بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

محتمل الوجوب لا علم للمكلف تفصيلا بانه هو الواجب ، والى هذا اشار بقوله : «غاية الامر انه لا تعيين له ولا تمييز فالاخلال انما يكون به» أي بقصد التمييز فقط.

والجواب عنه : ان احتمال لزوم قصد التمييز في العبادة ضعيف ، لانه وان كان لا يمكن ان يؤخذ في الامر ما ينشا من قبل الامر ، إلّا انه يمكن بيانه بامر آخر ، وانما قلنا بعدم الحاجة الى البيان في قصد الامتثال لارشاد العقل اليه ، والعقل لا يرى توقف الطاعة على قصد التمييز حتى يرشد اليه ، وحيث كان مما يغفل عنه عامة الناس فكان على الشارع بيانه ، لانه لو لم يبينه بأمر آخر للزم الاخلال بغرضه ، وحيث لم يبينه لعدم اثر منه في ما ورد من الشارع لذا يكون الاطلاق نافيا له ، واليه اشار بقوله : «واحتمال اعتباره ايضا في غاية الضعف لعدم عين منه ولا اثر في الاخبار الى آخر الجملة».

الثالث : كون التكرار لعبا وعبثا بامر المولى وهو مناف لقصد القربة ، بدعوى انه بعد ان كان مما يمكن ان يعلم به تفصيلا فالاعراض عن اتيانه معلوما بنحو التفصيل انما هو لداعي اللعب والعبث وهو مناف لقصد القربة.

والجواب عنه ، أولا : إنا لا نسلم ان التكرار لداعي اللعب والعبث ، بل كثيرا ما يكون التكرار اخف مئونة من الفحص حتى يحصل المعلوم بالتفصيل ، وعليه فيكون التكرار بداع عقلائي لا بداعي اللعب والعبث بامر المولى حتى يكون منافيا لقصد الطاعة ، والى هذا اشار بقوله : «فمع انه ربما يكون لداع عقلائي».

وثانيا : بعد التسليم للعب والعبث نقول لا يكون منافيا لقصد القربة لانه واقع في كيفية تحصيل اليقين ببراءة الذمة ، لا في اتيان كل واحد من المحتملين حتى يكون اتيانه اتيانا عبثيا منافيا لقصد القربة فيه.

وتوضيح ذلك : ان المفروض في المقام هو اتيان كل واحد من المحتملين بداعي احتمال وجوبه ، فكون اتيانه بمحض اللعب والعبث خلفا ، ومثله في لزوم الخلف هو اتيان كل من المحتملين بداعي احتمال الوجوب وبداعي اللعب والعبث معا ليحصل

١٤١

بالامتثال (١).

______________________________________________________

التشريك في العبادة المنافي لقصد القربة. فانحصر ان يكون اللعب والعبث ليس في اتيان كل واحد من المحتملين بل هو في كيفية تحصيل اليقين بالبراءة ، واذا كان متعلق اللعب والعبث ليس هو اتيان كل واحد من المحتملين فلا يكون منافيا لقصد القربة ، لعدم وقوع ما اتى به بقصد احتمال الوجوب بنحو اللعب والعبث حتى يكون منافيا لقصدها فيه ولم يقع اللعب والعبث بمتعلق الامر حتى ينافيها ، والى هذا اشار بقوله : «انما يضر» قصد اللعب «اذا كان» متعلقا بما تعلق به أمر المولى ، لانه حينئذ يكون «لعبا بامر المولى لا» فيما اذا كان متعلقه غير ما تعلق به امر المولى بان كان متعلقا «في كيفية اطاعته» لما عرفت من لزوم الخلف «بعد حصول الداعي اليها» لانه بعد فرض كون الداعي الى اتيان كل من المحتملين هو احتمال وجوبه فلا بد ان يكون ذلك لداعي حصول القربة واطاعة امر المولى ، فلا يكون متعلق قصد القربة هو متعلق اللعب والعبث ، فلا يعقل ان يكون منافيا لقصد القربة في اتيان كل من المحتملين بداعي احتمال وجوبه ، وينحصر ان يكون متعلق اللعب والعبث هو تحصيل اليقين في كيفية الاطاعة لا في ذات ما به الاطاعة.

(١) لا يخفى ان ما مر من الكلام في جواز الامتثال الاجمالي في قبال الامتثال التفصيلي هو فيما كان متمكنا من ان يمتثل تفصيلا ، اما بان يعرف التكليف تفصيلا فيمتثله تفصيلا او كان عالما بالتكليف تفصيلا ولكنه يجهل ما يحصل به الامتثال تفصيلا ويستطيع معرفته ايضا ، والاول كالتكليف المردد بين الاقل والاكثر وكان يمكنه ان يعرف تفصيلا ما هو المكلف به اما بالاجتهاد او بالتقليد.

والثاني ما اذا كان يستطيع ان يعرف الثوب الطاهر تفصيلا فيؤدي صلاته فيه.

وقد تقدم جواز الامتثال الاجمالي في المقامين سواء لزم منه التكرار ام لا وان كان متمكنا من الامتثال التفصيلي ، والى هذا اشار بقوله : «هذا كله في قبال ما اذا تمكن من القطع تفصيلا بالامتثال».

١٤٢

وأما إذا لم يتمكن الامن الظن به كذلك ، فلا إشكال في تقديمه على الامتثال الظني لو لم يقم دليل على اعتباره ، إلا فيما إذا لم يتمكن منه ، وأما لو قام على اعتباره مطلقا ، فلا إشكال في الاجتزاء بالظني (١) ،

______________________________________________________

ومنه يتضح انه لا اشكال فيما اذا كان لا يتمكن من القطع تفصيلا بالامتثال في لزوم الامتثال اجمالا ، لان شغل الذمة بالتكليف يقينا يستدعي البراءة منها يقينا ، وحيث كان اليقين بالبراءة متوقفا على الامتثال الاجمالي فلا شبهة في لزومه.

(١) لما فرغ من حكم الامتثال الاجمالي في قبال القطع التفصيلي بالامتثال شرع في بيان حكم الامتثال الاجمالي في قبال الظن بالامتثال.

ولا بد من تقديم امر توضيحا لذلك :

فنقول : ان التكليف : تارة يكون ثابتا بامارة خاصة معتبرة تدل عليه ، ولا يخفى انه كالتكليف الحاصل بالقطع في لزوم امتثاله والبراءة منه يقينا ، وهو على نحوين ايضا تارة يكون التكليف المتحصل من الامارة مرددا بين الاقل والاكثر.

واخرى يكون ما به يحصل امتثاله مرددا بين الواجد للشرط الذي يتم به الامتثال وبين الفاقد له.

وعلى كل منهما ففرض الكلام فيما اذا كان المكلف متمكنا من الامتثال التفصيلي بان يستطيع ان يعرف التكليف بخصوصه غير مردد بين الاقل والاكثر ، او يستطيع ان يعرف ما به يحصل الامتثال التفصيلي.

ومما ذكرنا في جواز الامتثال الاجمالي في التكليف المقطوع به سواء لزم التكرار أم لم يلزم ولو فيما كان متمكنا من القطع التفصيلي بالامتثال ـ يتضح حكم الامتثال الاجمالي في هذا الفرض ، اذ لا يعقل ان يزيد حكم امتثال التكليف الثابت بامارة معتبرة على التكليف الثابت بالقطع.

وانه لا اشكال في لزوم تقديم الامتثال الاجمالي على الامتثال التفصيلي الظني فيما اذا كان متمكنا من الامتثال الظني تفصيلا ، لما اشرنا اليه من كون شغل الذمة

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، وحيث كان الفراغ اليقيني يتوقف على الامتثال الاجمالي كان الامتثال الاجمالي لازما ومتقدما على الظن التفصيلي بالامتثال. والى هذا اشار بقوله : «واما اذا لم يتمكن» أي اذا لم يتمكن من القطع التفصيلي بالامتثال وكان متمكنا من «الظن به كذلك» أي كان متمكنا من الظن بالامتثال تفصيلا فقط ففي مثل هذا الفرض «لا اشكال في تقديمه» أي في تقديم الامتثال الاجمالي «على الامتثال الظني» التفصيلي لان شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وهو متوقف على الامتثال الاجمالي.

ولكنه لا يخفى ان لزوم تقديم الامتثال الاجمالي على الظن التفصيلي بالامتثال انما هو فيما اذا كان متمكنا من الامتثال الاجمالي.

واما اذا كان المكلف لا يتمكن من الامتثال الاجمالي بان كان لا يتمكن الا من الامتثال الظني التفصيلي فالاجماع وقاعدة الميسور تقتضيان التنزل من الامتثال الاجمالي الى الامتثال الظني ، والى هذا اشار بقوله : «لو لم يقم دليل على اعتباره» أي ان تقديم الامتثال الاجمالي على الامتثال الظني انما يلزم حيث لم يقم دليل على اعتبار الامتثال الظني ، فضمير اعتباره يرجع الى الامتثال الظني ، فانه فيما لم يقم دليل بالخصوص على اعتبار الامتثال الظني يكون اعتبار الامتثال الظني منحصرا فيما اذا لم يتمكن من الامتثال الاجمالي ، واليه اشار بقوله : «الا فيما اذا لم يتمكن منه» أي من الامتثال الاجمالي ، فانه حينئذ وان لم يقم دليل بالخصوص على اعتبار الامتثال الظني إلّا ان قاعدة الميسور او الاجماع تقتضي التنزل اليه ، لوضوح ان ما لا يدرك كله لا يترك كله ، فضمير منه يرجع الى الامتثال الاجمالي.

واما اذا قام دليل بالخصوص على اعتبار الامتثال الظني مطلقا ولو مع التمكن من الامتثال الاجمالي فلا اشكال في جواز الاكتفاء بالامتثال الظني ، والى هذا اشار بقوله : «واما لو قام على اعتباره مطلقا» أي ولو مع التمكن من الامتثال الاجمالي «فلا اشكال في الاجتزاء ب» الامتثال «الظني».

١٤٤

كما لا إشكال في الاجتزاء بالامتثال الاجمالي في قبال الظني ، بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد ، بناء على أن يكون من مقدماته عدم وجوب الاحتياط ، وأما لو كان من مقدماته بطلانه لاستلزامه العسر المخل بالنظام ، أو لانه ليس من وجوه الطاعة والعبادة ، بل هو نحو لعب

______________________________________________________

لا يقال : انه مع قيام الدليل المعتبر على التكليف بالخصوص فالاكتفاء بالامتثال الظني من الشارع مطلقا ولو مع التمكن من الامتثال الاجمالي لازمه الاذن في ترك الموافقة القطعية الذي لازمه جواز المخالفة الاحتمالية ، وقد عرفت انه كالاذن في الترخيص المستلزم للمخالفة القطعية من حيث القبح المحال على الشارع الحكيم ، ومن جهة ان احتمال المحال كالقطع بالمحال ، لان استلزام تنجيز التكليف الواجب اللازم استيفاؤه ينافيه الاكتفاء بالامتثال الظني المستلزم لعدم لزوم الاستيفاء ، لاحتمال كون المتروك هو الواجب.

فانه يقال : ان الدليل القائم على الاجتزاء بالامتثال الظني مع التمكن من الامتثال القطعي الاجمالي لا اشكال فيه فيما اذا كان ذلك مع احتمال تبدل الموضوع كعروض الشك.

واما مع عدم احتمال تبدل الموضوع بان قام الدليل على الاجتزاء بالامتثال الظني ابتداء ، فانه ايضا لا اشكال فيه لامكان عروض مصلحة في الاكتفاء بالامتثال الظني تعادل المصلحة المحتمل فواتها بترك الاستيفاء ، وسيأتي ان شاء الله تعالى قريبا في مبحث الامارات التعرض لما به يرتفع الاشكال بجميع صوره.

ولا يخفى ان لازم قيام الدليل على الاجتزاء بالامتثال الظني هو عدم انحصار الامتثال بالامتثال الاجمالي الذي تقتضيه قاعدة الشغل ، وعليه فيكون المكلف موسعا عليه ان يمتثل بالقطع الاجمالي وان يكتفي بالامتثال الظني ، والى هذا اشار «ب» لفظ «الاجتزاء» فان لازم الاجتزاء بالظني هو كفاية الامتثال به لا انحصار الامتثال به كي لا يجوز للمكلف الامتثال بنحو القطع الاجمالي بالامتثال.

١٤٥

وعبث بأمر المولى فيما إذا كان بالتكرار ، كما توهم ، فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك.

وعليه : فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد ، وإن احتاط فيها ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان امتثال التكليف كما يكون بالقطع وبقيام دليل معتبر عليه بالخصوص ، كذلك يمكن ان يكون بالظن الانسدادي.

ولا يخفى من مقدمات دليل الانسداد عدم الاحتياط ، فان كان الدليل على عدم الاحتياط الاجماع القائم على عدم وجوبه وان كان الامتثال الاجمالي ممكنا ولا مانع منه فلازم ذلك هو الاكتفاء من الشارع بالامتثال الظني ، فيكون حاله حال الدليل الخاص القائم على الاجتزاء بالامتثال الظني ، وقد عرفت ان لازمه الاكتفاء به لا انحصار الامتثال به وعدم صحة الامتثال الاجمالي.

وان كان الدليل على عدم الاحتياط استلزامه العسر المخل بالنظام فلازمه بطلان الاحتياط ، لوضوح مبغوضية ما يستلزم الاخلال بالنظام للشارع ، واذا كان الاحتياط باطلا ومبغوضا فلا تتأتى معه نية القربة اللازمة في العباديات ، وعليه فينحصر الامتثال بالامتثال الظني.

والحاصل : انه ان قلنا ببطلان الاحتياط كما لو كان من مقدمات دليل الانسداد بطلانه ، او قلنا ببطلان الاحتياط لانه لعب وعبث بامر المولى كما هو احد الوجوه المتقدمة لبطلان الاحتياط ـ فلا بد من انحصار الامتثال بالامتثال الظني ، ولازم الانحصار به بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد ومتخذا سبيل الاحتياط في امتثال تكاليفه.

وقد اشار الى جميع ما ذكرنا ، لانه اشار الى الاجتزاء بالظني دون انحصار الامتثال به ، بان يكون المكلف موسعا عليه ان يجتزئ بالامتثال الاجمالي وان تجتزئ بالامتثال الظني بقوله : «كما لا اشكال في الاجتزاء بالامتثال الاجمالي في قبال

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الظني» فيما اذا كان ثبوت التكاليف «بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء على ان يكون من مقدماته عدم وجوب الاحتياط» لا بطلانه.

واشار الى انه لو كان الاحتياط باطلا لكون بطلانه من مقدمات دليل الانسداد ، أو قلنا بانه لعب وعبث بامر المولى فالمتعين حينئذ هو الامتثال الظني بقوله : «واما لو كان من مقدماته بطلانه الى آخر الجملة».

واشار الى ان لازم بطلان الاحتياط بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد بقوله : «وعليه فلا مناص الى آخر الجملة».

ثم لا يخفى انه يكفي في بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد احتماله لبطلان طريقة الاحتياط ، لوضوح منافاة احتمال بطلان الاحتياط ومبغوضيته لنية القربة اللازمة في العبادات.

تنبيه : انه قد اشرنا في اول هذه المسألة انه قد ذكر لبطلان الاحتياط والامتثال القطعي الاجمالي مع امكان الامتثال التفصيلي وجوه ، ذكر المصنف ثلاثة منها وبقى من وجوه بطلانه وجهان لم يشر اليهما المصنف ، فلا بأس بالاشارة اليهما تتميما للفائدة :

الاول : المنسوب الى آية الله الكبرى المقدس الثاني المرحوم ميرزا محمد تقي الشيرازي (طاب ثراه) وهو الاستدلال على البطلان بخبرين : احدهما صحيح ابراهيم الخزاز عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، ورد فيه ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالظني. ثانيهما : خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام في كتابه الى المأمون ، فقد ورد فيه ايضا صيام شهر رمضان فريضة يصام للرؤية ويفطر للرؤية.

ووجه الاستدلال بهما ان ظاهرهما لزوم امتثال شهر رمضان بالامتثال التفصيلي وان ذلك لكون شهر رمضان فريضة وكل فريضة لا تؤدى بالظن.

فالمتحصل منهما ان كل فريضة لا تؤدى بالظن ، وانه لو تمت دلالتهما لدلا على بطلان الاحتياط مطلقا سواء لزم منه التكرار ام لا.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه اولا : انه لو تمت دلالتهما لما دلا على بطلان الاحتياط فيما لا يلزم منه التكرار ، لان غاية ما يدلان عليه هو لزوم العلم بانطباق المامور به على المأتي به ، بان يكون المكلف عالما بان ما ياتي به فريضة.

ومن الواضح ان المكلف الآتي بالمركب المردد بين الاقل والاكثر في ضمن الاكثر يعلم قطعا بانه ما اتى به هو الفريضة قطعا ، نعم فيما لزم منه التكرار لا يكون عالما بان كل واحد من المشتبهين فريضة.

وثانيا : ان الخبرين واردان في صوم يوم الشك المردد بين كونه من شعبان او رمضان ، وصيامه يكون بنحوين : الاول بنية كونه من رمضان. الثاني بنية احتمال كونه منه والقدر المتيقن منهما هو المنع عن صومه بنحو ان يكون من رمضان ، لتوقف تنجز الحكم على تحقق موضوعه ، وحيث ان المفروض الشك في تحققه فلا يصح صومه بعنوان كونه من الفريضة ، ومثله كل فريضة لا يعلم بتحقق موضوعها ، فانه لا يصح اتيان المشكوك انه منها بعنوان كونه منها لكونه من التشريع ، واما اتيان المشكوك بعنوان احتمال انه منها فلا دلالة للخبرين على المنع منه ، وهو ليس من التشريع قطعا.

وبعبارة اخرى : ان شهر رمضان حيث انه عبارة عن اوامر متعددة بتعدد الايام فيه ، ولكل واحد منها امر غير الامر بالآخر ، والمشكوك لو كان واقعا من رمضان لكان له امر يخصه ، فلا يقاس على المنع عنه المنع عن امتثال الامر المتعلق بمركب معلوم تفصيلا ، ولكن تردد امتثاله في فردين.

وهناك احتمالات أخر توجب اجمال الخبرين وعدم ظهورهما في المنع عما هو مفروض الكلام اعرضنا عنها حذرا من التطويل.

الثاني : من الوجهين ما ذكر في تقريرات شيخ المحققين وعلم المدققين المنتهى اليه رئاسة العلم والتحقيق والذوق المرحوم النائيني (طاب مرقده).

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وملخصه : انه جعل للاطاعة مراتب طولية اربع لا تصح الثانية مع امكان الاولى ولا تصح الثالثة مع امكان الثانية ولا تصح الرابعة مع امكان الثالثة.

المرتبة الاولى مرتبة الامتثال القطعي التفصيلي. والمرتبة الثانية مرتبة الامتثال القطعي الاجمالي. والمرتبة الثالثة مرتبة الامتثال الظني. والمرتبة الرابعة مرتبة الامتثال الاحتمالي.

ولا ريب في عدم صحة الاكتفاء بالمرتبة الثالثة والرابعة مع امكان الاولى والثانية ، واما عدم صحة الثانية مع امكان الاولى فالوجه عنده فيه هو حكم العقل ، بانه لا بد وان يتحرك المكلف في مقام اطاعة الامر عن نفس الامر ، بان يكون منبعثا عن نفس بعث المولى بحيث يكون الداعي والمحرك له نحو العمل هو تعلق الامر به وانطباقه على المامور به ، وهذا مفقود في الامتثال الاجمالي ، فان الداعي للمكلف نحو كل واحد من فردي الترديد هو احتمال انطباق متعلق الامر عليه ، فهو منبعث عن احتمال الامر لا عن نفس الامر ، ومن الواضح انه اذا كانت المراتب عند العقل متعددة طولية فهو لا يرى حسن الاطاعة بالمرتبة المتأخرة مع امكان المرتبة التي تتقدمها ، فلا يكون الامتثال الاجمالي حسنا عند العقل الا عند عدم امكان الامتثال التفصيلي ، واما مع امكان الامتثال التفصيلي فلا يكون الامتثال الاجمالي حسنا ، ومن الواضح ان المحكم في باب حسن الاطاعة هو العقل ، ولذا لا يكون الامتثال الظني حسنا عند العقل مع امكان الامتثال الاجمالي ، وانما يكون حسنا عنده حيث لا يمكن الامتثال الاجمالي ، وكذلك الامتثال الاحتمالي مع امكان الامتثال الظني ، ومن الواضح ان الامر في هذه المراتب ليس كنية الوجه والتمييز مما يشك في دخولها في الغرض حتى تنفى بالاطلاق ولو بعدم الامر الثاني ، اذ من الممكن الدلالة على اعتبارهما بامر آخر اذا قلنا بعدم امكان اخذهما في الامر الاول ، لان ارتباط المراتب بكيفية الاطاعة لا في دخولها في الغرض.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه اولا : ان حكم العقل بقبح شيء او حسنه ليس من التعبديات ، ولا بد ان يكون السبب في حكمه بالحسن او القبح واضحا لديه ، والسبب في حكمه بعدم حسن الامتثال الظني مع امكان المرتبتين الاوليين هو عدم حصول القطع بالفراغ اليقيني ، وليس هذا بمتحقق في الامتثال الاجمالي القطعي للقطع بحصول متعلق الامر قطعا ، فلا وجه لعدم حكم العقل بحسنه من هذه الناحية ، نعم لو كان من المحتمل عنده دخالته في الغرض لكان حكمه بعدم حسنه الا بعد نفيه بالاطلاق.

وثانيا : ان تحرك المكلف عن الامر انما هو تحركه عن صورة الامر الموجودة في ذهن المكلف ، وليس تحركه الى الامتثال هو عن نفس الامر الموجود بوجوده الخارجي ، واذا كان المكلف دائما تحركه انما هو عن صورة الامر ، فيكون تحركه الى الفرد المحتمل انما هو عن ارادة امتثال تلك الصورة التي هي المحركة في الامتثال التفصيلي ، ولا تعلق لانطباق تلك الصورة على الماتي به تارة وعدم انطباقها عليه اخرى في كونها هي المحركة دائما ، فان تلك الصورة هي المحركة وان لم تنطبق على الماتي به. نعم لو كان المحرك له هو الامر بوجوده الخارجي لكان المكلف متحركا عنه في مورد الامتثال التفصيلي وغير متحرك عنه في مورد الامتثال الاجمالي بالنسبة الى احد فردي الترديد ، ولكنه ظاهر البطلان وإلّا لانقلب العالم الخارجي الى العالم النفسي ، وتقابل العوالم من الواضحات.

وقد ظهر مما ذكرنا ان صورة الامر التي في افق نفس المكلف هي الداعي للاتيان ، وهذه الصورة حيث كانت محتملة الانطباق على كل واحد من فردي الترديد ، فالنسبة الى الفرد الذي كان الامر الواقعي فيه يكون هو مطابقها حقيقة وهو اطاعة حقيقية ، وبالنسبة الى الفرد الآخر يكون انقيادا.

فالآتي بكلا المحتملين يكون منبعثا عن الامر الشخصي الخارجي بصورته الحاصلة في نفس المكلف.

١٥٠

هذا بعض الكلام في القطع مما يناسب المقام ، ويأتي بعضه الآخر في مبحث البراءة والاشتغال ، فيقع المقام فيما هو المهم من عقد هذا المقصد ، وهو بيان ما قيل باعتباره من الامارات ، أو صح أن يقال.

وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور :

أحدها : إنه لا ريب في أن الامارة غير العلمية ، ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية ، بل مطلقا (١) ، وأن

______________________________________________________

وثالثا : ان احتمال لزوم الامر الانبعاث عن الامر التفصيلي ، اما لاحتمال دخالته في الغرض كقصد القربة وقصد الوجه أولا ، فان كان لاحتمال دخالته في الغرض فهو وان كان مما لا يمكن اخذه في نفس الامر الواحد ، إلّا انه يمكن بيان دخالته بامرين ، وهو ايضا مما تغفل عنه العامة كقصد الوجه ، فعلى الشارع بيانه لو كان مما له دخل في ترتب الغرض.

وان كان احتمال دخالته لا لدخوله في ترتب الغرض ، فبعد الاتيان بالمحتملين يحصل الغرض فلا مناص من سقوط اعتباره ، هذا اولا.

وثانيا ان احتمال دخالته مع عدم دخوله في الغرض لا وجه له اصلا ، وليس للعقل الّا ان يلزم بما به يحصل الفراغ اليقيني.

(١) حاصل هذا الامر هو اثبات ان الظن ليس كالقطع في عليته للحجية على ثبوت ما قام عليه ، وذلك لكونه ليس هو انكشافا تاما لما تعلق به ، لان احد طرفيه احتمال العدم ، فلا يكون ما قام عليه الظن واصلا تام الوصول ، وحيث كان احد طرفيه ارجح من الطرف الآخر كان مما يمكن ان يجعل طريقا ، بان يجعل له الحجية ويعتبره حجة منجزا لو اصاب وعذرا لو اخطأ ، فالظن من حيث ذاته ليس فيه ضرورة تقتضي الحجية ولا عدم الحجية ، فنسبة الحجية اليه نسبة الامكان الخاص وهو سلب الضرورة عن الطرفين.

١٥١

ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا ، بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة (١) ، وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون

______________________________________________________

ومما ذكرنا ظهر انه كما انه ليس علة تامة للحجية ليس فيه الاقتضاء لها ايضا ، بمعنى انه يؤثر الحجية لو لا المانع ، لوضوح ان الحجية للطريق بما هو طريق لا تكون الابان يكون موصلا بالفعل ، وحيث ان الظن مشوبا باحتمال الخلاف فبما هو ظن لا اقتضاء فيه بالذات للايصال التام ، لان احتمال عدم الوصول من مقومات ذات الظن ، وقد اشار الى ان الامارة كالظن ليست علة تامة للحجيّة بقوله : «انه لا ريب في ان الامارة غير العلمية ليس كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية» التامة ، فليست الامارة غير العلمية كالقطع لها العلية التامة للحجية ، واشار الى عدم اقتضائها بنحو تؤثر الحجية لو لا المانع بقوله : «بل مطلقا».

(١) لما تبيّن ان ليست الامارة علة تامة للحجية وليس لها اقتضاء لها ايضا ، وحيث ان للامارة كشفا ناقصا لرجحان احد الطرفين فيها على الآخر ـ بخلاف الشك فانه مما يتساوى فيه الطرفان ـ كانت قابلة لثبوت الحجية لها بجعل من الشارع او من العقل.

ولا يخفى ان حجية الامارات غير العلميّة شرعا يتبع فيه دلالة الدليل على حجيتها ، فربما يكون دالا على حجية الامارة مطلقا ولو مع امكان تحصيل الواقع بالعلم ، كالمستفاد من بعض ادلة حجية خبر العادل ، فانها تدل على حجيّته وان امكن تحصيل الواقع بالعلم.

واما حجيتها عقلا ، بان تكون حجة عند العقل منجزة لو أصابت ومعذرة لو أخطأت فهو مشروط بمقدمات لا بد من تحققها وطروء حالات لا بد من ثبوتها ، وعند تمامها يكون الظن ـ مثلا ـ علّة تامة عند العقل للحجية ، وحينئذ يكون كالقطع حجة لا بجعل جاعل ، وسيأتي في محله البحث في اقتضاء تلك المقدمات ، والخلاف في انها

١٥٢

ذلك (١) ثبوتا بلا خلاف ، ولا سقوطا (٢) وإن كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين

______________________________________________________

هل هي بنفسها تنتج كون الظن حجة من دون جعل او انها كاشفة عن جعل الشارع للظن؟

والاول هي نتيجة مقدمات الانسداد بنحو الحكومة ، لوضوح كون نتيجتها حكم العقل وادراكه بكون الظن حجة كالقطع من غير جعل جاعل لحجيته.

والثاني هو نتيجة الانسداد بنحو الكشف لكشفها عن جعل الشارع للظن عنده بعد تمامية المقدمات.

فحجيّة الظن على الاول غير مجعولة وعلى الثاني مجعولة ، ولذا جعل المصنف ثبوت حجية الظن بالانسداد على نحو الحكومة في قبال جعل الحجية للظن فقال «وان ثبوتها» أي ثبوت الحجية «لها» أي للامارات غير العلمية «محتاج الى جعل او ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية» للظن «عقلا بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة» دون الكشف لكونها على الكشف تكون كاشفة عن جعل الشارع فلا تكون في قبال الجعل.

(١) هذا تعليل لكون الامارات غير العلمية ليست كالقطع علة تامة للحجية ، بل هي بذاتها ليست بعلة تامة بل ولا اقتضاء لها للحجية كما عرفت ، ولذا قال : «وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك» أي بدون جعل.

(٢) قد عرفت في مباحث القطع ان هناك مسألتين : مسألة ثبوت الحكم بالقطع ، ومسألة سقوطه بالقطع : أي ان القطع المتعلق بالحكم منجز له ، والقطع بالامتثال يستلزم سقوط الحكم وبراءة الذمة منه ، ولا اشكال في ان القطع في كلا المقامين ثبوتا وسقوطا حجة بلا خلاف ، وانه بذاته من دون جعل يثبت به الحكم ويسقط به الحكم.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واما الامارات غير العلمية فلا اقتضاء فيها بالذات لثبوت الحكم بها وانما يثبت الحكم بها اما لجعل الشارع او لحكم من العقل بثبوت الحجية لها في اثبات الحكم بعد ثبوت مقدمات وطروء حالات.

واما سقوط الحكم بالامتثال الظني فانه بعد ما كان شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، يتضح انه لا حجية للامتثال الظني في اسقاط الحكم ايضا ، والى هذا اشار بقوله : «ثبوتا بلا خلاف ولا سقوطا» أي ان الامارات غير العلمية ليست كالقطع في اثبات الحكم وهو مما لا خلاف فيه ، ولذا قال ثبوتا بلا خلاف ، فان القطع مثبت للحكم بلا خلاف من غير حاجة الى جعل او ثبوت مقدمات وطروء حالات. واما الامارات غير العلمية فانما تقتضي اثبات الحكم وكونها حجة في ثبوته اما بجعل او ثبوته اما بجعل او بطرو حالات وثبوت مقدمات ، ومثله في مرحلة السقوط فان القطع بالامتثال حجة على سقوط الحكم بلا خلاف.

واما الامتثال بغير القطع من الامارات غير العلمية فلا ينبغي ايضا الاشكال في عدم اقتضائها لسقوط الحكم ، لما عرفت من ان الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ومن الواضح عدم حصول الفراغ اليقيني في الامتثال غير العلمي وان غايته حصول الظن بالسقوط ، ولا يكفي ذلك بل لا بد من حصول العلم بالفراغ وسقوط التكليف ، فغير القطع ليس بحجة لا في مرحلة ثبوت التكليف ولا في مرحلة سقوطه ، والقطع وحده هو الحجة بالذات في اقتضاء ثبوت التكليف وفي مقام سقوطه ولذا قال : «لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية» بالذات «بدون ذلك» أي بدون جعل ولا مقدمات في مرحلة ثبوت الحكم به «بلا خلاف» وكذا لا ينبغي الاشكال في كون غير القطع ليس كالقطع في انه حجة في مرحلة سقوط التكليف في مقام الامتثال لوضوح عدم الاشكال في سقوط التكليف بالامتثال القطعي دون الامتثال غير العلمي ولذا قال : «ولا سقوطا».

١٥٤

الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ ، ولعله لاجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل (١) ، فتأمل (٢).

______________________________________________________

(١) نفى عدم الخلاف في عدم مساواة الامارة غير العلمية للقطع في مقام ثبوت التكليف.

واما في مقام اسقاط التكليف بالظن بالامتثال حيث انه يظهر من بعض المحققين الاكتفاء بالامتثال الظني وعليه فيكون الظن بالامتثال كالقطع به في مقام الاسقاط ، فلذا لم يعقبه بعدم الخلاف بل اشار الى خلاف بعض المحققين فيه والى وجهه.

وحاصله : ان مبنى لزوم الامتثال للتكليف عند العقل هو وجوب دفع الضرر المظنون ، ومع الظن بالامتثال لا ظن بالضرر بل يكون الضرر موهوما ولا يجب عند العقل لزوم دفع الضرر المحتمل أي الموهوم ، وقد اشار الى نفس الخلاف بقوله : «وان كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ» فيكون الظن بالامتثال كالقطع بالامتثال ، والى وجهه أشار بقوله : ولعله لاجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل» أي المرجوح وهو الطرف الموهوم للطرف الراجح في الظن.

(٢) يحتمل ان يكون اشارة الى ان الضرر مع الاتيان بالطرف الراجح مقطوع به على القول باستحقاق المتجري للعقاب ، لبقاء التكليف ببركة الاستصحاب عند الاتيان بالامتثال الظني للشك في سقوطه ، مع انه يلزم القائل بالاكتفاء بالامتثال الظني عدم حجية الظن النوعي بالتكليف الذي يقوم الظن الشخصي على خلافه لان الضرر فيه محتمل ايضا ، ولا يلزم دفع الضرر المحتمل على رأيه وبعيد منه ان يلتزم بذلك ، مضافا الى ان قضية لزوم دفع الضرر ليست من القضايا العقلية بل هي من الامور الجبليّة ، فرب ضرر محتمل يتوجه الانسان بجبلته لدفعه مقدما له على دفع الضرر المظنون بل المقطوع ، حيث يكونان اقل اهمية من الضرر المحتمل على فرض تحققه ، فليس كل ضرر محتمل لا يلزم دفعه.

١٥٥

ثانيها : في بيان إمكان التعبد بالامارة غير العلمية شرعا ، وعدم لزوم محال منه عقلا ، في قبال دعوى استحالته للزومه (١) ، وليس الامكان بهذا المعنى ، بل مطلقا أصلا متبعا عند العقلاء ، في مقام احتمال ما يقابله من الامتناع (٢) ، لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الامكان عند

______________________________________________________

ويحتمل ان يكون اشارة الى انه مع لزوم الخروج عن عهدة التكليف لقاعدة استدعاء شغل الذمة اليقيني للفراغ عقلا ـ يتبيّن منه انه ليس المبنى في لزوم الخروج عن عهدة التكليف هو لزوم دفع الضرر المظنون حتى يستلزم الاكتفاء به في مقام الامتثال.

(١) المتحصل مما ذكره في الامر الاول هو ان نسبة الامارات غير العلمية الى الحجية نسبة الامكان الخاص وهو سلب الضرورة عن الطرفين ، فلحوق الحجية للامارات ممكن بالامكان الذاتي ، وحيث لا مانع من ان يكون الممكن الذاتي ممتنعا وقوعا كما يظهر من ادلة القائلين بامتناع جعل الحجية للامارات غير العلمية ، من لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال هو الامتناع الوقوعي ، فالبحث فيها من ناحية امكان التعبد بها وعدمه هو البحث في امكانها الوقوعي دون الذاتي ، والى هذا اشار بقوله : «وعدم لزوم محال منه عقلا في قبال دعوى استحالته للزومه» أي ان المدعي لاستحالة جعل الحجية للامارات غير العلمية هو استلزامه للمحال ، فليس جعل حجيتها من المحال بالذات المقابل للامكان بالذات ، بل لانه يستلزم المحال وهو الامتناع الوقوعي في قبال الوجوب الوقوعي الذي يلزم من عدم وقوعه محال ، وفي قبال الامكان الوقوعي الذي لا يلزم من وقوعه ولا عدم وقوعه محال.

(٢) لا يخفى انه يظهر من الشيخ الاعظم في رسائله ، هو انه اذا شككنا في امكان شيء ذاتا او وقوعا فهناك اصل عقلائي بنى عليه العقلاء ، وهو ان كلما شك في امكانه يبنى على امكانه ، لان سيرتهم في مقام الشك في امكان شيء البناء على امكانه ، حتى يثبت امتناعه ، حيث قال الشيخ في رسائله معترضا على المشهور لما

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

استدلوا على امكان التعبد بالامارات : بانّا نقطع بانه لا يلزم من التعبد بها محال ، قال الشيخ (قدس‌سره) : وفي هذا التقرير نظر ، اذ القطع بعدم لزوم المحال في الواقع موقوف على احاطة العقول بجميع الجهات المحسنة والمقبحة ، وعلى العلم بانتفائها جميعا : أي بانتفاء الجهات المقبحة حتى لا يلزم المحال وانتفاء المحسنة حتى لا يكون التعبد لازما ، وهو غير حاصل لوضوح عدم الاحاطة بجميع الجهات وعدم العلم بانتفائها ، ثم قال (قدس‌سره) : فالأولى ان يقرر هكذا : انا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة ، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان ... انتهى.

ويؤيد هذا الاصل عندهم هو الكلمة المعروفة عن الشيخ الرئيس : وهي كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان ما لم يذدك عنه قاطع البرهان ، والمتحصل منها هو ان يودع المشكوك فيه في بقعة الامكان : أي يبنى على امكانه إلّا ان يمنع عن ذلك البرهان القائم على عدم امكانه ، فان الظاهر من الامر بايداعه في هذه البقعة هو البناء على امكانه ، فان الامر الغريب اذا قرع السمع يحصل الشك فيه من جهة غرابته ولو لم يكن خبرا ، ومعنى حصول الشك فيه هو الشك في امكانه وعدم امكانه فامر بايداعه في بقعة الامكان ، والمراد من الامر بايداعه في هذه البقعة هو البناء على امكانه ما لم يذد : أي ما لم يمنع عن ايداعه فيها البرهان القائم على عدم امكانه. والمصنف (قدس‌سره) حيث يرى عدم صحة دعوى هذا الاصل عند العقلاء ، وانه ليس لهم بناء على امكان ما شك في امكانه حتى يثبت امتناعه لذلك نفاه وقال : «وليس الامكان بهذا المعنى» أي الامكان الوقوعي الذي هو عبارة عن عدم استلزام الوقوع للمحال في قبال دعوى استحالة الوقوع لاستلزامه المحال ، فاذا شك في امكان الوقوع او شك في الامكان الذاتي المقابل للوجوب والامتناع الذاتيين فليس هناك اصل عقلائي يقتضي البناء على امكان ما شك في امكانه وقوعا او ذاتا ، وقد اشار الى الامكان الذاتي بقوله : «بل مطلقا» والى نفي الاصل بقوله : «اصلا متبعا عند العقلاء الى آخر الجملة».

١٥٧

الشك فيه (١) ، ومنع حجيتها ـ لو سلم ثبوتها ـ لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها (٢) ، والظن به لو كان فالكلام الآن في إمكان التعبد بها

______________________________________________________

وحاصله : انه ليس للبناء على امكان ما شك في امكانه وقوعا او ذاتا اصل عقلائي يكون هو المتبع عندهم في مقام احتمال ما يقابل هذا الاحتمال من احتمال الامتناع ، لبداهة كون الشك لا بد فيه من احتمالين ، فالشك في الامكان له طرفان احتمال الامكان واحتمال ما يقابله وهو الامتناع ، وليس للعقلاء بناء عملي على ترجيح طرف الامكان الذاتي او الوقوعي على طرف الامتناع بحيث يرتبون الاثر عملا على كونه ممكنا لا ممتنعا.

(١) قد اشار المصنف الى منع دعوى هذا الاصل بوجوه :

الاول : ما اشار اليه بقوله : «لمنع الى آخره» ، وحاصله : ان دعوى كون الاصل المتبع عند العقلاء هو امكان ما شك في امكانه مرجعها الى ان سيرتهم في مقام العمل هو ترتيب آثار الامكان عليه عملا حتى يثبت امتناعه ، فان هذه الدعوى ممنوعة لمنع كون بناء العقلاء وسيرتهم على ترتيب آثار الامكان عملا على الشيء المشكوك في امكانه ، ولم يثبت بعد التتبع لاحوالهم ان سيرتهم عملا هو البناء على ذلك من ترتيب آثار الامكان عند الشك فيه ، بل الظاهر منهم خلاف ذلك لانهم يقولون : حدّث العاقل بما لا يليق فان صدّق فلا عقل له.

(٢) هذا هو الوجه الثاني للمناقشة في دعوى هذا الاصل العقلائي ، وحاصله : ان كون السيرة حجة معتبرة عند الشارع موقوف على ثبوت اعتبارها عنده ، فنحن لو سلمنا تحقق هذه السيرة من العقلاء فلا نسلم حجيتها واعتبارها عند الشارع ، فان تحقق اعتبار هذه السيرة وحجيتها عند الشارع موقوف على ثبوت دليل قطعي يدل على اعتبار الشارع لها ، وذلك بان يثبت بالقطع إمضاؤه لها ، ولا يكفي في ثبوت الامضاء عدم ثبوت الردع منه لها ، لوضوح انه لا يستلزم عدم ثبوت الردع ثبوت الامضاء ، مع انه قد ثبت الردع منه في الجملة في النهي عن الاخذ بغير العلم ، والى

١٥٨

وامتناعه ، فما ظنك به (١)؟ لكن دليل وقوع التعبد بها من طرق إثبات إمكانه ، حيث يستكشف به عدم ترتب محال من تال باطل فيمتنع مطلقا ،

______________________________________________________

هذا الوجه اشار بقوله : «ومنع حجيتها» أي لمنع حجية هذه السيرة «لو سلم ثبوتها» أي لو سلم ثبوت هذه السيرة عند العقلاء فانا نمنع حجيتها «لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها» عند الشارع ، والاصل العقلائي انما يكون حجة شرعا حيث يثبت اعتبار الشارع له ، ومن الواضح عدم ثبوت دليل قطعي من الشارع على اعتباره لها وحجيتها عنده.

(١) حاصله : انه لا يمكن ان يدعى ثبوت حجية السيرة بقيام الظن على حجيتها واعتبارها ، بعد ما عرفت من انتفاء الدليل القطعي على حجيتها ، بدعوى كفاية عدم ثبوت الردع عنها في حجيتها ولا تحتاج الى ثبوت دليل على امضائها ، ومن الواضح عدم ثبوت الردع عنها ، اذا لو كان هناك ردع عنها لنقل لتوفر الدواعي الى نقله ، وعدم الثبوت وان لم يكن دليلا على الثبوت الّا انه لما عرفت وجود الداعي لنقله لو كان يتضح حصول الظن بعدم الردع ، ويكفي في ثبوت الحجية الظن بها اللازم للظن بعدم الردع عنها.

والجواب عنه : اولا : لا نسلم الظن بذلك لوضوح انه ليس كل ردع تتوفر الدواعي الى نقله ، وخصوصا في مثل هذه السيرة التي مدلولها الامكان ، مضافا الى ما عرفت : من ان اصل ثبوتها غير مسلم ، لما مرّ من انكار ثبوت هذه السيرة عند العقلاء ، والى هذا اشار بقوله : «والظن به لو كان».

وثانيا : ان الظن حيث انه ليس حجة بذاته فهو محتاج الى دليل قطعي يقوم على اعتباره وحجيته.

وبعبارة اخرى : ان الظن بحجيّة السيرة حاله حال السيرة في عدم حجيته بذاته وانه لا بد من قيام دليل على اعتباره وحجيته.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والدليل على حجية الظن القائم على حجية السيرة القائمة على امكان التعبد بالظن المشكوك امكانه اما ان يكون هو القطع وهو غير موجود ، اذ لو قام القطع على حجية الظن القائم على حجية هذه السيرة لكان دليلا قطعيا على حجية هذه السيرة بالواسطة ، لعدم الفرق بين كون متعلق القطع نفس حجية هذه السيرة من دون واسطة ، وبين كون متعلقه الظن القائم على حجيتها ، فان النتيجة فيهما على السواء وهي حجية هذه السيرة قطعا ، إلّا أنّك قد عرفت عدم قيام الدليل القطعي على حجيتها.

وان كان الدليل القائم على حجية هذا الظن القائم على حجية هذه السيرة هو الظن ايضا فلازمه التسلسل او الدور ، لما مرّ من عدم حجيّة الظن بذاته ولا بد فيه من ثبوت حجيته بدليل ، والمفروض عدم كونه هو القطع قطعا ، اذ المفروض كون الدليل هو ظن آخر يقوم على حجية هذا الظن القائم على حجية هذه السيرة ، فننقل الكلام الى هذا الظن المدعى قيامه على حجية هذا الظن القائم على حجية هذه السيرة وهلم جرا فيلزم التسلسل. وان كان الدليل على حجية هذا الظن هو نفس الظن الذي كان متعلقا له من جهة حجيته فيلزم الدور ، لتوقف حجية الظن القائم على حجية هذا الظن على حجية هذا الظن ، والمفروض كون حجية هذا الظن الذي هو المتعلق له متوقفة على حجية الظن الذي قد تعلق به ، فتتوقف حجية المتعلّق على حجية المتعلّق له المتوقفة حجيته على حجية نفس المتعلّق وهو دور واضح.

هذا مضافا الى ان المفروض كون امكان التعبد بالظن مشكوكا ، لان المدعى ان الاصل فيما شك في امكانه وامتناعه هو امكانه : أي ترتيب الاثر على امكانه مع فرض الشك في امكان التعبد به ، ومع فرض الشك في امكان التعبد به كيف يدعى قيام الظن على التعبد به؟ فان الظن بالشيء والشك به متضادان لا يعقل اجتماعهما ، لان الظن هو رجحان احد الطرفين والشك هو تساويهما.

١٦٠