بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

الاعتبار (١) ، إلا أنه لا يمنع عن حجية ظواهره ، لعدم العلم بوقوع الخلل فيها بذلك أصلا.

______________________________________________________

بظواهر كانت من اطراف كلام علم باسقاط أو تصحيف فيه ، لان كل ظاهر منه نحتمل ان يكون مما عرضه الاسقاط أو التصحيف.

ولا يخفى ان الاسقاط والتصحيف وان اشتركا في سقوط الظواهر عن الحجيّة ، الّا ان بينهما فرقا لان احتمال الاسقاط لا يخرج كلام القرآن عن كونه كلام الله تعالى ، ولكن حيث يمكن ان يكون الساقط من القرآن فيكون مما يوجب ظهورا غير الظهور الموجود فعلا ، لذا فلا يكون الظهور الموجود حجة.

واما احتمال التصحيف فهو مما يوجب احتمال ان يكون بعض ما بين الدفتين ليس من كلام الله تبارك وتعالى ، لوضوح ان التصحيف العارض على كلامه سواء كان في المواد او الهيئات مما يوجب ان يكون الكلام الذي عرض عليه التصحيف في هيئته او مادته ليس كلامه تعالى ، فيكون من اشتباه القرآن بغير القرآن.

(١) قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان : فاما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، واما النقصان فقد روى جماعة من اصحابنا وقوم من حشويّة العامة ان في القرآن تغييرا ونقصانا ، والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه الى آخر كلامه.

وقال الشيخ الطوسي في تبيانه اما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به ، لان الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه فالظاهر ايضا من مذهب المسلمين خلافه الى ان قال غير انه رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع الى موضع آخر. انتهى كلامه (قدس‌سره).

واما مساعدة الاعتبار فما مر ذكره في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) من عدم وضوح المناسبة بين الشرط فيها والجزاء.

٢٤١

ولو سلم ، فلا علم بوقوعه في آيات الاحكام ، والعلم بوقوعه فيها أو في غيرها من الآيات غير ضائر بحجية آياتها ، لعدم حجية ظاهر سائر الآيات ، والعلم الاجمالي بوقوع الخلل في الظواهر إنما يمنع عن حجيتها إذا كانت كلها حجة (١) ،

______________________________________________________

(١) حاصل ما اجاب به المصنف عن هذا العلم الاجمالي جوابان :

الاول : ما اشار اليه بقوله : «لعدم العلم بوقوع الخلل فيها بذلك اصلا».

وتوضيحه : ان العلم الاجمالي بوقوع اسقاط او تصحيف في الكتاب العزيز لا يقتضي سقوط حجية الظواهر في ظاهرها ، لان المانع عن حجية اصالة الظهور هو العلم الاجمالي بوقوع ما يصرف الظاهر عن ظاهره ، والعلم الاجمالي بمحض ان هناك إسقاطا او تصحيفا لا يوجب العلم الاجمالي بوقوع ما يصرف الظاهر عن ظاهره ، لاحتمال ان يكون الاسقاط والتصحيف ، مما لا يوجب صرف الظاهر عن ظاهره ، لاحتمال ان يكون الاسقاط والتصحيف واقعا في المتشابه دون الظواهر ، فالعلم الاجمالي بوقوع اسقاط او تصحيف في الكتاب لا يوجب العلم الاجمالي بوقوع خلل في الظواهر ، والمانع عن حجية الظهور هو العلم الاجمالي بوقوع خلل في الظواهر ، فيوجب ذلك صرف الظاهر عن ظاهره فيها ، ولذا قال (قدس‌سره) : «لعدم العلم بوقوع خلل فيها» أي في الظواهر «بذلك اصلا» أي بمجرد العلم الاجمالي بالاسقاط والتصحيف في الكتاب لا يقتضي العلم الاجمالي بوقوع خلل في الظواهر الحكميّة ، والمانع عن حجيتها هو العلم الاجمالي بوقوع الخلل فيها دون العلم الاجمالي بالاسقاط أو التصحيف في الكتاب ، لما مرّ من انه يشترط في تاثير العلم الاجمالي ان يكون منجزا على كل تقدير ، وانما يكون منجزا على كل تقدير حيث يكون له اثر في جميع الاطراف ، وحيث انه لا اثر للاسقاط والتصحيف في المتشابه او غيره مما لا يتضمن حكما من الاحكام ، فلا تاثير لهذا العلم الاجمالي ، فاصالة الظهور محكّمة في الاخذ بظواهر آيات الاحكام.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان العلم الاجمالي بالاسقاط أو التصحيف غايته يوجب الشك والاحتمال بعدم ارادة الظاهر فنحتاج الى اصالة الظهور ، والّا فمع العلم بارادة الظاهر بظاهره لا نحتاج الى اصالة الظهور.

نعم لو علمنا اجمالا بوقوع الخلل في خصوص الظهورات لكان هذا العلم الاجمالي مانعا عن الاخذ بالظواهر لحصول العلم الاجمالي بعدم حجية بعضها.

والحاصل : ان المانع عن اصالة الظهور هو العلم الاجمالي بوقوع الخلل في خصوص الظواهر ، دون العلم الاجمالي بما يعمها ويعم المتشابه.

الثاني : ما اشار اليه بقوله : «ولو سلّم الى آخره» ، وتوضيحه : ان ظواهر الكتاب العزيز تشتمل على قصص وتاريخ ومواعظ وآيات احكام ، وبناء العقلاء على التمسك بالظاهر وامضاء الشارع له انما هو في خصوص آيات الاحكام ، اما بقية اصناف ما جاء في الكتاب فلا حجية لظواهره ، لان الحجيّة المجعولة عند العقلاء الممضاة من الشارع انما هي لاجل اتباعه والعمل على طبقه في امتثال امر الشارع ونهيه ، وهذا مما يختص بآيات الاحكام دون الاصناف الأخر ، اذ لا طلب مولوي فيها له امتثال حتى يجب العمل على طبقه ، فحجية الظواهر مما تختص بآيات الاحكام ، وبقية الظواهر في غيرها مما لا حجيّة له.

ومن الواضح : ان العلم الاجمالي المنجز هو الذي تكون جميع اطرافه مما يدخل تحت الابتلاء في مقام العمل ، فان العلم بنجاسة احد الإناءين اللذين كان احدهما في محل الابتلاء والآخر خارجا عن محل الابتلاء لا تنجز ولا اثر له ، فلا يمنع عن جريان الاصل الجاري في الاناء الذي هو محل الابتلاء.

ومن الواضح ايضا : ان الظواهر التي لا حجية لها لا ابتلاء فيها في مقام العمل ، فهي خارجة عن محل الابتلاء ، فلا اثر للعلم بوقوع الاسقاط او التحريف المردّد بين ظواهر آيات الاحكام وغيرها من ظواهره ، فلا يمنع هذا العلم الاجمالي عن جريان اصالة الظهور في ظواهر آيات الاحكام ، والى هذا اشار بقوله : «فلو سلّم» أي لو

٢٤٣

وإلا لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك ، كما لا يخفى (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

سلم العلم الاجمالي بالخلل في خصوص الظواهر «فلا» يمنع عن التمسك بظواهر آيات الاحكام لانه لا «علم بوقوعه» في خصوص «آيات الاحكام والعلم بوقوعه فيها او في غيرها من الآيات» المشتملة على ظواهر لا احكام فيها «غير ضائر بحجية آياتها» أي بحجية آيات الاحكام «لعدم حجية ظاهر سائر الآيات» غير المتضمنة للاحكام «والعلم الاجمالي بوقوع الخلل في الظواهر انما يمنع عن حجيتها» فيما «اذا كانت» الظواهر «كلها حجة» وقد عرفت ان الظواهر كلها ليست بحجة ، بل الحجة منها خصوص الظواهر المتضمنة للاحكام ، فيكون المقام من العلم الاجمالي الذي احد فرديه خارج عن محل الابتلاء ، ولا اثر لهذا العلم الاجمالي ولا تنجز له ، فلا يمنع عن جريان اصالة الظهور في ظواهر آيات الاحكام.

(١) هذا نقض على من يدعي تاثير العلم بالاسقاط والتصحيف في الكتاب في عدم حجية ظواهر الكتاب المتضمنة للاحكام ، وحاصله : انه لو كان هذا العلم ـ الدائر بين ما هو حجة وغير حجة ـ مؤثرا في اسقاط حجية ما هو حجة لسقطت الظواهر باجمعها سواء في الكتاب او في الروايات ، اذ كل ظاهر منها مبتلى بمثل هذا العلم الاجمالي ، لانا نعلم اجمالا بوقوع الاسقاط والتصحيف اما في هذا الظاهر الذي هو من الكتاب والسنة ، او في غيره من الظواهر التي لا حجية فيها للعلم اليقيني بوقوع اسقاط وتصحيف في كثير من الظواهر ، ولا يعقل الالتزام بسقوط الظواهر باجمعها ، وسببه ما عرفت من دوران الامر بين ما هو داخل في الابتلاء وما هو خارج عنه ، ولا تاثير للعلم الاجمالي في مثل ذلك.

(٢) لعله اشارة الى ما ذكره اخيرا من النقض : من ان العلم الاجمالي الدائر بين ما هو حجة وغير حجة من الظواهر لا يكون مؤثرا ، وإلّا لسقطت الظواهر باجمعها.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصل الاشارة : ان المدار في تاثير العلم الاجمالي في اطرافه هو ان يكون خروج الطرف موجبا لعدم بقائه بما هو علم اجمالي ، اما اذا كان الخروج لا يخل ببقاء العلم الاجمالي فلا يكون ذلك الخروج موجبا لانحلال العلم وعدم تاثيره.

والنقض المذكور من قبيل الثاني ، لان خروج الظواهر غير ظواهر الكتاب لا يوجب خللا بالعلم الاجمالي بالسقوط او التصحيف في خصوص ظواهر الكتاب.

او انه اشارة الى ما يمكن ان يقال : ان ظواهر الكتاب كلها حجة غايته ان الاثر في حجيتها مختلف ، فبعضها حجة للعمل على طبقه كآيات الاحكام ، وبعضها حجة في مقام جواز حكايته وانه كلام الله وانه مما يجوز قراءته في النوافل وانه مما يثاب على قراءته بما هو كلام الله ، فالعلم الاجمالي دائر بين طرفين كل منهما حجة غايته ان اثر الحجية فيها مختلف ، ولا ربط لهذا العلم الاجمالي بالعلم الاجمالي بين ظواهر الكتاب او السنة وغيرها من الظواهر التي لا اثر لها اصلا.

ولكنا نقول : ان العلم الاجمالي في اطراف مختلفة الآثار انما يؤخذ به في الاثر الجامع لها ، مثلا لو علمنا اما بنجاسة احد الإناءين او بغصبيته ، فالعلم الاجمالي له اثر في وجوب اجتنابه في الوضوء أو الصلاة لانه مشترط بالطهارة والاباحة ، ولا يلتزم بنجاسة الملاقي لاحدهما لو قلنا بنجاسة ملاقي الشبهة المحصورة ، والمقام من هذا القبيل فان الكلام في المقام في كون هذا العلم الاجمالي موجبا لسقوط الظهور في آيات الاحكام من حيث التمسك بها والعمل على طبقها ، لا في مقام جواز حكايتها بما هي كلام الله او قراءتها في النوافل وامثال ذلك ، فلا مانع بانحلال هذا العلم الاجمالي بالنسبة الى التمسك بها في آيات الاحكام ، وتأثيره في الاثر الجامع لها ولغيرها من آيات الكتاب الشامل هذا الأثر لظواهرها ومتشابهاتها ، والله العالم.

٢٤٥

نعم لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به ، لاخل بحجيته ، لعدم انعقاد ظهور له حينئذ ، وإن انعقد له الظهور لو لا اتصاله (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت فيما تقدم في باب العام والخاص انه فرق بين الاجمال في القرائن المنفصلة والاجمال في القرائن المتصلة ، وان الاجمال في القرائن المنفصلة لا يسري إجمالها الى ظهور العام ، والاجمال في القرائن المتصلة مما يسري اجمالها الى ظهور العام ، لعدم انعقاد ظهور له فعلي مع اتصاله بالقرائن المجملة ، ويكون من الكلام المحتف بمحتمل القرينية التي لا بناء للعقلاء على التمسك بظهوره.

وهناك فرق بين القرائن المتصلة والمنفصلة المبينة من حيث عدم تمامية الظهور في المتصلة دون المنفصلة ، ولكنهما يشتركان في عدم حجية الظهور الفعلي ولو لعدم تماميته في المتصلة ولقيام حجة اقوى منه في المنفصلة.

وعلى كل حال فان العلم بوقوع الخلل في الظواهر ، تارة يكون لاسقاط القرائن المتصلة ، واخرى يكون لاسقاط القرائن المنفصلة ، وثالثة يكون مجملا من هاتين الناحيتين ، بان نعلم بالاسقاط ولا يدرى انه لقرينة متصلة او منفصلة.

ولا يخفى انه لو كان العلم بالنحو الاول بان علمنا باسقاط لقرائن متصلة في الظواهر ، فان مثل هذا العلم بالخلل موجب لعدم حجية آيات الظواهر المتعلقة بالاحكام وان كان الطرف الآخر خارجا عن محل الابتلاء ، لان اصالة الظهور انما تجري فيما احرز ظهوره لا فيما شك في ظهوره وعدم ظهوره ، ومع كون الاسقاط للقرائن المتصلة تكون آيات الاحكام مما شك في انها لها ظهور ام لا؟

ويمكن ان يقال : انه حتى في هذه الصورة يؤخذ بالظهور في آيات الاحكام ، لانه بعد الخروج عن محل الابتلاء وعدم تاثير العلم الاجمالي فاحتمال سقوط القرينة المتصلة في آيات الاحكام حاله كحال الاحتمال البدوي في سقوط القرينة المتصلة ، فان الظهور الذاتي محفوظ والظهور الفعلي مشكوك في كليهما ، وحيث قام بناء

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العقلاء على الاخذ بالظاهر في الاحتمال البدوي فطرف العلم الاجمالي الذي لا تاثير له مثله ايضا.

واما اذا كان العلم بالنحو الثاني فخروج بعض الظواهر عن محل الابتلاء نافع في جريان اصالة الظهور في آيات الاحكام لانعقاد الظهور فيها ، وبعد انعقاده لا يسقط إلّا بقيام حجة اقوى منه وهي مشكوكة ، فلا مانع من جريان اصالة الظهور.

واما اذا كان بالنحو الثالث فيمكن ان يدعى ان بناء العقلاء في مثل ذلك ايضا على جريان اصالة الظهور ، ولذلك خص الخلل الموجب لسقوط الظواهر عن الحجيّة بالاول ، فقال (قدس‌سره) : «نعم لو كان الخلل المحتمل فيه» أي في الظاهر المتضمن للحكم «او في غيره» من الظواهر غير المتضمنة للحكم «ب» اسقاط «ما اتصل به» أي بالظاهر «لأخل بحجيته» وان كان الطرف الآخر خارجا عن محل الابتلاء «لعدم انعقاد ظهور له حينئذ» بالفعل فلا مجرى لاصالة الظهور لانها انما تجري حيث يحرز الظهور ولا ظهور له بالفعل «وان» كان قد «انعقد له الظهور لو لا اتصاله» أي ان ما احتمل سقوط القرينة المتصلة منه له ظهور ، الّا ان هذا الظهور حيث سقطت القرينة المتصلة به ، اما لو كانت موجودة لكان له ظهور آخر وهو بخلاف القرينة المنفصلة ، فان الظهور في ما قامت القرينة المنفصلة على خلافه موجود وغاية الامر انه قامت حجة اقوى منه على خلافه.

وبعبارة اخرى : انه في القرينة المنفصلة ظهوران يقدم احدهما على الآخر ، وليس في المتصلة الا ظهور واحد.

ويمكن ان يكون اولى من هذين الجوابين ان نقول : ان الروايات الآمرة بالرجوع الى ظواهر الكتاب لعرض المتعارضين عليه وبردّ ما خالفه من الروايات والآمرة بالقراءة كما يقرأ الناس ـ تدل على عدم وقوع التصحيف فيه. واما الاسقاط فلو كان فلا بد وان يكون غير متضمن لقرائن لا متصلة ولا منفصلة توجب انقلاب الظهور او عدم صحة الاخذ به لقيام حجة اقوى منه على خلافه.

٢٤٧

ثم إن التحقيق أن الاختلاف في القراءة بما يوجب الاختلاف في الظهور مثل (يطهرن) بالتشديد والتخفيف ، يوجب الاخلال بجواز التمسك والاستدلال ، لعدم إحراز ما هو القرآن ، ولم يثبت تواتر القراءات ، ولا جواز الاستدلال بها ، وإن نسب إلى المشهور تواترها ، لكنه مما لا أصل له ، وإنما الثابت جواز القراءة بها ، ولا ملازمة بينهما ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) قد وقع الاختلاف في القراءات بما يوجب اختلاف الحكم الواحد ، فانه بناء على قراءة (يطهرن) بالتخفيف للطاء يكون امد حرمة وطء الحائض ينتهي بالنقاء قبل الغسل.

وبناء على قراءة التشديد للطاء لا يحل وطؤها الا بعد الغسل فلا يجوز وطء من نقت من الحيض ولم تغتسل.

ثم لا يخفى ان القراءات مما تتجاوز السبع ، ولكن الكلام في خصوص القراءات السبع من حيث التواتر وعدمه ، لا من حيث جواز الاستدلال بها وجواز القراءة بها.

والحاصل ان الكلام في القراءات من جهات ثلاث أشار اليها في المتن :

الاولى : وقع الكلام في تواتر القراءات السبع ، والمراد من التواتر الذي له ثمرة في المقام هو تواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واما تواترها عن نفس القرّاء السبعة فلا فائدة فيه فيما هو المهم من جواز التمسك بها والرجوع اليها.

وعلى كل فقد نسب الى المشهور القول بتواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو المعروف ان القرآن نزل على سبعة احرف كما صرح به الشهيد الثاني في المقاصد العليّة بقوله : ان كلا من القراءات السبع من عند الله نزل به الروح الامين على قلب سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد خالف في ذلك الشيخ في التبيان والطبرسي في مجمع البيان ، ووافقهم جماعة المتأخرين فانكروا تواتر القراءات السبع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويشهد له ما في

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الصحيح عن الفضيل انه قال له ان الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة احرف ، فقال عليه‌السلام : (كذب اعداء الله ولكنه نزل بحرف واحد من عند الواحد) ويؤيد عدم كون التواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل هو عن القرّاء ما في كتب بعض علماء القراءة من عدّ قراءة النبي نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ضمن تعداد القراءات.

إلّا ان يقال انه لا ينافي ان يكون قراءة يختص بها في مقام قراءة القرآن التواتر عنه ، لامكان انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقرأ بواحدة منها مع كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صدع بالقراءات الآخر واوحى بها اليه وبينها ، ولكنه كانت قراءته الخاصة واحدة منها. إلّا انه بعيد جدا.

وعلى كل حال فالمصنف ممن لا يرى تواتر القراءات ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ولم يثبت تواتر القراءات» ثم صرّح بان التواتر «مما لا اصل له».

الجهة الثانية جواز الاستدلال بها وان لم تكن متواترة. ولا يخفى انه بعد عدم ثبوت تواترها فجواز الاستدلال بالقراءات السبع او بها وبغيرها من القراءات يحتاج الى دليل يدل على ذلك ، حتى لو علمنا اجمالا بان قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احدها فانه يكون من اشتباه الحجة باللاحجة ، فالاستدلال بها جميعا مما يحتاج الى دليل من الشارع يدل عليه.

وما يمكن الاستدلال به هو الاطلاق في ادلة الرجوع الى الكتاب في مقام عرض الاخبار المتعارضة عليه ورد الخبر المخالف له والاخذ بالخبر الموافق له وبالاخبار الآمرة بالقراءة كما يقرأ الناس.

والجواب عنه : اما عن أدلة الرجوع الى الكتاب في مقام التعارض وفي ردّ المخالف والاخذ بالموافق ، فبأن الأئمة عليهم‌السلام قد ذكروا قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانها هي التي نزل بها الروح الامين ، وقد ورد عنهم انه نحن نقرأ هكذا ، وبعد ان كان الكتاب نزل على قراءة واحدة لا غير وقد بينوها للناس ، فالمراد من الكتاب الذي هو المرجع

٢٤٩

ولو فرض جواز الاستدلال بها ، فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون الاصل في تعارض الامارات هو سقوطها عن الحجية في خصوص المؤدى ، بناء على اعتبارها من باب الطريقية ، والتخيير بينها بناء على السببية ، مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات من سائر الامارات (١) ، فلا بد من الرجوع حينئذ إلى الاصل أو العموم ، حسب

______________________________________________________

في مقام التعارض في الاخبار وفي مقام الرد والاخذ هو الكلام المنزل من الله دون الكلام الذي هو كلام القرّاء.

واما عن الاخبار الآمرة بالقراءة كما يقرأ الناس فغاية ما يستفاد منها هو جواز القراءة بالقراءات السبع وغيرها ، ولا ملازمة بين جواز القراءة بالقراءات وبين جواز الاستدلال بها ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ولا جواز الاستدلال بها» أي بالقراءات «وان نسب الى المشهور تواترها لكنه مما لا اصل له».

ولا يخفى انه بناء على تواترها فجواز الاستدلال بها مما لا اشكال فيه ولا يحتاج الى دليل يدل عليه ، وانما يحتاج الى ذلك حيث لا يكون هناك تواتر ، وقد عرفت انه لا تواتر ولم يثبت جواز الاستدلال بها ايضا ، وقد أشار الى عدم ثبوته بحصر ما ثبت عنهم عليهم‌السلام في جواز القراءة بالقراءات فقط ، وانه لا ملازمة بينه وبين جواز الاستدلال بها بقوله : «وانما الثابت جواز القراءة بها ولا ملازمة بينهما».

(١) هذه هي الجهة الثالثة ، ولا يخفى ان الكلام في هذه الجهة اما مبني على جواز الاستدلال بالقراءات او فيما اذا كانت الروايات الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام مختلفة في حكاية قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بناء على السببيّة أو الطريقية.

وعلى كل فحاصل الكلام في هذه الجهة الثالثة : انه بعد جواز الاستدلال بها وصحة التمسك بما دلت عليه فاذا اختلفت القراءات بحيث يستلزم الاختلاف فيها اختلاف الحكم كما في يطهرن ويطّهرن بالتخفيف والتشديد ، كما عرفت في صدر هذه المسألة ـ فهل يعامل معها معاملة المتعارضين في الروايات المتعارضة من كون

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

القاعدة الاولى هي السقوط في المدلول بناء على الطريقية والتخيير بناء على السببية ، والقاعدة الثانية هي التخيير مطلقا او التخيير بعد انتفاء ادلة الترجيح كما سيأتي تفصيله في باب التعارض؟

او يعامل معها معاملة المتعارضين في غير الروايات من ان القاعدة الاولى فيها هي السقوط في المدلول بناء على الطريقية والتخيير بناء على السببية لان هذه القاعدة مما تعم التعارض في الآيات ايضا؟ فان كلا من الآية والرواية لها ظهور يستلزم الحكم ، فكل منهما أمارة على كون مؤداه حكما ، وانما الاختلاف بينهما في الصدور فان الآية قطعية الصدور والرواية ظنية الصدور ، واما في الظهور فلا يختلفان فانه في كل منهما ظني لا قطعي ، والنتيجة تنبع اخس المقدمات ، فالحكم المستفاد من مؤدى كل منهما ظني لظنية الظهور فيها. فان قلنا بالطريقية وان المجعول هو الحجية او الحكم الطريقي الى الحكم الواقعي فالقاعدة تقتضي سقوط المتعارضين لتزاحمها في الحجية في مقام اثبات الحكم الواقعي او الحكم المماثل له. واما بناء على السببية وجعل الحكم النفسي على طبق مؤدى الامارة لمصلحة تقتضيه فالقاعدة تقتضي التخيير ، لان تركهما معا ترك المصلحة الملزمة قطعا للعلم بوجود المصلحتين معا في كليهما ، والتعارض يوجب عدم امكان الجمع بينهما فلا بد من الاخذ باحدهما تحصيلا لاحدى المصلحتين ، ولا يجوز تركهما لانه ترك للمصلحة الملزمة.

وبعبارة اخرى : انه في السببيّة الاخذ باحدهما مما يوجب العلم بادراك المصلحة ، بخلاف الطريقية فانه في الاخذ باحدهما لا نعلم بادراك المصلحة لامكان خطأ الطريق الذي أخذنا به ، مضافا الى احتمال خطأ هما معا في بعض المقامات ، وسيأتي التفصيل في باب التعارض إن شاء الله تعالى.

وعلى كل فالقاعدة الاولى هي التساقط في المؤدى بناء على الطريقية والتخيير بين المؤديين بناء على السببية.

٢٥١

اختلاف المقامات (١).

______________________________________________________

واما على القاعدة الثانية المستفادة من الاخبار الواردة في المتعارضين وهي التخيير مطلقا او بعد ملاحظة المرجحات والترجيح باحد المرجحات لو كان وإلّا فالتخيير ـ فهذه القاعدة مما لا تشمل الآيات بل تختص بخصوص الروايات المتعارضة ، لأن موردها سؤالا وجوابا مما يختص بالروايات دون الآيات ، كقوله يأتي عنكم الروايتان المتعارضتان فبأيهما اخذ ، وقوله في بعضها قد اختلف اصحابنا فيما رووا عنكم فيقول عليه‌السلام في بعضها : بأيهما اخذت من باب التسليم وسعك ، ويقول في بعضها الآخر خذ باعدلهما او اشهرهما الى آخر الحديث المشتمل على المرجحات ، وهذه الروايات ظاهرة في ان المسئول عنه هو تعارض الروايات ، وظاهر الجواب في قوله بايهما اخذت او خذ باعدلهما هو خصوص تعارض الروايات ايضا ، ولا عموم فيها ولا اطلاق يشمل تعارض الآيات ، ففي تعارض الآيات القاعدة الاولى هي المحكمة فقط ، وقد اشار الى كون القاعدة الاولى هي المرجع في تعارض الآيات بقوله : «فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون الاصل الى آخر كلامه». وقد اشار الى اختصاص القاعدة الثانية بالروايات بقوله : «مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات».

(١) لا شبهة في كون المرجع ـ أولا ـ بعد التعارض في الآيات هو العمومات والاطلاقات ، فان لم يكن عموم او اطلاق فحينئذ يرجع الى الاصول العملية ، فالرجوع الى الاصول متأخر عن الادلة اللفظية.

إلّا انه قد وقع الكلام في بعض المقامات في كون المرجع هو العموم او الاصل للاختلاف في الصغرى ، وانه لا عموم ولا اطلاق مما يشمل المورد كما في الخاص الخارج عن عموم العام في زمان معين ، فبعد انقضاء ذلك الزمن فهل المرجع هو عموم العام او استصحاب المخصص؟ مثل حرمة وطء الحائض في زمن النقاء بعد تعارض القراءتين وتساقطهما ، فهل يرجع فيه الى العموم الدال على جواز وطء

٢٥٢

فصل

قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام : فإن أحرز بالقطع وأن المفهوم منه جزما ـ بحسب متفاهم أهل العرف ـ هو ذا فلا كلام (١) ، وإلا

______________________________________________________

الزوجة او ان المرجع فيه هو استصحاب حرمة الوطء للحائض الخارجة عن العام في زمان الحيض قطعا؟ فمن يقول باستصحابها في حال النقاء يرى انه لا شمول للعام في هذا الزمن ، ومن يقول بجواز الوطء في حال النقاء يرى شمول العام لهذا الزمن ، وسيأتي تفصيله في باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

وعلى كل فسبب الخلاف هو النزاع في الصغرى وإلّا فمع تسليم شمول العام فلا يرجع الى الاصول العملية.

وعلى كل فان قلنا بان المرجع في المقام هو عموم العام فيجوز الوطء في مدة النقاء قبل الغسل ، وان قلنا بانه لا عموم للعام يشمل المقام فان قلنا بان الموضوع في الاستصحاب مبنيّ على الدقة فيكون الموضوع هو المرأة الحائض دون نفس المرأة ، وكذلك لو قلنا بان الموضوع في الاستصحاب هو لسان الدليل فان لسان الادلة هو الحائض وعلى هذين لا رجوع الى الاستصحاب والمرجع هي البراءة ، والنتيجة جواز الوطء ايضا ، وان قلنا بان الموضوع في الاستصحاب هو العرف وان الموضوع عندهم في المقام هي المرأة فيكون المرجع استصحاب الحرمة.

(١) قد عرفت فيما سبق ان بناء العقلاء قد استقر على التمسك بالظهور ، والمراد من الظهور هو قالبيّة اللفظ للمعنى بحسب المتفاهم العرفي سواء كان ذلك المعنى هو الموضوع له اللفظ لغة واستمر على ذلك ، او كان قد نقل الى معنى غير معناه الاصلي ولكنه كان بحيث لا يفهم منه عند اهل العرف الا المعنى الثاني ، واذا اريد به غير المعنى الثاني لا بد من وجود صارف يصرف اللفظ عن المعنى العرفي ، او كان دالا على المعنى الثاني لا للوضع بل لقرينة عامة توجب كونه قالبا للمعنى الثاني دون الاول ، كدلالة الامر عقيب الحظر على عدم الوجوب ، وكدلالة الامر في المعاملات

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

على الارشاد الى ترتب الاثر ، او كان لقرينة موجودة فعلا توجب ظهوره في معنى غير معناه الموضوع له.

والحاصل : ان المراد من الظهور هو قالبيّة اللفظ للمعنى بالفعل في متفاهم اهل العرف سواء كان لوضع اولي او ثانوي او لقرينة عامة او لقرينة خاصة ، والى هذا اشار بقوله : «ان المفهوم منه جزما بحسب متفاهم اهل العرف هو ذا» سواء كان للوضع الاولي او للوضع الثانوي او للقرينة العامة او للقرينة الخاصة.

وعلى كل فاذا قطعنا بان للفظ ظهورا في معنى بحسب المتفاهم العرفي ، وقطعنا ايضا بعدم صدور قرينة على خلافه كما لو علمنا بوضع لفظ لمعنى وعلمنا ايضا بان المتكلم لم ينصب قرينة على صرف هذا اللفظ عما هو ظاهر فيه فلا اشكال في لزوم العمل على طبقه ، وانما قيّدنا العلم بالوضع بالعلم بعدم نصب القرينة فيكون القسم الاول ـ وهو قوله فان احرز بالقطع ـ منحصرا في هذه الصورة ، لئلا يرد على هذا التقسيم بان المراد من الظهور المحرز بالقطع اما ان يكون هو الظهور الذاتي فلا تقع المقابلة بين هذا القسم الاول والقسم الثاني المنقسم الى الاقسام الثلاثة ، لان القسمين الاولين من القسم الثاني الظهور الذاتي فيهما ايضا محفوظ. نعم في القسم الثالث من القسم الثاني لا ظهور ذاتي.

وان كان المراد من الظهور المحرز بالقطع هو الظهور الفعلي فالمقابلة بين القسم الاول والثاني ليس بجميع اقسامه الثلاثة ، لان القسم الاول من القسم الثاني الظهور الفعلي ايضا فيه محفوظ فيما اذا كان الشك لاحتمال عدم وصول القرينة المنفصلة.

فاتضح انه لا تتم القسمة الّا بتقييد القسم الاول بما ذكرنا ، والى هذا اشار بقوله : «فان احرز بالقطع» الى قوله «فلا كلام» في لزوم الاخذ به وانه حجة عند العقلاء ولا مجرى لاصالة عدم القرينة بعد فرض العلم بعدم القرينة ، واذا احتملنا في هذا الفرض عدم ارادة المتكلم للظاهر فالمرجع اصالة الظهور.

٢٥٤

فإن كان لاجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الاصل عدمها (١) ، لكن الظاهر أنه معه يبنى على المعنى الذي لولاها كان اللفظ ظاهرا فيه ابتداء ، لا أنه يبنى عليه بعد البناء على عدمها ، كما لا يخفى (٢) ،

______________________________________________________

(١) قد عرفت انه اذا قطعنا بالظهور وقطعنا بعدم القرينة فالظهور حجة ، وان احتمال عدم ارادته منفي باصالة الظهور. واما مع عدم القطع فتارة : يكون الشك لاجل احتمال وجود قرينة قد صدرت من المتكلم ولكنها لم تصل الينا ، ولو وصلت الينا لكان للكلام ظهور آخر غير الظهور الفعلي ، فهذا الظهور الفعلي انما هو حيث تنفى القرينة وهو المسمى بالظهور اللولائي : أي الظهور الذي لو كانت القرينة واصلة لم يكن هذا الظهور الفعلي بموجود بل كان الظهور الفعلي غيره ، فلو قال المولى جئني بأسد واحتملنا وجود قرينة قد صدرت منه وهي مثل قوله يحمل سيفه ولكنها قد سقطت ولم تصل ، فان الشك ابتداء وان لم يكن في ظهور لفظ الأسد في الحيوان المفترس ، الّا انه لو كانت القرينة واصلة لا وجبت كون لفظ الأسد ظاهرا في الرجل الشجاع لا الحيوان المفترس ، فالشك في وجود القرينة يوجب الشك في ظهور لفظ الأسد في الحيوان وان لم يكن الشك في قالبية لفظ الأسد للحيوان ، فان لفظ الأسد انما يكون له ظهور في الحيوان حيث لا تكون القرينة فهو ظهور لو لا القرينة ، وقد انتهى الشك مع احتمال القرينة الى الشك في ظهور لفظ الأسد في الحيوان المفترس ، ولا اشكال عند العقلاء في البناء على عدم قدح هذا الاحتمال في الاخذ بالظاهر وحمل لفظ الأسد على الحيوان المفترس ، وهذا مراده بقوله : «فلا خلاف في ان الاصل عدمها».

(٢) قد عرفت انه لا اشكال في عدم قدح هذا الاحتمال والبناء على عدم القرينة ، ولكن الاشكال في ان عدم اعتنائهم بهذا الاحتمال هل هو لبنائهم على اصالة الظهور والاخذ بهذا الظهور اللولائي كما ذهب اليه المصنف؟ او لبنائهم على اصالة الحقيقة وبعد البناء عليها يتم الظهور عندهم وياخذون به كما يظهر من صاحب

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الفصول؟ او لبنائهم على اصالة عدم القرينة وان الاصول الوجودية عند العقلاء كلها ترجع الى الاصول العدمية كما يظهر من الشيخ الاعظم؟

وتوضيح الحال : ان لازم ما يراه صاحب الفصول وما يراه الشيخ ان عند العقلاء بناءين : بناء على الاخذ بالظاهر في مقام العمل ، وبناء آخر على نفي ما ينافي هذا الظاهر اذا شك في وجوده ، ويكون بناؤهم العملي متاخرا عن بنائهم على نفي احتمال وجود القرينة ، لوضوح كون العمل على طبق ما هو الظاهر انما يكون بعد البناء على عدم هذا الاحتمال.

واما على رأي المصنف فلا يكون للعقلاء بناءان بل بناء واحد ، وهو العمل على طبق الظهور حيث لا يصل كاشف اقوى منه ، وانه لا اثر عندهم للكاشف بوجوده الواقعي.

وبعبارة اخرى : ان الاثر عندهم انما هو لما يصل اليهم ، واما غير الواصل فلا اثر له عندهم حتى يحتاج الى بناء على رفعه ونفيه ، فالمنافي للظاهر بوجوده الواقعي لا قابلية له للمانعية حتى يحتاج الى بناء منهم على عدم تاثير هذا المانع.

وبعبارة اخرى : ان المانعية عندهم تلازم الوصول ، فالمنافي بوجوده الواقعي غير الواصل لا مانعية فيه حتى يحتاج الى عدمها بالبناء على عدم المانع ، والى هذا اشار بقوله : «لكن الظاهر انه معه» أي انه مع احتمال وجود القرينة وعدم وصولها «يبنى على المعنى الذي لولاها» أي لو لا القرينة «كان اللفظ ظاهرا فيه ابتداء» أي المرجع هو اصالة الظهور الذي هو ظهور بالفعل حيث لا قرينة ، ولو كانت القرينة واصلة لكان هناك ظهور آخر غيره ، فالمرجع لرفع هذا الاحتمال وعدم الاعتناء به هو اصالة الظهور «لا انه يبنى عليه» أي لا انه يبنى على التمسك بهذا الظهور «بعد البناء على عدمها» أي بعد البناء على عدم القرينة فان لازمه كون المرجع هو اصالة عدم القرينة.

٢٥٦

فافهم (١).

وإن كان لاحتمال قرينية الموجود فهو ، وإن لم يكن بخال عن الاشكال ـ بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد ـ إلا أن الظاهر

______________________________________________________

ومما ذكرنا يظهر ما في دعوى صاحب الفصول من دعوى اخذ العقلاء باصالة الحقيقة ، فان مرجعها الى دعوى التمسك بالظهور الذاتي ، ومن الواضح ان العقلاء يتمسكون بما هو اعم من الظهور الذاتي وهو كون اللفظ مفهما للمعنى بالفعل سواء كان موضوعا له اولا ، ولو لقرينة عامة او انصراف او غير ذلك.

(١) لعله إشارة الى ان المرجع في مقام العمل هو بناء العقلاء على الاخذ بالظهور ، وليس لهم بناءان كما عرفت إلّا ان كيفية الاحتجاج من العبد على مولاه تختلف.

فان المولى لو لم ينصب قرينة ولكنه كان قد اراد من هذا الظاهر خلاف ما هو ظاهر فيه ، فاذا قال لعبده لم أتيت بهذا الظاهر فاني لم ارده واقعا ، فان العبد يحتج عليه ببناء العقلاء على الاخذ بالظاهر حتى يصل ما هو اقوى منه دالا على خلافه.

واما اذا نصب قرينة ولم تصل فان مطالبة المولى لعبده لها كيفية اخرى ، فانه يقول لم أتيت بهذا الظاهر وقد نصبت قرينة على عدم ارادته ، وحينئذ يحتج العبد عليه بان الأصل عند العقلاء عدم القرينة حتى تصل ، ولكن ليس ذلك لبنائهم على عدم القرينة ، لما عرفت من انه ليس للعقلاء إلّا بناء واحد وهو الاخذ بالظاهر ، بل الاحتجاج على المولى بعدم القرينة من باب الاحتجاج بعدم قيام الحجة لا بالبناء على العدم.

ويمكن ان يكون اشارة الى ان المرجع بعد ما عرفت هو اصالة الظهور وانه ليس للعقلاء بناءان ، فهو كما ينفي كون المرجع هو اصالة عدم القرينة كما يراه الشيخ ، كذلك ينفي اصالة الحقيقة كما هو دعوى صاحب الفصول.

٢٥٧

أن يعامل معه معاملة المجمل (١) ، وإن كان لاجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا ، فالاصل يقتضي عدم حجية الظن فيه ، فإنه

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان الشك في الظهور ، تارة : يكون لاحتمال ارادة المولى خلافه ولم ينصب قرينة ، واخرى : يكون لاحتمال نصب قرينة ولم تصل ، ولا اشكال في هذين الفرضين ان البناء فيهما على الاخذ بالظهور عند العقلاء.

وثالثة يكون الشك في الظهور لاحتمال قرينية الموجود بان كان الكلام محتفا بمحتمل القرينية ، كالاستثناء المتعقب لجمل متعددة ، فيما اذا قلنا بان رجوعه الى الاخيرة من باب القدر المتيقن ، واما بالنسبة الى الجمل السابقة عليها فيحتمل رجوعه اليها فيكون الاستثناء بالنسبة اليها من مصاديق احتمال قرينية الموجود لا من مصاديق احتمال القرينة ، فهل يكون للجمل السابقة على الاخيرة ظهور في الاطلاق ام لا؟

وتوضيح الحال : ان بناء العقلاء على الاخذ بالظاهر : ان كان لاجل كشف الظاهر كشفا نوعيا عن معناه ، ففي مثل الشك لاحتمال قرينية الموجود لا يكون كشفا نوعيا ، لان الكاشف النوعي هو الكلام الدال على المعنى بمجموع ما يلحقه من قيد أو اضافة او قرينة ، والكلام المحتف بمحتمل القرينية لجواز كون ما لحقه قرينة لا يكون له بمجموعة كشف فعلي عن المعنى المراد به.

وبعبارة اخرى : ان بناء العقلاء على الاخذ بمعنى اللفظ الذي لم يحتف بما يمكن ان يكون قرينة على معنى غير المعنى الذي يكون اللفظ دالا عليه لو لا القرينة ، فالكلام المحتف بمحتمل القرينية ليس له ظهور فعلي عند العقلاء ، فلا ظهور بناء على هذا يؤخذ به.

وان كان بناء العقلاء على الاخذ بالظاهر لبنائهم على عدم وجود القرينة فلا يكون لهم بناء ايضا في مثل هذا على الاخذ بالظاهر اذ المفروض وجود ما يحتمل كونه قرينة.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وان كان بناؤهم على الاخذ بالظاهر لبنائهم على اصالة الحقيقة من باب التعبد ، ومعناه هو بناؤهم على الاخذ بالمعنى الحقيقي للفظ وان لم يكن له كشف نوعي بحسب العرف.

وبعبارة اخرى : ان للفظ دلالة ذاتية ودلالة فعلية ، والدلالة الذاتية هو ان للفظ معنى كان اللفظ بداته قالبا له ، والدلالة الفعلية هي كون ما له الدلالة بالذات دالا بالفعل عند العرف ، بمعنى انه عند العرف صالح لتفهم معناه بالفعل ، وقد عرفت ان الصالح لتفهيم المعنى بالفعل هو اللفظ المجرد عما يحتمل قرينيته.

وعلى كل فمعنى اصالة الحقيقة من باب التعبد هو دعوى ان العقلاء يأخذون بالدلالة الذاتية ويبنون على عدم ما ينافي هذه الدلالة ، إلّا ان يكون المنافي له ظهور في المنافاة ، وعلى هذا لا يكون السبب للاخذ بالظهور عند العقلاء هو صلوح اللفظ بالفعل لتفهيم المعنى ، بل يكون السبب مجهولا وغير معلوم ، وهذا معنى التعبد اذ ليس التعبد الا الأخذ بالشيء مع جهالة سببه كالاخذ بالاحكام الشرعية ، وحينئذ يكون محتمل القرينية كاحتمال وجود القرينة في عدم مصادمته لحجية الظهور ، والى هذا اشار بقوله : «فهو وان لم يكن بخال عن الاشكال بناء على حجية اصالة الحقيقة من باب التعبد» وحيث ان هذا المبنى الاخير غير صحيح لانا نرى العقلاء يعاملون مع الظاهر المحتف بمحتمل القرينية معاملة المجمل بالذات ، وهو الذي لا ظهور له بالذات ، وان المجمل عندهم سواء كان مجملا بالذات كلفظ المشترك الخالي عن القرينة المعينة او كان مجملا بالعرض كمثل الظاهر المحتف بمحتمل القرينية لا بناء منهم على الاخذ به مطلقا ، فيكشف ذلك ان بناء العقلاء هو اما للكشف النوعي أو لاصالة عدم القرينة ، وهما مفقودان في المقام فلا بناء منهم في المقام على الاخذ بهذا الظاهر.

ومما ذكرنا ظهر ان السبب لاخذ العقلاء ليس امرا مجهولا ، بل هو اما للكشف النوعي او لاصالة عدم القرينة ، فلا وجه لدعوى تعبد العقلاء بالتمسك باصالة

٢٥٩

ظن في أنه ظاهر ، ولا دليل إلا على حجية الظواهر (١).

نعم نسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الاوضاع (٢) ، واستدل لهم باتفاق العلماء بل العقلاء على ذلك ، حيث

______________________________________________________

الحقيقة ، فلذا قال : «إلّا ان الظاهر» من عمل العقلاء وهو «ان يعامل معه» أي ان يعامل مع الظاهر المحتف بمحتمل القرينية الذي هو مجمل بالعرض «معاملة المجمل» بالذات.

(١) قد عرفت ان موضوع الحجية هو اللفظ الظاهر في معناه ، وكل موضوع له حكم لا بد من احرازه اما بالقطع او بحجة تقوم على احرازه كاحراز الموضوعات بالبينة.

والفرق بين الشك في الظهور لاجل الشك فيما هو الموضوع له لغة ، وبين الشك في الظهور لاحتمال وجود القرينة او لاحتمال قرينية الموجود أن المفروض في هذا انه لا ظهور للفظ ، فهل الظن يوجب ان يكون له ظهور ام لا؟ وفي الشك لاجل احتمال وجود القرينة أو قرينية الموجود المفروض فيهما وجود الظهور ، ولكن الشك هل يكون مانعا عن التمسك به كما في الاول او يكون موجبا لاجماله عرضا كما في الثاني؟

وعلى كل فلما كان موضوع الحجية هو الظهور ، وان المفروض انه لا ظهور ولا بد من احراز الظهور الذي هو موضوع الحجية اما بالقطع او بالحجة ـ يتبين ان القاعدة تقتضي عدم ثبوت الظهور بالظن به لعدم حجية مطلق الظن وعدم الدليل على حجية خصوص الظن بالظهور ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فالاصل يقتضي عدم حجية الظن فيه فانه» غاية ما يستفاد منه انه «ظن في انه ظاهر ولا دليل الا على حجية الظواهر» المحرزة اما بالقطع او بما هو حجة ، وقد عرفت ان الظن ليس بحجة لا مطلقا ولا بالخصوص.

(٢) النزاع في المقام في ان قول اللغوي هل هو حجة بالخصوص في تعيين ما هو الموضوع له اللفظ فيكون اللفظ ظاهرا في معناه لوضوح ظهور اللفظ في المعنى

٢٦٠