تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

بالطعام في الأُولى ولا بالسفينة في الثانية.

ولو قال : له عندي ثوب مطرز ، كان إقراراً بالطراز ؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب.

وقال بعضهم : إن رُكّب عليه بعد النسج ، فوجهان (١).

مسألة ٩٢٠ : لو قال : له علَيَّ فَصٌّ في خاتمٍ ، فهو إقرار بالفَصّ خاصّةً ، دون الخاتم.

ولو قال : خاتم فيه فَصٌّ ، فالأقوى أنّه لا يكون مُقرّاً بالفَصّ ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٢) ـ لجواز أن يريد : فيه فَصٌّ لي ، فصار (٣) كالصورة السابقة.

والثاني : إنّه يكون مُقرّاً بالفَصّ ؛ لأنّ الفَصّ من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه ، بخلاف تلك الصورة (٤).

واعلم أنّ بعض العامّة ذكر وجهين في جميع الصُّوَر السابقة ـ مثل قوله : له عندي درهم في ثوبٍ ، أو : زيت في جرّةٍ ، أو : سكّين في قرابٍ ، أو : فَصٌّ في خاتمٍ ، أو : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، أو : زيتاً في زقٍّ. وبالجملة ، كلّ مظروف مع ظرفه ، وبالعكس ـ أحدهما : دخول الظرف في المظروف وبالعكس. والثاني : عدم الدخول (٥).

ولو اقتصر على قوله : عندي خاتم ، ثمّ قال بعد ذلك : ما أردتُ‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ ـ ٢٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٢ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فصار ».

(٥) المغني ٥ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢.

٣٤١

الفَصّ ، فالأقوى عندي : القبول ، ولا يدخل الفَصّ في الإقرار.

وأصحّ وجهي الشافعيّة : إنّه لا يُقبل تفسيره ، فيدخل (١) الفَصُّ في الإقرار ؛ لأنّ الفَصّ مندرج تحت اسم الخاتم ، فتفسيره رجوع عن بعض المُقرّ به (٢).

ولو قال : له حَمْلٌ في بطن جاريةٍ ، لم يكن مُقرّاً بالجارية.

وكذا لو قال : نعل في حافر دابّةٍ ، أو : عروة على قمقمةٍ.

ولو قال : جارية في بطنها حَمْلٌ ، ودابّة في حافرها نعل ، وقمقمة عليها عروة ، فالأقوى : عدم الدخول.

وللشافعيّة وجهان ، كما في قوله : خاتم فيه فَصٌّ (٣).

ويترتّب الوجهان عند الشافعيّة في صورة الحمل على الوجهين فيما إذا قال : هذه الجارية لفلان ، وكانت حاملاً ، هل يتناول الإقرار بالحمل؟ فيه وجهان لهم :

أحدهما : نعم ، كما في البيع.

وأظهرهما : لا ، وله أن يقول : لم أُرد الحمل ، بخلاف البيع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، وربما كانت الجارية له ، دون الحمل بأن كان الحمل موصًى به ، أو كان حُرّاً (٤).

وسلّم القفّال أنّه لو قال : هذه الجارية لفلان إلاّ حملها ، يجوز ،

__________________

(١) في « ج ، ر » : « ويدخل ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٢

بخلاف البيع (١).

فإن قلنا : الإقرار بالجارية يتناول الحمل ، ففيه وجهان كما في الصورة السابقة ، وإلاّ فنقطع بأنّه لا يكون مُقرّاً بالحمل إذا قال : جارية في بطنها حمل (٢).

وعندنا أنّ الحمل لا يدخل في الإقرار ولا في البيع.

مسألة ٩٢١ : لو قال : له ثمرة على شجرةٍ ، كان إقراراً بالثمرة خاصّةً ، ولم يكن مُقرّاً بالشجرة.

ولو قال : شجرة عليها ثمرة ، فليرتّب على أنّ الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة؟

عند الشافعيّة هي لا تدخل بعد التأبير ، كما في البيع (٣).

وفي فتاوى القفّال أنّها تدخل (٤).

وهو بعيد.

وأمّا قبل التأبير فوجهان ، أظهرهما : إنّها لا تدخل أيضاً ؛ لأنّ الاسم لا يتناولها ، والبيع ينزّل على المعتاد (٥).

والمعتمد عندنا : إنّها لا تدخل الشجرة ولا الثمرة لو أقرّ بإحداهما.

وضبط القفّال فقال : كلّ ما يدخل تحت المبيع المطلق يدخل تحت الأقارير ، وما لا فلا ، إلاّ الثمار المؤبَّرة (٦).

وقال آخَرون : ما لا يتبع في المبيع ولا يتناوله الاسم فهو غير داخلٍ ، وما يتبع ويتناول فهو داخل ، وما يتبع ولا يتناوله الاسم ففيه وجهان (٧).

مسألة ٩٢٢ : لو قال : له علَيَّ ألف في هذا الكيس ، لزمه‌ ، سواء كان‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧.

(٣ ـ ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٣

فيه شي‌ء أو لم يكن ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يقتضي اللزوم ، ولا يكون مُقرّاً بالكيس.

وإن كان فيه دون الألف ، فالأقوى : إنّه يلزمه الإتمام ، كما لو لم يكن فيه شي‌ء يلزمه الألف ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يلزمه إلاّ ذاك القدر ؛ لحصر المُقرّ به فيه (١).

ولو قال : [ له ] علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس ، فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه إلاّ ذلك القدر ؛ لجمعه بين التعريف والإضافة إلى الكيس.

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه الإتمام (٢).

وهو مبنيّ على أنّ الإشارة إذا عارضت اللفظ أيّهما يُقدَّم؟

والأقوى عندي هنا لزوم الإتمام.

ولو لم يكن في الكيس شي‌ء ، فللشافعيّة قولان مبنيّان على ما إذا حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه ، هل تنعقد يمينه ويحنث ، أم لا؟ (٣).

والوجه عندي : لزوم الألف ، وعدم انعقاد اليمين حيث لا متعلّق لها.

مسألة ٩٢٣ : لو قال : له في هذا العبد ألف درهم ، فهو مجمل يحتاج إلى الاستفسار ، فاذا طولب بالبيان فإن قال : أردتُ أنّه جنى عليه أو على عبده جناية أرشها ألف ، قُبِل وتعلّقت الألف برقبته.

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٤

وإن قال : أردتُ أنّه رهن عنده بألف علَيَّ ، فالأقوى : القبول ؛ لأنّ الدَّيْن وإن كان محلّه الذمّة فله تعلُّقٌ ظاهر بالمرهون ، فصار كالتفسير بأرش الجناية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّ الألف تقتضي كون العبد محلاًّ للألف ، ومحلّ الدَّيْن الذمّة ، لا المرهون ، وإنّما المرهون وثيقة له ، وعلى هذا فإذا نازعه المُقرّ له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير ، وطالبناه للإقرار المجمل بتفسيرٍ صالح (١).

والمعتمد : الأوّل.

وإن قال : أردتُ أنّه وزن في ثمنه عنّي ألفاً ، كان ذلك قرضاً عليه.

وإن قال : نقد في ثمنه لنفسه ألفاً ، قيل له : كم ثمنه؟ وهل وزنت شيئاً ، أم لا؟ فإن قال : الثمن ألف ولم أزن فيه شيئاً ، قال الشافعي : كان العبد كلّه للمُقرّ له (٢).

وإن قال : وزنت أنا شيئاً أيضاً في ثمنه ، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو لا؟ فإن قال : كان دفعةً واحدة ، سئل عن قدر ذلك ، فإن قال : وزنت ألفاً أيضاً ، فالعبد بينهما بالسويّة ، وإن قال : وزنت ألفين ، فثلثا العبد له ، والثلث للمُقرّ له ، وعلى هذا القياس.

والقول قوله في ذلك مع يمينه ، سواء كانت القيمة أقلّ من ذلك أو أكثر ، فقد يكون غابناً ، وقد يكون مغبوناً ، فلا يُنظر إلى قيمة العبد.

خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لو كان العبد يساوي ألفين وقد زعم أنّه وزن‌

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٢ ، الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦ ـ ٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٥

ألفين ووزن المُقرّ له ألفاً ، يكون العبد بينهما بالسويّة ، ولا يُقبل قوله : إنّي وزنت ألفين في ثلثيه. وقد يُعبّر عن مذهبه بأنّ للمُقرّ له من العبد ما يساوي ألفاً (١).

والشافعي (٢) وافقنا على ما قلناه.

وإن قال : اشتريناه بإيجابين وقبولين ، ووزن هو في شراء عُشْره ـ مثلاً ـ ألفاً ، وأنا اشتريت تسعة أعشاره بألف ، قُبِل ـ لأنّه محتمل ـ مع يمينه ، سواء وافق قيمته أو لم يوافق ، وسواء كان الألف أقلّ ثمناً ممّا عيّنه له من الحصّة أو أكثر ، وسواء كان ما عيّنه لنفسه أزيد أو أقلّ.

وإن قال : أردتُ به أنّه أوصى له بألف من ثمنه ، قُبِل وبِيع ودُفع إليه ألف من ثمنه.

وإن أراد أن يعطيه ألفاً من غير ثمن العبد ، لم يكن له ذلك إلاّ برضا المُقرّ له ؛ لأنّه استحقّ ألفاً من ثمنه ، فوجب البيع في حقّه ، إلاّ أن يرضى بتركه.

وإن فسّره بأنّه دفع إليه ليشتري له العبد ففعل ، فإن صدّقه المُقرّ له فالعبد له ، وإن كذّبه فقد ردّ إقراره بالعبد ، وعليه ردّ الألف الذي أخذه.

وإن قال : أردتُ أنّه أقرضني ألفاً فصرفتُه إلى ثمنه ، قُبِل ، ولزمه الألف.

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٦

والخلاف للشافعيّة فيما إذا فسّره بالرهن آتٍ هنا (١).

ولو قال : له من هذا العبد ألف درهم ، فهو كما لو قال : له في هذا العبد.

ولو قال : من ثمن هذا العبد ، فكذلك عند بعض الشافعيّة (٢).

ولو قال : له علَيَّ درهم في دينار ، فهو كما لو قال : ألف في هذا العبد.

وإن أراد بـ « في » « مع » لزمه الدرهم والدينار معاً على إشكالٍ.

مسألة ٩٢٤ : لو قال : له في ميراث أبي ألف ، فهو إقرار على أبيه بدَيْنٍ.

وكذا لو قال : له من ميراث أبي.

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : من ميراثي من أبي ألف ، رجع إليه في التفسير ؛ لأنّه يحتمل أنّه يريد هبةً منه غير لازمة ، فهو بالخيار بين أن يسلّمها أو لا يسلّمها ، إلاّ أن يريد إقراراً.

والفرق : إنّه في الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه ، وما يكون له لا يصير لغيره بالإقرار ، فكان كما لو قال : داري أو مالي لفلان ، وفي الأُولى لم يُضف الميراث إلى نفسه ، فكان مُقرّاً بتعلّق الألف بالتركة ، واقتضى قوله وجوبها له في الميراث ، ومع الإضافة اليه لا يُحمل ذلك على الوجوب ؛ لأنّه أضاف الميراث إلى نفسه ثمّ جعل له جزءاً ، فكان ذلك هبةً ؛ لأنّه جعل له جزءاً من ماله ، وذلك كما يقول : لفلان في هذه الدار نصفها ، فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، وإن قال : له من داري نصفها ، كان ذلك‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٧

هبةً منه ، لا إقراراً.

ومَنَع بعضُ الشافعيّة التناقضَ بين إضافة الميراث إلى نفسه وبين تعلّق دَيْن الغير به ، فإنّ تركة كلّ مديونٍ مملوكة لورثته على الصحيح والدَّيْن متعلّق بها (١).

وقال أكثرهم : إنّ الفرق أنّه إذا قال : في ميراث أبي ، فقد أثبت حقّ المُقرّ له في التركة ، وذلك لا يحتمل إلاّ شيئاً واجباً ، فإنّ التبرّعات التي لا تلزم ترتفع بالموت ، ولا تتعلّق بالتركة. وإذا قال : في ميراثي من أبي ، فقد أضاف التركة إلى نفسه ، ثمّ جعل للمُقرّ له شيئاً فيها وأضافه إليه ، وذلك قد يكون بطريقٍ لازم ، وقد يكون على سبيل التبرّع ، فاذا فسّر بالتبرّع قُبِل ، واعتبر فيه شرطه (٢).

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين (٣).

والمشهور : الفرق (٤).

ومثله لو قال : له في هذه الدار نصفها ، فهو إقرار.

ولو قال : في داري نصفها ، فهو وعد بهبةٍ (٥).

واشتهر عن الشافعي أنّه لو قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً.

ولو قال : من مالي ، كان وعداً بهبةٍ ، لا إقراراً (٦).

والبحث هنا في موضعين :

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في « ث » : « هبة ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

٣٤٨

أحدهما : إنّ هذا القول في قوله : « في مالي » يخالف ما قال قبل ذلك في قوله : « في ميراثي » و« في داري ».

والثاني : لِمَ فرّق بين « في » و« من »؟

أمّا الأوّل : فللشافعيّة فيه طريقان فيما إذا قال : له في مالي ألف درهم.

منهم مَنْ قال : فيه قولان :

أحدهما : إنّه وعد هبة ؛ لإضافة المال إلى نفسه.

والثاني : إنّه إقرار ؛ لأنّ قوله : « له » يقتضي الملك ، وبوعد الهبة لا يحصل الملك (١).

ومنهم مَنْ قطع بأنّه وعد هبة ، وحمل ما روي في القول الأخير على خطأ الناسخ ، وربما أوّله على ما إذا أتى بصيغة الالتزام ، فقال : علَيَّ في مالي ألف درهم ، فإنّه يكون إقراراً (٢).

وإذا أثبتنا الخلاف ، فعن بعض الشافعيّة أنّه يطّرد فيما إذا قال : في داري نصفها ، وامتنع من طرده فيما إذا قال : في ميراثي من أبي (٣).

وقال آخَرون : إنّه يلزم تخريجه بطريق الأولى ؛ لأنّ قوله : « في ميراثي من أبي » أولى بأن يجعل إقراراً من قوله : « في مالي ، أو : في داري » لأنّ التركة مملوكة للورثة مع تعلّق الدَّيْن بها ، فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدَّيْن ، بخلاف المال والدار (٤).

وأمّا الثاني فمن الشافعيّة مَنْ قال : لا فرق ، ولم يثبت هذا النصّ ، و (٥)

__________________

(١ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في المصدر : « أو » بدل « و ».

٣٤٩

أوّله (١).

ومنهم مَنْ فرّق بأنّ « في » تقتضي كون مال المُقرّ ظرفاً لمال المُقرّ له ، وقوله : « من مالي » يقتضي الفصل والتبعيض ، وهو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له ، وإذا فرّقنا بينهما لزم مثله في الميراث والدار لا محالة (٢).

والظاهر عندهم عدم الفرق ، وأنّ الحكم في قوله : « في مالي » كما قلنا أوّلاً في « ميراثي » (٣).

واستبعد الجويني تخريجَ الخلاف فيما إذا قال : له في داري نصفها ؛ لأنّه إذا أضاف الكلّ إلى نفسه ، لم ينتظم منه الإقرار ببعضه ، كما لا ينتظم منه الإقرار بكلّه بأن يقول : داري لفلان ، وخصَّص طريقةَ الخلاف بما إذا لم يكن المُقرّ به جزءاً من مسمّى ما أضافه إلى نفسه ، كقوله : في مالي ألف درهم ، أو : في داري ألف درهم (٤).

هذا كلّه إذا لم يذكر كلمة الالتزام (٥) ، فأمّا إذا أدخلها بأن يقول : علَيَّ ألف درهم في هذا المال ، أو : في مالي ، أو : في ميراثي ، أو : في ميراثي من أبي ، أو : في داري ، أو : في عبدي ، أو : في هذا العبد ، فهو إقرار بكلّ حال. والذي تقدّم من التفصيل مفروض فيما إذا اقتصر على قوله : « في هذا‌ العبد » ولم يقل : « علَيَّ ».

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : في مالي ألف بحقٍّ لزمني ، أو بحقٍّ ثابت ، أو : بأمرٍ صحيح ، وما أشبهه ، أو قال : له في مالي بحقٍّ ، أو في داري نصفها بحقٍّ ، أو : له داري هذه بحقٍّ ، لزم ذلك ، وكان كما لو قال :

__________________

(١ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « التزام ».

٣٥٠

« علَيَّ » فيكون (١) إقراراً بكلّ حالٍ ؛ لأنّه قد اعترف أنّ المُقرّ له يستحقّ ذلك ، فلزمه.

واعلم أنّ قضيّة قولنا : إنّ قوله : « علَيَّ في هذا المال ، أو : في هذا العبد ألف درهم » إقرار له بالألف : أن يلزمه الألف وإن لم يبلغ ذلك المال ألفاً.

وربما يخطر الخلاف المذكور فيما إذا قال : « لفلان علَيَّ ألف في هذا الكيس » وكان فيه دون الألف ، إلاّ أنّ ظرفيّة العبد للدراهم ليس كظرفيّة الكيس لها ، فيمكن أن يختلفا في الحكم.

لكن لو قال : في هذا العبد ألف ، من غير كلمة « علَيَّ » وفسّره بأنّه أوصى له بألف من ثمنه ، فلم يبلغ ثمنه ألفاً ، فلا ينبغي أن يجب عليه تتمّة الألف بحالٍ.

واعلم أنّ بعض العامّة قال : لو قال : له في مالي هذا ، أو : من مالي ألف ، وفسّره بدَيْنٍ أو وديعة أو وصيّة فيه ، قُبِل ؛ لأنّه أقرّ بألف ، فقُبِل ، كما لو قال : في مالي. ويجوز أن يضيف إليه مالاً بعضه لغيره ، ويجوز أن يضيف غير ماله (٢) إليه ؛ لاختصاصٍ له ، أو يدٍ له عليه أو ولاية ، كما قال تعالى : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) (٣) وقال تعالى : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) (٤) وقال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٥) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحّته.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يكون ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في المصدر : « مال غيره » بدل « غير ماله ».

(٣) النساء : ٥.

(٤) الطلاق : ١.

(٥) الأحزاب : ٣٣.

٣٥١

ولو قال : أردتُ هبةً ، قُبِل منه ؛ لأنّه محتمل ، وإن امتنع من تقبيضها لم يُجبر عليه ؛ لأنّ الهبة فيها (١) لا تلزم قبل القبض (٢).

وكذا لو قال : لفلان في داري هذه نصفها ، أو : من داري نصفها (٣).

وعن أحمد روايتان :

ففي إحداهما : في مَنْ قال : نصف عبدي هذا لفلان ، لم يجز له إلاّ أن يقول : وهبته ، وإن قال : نصف مالي هذا لفلان ، لا أعرفه.

والثانية : إذا قال : فرسي هذه (٤) لفلان ، فإقراره جائز (٥).

وقد بيّنّا أنّ الشافعي قال تارة : إذا قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً ، ولو قال : من مالي ، كان هبةً (٦).

واختلف أصحابه :

فقال بعضهم : إنّه سهو.

وفرّق بعضهم بين « في ميراثي » و« في داري » لأنّ « في مالي » تقتضي أن يكون ماله ظرفاً ، فيكون قد امتزجت ألف للمُقرّ له بماله ، وإذا قال : « من مالي » لم يحتمل ذلك ، ويفارق الدار ؛ لأنّ قوله : « في داري نصفها » بمنزلة قوله : « من داري » لأنّها لا تُسمّى بعد إخراج النصف داراً ، ويُسمّى ما بقي‌

__________________

(١) كلمة « فيها » لم ترد في « ث ، خ ، ر ».

(٢) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٣) في « ج » بدل « نصفها » : « بعضها ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في شي‌ء هذا » يدل « فرسي هذه ». وذلك تصحيف ، والمثبت من المصدر.

(٥) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٣٤٨ ، الهامش (٦).

٣٥٢

بعد الألف مالاً (١).

وبعد هذا كلّه فالقول الذي سوّغ الإقرار بقوله : « في مالي ، أو : في داري ، أو : من مالي ، أو : من داري ، أو : ملكي هذا لفلان » لا بأس به عندي ، وقد سلف.

مسألة ٩٢٥ : لو قال : له في هذا العبد شركة ، صحّ إقراره‌ ، وله التفسير بما شاء من قليلٍ فيه وكثير ، وبأيّ قدر شاء.

وقال أبو يوسف : يكون إقراراً بنصفه ؛ لقوله تعالى : ( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (٢) واقتضى ذلك التسويةَ بينهم كذا هنا (٣).

وهو غلط ؛ لأنّ أيّ جزءٍ كان له منه فله فيه شركة ، فكان له تفسيره بما شاء ، كالنصف ، وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازاً ، ولا يخالف الظاهر ، والتسوية في الآية ثبتت لدليلٍ.

وكذا الحكم إذا قال : هذا العبد شركة بيننا.

البحث السادس : في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف ومعه ، وبالإضراب مع عدم السلب ومعه.

مسألة ٩٢٦ : لو قال : له علَيَّ درهمٌ درهمٌ درهمٌ ، لم يلزمه إلاّ درهمٌ واحد ؛ لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرير.

__________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٣٤٩ ، والهامش (٢) من ص ٣٥٠.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) روضة القضاة ٢ : ٧٤٨ / ٥٠٩٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٦ ، المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٧.

٣٥٣

وكذا لو كرّره مائة مرّة فما زاد.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ، أو : ثمّ درهم ، لزمه درهمان ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يصحّ عطف الشي‌ء على نفسه.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ودرهم ، لزمه بالأوّل والثاني درهمان.

وأمّا الثالث فإن أراد به العطف والمغايرة ، لزمه ثلاثة ؛ لأنّه أراد به درهماً آخَر.

وإن قال : أردتُ به تكرير الثاني وتأكيده ، قُبِل ، ولزمه درهمان لا غير ، ويُصدَّق باليمين.

ولو قال : أردتُ به تكرير الأوّل ، لم يُقبل ، ويلزمه ثلاثة ؛ لأنّ التكرار إنّما يؤكّد به إذا لم يتخلّل بينهما فاصل. وهو أظهر وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يُقبل (١).

وكذا الحكم عندهم فيما إذا قال : أنتِ طالق وطالق وطالق ، فإن أطلق ففي الطلاق قولان يُنظر في أحدهما إلى صورة اللفظ ، وفي الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة به. وفي الإقرار طريقان (٢).

وقال ابن خيران من الشافعيّة : إنّه على قولين في الطلاق (٣).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٤

وقطع الأكثرون منهم بأنّه يلزمه ثلاثة ، وفرّقوا بأنّ دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الإقرار ؛ لأنّه يقصد به التخويف والتهديد ، ولأنّه يؤكّد بالمصدر ، فيقال : هي طالق طلاقاً ، والإقرار بخلافه ، وعلى هذا لو كرّر عشر مرّات أو أكثر ، لزمه من الدراهم بعدد ما كرّر ، ولأنّ الواو للعطف ، والعطف يقتضي المغايرة ، فوجب أن يكون الثالث غير الثاني ، كما كان الثاني غير الأوّل ، والإقرار لا يقتضي تأكيداً ، فوجب حمله على العدد (١).

والحقّ : الأوّل ، وأنّه يُحمل على التأكيد لو قصده ، وهو أخبر بلفظه ، ولا شكّ أنّ اللفظ محتمل للتأكيد والإقرار ، فلا يثبت في ذمّته بالتجويز والاحتمال.

وكذا لو قال : له علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم ، فهو كما لو قال : درهم ودرهم ودرهم.

ولو قال : درهم ودرهم ثمّ درهم ، لزمه ثلاثة قطعاً ؛ لتغاير لفظتي « ثمّ » والواو ، فلا تصلح للتأكيد اللفظي.

مسألة ٩٢٧ : لو قال : له علَيَّ درهم مع درهم ، أو : معه درهم ، أو : فوق درهم ، أو : فوقه درهم ، أو : تحت درهم ، أو : تحته درهم ، فالأقرب : إنّه يلزمه درهم واحد ؛ لاحتمال أن يكون المراد « مع درهمٍ لي » أو « فوق درهمٍ لي » وأيضاً فقد يريد فوقيّة الجودة وتحتيّة الرداءة ، وبه قال‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٥

أكثر الشافعيّة (١).

ولهم مذهبان آخَران :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان.

واختلف هؤلاء ، منهم مَنْ ناسبٌ [ إلى ] (٢) قول الشافعي.

ومنهم مَنْ قال : إنّه مُخرَّج.

فقيل : من الطلاق ، فإنّه لو قال : أنتِ طالق مع طلقة أو فوق طلقة ، وقعت طلقتان.

وقيل : مُخرَّج ممّا لو قال : له علَيَّ درهم قبل درهم ، فإنّه يلزمه درهمان على ما يأتي.

وفرّقوا بينه وبين الطلاق ؛ لأنّ لفظه الصريح موقع ، فإذا أنشأه عمل عليه ، والإقرار إخبارٌ عن سابقٍ ، فإذا كان فيه احتمال رُوجع حتى يتبيّن المراد (٣).

الثاني : قال بعض الشافعيّة : إن قال : درهم معه درهم ، أو : فوقه درهم ، لزمه اثنان ؛ لرجوع الكناية إلى الأوّل الذي لزمه (٤).

ولو قال : درهم عليه درهم ، أو : على درهمٍ ، فهو كما لو قال : فوقه درهم ، أو : فوق درهمٍ.

ولو قال : علَيَّ درهم قبل درهمٍ ، أو : قبله درهم ، أو : بعده درهم ، روى المزني عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان ، بخلاف الصورة‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٦

السابقة. والفرق : إنّ الفوقيّة والتحتيّة ترجعان إلى المكان فيتّصف بهما نفس الدرهم ، والقبليّة والبعديّة ترجعان إلى الزمان ، ولا يتّصف بهما نفس الدرهم ، فلا بدّ من أن يرجع إليه التقدّم والتأخّر ، وليس ذلك إلاّ الوجوب عليه (١).

وفيه قولٌ آخَر للشافعيّة : إنّه لا يلزمه إلاّ درهم ؛ لأنّ القبليّة والبعديّة كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة وغيرها. ثمّ هَبْ أنّهما زمانيّان فإنّ نفس الدرهم لا يتّصف بهما ، لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب (٢) بأن يريد :

درهم مضروب قبل درهمٍ ، وما أشبهه. سلّمنا أنّهما راجعان إلى الواجب (٣) ، لكن يجوز أن يريد : لزيدٍ درهم قبل وجوب درهمٍ لعمرو (٤).

وفيه نظر ؛ إذ لو سُمع مثل هذه الاحتمالات لسُمع في مثل « له عندي درهم ودرهم » مع اتّفاقهم على لزوم درهمين.

وفي المسألة وجهٌ آخَر أنّه إن قال : « قبله أو بعده درهم » لزمه درهمان ، وإن قال : « قبل درهم أو بعد درهم » لم يلزمه إلاّ درهم ؛ لاحتمال أن يريد « قبل لزوم درهمٍ ، أو : بعد درهمٍ كان لازماً » (٥).

وقال أصحاب الرأي : إذا قال : فوق درهم ، لزمه درهمان ، وإذا قال : تحت درهمٍ ، لزمه واحد ؛ لأنّ « فوق » تقتضي في الظاهر الزيادة ، وقوله :

__________________

(١) مختصر المزني : ١١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢ و ٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوجوب » بدل « الواجب ». والمثبت من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) حلية العلماء ٨ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٧

« تحت » يقتضي [ أنّ ] ذلك درهم (١).

وكذا البحث لو قال : له علَيَّ درهم مع دينار ، لزمه الدرهم لا غير عندنا ، وبه قال الشافعي (٢).

ولو قال : له علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة ، كان عليه دينار لا غير ، ولم يكن عليه القفيز ، وهذا قولٌ آخَر للشافعيّة (٣).

واختلفوا ، فمنهم مَنْ قال : في المسائل كلّها يلزمه درهمان ؛ لأنّ قوله : « فوق » و« تحت » و« قبله » و« معه » يجري مجرى العطف ؛ لأنّ ذلك يقبل ضمّ درهمٍ آخَر إليه.

ومنهم مَنْ قال : يلزمه درهم واحد.

ومنهم مَنْ قال : إذا قال : « فوق » أو « تحت » أو « مع » لزمه واحد ، وإذا قال : « قبل » و« بعد » لزمه درهمان. وفرّقوا بأنّ « قبل » و« بعد » لا يحتمل إلاّ التاريخ ، فصار أحد الدرهمين مضموماً إلى الآخَر في الإقرار ، و« فوق » و« تحت » تُحمل على الجودة والرداءة ، و« مع » تُحمل [ على ] (٤) « مع درهمٍ لي » (٥).

وأمّا أحمد فإنّه ذهب إلى أنّه يلزمه درهمان في جميع الصُّور (٦).

مسألة ٩٢٨ : إذا قال : له علَيَّ ، أو : عندي درهم فدرهم ، إن أراد‌

__________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٥ / ١٩١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، المغني ٥ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٦.

(٣) الأُم ٦ : ٢٢١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٩.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، وانظر المغني ٥ : ٢٩٨ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٤٩.

٣٥٨

العطف لزمه درهمان ، وإن لم يرد العطف لم يلزمه إلاّ درهم واحد ، وبه قال الشافعي (١) ، مع أنّه نصّ على أنّه إذا قال : أنتِ طالق فطالق ، أنّه تقع طلقتان (٢).

ونقل ابن خيران الجواب من كلّ واحدةٍ منهما إلى الأُخرى ، وجَعَلهما على قولين للشافعي :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان ، وتقع طلقتان ؛ لأنّ الفاء حرف عطفٍ كالواو ، و« ثمّ ».

والثاني : إنّه لا يلزمه إلاّ واحد ، ولا تقع إلاّ طلقة ؛ لأنّ الفاء قد تُستعمل لغير العطف ، فيؤخذ باليقين (٣).

وذهب الأكثر إلى تقرير النصّين ، وفرّقوا بوجهين :

أحدهما : إنّه يحتمل في الإقرار أن يريد : فدرهم لازم ، أو : فدرهم أجود منه ، ومثل هذا لا ينقدح في الطلاق.

والثاني : إنّ الطلاق إنشاء ، والإقرار إخبار ، والإنشاء أقوى وأسرع نفوذاً ، ولهذا لو أقرّ اليوم بدرهمٍ وغداً بدرهمٍ ، لا يلزمه إلاّ درهم ، ولو تلفّظ اليوم بالطلاق ثمّ تلفّظ به غداً ، وقعت طلقتان (٤).

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ـ ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

٣٥٩

وقال أصحاب الرأي وأحمد : إنّه يلزمه درهمان ؛ لأنّ الفاء من حروف العطف ، كالواو (١).

والتحقيق عندي أنّه إن أراد العطف لزمه اثنان ؛ لأنّ المعطوف يغاير المعطوف عليه ، وإن لم يرد العطف لم يلزمه الاثنان قطعاً ، حيث لم يقصد التعدّد ، ولا وجه للاختلاف ، وإن أطلق حُمل على ما يفسّره.

وينبغي أن يكون موضع الخلاف الإطلاقَ ؛ لأنّه يحتمل كلّ واحدٍ منهما ، لكنّ الحقيقة العطف أو لا؟ إن قلنا : العطف ، لزمه المتعدّد ، وإلاّ فلا.

ونقل عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان ؛ لأنّه إذا قال : له علَيَّ درهم ودرهم ، لزمه درهمان (٢).

ولا يمتنع فيه مثل التقديرات المذكورة في الفاء.

ولو قال : له علَيَّ درهم فقفيز حنطة ، فما الذي يلزمه؟

قيل : درهم لا غير ؛ لاحتمال إرادة قفيز حنطة خير منه (٣).

وقيل : الدرهم والقفيز (٤).

ولو قال : بعتك بدرهم فدرهم ، يكون بائعاً بدرهمين ؛ لأنّه إنشاء.

مسألة ٩٢٩ : لو قال : له علَيَّ درهم بل درهم ، لم يلزمه إلاّ درهم واحد ؛ لجواز أن يقصد الاستدراك لزيادة ، فتذكّر أنّه لا حاجة إليه ولا زيادة عليه ، فلم يستدرك فيعيد الأوّل.

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٨ ، المغني ٥ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤.

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ٥ : ٥٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

٣٦٠