تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

والتفليس لا يتصوّر فيه الوكالة.

وأمّا الحجر فيصحّ أن يوكّل الحاكم مَنْ ينوب عنه فيه ، ويوكّل الغرماء مَنْ يطلبه من الحاكم. وأمّا المحجور عليه فلا يتصوّر فيه أن يستنيب مَنْ يحكم عليه بالحجر عليه.

وكذا تصحّ الوكالة في القراض في عقده وفعله بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك ، وإلاّ فلا.

وفي الإقرار خلاف يأتي (١).

ويصحّ التوكيل في الهبة والعارية ـ لأنّها هبة المنافع ـ في عقدها وفعلها ، إلاّ في مثل إعارة الثوبِ ليلبسه ، والدابّةِ ليركبها بنفسه ، وشبه ذلك.

والغصب لا يتصوّر فيه التوكيل ، فإذا وكّل رجل رجلاً في غصبٍ ، كان الغاصبُ الوكيلَ ، دون الموكّل ؛ لأنّ فعل ذلك حرام ، فلا تصحّ النيابة فيه.

وتصحّ النيابة في المطالبة بالشفعة وأخذها.

وكذا تصحّ في المساقاة والمزارعة والإجارة والوديعة والجعالة والفعل المتعلّق بالجعالة ، والحوالة والقرض عقداً وتسليماً وأخذاً ، والوقف والحبس والعمرى والرقبى ، والوصيّة إيجاباً وقبولاً ، وفعل متعلّقها.

ولبعض الشافعيّة قولٌ في منعها ؛ لأنّها قربة (٢).

والقربة لا تنافي النيابة ، كالحجّ وصلاة الطواف.

__________________

(١) في ص ٤٩ ، المسألة ٦٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

٤١

وتصحّ النيابة في الصدقة ـ كالزكاة وشبهها ـ والإبراء وقبض الأموال ، مضمونةً كانت أو غير مضمونة ، وفي قبض الديون وإقباضها ؛ لأنّ ذلك كلّه في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها ، فيثبت فيها حكمه.

ولا نعلم في شي‌ء من ذلك خلافاً ، إلاّ ما قلناه.

وكذا تصحّ النيابة في العطايا وقسمة الفي‌ء والغنيمة والصدقة.

مسألة ٦٧٢ : يصحّ التوكيل في عقد النكاح إيجاباً وقبولا ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكّل عمرو بن أُميّة الضمري وأبا رافع في النكاح له (١).

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك ، فإنّه ربما احتاج إلى التزويج من مكانٍ بعيد لا يمكنه السفر إليه ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج أُمّ حبيبة وهي يومئذٍ بأرض الحبشة (٢).

ويجوز التوكيل في الطلاق ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً على ما قدّمناه ، وفي الخلع ، وفي الرجعة ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣) ـ كابتداء النكاح ، فإنّ كلّ واحدٍ منهما استباحة فرجٍ محرَّم.

والثاني : المنع ، كما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة ووكّل بالاختيار ، وكذا لو طلّق إحدى امرأتيه ، أو أعتق أحد عبديه ، ووكّل بالتعيين (٤).

__________________

(١) راجع المصادر في الهامش ( ٢ و ٣ ) من ص ٦.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٨ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٦٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٩ : ١٣٥ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٣ : ٤٦٠ ، سنن النسائي ٦ : ١١٩ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٢٣ : ٢١٩ / ٤٠٢ ، مسند أحمد ٧ : ٥٧٩ / ٢٦٨٦٢.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

٤٢

ونمنع الملازمة وثبوت الحكم في الأصل.

وكذا يصحّ التوكيل في تعيين المهر وقبضه ، ولا تصحّ الوكالة في القَسْم ؛ لأنّه يتعلّق ببدن الزوج ويتضمّن استمتاعاً.

مسألة ٦٧٣ : كما يصحّ التوكيل في العقود ، كذا يصحّ في فسخها والتوكيل في الإقالة منها وسائر الفسوخ.

وما هو على الفور قد يكون التأخير بالتوكيل تقصيراً.

ويصحّ التوكيل في خيار الرؤية.

وللشافعيّة خلاف فيه (١).

ويجوز التوكيل في الإعتاقِ والتدبيرِ.

وللشافعيّة فيه وجهان يبنى على أنّه وصيّة أو تعليق عتقٍ بصفةٍ؟ فإن قلنا بالثاني منعناه (٢).

والكتابةِ.

ولا يتصوّر في الاستيلاد ؛ لأنّه متعلّق بالوطي ، والوطء مختصّ بالفاعل.

ولا تصحّ الوكالة في الإيلاء ؛ لأنّه يمين. وكذا اللعان لا يصحّ التوكيل فيه أيضاً ؛ لأنّه يمين كالإيلاء ، أو شهادة على خلافٍ ، وكلاهما لا تدخلهما النيابة ، وكذا القسامة.

ولا تصحّ في الظهار ؛ لأنّه منكر وزور وبهتان ، فلا تدخله النيابة.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ المغلَّب فيه معنى اليمين أو‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، و ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، و ٥٢٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٤٣

الطلاق؟ ومعظمهم مَنَع من التوكيل فيه (١).

وأمّا العدّة فلا تدخلها النيابة ؛ لأنّها تجب لاستبراء رحمها.

والرضاع لا تدخله النيابة ؛ لأنّه متعلّق بالمُرضع والمرتضع ؛ لأنّه يختصّ بإنبات لحم المرتضع وانتشار عظمه بلبن المُرضع.

والنفقة يصحّ التوكيل في دفعها وقبضها.

ولا تصحّ النيابة في الأيمان ؛ لأنّها عبادة. ولأنّ الحكم في الأيمان يتعلّق بتعظيم اسم الله ، فامتنعت النيابة فيها ، كالعبادات.

وكذا النذور والعهود لا تدخلها النيابة.

وأمّا الشهادات فلا يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّا علّقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم غيرها مقامها ، فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل!؟ ولأنّ الشهادة تتعلّق بعين الشاهد ؛ لكونها خبراً عمّا سمعه أو رآه ، ولا يتحقّق هذا المعنى في نائبه.

فإن استناب فيها ، كان النائب شاهداً على شهادته ؛ لكونه يؤدّي ما سمعه من شاهد الأصل ، وليس ذلك بتوكيل ، فحينئذٍ تصحّ الاستنابة في الشهادة على وجه الشهادة.

وكذا تصحّ النيابة في القضاء والحكم.

مسألة ٦٧٤ : في صحّة التوكيل في المباحات ـ كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش وإحياء الموات وإجارة الماء وشبهه ـ إشكال ينشأ : من أنّه أحد أسباب الملك ، فكان كالشراء. ولأنّه عمل مقصود يصحّ أخذ الأُجرة عليه ، فجاز فيه النيابة كغيره من الأعمال ، فحينئذٍ يحصل الملك للموكّل إذا قصده‌

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٤٤

الوكيل ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أحمد (١) ـ لأنّه تملّك مالٍ بسببٍ لا يتعيّن عليه ، فجاز التوكيل فيه ، كالشراء والاتّهاب.

والثاني للشافعيّة : لا يصحّ كالاغتنام ؛ لأنّ الملك يحصل فيها بالحيازة وقد وُجدت من الوكيل ، فيكون الملك له (٢).

فعلى هذا إن جوّزنا التوكيل فيه ، جوّزنا الإجارة عليه ، فإذا استأجره ليحتطب أو يستقي المال أو يحيي الأرض ، جاز ، وكان ذلك للمستأجر. وإن قلنا بالمنع هناك ، منعناه هنا ، فيقع الفعل للأجير.

والجويني رأى جواز الاستئجار عليه مجزوماً به ، فقاس عليه وجه تجويز التوكيل (٣).

مسألة ٦٧٥ : يجوز التوكيل في قبض الجزية وإقباضها والمطالبة بها ، وفي عقد الذمّة.

وفي تجويز توكيل الذمّي المسلمَ [ فيه ] (٤) خلافٌ بين الشافعيّة (٥).

وأمّا العقوبات ـ كالقتل والجنايات والزنا والقذف والسرقة والغصب وأشباه ذلك ـ فلا مدخل للتوكيل فيها ، بل أحكامها تثبت في حقّ متعاطيها ومرتكبها ؛ لأنّ كلّ شخصٍ بعينه مقصود بالامتناع منها ، فإذا لم يفعل (٦)

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٥.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منه ». والظاهر ما أثبتناه ، أي : توكيله في القبض.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، و ١١ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤ ، و ٧ : ٥٠٤.

(٦) أي : لم يمتنع.

٤٥

أُجري حكمها عليه.

وأمّا حدود الله تعالى ـ كحدّ الزنا والسرقة ـ فيجوز التوكيل فيها لاستيفائها ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر برجم ماعِز ، فرُجم (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اغْدُ يا أُنَيْس إلى امرأة هذا فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها » فغدا أُنَيْس عليها فاعترفت فأمر بها فرُجمت (٢).

ووكّل أمير المؤمنين عليه‌السلام عبد الله بن جعفر في إقامة حدّ الشرب على الوليد بن عقبة ، فأقامه (٣).

ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، فإنّ الإمام لا يمكنه تولّي ذلك بنفسه ، فيجوز التوكيل في استيفائها للإمام.

وللسيّد أن يوكّل في استيفاء الحدّ من مملوكه.

ويجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى ـ وبه قال بعض العامّة (٤) ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكّل أُنَيْساً في إثبات الحدّ واستيفائه جميعاً ، فإنّه قال : « فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها » (٥) وهذا يدلّ على أنّه لم يكن قد ثبت وقد وكّله في إثباته.

ولأنّ الحاكم إذا استناب نائباً في عملٍ ، فإنّه يدخل في تلك النيابة‌

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٣ / ٢٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٤ / ٢٥٥٤ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٦ / ١٤٢٨ ، سنن الدارقطني ٣ : ٩١ ـ ٩٢ / ٣٩ ، و ١٢١ ـ ١٢٢ / ١٣٢ و ١٣٣ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٤ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٣٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٤ ـ ١٣٢٥ / ١٦٩٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٢ / ٢٥٤٩ ، سنن أبي داوُد ٤ : ١٥٣ / ٤٤٤٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٩ ـ ٤٠ / ١٤٣٣ ، سنن النسائي ٨ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٣ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٩١ / ١٦٥٩٠ ، و ٩٢ / ١٦٥٩٤.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٠ / ١٦٩٣ ، الكامل في التأريخ ٣ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، المغني ٥ : ٢٠٦.

(٤) المغني ٥ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٥) تقدّم تخريجه في الهامش (٢).

٤٦

الحدودُ وإثباتُها ، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولى.

وقال الشافعي : لا يجوز التوكيل في إثباتها ؛ لأنّها تُدرأ بالشبهات ، وقد أُمر بإدرائها بالشبهة ، والتوكيل توصّلٌ إلى إثباتها (١).

وهو غير منافٍ لقولنا ؛ فإنّ للوكيل أن يدرأها بالشبهات.

وأمّا عقوبات الآدميّين فيجوز التوكيل في استيفائها في حضور المستحقّ إجماعاً.

وأمّا في غيبته فإنّه يجوز ذلك أيضاً عندنا ؛ للأصل.

وللشافعي فيه ثلاثة طُرق أشهرها : أنّه على قولين :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه لا نتيقّن بقاء الاستحقاق عند الغيبة ؛ لاحتمال العفو ، ولأنّه ربما يرقّ قلبه حالة حضوره فيعفو ، فليشترط الحضور.

وأصحّهما : الجواز ـ كما قلناه ـ لأنّه حقّ يستوفى بالنيابة في الحضور ، فكذا في الغيبة ، كسائر الحقوق. واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة ، فإنّه لا يمنع الاستيفاء في [ غيبته ] (٢).

الثاني : القطع بالجواز ، وحمل المنع على الاحتياط.

الثالث : القطع بالمنع ؛ لعظم خطر الدم (٣). وبهذا الأخير قال أبو حنيفة (٤).

__________________

(١) التنبيه : ١٠٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦ ، المغني ٥ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيبتهم ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٣ ـ ١١٤ ، البيان ٦ : ٣٥٧ ـ ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٣٦ ،

٤٧

مسألة ٦٧٦ : ويجوز التوكيل في إثبات حدّ القذف والقصاص عند الحاكم وإقامة البيّنة عليه‌ ، عند عامّة الفقهاء ؛ لأنّه حقٌّ لآدميّ ، فجاز التوكيل في إثباته ، كسائر الحقوق.

وقال أبو يوسف : لا يصحّ التوكيل فيه ؛ لأنّه يثبت الحدّ بما قام مقام العفو ، والحدّ لا يثبت بذلك ، كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة ، ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا برجل وامرأتين ، كذا هنا (١).

ونمنعه في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ، على أنّ الحدّ لا يثبت بالتوكيل ، وإنّما يثبت بالبيّنة ، فلم يصح ما قاله.

مسألة ٦٧٧ : يجوز لكلّ واحدٍ من المدّعي والمدّعى عليه التوكيل بالخصومة ، رضي صاحبه أو لم يرض ، وليس لصاحبه الامتناع من خصومة الوكيل.

وقال أبو حنيفة : له الامتناع ، إلاّ أن يريد الموكّل سفراً أو يكون مريضاً أو تكون مخدّرةً (٢).

وقال مالك : له ذلك ، إلاّ أن يكون سفيهاً خبيثَ اللسان ، فيعذر‌

__________________

الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، المغني ٥ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، البيان ٦ : ٣٥٧.

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٣ ، البيان ٦ : ٣٥٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٤ / ١١٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩.

٤٨

الموكّل في التوكيل (١).

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه توكيلٌ في خالص حقّه ، فيُمكّن منه ، كالتوكيل باستيفاء الدَّيْن من غير رضا مَنْ عليه.

ولا فرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون المطلوب مالاً أو عقوبةً للآدميّين ، كالقصاص وحدّ القذف.

وكذا حدود الله تعالى عندنا ، خلافاً للشافعي (٢).

مسألة ٦٧٨ : في التوكيل بالإقرار إشكال.

وصورته أن يقول : وكّلتُك لتقرَّ عنّي لفلان.

قال الشيخ رحمه‌الله : إنّه جائز (٣). وهو أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه قول يلزم به الحقّ ، فأشبه الشراء وسائر التصرّفات (٤) ، وبه قال أبو حنيفة (٥) أيضاً.

ومعظم الشافعيّة على المنع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ عليه ، ولا يلزم الغير إلاّ على وجه الشهادة ، وهذا كما لو قال : رضيت بما يشهد به عَلَيَّ فلان ، فإنّه لا يلزمه ، كذلك هنا. ولأنّه إخبار ، فلا يقبل التوكيل كالشهادة ، وإنّما يليق التوكيل بالإنشاءات (٦).

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، البيان ٦ : ٣٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤ ، المسألة ٥ من كتاب الوكالة.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٦٢ ، الوجيز ١ : ١٨٨ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٨ / ١٠٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٦٢ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ،

٤٩

فعلى هذا هل يُجعل مُقرّاً بنفس التوكيل؟ فيه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ، تخريجاً ، واختاره الجويني ؛ لأنّ توكيله دليل ثبوت الحقّ عليه ؛ لأنّ قوله : « أقرّ عنّي بكذا » يتضمّن وجوبه عليه.

وأظهرهما : أنّه لا يُجعل مُقرّاً ، كما أنّ التوكيل بالإبراء لا يجعل إبراءً ، وكالتوكيل في البيع ، فإنّه لا يكون بيعاً ، ورضاه بالشهادة عليه لا يكون إقراراً بالحقّ (١).

وعندي في ذلك تردّد ، فإن قلنا بصحّة التوكيل في الإقرار ، ينبغي أن يبيّن للوكيل جنس المُقرّ به وقدره ، فلو قال : أقرّ عنّي بشي‌ء لفلان ، طُولب الموكّل بالتفسير.

ولو اقتصر على قوله : أقرّ عنّي لفلان ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه كما لو قال : أقرّ عنّي له بشي‌ء.

وأصحّهما : أنّه لا يلزمه شي‌ء بحال ؛ لجواز أن يريد الإقرار بعلمٍ أو شجاعة ، لا بالمال (٢).

مسألة ٦٧٩ : لا يصحّ التوكيل بالالتقاط ، فإذا أمره بالالتقاط فالتقط ، كان الملتقط أحقَّ به من الآمر.

والميراث لا تصحّ النيابة فيه ، إلاّ في قبض الموروث وقسمته.

__________________

حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

٥٠

وتصحّ النيابة في دفع الديات إلى مستحقّها.

والجنايات لا تصحّ النيابة فيها ؛ لأنّها ظلم ، فتتعلّق بفاعلها.

وأمّا قتال أهل البغي فيجوز أن يستنيب فيه.

والأشربة لا تصحّ النيابة فيها ، ويجب الحدّ على الشارب ؛ لأنّه فَعَل المحرَّم.

وأمّا الجهاد فقد مَنَع الشافعي من دخول النيابة فيه بحال ، بل كلّ مَنْ حضر الصفّ توجّه الفرض عليه (١).

وهو بهذا المعنى صحيح ، وكذا ما قلناه أوّلاً من صحّة النيابة في الجهاد على معنى أنّ للرجل أن يُخرج غيره بأُجرة أو غيرها في الجهاد.

وأمّا الذبح فيصحّ التوكيل فيه.

وكذا يصحّ في السبق والرمي ؛ لأنّه إمّا إجارة أو جعالة ، وكلاهما تدخله النيابة.

ويصحّ التوكيل في الدعوى ؛ لأنّ ذلك مطالبة بحقّ غيره ، فهو كاستيفاء المال.

ويجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً ، صحيحاً أو مريضاً.

النظر الثالث : في العلم‌.

مسألة ٦٨٠ : لا يشترط في متعلّق الوكالة ـ وهو ما وُكّل فيه ـ أن يكون معلوماً من كلّ وجهٍ‌ ، فإنّ الوكالة إنّما جُوّزت لعموم الحاجة ، وذلك‌

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٥١

يقتضي المسامحة فيها ، ولذلك جوّز بعضهم تعليقها بالإغرار (١). ولم يشترط القبول اللفظي فيها ، ولا الفوريّة في القبول ، لكن يجب أن يكون معلوماً مبيَّناً من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر.

ولا فرق في ذلك بين الوكالة العامّة والخاصّة.

فأمّا الوكالة العامّة : فبأن يقول : وكّلتُك في كلّ قليل وكثير.

فإن لم يُضف إلى نفسه ، فالأقوى : البطلان ؛ لأنّه لفظ مبهم في الغاية.

ولو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال : وكّلتُك في كلّ أمر هو إلَيَّ ، أو : في كلّ أُموري ، أو : في كلّ ما يتعلّق بي ، أو : في جميع حقوقي ، أو : بكلّ قليل وكثير من أُموري ، أو : فوّضت إليك جميع الأشياء التي تتعلّق بي ، أو : أنت وكيلي مطلقاً فتصرَّف في مالي كيف شئت ، أو فصَّل الأُمور المتعلّقة به التي تجري فيها النيابة ، فقال : وكّلتُك ببيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي ، أو لم يفصّل على ما تقدّم ، أو قال : وكّلتُك بكلّ أمر هو إلَيَّ ممّا يناب فيه ، ولم يفصّل أجناس التصرّفات ، أو قال : أقمتك مقام نفسي في كلّ شي‌ء ، أو : وكّلتُك في كلّ تصرّفٍ يجوز لي ، أو : في كلّ ما لي التصرّف فيه ، فالوجه عندي : الصحّة في الجميع ـ وبه قال ابن أبي ليلى (٢) ـ ويملك كلّ ما تناوله لفظه ؛ لأنّه لفظ عامّ فيصحّ فيما تناوله ، كما لو قال : بِعْ مالي كلّه.

ولأنّه لو فصّل وذكر جميع الجزئيّات المندرجة تحت اللفظ العامّ ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٢ ، البيان ٦ : ٣٦٣ ، المغني ٥ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٧٠.

٥٢

صحّ التوكيل ، سواء ضمّها بعضها إلى بعضٍ ، أو لا ، فيكون الإجمال صحيحاً.

وقال الشيخ رحمه‌الله : لا تصحّ الوكالة العامّة (١). وهو قول جميع العامّة ـ إلاّ ابن أبي ليلى ـ لما فيه من الغرر العظيم والخطر الكبير ؛ لأنّه تدخل فيه هبة ماله وتطليق نسائه وإعتاق رقيقه ، وأن يزوّجه نساء كثيرة ، ويلزمه المهور الكثيرة والأثمان العظيمة ، فيعظم الضرر (٢).

والجواب : إنّا نضبط جواز تصرّف الوكيل بالمصلحة ، فكلّ ما لا مصلحة للموكّل فيه لم ينفذ تصرّف الوكيل [ فيه ] (٣) كما لو وكّله في بيع شي‌ء وأطلق ، فإنّه لا يبيع إلاّ نقداً بثمن المثل من نقد البلد ، كذا في الوكالة العامّة.

وكذا يصحّ لو قال له : اشتر لي ما شئت ـ خلافاً لبعض العامّة (٤) ، وعن أحمد رواية أنّه يجوز (٥) ـ عملاً بالأصل ، ولأنّ الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء. وحينئذٍ ليس له أن يشتري إلاّ بثمن المثل وأدون ، ولا يشتري ما يعجز الموكّل عن ثمنه ، ولا ما لا مصلحة للموكّل فيه.

ولو قال : بِعْ مالي كلّه واقبض ديوني كلّها ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه قد يعرف ماله وديونه.

ولو قال : بِعْ ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه إذا جاز التوكيل في الجميع ، ففي البعض أولى.

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٥٠ ، المسألة ١٤ من كتاب الوكالة.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٥٢.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٥) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

٥٣

ووافقتنا العامّة في جواز : وكّلتُك في بيع أموالي واستيفاء ديوني ، أو : استرداد ودائعي ، أو : إعتاق عبيدي (١).

والتفاوت ليس بطائلٍ.

وأمّا الوكالة الخاصّة : فهي المقصورة على نوعٍ من الأنواع ، كبيع عبدٍ أو شراء جاريةٍ أو محاكمة خصمٍ أو استيفاء دَيْنٍ منه ، وما أشبه ذلك ، ولا خلاف في جوازها.

مسألة ٦٨١ : إذا وكّله في بيع أمواله ، صح ، ولا يشترط كون أمواله معلومةً حينئذٍ ، بل يبيعها الوكيل ويبيع ما يعلم انتسابها إليه.

وللشافعيّة فيه وجهان ، هذا أصحّهما (٢).

ولو قال : وكّلتُك في قبض جميع ديوني على الناس ، جاز مجملاً وإن لم يعرف مَنْ عليه الدَّيْن ، وأنّه واحد أو أشخاص كثيرة ، وأيّ جنسٍ ذلك الدَّيْن.

أمّا لو قال : وكّلتُك في بيع شي‌ء من مالي ، أو : في بيع طائفةٍ منه أو قطعة منه ، أو في قبض شي‌ء من ديوني ، ولم يعيّن ، فالأقوى : البطلان ؛ لجهالته من الجملة ، ولا بدّ من أن يكون الموكّل فيه ممّا يسهل استعلامه.

أمّا لو قال : بِعْ ما شئت من أموالي ، أو : اقبض ما شئت من ديوني ، فإنّه يجوز.

وكذا لو قال : بِعْ مَنْ رأيت من عبيدي.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز حتى يعيّن (٣). وليس شيئاً.

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨.

٥٤

مسألة ٦٨٢ : لو قال له : بِعْ ما شئت من مالي ، جاز ، خلافاً لبعض الشافعيّة (١). ولو قال : بِعْ ما شئت من عبيدي ، جاز عندنا وعندهم (٢).

وفرّقوا : بأنّ الثاني محصور الجنس ، بخلاف الأوّل (٣).

وليس بجيّد ؛ لأنّ ما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه ، كعبيده.

ولو قال : اقبض دَيْني كلّه وما يتجدّد من ديوني في المستقبل ، صحّ على إشكالٍ في المتجدّد.

ولو قال له : اشتر لي شيئاً أو حيواناً أو رقيقاً أو عبداً أو ثوباً ، ولم يعيّن الجنس ، فالأقوى عندي : الجواز ، ويكون الخيار في الشراء إلى الوكيل ، ويكون ذلك كالقراض حيث أمره صاحب المال بشراء شي‌ء.

وقال أصحاب الشافعي : لا يصحّ مع الإطلاق حتى يبيّن أنّ الرقيق عبد أو أمة ، ويبيّن النوع أيضاً من أنّه تركيّ أو هنديّ أو غيره ؛ لأنّ الحاجة قد تقلّ إلى شراء عبدٍ مطلق على أيّ نوعٍ ووصفٍ كان ، وفي الإبهام ضرر عظيم ، فلا يحتمل ، وإنّما تمسّ الحاجة في الأكثر وتدعو إلى غلامٍ من جنسٍ معيّن ، هذا مذهب أكثرهم (٤).

وذكر بعضهم وجهاً : أنّه يصحّ التوكيل بشراء عبدٍ مطلق (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٢ ـ ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨ ، المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨ ، المغني ٥ : ٢١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٥

مسألة ٦٨٣ : إذا وكّله في شراء عبدٍ وأطلق ، فقد بيّنّا جوازه‌. وعند الشافعيّة لا بدّ من تعيين جنسه (١).

وهل يفتقر مع تعيين النوع إلى تعيين الثمن؟ الأقرب عندي : عدمه ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة وابن سريج (٢) ـ لأنّه إذا ذكر نوعاً فقد أذن له في أعلاه ثمناً ، فيقلّ الغرر. ولأنّ ضبط الثمن ممّا يعسر معه التحصيل ؛ لأنّه قد لا يوجد به ، ولأنّ تعلّق الغرض بعبدٍ من ذلك النوع نفيساً كان أو خسيساً ليس ببعيدٍ.

والثاني للشافعيّة : لا بدّ من تقدير الثمن ، أو بيان غايته بأن يقول : مائة ، أو من مائة إلى ألف ؛ لكثرة التفاوت فيه ، ويجوز أن يذكر له أكثر الثمن أو أقلّه ، وإذا كان التفاوت في الجنس الواحد كثيراً ، لم يتمّ التوكيل إلاّ بالتعيين (٣).

وهو ممنوع.

ولا يشترط استقصاء الأوصاف التي تُضبط في السَّلَم ولا ما يقرب منها إجماعاً.

نعم ، إذا اختلفت الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافاً ظاهراً ، قال بعض الشافعيّة : لا بدّ من التعرّض له (٤).

__________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٥٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، المغني ٥ : ٢١٣.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩ ، المغني ٥ : ٢١٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٦

وليس شيئاً.

وهل يكفي ذكر الثمن عن ذكر النوع فيقول له مثلاً : اشتر لي عبداً بمائة ، وإن لم يقل : تركيّاً أو هنديّاً؟ الوجه عندنا : جوازه ، وبه قال بعض الشافعيّة (١).

وقال بعضهم بعدم الاكتفاء (٢).

ولو قال : اشتر لي عبداً كما تشاء ، جاز أيضاً عندنا ـ وبه قال بعض الشافعيّة (٣) ـ لأنّه صرّح بالتفويض التامّ ، بخلاف ما لو اقتصر على قوله : اشتر لي عبداً ، فإنّه لم يأت فيه ببيانٍ معتاد ولا تفويضٍ تامّ.

والأكثرون منهم لم يكتفوا بذلك ، وفرّقوا بينه وبين أن يقول في القراض : اشتر مَنْ شئت من العبيد ؛ لأنّ المقصود هناك الربح بنظر العامل وتصرّفه ، فليس (٤) التفويض إليه (٥).

وفي التوكيل بشراء الدار يجب عندهم التعرّض للمحلّة والسكّة ، وفي الحانوت للسوق (٦).

وكلّ هذا عندنا غير لازمٍ.

مسألة ٦٨٤ : إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له على زيدٍ ، صحّ.

فإن عرف الموكّل مبلغ الدَّيْن كفى ، ولم يجب إعلام الوكيل قدر الدَّيْن وجنسه ، وبه قال بعض الشافعيّة (٧).

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣.

(٢) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٤) في « العزيز شرح الوجيز » : « فيليق » بدل « فليس ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٦) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٧

وقال بعضهم : لا بدّ من أن يبيّن للوكيل قدر الدَّيْن وجنسه (١).

والمعتمد : الأوّل ؛ لأصالة صحّة الوكالة.

أمّا لو قال : بِعْ عبدي بما باع به فلان فرسه ، اشتُرط في صحّة البيع عِلْمُ الوكيل ؛ لأنّ العهدة تتعلّق به ، فلا بدّ أن يكون على بصيرةٍ من الأمر ، ولا عهدة في الإبراء.

ولو كان الموكّل جاهلاً بما باع به فلان فرسه ، لم يضر.

واشترط بعضهم العلم بما يقع الإبراء منه (٢).

وأصل الخلاف : إنّ الإبراء هل هو محض إسقاط ، أو تمليك؟ إن قلنا : إسقاط ، صحّ مع جَهْل مَنْ عليه الحقّ بمبلغ الحقّ. وإن قلنا : تمليك ، فلا بدّ من علمه ، كما أنّه لا بدّ من علم المتّهب بما يوهب منه (٣).

ولو قال : وكّلتُك في أن تُبرئه من الدَّيْن الذي لي عليه ، ولم يعلم الموكّل قدره ولا الوكيل ، صحّ أيضاً عندنا.

ولو وكّله في الإبراء من شي‌ء ، وأطلق ، لم يكن للوكيل التعيين ، بل يُبرئه من شي‌ء مبهم ، ويُحمل على أقلّ ما يتموّل ؛ لأنّه المتيقّن بالإسقاط ، والزائد عليه ثابت في الذمّة ، فلا يزول عنها إلاّ بمزيل.

ولو قال : وكّلتُك في أن تُبرئه ممّا شئت ، أو ممّا شاء ، فالوجه : الصحّة ، ويرجع في القدر إلى مشيئته أو مشيئة الغريم.

ولو وكّله بأن قال : ابرئ فلاناً عن دَيْني ، اقتضى ذلك أن يُبرئه من‌ الجميع. ولو قال : عن شي‌ء منه ، أبرأه عن أقلّ ما يتموّل.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٨

ولو قال : أبرأه عمّا شئت ، لم يجز الاستيعاب ، مع احتماله.

مسألة ٦٨٥ : إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له عليه (١) ، فأبرأه الوكيل ، صح ، وبرئت ذمّته.

ولو كان له على رجل حقٌّ ، فوكّل صاحب الحقّ مَنْ عليه الحقّ في إبراء نفسه ، صحّ ؛ لأنّه وكّله في إسقاط حقٍّ عن نفسه ، فوجب أن يصحّ ، كما لو وكّل العبدَ في إعتاق نفسه والمرأةَ في طلاقها ، وهو المشهور عند الشافعيّة (٢).

وقال بعضهم : لا يصحّ ؛ لأنّه لا يملك إسقاط الحقّ عن نفسه بنفسه ، كما لو كان في يده عين مضمونة عليه ، فإنّه لا يصحّ أن يوكّله في إسقاط الضمان عن نفسه (٣).

وهو ضعيف ؛ لأنّه يخالف إسقاط الحقّ عن الذمّة ؛ لأنّ ذلك لا يسقط إلاّ بالقبض ، ولا يكون قابضاً من نفسه ، وهنا يكفي مجرّد الإسقاط ، على أنّا نمنع الحكم في الأصل.

إذا ثبت هذا ، فإذا وكّل المضمونُ له المضمونَ عنه في إبراء الضامن ، جاز ، فإذا أبرأه ، برئ الضامن والمضمون عنه عندنا.

وعند العامّة لا يبرأ المضمون عنه (٤).

وإن وكّل الضامنَ في إبراء المضمون عنه فأبرأه ، لم يبرأ الضامن عندنا ؛ لأنّ الدَّيْن انتقل من ذمّة المضمون عنه ، ولا تصحّ هذه الوكالة ، كما لو وكّله في إبراء مَنْ لا حقّ له عليه.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : « على زيد » بدل « عليه ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٥ بحر المذهب ٨ : ١٦٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

٥٩

وعند العامّة يبرأ الضامن ؛ لأنّه فرع على المضمون عنه (١).

وهنا للشافعيّة وجهٌ واحد : أنّه لا يبرأ بإبراء نفسه ، وإنّما يبرأ ببراءة المضمون عنه (٢).

تذنيب : لو وكّله في إبراء غرمائه وكان الوكيل منهم ، لم يكن له أن يُبرئ نفسه ، كما لو وكّله في حبس غرمائه أو مخاصمتهم.

ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو وكّله في تفرقة شي‌ء على الفقراء وهو منهم ، لم يكن له أن يصرف إلى نفسه من ذلك شيئاً عند الشافعيّة ؛ لأنّه مخاطب في أن يخاطب غيره ، فلا يكون داخلاً في خطاب غيره.

فإن صرّح له أن يُبرئ نفسه ، فالوجهان (٣).

والمعتمد : الجواز في ذلك كلّه.

مسألة ٦٨٦ : إذا وكّله في الخصومة وأطلق بأن قال : وكّلتُك لمخاصمة خصمائي ، فإنّه يصح ، ويصير وكيلاً في جميع الخصومات ؛ عملاً بالعموم ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يصحّ ، بل يجب تعيين مَنْ يخاصم معه ؛ لاختلاف العقوبة.

وهذا الاختلاف قريب من الخلاف الذي سبق فيما إذا وكّله ببيع أمواله وهي غير معلومة (٤).

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٥ و ٥١٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٣) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠.

٦٠