بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-061-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٨

الامر السابع : إنه قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجزه ، لا تكاد تناله يد الجعل إثباتا أو نفيا ، فهل القطع الاجمالي كذلك؟ فيه إشكال (١) ، ربما يقال : إن التكليف حيث لم

______________________________________________________

فشراؤها منه شراء من غير المالك ، فيقطع الذي جمع بينهما بان احدهما لم تنتقل اليه وهي مملوكة لمالكها.

ومنها فيما لو تداعى اثنان على عين وأقام كل منهما البيّنة على ما ادعاه ، فان النصوص والفتاوى على تنصيف العين بينهما ، ففيما لو اشترى ثالث العين منهما يعلم تفصيلا بان نصف العين لم تنتقل اليه وهي باقية على ملك مالكها.

ومنها لزوم التنصيف في الدرهم الودعي فيما لو أودع شخصان كل واحد منهما درهما عند شخص ، فتلف احد الدرهمين ولم يعلم انه درهم احدهما بعينه ، فان النص والفتوى ايضا على تنصيف الدرهم الباقي بينهما ، فلو اخذه ثالث بمعاملة يقطع بان احد النصفين لم ينتقل اليه وهو باق على ملك مالكه.

فلا بد من التأويل في هذه المقامات وغيرها مما يوهم عدم كون القطع علة تامة لترتيب آثاره :

اما بالالتزام بان لا يجوز الشراء لمن يعلم بذلك وانما يجوز لمن لا يعلم.

او بالالتزام بان حكم الحاكم في المقام بالغرامة وبالتنصيف في العين وفي الودعي موجبا لتمليك ابتدائي لمن حكم له بالغرامة او بالنصف.

(١) هذا الامر لبيان كون العلم الاجمالي هل هو كالعلم التفصيلي علة تامة للتنجيز؟ او انه مقتض؟ يتوقف تنجيزه على عدم جعل من الشارع في مورده ما يخالفه ، فللشارع الاذن في ارتكاب اطراف المعلوم بالاجمال في الشبهة المحصورة ، كما كان له الاذن في ارتكاب الشبهة البدوية والشبهة غير المحصورة.

ولا يخفى ان مهمّ الاقوال في المقام ثلاثة :

١٢١

ينكشف به تمام الانكشاف ، وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة ، جاز الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا (١) ، ومحذور مناقضته مع

______________________________________________________

الاول : مختار المصنف ـ هنا ـ من كون العلم الاجمالي مقتضيا بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية ، وبالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية فللشارع ان ياذن في ارتكاب جميع الاطراف.

الثاني : مختاره في البراءة والاشتغال من كونه علة تامة كالعلم التفصيلي بالنسبة الى كليهما.

الثالث : ما يظهر من الشيخ في الرسالة من كونه مقتضيا بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية ، ولكنه علة تامة بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ، فللشارع ان يبيح ارتكاب بعض الاطراف وليس له اباحة ارتكاب جميع الاطراف.

(١) توضيحه : ان الفرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي ان متعلق العلم الاجمالي هو ما يمكن انطباقه على احد الاطراف ، ففيما لو علمنا بنجاسة أحد الإناءين فمتعلق العلم الاجمالي يمكن ان يكون هذا الاناء ، ويمكن ان يكون الاناء الثاني ، فكل واحد من الإناءين بخصوصه مجهول الحال ، فالعلم الاجمالي علم يشوبه جهل ، بخلاف العلم التفصيلي فانه علم لا يشوبه جهل ، ومورد مجرى الاصول هو عنوان كل واحد من الطرفين بخصوصه ، وليس مجرى الاصل هو نفس متعلق العلم الاجمالي وهو النجس بما هو حتى يلزم من جريانها اجتماع النقيضين او الضدين ، من كون العلم موجبا للاجتناب والاذن في الارتكاب الذي هو مقتضى الاصول ينافيه ويضاده ، فما هو الموضوع لمجرى الاصل بالنسبة الى كل واحد من الإناءين بخصوصه موجود وهو الجهل ، فان كل واحد من الإناءين مجهول بعنوانه الخاص به.

ولا يخفى ان لكل طرف من اطراف العلم الاجمالي اصلا يخصه هو غير الاصل الجاري في الطرف الآخر ، فجواز الارتكاب الجائي من قبل كل واحد بخصوصه من

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاصلين بالنسبة الى المعلوم بالاجمال نسبة احتمال اجتماع الحكمين لا القطع باجتماعهما ، وهو لا يزيد على جعل الاصل في الشبهة البدوية ، فانها ـ ايضا ـ مما يحتمل فيها التكليف الفعلي ، فغايته احتمال اجتماع الحكمين الواقعي والظاهري. فما يقال في وجه جواز اجتماعهما في محلّه يقال به هنا.

لا يقال : ان الوجه في جواز اجتماع الحكم الظاهري والواقعي هو كون الحكم الواقعي فعليا معلقا لا حتميا ومتعلق العلم الاجمالي لا بد وان يكون حتميا لانكشافه تمام الانكشاف بواسطة تعلق العلم به ، فالنجس بما هو نجس منكشف تمام الانكشاف ، ولازم ذلك كون فعليته حتمية لا تعليقية ، وهذا بخلاف الشبهة البدوية فان الحكم الواقعي لا يزيد فيها على كونه محتملا فلذا امكن الالتزام بفعليته التعليقية.

فانه يقال : ان جواز الارتكاب ليس منحصرا في الشبهة البدوية ، بل هو موجود في غيرها مما لازمه القطع بجواز الارتكاب ولو لزم منه العلم بالمخالفة وهو مورد الشبهة غير المحصورة ، فانه يجوز ارتكاب جميع الاطراف فيها ، وهذا يكشف عن عدم المناقضة بين جواز جعل الاذن في الاطراف مع العلم الاجمالي بنجاسة احدهما ، فلا بد وان يلتزم فيها بالفعلية غير الحتمية ، ولا فرق بين الشبهة المحصورة والشبهة غير المحصورة الا بقلة الاطراف وكثرتها ، وهو ليس بفارق ، فما يلتزم به في الشبهة غير المحصورة يلتزم به في الشبهة المحصورة ، وهو ما ذكرناه من الفعلية غير الحتمية.

وبعبارة اخرى : ان جريان الاصل في مورده يتوقف على تحقق موضوعه ، وهو الجهل بالحكم الواقعي في مورده ، ويتوقف ايضا على ان لا يلزم من جريانه محال كاجتماع الضدين أو النقيضين ، فاذا تحقق كلاهما في مقام فلا مانع من جريانه في موارد العلم الاجمالي بالنسبة الى اطرافه بخصوصها ، وكلا الامرين متحققان.

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اما الاول فلان موضوع الاصل في اطراف العلم الاجمالي موجود وهو الجهل ، لان مورد الاصل في الطرف هو عنوان الطرف بنفسه وهو مجهول الحال فالموضوع فيه متحقق ، بخلاف العلم التفصيلي فانه لا جهل فيه لانكشافه تمام الانكشاف.

واما الثاني فلانه لا يلزم من جريانه محال ، لان المحال هو اجتماع الحكمين الفعليين الحتميين المتضادين في مورد واحد ، ولا شبهة ان الفعلية الحتمية تتوقف على تحقق متعلق التكليف بحيث يكون البعث اليه والزجر عنه متحققا ، ومن الواضح انه حيث كان انطباق النجس المعلوم بالإجمال بالنسبة الى الطرف بعنوانه الخاص غير معلوم ، فموضوع الفعلية الحتمية فيه غير متحقق ايضا ، فلا بد وان تكون فعلية المعلوم بالاجمال بالنسبة الى عنوان الطرف بخصوصه غير حتمية ، واذا كانت الفعلية غير حتمية كانت تعليقية بمعنى انها لو علم بها من باب الاتفاق لتنجزت ، ولا مانع من اجتماع الفعلية التعليقية والفعلية الحتمية المتعلقة بحكم يخالف الحكم في الفعلية التعليقية ، لوضوح عدم تنجز البعث والزجر في الفعلية التعليقية ، فلا مانع من تنجز حكم آخر مضاد له في مورده ، ولا يكون محذوره سوى اجتماع الحكم الظاهري والواقعي وهو موجود في الاصول والامارات القائمة على خلاف الحكم الواقعي ، وقد اشار اجمالا الى ما فصلناه بقوله : «ان التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف» لانه بالنسبة الى عنوان الطرف غير معلوم الانطباق فهو مجهول فعلا بالنسبة اليه ، فموضوع الاصل فيه متحقق ، وحيث ان الفعلية الحتمية بالنسبة الى عنوان الطرف تتوقف على معلومية الانطباق وهو مفقود ، لفرض عدم معلومية الانطباق ، وإلّا كان العلم تفصيليا لا اجماليا ، فلم يبق سوى احتمال كون الطرف مورد الانطباق واقعا ، فلا مانع من ان يكون نسبة الحكم المعلوم بالاجمال الى عنوان الطرف بخصوصه نسبة الحكم الظاهري والواقعي ، اذ لا يلزم من جعل حكم مضاد للحكم الواقعي في عنوان الطرف لزوم محال ، لعدم تنجز الحكم الواقعي بالنسبة الى عنوان الطرف ، والى هذا اشار بقوله : «وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه

١٢٤

المقطوع إجمالا انما هو محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة غير المحصورة ، بل الشبهة البدوية ، ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والاذن بالاقتحام في مخالفته بين الشبهات أصلا ، فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به في الاطراف المحصورة أيضا ، كما لا يخفى ، وقد أشرنا إليه سابقا ، ويأتي إن شاء الله مفصلا. نعم كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء ، لا في العلية التامة ، فيوجب تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا ، كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة ، أو شرعا كما في ما أذن الشارع في الاقتحام فيها (١) ، كما هو ظاهر كل شيء فيه

______________________________________________________

محفوظة» فلذا «جاز الاذن من الشارع ب» ما يستلزم «مخالفته» أي مخالفة الحكم الواقعي «احتمالا» بل في مورد الفعلية غير الحتمية يجوز جعل ما يقطع معه بمخالفة الحكم الواقعي ، ولذا قال : «بل قطعا».

(١) حاصله : انه بعد ان كانت الفعلية في العلم الاجمالي بالنسبة الى عنوان الطرف تعليقية لا حتمية ، فلا مانع من اجتماع فعليتين بحكمين في مورد واحد ، احداهما تعليقية والاخرى حتمية ، سواء لزم من جعل الاذن مخالفة قطعية كما في موارد الشبهة غير المحصورة ، او مخالفة احتمالية كما في موارد الشبهة البدوية.

ولا يخفى ان قوله : «بل الشبهة البدوية» لبيان انه لا فرق بين الشبهة غير المحصورة والشبهة البدوية ، إلّا ان المناقضة في مورد الشبهة غير المحصورة قطعية والمناقضة في مورد الشبهة البدوية محتملة ، ولو كان لازم جعل الاصل في موردهما محالا لما كان فرق بينهما اصلا ، لوضوح ان المحال لا بد وان يكون مقطوع العدم فاحتماله كالقطع به ، الى هذا اشار بقوله : «ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بينهما بذلك اصلا» للزوم كون المحال مقطوعا بعدمه فاحتماله كالقطع به.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى ان الموجود في النسخ المصححة وقوع قوله ضرورة بعد قوله بل الشبهة البدوية من غير فصل ، وهو المناسب لسوق المطلب وتناسقه ، ويوجد في النسخ غير المصححة بين هاتين اللفظتين هذه العبارة وهي قوله : «لا يقال ان التكليف فيهما» أي ان التكليف في الشبهة غير المحصورة البدوية «لا يكون بفعلي» بخلاف مورد العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة فان التكليف فيه فعلي ، فلا وجه لجعل الحال في مورد العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة كالحال في مورد العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة وفي الشبهة البدوية.

فاجاب عنه بقوله : «فانه يقال كيف المقال في موارد ثبوته في اطراف غير محصورة او في الشبهات البدوية» ..

وتوضيحه ببيان الحال في الشبهة غير المحصورة وفي الشبهة البدوية.

اما في الشبهة غير المحصورة ، فانه تارة يكون التكليف فيها غير فعلي كما في الشبهة غير المحصورة الخارج بعض افرادها عن مورد الابتلاء ، بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه غير مقدور ، وفي مثله لا بد وان يكون التكليف غير فعلي.

واخرى يكون مورد الشبهة غير المحصورة ليس كذلك ، وذلك فيما كان اطرافها كثيرة بحيث يصعب الاجتناب عنها ، وفي هذا المورد يكون التكليف فعليا.

واما في الشبهة البدوية فانه على انحاء ثلاثة : لانها تارة يكون التكليف فيها غير فعلي قطعا ، ومثاله الحوادث المتجددة التي لم تكن على عهد النبي والائمة عليهم الصلاة والسلام ، فان التكليف في امثال هذه الشبهة لم يكن فعليا لعدم تحقق الموضوع فيها في زمانهم عليهم‌السلام.

وثانية : يكون التكليف فيها محتمل الفعلية وهي المشار اليها في قوله عليه‌السلام : (وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها) (١).

__________________

(١) نهج البلاغة ، الحكم ١٠٢.

١٢٦

حلال وحرام ، فهو لك حلال ، حتى تعرف الحرام منه بعينه (١).

______________________________________________________

وثالثة : تكون الفعلية تعليقية لغفلة او نسيان.

فاذا عرفت هذا ـ نقول : انه اذا كان الحكم في بعض افراد الشبهة غير المحصورة فعليا قطعا وفي بعض موارد الشبهة البدوية محتمل الفعلية ، وينحصر الامر فيهما بحمل الحكم الواقعي على الفعلية التعليقية لرفع المناقضة بين الحكم الواقعي والظاهري ـ كما سيأتي الاشارة اليه في محله ـ فيكون الحال فيهما مع مورد العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة على حد سواء ، وما به يرفع المناقضة فيهما يرفع به المناقضة فيه ، وليس الحكم في كل موارد الشبهة غير المحصورة والشبهة البدوية ليس بفعلي حتى يكون فرق بين العلم الاجمالي في المحصورة وبينهما ، فالقطع بالفعلية في بعض موارد الشبهة غير المحصورة واحتمالها في بعض موارد الشبهة البدوية كاف في قياس مورد العلم الاجمالي في المحصورة به ، وان الحال فيه كالحال فيهما على حد سواء ، والى هذا اشار بقوله : «كيف المقال في موارد ثبوته» أي في ثبوت الحكم الفعلي كما «في اطراف» الشبهة «غير المحصورة» في بعض اقسامها «او في» بعض اقسام «الشبهات البدوية» فما هو الجواب عن ذلك فيهما هو الجواب في مورد المحصورة.

قوله : «مع القطع به» وهو مورد الشبهة غير المحصورة التي كان التكليف فيها فعليا.

قوله : «او احتماله» وهو مورد الشبهة البدوية التي كانت محتملة الفعلية.

قوله : «او بدون ذلك» وهو مورد الفعلية التعليقية لغفلة او نسيان.

(١) لا يخفى ان شمول قاعدة الحل لمورد العلم الاجمالي يتوقف على ان يكون المراد من الشيء ما يعم مثل عنوان المائع او الماء بما هو مردد بين النجس والطاهر ليتحقق موضوعها ، وهو الشيء الذي فيه حلال وحرام ، اما لو قلنا ان المراد من الشيء فيها هو الموجود الخارجي المعلوم بحقيقته ولكن كان بعضه حلالا وبعضه حراما فيشك في كون هذا الموجود هل هو من المحلل او المحرم؟ فلا تكون القاعدة شاملة لمورد العلم

١٢٧

وبالجملة : قضية صحة المؤاخذة على مخالفته ، مع القطع به بين أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها ، أو مع الاذن في الاقتحام فيها ، هو كون القطع الاجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة (١).

______________________________________________________

الاجمالي ، اذ ليس في مورده شيء معلوم بحقيقته بعضه حلال وبعضه حرام ، ويأتي التعرض لها تفصيلا في مباحث البراءة ان شاء الله تعالى.

(١) هذا مجمل ما تقدم منه من كون العلم الاجمالي مقتضيا يتوقف تنجزه على عدم الاذن عقلا في موارده ، كما في مورد الشبهة غير المحصورة او على عدم الاذن شرعا فيه كما في قاعدة الحلية لو قلنا بشمولها لمورد العلم الاجمالي ، فانه لو كان علة تامة للتنجز لما امكن الاذن عقلا في موارد الشبهة غير المحصورة ولا الاذن شرعا في الاقتحام.

فاتضح ان العلم الاجمالي ليس كالعلم التفصيلي علة تامة للتنجز بل هو مقتض يتوقف تأثيره على عدم الاذن لا من العقل ولا من الشرع ، وحينئذ يكون علة تامة يصح المؤاخذة على مخالفته.

فقوله : «وعدم صحتها مع عدم حصرها» هذا اشارة الى الاذن العقلي.

وقوله «او مع الاذن في الاقتحام» هو اشارة الى الاذن الشرعي في موارد الشبهة المحصورة.

وعلى كل فمختاره في المقام كون العلم الاجمالي مقتضيا لا علة تامة.

وسيأتي منه في البراءة اختيار كونه علة تامة ولعله هو الصحيح ، لان العلم الاجمالي بالنسبة الى متعلقه وهو وجود النجس خارجا كالعلم التفصيلي بوجود النجس بعينه ، فان التكليف بوجوب اجتناب النجس فعليته التامة تتوقف على وجود موضوعه في الخارج ، وبعد تعلق العلم بموضوعه وان النجس موجود فعلا في الخارج فلا بد من كون التكليف بوجوب اجتنابه فعليا. والمراد من كونه علة تامة هو عليته التامة بالنسبة الى ما تعلق به العلم ، وبعد تنجز التكليف باجتناب النجس الموجود

١٢٨

وأما احتمال أنه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية ، وبنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية (١) ، فضعيف

______________________________________________________

فعلا في الخارج لا يعقل الاذن في ارتكاب اطرافه للزوم المناقضة الاحتمالية في احدهما والمناقضة القطعية في الاذن بارتكابهما معا ، وقياسه على الشبهة غير المحصورة والشبهة البدوية قياس مع الفارق.

فان الشبهة غير المحصورة الذي يجوز الارتكاب فيها هي ما كانت بعض اطرافها اما خارجة عن محل الابتلاء ، أو انه يلزم منها العسر الموجب لاختلال النظام ، وفي الاول لا فعلية للتكليف لما سيأتي من أن خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء رافع لفعلية التكليف. واما ما يلزم منها العسر الموجب لاختلال النظام فلا يعقل فعلية التكليف فيه ، واما الشبهة البدوية فسيأتي ان التكليف فيها ليس فعليا ، لان الفعلية انما تكون بالوصول ، وحيث لا وصول له فلا فعلية له ولا مانع من اجتماع التكليف الظاهري الفعلي مع الحكم الواقعي غير الفعلي.

فاتضح الفرق بينهما وبين العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة ، فانه بعد تحقق الموضوع خارجا فلا يعقل عدم تنجز التكليف به لتحقق كل ما يقتضي فعلية التكليف وتنجزه ، ولعله لذلك ذكره في المقام بنحو لا يبعد ، وعدل عنه في مباحث البراءة ، والله العالم.

(١) هذا اشارة الى ظاهر الشيخ الاعظم في الرسالة من التفصيل بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية في اطراف العلم الاجمالي ، وانه علة تامة بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ومقتض بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية ، ونتيجة ذلك عدم امكان جعل الاصول في كلا طرفي المعلوم بالاجمال ، وامكانه بالنسبة الى بعض الاطراف.

ويمكن تقريبه ، بان نقول : حيث كان متعلق العلم الاجمالي وجود النجس خارجا فكل ما هو الموضوع للتنجز قد تحقق ، ولازم هذا هو تنجز التكليف بوجوب

١٢٩

جدا. ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة ، فلا يكون عدم القطع بذلك معها موجبا لجواز الاذن في الاقتحام بل لو صح معها الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية أيضا (١) ،

______________________________________________________

اجتناب النجس ، وهذا هو المقدار الذي يقتضيه العلم الاجمالي ، ولازم التكليف الذي يكون تنجزه بهذا المقدار انه لا يمكن جعل الاذن بما يلزم منه جواز مخالفته ، فلا يجوز جعل الاصول في جميع اطراف المعلوم بالاجمال لادائها الى الاذن في جواز مخالفة التكليف بوجوب اجتناب النجس المنجز ، ولكن جعل الاصول في بعض الاطراف لا يستلزم الاذن في مخالفة ما هو المعلوم ، بان يجعل الشارع الاذن في بعض الاطراف تخييرا أو بعينه ويكتفى بترك الطرف الآخر بدلا عن الموافقة القطعية ، ومرجع هذا الى انه للشارع الاكتفاء عن الموافقة القطعية بالموافقة الاحتمالية ، وهو جائز في المعلوم تفصيلا كموارد الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي في مثل عروض الشك في الاثناء بعد تجاوز المحل فانه مع كون التكليف فيه معلوما تفصيلا اكتفى الشارع فيه بالامتثال الاحتمالي.

هذا غاية ما يمكن تقريب هذا التفصيل من كون العلم الاجمالي مقتضيا بالنسبة الى الموافقة القطعية ، وعلة تامة بالنسبة الى الموافقة الاحتمالية بترك بعض الاطراف بدلا وبالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ، والى هذا اشار بقوله : «واما احتمال انه بنحو الاقتضاء» دون العلية التامة «بالنسبة الى لزوم الموافقة القطعية» فللشارع جعل الاصول في بعض الاطراف بالخصوص «و» على هذا يكون «بنحو العلية» التامة «بالنسبة الى الموافقة الاحتمالية و» بالنسبة الى «ترك المخالفة القطعية».

(١) وحاصله انه بعد فرض كون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية فان لازمه كون التكليف فعليا حتميا من جميع الجهات ، وبعد ما عرفت ان المحال لا بد وان يكون مقطوعا بعدمه فاحتماله كالقطع به ، وكما لا يجوز الاذن في المخالفة القطعية للقطع بالتنافي بين البعث اللزومي الى شيء وبين الاذن في اقتحام ، كذلك

١٣٠

فافهم (١).

ولا يخفى أن المناسب للمقام هو البحث عن ذلك ، كما أن المناسب في باب البراءة والاشتغال ـ بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية ـ هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا وعدم ثبوته ، كما لا مجال بعد البناء على انه بنحو العلية للبحث عنه هناك اصلا كما لا يخفى (٢).

______________________________________________________

لا يجوز الاذن فيما يحتمل ذلك ، ومن البديهي ان لازم جعل الاصل في بعض الاطراف احتمال ذلك.

واما جواز الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي في المعلوم التفصيلي فضلا عما هو معلوم بالاجمال فلأن جواز الاكتفاء في الموارد المشار اليها كالشك بعد التجاوز او بعد الفراغ ، فهو اما لتبدل الموضوع بواسطة عروض الشك ، او لعروض مصلحة ملزمة بواسطة الشك تكون اولى من مصلحة الاحتياط بلزوم الامتثال التفصيلي ، ولذا لم يرد من الشارع اكتفاء في غير مورد عروض الشك بالامتثال الاحتمالي.

فاتضح ان التفصيل في المقام بكون العلم الاجمالي بنحو الاقتضاء بالنسبة الى الموافقة القطعية وبنحو العلية التامة بالنسبة الى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية واضح الضعف.

(١) لعله اشارة الى عدم ذلك في القول بالاقتضاء بالنسبة الى كلا الامرين معا من الموافقة القطعية وترك المخالفة القطعية ، لأن مبناه هو كون العلم الاجمالي فعليا تعليقيا ، ولا منافاة بين الحكم الواقعي التعليقي والحكم الظاهري الفعلي على خلافه في مورده.

(٢) حيث ان الشيخ الاعظم يرى كون العلم الاجمالي علة تامة في حرمة المخالفة القطعية ، وبنحو الاقتضاء بالنسبة الموافقة القطعية ، فيكون له ـ على هذا ـ مرتبتان : مرحلة تاثيره التام بالنسبة الى حرمة المخالفة وهو المناسب للبحث عنه في القطع ،

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومرحلة جعل المانع عن تأثيره بالنسبة الى وجوب الموافقة وهو المناسب للبحث عنه في باب الاشتغال ، فلا يلزم في البحث عنه في المقامين تكرار.

والحاصل : ان الوجه في البحث عنه في المقامين هو كونه علة تامة في مقام ، ومقتضيا في المقام الآخر وهو مقام الموافقة القطعية ، ولذا ناسب البحث عن جريان الاصول في اطرافه في باب الاشتغال ، لان الاصول هي المانع الذي ينبغي البحث عنه.

والمصنف حيث يرى انه اما ان يكون علة تامة بالنسبة الى كلا الامرين ، او انه بنحو الاقتضاء بالنسبة اليهما معا ، فلذلك جعل الوجه للبحث عنه في مقامين غير الوجه الذي ذكر الشيخ.

وحاصله ـ كما اشار اليه في المتن ـ : هو ان المناسب للبحث عنه في القطع هو البحث عن تأثيره ، وانه هل هو بنحو العلية التامة او الاقتضاء؟ فان كان بنحو العلية التامة فلا وجه للبحث عنه في باب الاصول ، لعدم معقولية ايجاد المانع عن تأثيره اصلا ، وان كان بنحو الاقتضاء فيناسب ذكره في باب الاشتغال للبحث عن جعل المانع له بالنسبة الى كلا الامرين ، والى ذلك اشار بقوله : «ان المناسب للمقام هو البحث عن ذلك» أي عن نحو تاثيره وانه هل هو علة بنحو العلية التامة او الاقتضاء ، واشار الى ان البحث عنه في باب الاشتغال انما هو بناء على كون تأثيره بنحو الاقتضاء بقوله : «كما ان المناسب» للبحث عنه «في باب البراءة والاشتغال» انما يكون «بعد الفراغ هاهنا عن ان تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية» التامة ، والسبب في ذلك «هو» ان «البحث» هناك «عن ثبوت المانع» عن تاثيره «شرعا او عقلا وعدم ثبوته».

واشار الى كونه بعد البناء على كون تاثيره بنحو العلية التامة لا وجه للبحث عنه في باب الاشتغال لعدم معقولية جعل المانع عما هو العلة التامة بقوله : «كما لا مجال بعد البناء على انه بنحو العلية» التامة «للبحث عنه هناك».

١٣٢

هذا بالنسبة إلى إثبات التكليف وتنجزه به ، وأما سقوطه به بأن يوافقه إجمالا (١) ، فلا إشكال فيه في التوصليات (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان ما تقدم من البحث في العلم الاجمالي كان في انه هل هو كالعلم التفصيلي في وجوب الموافقة وحرمة المخالفة ام لا؟

والبحث هنا في كفايته في مقام امتثال ما يمكن معرفته تفصيلا ، لوضوح ان التكليف الذي لا يمكن معرفته تفصيلا ينحصر امتثاله بنحو الاجمال ، ولا يتأتى فيه شيء مما ذكرنا مانعا عن كفاية الامتثال الاجمالي ، لانه بعد انحصار امتثاله بالتكرار فلا يعقل ان يكون التكرار عبثا ، ولا بد من سقوط قصد الوجه والتمييز فيه فيما لو كان امتثاله اجمالا مخلا بهما او بخصوص التمييز.

وعلى كل الكلام هنا في انه هل يجب في مقام الامتثال ان يعرف تفصيلا ان ما يأتي به هو المكلف به ، ام يكفى في مقام الامتثال ان يأتي بما يعلم حصول الواجب في ضمنه فيكون قد علم اجمالا باتيان ما هو المأمور به؟

وبعبارة اخرى : انه هل يكفى في مقام الامتثال ان يأتي بما هو الواجب ولا يجب ان يعلم في مقام الاتيان ان ما يأتي به هو الواجب بخصوصه ، ام لا يكفى ذلك بل يجب ان يعرف تفصيلا ان ما يأتي به هو الواجب بخصوصه؟

فاتضح ان البحث هنا في كفاية العلم الاجمالي في مقام الامتثال ، وانه هل يحصل به سقوط التكليف المعلوم بالتفصيل ام لا بل لا بد في سقوط الواجب من العلم التفصيلي بان ياتي به هو الواجب بعينه؟ والى هذا اشار بقوله : «واما سقوطه به بان يوافقه اجمالا» أي بان ياتي ما يعلم بحصول الواجب في ضمنه.

(٢) لا يخفى ان البحث في كفاية الامتثال الاجمالي وعدمه انما هو في ما كان المكلف به واجبا ، اما لو كان محرما فلا اشكال فيه لان ما ذكر مانعا عن كفاية الامتثال اجمالا ككون التكرار مستلزما للعبث فانه انما يتأتى في مقام امتثال الواجب لا في امتثال المحرم ، فان من علم بخمرية احد الإناءين لا يجب ان يعلم ما هو الخمر منهما ،

١٣٣

وأما في العباديات فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار ، كما إذا تردد أمر عبادة بين الاقل والاكثر (١) ، لعدم الاخلال (٢) بشيء مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول

______________________________________________________

فتركه لعدم تأتي التكرار في تركهما معا لعدم الميز في الاعدام حتى يقال ان التكرار فيها مستلزم للبعث.

واما اذا كان واجبا ، فان كان توصليا فهو ايضا مما لا شكال في سقوطه بالامتثال اجمالا ، لان التوصلي هو ما كان الغرض مترتبا على وجوده بأي نحو كان ، فما ذكر مانعا عن سقوط التكليف بالامتثال اجمالا لا يتأتي فيه ككونه مخلا بقصد الوجه أو التمييز او كونه عبثا منافيا لقصد القربة ، لوضوح عدم حاجة الامتثال في التوصليات الى قصد الوجه او التمييز او قصد القربة حتى يكون العبث منافيا لها ، ولذا قال : «فلا اشكال فيه» أي في كفاية الامتثال اجمالا «في التوصليات».

(١) لا يخفى ان التكليف العبادي ربما يكون امتثاله بنحو الاجمال لا يحتاج الى التكرار ، كما لو علمنا بواجب مردد بين الاقل والاكثر وكان مما يمكن معرفته تفصيلا ، فامتثاله باتيان الاكثر لا يستلزم التكرار ، وفي هذا ايضا لا ينبغي ان يتوهم عدم كفاية الامتثال الاجمالي لما سيشير اليه من ان ما ذكر مانعا غير متأت فيه ايضا ، ولذا قال : «واما في العباديات فكذلك» أي كونها كالتوصليات مما لا اشكال في كفاية الامتثال الاجمالي فيها «فيما» كانت «لا يحتاج» الامتثال فيها «الى التكرار».

(٢) لا يخفى ان الموانع التي ذكرت في المتن لعدم كفاية الامتثال الاجمالي مع امكان الامتثال التفصيلي ثلاثة : الاخلال بقصد الوجه ، وبقصد التمييز ، ولزوم اللعب والعبث.

ولا يخفى عدم تأتي الثالث هنا ، لانه انما يمكن ان يدعى فيما كان فيه الامتثال الاجمالي بتكرار والامتثال التفصيلي من غير تكرار ، وحينئذ تتأتى دعوى ان

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الامتثال بنحو التكرار انما هو لداعي اللعب والعبث بامر المولى ، وهو مناف لقصد القربة الذي لا بد منه في حصول الامتثال ، اما ما لا تكرار فيه فلا مجال لهذه الدعوى فيه ، ولذا لم يتعرض لدفعه في هذا القسم.

ولما كان ما يتوهم كونه مانعا منحصرا في الاخلال بقصد الوجه او قصد التمييز فلا بد من بيان قصد الوجه وقصد التمييز ليتضح كون الامتثال بنحو الاجمال موجبا للاخلال بهما ام لا؟

والمراد من قصد الوجه هو قصد إتيان المامور به بما له من جهته الخاصة التي لاجلها تعلق الامر به ، كجهة وجوبه او ندبه.

وقصدها يكون بنحوين : تارة : بان تكون تلك الجهة هي الداعي للاتيان. واخرى : بما هي صفة للماتي به لوضوح ان من اتى بالواجب لاجل كونه واجبا وبداعي وجوبه فقد قصد الوجه فيه ، ومن اتى به موصوفا بكونه واجبا كان ايضا قد قصد جهة وجوبه ، والاول قصد الوجه بنحو كونه غاية ، والثاني : قصده بنحو كونه وصفا ، ولهذا اذا ذكروا قصد الوجه قالوا بنحو الغاية او التوصيف.

واما قصد التمييز فالمراد منه هو كون المكلف عالما بحقيقة ما يأتي به ، ولذا من اوجب قصد التمييز التزم بلزوم معرفة كون ما يأتي به قضاء او اداء ، لان الجهل بأدائيته او قضائيته لازمها عدم معرفة حقيقة المأتي به تماما.

فاذا عرفت المراد من قصد الوجه والتمييز تعرف انه في الاتيان بالواجب المردد بين الاقل والاكثر بنحو الاجمال بأن يأتي بما هو الاكثر لا يكون فيه اخلال بقصد الوجه ، لوضوح انه قد أتى بالواجب بداعي وجوبه لفرض كون الداعي لاتيانه هو الوجوب ، فان كان المركب الواجب هو الاكثر فقد أتي به بداعي الوجوب ، وان كان المركب الواجب هو الاقل فقد أتي به بذلك الداعي ايضا ، وكذلك فيما اذا كان قصد الوجه بنحو التوصيف لصدق كون ما أتى به هو الواجب سواء كان هو الاقل او الاكثر.

١٣٥

الغرض منها ، مما لا يمكن أن يؤخذ فيها ، فإنه نشأ من قبل الامر بها ، كقصد الاطاعة والوجه والتمييز (١) فيما إذا

______________________________________________________

ولا اخلال بقصد التمييز ايضا لما عرفت من ان قصد التمييز هو قصد الاتيان بما يعلم انه هو الواجب ، والمكلف حيث يعلم ان الواجب اما الاقل او الاكثر فبقصده اتيان الاكثر يكون قد قصد التمييز لعلم المكلف بانه قد اتى بالمركب الواجب بتمامه وكماله ، هذا اذا كان المراد من قصد الوجه والتمييز قصد الوجوب المتعلق بالمركب ، وقصد العلم باتيان المركب الواجب بما هو مركب واجب.

وبعبارة اخرى : ان قصد الوجه اما بنحو الغاية او بنحو التوصيف ، ان كان المراد منه هو قصد اتيان المركب بداعي الوجوب او اتيان المركب الموصوف بالوجوب فلا اخلال به في اتيان الواجب المردد بين الاقل والاكثر في ضمن الاكثر ، لفرض كون الداعي الى اتيانه هو الوجوب ، وان ما اتى به موصوف بالوجوب قطعا سواء كان هو الاقل او الاكثر ، والامر كذلك في قصد التمييز فانه بقصد اتيان الاكثر قد قصد اتيان ما يعلم انه هو الواجب سواء كان هو الاقل او الاكثر.

واما اذا كان المراد من قصد الوجه والتمييز المتعلقين باجزاء المركب العبادي فسيأتي التعرض له.

(١) قد عرفت في مبحث التعبدي والتوصلي ان الفرق بين التعبدي والتوصلي هو كون الغرض من الاول لا يترتب إلّا باتيانه بقصد القربة وهو اتيانه بداعي امتثال امره ، وقد عرفت هنا وهناك ان قصد الوجه هو قصد الوجوب وهو من صفات الامر المتعلق بالمركب ، وقصد التمييز هو العلم بالمركب المتعلق للامر بحقيقته ، وهو ايضا مما يتوقف على معرفة الامر المتعلق بالمركب.

فاتضح ان قصد الامر وقصد الوجه وقصد التمييز امور كلها تنشأ من قبل الامر المتعلق بالمركب.

١٣٦

أتى الاكثر (١) ، ولا يكون إخلال حينئذ إلا بعدم إتيان ما احتمل جزئيته

______________________________________________________

وقد عرفت ايضا في مبحث التعبدي الخلاف في امكان اخذ ما ينشأ من قبل الامر وعدمه ، وان المصنف يرى عدم امكان اخذ ما ينشأ من قبل الامر في متعلق الامر ، وقد عرفت ايضا ان القدر المتيقن اعتباره في حصول المامور به التعبدي هو قصد الامتثال ، وان قصد الوجه والتمييز مما لا يعتبران في التعبدي ، لانهما مما يغفل عنهما العامة ، وفي مثل ذلك يجب على الشارع ان يكون بصدد البيان فيهما لعدم ارشاد العقل اليهما ، فان غاية ما يدعي هو ارشاده الى ما يتوقف عليه وقوع المامور به قريبا ، وهو يحصل باتيانه بقصد الامتثال فقط من دون حاجة الى قصد الوجه والتمييز ، وقد اشار الى هذه الامور كلها بقوله : «مما يعتبر» اشار الى قصد امتثال الامر لانه هو القدر المتيقن اعتباره في عبادية المامور به ، وبقوله : «او يحتمل اعتباره» اشار الى ان قصد الوجه والتمييز ليس كقصد الامتثال ، فليس قصدهما من القدر المتيقن اعتباره في وقوع المامور به عبادة. نعم هما مما يحتمل اعتباره بدوا.

وبقوله : «في حصول الغرض» اشار الى الفرق بين التعبدي والتوصلي ، وبقوله : «مما لا يمكن ان يؤخذ فيها» أي في العبادة اشار الى ان رأيه عدم امكان أخذ هذه الامور كلها في متعلق الامر ، وبقوله : «لكونه» أي لكون ما يعتبر او يحتمل اعتباره «نشا من قبل الامر بها» اشار الى علة عدم امكان اخذها فيه ، وقوله : «كقصد الاطاعة» مثال لما يعتبر ، وقوله : «والوجه او التمييز» هذا مثال لما يحتمل اعتباره.

(١) لا يخفى ان الكلام في الامتثال الاجمالي وهو إتيان ما يقطع بانه قد اتى بالواجب في ضمنه ، وهو انما يتحقق فيما اذا أتى بالاكثر كما اشرنا اليه ، لوضوح انه اذا أتى بالاقل لا يقطع باتيان ما يحصل الواجب في ضمنه ، لاحتمال كونه هو الاكثر ، وعلى فرض كون الواجب هو الاكثر لا يكون قد أتى بما يقطع حصول الواجب في ضمنه ، وقد عرفت انه باتيانه بداعي الامر قد حصل قصد الامتثال ، وباتيانه بداعي الوجوب

١٣٧

على تقديرها بقصدها (١) ، واحتمال دخل قصدها في حصول الغرض

______________________________________________________

يحصل قصد الوجه بنحو الغاية ، وباتيانه المامور به موصوفا بالوجوب يحصل قصد الوجه بنحو التوصيف ، وبعد علمه بان المركب الواجب يحصل في ضمن ما ياتي به قد حصل قصد التمييز فلا اخلال بشيء مما يعتبر في العبادة قطعا او احتمالا ، فيما اذا كان المامور به عبادة وكان امتثاله غير محتاج الى التكرار وذلك في العبادة المرددة بين الاقل والاكثر فيما اتى بها في ضمن الاكثر.

(١) لا يخفى انه اذا كانت هذه الامور الثلاثة معتبرة في وقوع المركب بما هو مركب عبادة لا يكون اخلال بها اصلا فيما اذا أتى بالمركب المردد بين الاقل والاكثر في ضمن الاكثر ، لفرض قصد امتثال الامر المتعلق بالمركب ، وفرض اتيان المركب بداعي قصد الوجوب او موصوفا بالوجوب ، وفرض العلم بان ما يأتي به هو المركب الواجب قطعا.

واما اذا كانت هذه الامور معتبرة في اجزاء المركب العبادي كاعتبارها في نفس المركب بان يؤتي بكل جزء جزء من المركب بقصد امره المتعلق به ويقصد وجوبه الخاص به غاية او وصفا ، وبقصد تمييزه بوصف كونه جزءا للعبادة ـ فلا يحصل الامتثال الاجمالي للعبادة المرددة بين الاقل والاكثر باتيانها في ضمن الاكثر ، لفرض كون بعض ما يأتي به محتمل الجزئية.

ومع احتمال كونه جزءا واحتمال كونه ليس بجزء لا يتأتى قصد امتثال امره بخصوصه ، لاحتمال ان لا يكون له امر.

ولا يتأتى ايضا قصد وجوبه الخاص به لا غاية ولا توصيفا ، لاحتمال عدم وجوبه.

وعدم حصول التمييز فيه واضح ، لفرض عدم تمييز كل جزء جزء منه بما انه جزء المركب الواجب.

١٣٨

ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية (١).

وأما فيما احتاج إلى التكرار ، فربما يشكل من جهة الاخلال بالوجه تارة ، وبالتمييز أخرى ، وكونه لعبا وعبثا ثالثة.

وأنت خبير بعدم الاخلال بالوجه بوجه في الاتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه ، غاية الامر أنه لا تعيين له ولا تمييز فالاخلال إنما يكون به ، واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف ، لعدم عين منه ولا أثر في الاخبار ، مع أنه مما يغفل عنه غالبا ، وفي مثله لا بد

______________________________________________________

فعدم حصول هذه الامور اذا كانت معتبرة على هذا النحو واضح ، والى هذا اشار بقوله : «ولا يكون اخلال حينئذ» أي لا يكون اخلال بهذه الامور الثلاثة في اتيان الاقل في ضمن الاكثر اذا كانت هذه الامور معتبرة في المركب بما هو مركب ، ولا يقع الاخلال بها «الا» اذا كانت معتبرة في اجزاء المركب كاعتبارها فيه ، وحينئذ يحصل الاخلال بها وذلك «بعدم اتيان ما احتمل جزئيته» بقصد امتثال امره الخاص ولا بقصد وجوبه الخاص ولا متميزا بعنوان كونه جزءا ف «على تقديرها» معتبرة في كل جزء جزء يقع الاخلال «بقصدها» كما عرفت.

(١) حاصله : ان قصد عبادية الجزء وقصد الوجه والتمييز فيه ضعيف وسخيف والوجه في ذلك ان العبادي اما ان يكون عبادة بذاته فقصد عنوانه هو قصد عباديته من دون حاجة الى قصد امره او غيره ، وان كان هو ما لو امر به لكان امره عباديا ، فجزء العبادة مما لم يؤمر به وانما المامور به هو المركب دون الجزء ، فاذا لم يكن الجزء بما هو جزء متعلقا لامر عبادي فلا وجه لاعتبار قصد القربة فيه بخصوصه او قصد الوجه او قصد التمييز فيه كذلك ، لانها انما تعتبر في ما تعلق به الامر العبادي ، والمفروض ان متعلق الامر العبادي هو المركب دون الجزء بما هو جزء ، وقد عرفت ان المركب المأتي به في ضمن الاكثر لا اخلال فيه لا بقصد القرب ولا بقصد الوجه ولا بقصد التمييز.

١٣٩

من التنبيه على اعتباره ودخله في الغرض ، وإلا لاخل بالغرض ، كما نبهنا عليه سابقا.

وأما كون التكرار لعبا وعبثا ، فمع أنه ربما يكون لداع عقلائي ، إنما يضر إذا كان لعبا بأمر المولى ، لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها ، كما لا يخفى (١) ، هذا كله في قبال ما إذا تمكن من القطع تفصيلا

______________________________________________________

(١) قوله (قدس‌سره) : «واما فيما احتاج الى التكرار الخ» كمن صلى مرتين في ثوبين علم بنجاسة احدهما اجمالا ، وكان يستطيع ان يعرف النجس منهما بخصوصه ـ فقد استشكل في صحة الامتثال الاجمالي فيه بوجوه اشار المصنف الى ثلاثة منها :

الاول : لزوم الاخلال بقصد الوجه ، بدعوى ان كلا من الصلاتين قد اتى بهما بداعي احتمال الوجوب لا بداعي الوجوب.

وفيه ان الاتيان بداعي احتمال الوجوب لا يوجب خللا في قصد الوجه ، لبداهة ان قصد الوجه هو الاتيان بداعي الوجوب لوجوبه ، والاتيان بمحتمل الوجوب حيث كان منبعثا عن قصد امتثال الواجب لوجوبه ، فاذا كان واجبا واقعا فقد اتى به بداعي الوجوب لوجوبه ولم يقع اخلال فيه ، فان قصد الاتيان بالواجب لوجوبه في المعلوم بالتفصيل يحصل منه ارادة واحدة تتعلق باتيان المعلوم بالتفصيل ، وفي المعلوم بالاجمال منه تحصل ارادتان لكل واحد من المحتملين ارادة تتعلق باتيانه بخصوصه منبعثة عن ارادة امتثال الواجب لوجوبه.

ومنه يظهر ان المنع عن اتيان ما احتمل جزئيته في الفرض السابق بقصد الوجه انما هو لعدم كون جزء العبادة عبادة لا لعدم تاتي قصد الوجه في محتمل الجزئية لو فرض اعتباره فيه ، واليه اشار بقوله : «وانت خبير بعدم الاخلال بالوجه بوجه في الاتيان الى آخر الجملة».

الثاني : لزوم الاخلال بقصد التمييز في الاتيان بمحتمل الوجوب وهو واضح ، لما عرفت من ان التمييز هو الاتيان بما علم تفصيلا انه هو الواجب ، وفي كل واحد من

١٤٠