تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

العجميّ أن لا يعرف العربيّة ، وكذا العربيّ لا يعرف العجميّة ظاهراً.

مسألة ٨٣٥ : لو قال المدّعي : لي عليك ألف ، فقال في الجواب : نعم ، أو : بلى ، أو : أجل ، أو : صدقتَ ، كان إقراراً ؛ لأنّ هذه الألفاظ موضوعة للتصديق في عرف اللغة.

قال الله تعالى : هل ( وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ ) (١).

ولو قال : لعمري ، قيل : يكون إقراراً ؛ لأنّه يستعمل فيه (٢).

والأقرب : أنّه ليس كذلك ؛ لاختلاف العرف فيه.

ولو قال : أنا مُقرٌّ به ، أو : بما تدّعيه ، أو : بما ادّعيتَ ، أو : بدعواك ، أو : لستُ منكراً له ، فهو إقرار.

ولو قال : أنا مُقرٌّ ، ولم يقل : به ، أو قال : لستُ منكراً ، أو : أنا أُقرّ ، لم يكن إقراراً ؛ لجواز أن يريد الإقرار ببطلان دعواه ، أو بأن الله تعالى واحد.

وهذا يدلّ على أنّ الحكم بأنّ قوله : « أنا مُقرّ به » إقرار فيما إذا خاطبه وقال : « أنا مُقرٌّ لك به » وإلاّ فيجوز [ أن يريد ] (٣) الإقرار به لغيره.

ولو قال : أنا أُقرّ لك به ، لم يكن إقراراً ؛ لجواز إرادة الوعد ، ولأنّه ليس صريحاً في الإخبار ؛ لجواز إرادة الإنشاء والوعد بالإقرار في ثاني الحال ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه إقرار ؛ لأنّ قرينة الخصومة وتوجّه الطلب تشعر‌

__________________

(١) الأعراف : ٤٤.

(٢) المغني ٥ : ٣٤٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٨ ، البيان ١٣ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

٢٤١

بالتنجيز (١).

والأوّل أصحّ.

ولو قال : لا أُنكر ما تدّعيه ، كان إقراراً غير محمولٍ على الوعد عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّ العموم إلى النفي أسرع منه إلى الإثبات ، ولهذا كانت النكرة في معرض النفي تعمّ ، وفي الإثبات لا تعمّ (٢).

وهو مشكل ، والأقرب : إنّه كالإثبات.

ولو سُلّم الفرق ، لكنّه لا ينفي الاحتمال ، وقاعدة الإقرار الأخذ بالقطع والبتّ والحكم بالمتيقّن ؛ لأصالة براءة الذمّة.

وقال الجويني من الشافعيّة : بتقدير حمله على الوعد فالقياس أنّ الوعد بالإقرار إقرارٌ ، كما أنّا نقول : التوكيل بالإقرار إقرار (٣).

وهو غلط ، والحكم في الأصل ممنوع.

ولو قال في الجواب : لا أُنكر أن يكون مُحقّاً ، لم يكن مُقرّاً بما يدّعيه ؛ لجواز أن يريد في شي‌ءٍ آخَر ، ولو قال : فيما يدّعيه ، فهو إقرار.

ولو قال : لا أُقرّ به ولا أُنكره ، فهو كما لو سكت ، فيُجعل منكراً ويطالب بالجواب.

وقيل : تُعرض عليه اليمين (٤).

ولو قال : أبرأتني عنه ، أو قبضتَه ، فهو إقرار ، وعليه بيّنة القضاء أو الإبراء.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

٢٤٢

وقال بعض الشافعيّة : إنّ قوله : « أبرأتني عنه » ليس بإقرارٍ ؛ لقوله تعالى : ( فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمّا قالُوا ) (١) [ و ] (٢) تبرئته عن عيب الأُدْرَة (٣) لا تقتضي إثباته له (٤).

ولو قال : أقررت بأنّك أبرأتني ، أو : استوفيت منّي ، لم يكن إقراراً. ولو قال في الجواب : لعلّ ، أو : عسى ، أو : أظنّ ، أو : أحسب ، أو : أقدر ، أو : أتوهّم ، لم يكن مُقرّاً.

مسألة ٨٣٦ : اللفظ قد يكون صريحاً في التصديق وتنضمّ إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب ، ومن جملتها : الأداء ، والإبراء ، وتحريك اللسان (٥) الدالّ على شدّة التعجّب والإنكار ، فعلى هذا يُحمل قوله : « صدقت » وما في معناه على هذه الحالة ، فلا يكون إقراراً.

فإن وُجدت القرائن الدالّة على الإقرار ، حُكم به ، وإن وُجدت القرائن الدالّة على غيره ، حُكم بعدم الإقرار.

ولو قال : لي عليك ألف ، فقال في الجواب : لك علَيَّ ألف ، على سبيل الاستهزاء ، لم يكن إقراراً.

وحكى أبو سعيد المتولّي من الشافعيّة أنّ فيه وجهين (٦).

مسألة ٨٣٧ : لو قال : أليس لي عليك ألف؟ فقال : بلى ، كان مُقرّا ، ولزمه الألف ؛ لأنّه تصديق للإيجاب المناقض للنفي ؛ لقوله تعالى : ( أَلَسْتُ

__________________

(١) الأحزاب : ٦٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) الأُدْرَة : انتفاخ الخصية. لسان العرب ٤ : ١٥ « أدر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

(٥) كذا قوله : « اللسان ». والظاهر : « الرأس » بدل « اللسان ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢.

٢٤٣

بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (١).

ولو قال : نعم ، فاحتمالان :

أحدهما : إنّه لا يكون مُقرّاً.

والفرق : إنّ « نعم » في جواب الاستفهام [ تصديق لما دخل عليه الاستفهام ] (٢) ، و« بلى » تكذيب له من حيث إنّ أصل « بلى » « بل » زِيدت [ عليها ] (٣) « الياء » وهي للردّ والاستدراك ، وإذا كان كذلك فقوله : « بلى » ردّ لقوله : ليس لي عليك ألف ، فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ، ونفيٌ له ، ونفي النفي إثبات ، فكأنّه قال : لك علَيَّ ألف ، وقوله : « نعم » تصديق له ، فكأنّه قال : ليس [ لك علَيَّ ] (٤).

هذا تلخيص ما نُقل عن الكسائي وجماعة من فضلاء اللغة (٥) ، وعلى وفقه ورد القرآن العزيز.

قال الله تعالى : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (٦).

قيل : لو قالوا : « نعم » لكفروا (٧).

وقال تعالى : ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى ) (٨).

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عليه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لي عليك ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨.

(٦) الأعراف : ١٧٢.

(٧) مغني اللبيب ١ : ١٥٤.

(٨) الزخرف : ٨٠.

٢٤٤

وقال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى ) (١).

وقال تعالى في « نعم » : ( فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ ) (٢) وقال : ( أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ * قالَ نَعَمْ ) (٣).

والثاني : إنّه يكون مُقرّاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من « نعم » و« بلى » يقام مقام الآخَر في العرف.

والاحتمالان وجهان أيضاً للشافعيّة (٤).

وقال الآخَرون : إنّ الأقارير تُحمل على مفهوم أصل العرف ، لا على دقائق العربيّة (٥).

ولو قال : هل لي عليك ألف؟ فقال : نعم ، فهو إقرار.

مسألة ٨٣٨ : إذا قال لغيره : اشتر منّي عبدي هذا ، أو : أعطني عبدي هذا ، فقال : نعم ، فهو إقرار له بملكيّة العبد.

وكذا لو قال : اعتق عبدي هذا ، فقال : نعم.

ويحتمل عدمه ، وبه قال بعض الشافعيّة (٦).

ولو قال : بِعْني هذا العبد ، فهو إقرار بعدم ملكيّة القائل له.

وهل هو إقرار للمخاطب بالملكيّة؟ إشكال ؛ لاحتمال أن يكون وكيلاً.

ولو قال : اشتر منّي هذا العبد ، فقال : نعم ، فهو إقرار بأنّ المخاطب‌ مالك للبيع ، وليس إقراراً بأنّه مالك للمبيع.

__________________

(١) القيامة : ٣ و ٤.

(٢) الأعراف : ٤٤.

(٣) الشعراء : ٤١ و ٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢.

٢٤٥

ولو ادّعى عليه عبداً في يده ، فقال : اشتريته من وكيلك فلان ، فهو إقرار له ، ويحلف المدّعى عليه على أنّه ما وكّل فلاناً بالبيع.

مسألة ٨٣٩ : لو قال : له علَيَّ ألف في علمي ، أو : فيما أعلم أو أشهد ، فهو إقرار ؛ لأنّ ما في علمه لا يحتمل إلاّ الوجوب.

ولو قال : كان له علَيَّ ألف ، وسكت ، أو : كانت هذه الدار له في السنة الماضية ، فالأقرب : إنّه يلزمه الألف وتسليم الدار إليه ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه (١) ـ لأنّه أقرّ بالوجوب ، ولم يذكر ما يرفعه ، فيبقى على ما كان عليه ، ولهذا لو تنازعا داراً فأقرّ أحدهما للآخَر أنّها كانت ملكه ، حُكم بها له ، إلاّ أنّه هنا إن عاد فادّعى القضاء أو الإبراء ، سُمعت دعواه ؛ لأنّه لا تنافي بين إقراره وبين ما يدّعيه. وللعمل بالاستصحاب.

والثاني للشافعيّة : إنّه ليس بإقرارٍ في الحال بشي‌ء ؛ لأصالة براءة الذمّة. ولأنّه لم يذكر أنّ عليه شيئاً في الحال ، إنّما أخبر بذلك في زمنٍ ماضٍ ، فلا يثبت في الحال. وكذا لو شهدت البيّنة به ، لم يثبت (٢).

مسألة ٨٤٠ : لو قال : هذه داري أسكنت فيها فلاناً ثمّ أخرجتُه منها ، لم يكن إقراراً بالملكيّة قطعاً.

وهل يكون إقراراً باليد؟ قال بعض الشافعيّة : نعم ؛ لأنّه اعترف‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) حلية العلماء ٨ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢ ـ ٢٣ ، المغني ٥ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠١.

٢٤٦

بثبوتها من قَبْلُ وادّعى زوالها (١).

وقال بعضهم : إنّه ليس بإقرارٍ ؛ لأنّه لم يعترف بيد فلان إلاّ من جهته (٢). وهو الأقوى عندي.

ولو قال : ملّكتُ هذه الدار من زيدٍ ، فهو إقرار بالملك لزيدٍ ، على إشكالٍ ، وادّعى انتقالها منه إليه ، فإن لم يصدّقه زيد دُفعت إليه. وإن صدّقه ، أُقرّت في يده.

ولو قال : اقض الألف التي لي عليك ، فقال : نعم ، فهو إقرار.

ولو قال في الجواب : أُعطي غداً ، أو : ابعث مَنْ يأخذه ، أو أمهلني يوماً ، أو أمهلني حتى أضرب الدراهم ، أو أفتح باب الصندوق ، أو أقعد حتى تأخذ ، أو لا أجد اليوم ، أو لا تدم التقاضي ، أو قال : ما أكثر ما تتقاضى والله لأقضينّك ، قال أبو حنيفة : يكون مُقرّاً في جميع هذه الصور (٣).

وعندي فيه تردّد ، واضطربت الشافعيّة فيه (٤).

وكذا لو قال : اسرج دابّة فلان هذه ، فقال : نعم ، أو قال : أخبرني زيد أنّ لي عليك كذا ، فقال : نعم ، أو قال : متى تقضي حقّي؟ فقال : غداً.

[ ولو ] (٥) قال له قائل : غصبتَ ثوبي ، فقال : ما غصبتُ من أحدٍ قبلك‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣.

(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ١٥ ـ ١٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٠٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨١ ـ ١٨٢ ، روضة القضاة ٢ : ٧٣٦ / ٥٠٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٧ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١٢٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٨ ، البيان ١٣ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٨ ، البيان ١٣ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٤٧

ولا بعدك ، لم يكن مُقرّاً ؛ لأنّ نفي الغصب من غيره لا يقتضي ثبوت الغصب فيه.

وكذا لو قال : ما علَيَّ لزيدٍ أكثر من مائة درهم ؛ لأنّ نفي الزائد على المائة لا يوجب إثبات المائة.

ويحتمل أن يكون إقراراً بالمائة. وهو أيضاً وجه للشافعيّة (١).

مسألة ٨٤١ : قد بيّنّا أنّ من شرط صحّة الصيغة بالإقرار التنجيز ، فلو علّق إقراره على شرطٍ أو صفةٍ ، بطل ، كقوله : إن جاء زيد فله علَيَّ كذا ، أو إذا جاء رأس الشهر فله كذا.

ولا فرق بين أن يكون الشرط معلومَ الوقوع أو مجهولَه.

ولو قال المعسر : لفلان علَيَّ ألف إن رزقني الله تعالى مالاً ، لم يكن إقراراً ؛ للتعليق ، وبه قال بعض الشافعيّة (٢).

وقال بعضهم : إنّه إقرار ، وصيغة الشرط لبيان وقت الأداء (٣).

والمعتمد : أن يستفسره ، فإن فسّر بالتأجيل صحّ. وإن فسّره بالتعليق بطل.

وكذا في قوله : « إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ كذا » إن قصد بيان وقت الأداء لزم. وإن قصد التعليق بطل.

مسألة ٨٤٢ : لو ادّعى عليه ألفاً وقال : إنّ فلاناً يشهد لي بها ، فقال المدّعى عليه : إن شهد بها علَيَّ فلان فهو صادق ، وجب الألف عليه في الحال ، سواء شهد فلان أو لا.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣.

(٢) البيان ١٣ : ٤٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣ ـ ٢٤.

(٣) البيان ١٣ : ٤٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٤.

٢٤٨

ولو قال فلان : لا أشهد ، أو : أنّ المدّعي كاذب ، أو : أنا أشهد ببراءة المُقرّ ، كان عليه الأداء في الحال ؛ لأنّه حكم بصدقه على تقدير الشهادة.

وإنّما تتمّ هذه الملازمة ويصدق هذا الحكم لو كان الحقّ ثابتاً في ذمّته ؛ لأنّه لو لم يكن ثابتاً لم يصدق هذا الحكم لو شهد ، فتكون الملازمة كاذبةً ، لكنّا إنّما نحكم بصدقها كغيره من الإقرارات.

وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يكون إقراراً ؛ لما فيه من التعليق (١).

والأقرب : إنّه إن ادّعى عدم علمه بما قال وأنّ المُقرّ له لا يستحقّ في ذمّته شيئاً وأنّه توهّم أنّ فلاناً لا يشهد عليه ، فإن كان ممّن يخفى عنه ذلك قُبِل قوله ، وحُمل على التعليق ، وكان كلامه لاغياً ، وإلاّ ثبت.

ولو شهد عليه شاهد بألفٍ ، فقال : هو صادق ، أو عَدْل ، لم يكن مُقرّاً.

ولو قال : إنّه صادق فيما شهد به ، أو عَدْل فيما قال ، كان مُقرّاً.

ولو قال : إن شهدا علَيَّ صدّقتُهما ، لم يكن مُقرّاً ؛ لأنّ غير الصادق قد يصدق.

ولو قال : إن شهد علَيَّ فلان فهو حقٌّ أو صحيح ، فكقوله : صادق.

ولو قال : له علَيَّ ألف إن شهد بها فلان ، لم يكن إقراراً ، لأنّه معلّق على شرطٍ.

مسألة ٨٤٣ : لو علّق إقراره بمشيئة الله تعالى ، بطل ، فلو قال : لك علَيَّ ألف إن شاء الله ، لم يكن إقراراً ـ وهو قول الشافعيّة (٢) ـ لأنّه علّق‌

__________________

(١) حلية العلماء ٨ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٤.

(٢) التنبيه : ٢٧٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، الوجيز ١ :

٢٤٩

إقراره على شرطٍ ، فلم يصح ، كما لو علّقه على مشيئة زيدٍ. ولأنّ المعلّق على مشيئة الله تعالى لا سبيل إلى معرفته.

وقال أحمد بن حنبل : إنّه يكون إقراراً ؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه بأجمعه ، ولا يصرفه إلى غير الإقرار ، فلزمه ما أقرّ به ، وبطل صلته به ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ ألفاً. ولأنّه عقّب الإقرار بما لا يفيد حكماً آخَر ولا يقتضي رفع الحكم ، فأشبه ما لو قال : له علَيَّ ألف في مشيئة الله تعالى (١).

وهو ممنوع ؛ لأنّه محض تعليقٍ على شرطٍ ، فأشبه التعليق بدخول الدار ومشيئة زيدٍ.

ولو قال : له علَيَّ ألف إلاّ أن يشاء الله تعالى ، صحّ الإقرار ؛ لأنّه علّق رفع الإقرار على أمرٍ لا يعلم ، فلا يرتفع.

ولو قال : لك علَيَّ ألف إن شئت ، أو إن شاء زيد ، لم يصح ، وبه قال أحمد (٢) أيضاً.

وقال بعض أصحابه : يصحّ ؛ لأنّه عقّب بما يرفع الإقرار ، فأشبه استثناء الكلّ (٣).

وهو غلط ؛ لأنّه علّقه على شرطٍ يمكن علمه فلم يصح ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إن شهد به فلان ، وذلك لأنّ الإقرار إخبار بحقٍّ سابق ، فلا يتعلّق على شرطٍ مستقبل.

__________________

٢٠٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ ، المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٥.

(١) المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٦.

٢٥٠

ولو قال : له علَيَّ ألف إن شاء الله ، وقصد التبرّك بالمشيئة والصلة والتفويض إلى الله تعالى ، فهو إقرار ، كقوله تعالى : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ ) (١) وقد علم الله تعالى أنّهم سيدخلونه.

مسألة ٨٤٤ : لو قال : له علَيَّ ألف إن شاء زيد ، أمكن جَعْل مشيئة زيدٍ شرطاً يتوقّف الأمر على وجودها ؛ لأنّ مشيئته متجدّدة ، وأمّا مشيئة الله تعالى فإنّها غير متجدّدةٍ ، والماضي لا يمكن رفعه ، فتعيّن حمل الأمر في مشيئة زيدٍ على المستقبل ، فيكون وعداً لا إقراراً.

ولو قال : بعتك إن شاء الله ، أو زوّجتك إن شاء الله ، لم يقع البيع ولا النكاح.

وقال أبو حنيفة : يقع النكاح والبيع ، وبه قال أحمد (٢).

ولو قال : بعتك بألف إن شئتَ ، فقال : قد شئتُ وقبلتُ ، لم يصح ، على إشكالٍ ؛ لأنّ هذا الشرط من موجَب العقد ومقتضاه ، فإنّ الإيجاب إذا وُجد من البائع كان القبول إلى مشيئة المشتري واختياره.

والحقُّ : البطلان من حيث التعليق ؛ إذ لا نعلم حاله عند العقد هل يشاء أم لا ، فأشبه ما لو قال : إن شاء زيد.

ولو قال : له علَيَّ ألف إن قدم فلان ، لم يلزمه ؛ لأنّه لم يُقرّ به في الحال ، وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجباً عند وجود الشرط.

البحث الثاني : في المُقر.

مسألة ٨٤٥ : يشترط في المُقرّ البلوغ ، فأقارير الصبي لاغية ، سواء كان‌

__________________

(١) الفتح : ٢٧.

(٢) المغني ٥ : ٣٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٦.

٢٥١

مميّزاً أو لا ، وسواء أذن له الوليّ أو لا ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رُفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه » (٢).

وقال أبو حنيفة : إذا كان الصبيّ مميّزاً ، صحّ الإذن في البيع والشراء ، ويصحّ إقراره فيه (٣).

وقال أحمد : اليتيم إذا أُذن له في التجارة وهو يعقل البيع والشراء ، فبيعه وشراؤه جائز. وإن أقرّ أنّه قبض شيئاً من ماله ، جاز بقدر ما أذن له فيه وليُّه (٤). وليس بشي‌ء.

وقول أبي حنيفة : « إذا كان مأذوناً من جهة الوليّ صحّ إقراره ؛ قياساً على تصرّفاته » (٥) باطل بالحديث (٦) ، وأصله ممنوع.

ولنا وللشافعيّة قولٌ في صحّة تدبيره ووصيّته (٧) ، فعلى هذا القول‌

__________________

(١) الأُم ٦ : ٢١٧ ، مختصر المزني : ١١٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢١ ، الوسيط ٣ : ٣١٧ ، الوجيز ١ : ١٩٤ ـ ١٩٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٦ ، البيان ١٣ : ٣٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٧١٥ / ٤٠٥٢.

(٢) سنن البيهقي ١٠ : ٣١٧ ، المغني ٥ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٢.

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٧١٥ / ٤٠٥١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٥ ، البيان ١٣ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٢.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٢.

(٥) روضة القُضاة ٢ : ٧١٥ / ٤٠٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٥.

(٦) أي : حديث رفع القلم.

(٧) الحاوي الكبير ٧ : ٥ ، و ٨ : ١٨٩ ، و ١٨ : ١٣٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٥٧ ، و ٢ : ٨ ، بحر المذهب ١٤ : ١٢٠ ، الوجيز ١ : ٢٦٩ ، و ٢ : ٢٨٢ ، الوسيط ٤ : ٤٠٣ ، و ٧ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٦ : ٦٩ ، و ١٨١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ٩٩ ، البيان ٨ : ١٣٧ و ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٦ ، و ٥ : ٢٧٥ ، و ٧ : ٦ ، و ١٣ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠ ، و ٤ : ٤ ، و ٥ : ٩٣ ، و ٨ : ٤٤٩ ، المغني ١٢ : ٣٣٤ ، الشرح الكبير ١٢ : ٣٠٨ ، وذلك أيضاً قول الشيخ الطوسي في الخلاف ٦ : ٤١٩ ، المسألة ٢١ من كتاب المدبّر.

٢٥٢

عندنا وعند الشافعي يصحّ إقراره بهما (١).

والحقّ ما تقدّم ؛ لأنّ إقراره لا يصحّ بغير ذلك وبغير ما أذن له فيه ، فكذا بهما وبالبيع والشراء ، كالمجنون.

ولو ادّعى أنّه قد بلغ بالاحتلام ، أو ادّعت الجارية البلوغَ بالحيض ، قُبِل إن كان ذلك في وقت الإمكان ، وإلاّ فلا.

ولو فُرض ذلك في خصومةٍ ، لم يحلفا ؛ لأنّه لا يُعرف ذلك إلاّ من جهتهما ، فأشبه ما إذا علّق نذر العتق بمشيئة الغير ، فقال : شئت ، يُصدّق بغير يمينٍ. ولأنّهما إن صُدّقا فلا تحليف ، وإن كُذّبا فكيف يحلفان واعتقاد المكذّب أنّهما صغيران؟ ولأنّه لو حلّفناه لأراد في تحليفه تغرير الصبي ، والصبي لا يحلف ، فإذَنْ لو حُلّف لما حلف.

ولو بلغ مبلغاً تيقّن بلوغه فيه ، لم يحلف أيضاً على أنّه كان بالغاً حينئذٍ ؛ لأنّا إذا حكمنا بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها ، فلا عود إلى التحليف.

ولو جاء واحد من الغُزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنّه احتلم ، دُفع إليه سهمه ؛ لأنّا لا نشترط البلوغ في استحقاق سهم الغنيمة.

__________________

(١) العزيز ٥ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤.

٢٥٣

وعند المشترطين يحلف ويأخذ السهم (١).

فإن لم يحلف ، فللشافعيّة وجهان :

قال بعضهم : يعطى ؛ لأنّ الظاهر استحقاقه بحضور الوقعة (٢).

وقال بعضهم : لا يعطى ؛ لعدم العلم بالبلوغ ، وقوله متّهم (٣).

ولو ادّعى البلوغ بالسنّ ، طُولب بالبيّنة ؛ لإمكانها.

ولو كان غريباً أو خاملَ الذِّكْر ، التُحق بدعوى الاحتلام.

وقال بعض الشافعيّة : يُطالَب بالبيّنة (٤) ؛ لإمكانه (٥) في جنس المدّعي ، أو يُنظر إلى الإنبات ؛ لتعذّر معرفة التأريخ ، كما في صبيان الكفّار (٦).

والأظهر عند الشافعيّة : الثاني ؛ لأنّه إذا أمكن إقامة البيّنة ، كُلّف إقامتها ، ولم يُنظر إلى حال المدّعي وعجزه (٧).

والوجه : إنّ دعوى الصبي البلوغَ بالاحتلام ليس إقراراً ؛ لأنّ المفهوم من الإقرار الإخبارُ عن ثبوت حقٍّ عليه للغير ، ونفس البلوغ ليس كذلك ، ولهذا يُطالَب مدّعي البلوغ بالسنّ بالبيّنة ، واختلفوا في تحليف مدّعي البلوغ بالاحتلام ، والمُقرّ لا يكلَّف البيّنة ولا اليمين.

نعم ، لو قال : أنا بالغ ، فقد اعترف بثبوت الحقوق المنوطة بالبلوغ ، فحقّ هذا الوجه أن يكون متضمّناً للإقرار ، لا أنّه نفسه إقرار. وبتقدير كونه

__________________

(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥.

(٤) المطالبة بالبيّنة هي الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاث لبعض الشافعيّة ، والأوّل منها هو الالتحاق بدعوى الاحتلام ، والثالث منها : النظر إلى الإنبات. راجع العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٦.

(٥) كذا قوله : « لإمكانه ». والظاهر : « لإمكانها ».

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥.

٢٥٤

إقراراً فليس ذلك بإقرار الصبي (١) ؛ لأنّه إذا قال : أنا بالغ ، يُحكم ببلوغه سابقاً على قوله ، فلا يكون إقرارُه إقرارَ الصبي.

مسألة ٨٤٦ : يشترط في المُقرّ العقل ، فلا يُقبل إقرار المجنون ؛ لأنّه مسلوب القول في الإنشاء والإقرار بغير استثناء.

ولا فرق بين أن يكون الجنون مطبقاً أو يأخذه أدواراً ، إلاّ أنّ الذي يأخذه أدواراً إن أقرّ في حال إفاقته ، صحّ ؛ لأنّه حينئذٍ عاقل.

ولا بدّ من كماليّة العقل في الإقرار ، فالسكران الذي لا يحصّل أو لا يكون كاملَ العقل حالة سكره لا يُقبل إقراره ، عند علمائنا أجمع ، وكذا بيعه وجميع تصرّفاته ؛ لعدم الوثوق بما يقول ، وعدم العلم بصحّته ، ولا تنتفى عنه التهمة فيما يُخبر به ، فلم يوجد معنى الإقرار الموجب لقبول قوله.

وللشافعي فيه اضطراب (٢).

قال بعض أصحابه : يصحّ إقرار السكران ، ولا يصحّ بيعه (٣).

وقال بعضهم : بيع السكران يحتمل وجهين : الجواز ، وعدمه (٤).

وقال بعضهم بالجواز ؛ لأنّ أفعاله تجري مجرى أفعال الصاحي (٥).

قال الشافعي : لو شرب رجل خمراً أو نبيذاً فسكر فأقرّ في حال‌

__________________

(١) في « ر » : « إقراراً للصبي » بدل « بإقرار الصبي ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، الوجيز ٢ : ٥٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٦ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ٥٦٥ ، روضة الطالبين ٦ : ٥٩.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، المجموع ٩ : ١٥٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، المجموع ٩ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩.

٢٥٥

سكره ، لزمه ما أقرّ به (١).

وروى المزني في ظهار السكران ما إذا صحّ كان بمنزلة المجنون في إقراره (٢).

ومَنْ أُكره فأُوجر خمراً حتى ذهب عقله ثمّ أقرّ ، لم ينفذ إقراره وعند الشافعي (٣) أيضاً ؛ لأنّه معذور.

ولا فرق عندنا بين أن يسكر قاصداً أو غيره ، خلافاً للشافعي (٤).

مسألة ٨٤٧ : لا بدّ من القصد في الإقرار ، فلا عبرة بإقرار الغافل والساهي والنائم ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رُفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه » (٥).

وكذا المغمى عليه لا ينفذ إقراره ؛ لزوال رشده وتحصيله ، وكذا المبرسم ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لدخول المبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون والنائم. ولأنّه قولٌ من غائب العقل ، فلا يثبت له حكم ، كالبيع والطلاق.

مسألة ٨٤٨ : يشترط في المُقرّ الاختيار ، فلا يقع إقرار المُكره على الإقرار ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٦) ـ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الأُمّ ٣ : ٢٣٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، البيان ١٣ : ٣٩٢.

(٢) مختصر المزني : ٢٠٢ ، الحاوي الكبير ١٠ : ٤١٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ٥٦٤.

(٣) الأُمّ ٣ : ٢٣٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢١ ، البيان ١٣ : ٣٩٢ ، المغني ٥ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٣.

(٤) راجع : الحاوي الكبير ١٠ : ٤١٩ ، والتهذيب ـ للبغوي ـ ٦ : ٧٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٨ : ٥٦٤ ، وروضة الطالبين ٦ : ٥٩.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٢ ، الهامش (٢).

(٦) الحاوي الكبير ٧ : ٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٢

٢٥٦

« رُفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه » (١).

ولأنّه قول أُكره عليه بغير حقٍّ ، فلم يصح ، كالبيع.

ولو أقرّ بغير ما أُكره عليه ـ مثل أن يُكره على الإقرار لرجلٍ فيقرّ لغيره ، أو يُكره على أنّه يُقرّ بنوعٍ من المال فيُقرّ بغيره ، أو يُكره على الإقرار بطلاق امرأةٍ فيُقرّ بطلاق أُخرى ، أو يُكره على الإقرار بعتق عبدٍ فيُقرّ بعتق غيره ـ صحّ ؛ لأنّه أقرّ بما لم يُكره عليه ، فصحّ ، كما لو أقرّ به ابتداءً.

ولو أُكره على الإقرار بمائةٍ فأقرّ بمائتين ، فالأقرب : نفوذه. ولو أُكره على الإقرار بمائةٍ فأقرّ بخمسين ، لم يُنفذ.

ولو أُكره على أداء مالٍ ، فباع شيئاً من ماله ليؤدّي ذلك ، صحّ بيعه ؛ لأنّه لم يُكره على البيع.

ولو ادّعى المُقرّ الإكراهَ على الإقرار ، لم يُقبل قوله ، إلاّ بالبيّنة ، سواء أقرّ عند سلطانٍ أو عند غيره ؛ لأصالة عدم الإكراه ، إلاّ أن يكون هناك دلالة على الإكراه ، كالقيد والحبس والتوكيل به ، فيكون القولُ قولَه مع يمينه ؛ لدلالة هذه الحال على الإكراه ، على إشكالٍ.

ولو ادّعى أنّه كان زائلَ العقل حالة إقراره ، لم يُقبل قوله إلاّ بالبيّنة ؛ لأصالة السلامة حتى يُعلم غيرها.

ولو لم يُعلم له حالة جنونٍ البتّة ، لم يلتفت إليه. ولو عُلم ، فالقول قوله مع اليمين.

ولو شهد الشهود بإقراره ، لم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : أقرّ‌

__________________

و ٢٢٣ ، البيان ١٣ : ٣٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩ ، منهاج الطالبين : ١٣٩ ، المغني ٥ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٣.

(١) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٢٥٧

طوعاً في صحّة عقله وبدنه ؛ لأنّ الظاهر سلامة الحال وصحّة الشهادة.

مسألة ٨٤٩ : لا يُقبل إقرار المحجور عليه للسفه بالمال ، ويصحّ في الحدّ والقصاص ؛ لانتفاء التهمة فيه.

وإذا فُكّ الحجر عنه ، لم يلزمه المال الذي أقرّ به في الحجر ؛ لأنّ عدم قبول إقراره صيانة لماله لموضع التهمة فيه ، فلو ألزمناه بعد فكّ الحجر بطل معنى الحجر.

ولو أقرّ بالسرقة ، لزمه القطع ، دون المال.

وللشافعي في المال قولان : اللزوم ؛ لئلاّ يتبعّض إقراره. والعدم ؛ لعدم قبول قوله في المال (١).

والتبعيض غير ضائرٍ ، كما لو شهد رجل وامرأتان ، ثبت المال ، دون القطع.

وأمّا في الباطن : فإن كان الذي أقرّ به حقّاً تعلّق به حال الحجر برضا صاحبه كالقرض ، لم يلزمه أيضاً ؛ لأنّ الحجر مَنَع من معاملته ، فصار كالصبي. وإن لزمه بغير اختيار صاحبه كالإتلاف ، لزمه أداء ذلك المال في الباطن ، ولهذا لو قامت البيّنة عليه حال الحجر ، لزمه.

ويُقبل إقرار المحجور بالفلس في النكاح ، دون السفيه المحجور ؛ اعتباراً للإقرار بالإنشاء.

وقال الجويني : إقرار السفيهة بأنّها منكوحة فلانٍ كإقرار الرشيدة ؛ إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانب المرأة.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٤٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣١٩ ، البيان ٦ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٢٥٨

قال : وفيه احتمال من جهة ضعف قولها وخبل عقلها ؛ لأنّها غير تامّة الرشد ولا كاملة العقل ، فأشبهت المجنون (١).

أمّا المحجور عليه للفلس : فالأقرب نفوذ إقراره في حقّه خاصّةً ، وقد سبق البحث فيه.

ويُقبل إقرار المفلس قبل الحجر عليه ، سواء أقرّ بعينٍ أو دَيْنٍ.

مسألة ٨٥٠ : يشترط في صحّة الإقرار الحُرّيّة ، فلا يُقبل إقرار العبد بالعقوبة ولا بالمال ، عند علمائنا أجمع ، سواء كانت العقوبة توجب القتل أو لا ـ ووافقنا أحمد والمزني على أنّه لا يُقبل إقراره بعقوبةٍ توجب القتل ، دون غيرها من العقوبات (٢) ـ لأنّه لا يملك نفسه ولا التصرّف في نفسه ، وهو مال غيره ، فإقراره على نفسه إقرار على مولاه ، وهو غيره ، وإقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ.

وقال الشافعي : يُقبل إقراره فيما يوجب الحدّ والقصاص في النفس والطرف ؛ لأنّ عليّاً عليه‌السلام قطع عبداً بإقراره. ولأنّه لو قامت به البيّنة قُبِل ، فالإقرار أولى (٣).

ونمنع استناد القطع إلى الإقرار ، فجاز أن يكون اقترن بتصديق المولى. والفرق بين الإقرار والبيّنة ظاهر.

ولو صدّقه المولى على العقوبة ، نفذ الحكم فيه ، كالبيّنة.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٤ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥ ـ ٦.

٢٥٩

ولو أقرّ المولى عليه ولم يُقر هو ، لم يُسمع ؛ لأنّه غيره وإقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ. ولأنّ المولى لا يملك من العبد إلاّ المال.

وقال بعض العامّة : يصحّ إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ، ويجب المال دون القصاص ؛ لأنّ المال تعلّق برقبته ، وهي مال السيّد ، فصحّ إقراره به كجناية الخطأ (١).

ولو أقرّ بما يوجب القتل ، لم يُقبل عندنا.

وقال أحمد : لا يُقبل أيضاً ، ويُتبع به بعد العتق ـ وبه قال زفر والمزني وداوُد [ و ] ابن جرير الطبري ـ لأنّه يسقط حقّ سيّده بإقراره. ولأنّه متّهم في أن يُقرّ لرجلٍ ليعفو عنه ويستحقّ أخذه فيتخلّص بذلك من سيّده (٢).

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : يصحّ إقراره بما يوجب القتل أيضاً ؛ لأنّه أحد نوعي القصاص ، فصحّ إقراره به ، كما دون النفس (٣).

وينبغي على هذا القول أن لا يصحّ عفو وليّ الجناية على مالٍ إلاّ باختيار سيّده ؛ لئلاّ يلزم إيجاب المال على سيّده بإقرار غيره.

وهذا كلّه عندنا باطل ، ولا شي‌ء ممّا يوجب القصاص في النفس أو‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٤٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ١٤٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦ ، المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠.

٢٦٠