بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن ادلة حجية الخبر لا عموم فيها ولا اطلاق يشمل الاخبار عن حدس وان المتيقن منها هو حجية الخبر عن حسّ فقط ، لان ادلة حجية الخبر تنحصر في بناء العقلاء وفي الاخبار المتواترة وفي الآيات المباركة ، وليس لهذه الثلاثة عموم او اطلاق يشمل الاخبار عن حدس.

اما بناء العقلاء فنقول : ان الكلام فيه في فرضين : الاول : ان يكون معلوما انه نقل عن حدس ، ولا بناء من العقلاء على الاخذ بخبر الثقة اذا كان عن حدس ، لان بناء العقلاء على الاخذ بخبر الثقة انما هو لكونه كاشفا نوعيا بالفعل ، وسبب كشفه النوعي هو ان الثقة اذا لم يكن مخطئا في حسه فكونه ممن يوثق به له الكشف النوعي بالفعل عما أحسّه واخبر به ، ولما كان الخطا في الحس خروجا عما يقتضيه الطبع ممن ليس في حاسة سمعه آفة بنوا على عدمه ، والبناء على عدم الخطا في الحس حيث انه خروج عما يقتضيه الطبع يشترك فيه الثقة وغير الثقة ، وانما يختلف الثقة وغير الثقة في ان ما يحس به الثقة كاشف نوعي عندهم ، بخلاف ما يحس به غير الثقة فانه لا كاشفية له عندهم ، فحجية خبر الثقة انما هي لبنائهم على انه صادق في حسه.

اما اذا كان خبر الثقة مبنيّا على الحدس فبناؤهم على تصديقه في حسه لا يلازم ثبوت ما اخبر به بل يتوقف على تصديقه في حدسه ، ولا بناء من العقلاء على تصديق الثقة في حدسه ، اذ كونه ثقة لا يلازم ثبوت حدسه وصواب رأيه.

نعم كونه ثقة يلازم ثبوت ما احسّ به ، فان تصديقه فيما سمعه يلازم ثبوت ما سمعه ولا يلازم ثبوت ما يراه الثقة بحسب حدسه انه ملازم لما سمعه.

وبعبارة اخرى : ان خبر الثقة بنى العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال كذبه فهو كاشف نوعي عن وقوع ما اخبر به ، فحيث يخبر عن حس فثبوت خبره يتحقق بمجرد البناء على عدم الكذب ، واما حيث يخبر عن حدس فلا يثبت ما اخبر به بمجرد البناء على عدم كذبه ، بل لا بد من بناء آخر منهم على صواب رأيه وحدسه ، لان المفروض ان ثبوت ما اخبر به من السبب المفروض كونه سببا عنده لا عند المنقول اليه

٢٨١

كما أن المنصرف من الآيات والروايات ذلك (١) ، على تقدير

______________________________________________________

يتحقق باخباره السبب للبناء على عدم كذبه ، ولا يتحقق مسببه بمجرد ذلك بل لا بد من البناء على اصابته في رأيه وحدسه.

والحاصل : ان لازم وثاقته وعدم كذبه هو وقوع ما احس بوقوعه لا وقوع ما حدس وقوعه ، فانه لا يلازم وثاقته وعدم كذبه بل يلازم قوة حدسه واصابة رأيه ، ولا ملازمة بين الوثاقة واصابة الرأي ، فبناء العقلاء على خبر الثقة لا شمول له لما اخبر به الثقة عن حدس ، والى هذا اشار بقوله : «ففيه اشكال» أي فيما كانت الملازمة عند الناقل دون المنقول اليه ففي شمول حجية اعتبار الخبر له اشكال «اظهره عدم نهوض تلك الادلة» الدالة على حجية الخبر «على حجيّته» أي على حجيّة الخبر المبني على الحدس «اذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك» أي غير الخبر المبني على الحدس بل الخبر المبني على الحس ، لان الخبر الحسي هو الكاشف النوعي دون الخبر الحدسي فانه لا كاشفية نوعية فيه تلازم كونه ثقة ولا يكذب.

الفرض الثاني : ان لا يكون معلوما انه عن حدس ، بل كان مما يحتمل كونه نقلا عن حس ، كما يحتمل كونه عن حدس وسيأتي الاشارة اليه فيما يأتي.

(١) اما الآيات فسيأتي ان عمدتها مفهوم آية النبأ وهي (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(١) الدال على عدم التبين عن نبأ العادل ، والمنصرف من النبأ هو خبر العادل الحسي دون الحدسي.

وللشيخ الاعظم في رسائله وجه آخر لعدم دلالة آية النبأ على حجية خبر العادل الحدسي وانها تختص بما اخبر به عن حس.

__________________

(١) الحجرات : الآية ٦.

٢٨٢

دلالتهما (١) ، خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد

______________________________________________________

وحاصله : ان التبيّن عن خبر الفاسق وعدم التبيّن عن خبر العادل في الآية انما هي لوجود الجهة الرادعة في العادل دون الفاسق ، والجهة الرادعة التي يمتاز بها العادل عن الفاسق هي تعمّد الكذب وعدمه ، فان العادل وجود ملكة العدالة فيه تردعه عن تعمّد الكذب ، بخلاف الفاسق فانه حيث لا ملكة له لا رادع له عن تعمّد الكذب ، فالآية قد وردت لتمييز العادل عن الفاسق فيما يرجع الى اختيارهما.

واما احتمال الخطأ الناشئ عن اللااختيار فالعادل والفاسق فيه سواء ، وهذا المقدار من دلالة الآية لا يستلزم حجية خبر العادل ، فانه كونه لا يكذب لا يستلزم تحقق ما اخبر به لجواز خطأه المستند الى عدم اختياره ، وانما تكون الآية بضميمة بناء العقلاء على عدم الخطأ دالة على حجيّة الخبر ، ومن الواضح ان بناء العقلاء انما هو على عدم الخطأ عن حس لانه خلاف مقتضى الطبع لا على عدم الخطا عن حدس ، فالآية بضميمة الاصل العقلائي تدل على حجية خبر الثقة ، فاخبار العادل عن حدس خارج عما وردت الآية من جهته ، لانها وردت من ناحية تعمّد الكذب وعدمه ، وخارج عن بناء العقلاء لان الخطأ الحدسي ليس على خلاف مقتضى الطبع ، ولذا لا بناء من العقلاء على اصالة عدم الخطا عن حدس ، فلا دلالة للآية على غير حجية الخبر عن حسّ ولا نظر لها ولا للاصل المنضم اليها الى حجية الخبر عن حدس.

واما الروايات فالقدر المتيقن منها هو وجوب تصديق العادل في خبره لا في رأيه.

(١) اشارة الى ما يأتي من المناقشات في دلالة الآية على المفهوم وفي الاخبار من عدم تواترها ، فانها اذا لم يثبت تواترها لا تخرج عن كونها اخبار آحاد فلا تكون مثبتة لحجية اخبار الآحاد.

والحاصل : ان المنصرف من الآيات والروايات على تقدير دلالتها على حجية الخبر الواحد هو حجية الخبر الحسي دون الحدسي ، وهو المراد بقوله (قدس‌سره) :

٢٨٣

الملازمة ، هذا فيما انكشف الحال (١).

وأما فيما اشتبه ، فلا يبعد أن يقال بالاعتبار ، فإن عمدة أدلة حجية الاخبار هو بناء العقلاء ، وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس ، يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس ، حيث إنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشيء على التوقف والتفتيش ، عن أنه عن حدس أو حس ، بل العمل على طبقه والجري على وقفه بدون ذلك ، نعم لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك ، فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس ، أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة (٢).

______________________________________________________

«ذلك» وحاصله : ان القدر «المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك» أي حجية غير الخبر الحدسي وهو الحسي و «المنصرف من الآيات والروايات ذلك على تقدير دلالتهما» أي حجية غير الخبر الحدسي وهو الخبر الحسي ايضا.

(١) حاصله : ان بناء العقلاء على الاخذ بخبر الثقة يرجع الى بناءين : البناء على عدم الكذب والغاء احتماله ، والبناء على عدم الخطأ وإلغاء احتماله ، ومع العلم بالخطإ لا وجه للبناء على عدمه ، فان البناء على عدم الخطا انما هو في مقام احتمال الخطأ لا في مقام العلم بالخطإ ، ومثله المستفاد من الروايات والآيات انما هو جعل الحجيّة لخبر الثقة الذي لم يعلم كذبه ولا خطأه بالغاء احتمالهما ، اما اذا علم بالخطإ فلا وجه لشمول ادلة حجية الخبر له ، بل مع العلم بالخطإ فكذب الخبر متحقق وان لم يكن المخبر متعمدا للكذب لاعتقاده الملازمة.

(٢) قد عرفت الحال فيما اذا علم حال الخبر وانه عن حدس لا عن حس من عدم شمول ادلة اعتبار الخبر له.

واما فيما اذا اشتبه ولم يعلم ان خبر الثقة كان عن حس او عن حدس فلا شمول للآيات والروايات له ، لانه اذا كان المنصرف منها هو خصوص الخبر الحسي فلا تكون لها دلالة على المشكوك الحسية ، وإلّا لم يكن المنصرف منها هو خصوص

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الحسي بل يكون المنصرف هو الاعم من الحسي والمشكوك الحسيّة ، وهو خلف بالنسبة الى دعوى ان المنصرف منها هو خصوص الحسي.

والمصنف حيث يرى ان عمدة ادلة حجية الخبر هو بناء العقلاء بخلاف الآيات والروايات فان دلالتهما على حجيته لا تخلو عنده عن مناقشة ، ولذا قال فيما مر على تقدير دلالتهما.

وحاصل ما يظهر من المصنف انه اذا اشتبه حال الخبر ولم يعلم انه عن حسّ او عن حدس ، فاما ان لا تكون هناك امارة قائمة على انه حدسي بل كان محض احتمال من دون منشأ له ، والمشاهد من بناء العقلاء هو العمل على طبق خبر الثقة في مثل هذا وعدم الاعتناء منهم بهذا الاحتمال فيما اذا لم يكن هناك منشأ له ، لوضوح انه فيما اذا لم يعلم كونه حسيّا فان احتمال كونه حدسيا موجود ، ومع وجود هذا الاحتمال قد استقر بناء العقلاء على الاخذ بخبر الثقة وعدم التفتيش والسؤال منهم عن حدسيّته وحسيّته فيكشف ذلك عن بنائهم على الاخذ به وان احتملوا كونه حدسيّا حيث لا تكون هناك امارة على حدسيّته ، واما لو كانت هناك امارة على حدسيّته فلا بناء منهم على الاخذ به ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «وهم كما يعلمون بخبر الثقة اذا علم انه عن حس يعملون به» ايضا «فيما يحتمل كونه عن حدس» فيما اذا لم تكن هناك امارة على كونه حدسيّا ، ويدل على هذا القيد قوله : نعم لا يبعد ، والدليل على بنائهم على حجية خبر الثقة المحتمل كونه عن حدس حيث لا تكون امارة على حدسيته بل يكون محض احتمال ما اشار اليه بقوله : «حيث انه ليس بناؤهم» الى قوله «بدون ذلك» أي بدون التوقف والتفتيش ، وحيث علمت ان احتمال الحدسيّة موجود فيما اذا لم يعلم كونه عن حدس ومع ذلك استقر بناؤهم على العمل به ، فيكشف هذا عن حجية خبر الثقة عند العقلاء وان احتمل كونه حدسيا بشرط عدم الامارة على الحدسيّة ، اما اذا كانت امارة على الحدسيّة فلا بناء منهم على العمل به ، ولذا قال «نعم لا يبعد ان يكون بناؤهم على ذلك»

٢٨٥

هذا لكن الاجماعات المنقولة في ألسنة الاصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا (١) ، فلا اعتبار لها ما لم ينكشف

______________________________________________________

أي على الاخذ بخبر الثقة المحتمل كونه حدسيا «فيما لا يكون هناك امارة على الحدس» واما اذا كان هناك علم بالحدس فلا بناء من العقلاء على العمل بخبر الثقة اذا كان عن لازم يعتقد الملازمة بين وجوده ووجود ملزومه ، وقد علم ان اخباره عنه كان حسيّا بالنسبة الى الملزوم دون اللازم ، واما اخباره عن اللازم فانما كان لانه يعتقد الملازمة بين وجوديهما وكان المنقول اليه لا يرى هذه الملازمة ، فانه لا بناء من العقلاء على العمل بمثل هذا ، وكذا الحال فيما اذا لم يعلم انه كذلك ولكن كانت هناك امارة على ان هذا الناقل يستند في اخباره عن اللازم لاعتقاده الملازمة بينه وبين الملزوم الذي احس به ، فانه ايضا لا بناء من العقلاء على الاخذ بخبر الثقة فيما اذا قامت الامارة على ان اخباره من باب اعتقاد الملازمة التي لا يراها المنقول اليه ، والى هذا اشار بقوله : «واعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة».

(١) حاصله : ان الاجماعات المنقولة في كلمات الاصحاب مما لا يشملها ادلة اعتبار حجية الخبر ، لانها مما قامت امارة على كونها مبنية على الحدس واعتقاد الملازمة ، وقد عرفت انصراف الآيات والاخبار الى الخبر الحسي فلا تشمل مشكوك الحسيّة والحدسيّة فضلا عما قامت الامارة على الحدسيّة في الخبر.

واما بناء العقلاء فهو وان كان مما يشمل مشكوك الحسيّة والحدسيّة إلّا انه ايضا لا يشمل ما قامت الامارة على كونه حدسيّا.

ينبغي ان لا يخفى : ان وجوه الاجماع التي ذكرها المصنف خمسة اثنان منها حسيّان يتضمنان نقل رأي المعصوم عن حسّ ، وهما الاجماع الدخولي والتشرّفي وأدلة اعتبار حجية الخبر تشملهما لانهما نقل عن حس.

والمصنف وان لم يشر الى الاجماع التشرفي من حيث شمول ادلة اعتبار الخبر له إلّا ان ما ذكره في الاجماع الدخولي جار فيه ايضا وهو واضح ، بل هو اولى من

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الدخولي لان نقل الاجماع في التشرفي بالنسبة الى السبب يكون من قبيل الكناية من حيث ان المراد بها حقيقة هو المكنى عنه ، فان الغرض من حكاية الاجماع فيه هو نقل قول المعصوم ، ونقل الاجماع ككناية عنه ، فان الغرض منه التوصل الى نقل رأي المعصوم عليه‌السلام.

والثلاثة الأخر من اللطفي والعادي والاتفاقي من النقل بالحدس ولا تشملها ادلة اعتبار الخبر.

والوجهان الآخران اللذان لم يتعرض لهما المصنف وهما التقريري وهو حدسي لانه كاللطفي الّا ان الملازمة المدعاة فيه ليست عقلية بل هي بملاك الوجوب الشرعي من وجوب التنبيه والارشاد الى الحكم الواقعي فلا تشمله ادلة اعتبار حجية الخبر.

واما الاجماع الكاشف عن وجود دليل معتبر فمرجعه الى كون الاجماع بالنسبة اليه كخبر عن خبر ، وادلة الاعتبار وان شملت الخبر عن الخبر الدال على الحكم الشرعي ، إلّا انه حيث يكون الخبر الاول ناقلا لالفاظ الخبر الثاني حتى يتم ملاك الحكم من حيث السند والدلالة فان سند الخبر الثاني يوجب اعتباره الخبر الاول ، والظهور مستفاد من نفس الفاظ الخبر الثاني فيتم ملاك الحكم من حيث السند والظهور.

اما اذا لم يكن منقولا بالفاظه كما في الاجماع الكاشف عن الدليل المعتبر غير المنقول بالفاظه فلا تتم الحجية فيه من حيث الظهور وان تمت الحجية فيه من حيث السند ، لان حجية الظهور تختص بمن قام عنده الظهور ، فكون الدليل المعتبر الكاشف عنه الاجماع له ظهور عند المجمعين لا يستلزم حجية ذلك الظهور عند من لم يقم عنده ذلك الظهور ، فانه ربما يكون الدليل المعتبر له ظهور عند جماعة ولا يكون له ذلك الظهور عند آخرين ، بل ربما يكون له ظهور في قرون متتابعة ولا يكون له ظهور في قرن متأخر كما في أدلة البئر ، فانه مضت عليها قرون فهم

٢٨٧

أن نقل السبب كان مستندا إلى الحس ، فلا بد في الاجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها (١) ، ولو بملاحظة حال

______________________________________________________

الأصحاب منها وجوب النزح حتى زمان العلامة الحلي (قدس‌سره) فاستفاد منها استحباب النزح ، ووافقه عليه المتأخرون.

(١) هذا نتيجة ما مرّ من ان ادلة الاعتبار انما تدل على اعتبار الخبر الناقل عن حسّ ، وحيث ان ما عدا الاجماع الدخولي ليس نقلا لقول المعصوم عن حسّ فلا تشمل أدلة الاعتبار غير الاجماع الدخولي ، لانه نقل للمسبب الذي هو قول المعصوم بالتضمن عن حس ، وقد مرّ ايضا من المصنف شمول ادلة الاعتبار للاجماع الحدسي ايضا اذا كان المنقول اليه ممن يرى الملازمة بين السبب المنقول عن حس والمسبب وهو رأي المعصوم ، فهو وان لم يكن نقلا لرأي المعصوم بالحس إلّا انه حيث ان المنقول اليه يرى الملازمة وقد نقل الملزوم عن حس فيكون نقلا للازم وهو المسبب بالالتزام ، مثلا لو نقل الاجماع من يراه على نحو اللطف فانه ينقل عن حس اتفاق اهل العصر ، وحيث ان اتفاق اهل العصر يلازم عنده رأي المعصوم فيكون قد نقل ما يستلزم رأي المعصوم عليه‌السلام ، وبهذا المعنى يكون رأي المعصوم قد دلّ عليه ما نقله عن حس بالالتزام ، وليس المراد من قوله بالالتزام هي الدلالة اللفظية الالتزامية بل المراد نقل ما يستلزم رأي المعصوم وان لم تكن الملازمة من اللزوم البيّن بالمعنى الاخص التي هي الشرط في الدلالة الالتزامية ، فالمراد من كونه حكاية لرأي الامام بالالتزام ليست الدلالة الالتزامية ، بل المراد حكاية ما كان بينه وبين رأي المعصوم ملازمة لا تنفك بحسب رأيه ، ولا فرق في شمول ادلة الاعتبار بين الحكاية التضمنية لرأي المعصوم عليه‌السلام والحكاية لما يستلزم رأي المعصوم عليه‌السلام حيث تكون الملازمة ثابتة عند المنقول اليه ، ويلوّح الى هذا في عبارته هذه ـ المتقدمة ـ بقوله : «فان كان بمقدار تمام السبب وإلّا فلا يجدي» ثم يصرّح بهذا في عبارته التالية بقوله : «من جهة حكايته رأي الامام عليه‌السلام بالتضمّن او الالتزام» فليس بين العبارتين تناف بدعوى ان

٢٨٨

الناقل (١) وخصوص موضع النقل ، فيؤخذ بذلك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل ، فإن كان بمقدار تمام السبب ، وإلّا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الاقوال أو سائر الامارات ما به تم (٢) ، فافهم (٣).

______________________________________________________

العبارة الاولى تدل على ان ادلة الاعتبار لا تشمل غير الاجماع الدخولي فينافيها عبارة التلخيص التالي لها من شمول أدلة الاعتبار للاجماع الحدسي اذا كان من نقل اليه ممن يرى الملازمة ، وقد عرفت انه يلوّح الى شمول أدلة الاعتبار له في العبارة الاولى ، كما يصرّح به في عبارة التلخيص التالية.

(١) من حيث كونه ممن يرى الاجماع اللطفي او العادي او الاتفاقي ، فان كان ممن يقول باللطف مثلا فيدل نقله على اتفاق اهل العصر ، وايضا يختلف حال الناقل من حيث كونه من اهل الضبط والتثبت وكثرة البحث وسعة الاطلاع ، فان نقله يدل على كثرة المجمعين ، بخلاف ما اذا لم يكن كذلك فان نقله الاجماع ربما يكون مستنده ان الحكم مما ينطبق عليه اصل في رأيه وكان ذلك الاصل يقول به المجمعون ، فيكون الاجماع منهم على الاصل مما يستلزم الاجماع على الحكم لانطباق الاصل في رأيه على هذا الحكم.

(٢) كما لو كان الناقل للاجماع ينقل آراء العلماء عن كتبهم او ينقل عن كتب تنقل الاجماع ، فان الاجماع المنقول مثلا عن كتب المحقق والعلامة (قدهما) غير الاجماع المنقول عن كتاب الغيبة ، بل ربما يختلف نقل الاجماع عن كتب مؤلف واحد ، فان الاجماع المنقول في مبسوط شيخ الطائفة (قدس‌سره) غير الاجماع المنقول في خلافه.

(٣) لعله يشير الى ما يمكن ان يقال ان نقل الاجماع بالنسبة الى مقدار من الاقوال بحيث لا يكون تمام السبب عند المنقول اليه لا تشمله ادلة اعتبار الخبر ، لانها انما تشمل ما له الاثر او ما له دخالة فيه ، والاقوال الناقصة ليس لها الاثر وليس لها دخالة

٢٨٩

فتلخص بما ذكرنا : أن الاجماع المنقول بخبر الواحد ، من جهة حكايته رأي الامام عليه‌السلام بالتضمن أو الالتزام ، كالخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليه‌السلام وما نقله من الاقوال ، بنحو الجملة والاجمال ، وتعمّه أدلة اعتباره (١) ، وينقسم بأقسامه ، ويشاركه في أحكامه ، وإلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية (٢).

وأما من جهة نقل السبب ، فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الاقوال التي نقلت إليه على الاجمال بألفاظ نقل الاجماع ، مثل ما إذا نقلت على التفصيل ، فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له من أقوال السائرين أو سائر الامارات ـ مقدار كان المجموع منه وما نقل بلفظ الاجماع بمقدار السبب التام ، كان المجموع كالمحصل ، ويكون حاله كما

______________________________________________________

في الاثر من حيث سعته وضيقه ، كالاخبار المتضمنة للرطل مثلا والاثر المرتب على تمام السبب عقلي لا شرعي حتى تكون هذه الاقوال الناقصة لها دخالة فيه.

والجواب عنه : انه يكفي في الاخذ بها هذا المقدار من الدخالة ولو بنحو انها بعض ما هو تمام الموضوع للاثر ، وهي من قبيل قيام الخبر على الخبر.

(١) قوله (قدس‌سره) : «وتعمه ادلة اعتباره» حاصله : ان الشرط في شمول ادلة الاعتبار ان يكون الخبر المنقول مما له اثر شرعي وان كان الاثر من لوازمه.

(٢) من كونه صحيحا وموثقا وحسنا وضعيفا ، فان الناقل للاجماع ، تارة يكون عدلا اماميا ، واخرى يكون موثقا ، وثالثة يكون اماميا لم يثبت فيه غمز ولا مدح يدرجه في الصحيح او الضعيف ، ورابعة يكون ضعيفا. فالخبر الناقل للاجماع حيث تشمله ادلة اعتبار الخبر فهو ينقسم باقسام الخبر الواحد وله احكامه ، فان لازم كونه مثل الخبر الواحد في الاعتبار ذلك ، والّا لم يكن مثله اذا لم تعمّه احكامه ولا ينقسم باقسامه.

٢٩٠

إذا كان كله منقولا ، ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه ، أو ما له دخل فيه وبه قوامه ، كما يشهد به حجيته بلا ريب (١) في

______________________________________________________

(١) لما ذكر شمول أدلة الاعتبار للمسبب المنقول بالتضمن كالاجماع الدخولي وللمنقول بالاستلزام عند من يرى الملازمة اراد ان يشير الى فائدة نقل الاجماع عند من لا يرى الملازمة بين السبب المنقول بالاجماع وبين المسبب وهو رأي المعصوم ، وحاصله : ما عرفت من ان الشرط في شمول أدلة الاعتبار ان يكون للخبر اثر شرعي ، ولو بنحو بان يكون المنقول به بعض السبب الذي يترتب عليه الاثر الشرعي ، ولا يلزم ان يكون تمام السبب ، فلو كان المنقول اليه مثلا ممن لا يرى الاجماع اللطفي ولكنه كان يقول بان الاجماع العادي كالاجماع في عصر الأئمة عليهم‌السلام مما يستلزم رأي المعصوم عليه‌السلام ، فاذا نقل الاجماع الشيخ ـ مثلا ـ فنقله للاجماع يدل على اتفاق اهل عصره ، فاذا ضم المنقول اليه ما حصل من الاتفاق في العصر السابق على عصر الشيخ الى ان ينتهي الى عصر الامام عليه‌السلام ، فانه يتم عنده السبب التام المستلزم لرأيه عليه‌السلام ، وبعض هذا السبب هو اتفاق عصر الشيخ الذي ثبت عنده بواسطة شمول أدلة الخبر له لانه بعض السبب ، والى هذا اشار بقوله : «فهو في الاعتبار الى آخر الجملة». وبقوله : «مثل ما اذا نقلت على التفصيل فلو ضم اليه الى آخر الجملة». وبقوله : «كان المجموع كالمحصل» وقد اشار الى ان المدار في شمول أدلة الاعتبار ان يكون للخبر ولو بنحو بعض السبب بقوله : «ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما اذا كان المخبر به تمامه او ما له دخل فيه الى آخر الجملة».

٢٩١

تعيين حال السائل ، وخصوصية القضية الواقعة المسئول عنها ، وغير ذلك مما له دخل في تعيين مرامه عليه‌السلام من كلامه (١).

وينبغي التنبيه على أمور :

الاول : إنه قد مرّ أن مبنى دعوى الاجماع غالبا ، هو اعتقاد الملازمة عقلا ، لقاعدة اللطف ، وهي باطلة (٢) ، أو اتفاقا بحدس رأيه عليه‌السلام من

______________________________________________________

(١) غرضه الاستشهاد لما ذكره من انه لا تفاوت في شمول أدلة الاعتبار للخبر بين كون المخبر به تمام الاثر الشرعي كالاخبار الناقلة للاحكام وبين كون المخبر به له دخل في الاثر الشرعي.

وحاصله : انه لا ريب ولا اشكال في شمول أدلة الاعتبار للخبر المتضمن لحال السائل وانه مثلا هو النميري الذي هو موسى بن اكيل النميري الثقة دون محمد بن نصير النميري الضعيف ، او انه ابن سنان المتفق على توثيقه وهو عبد الله بن سنان دون محمد بن سنان المختلف فيه ، او زكريا بن آدم الثقة دون زكريا بن ابراهيم المجهول ، فان الخبر المتضمن لتعيين الراوي السائل من الامام عليه‌السلام مما يشمله أدلة الاعتبار وهو مما له دخل في ترتب الاثر ، ومثله الخبر المتضمن لكون الرطل المسئول عنه هو الرطل العراقي او المدني ، ومثله الخبر المتضمّن لكون المرسل هو من مراسيل ابن ابي عمير.

(٢) يتضمن هذا الامر بطلان الاجماع اللطفي من ناحية الكبرى ، وبطلان الاجماع الاتفاقي والعادي والدخولي من ناحية الصغرى في الغيبة الكبرى ، فالاجماع بنحو اللطف باطل ثبوتا وغيره من الاجماعات باطلة اثباتا. اما بطلان الاجماع بنحو اللطف الذي هو طريقة الشيخ (قدس‌سره) في دعوى حجية الاجماع كما صرّح بها في العدّة ردا على السيد علم الهدى المنكر لذلك ، فان المتحصّل من المحكى من كلام السيد (قدس‌سره) هو انه لا يجب عقلا على الامام إلقاء الخلاف بين العلماء لئلا يتفقوا على قول مخالف للحكم الواقعي.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ففيما اذا اتفقوا على قول مخالف للحكم الواقعي لا يجب عليه الظهور لا يصال الحكم الواقعي ، فاتفاقهم على رأي لا يكشف ذلك عن موافقتهم لرأيه عليه‌السلام ، والّا لألقى الخلاف بينهم ، وفيما اذا اختلفوا على قولين لا يكشف ان رأيه عليه‌السلام احد القولين ، والّا لأحدث القول الثالث لعدم حكم العقل بوجوب ذلك على الامام عليه‌السلام.

قال السيد في محكي كلامه انه يجوز ان يكون الحق فيما عند الامام عليه‌السلام : أي انه يجوز ان يكون الحكم الواقعي هو الحكم الموجود عنده عليه‌السلام ، ثم قال (قدس‌سره) والاقوال الأخر تكون كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور ، لانا اذا كنا نحن السبب في استتاره عليه‌السلام فكلما يفوتنا من الانتفاع به وبتصرفه من الاحكام نكون قد أوتينا من قبل نفوسنا ، ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى الينا الحق الذي عنده عليه‌السلام انتهى المحكى من كلام السيد (قدس‌سره).

وقال الشيخ (قدس‌سره) بعد نقله لكلام السيد وهذا عندي غير صحيح لانه يؤدي الى انه لا يصح الاحتجاج باجماع الطائفة اصلا ، لانّا لا نعلم بدخول الامام عليه‌السلام إلّا بالاعتبار الذي بيناه ، فمتى جوزنا انفراده عليه‌السلام بالقول ولا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالاجماع .. الى آخر كلامه.

والمتحصّل من كلامه ـ المحكى في رسائل الشيخ الاعظم ـ وجهان :

الاول : ان وجه حجية اتفاق اهل العصر في الكشف عن رأي الامام انه يجب على الامام عليه‌السلام اظهار الحق لوجوب اللطف عليه ، واللطف هو ايجاد ما يقرب الى الطاعة ويبعد عن المعصية ، ومن الواضح توقف القرب الى الطاعة والبعد عن المعصية على معرفة الحكم الذي يجب الاتيان بمتعلقه ، والحكم الذي يحرم الاتيان بمتعلّقه ولو لم يجب عليه الظهور لبيان الحق من التكاليف لما حسن التكليف ، فان الغرض من التكليف اطاعته ومع عدم التمكن من الاطاعة لا يحسن التكليف ، لان التكليف الذي لا يتمكن من اطاعته لغو ولا يحسن اللغو من الحكيم ، ومن الواضح

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وجود التكليف من المولى الحكيم فيجب ايصاله على الامام بظهوره وتبليغه له لانحصار طريق الايصال للحكم الواقعي به ، لعدم علم غير الامام بالتكليف الحق ، ولذا يجب عليه الظهور لتبليغ ذلك ، وهذا معنى وجوبه على الامام من باب اللطف.

الوجه الثاني : ما تضمنه صدر عبارته ، وهو أخذ حجية الاجماع من الامور المسلمة المفروغ عنها ، وينحصر عنده (قدس‌سره) في الدخولي واللطفي ، والدخولي متعذر في الغيبة فيبقى اللطفي ، فيكون اتفاق

اهل العصر كاشفا عن موافقته لرأي الامام عليه‌السلام ، وهذا مراده من قوله : وهذا عندي غير صحيح : أي انفراد الامام بالحكم الحق وبطلان الاقوال الأخر كما يراه السيد (قدس‌سره) غير صحيح ، ثم علله بقوله : لانه يؤدي الى انه لا يصح الاحتجاج باجماع الطائفة اصلا ، لانا لا نعلم بدخول الامام الّا بالاعتبار الذي بيناه ، وهو كشف اتفاق اهل العصر عن رأيه ، وبهذا المعنى يكون داخلا في الرأي مع المجمعين.

وهذا الوجه الثاني واضح الاشكال لعدم تسليم لزوم حجية الاجماع على كل حال ، وأيّ ملزم بذلك اذا لم تتم قاعدة اللطف؟ فليس هذا وجها في قبال الوجه الاول.

واما الجواب عن الوجه الاول ، فأولا : ان اللطف الواجب على الله الموجب لإرسال الرسل ونصب الأوصياء الحجج ليتمكن الخلق من الوصول الى معارفهم الحقّة والتكاليف الواقعيّة المشتملة على المصالح العائد للناس نفعها في نظام معادهم ومعاشهم هو جعل ما به يكون لله على الناس الحجة ولا يكون لهم عليه الحجة ، وهو وجود امام حيّ في كل وقت وعصر بحيث لو رجعوا اليه لأوصلهم الى ما يضمن لهم سعادة الدارين وذلك حاصل في كل عصر ولا يخلو عصر من العصور عن وجود حجة لله على الناس لو رجعوا اليه لبلغهم الى معارفهم.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اما لو كان بحيث لو ظهر لهم لقتلوه فوجوب تبليغهم الى معارفهم يسقط لانه منوط بالرجوع اليه والناس لا يرجعون اليه بل يقتلونه لو عرفوه ، وحيث انه لا بد وان يكون دائما لله على الناس الحجة كان وجوده فقط واجبا من باب اللطف.

اما تصرّفه بايصال الناس الى ما هو الحق في معارفهم واحكامهم فلا يجب لعدم تحقق شرطه وهو الرجوع اليه ، ولذا قالوا : ان وجود الامام لطف وشرطه متحقق دائما ، وهو ان يكون لله على الناس الحجة ، وتصرّفه لطف آخر منوط بالرجوع الى الامام وهو غير متحقق ، بل المتحقق نقيضه وهو عدم الرجوع اليه بل لو عرفوه لقتلوه ، فلا يجب على الامام من باب اللطف الظهور لا يصال التكليف الحق.

فظهر ان هنا لطفين : وجود الحجة وتصرفه ، واللطف الاول موجود ، والثاني مفقود لعدم تحقق شرطه.

واما كون الغرض من التكليف اطاعته والّا لكان لغوا ففيه اولا : ان الغرض من التكليف كما يكون اطاعته كذلك يكون الغرض منه ان لا يكون للناس على الله الحجة ، وهنا الغرض منه هو الثاني دون الاول.

وثانيا : ان الغرض من التكليف مختلف ، تارة يكون على وجه يجب ايصاله ولو بنحو وجوب الاحتياط في مورده ، واخرى يكون الغرض اوسع من ذلك بان يكون بنحو لو وصل لوجب على الناس من طاعته ، والتكليف في مورد لا يصل من قبيل الثاني.

وثالثا : ان التكليف يكفي في عدم لغويته تحقق اطاعته في زمان من الازمنة ، ولا بد بظهوره ـ عجل الله فرجه ـ تتحقق فعليته ووصوله ، وتتحقق اطاعته.

وثانيا : لو سلمنا وجوب تصرّفه من باب اللطف على كل حال وعدم كونه مشروطا بالرجوع اليه ، فانما يجب عليه الظهور لابلاغ التكليف الحق حيث يكون التكليف الحق الذي ينفرد به فعليّا الزاميا ، اما اذا لم يكن فعليا بل كان انشائيا لم يتحقق شرط فعليّته او كان غير الزامي فلا مورد لقاعدة اللطف ، لعدم وجوب

٢٩٥

فتوى جماعة ، وهي غالبا غير مسلمة (١) ، وأما كون المبنى العلم بدخول الامام بشخصه في الجماعة ، أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من

______________________________________________________

اطاعة التكليف الانشائي وعدم حرمة معصيته ، وكذا اذا كان التكليف الواقعي غير الزامي فانه لا تكون هناك اطاعة واجبة ولا معصية فلا يجب عليه ايصال ما يقرّب الى الطاعة اللازمة ولا ما يبعد عن المعصية فتامل.

وثالثا : انه لو وجب عليه اتيان ما يقرّب الى الطاعة وما يبعد عن المعصية من باب اللطف لوجب عليه التبليغ لكل فرد فرد من الناس ، ولا يكفي بيانه للتكليف الحق في ضمن الاقوال ، لانه انما يعمل به بعض اهل الاقوال وهم اهل القول الموافق له عليه‌السلام ، واما من كان قوله غير موافق فلا يكون قريبا الى الطاعة ولا بعيدا عن المعصية ، وما السبب لاختصاص بعض الناس بهذا اللطف دون غيرهم؟ بل هذا اللطف لوجب عليه التبليغ لكل فرد من افراد الناس ، وهذا مما لا يلتزم به الشيخ (قدس‌سره) ولا كل من يقول بقاعدة اللطف.

فاتضح : ان الاجماع لاعتقاد الملازمة عقلا من باب قاعدة اللطف باطل لبطلان قاعدة اللطف ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ان مبنى دعوى الاجماع غالبا» وهي الاجماعات الواردة في كتب شيخ الطائفة بل وما تقدمه ، فان الظاهر من شيخ الطائفة ان الاجماع من باب اللطف هي طريقة من تقدمه ايضا وتبعه الكثير ممن تأخر عنه ، فالسبب في حجية الاجماع عندهم «هو اعتقاد الملازمة عقلا» بين اتفاق اهل العصر ورأي الامام عليه‌السلام «لقاعدة اللطف وهي باطلة» كما عرفت.

(١) لما فرغ من بطلان الاجماع من باب قاعدة اللطف كبرويا وفي مرحلة الثبوت أشار الى بطلان الاجماع من باب الحدس اتفاقا ، والوجه في دعوى الاجماع من باب الحدس اتفاقا وان كان لا مانع منه كبرويا وفي مرحلة الثبوت لامكان ان يكون هناك جماعة يحدس من رأيهم رأي الامام عليه‌السلام ، الّا انه ممنوع صغرويا في زمان الغيبة فان السبب في حدس رأي الامام من رأي بعض متبعيه انما هو حيث يكون لأتباعه

٢٩٦

الفتاوى ، فقليل جدا في الاجماعات المتداولة في السنة الاصحاب ، كما لا يخفى ، بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله عليه‌السلام على نحو الاجمال في الجماعة في زمان الغيبة (١) ، وإن احتمل تشرف بعض الاوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا (٢) ، فلا يكاد يجدي نقل الاجماع إلا من باب نقل السبب

______________________________________________________

المخلصين اجتماع بخدمته ، وهو في الغيبة معلوم العدم لعدم اجتماع غير الأوحدي به وهو كالكبريت الاحمر ، والى هذا اشار بقوله : «بحدس رأيه عليه‌السلام من فتوى جماعة وهي غالبا غير مسلمة».

(١) حاصله الاشكال ايضا في دعوى الاجماع الدخولي لا من ناحية الكبرى ومرحلة الثبوت ، بل من ناحية الصغرى ومرحلة الاثبات ، فان دعوى الاجماع بنحو الدخول نادر جدا في الاجماعات المتداولة في كلمات الاصحاب وكتبهم ، بل غير موجود في كلمات الاعلام الذين هم في الغيبة ، ومستحيل عادة ان يتبع احد في الغيبة كلمات العلماء المعروفين وغير المعروفين بحيث يقطع بدخول الامام فيمن حصل على رأيهم من المجمعين ، والى هذا اشار بقوله : «بل لا يكاد يتفق الى آخر الجملة».

ومثله الاشكال في الاجماع العادي فانه مع كون دعواه نادرة جدا في كلمات الاصحاب انه انما يلازم قولهم قوله عليه‌السلام عادة فيما اذا كان اصحابه يجتمعون ويصدرون عن رأيه وهو غير متحقق في الغيبة الكبرى ، والى هذا اشار بقوله : «او العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى» أي ان العلم برأي الامام عليه‌السلام الحاصل من الاطلاع على ما يلازمه عادة من فتاوى المفتين «ف» هو كالاجماع الدخولي «قليل جدا في الاجماعات المتداولة في السنة الاصحاب».

(٢) لا يخفى ان الاجماع التشرّفي مما لا ينكر حصوله لبعض الاوحديين البالغين غاية الكمال ما عدا العصمة الواجبة ، الّا انه انما يثمر حيث ينفرد هذا الاوحدي بدعوى الاجماع ، اما اذا سبقه من غير اهل رتبته مدع للاجماع فانه من المحتمل ان يكون دعواه للاجماع لقاعدة اللطف او العادة او الاتفاق الحدسي ، ولا يدل دعواه

٢٩٧

بالمقدار الذي أحرز من لفظه ، بما اكتنف به من حال أو مقال ، ويعامل معه معاملة المحصّل (١).

الثاني : إنه لا يخفى أن الاجماعات المنقولة ، إذا تعارض اثنان منها أو أكثر ، فلا يكون التعارض إلّا بحسب المسبب ، وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين ، لاحتمال صدق الكل (٢) ، لكن نقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ ، لا يصلح لان يكون سببا ، ولا جزء

______________________________________________________

للاجماع غير المتفرد به على انه قد تشرّف واخفاه لبعض دواعي الاخفاء التي مرت الاشارة اليها.

(١) هذا تفريع على تحقق الاجماع باحد الأنحاء المتقدمة من باب اللطف او العادة او الاتفاق على فرض تحققها.

وحاصله : انه قد علمت عدم جدوى هذا الاجماع من ناحية المسبب لانا لا نقول بالملازمة فيها ، واما بالنسبة الى نقل السبب فحيث انه مما يمكن ان يكون بعض ما يترتب عليه الاثر الشرعي ، فيعامل معه معاملة المحصل بالمقدار الذي يحرز منه من مقدار السبب الذي يقتضيه نقله من حاله من كونه كثير التتبع والضبط او قليله ، ومن مقاله بان يقول تارة : اجمع اصحابنا كلّهم ، واخرى الظاهر من اصحابنا الاتفاق وامثال ذلك ، والى هذا اشار بقوله : «فلا يكاد يجدي نقل الاجماع الا من باب نقل السبب» دون المسبب ، وفي السبب انما هو «بالمقدار الذي احرز من لفظه الى آخر الجملة».

(٢) ان هذا الامر لبيان التعارض في الاجماعات المنقولة ، فيما اذا نقل اجماعان او اكثر على حكمين او على احكام ، كما لو نقل اجماع على وجوب شيء ونقل اجماع آخر على حرمته او نقل اجماع ثالث على استحبابه ، فهل التعارض يكون في السبب والمسبب او انه يكون في المسبب دون السبب؟

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : ان التعارض هو التكاذب بان نعلم اجمالا بكذب احدهما ولا اشكال في وقوع التعارض في المسبب في الاجماعين المنقولين على حكمين ، لوضوح عدم امكان ان يكون للواقعة الواحدة حكمان واقعيان ، فلا يعقل ان يكون الشيء الواحد واجبا واقعا وحراما واقعا او مباحا او مكروها او مستحبا ، فهما في المسبب متكاذبان للعلم الاجمالي بكذب احدهما وان ذلك الشيء الواحد لا بد وان يكون حكمه الواقعي واحدا.

وينبغي ان لا يخفى ان لزوم التكاذب في المسبب في الاجماعين انما هو في وجوه الاجماعات التي اشار اليها في عبارته من الدخولي واللطفي والعادي والاتفاقي ، اما اذا كان الوجه في دعوى الاجماع هو وجود دليل معتبر للمجمعين فيمكن ان لا يتكاذبا في المسبب ايضا ، لعدم المانع من وجود دليلين معتبرين متنافيين فان المسبب في هذين الاجماعين هو الدليل المعتبر ، ومن الواضح امكان وجود دليلين معتبرين متعارضين ، وعلى هذا فالتعارض يقع بين مدلول الدليلين لا بين الاجماعين لا سببا ولا مسببا.

ولكنه حيث لم يتعرّض لهذا الوجه من الاجماع ، وما تعرّض له من وجوه الاجماع المسبب فيها كلها هو رأي الامام والحكم الواقعي ، وقد عرفت عدم امكان ان يكون للشيء الواحد حكمان واقعيان ، فهي كلها متعارضة في المسبب.

واما بحسب السبب فيمكن ان يتكاذبا فيه ايضا ويمكن ان يكونا صادقين فيه.

وبيان ذلك : انه لو كان الاجماعان ـ مثلا ـ كلاهما دخوليين او لطفيين فانهما متكاذبان في السبب ايضا ، لعدم امكان صدق دعوى اجتماع جميع العلماء بحيث يكون الامام بعضهم على حكمين واقعيين متنافيين ، لبداهة عدم امكان اجتماعهم كذلك ، وعدم امكان دخول الامام مع كل من المجمعين في الدخولي ، ونعلم اجمالا بعدم اجتماعهم كذلك وعدم دخوله عليه‌السلام في كل واحد من الاجماعين.

٢٩٩

سبب ، لثبوت الخلاف فيها (١) ، إلا إذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه‌السلام لو اطلع عليها ، ولو مع اطلاعه

______________________________________________________

واما اللطفيين فانه ايضا كذلك لعدم امكان ان يتفق اهل العصر كلهم على حكمين متنافيين في واقعة واحدة فهما متكاذبان في السبب ايضا.

واما اذا كانا عاديين او اتفاقيين فلا مانع من ان يكونا صادقين معا في نقل السبب ، لامكان ان ينقل كل من الناقلين للاجماع عن جماعة يرى الملازمة العادية او الاتفاقية بينهما وبين رأي الامام عليه‌السلام ، هذا اذا عرفنا الوجه في الاجماعين المنقولين ، واما اذا لم نعرف الوجه فيهما وان الملازمة عند الناقلين هل هي من باب اللطف او الاتفاق مثلا ، فحيث انه يحتمل ان يكون من باب الاتفاق فلا علم بكذب احدهما في السبب ، وهذا هو مفروض المتن ولذا حصر التعارض فيها في المسبب دون السبب ، وقال (قدس‌سره) : «فلا يكون التعارض الّا بحسب المسبب» لعدم امكان ان يكون للواقعة الواحدة حكمان واقعيان ، فنعلم اجمالا بكذب احد المسببين فيهما «واما بحسب السبب فلا تعارض في البين لاحتمال صدق الكل» لانه من الجائز ان يكون الإجماعان او الاجماعات من باب العادة او الاتفاق ، بان يكون احد الناقلين اطلع على اقوال جماعة بالوجوب حصل له القطع منها برأي الامام ، والآخر اطلع على اقوال جماعة اخرى بالحرمة حصل له القطع ايضا منها برأي الامام عليه‌السلام.

ومن الواضح : ان التعارض منوط بالعلم بكذب احدها ، ومع احتمال صدقها جميعا لا علم بالكذب فلا تعارض بينها في نقل السبب.

(١) توضيحه : ان الناقل للاجماع ، تارة ينقل آراء المجمعين بالتفصيل بان ينقل اسماء القائلين ، فيقول ـ مثلا ـ قال الشيخ المفيد وشيخ الطائفة والسيد علم الهدى وفلان وفلان (قدس‌سرهم) واخرى ينقله بالاجمال بلفظ الاجماع فقط بان يقول ـ مثلا ـ اجمع اصحابنا.

٣٠٠