تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

بيّنة ، فإنّها تُسمع ، ويُقبل قول صاحب الدَّيْن في قدره مع اليمين ، فإن لم يحلف حتى مات ، قام وارثه مقامه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّ البيّنة إن شهدت بالإقرار بالمجهول ، جاز. وإن شهدت بالمجهول ، فلا ؛ لأنّ البيّنة سُمّيت بيّنةً ؛ لأنّها تبيّن ما تشهد به وتكشف عنه ، بخلاف الإقرار ؛ لأنّه ليس ببيّنةٍ (١) (٢).

وعلى هذا فالأقوى أنّ الدعوى كالإقرار ، فإذا ادّعى أنّه أقرّ له بقبض شي‌ءٍ ، أو بأنّ له عليه شيئاً ، سُمعت دعواه ، وإلاّ فلا.

مسألة ٨٩١ : إذا أقرّ بالمجهول وفسّره بتفسيرٍ صحيح وصدّقه المُقرّ له ، فلا بحث.

وإن كذّبه المُقرّ له ، فليبيّن جنس الحقّ وقدره ، ويدّعيه ، ويكون القولُ قولَ المُقرّ في [ نفيه ] (٣).

ثمّ لا يخلو التنازع إمّا أن يكون في القدر أو في الجنس.

فإن كان في القدر (٤) ، مثل : أن يفسّر إقراره بمائة درهم ، فيقول المُقرّ له : بل عليه مائتان ، فإن صدّقه على إرادة المائة ، فهي ثابتة باتّفاقهما ، ويحلف المُقرّ على نفي الزيادة.

وإن قال : أراد به المائتين ، حلف المُقرّ على أنّه ما أراد مائتين ، وأنّه ليس عليه إلاّ مائة ، ويجمع بينهما في يمينٍ واحدة ، وبه قال بعض الشافعيّة (٥).

__________________

(١) في « ث ، ج » : « بيّنةً ».

(٢) راجع : حلية العلماء ٨ : ٣٣٨ ، والتهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في ظاهر الطبعة الحجريّة وبعض النسخ الخطّيّة وصريح بعضها الآخَر : « نفسه ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) يأتي حكم التنازع في الجنس في المسألة التالية.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٧.

٣٠١

وقال بعضهم : لا بدّ من يمينين (١).

والمشهور : الأوّل.

فإن نكل المُقرّ ، حلف المُقرّ له على استحقاق المائتين.

ولا يحلف على الإرادة ؛ لعدم إمكان الاطّلاع عليها ، بخلاف ما إذا مات المُقرّ وفسّر الوارث وادّعى المُقرّ له زيادةً ، فإنّ الوارث يحلف على [ نفي ] (٢) إرادة المورّث ؛ لأنّه قد يطّلع من حاله مورّثه على ما لا يطّلع عليه غيره.

وكذا لو أوصى له بمجمل ، فبيّنه الوارث ، وزعم الموصى له أنّه أكثر ، حلف الوارث على نفي العلم باستحقاق الزيادة ، ولا يتعرّض للإرادة.

والفرق أنّ الإقرار إخبار عن سابقٍ وقد يفرض فيه الاطّلاع ، والوصيّة إنشاء أمرٍ [ على ] (٣) الجهالة ، وبيانه ـ إذا مات الموصي ـ إلى الوارث.

مسألة ٨٩٢ : لو كان التنازع في الجنس ، مثل : أن يقول : له علَيَّ شي‌ء ، ثمّ يفسّره بعبدٍ أو درهمٍ أو بمائة درهم ، فيقول المُقرّ له : بل لي عليك جارية أو دينار أو مائة دينار ، فيُنظر إن صدّقه المُقرّ له في الإرادة وقال : هو ثابت لي عليه ولي عليه مع ذلك كذا ، ثبت المتّفق عليه ، وكان القولُ قولَ المُقرّ في نفي غيره.

وإن صدّقه في الإرادة وقال : ليس لي عليه ما فسّره به ، إنّما لي عليه كذا ، بطل حكم الإقرار بردّه ، وكان مدّعياً في غيره.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٧.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عن ». والمثبت هو الصحيح.

٣٠٢

وإن كذّبه في دعوى الإرادة وقال : إنّما أراد ما ادّعيتُه ، حلف المُقرّ على نفي الإرادة ونفي ما يدّعيه. ثمّ إنّ المُقرّ له إن كذّبه في استحقاق المُقرّ به ، بطل الإقرار فيه ، وإلاّ ثبت.

ولو اقتصر المُقرّ له على دعوى الإرادة وقال : ما أردتَ بكلامك ما فسّرتَه به وإنّما أردتَ كذا إمّا من جنس المُقرّ به أو من غيره ، لم يُسمع منه ذلك ؛ لأنّ الإقرار والإرادة لا يُثبتان له حقّاً ، بل الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، فعليه أن يدّعي الحقّ بنفسه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر ضعيف عندهم : أنّه تُقبل دعوى الإرادة المجرّدة (١).

وهو كالخلاف في أنّ مَن ادّعى على غيره أنّه أقرّ له بألف هل تُسمع منه دعوى الإقرار ، أم عليه [ دعوى ] (٢) نفس الألف؟

واعلم أنّ مَنْ لا يسمع دعوى الإرادة لا يريد عدم الالتفات إليها أصلاً ، وإنّما المراد أنّها وحدها غير مسموعة ، فأمّا إذا ضمّ إليها دعوى الاستحقاق ، فيحلف المُقرّ على نفيهما على الأظهر.

وللشافعيّة في البيع وجهان : إنّه إذا ادّعى المشتري عيباً قديماً بالمبيع ، وقال البائع : بعتُه وأقبضتُه سليماً ، يلزمه أن يحلف كذلك ، أو يكفيه الاقتصار على أنّه لا يستحقّ الردّ؟ فيجي‌ء لهم هنا وجه : أنّه يكفيه نفي اللزوم ، ولا يحتاج إلى التعرّض للإرادة (٣).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٨.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٥.

٣٠٣

مسألة ٨٩٣ : إذا أقرّ بالمبهم ثمّ مات قبل التفسير ، طُولب الوارث به‌ ؛ لأنّه المستحقّ للتركة ، فإن فسّر قُبِل منه بمهما كان ، فإن ادّعى المُقرّ له خلافه قُدّم قول الوارث مع اليمين ، فإن نكل حلف المُقرّ له ، وأخذ ما حلف عليه.

وإن امتنع الوارث من البيان ، احتُمل أن يوقف أقلّ ما يتموّل ، وهو أحد قولَي الشافعيّة (١) ، وأن يوقف الكلّ ـ وهو الأظهر ـ لأنّ الجميع وإن لم يدخل في التفسير فهو مرتهن بالدَّيْن.

ولو قال الوارث : لا أدري ما أراد ولا أعلم لك شيئاً ، حلف ـ إن طلب المُقرّ له ـ على نفي العلم ، ثمّ سلّم إلى المدّعي أقلّ ما يتموّل ، ولا يُسلّم إليه ما يدّعيه مع اليمين ؛ إذ لا يمين على المدّعي إلاّ بالردّ.

البحث الثاني : في الإقرار بالمال.

مسألة ٨٩٤ : إذا قال : له علَيَّ مال ، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموّل ، ولا يُقبل تفسيره بما ليس بمالٍ إجماعاً ، كالكلب والخنزير وجلد الميتة.

ويُقبل بالتمرة الواحدة حيث يكثر ؛ لأنّه مال قليل وإن لم يتموّل في ذلك الموضع ، وكلّ متموَّلٍ مالٌ ، ولا ينعكس.

وكذا لو فسّره بالحبّة من الحنطة والشعير.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يُقبل ـ فيما إذا قال : له علَيَّ مال ـ التفسير بالقليل والكثير ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٢) ـ لصدق اسم المال‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٨.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٣ ، التنبيه : ١٧٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣١ ، الوجيز ١ : ١٩٧ ، الوسيط ٣ : ٣٣٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٩ ، البيان ١٣ : ٤١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٨ ، منهاج

٣٠٤

عليه ، والأصل عدم الزائد.

وقال أبو حنيفة : لا يُقبل تفسيره بغير المال الزكوي ؛ لقول الله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (١) وقوله تعالى : ( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ ) (٢) (٣).

والآية عامّة دخلها التخصيص بالسنّة المتواترة ، فلا يخرج اللفظ عن حقيقته.

وقوله : ( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ ) ليس المراد الزكاة ؛ لأنّها نزلت بمكة قبل فرض الزكاة ، فلا حجّة له فيها.

ثمّ ينتقض بقوله تعالى : ( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) (٤) والتزويج جائز بأيّ نوعٍ كان من المال قليله وكثيره ولو بدرهمٍ.

وعن مالك ثلاثة أوجُهٍ.

أحدها : كما قلناه.

والثاني : لا يُقبل إلاّ أقلّ نصابٍ من نُصُب الزكاة من نوع أموالهم.

[ و ] الثالث : ما يُستباح به البُضْع والقطع في السرقة ؛ لقوله تعالى : ( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ ) (٥) (٦).

__________________

الطالبين : ١٤٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٢ / ١٠٤٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠١ ـ ١٧٠٢ / ١١٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٤٥ ، المغني : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٠.

(١) التوبة : ١٠٣.

(٢) الذاريات : ١٩.

(٣) حلية العلماء ٨ : ٣٣٩ ، البيان ١٣ : ٤١٢ ، المغني ٥ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٠.

(٤ و ٥) النساء : ٢٤.

(٦) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٢ / ١٠٤٣ ، الذخيرة ٩ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ،

٣٠٥

ويبطل بوقوع اسم المال على القليل والكثير ، والبُضْع ـ عندنا وعند الشافعي (١) ـ يُستباح بالقليل والكثير.

وهل يُقبل تفسيره بالمستولدة؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّها مال يجوز بيعها بعد موت ولدها ، ويُنتفع بها وتُستأجر وإن كانت لا تُباع ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٢).

ولو فسّره بوقفٍ عليه ، قُبِل.

وخرّج بعض الشافعيّة ذلك على الخلاف في أنّ الملك في الوقف هل هو للموقوف عليه أم لا؟ (٣).

مسألة ٨٩٥ : لو قال : له علَيَّ مالٌ عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال وأيّ مال ، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموَّل أيضا ، كما لو قال : « مال » لم يزد عليه ؛ لأنّه يحتمل أن يريد به عظم خطره بكفر مستحلّه ووزر غاصبه والخائن فيه ؛ لأنّ أصل ما يبنى عليه الإقرار الأخذ بالمتيقّن والترك لغيره ، ولا يعتبر الغلبة.

واختلف أصحاب أبي حنيفة :

فمنهم مَنْ قال : لا يُقبل أقلّ من عشرة دراهم ـ وذكر أنّه مذهب‌

__________________

عيون المجالس ٤ : ١٧٠١ ـ ١٧٠٣ / ١١٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٤٥ ، جامع الأُمّهات : ٤٠١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ، البيان ١٣ : ٤١٢ ، المغني ٥ : ٣١٥ ـ ٣١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٠.

(١) الحاوي الكبير ٩ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٥٦ ، الوسيط ٥ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٦ : ٤٤٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ٤٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٥٧٥ ، بداية المجتهد ٢ : ١٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٧١٤ / ١٢٩١ ، المغني والشرح الكبير ٨ : ٥.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٨.

٣٠٦

أبي حنيفة ـ لأنّه يُقطع به السارق ، ويكون صداقاً عنده (١).

وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يُقبل أقلّ من مائتي درهم ـ قال الرازي :

هذا مذهب أبي حنيفة ـ لأنّه الذي تجب فيه الزكاة (٢).

وقال أبو عبد الله الجرجاني : نصّ أبو حنيفة على ذلك ، وقال : إذا أقرّ بأموال عظيمة ، يلزمه ستمائة درهم (٣).

واختلف أصحاب مالك :

فمنهم مَنْ يقول : يُقبل ما يُقبل في المال.

ومنهم مَنْ قال : يزيد على ذلك أقلّ زيادة.

ومنهم مَنْ قال : قدر الدية.

ومنهم مَنْ قال : ثلاثة دراهم نصاب القطع ؛ لأنّ الدانق والحبّة لا يُسمّى عظيماً ، فلا يصحّ التفسير به ، كما لو قال : مال جزيل (٤).

__________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٨ ، الفقه النافع ٢ : ٥٢٥ / ٢٧٤ ، و ٨١٣ / ٥٤٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٨ ، البيان ١٣ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٦ ، المغني ٥ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٩.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١٣٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣١ ، الوسيط ٣ : ٣٣٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٨ ، البيان ١٣ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٩.

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٦٠ ، ضمن المسألة ١ من كتاب الإقرار ، وانظر بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، وفتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١٣٦ ، وبحر المذهب ٨ : ٢٣٢.

(٤) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٣ / ١٠٤٤ ، جامع الأُمّهات : ٤٠١ ، الذخيرة ٩ : ٢٨٩ ، المعونة ٢ : ١٢٤٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٣.

٣٠٧

وهو غلط ؛ لأنّا نجري الجزيل مجرى العظيم.

والأصل في ذلك أنّه ليس في العظيم حدٌّ في الشرع ولا في اللغة ولا في العرف ، والناس يختلفون في ذلك ، فبعضهم يستعظم القليل ، وبعضهم لا يستعظم الكثير ، فلم يثبت في ذلك حدٌّ يرجع إليه ، ولا في اللغة ولا في العرف قانون يُعوَّل عليه ، فيرجع إلى تفسيره وبيانه ؛ لأنّه أعرف بمراده.

مسألة ٨٩٦ : لو قال : له علَيَّ مالٌ كثير ، قال الشيخ رحمه‌الله : إنّه يلزمه ثمانون ؛ بناءً على الرواية التي تضمّنت أنّ الوصيّة بالمال الكثير وصيّة بثمانين (١) ، ولم يعرف هذا التفسيرَ أحدٌ من الفقهاء (٢).

وقد عرفتَ قولهم في العظيم ، وكذا في الكثير عندهم.

وقال الليث بن سعد : يلزمه اثنان وسبعون درهماً ؛ لأنّ الله تعالى قال : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (٣) وكانت غزواته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسراياه اثنين وسبعين (٤).

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك ليس بحدٍّ لأقلّ الكثير ، وإنّما وصف ذلك بالكثرة ، ولا يمنع ذلك وقوع الاسم على ما دون ذلك ، وقد قال الله تعالى :

( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ) (٥) وليس المراد ما ذكره ، وكذا قوله‌

__________________

(١) راجع الكافي ٧ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ / ٢١ ، ومعاني الأخبار : ٢١٨ ( باب معنى الكثير من المال ) ح ١ ، والتهذيب ٨ : ٣٠٩ / ١١٤٧.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٥٩ ، المسألة ١ من كتاب الإقرار.

(٣) التوبة : ٢٥.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ١٣ و ١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٩.

(٥) البقرة : ٢٤٩.

٣٠٨

تعالى : ( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) (١) ولم ينصرف إلى ذلك ، ولهذا أمثال كثيرة في القرآن ، وأصحابنا التجئوا في ذلك إلى الرواية (٢) ، وكانت المواطن عندهم ثمانين موطناً.

إذا عرفت هذا ، فنقول : تُقصر الرواية على ما وردت عليه ، ويبقى الباقي على الإجمال.

مسألة ٨٩٧ : وافقنا أبو حنيفة (٣) في الجليل والنفيس والخطير على قبول التفسير بأقلّ ما يتموّل.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يجب أن يزيد تفسير المال العظيم على تفسير مطلق المال ؛ ليكون لوصفه بالعظيم فائدة (٤).

واكتفى بعضهم بالعظم من حيث الجرم والجثّة (٥).

ولو قال : له علَيَّ مال عظيم جدّاً ، أو : عظيم عظيم ، فكقوله : له علَيَّ مالٌ ، ويُقبل تفسيره بما قلّ وكثر.

وكذا لو قال : وافر ، أو : خطير.

ولو قال : له علَيَّ مالٌ قليل أو خسيس أو تافه أو يسير ، فهو كما لو قال : مال ، وتُحمل هذه الصفات على استحقاق الناس إيّاه ، وعلى أنّه فانٍ زائل ، فكثيره بهذه الاعتبار قليل ، وقليله بالاعتبار الأوّل كثير ، وقد يستعظم‌ الفقير ما يستحقره الغني.

مسألة ٨٩٨ : لو قال : لزيدٍ علَيَّ أكثر من مال فلان ، قُبِل تفسيره بأقلّ

__________________

(١) الأحزاب : ٤١.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٠٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٦.

٣٠٩

ما يتموّل وإن كثر مال فلان ؛ لأنّه يحتمل أن يريد به أنّه دَيْنٌ لا يتطرّق إليه الهلاك ، وذلك عين معرَّض للهلاك ، أو يريد أنّ مال زيد علَيَّ حلال ، ومال فلان حرام ، والقليل من الحلال أكثر بركةً من الكثير من الحرام ، وكما أنّ القدر مبهم في هذا الإقرار ، فكذلك الجنس والنوع مبهمان.

ولو قال : له علَيَّ أكثر من مال فلان عدداً ، فالإبهام في الجنس والنوع.

ولو قال : له علَيَّ من الذهب أكثر ممّا لفلان ، فالإبهام في القدر والنوع. ولو قال : من صحاح الذهب ، فالإبهام في القدر وحده.

ولو قال : له علَيَّ أكثر من مال فلان ، وفسّره بأكثر منه عدداً أو قدراً ، لزمه أكثر منه ، ويرجع إليه في تفسير الزيادة ولو حبّة أو أقلّ.

ولو قال : ما علمتُ أنّ مال فلانٍ كذا ، أو ما علمتُ لفلانٍ أكثر من كذا ، وقامت البيّنة بأكثر منه ، لم يلزمه أكثر ممّا اعترف به ؛ لأنّ المال يخفى كثيراً عن الغير ، ولا يعرف أحد قدره في الأكثر ، وقد يكون ظاهراً وباطناً ، فيملك ما لا يعرفه المُقرّ ، فكان المرجع إلى ما اعتقده المُقرّ مع يمينه إذا ادّعي عليه أكثر منه. وإن فسّره بأقلّ من ماله مع علمه بماله ، لم يُقبل.

مسألة ٨٩٩ : لو قال : لي عليك ألف دينار ، فقال : لك علَيَّ أكثر من ذلك ، لم يلزمه أكثر من الألف ، بل ولا الألف ؛ لأنّ لفظة « أكثر » مبهمة ؛ لاحتمالها الأكثريّة في القدر أو العدد ، فيحتمل أنّه أراد أكثر منه فلوساً أو حَبّ حنطة أو حَبّ شعير أو دخن ، فيرجع في ذلك إلى تفسيره.

واستبعده بعض العامّة ؛ لأنّ « أكثر » إنّما تُستعمل حقيقةً في العدد أو في القدر ، فيُصرف إلى جنس ما أُضيف « أكثر » إليه ، لا يُفهم في الإطلاق غير‌

٣١٠

ذلك ، قال الله تعالى : ( كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ) (١) وقال تعالى : ( أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً ) (٢) ( وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ) (٣) مع أنّه إذا قال : له علَيَّ دراهم ، لزمه ثلاثة أقلّ الجمع وازنة صحيحة حالّة ، مع احتمال إرادة الأدون والأردأ والمؤجَّل ، ولا يُقبل تفسيره بهذه ؛ حملاً للّفظ على ظاهره ، واحتمال « أكثر » هنا أبعد (٤).

والتحقيق أنّ « أكثر » إن قُرن بـ « من » لم تجب مشاركته في الجنس ، وإلاّ وجب ؛ لأنّ « أفعل » بعض لما يضاف إليه.

مسألة ٩٠٠ : لو قال : لزيدٍ علَيَّ مال أكثر ممّا تشهد به الشهود على فلان ، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يُتموّل أيضا ؛ لاحتمال أنّه يعتقد أنّهم شهدوا زوراً ، ويريد أنّ القليل من الحلال أكثر بركةً.

ولو قال : أكثر ممّا قضى [ به ] القاضي على فلان ، فهو كما لو قال : أكثر ممّا شهد به الشهود ؛ لأنّ قضاء القاضي قد يكون مستنداً إلى شهادة الزور وإلى شهادة الفُسّاق ، ويجوز أن يغلط أو يعصي ، فيقضي بغير الحقّ ، والحكم الظاهر لا يغيّر ما عند الله.

وهذا أظهر وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّه يلزمه القدر الذي قضى به القاضي ؛ لأنّ قضاء القاضي محمول على الحقّ والصدق (٥).

وليس جيّداً.

مسألة ٩٠١ : لو قال : لفلانٍ علَيَّ أكثر ممّا في يد زيدٍ ، قُبِل تفسيره

__________________

(١) غافر : ٨٢.

(٢) الكهف : ٣٤.

(٣) سبأ : ٣٥.

(٤) المغني ٥ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٠.

٣١١

بأقلّ ما يُتموّل ، كما لو قال : أكثر من مال فلان.

ولو قال : له علَيَّ أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم ، لا يلزمه التفسير بجنس الدرهم ، لكن يلزمه ذلك العدد من أيّ جنسٍ شاء وزيادة بأقلّ ما يُتموّل ، وبه قال بعض الشافعيّة (١).

واعتُرض بأنّه يخالف قياس ما سبق ؛ لوجهين :

الأوّل : التزام ذلك العدد.

والثاني : التزام زيادةٍ عليه (٢).

والتأويل الذي تقدّم للأكثريّة ينفيهما جميعاً.

ولو قال : له علَيَّ من الدراهم أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم ، وكان في يد فلان ثلاثة دراهم ، قال بعض الشافعيّة : يلزمه ثلاثة دراهم وزيادة أقلّ ما يُتموّل (٣).

وقال بعضهم : لا يلزمه زيادة ؛ حملاً للأكثر على ما سبق (٤).

والأقرب عندي : إنّه يُقبل لو فسّر بما دون الثلاثة أيضاً.

ولو كان في يده عشرة دراهم وقال المُقرّ : لم أعلم وظننتُ أنّه ثلاثة ، قُبِل قوله مع يمينه.

البحث الثالث : في الإقرار بكناية العدد.

مسألة ٩٠٢ : لو قال : لفلان علَيَّ كذا ، فهو مبهم بمنزلة قوله : له علَيَّ شي‌ء ، فيُقبل تفسيره بما يُقبل به تفسير الشي‌ء.

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٠.

(٢ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٠.

٣١٢

ولو قال : له علَيَّ كذا كذا ، فهو كما لو قال : كذا ، والتكرار للتأكيد لا للتجديد ، فكأنّه قال : له علَيَّ شي‌ء شي‌ء.

ولو قال : له علَيَّ كذا وكذا ، فعليه التفسير بشيئين مختلفين أو متّفقين يُقبل كلّ واحدٍ منهما في تفسير « كذا » من غير عطفٍ.

وكذا لو قال : علَيَّ شي‌ء ، أو قال : شي‌ء وشي‌ء.

ولو عقّبه بالدرهم مثلاً ، فقال : له علَيَّ كذا درهم ، فلا يخلو إمّا أن ينصب الدرهم أو يرفعه أو يجرّه أو يقف عليه.

فإن نصبه فقال : له علَيَّ كذا درهماً ، لزمه درهم واحد ، وكان الدرهم منصوباً على التمييز ؛ لأنّه تفسير لما أبهمه.

وقال بعض الكوفيّين : إنّه منصوب على القطع ، فكأنّه قطع ما ابتدأ به وأقرّ بدرهمٍ (١).

وبه قال الشافعي (٢).

وقال أبو حنيفة : يلزمه عشرون درهماً ؛ لأنّه أقلّ اسم عددٍ مفرد ينتصب الدرهم المفسّر عقيبه (٣).

وهو جيّد إن كان المُقرّ عارفاً بالعربيّة. والأقرب : الأوّل ؛ لأنّه المتيقّن.

__________________

(١) المغني ٥ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٣ ، البيان ١٣ : ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٨ ، المغني ٥ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٧١١ / ١٢٠٥.

(٣) روضة القضاة ٢ : ٧٢١ ، ذيل الرقم ٤٠٧٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧١١ / ١٢٠٥.

٣١٣

وإن رفعه فقال : كذا درهمٌ ، لزمه درهم واحد إجماعاً ، وتقديره : شي‌ء هو درهم ، فجعل الدرهم بدلاً من « كذا ».

وإن جرّه ، لزمه بعض درهمٍ ، وصار تقديره : له علَيَّ جزء درهمٍ ، أو بعض درهمٍ ، ويرجع في تفسير قدره إليه ، ويكون « كذا » كنايةً عن ذلك الجزء.

وقال بعض أصحاب أبي حنيفة : إنّه يلزمه مائة درهم ؛ لأنّه أقلّ عددٍ يضاف اسم العدد إليه (١) ويجرّ به (٢).

وما ذكرناه أولى ؛ لأنّه المتيقّن ، ولا يُنظر إلى الإعراب في تفسير الألفاظ المبهمة ، ولا تُوازن المبهمات المبيّنات.

ولا فرق بين أن يقول : علَيَّ كذا درهم صحيح ، أو لم يقل لفظة « صحيح ».

وبعضهم فرّق بأنّه إذا قال : له علَيَّ كذا درهم صحيح ، بالجرّ ، لم يجز حمله على بعض درهمٍ ، فتتعيّن المائة (٣).

والحقّ أنّه يلزمه درهم واحد.

وقال بعض الشافعيّة : إذا جرّ ، لزمه درهم واحد إذا لم يقل : « صحيح » (٤).

ولو وقف ، لزمه بعض درهمٍ ، كما في حالة الجرّ ؛ لأنّه المتيقّن ، لأنّه يجوز أن يسقط حركة الجرّ للوقف.

__________________

(١) كذا قوله : « لأنّه أقلّ عددٍ يضاف اسم العدد إليه ». وفيه اضطراب.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٨.

(٣) راجع العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٠ ـ ٣١.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١ ، المغني ٥ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٢.

٣١٤

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه درهم (١).

مسألة ٩٠٣ : لو قال : له علَيَّ كذا كذا ، فهو بمنزلة مَنْ لم يكرّر ، يلزمه درهم واحد.

ثمّ التقدير أن نقول : إمّا أن ينصب الدرهم أو يرفعه أو يجرّه أو يقف.

فإن نصب ، لزمه درهم لا غير ، ولا يقتضي التكرير الزيادة ، كأنّه قال : له شي‌ء شي‌ء.

وقال أبو حنيفة : يلزمه أحد [ عشر ] (٢) درهماً ؛ لأنّه أقلّ عددٍ مركّبٍ ينتصب بعده المميّز إن كان عالماً بالعربيّة (٣).

والأجود ما قلناه ؛ تنزيلاً للإقرارات على المتيقّن ، لا على المظنون ؛ حيث أُخرجت أصالة براءة الذمّة عن أصلها.

ولو رفع ، لزمه درهم واحد أيضاً. وتقديره : كذا كذا هو درهم. ولا خلاف فيه.

ولو جرّ ، لزمه بعض درهمٍ ؛ لاحتمال أن يكون قد أضاف جزءاً إلى جزءٍ ثمّ أضاف الجزء الآخر إلى الدرهم ، فيصير كأنّه قال : له بعضُ بعضِ‌

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٤٦ ، البيان ١٣ : ٤٢٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وعشرون ». والمثبت كما في المصادر هو الصحيح.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٢ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١٣٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢١٨ / ٩٧٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢١ / ١٩٢٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨١ ، الوسيط ٣ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٩.

٣١٥

درهمٍ ، ويُقبل تفسيره.

وكذا لو وقف.

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه في الجرّ والوقف والنصب والرفع درهم واحد (١).

والوجه ما قلناه.

ولو قال : كذا كذا كذا درهم ، لزمه بعض درهمٍ أيضاً ؛ لاحتمال أنّه أراد ثُلث سُبع عُشر درهمٍ.

مسألة ٩٠٤ : لو كرّر « كذا » مع العطف ، فقال : له علَيَّ كذا وكذا ، فإن رفع الدرهم ، لزمه درهم واحد ؛ لأنّه ذكر شيئين ثمّ أبدل منهما درهماً ، فكأنّه قال : هُما درهم ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّه يلزمه درهم وزيادة (٢).

ولو نصب ، فالأقرب : إنّه يلزمه درهم واحد ؛ لأنّ « كذا » يحتمل أن يكون أقلّ من درهمٍ ، فإذا عطف عليه مثله ثمّ فسّرهما بدرهمٍ واحد ، جاز.

وقال الشافعي : يلزمه درهمان ؛ لأنّ « كذا » يقع على درهمٍ ، يعني لمّا وصل الجملتين بالدرهم كان كلّ واحدٍ من المعطوف والمعطوف عليه واقعاً على درهمٍ ، فكأنّه كناية عنه (٣).

قال المزني : وقال في موضعٍ آخَر : إذا قال : كذا وكذا درهماً ، قيل : أعطه درهماً أو أكثر من قِبَل أنّ « كذا » يقع على أقلّ من درهمٍ ، وقوله :

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١.

(٣) الأُم ٦ : ٢٢٣ ، مختصر المزني : ١١٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، الوسيط ٣ : ٣٣٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢١ / ١٩٢٥.

٣١٦

« أو أكثر » أي : إذا فسّره بأكثر من درهمٍ ، لزمه ، وإلاّ فالدرهم يقين. ويُروى في بعض النسخ : « وأكثر ». هذا ما نقله المزني (١).

واختلف أصحاب الشافعي في المسألة على طريقين :

أشهرهما : إنّه على قولين :

أصحّهما : إنّه يلزمه درهمان ؛ لأنّه أقرّ بجملتين مبهمتين ، وعقّبهما بالدرهم ، فالظاهر كونه تفسيراً لهما ، كما لو قال : له علَيَّ عشرون درهماً ، فإنّ الدرهم تفسير للعشرين.

والثاني ـ وهو اختيار المزني ـ : إنّه لا يلزمه إلاّ درهم واحد ؛ لجواز أن يريد به تفسير اللفظين معاً بالدرهم ، وحينئذٍ يكون المراد من كلّ واحدٍ نصف درهمٍ (٢).

وزاد بعضهم قولاً ثالثاً ، وهو : إنّه يلزمه درهم وشي‌ء ، أمّا الدرهم : فلتفسير الجملة الثانية ، وأمّا الشي‌ء : فللأُولى الباقية على إبهامها. وهو موافق لرواية مَنْ روى « أعطه درهماً وأكثر » (٣).

والطريق الثاني : القطع بأنّه يلزمه درهمان.

واختلفوا في نقل المزني والتصرّف فيه من وجوه :

أ ـ حمل ما نقله عن موضعٍ آخَر على ما إذا قال : « كذا وكذا درهم » ‌

__________________

(١) مختصر المزني : ١١٢ ، الأُم ٦ : ٢٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٧ و ٢٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٤ ، البيان ١٣ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢١ / ١٩٢٥.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٧ ـ ٢٨ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٩.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١.

٣١٧

بالرفع ، كأنّه يقول : وكذا الذي أبهمته درهم.

ب ـ إنّه حيث قال : « درهمان » أراد ما إذا أطلق اللفظ ، وحيث قال : « درهم » أراد ما إذا نواه ، فصرف اللفظ عن ظاهره بالنيّة.

ج ـ إنّه حيث قال : « درهم » أراد ما إذا قال : « كذا وكذا درهماً » فشكّ أنّ الذي يلزمه شيئان أو شي‌ء واحد.

د ـ إنّه حيث قال : « يلزمه درهم » صوّر فيما إذا قال : « كذا كذا درهماً » (١).

وقال أبو حنيفة : يلزمه أحد وعشرون درهماً ؛ لأنّه أقلّ مفرد ميّز عددين أحدهما معطوف على الآخَر (٢).

وحكي عن أبي يوسف أنّه إذا قال : « كذا وكذا ، أو : كذا وكذا درهماً » (٣) لزمه أحد عشر درهماً (٤).

ولو جرّ الدرهم ، لزمه درهم عند بعض الشافعيّة (٥).

والحقّ أنّه يلزمه بعض الدرهم ، والتقدير أنّه يلزمه شي‌ء وبعض درهمٍ ، وكلاهما بعض درهمٍ.

ولو قال : كذا وكذا وكذا درهماً ، فإن قلنا : إن كرّر مرّتين لزمه‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٨ ، البيان ١٣ : ٤٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٩.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١٣٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢١ / ١٩٢٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٩.

(٣) « درهماً » لم ترد في النسخ الخطّيّة.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٠ ، المغني ٥ : ٣٢٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٤.

(٥) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٣.

٣١٨

درهمان ، فهنا يلزمه ثلاثة. وإن قلنا : يلزمه درهم ، فكذا هنا.

مسألة ٩٠٥ : لو قال : له علَيَّ ألف ودرهم ، أو ألف ودراهم ، أو ألف وثوب ، أو ألف وعبد ، فقد عطف معيّن الجنس على مبهمه ، فله تفسير الألف بغير جنس المعطوف بأيّ شي‌ء أراد ، عندنا ـ وبه قال الشافعي ومالك (١) ـ إذ لا منافاة بين عطف بعض الأجناس على ما يغايرها ، بل هو الواجب ، فبأيّ شي‌ء فسّره قُبِل ، حتّى لو فسّره بحبّات الحنطة قُبِل.

ولو فسّره بألف كلب ، فوجهان على ما سلف (٢).

وقال أبو حنيفة : إن عطف على العدد المبهم موزوناً أو مكيلاً ، كان تفسيراً له. وإن كان مذروعاً أو معدوداً ، وبالجملة يكون [ متقوّماً ] (٣) لم يكن تفسيراً ـ كالثوب والعبد ـ لأنّ « علَيَّ » للإيجاب في الذمّة ، فإذا عطف عليه ما يثبت في الذمّة بنفسه ، كان تفسيراً له ، كقوله : مائة وخمسون درهماً ، وقوله : خمسة وعشرون درهماً ، فإنّ الدرهم تفسير العشرين ، والعشرون تفسير الخمسة (٤).

__________________

(١) الأُم ٦ : ٢٢٣ ، مختصر المزني : ١١٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٥ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢ ، منهاج الطالبين : ١٤١ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٥ / ١٠٤٦ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٦ ـ ١٧٠٧ / ١٢٠١ ، المعونة ٢ : ١٢٥٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٣.

(٢) في ص ٢٩٧ ، المسألة ٨٨٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مفهوماً » وذلك تصحيف.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ :

٣١٩

وما قدّمناه أصحّ ؛ لأنّه مفسّر معطوف على مبهمٍ ، فلم يكن تفسيراً ، كقوله : مائة وثوب. وما ذكره أبو حنيفة منتقض بالثوب ، فإنّه يثبت في الذمّة بنفسه ، لأنّه يقول : إذا أتلف عبداً أو ثوباً ، وجب مثله في ذمّته (١) ، ولهذا يجوز أن يصطلحا على أكثر من قيمته. وما ذكروه (٢) من مائة وخمسين فإنّ الدرهم المنصوب على التمييز يميّز الجملتين جميعاً ، ويكون لفظه بحكم ما يليه مبهماً ، مع أنّ جماعةً من الشافعيّة لا يسلّمون ذلك (٣).

وقد اختلف أصحاب مالك (٤) ، فمنهم مَنْ وافقنا ، ومنهم مَنْ قال : يفسّر بالمعطوف بكلّ حال.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يقول : علَيَّ ألف ودرهم ، أو : درهم وألف ، أو : ألف ودرهمان في أنّ الألف مبهمة.

مسألة ٩٠٦ : لو قال : له علَيَّ خمسة عشر درهماً ، فالكلّ دراهم ؛ لأنّه

__________________

٢٠٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٣ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٥ / ١٠٤٦ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٧ / ١٢٠١ ، المعونة ٢ : ١٢٥٠ ، المغني ٥ : ٣٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٢) كذا ، والظاهر : « ذكره ».

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٤) كذا قوله : « مالك » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٠ : « أحمد ». والاختلاف المذكور موجود في المغني ٥ : ٣٠٦ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

٣٢٠