بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد ، ولو مع المخاصمة واللجاج ، وعن بعض دعوى الاجماع على ذلك.

وفيه : أن الاتفاق ـ لو سلم اتفاقه ـ فغير مفيد ، مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة.

والاجماع المحصل غير حاصل ، والمنقول منه غير مقبول ، خصوصا في مثل المسألة مما احتمل قريبا أن يكون وجه ذهاب الجل لو لا الكل ، هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها.

والمتيقن من ذلك إنما هو فيما إذا كان الرجوع موجبا للوثوق والاطمئنان ، ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالاوضاع ، بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك ، بل إنما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال ، بداهة أن همه ضبط موارده ، لا تعيين أن أيّا منها كان

______________________________________________________

الموضوع له بعد ثبوت كون هذا المعنى الخاص هو الموضوع له اللفظ؟ أم ليس بحجة وان قول اللغوي لا حجية له في تعيين الاوضاع؟

وقد نسب الى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين ما هو الموضوع له ، فهو عندهم من الظنون النوعية الخاصة التي قام الدليل على اعتبارها ، فلو تمّ ما استدلوا به لكان دليلا على حجية هذا الظن النوعي الحاصل من قول اللغوي بالخصوص في اثبات الموضوع له اللفظ ، ولذا قال (قدس‌سره) : «نعم نسب الى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص» أي بما انه لغوي قوله يكون حجة «في تعيين الاوضاع».

٢٦١

اللفظ فيه حقيقة أو مجازا ، وإلا لوضعوا لذلك علامة ، وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه ، للانتقاض بالمشترك (١).

______________________________________________________

(١) ينحل هذا الاستدلال الى وجوه ثلاثة : اتفاق العلماء واتفاق العقلاء ودعوى الاجماع المحكى عن علم الهدى (قدس‌سره) على حجية قول اللغوي في تعيين الاوضاع.

اما الوجه الاول وهو اتفاق العلماء ، ففيه اولا : انا لا نسلم اتفاقهم على ذلك.

وثانيا : ان المراد باتفاق العلماء اما ان يكون هو الاتفاق قولا من العلماء ، او الاتفاق العملي الراجع الى سيرتهم العملية.

فان كان المراد الاتفاق منهم قولا فلا دليل على كونه موجبا لحجية ما يقع الاتفاق عليه اذ لم يرجع الاتفاق الى الاجماع ، فاذا رجع الى الاجماع لا يكون دليلا في قبال الاجماع ، وسيأتي الجواب عن دعوى الاجماع.

وان كان المراد من الاتفاق هو سيرة العلماء عملا.

وسيرتهم اما ان ترجع الى سيرتهم بما هم عقلاء فلا يكون دليلا في قبال دعوى بناء العقلاء وسيرتهم العملية المدعاة في المقام على حجية قول اللغوي ، واما ان ترجع الى سيرتهم بما هي سيرة المتشرعة ، فيكون محصلها دعوى سيرة المتشرعة بما هم متشرعة واهل دين يرجعون في تعيين موضوع الحكم الى قول اللغوي.

ولكنه لم تثبت سيرة المتشرعة بما هم متشرعة على ذلك ، وخصوصا والسيرة لا لسان لها وانما هي عمل ، ولعل عمل العلماء كان منهم بما هم عقلاء لا متشرعة.

وثالثا : ان المتيقن من اتفاق العلماء بما انهم متشرعة واهل الدين على الاخذ بقول اللغويين حيث تجتمع شرائط الشهادة ، فلا بد من عدالة اللغوي وانه اكثر من واحد.

واما الوجه الثاني الراجع الى دعوى سيرة العقلاء عملا على الاخذ بقول اللغوي ولم يردع عنها فتكون حجة على ذلك.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فالجواب عنها من وجوه ، الاول : انه ليس للعقلاء سيرة على حجية قول اللغوي بخصوصه ، وغاية ما يدعى ان سيرتهم قائمة على الاخذ بقول اهل الخبرة بان بناء العقلاء قد استقر على الرجوع الى اهل الخبرة بما هم اهل خبرة ، ذلك الشيء غير المقيدة بكون صاحب الخبرة مسلما فضلا عن كونه عادلا ، وهي ليست من باب حجية خبر اهل الخبرة في نقله ، بل هي حجية اهل الخبرة في آرائهم المبنيّة على الحدس ، فقول اللغوي انما يدعى سيرة العقلاء عليه لانه من مصاديق هذه الكبرى ، لا لانه لغوي بالخصوص ، بل لكون اللغوي من اهل الخبرة.

الوجه الثاني : انه لا نسلم ان سيرة العقلاء قائمة على الاخذ بقول اهل الخبرة مطلقا ، بل القدر المتيقن هو قيام السيرة منهم على الاخذ بقول اهل الخبرة اذ حصل منه الوثوق والاطمئنان ، والمدعى في المقام حجية قول اللغوي مطلقا وان لم يحصل منه الوثوق ، ولم تثبت سيرة العقلاء على الاخذ بقول اهل الخبرة وان لم يحصل منه الوثوق والاطمئنان.

ومن الواضح انه لا يحصل بقول واحد من اللغويين وثوق ولا اطمئنان. واما قول جماعة منهم بحيث يحصل منه الوثوق والاطمئنان فلا يكون دليلا على حجية قول اللغوي بما هو لغوي ، بل انما يدل على حجية ما يحصل منه الوثوق والاطمئنان وهذا غير المدعى في المقام.

الوجه الثالث : ان اللغوي ليس من اهل الخبرة في تعيين الاوضاع ، وانما هو من اهل الخبرة في تعيين موارد الاستعمال.

والشاهد على كون اللغوي من اهل الخبرة بموارد الاستعمال لا من اهل الخبرة في تعيين الاوضاع ـ انهم في مقام ذكر معاني اللفظ لم يجعلوا علامة للمعاني الحقيقية تميّزها عن المعاني المجازية ، ولا اشكال في ان كثيرا من المعاني التي يذكرونها للفظ من المعاني المجازية.

فهذا يدل على ان همّ اللغوي ضبط موارد الاستعمال دون تعيين الاوضاع.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واحتمال كون المعنى الذي يذكر أولا هو المعنى الحقيقي والمعاني الأخر هي المعاني المجازية باطل ، اولا : لانهم لا تصريح لهم بذلك ، وثانيا : لانتقاضه بالمشترك ، فانه لو كان المعنى الاول هو المعنى الحقيقي للزم ان ينصّوا في المشترك على ان هذه المعاني كلها حقيقة.

فاتضح مما ذكرنا ان اللغوي ليس من اهل الخبرة في تعيين الاوضاع ، بل في تعيين موارد الاستعمال.

ومن الواضح ان الاستعمال اعم من الحقيقة ، فلا يفيد قول اللغوي في تعيين ما هو الموضوع له ليكون للفظ ظهور فيه ، لان اللفظ المستعمل من غير قرينة يكون ظاهرا في معناه الحقيقي دون بقيّة معانيه.

واما الثالث : وهو دعوى الاجماع المحكى عن السيد علم الهدى على حجيّة قول اللغوي في تعيين الاوضاع ، ففيه اولا : ان الاجماع المنقول لا نقول بحجيّته والمحصّل منه هو الحجة ، ولا شك ان الاجماع المدعى في المقام من المنقول لا من المحصّل. وثانيا : انه لو قلنا بحجيّة الاجماع مطلقا حتى المنقول فلا نقول بحجيّة هذا النحو من الاجماع المنقول ، لان حجية الاجماع عندنا انما هو لاجل دخول قول الامام عليه‌السلام في ضمن المجمعين او لكشفه عن رأي الامام عليه‌السلام ، ولازم ذلك ان يكون الاجماع الذي هو حجة بما هو اجماع ان لا يكون محتمل المدرك ، لان محتمل المدرك لا يستلزم دخول الامام في ضمن المجمعين ولا يكون كاشفا عن رأيه ، والاجماع المنقول في المقام من محتمل المدرك ، لاحتمال ان ذهاب المجمعين اما كلهم او جلهم لانهم يعتقدون ان قول اللغوي من مصاديق بناء العقلاء على حجية اهل الخبرة واللغوي من مصاديقه.

وقد اشار الى المناقشة الاولى في دعوى اتفاق العلماء بقوله : «ان الاتفاق لو سلم» ، والى الثانية بقوله : «فغير مفيد» ، والى الثالثة بقوله : «مع ان المتيقن الى آخر الجملة» ، واشار الى ما في دعوى الاجماع أولا بقوله :

٢٦٤

وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن تحصى ، لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا ، بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه ، وإن كان المعنى معلوما في الجملة (١) لا يوجب اعتبار قوله ، ما

______________________________________________________

«والاجماع المحصّل الى آخر الجملة» ، وثانيا بقوله : «خصوصا في مثل المسألة الى آخر الجملة» واشار الى ما في دعوى اتفاق العقلاء اولا بقوله : «انه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع الى اهل الخبرة» ، وثانيا بقوله : «والمتيقن من ذلك الى آخر الجملة» ، وثالثا بقوله : «بل لا يكون اللغوي الى آخر الجملة» ، والى ما ذكرنا من الشاهد على كون اللغوي ليس من أهل الخبرة في تعيين الاوضاع بقوله : «والّا لوضعوا الى آخر الجملة».

(١) هذا وجه رابع ذكره الشيخ الاعظم في رسائله لحجيّة قول اللغوي ، وهو دليل انسداد صغير في خصوص المقام ، وهو مركب من مقدمات :

الاولى : ان باب العلم والعلمي منسدّ في تفاصيل المعاني غالبا بحيث يعلم على وجه الضبط والتحقيق الفرد الداخل من الفرد الخارج.

الثانية : ان الرجوع الى البراءة وساير الاصول الأخر النافية غير جائز للعلم بمنافاتها للعلم الاجمالي بالاحكام المترتبة على معاني الالفاظ.

الثالثة : ان الاحتياط إمّا غير واجب لاستلزامه للعسر ، او غير جائز لاستلزامه لاختلال النظام.

الرابع : انه ـ حينئذ ـ يدور الامر بين الاخذ بالظن الحاصل من قول اللغوي ، وبين غيره الذي لا يفيد الّا وهما او شكّا ، وترجيح المرجوح وهو الوهم والشك على الراجح وهو الظن الحاصل من قول اللغوي قبيح فيتعيّن الاخذ بقول اللغوي.

ولم يشر المصنف الى غير المقدمة الاولى من هذه المقدمات لمعلوميتها ، فقال : «وكون موارد الحاجة الى قول اللغوي اكثر من ان تحصى» لعله «انسداد باب العلم» والعلمي «بتفاصيل المعاني غالبا» على وجه الضبط «بحيث يعلم بدخول

٢٦٥

دام انفتاح باب العلم بالاحكام ، كما لا يخفى ، ومع الانسداد كان قوله معتبرا إذا أفاد الظن ، من باب حجية مطلق الظن ، وإن فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد (١).

______________________________________________________

الفرد المشكوك او خروجه» وتتوقف معرفة الاحكام على معرفة الالفاظ بما لها من المعاني بحيث يعرف الداخل من الفرد الخارج ، ولا يفيد معرفة معاني الالفاظ في الجملة بان يؤخذ بالقدر المتيقن منها ، لان معرفة الحكم بكماله يتوقف على معرفة معاني الالفاظ على وجه الضبط ، ولذا قال : «وان كان المعنى معلوما في الجملة».

(١) هذا هو الجواب عن هذا الانسداد ، وحاصله جوابان الاول : ان باب العلم والعلمي بالاحكام مطلقا اذا كان منفتحا بسبب معرفة جملة من الاحكام وافية بقدر المعلوم بالاجمال من الاحكام لعدم الشك في معاني الفاظها عند العرف ، ومع هذا الانفتاح لا اثر للانسداد في تفاصيل معاني الالفاظ حيث لا يضر جريان البراءة والاصول النافية في الفرد المشكوك فلا يتم هذا الانسداد.

واذا كان باب العلم والعلمي في مطلق الاحكام منسدّا كان الظن الحاصل من قول اللغوي حجة ، لان مطلق الظن مع الانسداد في الاحكام يكون حجة لا لانه قول اللغوي ، ويدل على هذا انه لو انسدّ باب العلم والعلمي في مطلق الاحكام وكان باب العلم والعلمي في جلّ اللغة منفتحا فالموارد القليلة غير المعلومة المعاني تماما ، بل حتى ولو في مورد واحد يكون قول اللغوي حجة مع فرض انفتاح باب العلم والعلمي في اللغة.

وعلى كل فمع انفتاح باب العلم والعلمي في مطلق الاحكام لا اثر للانسداد في خصوص اللغة ، ومع انسداد باب العلم والعلمي في الاحكام يكون قول اللغوي حجة وان انفتح باب العلم والعلمي في اللغة فيما عدا مورد واحد ، والى هذا اشار بقوله : «لا يوجب اعتبار قوله» أي اعتبار قول اللغوي «ما دام انفتاح باب العلم بالاحكام الى آخر الجملة».

٢٦٦

نعم لو كان هناك دليل على اعتباره ، لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة (١).

لا يقال : على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة (٢).

فإنه يقال : مع هذا لا تكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها ، فإنه ربما يوجب القطع بالمعنى ، وربما يوجب القطع بأن اللفظ في المورد ظاهر في

______________________________________________________

الجواب الثاني : ان الكلام في حجيّة قول اللغوي انما هو من باب حجيّة الظنون النوعية ، فالمدعي لحجيته يدعي حجيته وان لم يفد الظن الشخصي ، ودليل الانسداد المذكور يقتضي حجيّة قول اللغوي حيث يفيد الظن الشخصي وهو غير المدعى في المقام ، والى هذا اشار بقوله : «اذا افاد الظن».

(١) حاصله : انه بعد ما عرفت ان من الانسداد في خصوص معاني الالفاظ لا يستلزم حجيّة قول اللغوي على وجه الوجوب لانفتاح باب العلم والعلمي بالاحكام ، لكنه لو فرضنا انه دل دليل بالخصوص من الشارع على حجيّة قول اللغوي يكون الانسداد المذكور حكمة له لا علة ، اذ مع فرض الانفتاح في مطلق الاحكام يكون الانسداد في خصوص لغة الالفاظ لا الزام فيه ، والعلة لا بد وان تكون على وجه الالزام ، فحيث لا الزام فيه فهو يصلح لان يكون حكمة ، فان المراد من الحكمة هو الاقتضاء الذي لا الزام فيه.

(٢) لا يخفى ان قد ذكر جملة من العلوم ومنها اللغة مما يحتاج اليها الفقيه في معرفة الحكم واستنباطه ، وبناء على عدم حجية قول اللغوي لا تكون اللغة مما يحتاج اليها الفقيه وتسقط الفائدة بالنسبة الى الفقيه ، اذ لا فائدة في الرجوع الى اللغة اذ كان قول اللغوي ليس بحجة.

٢٦٧

معنى ـ بعد الظفر به وبغيره في اللغة ـ وإن لم يقطع بأنه حقيقة فيه أو مجاز ، كما اتفق كثيرا ، وهو يكفي في الفتوى (١).

فصل

الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص ، من جهة أنه من أفراده ، من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص ، فلا بد في اعتباره من شمول أدلة اعتباره له ، بعمومها أو إطلاقها. وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور (٢):

______________________________________________________

(١) حاصله : ان الفائدة لا تسقط بالنسبة الى الرجوع الى اللغة وان كان قول اللغوي ليس بحجة ، فان عدم حجيّة قول اللغوي انما هي بما ان قول اللغوي من الظنون النوعية ، اما لو حصل القطع بالوضع من قول اللغوي ، او حصل القطع بظهور اللفظ في معنى من معانيه وان لم يحصل العلم بما هو الموضوع له ، فانه ربما يكون اللفظ ظاهرا في معنى وان لم يكن ذلك المعنى هو المعنى الحقيقي للفظ ، كما في المجاز المشهور فانه ربما يدعى انه أرجح من المعنى الحقيقي.

وعلى كل فالمراجعة الى اللغة لا تنحصر فائدتها فيما اذا كان قول اللغوي حجة في الاوضاع ، فان الفتوى في الحكم المرتب على موضوع يكفي فيه ظهور اللفظ فيه وان لم يكن اللفظ حقيقة فيه.

(٢) توضيح الحال يحتاج الى تمهيد ، وهو انهم ذكروا ان الادلة في غير الاحكام المعلومة بالضرورة ككلي الصلاة والصوم والحج والزكاة تنحصر في اربعة الكتاب والسنة والدليل العقلي والاجماع ، ولا ريب ان الاجماع عندنا ليس ـ بما هو اجماع من اهل الفتوى ـ دليلا في قبال الادلة الثلاثة ، وانما هو من حيث كونه كاشفا عن موافقة المعصوم على الحكم الذي قام الاجماع عليه ، اما لكون المعصوم بعض المفتين او لكشف الاجماع عن رأي المعصوم ، فليس الاجماع الّا كونه طريقا لتحقق السنة

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التي هي اما فعل المعصوم او قوله او تقريره ، وبهذا الاعتبار ذكروه دليلا في قبال السنة من باب مقابلة الطريق لذي الطريق.

وبعد ما عرفت ان حجيّة الاجماع وكونه دليلا على الحكم انما هو لكونه طريقا لرأي المعصوم ، فهو ينقسم الى محصّل ومنقول.

والمحصّل لا اشكال في حجيته ، فان تحصيل الطريق القطعي لرأي المعصوم بديهي الحجية عند من يحصله بنفسه.

واما المنقول فمرجعه الى خبر ينقل الطريق لرأي المعصوم عند ناقله ، فالقائل باعتباره وحجيته انما يقول به لكونه من افراد حجية خبر الواحد.

والفرق بينه وبين الخبر بحسب الاصطلاح هو ان الخبر يحكي عن نفس قول المعصوم او فعله او تقريره بلا واسطة ، والخبر الناقل للاجماع يحكي عن الطريق المستلزم لقول المعصوم او فعله او تقريره ، ولا فرق في حجية الخبر بين كونه حاكيا عن رأي المعصوم بلا واسطة او مع الواسطة ، وليس لدينا دليل بالخصوص على حجيّة الاجماع المنقول ، بل دليل حجيّته منحصر في حجيّة الخبر ، فلا بد لمن يقول بحجيّة الاجماع المنقول من اثباته شمول ادلة اعتبار الخبر الواحد له اما بعموم ادلة اعتبار الخبر او باطلاقها ، ومنه يتضح ان القائل بعدم حجية الاجماع المنقول ينكر شمول ادلة اعتبار الخبر الواحد له لا بعمومها ولا باطلاقها ، ولذا قال : «الاجماع المنقول بالخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة انه من افراده» أي الوجه في حجيته عندهم هو انه من افراد الخبر القائلين بحجيته ولم يقم دليل على اعتباره بعنوان كونه اجماعا منقولا ، ولذا قال : «من دون ان يكون عليه دليل بالخصوص» ولذا «فلا بد في اعتباره» أي اعتبار الاجماع المنقول «من شمول ادلة اعتباره» أي ادلة اعتبار الخبر «له» اما «بعمومها او اطلاقها».

٢٦٩

الاول : إن وجه اعتبار الاجماع ، هو القطع برأي الامام عليه‌السلام ، ومستند القطع به لحاكية ـ على ما يظهر من كلماتهم ـ هو علمه بدخوله عليه‌السلام في المجمعين شخصا ، ولم يعرف عينا ، أو قطعه باستلزام ما يحكيه (١)

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان وجه كون الاجماع دليلا انما هو لكونه طريقا لرأي المعصوم عليه‌السلام ، ومن الواضح ان الطريق سبب لثبوت ذي الطريق ، وذو الطريق هو المسبّب ، فالاجماع هو السبب ورأي المعصوم هو المسبب.

وحيث ان للعلماء مشارب مختلفة في استلزام الاجماع لرأي المعصوم ـ فهذا الامر معقود لبيان اقسام الاجماع.

الاول : الاجماع الدخولي وهو ان يسمع الحكم من جماعة يعلم بان بعض من سمع منه هو الامام عليه‌السلام ، فيكون الامام عليه‌السلام داخلا بشخصه في المجمعين اجمالا ، ولا بد وان يكون غير معلوم بعينه لانه لو كان معلوما بعينه للسامع لخرج عن ان يكون الاجماع هو الطريق لاثبات رأيه عليه‌السلام ، بل يكون السماع منه بعينه هو المثبت لرأيه دون الاجماع ، وانما يكون الاجماع مثبتا لرأيه عليه‌السلام حيث لا يكون السامع عارفا للامام بعينه ، ويكون سماعه من جماعة يعلم بان الامام بعضهم على سبيل الاجمال هو المثبت لرأيه عليه‌السلام.

ولا يخفى ان الاجماع الدخولي نقل لرأي الامام عليه‌السلام بالحس لا بالحدس ، لفرض سماعه من الامام بما هو بعض من الجماعة التي سمع منها الناقل للاجماع ، وقد اشار (قدس‌سره) الى وجه الاعتبار بقوله : «ان وجه اعتبار الاجماع هو القطع برأي الامام عليه‌السلام» ثم اشار الى هذا القسم وهو الاجماع الدخولي وانه اجنبي بقوله : «ومستند القطع به» أي مستند القطع برأي الامام «لحاكية» أي لحاكي الاجماع «على ما يظهر من كلماتهم» في كيفية نقل الاجماع «هو علمه» أي علم الحاكي للاجماع «بدخوله عليه‌السلام في المجمعين شخصا» ومعنى هذا هو كون الامام عليه‌السلام بعض المجمعين الذي حصل الحاكي على آرائهم فهو حسي لتحصيل الحاكي

٢٧٠

لرأيه عليه‌السلام عقلا من باب اللطف (١) ، أو عادة (٢) أو اتفاقا من جهة

______________________________________________________

لرأي الامام بتتبعه لآراء المجمعين الذي علم بكون الامام بعضا منهم ، وقد اشار الى كون الاجماع الدخولي بما هو اجماع دليلا على رأي الامام لازمه عدم معرفة الحاكي لهذا الاجماع للامام عليه‌السلام بعينه بقوله : «ولم يعرف عينا» وإلّا لخرج عن كونه بما هو اجماع دليل على رأيه عليه‌السلام.

(١) الاجماع من باب اللطف هو وجه حجيّة الاجماع عند شيخ الطائفة (قدس‌سره) ، ويأتي بيانه مفصلا عند تعرض المصنف له في التنبيه الاول.

ومجمله : ان وجود الحكم في ضمن الاقوال لطف واجب ، ولازم هذا ان اتفاق المفتين في عصر واحد على الحكم يستلزم عقلا من باب اللطف الواجب على الامام عليه‌السلام في رأي الشيخ كون رأي الامام عليه‌السلام موافقا لما اتفق عليه علماء العصر ، فالاجماع اللطفي هو العلم برأي الامام من باب الاستلزام العقلي لا من باب الحس ، فالاجماع اللطفي هو تحصيل للسبب فقط بالحس ، واما المسبب فالعلم به للاستلزام العقلي وليس بحسي ، وهذا هو القسم الثاني من مشارب الاجماع.

(٢) هذا هو القسم الثالث من وجوه الاجماع ، وحاصله : هو اتفاق جماعة يستلزم رأيهم رأي الامام عليه‌السلام بحسب العادة لا بحسب الاستلزام العقلي كما في الاجماع اللطفي.

وتقريبه : انه اذا كان لاحد جماعة وحفدة وتلاميذ لا يعدون رأيه فاتفاقهم على شيء يكشف بحسب العادة عن رأي مرجعهم وأستاذهم ، فاذا اتفق ـ مثلا ـ خاصة الصادق عليه‌السلام من الشيعة على حكم يكشف اتفاقهم بحسب العادة عن موافقة رأيه عليه‌السلام لرأيهم ، ولا يخفى انه لا بد وان لا يكون ذلك الحكم مما قد رووه عنه عليه‌السلام ، والّا لكان رواية لا اجماعا.

والفرق بين هذا القسم والقسم الثاني : هو كون الاستلزام فيه مما تقتضي به العادة دون العقل ، بخلافه في القسم الثاني فانه مما يقضي به العقل ، فان اتفاق

٢٧١

الحدس برأيه ، وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة (١) ، كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الاجماع ، حيث إنهم مع عدم الاعتقاد

______________________________________________________

الجماعة المتبعة لرأي شخص تقتضي العادة بكشف رأيها عن رأيه ، واحتمال عدم موافقة رأيه عليه‌السلام لرأيهم موجود ولكنه مما تأباه العادة ، بخلاف القسم الثاني فان عدم الموافقة منفي عقلا فلا وجه لاحتماله.

ويوافق هذا القسم الثاني في كون رأي الامام ليس بحسي على هذا المشرب ايضا ، وان السبب فيه فقط حسي ، واما المسبّب فهو مما يقضي به الاستلزام العادي دون الحس.

(١) هذا هو القسم الرابع من وجوه الاجماع عند بعض الناقلين له ، وهو اتفاق جماعة قد حصل لناقل الاجماع منها الحدس بموافقة رأي الامام عليه‌السلام لهؤلاء ، لان من المعلوم المفروغ عنه ان الناقل للاجماع لم يتبع آراء المجمعين حتى علم بدخول الامام شخصا فيهم ، كما اذا كان من اهل زمان الغيبة الكبرى ، فليس اجماعه الذي نقله من الاجماع الدخولي ، وليس لاتفاقهم كشف عقلي ولا عادي بحسب رأي هذا الناقل للاجماع ، كما اذا كان الناقل للاجماع لا يرى الاجماع اللطفي ، فلا ملازمة عقلية ولا يكون هؤلاء المتفقين من اهل زمان عصر الامام عليه‌السلام وخاصته حتى تكون بين رأيهم ورأيه عليه‌السلام ملازمة عادية ، فلا بد وان يكون السبب لنقل الاجماع عند هذا الناقل له هو حدسه الخاص بموافقة رأي الامام عليه‌السلام لهذه الآراء التي علم بها هذا الناقل وحصّلها. وحيث لم يكن هذا الاجماع عند ناقله من الاجماع الدخولي ولا من باب اللطف الذي تكون ملازمته عقلية ولا من باب العادة حتى تكون الملازمة عادية ، فانحصر ان يكون هذا الكشف قد حصل للناقل للاجماع من باب الحدس اتفاقا.

ولا يخفى ان الحسي من هذه الوجوه الاربعة هو الدخولي فقط ، واما الوجوه الثلاثة الأخر من اللطفي والعادي والاتفاقي كلها من الحدس ولكنهم اصطلحوا على

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تسمية الاخير وهو الاتفاقي بالحدسي ، ولعله لعدم الملازمة فيه لا عقلا ولا عادة فهو متمحّض في الحدسيّة ، بخلاف ما كان فيه الملازمة كاللطفي والعادي فانهما اشبه بالحس وان لم يكونا حسيين حقيقة.

ولا ينبغي ان يخفى ان هناك وجهين آخرين للاجماع ـ غير ما اشار اليها من الوجوه الاربعة ـ وهما :

الاجماع التقريري وهو كاللطفي من حيث ان الملازمة فيه قابلة للانفكاك ، ولا مجال فيه لاحتمال عدم موافقة رأي الامام عليه‌السلام لآراء المجمعين الّا ان الملازمة في اللطفي عقلية ، وفي التقريري شرعيّة بملاك وجوب الارشاد والتنبيه شرعا على الامام فيما اذا اتفق اهل العصر على حكم مخالف للحكم الواقعي ، فاتفاقهم على الحكم يكشف عن انه هو الحكم الواقعي ، لانه لو كان مخالفا لوجب على الامام من باب التنبيه الارشاد الى الحكم الواقعي.

الثاني هو كشف آراء المجمعين عن دليل معتبر قام عندهم على الحكم وقد خفي علينا.

والفرق بين هذا الوجه الاخير والوجوه المتقدمة للاجماع : هو ان المكتشف بهذا الاجماع هو الحكم الظاهري والمكتشف بالوجوه المتقدمة هو الحكم الواقعي ، لوضوح ان الدليل المعتبر لا يدل على اكثر من الحكم الظاهري ، بخلاف الوجوه السابقة فان المكتشف بها هو رأي الامام عليه‌السلام وهو الحكم الواقعي.

وينبغي ان لا يخفى ان المجمعين اذا كانوا من اهل الغيبة الكبرى فالاجماع الدخولي مستبعد جدا بل مقطوع بعدمه غالبا ، ومثله الاجماع العادي الاتفاقي لانهما انما يتأتيان في غير الغيبة الكبرى ، والاجماع اللطفي والتقريري غير صحيحين فيتعيّن هذا الوجه السادس.

ويرد عليه : انه لو سلّمنا صحة الخبر من حيث السند ولو لاستنادهم اليه.

٢٧٣

بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه عليه‌السلام في المجمعين عادة ، يحكون الاجماع كثيرا (١) ، كما أنه يظهر

______________________________________________________

ولكن أولا : لا نسلم حجيّته من حيث الظهور لان كونه له ظهور عند المجمعين لا يستلزم ان يكون له ظهور عند غيرهم.

وثانيا : انه حيث كان الخبر معتبرا عند المجمعين فلما ذا خلت منه كتب الاخبار وكتب الاستدلال؟

وهناك وجه آخر للاجماع يشير اليه المصنف في طي عبارته الآتية وهو الاجماع التشرّفي : وهو ان يكون المدعي للاجماع من الاوحديين الذين لهم مقام التشرّف بخدمة الامام عليه‌السلام في الغيبة الكبرى ويحظون بالمثول بين يديه ـ عجل الله فرجه ـ ولا يسعهم نقل رأيه بالصّراحة فيتوسلون الى ذلك بنقله بنحو الاجماع.

فتحصّل من مجموع ما ذكرنا : ان وجوه نقل الاجماع سبعة ، أشار الى خمسة منها في المتن : وهي الدّخولي ، واللطفي ، والعادي ، والاتفاقي ، والتشرّفي ، وباضافة التقريري ، والاجماع الكاشف عن الدليل المعتبر تكون وجوها سبعة للاجماع المدعى في كلمات الاصحاب (قدس‌سرهم).

(١) لما فرغ من ذكر وجوه الاجماع الاربعة بنحو الثبوت ـ شرع فيما يدل عليها بنحو الاثبات ، ويظهر منه (قدس‌سره) ان طريقة المتأخرين في نقل الاجماع هي من باب الحدس الاتفاقي ، لان المتأخرين الناقلين له من اهل الغيبة الكبرى ولم يكونوا من خاصته الموجودين في عصره ، وليسوا ايضا ممن ينسب لهم التشرّف بخدمته فلا يكون اجماعهم من الدخولي ولا من العادي ولا من التشرّفي ، وايضا فالمتأخرون لا يرون صحة الاجماع اللطفي فيتعيّن ان يكون اجماعهم من باب الحدس الاتفاقي ، والى هذا اشار بقوله : «حيث انهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية» فلا يكون اجماعهم من باب اللطف «ولا الملازمة العادية غالبا» لانهم من اهل الغيبة الكبرى ولم ينسب لهم التشرف بخدمته عليه‌السلام «و» مع «عدم» دعواهم «العلم بدخول

٢٧٤

ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب ، أنه استند في دعوى الاجماع إلى العلم بدخوله عليه‌السلام (١) وممن اعتذر عنه بانقراض عصره ، أنه استند إلى قاعدة اللطف.

هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك ، على ما يشهد به مراجعة كلماتهم ، وربما يتفق لبعض الاوحدي وجه آخر من تشرّفه برؤيته عليه‌السلام

______________________________________________________

جنابه عليه‌السلام في المجمعين عادة» فليس اجماعهم دخوليا ومع ذلك «يحكون الاجماع كثيرا» فلا بد وان يكون اجماعهم من باب الحدس الاتفاقي.

وقد عرفت ان الاقرب هو الوجه السادس ، لان حدس رأي الامام عليه‌السلام منهم في الغيبة الكبرى مع عدم تشرفهم بلقائه عليه‌السلام ربما يكون بلا وجه ، واحتمال ان لهم دليلا معتبرا على الحكم اقرب منه ، وقد مرّ الايراد عليه ايضا.

(١) حاصله : ان بعض نقلة الاجماع ينقله مع علمه بوجود المخالف للاجماع ويعتذر ان مخالفة المخالف لا تضر بدعوى الاجماع لانه معلوم النسب ، ويدل هذا الاعتذار ان الوجه في نقل الاجماع عنده هو الاجماع الدخولي ، لان ملاك الاجماع الدخولي هو دخول الامام عليه‌السلام في المجمعين بشخصه مع عدم معرفته بعينه ، فمخالفة غير معلوم النسب مما يقدح بالاجماع الدخولي ، لاحتمال كون هذا المخالف غير المعلوم نسبه بعينه هو الامام عليه‌السلام ، فاعتذاره هذا بان المخالف معلوم النسب يدل على ان لجهالته خصوصية وتنحصر خصوصية الجهالة في الاجماع الدخولي لا غير ، فان الاجماع اللطفي مما يضر به المخالف المعلوم النسب ، والاجماع العادي لا خصوصية فيه لمخالفة مجهول النسب ولا معلومه ، ومثله الاجماع من باب الحدس اتفاقا في عدم الخصوصية فيه لا لمخالفة معلوم النسب ولا مجهوله ، فيتعيّن كون مدعي هذا الاجماع «انه استند في دعوى الاجماع الى العلم بدخوله عليه‌السلام» في المجمعين.

٢٧٥

وأخذه الفتوى من جنابه ، وإنما لم ينقل عنه ، بل يحكي الاجماع (١) لبعض دواعي الاخفاء (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الاعتذار عن مخالفة المخالف بانقراض عصره وان العصر الذي فيه الاتفاق ولا مخالف فيه مما يدل صريحا ان طريقيته في الاجماع من باب اللطف ، لوجوب إلقاء الخلاف على الامام عليه‌السلام من باب اللطف ، فيما اذا اتفق علماء العصر على حكم يخالف الحكم الواقعي ، أمّا اذا كان المخالف ممن انقرض عصره ففي ذلك العصر لا اتفاق على المخالفة للحكم الواقعي حتى يجب على الامام عليه‌السلام من باب اللطف إلقاء الخلاف ، والمفروض في هذا العصر الاتفاق فهو يكشف عن رأيه عليه‌السلام والّا لوجد المخالف في هذا العصر ، وهذا النحو من الاعتذار صريح في ان وجه الاجماع عند ناقله هو اللطف.

قوله : (قدس‌سره) وربما يتفق لبعض الخ» هذا هو الاجماع التشرفي.

(٢) أي انه انما لم ينقله صريحا بل نقله بنحو دعوى الاجماع لان هناك دواعي للإخفاء :

منها : انه قد وردت عن الحجة عليه‌السلام اخبار كثيرة آمرة بتكذيب مدعي الرؤية في الغيبة الكبرى ، والمراد من الامر بالتكذيب هو ترتيب آثار الكذب على خبر مدعي الرؤية ، فيلزم من تصريحه بالملاقاة تعريض نفسه للتكذيب وعدم الاخذ بالحكم الذي نقله عنه عليه‌السلام فينتفي الغرض الذي دعاه لنقل الحكم.

ومنها : ان نقله عن الامام عليه‌السلام تصريحا يدل انه من اهل مقام التشرّف بخدمته عليه‌السلام وهو لا يريد ان يعرف عنه ذلك.

ومنها : انه لو عرف عنه وشاع انه ممن يجتمع به ـ عجل الله فرجه ـ لاضطره الناس لان يسأل منه عليه‌السلام في غالب امورهم فتنقلب الغيبة الكبرى الى مثل الغيبة الصغرى ، وقد حكمت المصلحة الملزمة في ان تكون غيبته كبرى لا يعرف فيها شخص معلوم يراه ويجتمع به.

٢٧٦

الامر الثاني : إنه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع ، فتارة ينقل رأيه عليه‌السلام في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب ، أو حسّا وهو نادر جدا ، وأخرى لا ينقل إلّا ما هو السبب عند ناقله ، عقلا أو عادة أو اتفاقا ، واختلاف ألفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك ، أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب (١).

______________________________________________________

(١) يتضمن هذا الامر الثاني بيان امور ثلاثة :

الاول : ان ناقل الاجماع تارة ينقل السبب والمسبب ، كما اذا قال اجمعت الامة حتى المعصوم عليه‌السلام.

واخرى ينقل السبب وحده كما اذا قال اجمعت فتاوى اصحابنا ، والى هذا اشار بقوله : «فتارة ينقل رأيه عليه‌السلام في ضمن نقله» الى ان قال «واخرى لا ينقل إلّا ما هو السبب».

الثاني : ان الاجماع الدخولي حسي كالتشرفي ، والاجماع اللطفي والعادي والاتفاقي حدسي ، والى هذا اشار بقوله : «حدسا كما هو الغالب» فان الغالب كما في زمان الغيبة هو الاجماع المبني على الحدس وهو اللطفي والاتفاقي مثلا ، والى الدخولي والتشرفي المبنيين على الحس اشار بقوله : «او حسا وهو نادر جدا» بل الاجماع الدخولي في الغيبة مستحيل عادة.

الثالث : ان الفاظ نقل الاجماع مختلفة في الصّراحة والظهور والاجمال بالنسبة الى نقل السبب والمسبب.

فالصريحة كالعبارة المتقدمة وهي اجمعت الامة حتى المعصوم ، فانها صريحة في نقل السبب والمسبب.

والظاهرة في نقلهما كما اذا قال الناقل اجمعت الامة ولم يصرح بدخول المعصوم ، فان لهذه العبارة ظهورا في دخول الامام عليه‌السلام ايضا.

٢٧٧

الامر الثالث : إنه لا إشكال في حجية الاجماع المنقول بأدلة حجية الخبر ، إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حسّ ، لو لم نقل بأن نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا (١) ، وكذا إذا لم يكن متضمنا

______________________________________________________

والجملة : هي ان يقول الناقل مثلا اجمع الفقهاء فانه من المحتمل دخول الامام عليه‌السلام في الفقهاء ، كما انه ربما يكون الكلام صريحا في نقل السبب فقط كما لو قال اجمع علماؤنا المقلدون في الغيبة ، وربما يكون ظاهرا في ذلك كما لو قال اجمع اصحابنا ، والى هذا اشار بقوله : «واختلاف الفاظ النقل الى آخر الجملة».

(١) هذا الامر لبيان ما هو الحجة من الاجماع المنقول وما ليس بحجة منه ، وقد عرفت في صدر المبحث ان مدرك حجية الاجماع المنقول تنحصر في شمول ادلة حجية الخبر له بعمومها او اطلاقها ، وسيأتي ان القدر المتيقن من دلالتها هو حجيه الخبر الحسي دون الحدسي ، وقد عرفت ايضا ان ما عدا الاجماع الدخولي كاللطفي والعادي والاتفاقي هو نقل لرأي الامام عليه‌السلام عن حدس لا عن حس ، والنقل الحسي فيها انما هو بالنسبة الى نقل السبب وهو اتفاق علماء العصر او اتفاق جماعة يستلزم رأيه عليه‌السلام عادة او اتفاقا ، والاجماع الدخولي هو المختص بنقل السبب والمسبب عن حسّ.

فاذا عرفت هذا ... نقول لا اشكال في شمول ادلة حجية الخبر للاجماع الدخولي لانه نقل للمسبب عن حس ، اذ لا فرق في حجيّة الخبر الناقل لرأي الامام عليه‌السلام بين ان يقول المخبر به سمعت الامام بعينه يقول كذا أو يقرر كذا او يفعل كذا ، او يقول سمعت جماعة احدهم الامام عليه‌السلام قطعا هم يقولون كذا او يفعلون كذا او يقررون كذا.

الّا ان الناقل للاجماع الدخولي في زمن الغيبة نادر بل مستحيل عادة ، فناقله في الغيبة ان لم يكن من اهل التشرّف وكان متفردا به مما يطمئن باشتباهه ولا بد من تأويل كلامه.

٢٧٨

له ، بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس ، إلا أنه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا ، فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه بأحكامه وآثاره (١).

______________________________________________________

وقد اشار الى شمول ادلة الخبر للاجماع الدخولي بقوله : «اذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس» واشار الى عدم الاطمئنان به في الغيبة بقوله : «لو لم نقل بان نقله كذلك» بان يكون على نحو الدخول ونقلا للسبب والمسبب عن حس «في زمان الغيبة موهون جدا».

(١) قوله (قدس‌سره) : «وكذا اذا لم يكن متضمنا الخ» هذا معطوف على عدم الاشكال في شمول ادلة حجية الخبر.

وتوضيحه : ان ادلة حجية الخبر كما تدل على حجيّة الخبر الناقل لرأي الامام عليه‌السلام عن حس في اثباته للحكم الدال عليه كذلك تكون دليلا على حجية الخبر الناقل للسبب المستلزم لرأي الامام عليه‌السلام ، لانه نقل للسبب عن حس واثباتها للمسبب بواسطة الاستلزام ، فان الامارة التي قام الدليل على اعتبارها حجة في اثبات لازمها كما هي حجة في اثبات الملزوم في دلالتها عليه ، فاذا كان السبب المنقول عن حس سببا عند من نقل اليه فلا اشكال في اثباته لرأي الامام عليه‌السلام بواسطة الاستلزام ، فاذا كان ـ مثلا ـ المنقول اليه ممن يرى الاجماع اللطفي ونقل الثقة له اتفاق اهل العصر فلا اشكال في كون هذا الاجماع المنقول حجة عند المنقول اليه في اثباته لراي الامام عليه‌السلام ، فهذا الاجماع المنقول وان كان اخبارا عن السبب عن حس لا عن المسبب إلّا انه لما كان السبب المنقول عن حس سببا عند المنقول اليه مستلزما لرأيه عليه‌السلام فلا بد من ترتيب لازمه وهو الالتزام بموافقة رأي الامام لما اتفق عليه علماء العصر مثلا ، والى هذا اشار بقوله : «وكذا» أي لا اشكال ايضا في حجية الاجماع المنقول فيما «اذا لم يكن متضمنا له» أي لم يكن متضمنا لنقل المسبب عن حس كالاجماع اللطفي «بل كان ممحضا لنقل السبب» فقط «عن حس الا» ان

٢٧٩

وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس ، بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال ، أظهره عدم نهوض تلك الادلة على حجيته ، إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك (١) ،

______________________________________________________

المفروض «انه كان» اتفاق اهل العصر مثلا «سببا بنظر المنقول اليه ايضا» كما هو سبب عند الناقل اما «عقلا او عادة او اتفاقا ف» لا بد للمنقول اليه ان «يعامل حينئذ مع» هذا الاجماع «المنقول معاملة المحصّل في الالتزام بمسببه باحكامه وآثاره».

(١) قد عرفت الحال فيما اذا كان السبب عند الناقل سببا ايضا عند المنقول اليه وشمول ادلة حجية الخبر له باعتبار كونه نقلا لما له اثر شرعي ، وحيث كان السبب عند المنقول اليه له اثر شرعي وهو رأي المعصوم فلا بد من ترتيبه عليه ، فرأي الامام وان لم يكن حسيا إلّا انه كان سببه حسيا ، فلا فرق بين نقله عن حس كما في الدّخولي او نقل سببه عن حس كما في اللطفي والعادي والاتفاقي حيث يكون المنقول اليه ممن يرى صحة الاجماع اللطفي او العادي او الاتفاقي.

واما اذا كان المنقول اليه ممن لا يرى ذلك ، بان يكون المنقول اليه ـ مثلا ـ ممن لا يرى انفاق اهل العصر على حكم مما يستلزم رأي الامام عليه‌السلام ، وكان الناقل ممن يرى ذلك فتكون الملازمة ثابتة في نظر الناقل دون المنقول اليه ، فيتوقف شمول ادلة حجية الخبر للاجماع في هذا الفرض على عمومها او اطلاقها لما يتناول الخبر الحدسي ، لبداهة ان الناقل لم ينقل رأي الامام عليه‌السلام عن حسّ ولم يكن السبب الذي نقله عن حسّ هو من الأسباب عند المنقول اليه ، فيرجع نقله لهذا الاجماع الى اخبار منه عن السبب حسا واخباره عن المسبب حدسا بحسب حدسه المختص به ، فلا تكون ادلة اعتبار الخبر شاملة له إلّا اذا كانت شاملة للاخبار الحدسي ، بان كان اخباره المستند لحدسه حجة كاخباره المستند لحسه.

٢٨٠