بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

أو على الحكيم تعالى ، فلا حاجة معه في دعوى الوقوع إلى إثبات الامكان ، وبدونه لا فائدة في إثباته ، كما هو واضح (١).

______________________________________________________

ولمزيد التوضيح نقول : ان محل الكلام هو كون امكان التعبد بالامارات غير العلمية مشكوكا لاحتمال امتناع التعبد بها احتمالا مساويا ، ومن الامارات نفس السيرة المدعى قيامها في المقام على التعبد بالمشكوك امكانه وامتناعه ، فنفس هذه السيرة حيث انها من الامارات فإمكان التعبد بها كامتناع التعبد بها مشكوك ايضا ، ومن الواضح انه مع الشك في امكان التعبد بها وعدمه لا تكون هي بنفسها حجة على امكان التعبد ، لان لازم حجيتها على امكان التعبد هو التعبد بها الذي قد عرفت ان امكانه ايضا مشكوك لانها بعض الامارات غير العلمية المشكوك في امكان اعتبارها وامتناعه ، فكيف يمكن ان تكون السيرة حجة على امكان التعبد مع ان اللازم من حجيتها واعتبارها على امكان التعبد هو التعبد بها المشكوك في امكانه وامتناعه ، فكون السيرة حجة على الامكان يتوقف على تحقيق التعبد بها ، والمفروض ان امكان التعبد بها مشكوك فضلا عن كونه متحققا ، فحجيّة السيرة تتوقف على تحقق التعبد بها وهو غير متحقق ، لان المفروض ان امكان التعبد بها مشكوك فضلا عن تحققه ووقوعه ، والى هذا اشار بقوله : «فالكلام الآن في امكان التعبد بها وامتناعه فما ظنك به» أي بالتعبد.

(١) بعد ان منع وجه الاستدلال على الامكان بالاصل ذكر الوجه المرضي عنده دليلا على الامكان ، وحاصله : ان امكان وقوع الشيء لا يستلزم وقوعه ، ولكن وقوعه يستلزم امكانه ، لوضوح ان ما لا امكان لوقوعه لا يعقل ان يقع ، فاذا وقع فوقوعه اتمّ الادلة على امكانه. ولا يخفى ان المانع عن امكان الشيء اما لزوم المحال الذي لا يختلف الحال فيه بين الحكم وغيره ، كلزوم اجتماع الضدين او المثلين ، فان الحكيم وغيره متساويان في عدم امكان ان يريدا ويكرها شيئا واحدا في زمان واحد ، ولا يعقل ايضا ان يريدا الشيء الواحد بارادتين مستقلتين في زمان واحد ، فوقوع

١٦١

وقد انقدح بذلك ما في دعوى شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ من كون الامكان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلا (١) ، والامكان في

______________________________________________________

التعبد بالامارات غير العلمية دليل على انه لا يلزم من وقوع التعبد بها اجتماع ارادة وكراهة في شيء واحد في زمان واحد ، ولا ارادتين مستقلتين بشيء واحد في زمان واحد ، وفي هذا يستوى الحكيم وغيره.

واما ان يكون المانع عن وقوع التعبد هو لزوم ما يمتنع على الحكيم دون غيره كالالقاء في المفسدة ، فوقوع التعبد بها من الحكيم يدل على عدم استلزامه لذلك ايضا ، والى هذا اشار بقوله : «لكن دليل وقوع التعبد بها» أي بالامارات غير العلمية «من طرق اثبات امكانه» أي من طرق اثبات امكان التعبد لاستلزام الوقوع لامكان الوقوع «حيث يستكشف به» أي بالوقوع «عدم ترتب محال من تال باطل» كلزوم اجتماع الضدين او المثلين الذي لا يختلف فيه الحكيم وغيره «فيمتنع مطلقا» على الحكيم وغيره «او» مثل الالقاء بالمفسدة فيمتنع «على الحكيم تعالى» بالخصوص ، فالوقوع اتم دليل على الامكان ، ووقوع التعبد به من الحكيم دليل على انه لا محال ذاتي يترتب عليه كاجتماع الضدين او المثلين ، ولا محال عرضي وهو ما لا يقع من الحكيم كالالقاء في المفسدة ، لان الحكيم لا يعقل ان يقع منه ما يلزم منه المحال الذاتي ولا المحال العرضي بعد فرض كونه حكيما «فلا حاجة معه» أي مع الوقوع «في» مقام «دعوى الوقوع الى اثبات الامكان» اولا ثم الوقوع «وبدونه» أي وبدون الوقوع «لا فائدة في اثباته» أي في اثبات الامكان ، اذ اثبات الامكان لا يستلزم الوقوع ، بخلاف الوقوع فانه يستلزم الامكان اذ لا يقع ما لا امكان لوقوعه.

(١) أي ظهر مما ذكرنا الخلل في مسلك الشيخ (قدس‌سره) في الرسالة لاثبات الامكان الوقوعي بالاصل العقلائي «من كون الامكان عند العقلاء مع» الشك فيه ب «احتمال الامتناع اصلا» متبعا عندهم فيحمل ما شك في امكانه وامتناعه على

١٦٢

كلام الشيخ الرئيس كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان ، ما لم يذدك عنه واضح البرهان ، بمعنى الاحتمال المقابل للقطع والايقان (١) ، ومن الواضح أن لا موطن له إلا الوجدان ،

______________________________________________________

الامكان عندهم ، فيكون الاصل هو الدليل على امكان ما شك في امكانه وامتناعه ، وقد عرفت مما مر وجه الخلل فيه.

(١) قد عرفت مما مرّ : انه قد ذكروا كلمة الشيخ الرئيس مؤيدة لكون الاصل المتبع عند العقلاء هو البناء على امكان ما شك في امكانه وامتناعه ، وهو واضح اذا كان مراد الشيخ من الامكان في كلمته هو الامكان الذاتي او الوقوعي.

اما اذا كان مراد الشيخ من الامكان في كلمته هو الاحتمال المقابل لليقين فلا تكون مؤيدة للاصل المدعى ، والظاهر ان مراد الشيخ من الامكان في كلمته هو الاحتمال ، لوضوح ان امره بالايداع في بقعة الامكان لكل ما يطرق السمع من الغرائب لا تتم الكلية فيه إلّا بان يكون المراد منه هو الاحتمال ، لانه اذا طرق سمعنا دعوى امتناع ممتنع بالذات او وجود واجب وجود بالذات فقد حكم بايداعه في بقعة الامكان ، ومن الواضح عدم امكان ايداع الممتنع بالذات او الواجب بالذات في بقعة الامكان الذاتي أو الوقوعي ، لعدم معقولية كون الممتنع بالذات او الواجب بالذات ممكنا ذاتا او وقوعا.

اما اذا كان مراده من الامكان هو الاحتمال فلا مانع من اطراد الكليّة في كلامه ، لان المتحصل من كلامه على هذا انه اذا طرق السمع امتناع ممتنع بالذات او واجب الوجود بالذات فذروا هذه الدعوى في بقعة الاحتمال ، ولا تسارعوا الى انكارها قبل الفحص عما يثبت فسادها فيكون مانعا عن قبولها ويجب حينئذ طردها من بقعة الاحتمال ، والى هذا اشار بقوله : «الامكان في كلام الشيخ الرئيس بمعنى الاحتمال المقابل للقطع والايقان» لا الامكان الذاتي والوقوعي المقابل للوجوب والامتناع.

١٦٣

فهو المرجع فيه بلا بينة وبرهان. وكيف كان (١) ، فما قيل أو يمكن أن يقال في بيان

______________________________________________________

(١) حاصله : ان كلمة الشيخ الرئيس ليس المراد منها الاشارة الى ان الاصل المتبع عند العقلاء هو البناء على امكان ما شك في امكانه وامتناعه ، بل هي كلمة جرت منه على حسب ما كان حاصلا له في وجدانه ، بل في وجدان كل من سمع الامر الغريب ، فان من الوجدانيات لكل احد انه اذا سمع امرا غريبا يحصل له احتمال صحته وفساده ، وغرابته ربما تدعو اول وهلة الى الحكم بفساده ، ولكنه لا ينبغي له قبل الفحص عنه ان يرفع هذا الامر الغريب عن بقعة الاحتمال ، بل عليه ان يذره في بقعته حتى يرفعه عنها واضح البرهان. نعم لو سبق عنده قيام البرهان المانع لكان ذائدا له عن ايداعه في بقعة الاحتمال.

وقد تبين انه اذا كان المراد من الامكان في كلمة الرئيس هو الاحتمال المقابل للقطع والايقان دون الامكان المقابل للوجوب والامتناع ، فلا بد وان يكون الموطن والمحل له هو الوجدان المتحقق في افق النفس ، لانه هو الموطن والمحل للاحتمال المقابل للقطع والايقان ، بخلاف ما اذا كان المراد منه هو المقابل للوجوب والامتناع ، فان مقرّه هو العمل وترتيب الاثر الخارجي على المشكوك ، والى هذا اشار بقوله : «ومن الواضح» أي بعد ان كان المراد من الامكان في كلمة الرئيس هو الاحتمال المقابل للقطع والايقان يتضح «ان لا موطن له» أي لا موطن لهذا الامكان «الّا الوجدان» لان الوجدان هو موطن الاحتمال.

ولما كان ايضا ان من سماع الامر الغريب يحصل احتمال صحته وفساده في افق النفس بالوجدان ، والامور الوجدانية لا تتوقف على برهان يدل على تحققها بل تحققها يكون محسوسا بنفسه في افق النفس والوجدان قال (قدس‌سره) : «فهو المرجع فيه بلا بينه ولا برهان».

ويتضح ايضا من هذا انه اذا كان المراد من الامكان هو الاحتمال الذي موطنه الوجدان انه لا يعقل ان يكون النزاع في امكان التعبد بالامارات غير العلمية ـ بين

١٦٤

ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال ، أو الباطل ولو لم يكن بمحال (١)

______________________________________________________

المشهور وابن قبة (١) القائل بامتناعه ـ هو بمعنى الاحتمال ، لانه اولا : ان الامكان بمعنى الاحتمال ليس مقابلا للامتناع بل هو مقابل للقطع. وثانيا : ان الامكان بمعنى الاحتمال موطنه الوجدان ليس قابلا في بعض المقامات لاقامة البينة والبرهان ، بل يرجع الى الوجدان فيه فيرى ان التعبد بالامارات غير العلمية هل هو من المحتملات وجدانا في افق النفس أو من المقطوع بوقوعه او بعدمه ، والحال ان ابن قبة اقام البراهين على عدم امكان التعبد بالامارات غير العلمية.

(١) بعد ما عرفت ان محل النزاع في امكان التعبد بالامارات غير العلمية ليس هو بمعنى الاحتمال ، فيدور امره بين ان يكون المراد منه هو الامكان الذاتي الخاص الذي هو بمعنى سلب الضرورة عن طرفي الوجود والعدم.

او ان المراد منه هو الامكان الوقوعي بمعنى ما لا يلزم من وقوعه محال. وحيث ان النزاع في الامكان الذاتي بعيد جدا لوضوح عدم كون التعبد بالامارات من قبيل اجتماع النقيضين او الضدين ، مضافا الى ان صريح ابن قبة القائل بالامتناع هو انه يلزم من جعل التعبد بها المحال لا ان نفس جعل التعبد محال بذاته ، فيتعين ان يكون محل الكلام هو الامكان الوقوعي ، فلذا قال (قدس‌سره) : «فما قيل او يمكن ان يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال او الباطل» فالمحال او الباطل هو لازم جعل التعبد بغير العلم لا نفس جعل التعبد.

ولا يخفى ان المراد من الباطل اللازم لجعل التعبد بغير العلم هو ما لا يصح صدوره من الحكيم لا مطلقا ، فهو باطل من الحكيم وليس بمحال بالذات ولذا قال

__________________

(١) ابن قبة هو محمد بن عبد الرحمن بن قبة ابو جعفر الرازي المذكور في كتب الرجال ، وهو من علمائنا الاجلاء صاحب كتاب الانصاف في الامامة وغيره. (منه قدس‌سره)

١٦٥

أمور (١):

______________________________________________________

(قدس‌سره) : «او الباطل ولو لم يكن بمحال».

(١) لا يخفى ان الامور التي ذكرها المصنف ثلاثة ، فلقائل ان يقول : انه لما كان بصدد ذكر ما قيل او يمكن ان يقال كان عليه الاستيفاء ولا اقل لما قيل ، والحال انه اسقط احد دليلي ابن قبة وذكر احدهما وهو دليله الثاني ، ولم يذكر دليله الاول ، فان المحكي عن ابن قبة في امتناع التعبد بالخبر الواحد دليلان :

الاول : انه لو جاز التعبد بالخبر الواحد في الاخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجاز التعبد به في الاخبار عن الله تعالى ، والتالي باطل اجماعا ، ولم يذكره المصنف كما انه لم يذكر غير الامور الثلاثة مما يمكن ان يقال : كلزوم اجتماع النقيضين فيما اخطأت الامارة وكان لسانها عدم حكم من الاحكام وكان الحكم ثابتا في الواقع.

الّا انا نقول : ان الامور الثلاثة التي ذكرها المصنف هي المهم مما قيل او يمكن ان يقال.

ثم لعل وجه اسقاطه للدليل الاول من دليلي ابن قبة هو لكون محصله الاستدلال بالاجماع على امتناع التعبد بالخبر الواحد ، وقد عرفت ان محل الكلام هو امكان التعبد وامتناعه وهو من المسائل العقليّة ، ولا مساغ لدعوى الاجماع في المسائل العقلية. ولو سلمنا صحته في المسائل العقلية لكن المتحصل منه هو الاجماع على عدم وقوع التعبد بالخبر الواحد في الاخبار عن الله تعالى ، وهو ليس محل الكلام بل محل الكلام هو امكان الوقوع وامتناع الوقوع ، وعدم الوقوع لا يقتضي امتناع الوقوع.

مضافا الى انه اخص مما هو محل الكلام ، فانه في امكان التعبد بمطلق الامارات غير العلمية ، والامتناع لو سلم فانه في التعبد بالخبر الواحد بالخصوص وهو لا يستلزم امتناع التعبد بمطلق الامارات غير العلمية.

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الّا ان يدعى انه اذا ثبت امتناع التعبد في الخبر الواحد يثبت في غيره من الامارات غير العلمية بالأولوية القطعيّة ، ولذا قال الشيخ الاعظم (قدس‌سره) في رسائله : ويظهر من الدليل المحكي عن ابن قبة في استحالة العمل بالخبر الواحد عموم المنع لمطلق الظن ، وان كان الظاهر من عبارة الشيخ بعد ذكره للدليل الثاني من دليلي ابن قبة ان الدليل الذي يظهر منه عموم المنة في مطلق الامارات غير العلمية هو دليله الثاني ، لانه قال (قدس‌سره) الثاني أي من وجهي ابن قبة ان العمل به موجب لتحليل الحرام وتحريم الحلال ، اذ لا يؤمن ان يكون ما اخبر بحليته حراما وبالعكس انتهى كلام ابن قبة ، ثم قال الشيخ (قدس‌سره) : وهذا الوجه كما ترى جار في مطلق الظن بل في مطلق الامارة غير العلمية وان لم تفد الظن ، ولا بد ان يكون مراد الشيخ من الظن الذي لا تفيده الامارة هو الظن الشخصي ، او ان مراده من الامارة غير العلمية ما تشمل الاصول.

ولا يخفى ان الظاهر من قول الشيخ وهذا الوجه هو الاشارة الى هذا الوجه الثاني ، لانه لو اراد الاشارة الى كلا الوجهين لقال وهذان الوجهان كما ترى جاريان في مطلق الظن ، او لقال وهذا الذي ذكره كما ترى جار في مطلق الظن ، او امثال هذه التعابير الدالة على ما يشمل كلا الوجهين المحكيين عن ابن قبة.

واما اسقاطه للزوم اجتماع النقيضين من التعبد بالامارة فيما اذا اخطأت وكان لسانها عدم حكم من الاحكام اصلا فلعلّ الوجه في ذلك هو عدم شمول دليل التعبد بالامارة لمثل هذه الامارة التي لسانها عدم حكم من الاحكام ، لان لازم شمول التعبد لها هو خلو الواقعة عن الحكم ، وقد قام الاجماع على عدم خلو الواقعة عن الحكم.

١٦٧

أحدها : اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين مثلا فيما أصاب ، أو ضدين من إيجاب وتحريم (١) ومن إرادة

______________________________________________________

(١) حاصل هذا الامر الاول : انه يلزم من التعبد بالامارة اجتماع المثلين او التصويب لو اصابت الواقع ، واجتماع الضدين او التصويب لو اخطأت الامارة الواقع ، وانما يلزم ذلك لو قلنا ان التعبد بالامارة يستلزم كون مؤداها حكما ظاهريا اصابت او اخطأت.

وتوضيح هذا الاستلزام بان نقول :

ان التعبد بالامارة كقوله : صدّق العادل لازمه كون مؤداها حكما على كل حال ، فان التعبد بالامارة كما يحتاج الى جاعل يجعله للامارة يحتاج ايضا الى مجعول يتعلق به الجعل ، وليس في الامارة ما يصحّ ان يكون هو المتعلّق للجعل غير الحكم الذي أدّت اليه الامارة.

ومن الواضح ايضا ان التعبد بالامارة انما هو في مقام الشك بلون الحكم الواقعي الفعلي ، وانه هل هو الوجوب او الحرمة او الندب او الكراهة او الاباحة؟ اما جنس الحكم الواقعي فمعلوم ثبوته لما مرّ من عدم خلو واقعة عن حكم واقعي أصابه من اصابه وأخطأه من أخطأه ، فمتعلق الشك لونه ونوعه لا جنسه ، لان جنسه معلوم ولا يعقل ان يكون متعلق العلم هو متعلق الشك ، فمتعلق العلم هو ان للواقعة حكما ، ومتعلق الشك هو ان ذلك الحكم الفعلي هل هو الوجوب او الحرمة او الندب او الكراهة او الاباحة؟ وجعل التعبد بالامارة هو الشك في لون الحكم الفعلي الواقعي ، ولازمه عدم العلم به ، ولازم التعبد بالامارة هو جعل الحكم على طبق ما أدّت اليه ، فمؤدى الامارة حكم على كل حال ، فاذا قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة فمؤداها هو وجوب صلاة الجمعة ، فالوجوب هو الحكم المجعول على طبقها الذي استلزمه التعبد بها ، فاذا اصابت الواقع بان كانت صلاة الجمعة حكمها الواقعي ايضا هو الوجوب فلازم هذا أن يكون لصلاة الجمعة وجوبان : وجوب

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واقعي ، ووجوب ثان قد جاء من قبل جعل الحكم على طبق ما أدت اليه الامارة فيجتمع في صلاة الجمعة وجوبان وهو من اجتماع المثلين.

هذا اذا قلنا بوجود الحكم الواقعي وبقائه مستمرا الى الآخر ، كما هو مذهب المخطئة.

واما اذا قلنا بعدم وجود الحكم الواقعي وانه ليس هناك حكم الّا ما أدت اليه الامارة ، او قلنا بوجود الحكم الواقعي ابتداء ولكنه لا يبقى بل يضمحل بقيام الامارة كما هو مذهب بعض المصوّبة فلا يلزم اجتماع المثلين ، لعدم الحكم الواقعي اما من رأس بناء على التصويب بالمعنى الاول ، او اضمحلاله له وعدمه بعد قيام الامارة كما هو بناء على التصويب بالمعنى الثاني.

فاتضح ان بالتعبد بالامارة لازمه فيما اذا اصابت اما اجتماع المثلين او التصويب.

ولا يخفى ان اجتماع المثلين من المحالات الذاتية الباطلة بالذات لا بالعرض.

واما التصويب ، فبالمعنى الاول هو ايضا من المحالات الذاتية ، لان الامارة حيث ان لسانها كون مؤداها هو الحكم الواقعي فلازمها الظن بوجود الحكم الواقعي ، ولازم التصويب بالمعنى الاول القطع بعدم الحكم الواقعي من رأس ، وانه ليس هناك شيء الا ما أدت اليه الامارة من الحكم الظاهري ، فيلزم من قيام الامارة تحقق لازمها وهو الظن بوجود الحكم الواقعي في حال القطع بعدم وجوده ، ولا يعقل اجتماع الظن بوجود شيء والقطع بعدمه في حال واحد ، وهو من اجتماع الضدين بالنسبة الى القطع والظن ، وبملاحظة الوجود والعدم هو من اجتماع النقيضين وهما من المحالات الذاتية. وهناك محالات اخرى وهي ايضا من المحالات الذاتية يستلزمها التصويب بهذا المعنى الاول يأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى في باب الاجتهاد والتقليد.

واما التصويب بالمعنى الثاني فهو ليس من المحالات الذاتية الّا انه خلاف الاجماع المحقق على وجود الحكم الواقعي وبقائه مشتركا بين العالم والجاهل أصابه من أصابه

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

واخطأه من اخطأه ، وانه لكل واقعة حكم واقعي في كل حال من الاحوال ابتداء واستمرارا في حال العلم والجهل ، وسواء أصابت الامارة أو أخطأت ، وهو باق لا يضمحل ولا يزول.

والحاصل : انه يلزم من جعل التعبد بالامارة اذا أصابت الواقع اما اجتماع المثلين او التصويب.

واما اذا اخطأت الامارة الواقع بان قامت على وجوب صلاة الجمعة ، وكانت صلاة الجمعة في الواقع محرمة فاللازم من التعبد بالامارة اجتماع الوجوب للصلاة الآتي من قبل الحكم الظاهري على طبق مؤدى الامارة ، وحرمة الصلاة التي هي الحكم الواقعي للصلاة ، وهو من اجتماع الضدين ، هذا بناء على مذهب المخطئة القائلين بوجود الحكم الواقعي واستمراره الى الآخر. او التصويب بناء على رأي المصوّبة من عدم الحكم الواقعي او اضمحلاله عند قيام الامارة. والاول وهو اجتماع الضدين من المحالات الذاتية. والثاني وهو التصويب من المحالات الذاتية ايضا بناء على الرأي الاول فيه وهو عدم الحكم الواقعي من رأس ومما قام الاجماع على بطلانه بناء على الرأي الثاني فيه وهو اضمحلال الحكم الواقعي عند قيام الامارة ، وقد اشار (قدس‌سره) الى لزوم اجتماع المثلين من التعبد بغير العلم من الامارات فيما اذا اصاب المتعبّد به الواقع او الضدين فيما اذا اخطأ بقوله : «احدها اجتماع المثلين من ايجابين» كما اذا أدت الامارة الى وجوب الجمعة وكانت واجبة ايضا في الواقع «او تحريمين مثلا» كما اذا أدت الى حرمة الجمعة وكانت محرمة ايضا في الواقع هذا «فيما اصاب» ولا يخفى انه انما ذكر الضمير فيما اصاب لانه يعود الى التعبد بغير العلم.

واما فيما اذا اخطأ المتعبد به فقد اشار اليه «او ضدين من ايجاب وتحريم» وفي ذيل العبارة اشار الى ان هذا فيما اذا اخطأ وسننبّه عليه إن شاء الله تعالى.

١٧٠

وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين (١) بلا كسر وانكسار في البين (٢) فيما

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان اجتماع الوجوب والتحريم من اجتماع الضدين في الاحكام ، ولما كان الحكم الالزامي هو طلب الفعل لزوما او الترك كذلك ، وطلب الفعل ينشأ من ارادة المولى للفعل وطلب الترك ينشأ من كراهة المولى للفعل ، فالوجوب الذي هو طلب الفعل لا بد فيه من ارادة للفعل ، والحرمة التي هي طلب الترك لا بد فيها من كراهة للفعل ، فاجتماع الوجوب والحرمة في مورد واحد لازمه اجتماع الارادة والكراهة في ذلك المورد ايضا. ولما كانت ارادة الفعل ناشئة ايضا عن مصلحة في الفعل ملزمة ، وكراهة الفعل ناشئة عن مفسدة في الفعل ملزمة كان لازم اجتماع ارادة الفعل وكراهته اجتماع المصلحة الملزمة والمفسدة الملزمة في ذلك الفعل ايضا.

اذا عرفت هذا ـ تعرف انه اذا اخطأت الامارة : بان قامت على ايجاب ما كان حكمه الواقعي التحريم يلزم منه اجتماع الضدين في مقامات ثلاثة : في الحكمين وهما الايجاب والتحريم ، وفي الارادة والكراهة ، وفي المصلحة والمفسدة الملزمتين ، وكما ان الايجاب ضد التحريم فالارادة ضد الكراهة والمصلحة والملزمة ضد المفسدة الملزمة. وبعد ان اشار الى لزوم اجتماع الضدين في الايجاب والتحريم .. اشار الى لزوم اجتماع الضدين في الارادة والكراهة وفي المصلحة والمفسدة الملزمتين بقوله : «ومن ارادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين» وتقييد المصلحة والمفسدة بالملزمتين انما هو لان المصلحة والمفسدة غير الملزمتين ليسا من الضدين بل هما خلافان ولا مانع من اجتماع الخلافين.

(٢) وجه التقييد بعدم الكسر والانكسار في المصلحة والمفسدة واضح ، لانه اذا وقع بينهما كسر وانكسار فاما ان يتغلب احدهما فالغالب هو الموجود والمغلوب معدوم أو بحكم المعدوم ، واما ان لا يتغلب احدهما بعد الكسر والانكسار بان يكون كل واحد منهما كاسرا ومنكسرا ، ولازم ذلك انعدامهما معا او كونهما بحكم المعدومين. وحيث ان المفروض اجتماع الحكمين الظاهري والواقعي ولازمه بقاء المصلحة

١٧١

أخطأ (١) ، أو التصويب (٢) وأن لا يكون هناك غير مؤديات الامارات أحكام (٣).

ثانيها : طلب الضدين فيما إذا أخطأ وأدى إلى وجوب ضد الواجب (٤).

______________________________________________________

والمفسدة الملزمتين مؤثرتين ، ولازم ذلك عدم الكسر والانكسار بينهما ، والّا لاثر احدهما فقط وكان هو الموجود لا غير.

(١) قد عرفت ان اجتماع الضدين من الايجاب والتحريم انما هو فيما اذا أدت الامارة مثلا الى الايجاب وكان الحكم الواقعي هو التحريم او بالعكس وانما يكون هذا فيما اذا أخطات الامارة ، واما فيما اذا أصابت فلازمه اجتماع الايجابين او التحريمين وهما من اجتماع المثلين ، ولذا عقب اجتماع المثلين بقوله : «فيما أصاب» واجتماع الضدين بقوله : «فيما أخطأ».

(٢) لا يخفى انه هو احد المحتملين في كل من الفرضين : فرض الاصابة وفرض الخطأ ، ففي صورة الاصابة يلزم اما اجتماع المثلين او التصويب ، وفي صورة الخطأ يلزم اما اجتماع الضدين او التصويب كما عرفته مما مرّ.

(٣) ربما يقال ان ظاهر قوله : ان لا يكون هناك غير مؤديات الامارات احكام هو التصويب بالمعنى الاول ، وهو عدم الحكم الواقعي المشترك بين الجاهل والعالم من رأس ، لانه مع وجود الحكم الواقعي ابتداء واضمحلاله عند قيام الامارة كما هو معنى التصويب الثاني لا يصح ان يقال بنحو الاطلاق انه لا يكون هناك غير مؤديات الامارات احكام.

لكنه يمكن ان يقال : انه لا مانع من شمول عبارته لكلا المعنيين ، لانه بعد قيام الامارة على حكمها لا يكون هناك غيره في هذه الحال ، اما لعدم الحكم الواقعي من رأس او لاضمحلاله بقيام الامارة. والله العالم.

(٤) هذا هو المحذور الثاني اللازم من التعبد بغير العلم وهو لزوم طلب الضدين ، وانما يلزم بشرطين : الاول : ان تخطأ الامارة. الثاني : ان تؤدي الى وجوب ضد

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الواجب ، او تؤدي الى وجوب ضد المندوب الواقعي ، او تؤدي الى ندب ضد الواجب الواقعي ، او تؤدي الى ندب ضد المندوب الواقعي ، وفي غير هذه الاربعة لا يلزم من التعبد بغير العلم طلب الضدين كما سيتضح ، فما ذكره المصنف من أداء الامارة الى وجوب ضد الواجب هو من باب المثال بذكر احد المصاديق الذي يتحقق فيها طلب الضدين فيما اذا أخطأت الامارة.

وقبل الشروع في بيانه نقول : ان الفرق بين هذا المحذور والمحذور الاول وهو لزوم اجتماع المثلين فيما اصاب والضدين فيما اخطأ ان اجتماع المثلين والضدين في الحكمين لا بد فيه من كون المتعلق واحدا ، بان تؤدي الى وجوب الصلاة التي حكمها الواقعي هو الوجوب او تؤدي الى حرمة الصلاة التي حكمها الواقعي هو الوجوب ، فالمتعلق واحد وهو الصلاة ، وفي هذا المحذور لا بد في خطأ الامارة في المتعلق بان تؤدي الامارة الى الحكم الذي متعلقه غير متعلق الحكم الواقعي ، بان تؤدي الامارة الى وجوب الصلاة فعلا ، والحكم الواقعي هو وجوب الازالة في ذلك الوقت فورا.

فالفرق بين هذا المحذور والمحذور الاول هو وحدة المتعلق في الاول وتعدده في الثاني.

وهناك فرق آخر بينهما وهو ان الاول من المحالات الذاتية ، وهذا المحذور من المحالات العرضية ، لان امتناع طلب الضدين انما هو على الحكيم الذي لا يكلف بغير المقدور ، فهو من الامور الباطلة التي لا يمكن وقوعها من الشارع الحكيم ، لا من المحالات الذاتية التي لا يفرق فيها بين الشارع الحكيم وغيره من الموالي.

اذا عرفت هذا ـ نقول : ان تقييد هذا المحذور بكونه فيما اخطأت الامارة قد تبين مما ذكرنا من لزوم تعدد المتعلق ، بان تؤدي الأمارة الى حكم متعلقه غير المتعلق للحكم الواقعي ، فان لازمه خطأ الامارة. واما القيد الثاني وهو ان تؤدي الامارة الى وجوب ضد الواجب الواقعي او ندبه ، او ندب ضد المندوب الواقعي ، او وجوب ضد المندوب الواقعي. اما اذا أدت الامارة الى غير ذلك فلا يلزم طلب الضدين لانه لا يمتنع اجتماعهما للقدرة على امتثالهما معا ، لبداهة ان الامارة ـ مثلا ـ

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اذا أدت الى حرمة ضد الواجب لا يمتنع امتثالهما على المكلف ، كما إذا أدّت الامارة الى حرمة الصلاة ـ مثلا ـ وكان الحكم الواقعي هو وجوب الازالة في ذلك الوقت ، فان المكلف يستطيع ان يزيل وان يترك الصلاة في وقت واحد ، وكذا اذا أدت الامارة الى حرمة الضد وكان الحكم الواقعي هو الحرمة ايضا ، كما اذا أدت الامارة الى حرمة الصلاة في المسجد للجنب وكان الحكم الواقعي هو حرمة الازالة له ايضا في ذلك ، فان امكان امتثالهما واضح ايضا.

ومثله ما اذا أدت الامارة الى كراهة ضد الواجب الواقعي أو الى كراهة ضد الحرام الواقعي ، فان امكان امتثالهما بمكان من الامكان ، وكذا اذا أدت الى اباحة ضد الواجب الواقعي ، او ضد الحرام الواقعي ، او المندوب الواقعي ، او المكروه الواقعي ، فان عدم لزوم طلب الضدين فيما ذكرنا واضح جدا.

وانما يلزم من التعبد بغير العلم طلب الضدين في الفروض الاربعة المذكورة لا غير ، لوضوح انه اذا أدت الامارة الى وجوب ضد الواجب الواقعي فيكون هناك طلبان : طلب متعلقه الازالة مثلا ، وطلب متعلقه الصلاة ، ويلازم وجود كل واحد منهما عدم وجود الآخر فلا يمكن امتثالهما ، لفرض كون كل منهما ضدا للآخر يلازم وجوده عدم وجود الآخر ، فطلبهما معا طلب الضدين وهو ما يمتنع على الحكيم التكليف به.

ومثله ما اذا أدت الامارة الى وجوب ضد المندوب الواقعي ، او ندب ضد المندوب الواقعي ، او وجوب ضد المندوب الواقعي ، فانه يكون في الجميع طلبان قد تعلق كل واحد منهما بضد الآخر فلا يمكن امتثالهما.

١٧٤

ثالثها : تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة فيما أدى إلى عدم وجوب ما هو واجب ، أو عدم حرمة ما هو حرام ، وكونه محكوما بسائر الاحكام (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو المحذور الثالث ، وحاصله : انه يلزم من التعبد بغير العلم تفويت المصلحة الملزمة فيما اذا كان الحكم الواقعي هو الوجوب ومؤدى الامارة عدم الوجوب الجامع بين الاحكام الباقية سواء أدت الامارة الى الحرمة أو الكراهة او الندب او الاباحة ، فان لازم الجميع عدم الوجوب وان اختلفت في الالزام بالترك فيما اذا أدت الى الحرمة ، او ترجيح الترك في الكراهة او ترجيح الفعل في الندب او الاذن في الفعل والترك على الاباحة. ولما كان الحكم الواقعي هو الوجوب المنبعث عن مصلحة ملزمة ، فتأدية الامارة الى الالزام بالترك في الاول او الاذن في الترك اللازم من الثلاثة الأخر يستدعي تفويت المولى ـ بواسطة جعله للتعبد بغير العلم ـ للمصلحة الملزمة ، هذا اذا كان الحكم الواقعي هو الوجوب.

واما اذا كان الحكم الواقعي هو الحرمة فانه يلزم من التعبد بغير العلم ـ فيما اذا كان مؤدى الامارة عدم الحرمة الجامع بين الاحكام الباقية ما عدا الحرمة ـ الالقاء في المفسدة اللازم تركها سواء أدت الامارة الى الوجوب او احد الاحكام الثلاثة الأخر ، فانه فيما اذا أدت الى الوجوب يكون الزاما بالفعل المشتمل على المفسدة الملزمة ، وفي الثلاثة يكون إذنا منه في ارتكاب الفعل ذي المفسدة الملزمة.

ولا يخفى ان هذا المحذور الثالث ليس من المحالات الذاتية ، بل هو من الامور الباطلة التي يمتنع على الحكيم ارتكابها ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «ثالثها تفويت المصلحة» أي انه يلزم من التعبد بغير العلم تفويت المصلحة «او الالقاء في المفسدة».

اما تفويت المصلحة الملزمة فهو «فيما» اذا «أدى» التعبد بغير العلم «الى عدم وجوب ما هو واجب» واقعا.

١٧٥

والجواب : إن ما ادعي لزومه ، إما غير لازم ، أو غير باطل (١) ، وذلك لان التعبد بطريق غير علمي (٢) إنما هو بجعل

______________________________________________________

واما الالقاء في المفسدة فهو فيما اذا ادى التعبد بغير العلم الى عدم الحرمة واليه اشار بقوله : «او عدم حرمة ما هو حرام» واقعا وهو الجامع بين «كونه محكوما بسائر الاحكام» كما عرفت تفصيل ذلك.

(١) هذا اجمال ما ياتي ذكره تفصيلا ، فان هذه المحاذير الثلاثة التي ادعي استلزام التعبد بغير العلم لها بعضها لا يلزم من التعبد بغير العلم ، وبعضها لا مانع من استلزام التعبد له لانه لازم غير باطل ، ولذا قال : «ان ما ادعي لزومه» من التعبد بغير العلم «اما غير لازم» وهو اجتماع المثلين فيما اصاب ، او التصويب واجتماع الضدين أو التصويب فيما اخطأ وطلب الضدين فيما أخطأ ايضا ، فانه لا يلزم من التعبد بغير العلم ذلك «او» انه لا مانع من لزومه لانه «غير باطل» وهو تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة.

(٢) توضيحه يحتاج الى بيان امر ، وهو : ان مهمّ الاقوال في المجعول في الامارة ثلاثة :

الاول : مختاره (قدس‌سره) وهو كون المجعول فيها هو نفس الحجية ، وهي من الاحكام الوضعية كالشرطية والجزئية ، ويترتب عليها آثارها الاربعة : تنجيز التكليف الواقعي لو أصابته الامارة ، وصحة الاعتذار اذا اخطأت ، ومخالفتها تجريا ، وموافقتها انقيادا.

الثاني : كون المجعول فيها هو الحكم الطريقي وهو جعل الحكم على طبقها بعنوان انه هو الواقع ، وهو ما يظهر من الشيخ الاعظم في رسائله ، وسيأتي تقريبه عند تعرض المصنف له.

الثالث : كون المجعول فيها هو الحكم النفسي وهو المنسوب الى المشهور لظاهر قولهم : ان ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم ، وهو حكم واقعي ثانوي قد جعل للموضوع الذي قامت عليه الامارة بسبب قيامها عليه ، ولم يشر اليه المصنف بعنوان

١٧٦

حجيته (١) ، والحجية المجعولة غير مستتبعة لانشاء أحكام تكليفية بحسب ما أدى إليه الطريق ، بل إنما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب ،

______________________________________________________

كونه قولا ثالثا ، ولكنه يشير اليه في مقام الجواب عن اشكال المثلية والضدّية في ما قامت عليه بعض الاصول العملية ، لانه قائل فيها بجعل الحكم النفسي.

(١) بيانه ان معنى الحجية هو كون الشيء مما يصح ان يحتج به العبد على مولاه ، فانها من الحجة التي هي مستند المحتج في مقام احتجاجه ، وهذا المعنى موجود في القطع لا بجعل جاعل كما تقدم بيانه مفصّلا في المبحث الاول من مباحث القطع فان القاطع مما يصح له الاحتجاج بقطعه ، وللقطع حجيّة بذاته وليس لغيره هذه الحجيّة بالذات ، لان غيره ليس كالقطع مما ينكشف به متعلقه انكشافا تاما لا يشوبه احتمال الخلاف بل الانكشاف به انكشاف مشوب باحتمال الخلاف ، ومع كونه كذلك لا يصح للعبد الاحتجاج به على المولى في الاكتفاء باتيانه ، اذ مع احتماله الخلاف لا يقطع باتيان ما امره مولاه باتيانه ، فللمولى ان يجعل الحجية لما هو ليس حجة بذاته بان يعتبره مما يصح للمولى وللعبد الاحتجاج به ، وهو امر معقول يصح جعله واعتباره ويترتب عليه آثاره الاربعة ، فان جواب الامام عليه‌السلام للسائل الذي يسأله عن ما يرجع اليه حيث لا يمكنه ان يصل الى الامام ليحصل له العلم ، فيجيبه الامام عليه‌السلام مشيرا الى زرارة بقوله : (فعليك بهذا الجالس) (١) فان المتحصل من امره باتباع ما يقوله زرارة معناه اني قد اعتبرت خبره حجة كالعلم يصح لك التعويل عليه والاحتجاج به ، ومثله المتحصّل من صدّق العادل ، فان المراد من تصديق العادل ليس صرف الاذعان النفسي بخبره ، بل هو كون كلامه صدقا وواقعا ، وحيث انه لا يوجب العلم بالواقع وجدانا فلا بد من ان يكون المراد بذلك هو كون لكلامه ما للعلم من صحة التعويل عليه والاحتجاج به ، وأصرح من هذا كله تصريح بعض الاخبار بان قول العادل

__________________

(١) بحار الانوار ج ٢. عن الكشي ص ١٣٦.

١٧٧

وصحة الاعتذار به إذا أخطأ ، ولكون مخالفته وموافقته تجريا وانقيادا مع عدم إصابته ، كما هو شأن الحجة غير المجعولة ، فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين أو ضدّين ، ولا طلب الضدّين ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ولا الكراهة والارادة ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

حجة ، كقوله عليه‌السلام : (فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله) (١).

وعلى كل فجعل الحجية بنفسها امر معقول ، وحيث ان مهمّ العبد انما هو الحصول على ما يصح له الاحتجاج به عند مولاه ، فاذا عبّده المولى بالتعويل والرجوع الى طريق من الطرق فالمفهوم منه هو اعتبار ذلك الطريق حجة للعبد يرجع اليها ويستند لها ويعول عليها ، فجعل نفس الحجية ثبوتا واثباتا هو المتحصّل من جعل التعبد بغير العلم من الطرق. والله العالم.

(١) حاصله : انه اذا كان المجعول في الطرق غير العلمية هو نفس حجيتها يتضح الجواب عن المحذور الاول والثاني : من لزوم اجتماع المثلين او التصويب او الضدين أو التصويب ولزوم طلب الضدين ، فانهما انما يتوهم لزومهما فيما اذا كان المجعول في الطرق هو الحكم الظاهري على طبق ما أدت اليه ، لوضوح انه اذا كان المجعول نفس حجية الطرق من دون جعل الحكم الظاهري على طبقها فليس هناك غير الحكم الواقعي شيء اصلا ، فانه فيما اصابت الطرق كانت منجزة له ، ويكون هو المنجز تعبدا بواسطة هذه الحجة التي أدّت اليه ، وليس هناك حكم غير الحكم الواقعي حتى يلزم اجتماع المثلين أو التصويب ، وفيما اخطأت الطرق فهي معذرة عن الحكم الواقعي فقط وليس حكم غيره مضادا له حتى يلزم اجتماع الضدين او التصويب.

__________________

(١) كمال الدين ، ص ٤٨٤ تحقيق علي اكبر الغفاري.

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنه انقدح عدم لزوم المحذور الثاني ، وهو طلب الضدين فيما اخطأت الطرق وأدّت الى وجوب ضد الواجب مثلا ، لعدم وجود حكم آخر حتى يلزم منه طلب الضدين وهو واضح ، ولذا قال (قدس‌سره) : «والحجيّة المجعولة غير مستتبعة لانشاء احكام تكليفية الى آخر الجملة» حتى يتوهم لزوم المحذورين «بل» الحجية حيث تكون هي المجعولة «انما تكون» موجبة لترتيب آثارها عليها فهي «موجبة لتنجز التكليف» الواقعي «به» أي بالطريق غير العلمي «اذا اصاب» الطريق الواقع الى آخر عبارته المتضمنة لترتيب الآثار الثلاثة الأخر.

ثم اشار الى عدم اجتماع الحكمين بناء على جعل الحجية لعدم وجود حكم غير الحكم الواقعي بقوله : «كما هو شان الحجة غير المجعولة» أي ان شان جعل الحجية للطرق في عدم لزوم اجتماع الحكمين فيها كشأن الطرق غير المجعولة حجيتها ، فكما لا يلزم منها الاجتماع لعدم الحكم ، كذلك الطرق المجعولة حجيتها فانها لا حكم مجعول فيها حتى يلزم اجتماع الحكمين المتماثلين او المتضادين ولذا قال : «فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين او ضدين ولا طلب الضدين» وهو المحذور الثاني.

ثم اشار الى عدم لزوم اجتماع الضدين في المراتب السابقة على الحكم وهي مرتبة المصلحة والمفسدة والارادة والكراهة بقوله : «ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ولا الكراهة والارادة» لبداهة انه بعد ان لم يكن التعبد موجبا لجعل الحكم الظاهري في المتعلق الذي أدت اليه الامارة فلا مصلحة فيه ولا مفسدة فيه غير المصلحة والمفسدة المستتبعة للحكم الواقعي ، وكذا لا إرادة ولا كراهة للمتعلق غير الارادة والكراهة الموجبة لجعل الحكم الواقعي.

١٧٩

وأما تفويت مصلحة الواقع ، أو الالقاء في مفسدته فلا محذور فيه أصلا ، إذا كانت في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الالقاء (١).

______________________________________________________

(١) لما أجاب عن المحذور الاول والثاني بانه لا يستلزمهما جعل التعبّد للطرق غير العلمية وهو الذي اشار اليه اجمالا بقوله : «ان ما ادعي لزومه إما غير لازم» ـ اشار الى الجواب عن المحذور الثالث ، وهو استلزام جعل التعبد للطرق تفويت المصلحة الملزمة او الالقاء في المفسدة الملزمة ، وهو الذي اشار اليه اجمالا بقوله : «او غير باطل» واما الجواب عنه تفصيلا فاشار اليه «فلا محذور فيه الى آخره».

وتوضيحه : ان اصابة الطرق وعدم اصابتها بالنسبة الى القطع في اصابته وعدم اصابته فيها محتملات ثلاثة :

الاول : ان يكون الطريق والقطع متساويين في الاصابة وعدم الاصابة ، وعلى هذا لا مانع من جعل التعبّد بالطريق لان فوت المصلحة الملزمة والوقوع في المفسدة الملزمة متحققان على كل حال ، فلا مانع عقلا من جعل التعبّد بالطريق ، وهذا المقدار وان كان غير كاف في الجعل لوضوح ان الشيء يحتاج الى المقتضي ولا يكفي فيه محض عدم المانع ، الّا انه حيث كان الاشكال من ناحية وجود المانع كان الجواب عنه بكون هذا الاحتمال كافيا في دفع اشكال وجود المانع.

الثاني : ان تكون الطرق اكثر اصابة للواقع من القطع وهو احتمال غير بعيد ، لان الشارع قيّدها بما تكون الاصابة فيها اكثر من الطرق التي يلتمسها الناس في ما يحصل لهم القطع منها ، فانه كثيرا ما يحصل لهم القطع من اخبار من لا يوثق بخبره.

وعلى كل فعلى هذا الاحتمال لا مانع من جعل التعبد بالطرق ، بل اللازم على الشارع جعل الطرق لفرض كونها اكثر اصابة من القطع ، فيلزم على الشارع جعلها

١٨٠