموم هي الالف واللام الجنسية لا العهدية ، والالف واللام في المقام عهدية والمعهود هو قوله ما كان من روايتهم عنا.

٣١٨

نعم بناء على حجية الخبر ببناء العقلاء ، لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته ، بل على حجية كل أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان (١) ،

______________________________________________________

والمتحصل من الرواية هو انه ينظر الى ما كان من روايتهم عنها فيؤخذ بالمروي عنا المجمع عليه ويترك الشاذ المروي عنا.

وان كان العموم المدعى بلحاظ الموصول وهو ما كان من روايتهم عنا فعدم شموله للشهرة الفتوائية اوضح من ان يخفى ، لوضوح عدم شمول المجمع عليه مع تقيده بكونه في الرواية للشهرة في الفتوى ، ويظهر من المصنف انه اشار الى الاستدلال بالمشهورة والمقبولة من ناحية عموم الموصول ، لانه قال (قدس‌سره) : «لوضوح ان المراد بالموصول في قوله» عليه‌السلام «في الاولى» وهي المشهورة هو قوله : «خذ بما اشتهر بين اصحابك وفي الثانية» وهي المقبولة هو قوله : «ينظر الى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به هو الرواية لا ما يعم الفتوى» أي ان المراد بالموصول في المشهورة وبالموصول في المقبولة هو الرواية : أي خذ بما اشتهر من الرواية عنا بين اصحابك ، وخذ بما كان المجمع عليه من الرواية عنا بين اصحابك ، وليس في الموصول في المشهورة بعد انصرافه الى المتقيد بالرواية عموم يشمل الشهرة الفتوائية ، وليس في المقبولة بعد تصريحها بتقييده بالرواية عموم يعم الشهرة الفتوائية.

(١) هذا هو الدليل الثالث الذي يمكن الاستدلال به على حجية الشهرة.

وحاصله : ان الدليل على حجية الخبر الواحد هو بناء العقلاء على الاخذ به ، وبناء العقلاء لا يختص بالخبر الواحد لخصوصية في الخبر ، بل يكون الخبر من الامارات المفيدة للظن او الاطمئنان ، والضمير من قوله : «على حجيته» يرجع الى الخبر : أي لا يبعد دعوى عدم اختصاص بناء العقلاء بحجية الخبر ، بل بناء العقلاء قائم على الاخذ بكل امارة تفيد الظن او الاطمئنان.

٣١٩

لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد (١).

______________________________________________________

ولا اشكال ان الشهرة في الفتوى من الامارات المفيدة لذلك ، فالشهرة من جملة مصاديق ما قام عليه بناء العقلاء ، والظاهر من المصنف عدم استبعاد كون بناء العقلاء مما لا يختص بالخبر بل يشمل كل امارة مفيدة للظن او الاطمئنان.

(١) قد اورد على المصنف بان الذي دون اثباته خرط القتاد لا يخلو : اما ان يكون هو كون بناء العقلاء من أدلة حجية الخبر فسيأتي منه (قدس‌سره) ان عمدة أدلة حجية الخبر هو بناء العقلاء على التمسك به.

واما ان يكون هو عدم اختصاص بنائهم بحجية الخبر وانه يعم كل امارة مفيدة للظن او الاطمئنان ، فظاهر المصنف ايضا في نفس عبارته هذه هو تسليم ذلك وعدم استبعاده.

واما ان يكون هو عدم كون الشهرة الفتوائية مما يفيد الظن ففيه اولا : انه من المسلم وجدانا افادة الشهرة للظن. وثانيا : قد مر من المصنف في الاستدلال بالفحوى ما يظهر منه تسليم كون الظن الحاصل من الشهرة اقوى من الظن الحاصل من الخبر الواحد. فاي شيء هو الذي يكون دون اثباته خرط القتاد؟

ولا يمكن ان يكون مراد المصنف ان الشهرة وان افادت الظن إلّا انها ليست من الامارات المشمولة لبناء العقلاء ، لان بناء العقلاء انما قام على الامارة الحسية المفيدة للظن أو الاطمئنان دون الحدسية من الامارات وان افادت الظن ، والشهرة من الحدسيات لا الحسيات لما صرح به من دعوى قيام بناء العقلاء على ما افاد الاطمئنان وان الشهرة يفيد الاطمئنان ، ومع هذا كله فيجوز ان يكون مراد المصنف أن هناك بناءين من العقلاء : بناء على الاخذ بخبر الواحد وهو مختص بالحسي دون الحدسي وهذا البناء لا يشمل الشهرة ، وبناء على الاخذ بما يفيد الاطمئنان وهذا يشمل الشهرة ، ولكن كون الشهرة مما تفيد الاطمئنان دون اثباته خرط القتاد.

٣٢٠