تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

فإن قال : « ما لك عندي شي‌ء » أو « لا يلزمني تسليم شي‌ء إليك » قُبِل قوله في الردّ والتلف ؛ لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّه ، كان صادقاً في إنكاره ، ولم يكن بين كلاميه تناقضٌ. وإن أقام عليه بيّنةً سُمعت بيّنته.

وإن كانت صيغة جحوده : « أنّك ما وكّلتني » أو « ما دفعتَ إلَيَّ شيئاً » أو « ما قبضت الثمن » نُظر إن ادّعى التلفَ أو الردَّ قبل أن يجحد ، لم يُصدَّقْ ؛ لأنّه مناقض للقول الأوّل ، ولزمه الضمان.

وإن أقام بيّنةً على ما ادّعاه ، فوجهان للشافعيّة :

أوّلهما عندهم : إنّها تُسمع ؛ لأنّه لو صدّقه المدّعي لسقط الضمان عنه ، فكذلك إذا قامت الحجّة عليه. وأيضاً فلما يأتي في الوديعة.

والثاني ـ وهو الأظهر عند الجويني ـ : أنّها لا تُسمع ؛ لأنّه بجحوده الأوّل كذّب هذه البيّنةَ ، ولأنّه لا تُسمع دعواه ، وكلّ بيّنةٍ تقام فإنّ قيامها يستدعي دعوى مَنْ يقيمها ، فإذا فسدت الدعوى استقلّت البيّنة ، وهي غير مسموعةٍ من غير دعوى.

لكن عدم سماع الدعوى ليس متّفقاً عليه ، ومَنْ يسمع البيّنة يسمع الدعوى لا محالة ، فإذَنْ الخلاف في سماع البيّنة يجري في سماع الدعوى ، بل يجوز أن تكون الدعوى مسموعةً جزماً ، مع الخلاف في سماع البيّنة ؛ إذ الدعوى قد تُسمع بمجرّد تحليف الخصم (١).

وإن ادّعى الردَّ بعد الجحود ، لم يُصدَّقْ ؛ لصيرورته خائناً.

لكن لو أقام بيّنةً ، فالمشهور عند الشافعيّة في هذا الباب أنّها تُسمع ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب في ابتداء الأمر ، ومعلومٌ أنّه لو أقام بيّنةً على‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٢.

٢٠١

الردّ تُسمع (١).

ورأى الجويني أن يكون سماع بيّنته على الوجهين السابقين ؛ لتناقض دعوى الردّ والجحود (٢).

وإن ادّعى التلف بعد الجحود ، صُدّق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة بردّ العين ، ولكن يلزمه الضمان ؛ لخيانته ، كما لو ادّعى الغاصب التلفَ.

مسألة ٨٠١ : قد بيّنّا أنّه يجب على الوكيل رعاية تنصيص الموكّل واتّباع أمره والعدول عن مخالفته‌ ، فإذا قال له : بِعْ هذا ثمّ هذا ، وجب عليه الامتثال في الترتيب.

ولو جَعَل للوكيل بالبيع جُعْلاً فباع ، استحقّه ؛ لأنّه فَعَل ما أمره به وإن تلف الثمن في يده ؛ لأنّ استحقاقه بالعمل وقد عمل.

فإذا ادّعى خيانةً عليه ، لم تُسمع حتى يبيّن القدر الذي خان به بأن يقول : بعتَ بعشرةٍ وما دفعتَ إلَيَّ إلاّ خمسةً.

وإذا وكّل بقبض دَيْنٍ أو استرداد وديعةٍ ، فقال المديون والمودع : دفعتُ ، وصدّقه الموكّل وأنكر الوكيل ، غرم الدافع بترك الإشهاد ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣) ـ كما لو ترك الوكيل بقضاء الدَّيْن الإشهادَ.

وإذا قال شخص : أنا وكيل في بيعٍ أو نكاحٍ ، وصدّقه مَنْ يعامله ، صحّ العقد. فلو قال الوكيل بعد العقد : لم أكن مأذوناً فيه ، لم يلتفت إلى قوله ، ولم يُحكم ببطلان العقد ، وكذا لو صدّقه المشتري بحقّ مَنْ توكّل عنه ، إلاّ أن يقيم المشتري بيّنةً على إقراره بأنّه لم يكن مأذوناً من جهته في ذلك التصرّف.

__________________

(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٢.

٢٠٢

الفصل الخامس : في اللواحق‌

مسألة ٨٠٢ : إذا ولّى الإمام رجلاً القضاء في ناحيةٍ ، فإن أذن له في الاستنابة ، جاز له ذلك.

وإن لم يأذن له ، نُظر فإن كان المتولّي يمكنه النظر بنفسه ، لم يجز له الاستنابة.

وإن كان العمل كثيراً لا يمكنه النظر فيه بنفسه ، جازت له الاستنابة ؛ عملاً بقرينة الحال وظاهر الأمر.

وإذا جازت له ، فهل تجوز في جميع العمل ، أو فيما يتعذّر عليه أن يتولاّه؟ الأقوى : الأوّل.

وللشافعيّة فيه وجهان (١).

والحكم في ذلك كما تقدّم (٢) في الوكالة.

مسألة ٨٠٣ : إذا ادّعى الوكيل الردَّ إلى الموكّل ، فالأقوى أنّه يفتقر إلى البيّنة.

وقسّم الشافعيّة الأُمناءَ في ذلك على ثلاثة أضرُبٍ :

منهم مَنْ يُقبل قوله في الردّ مع يمينه ، وهُم المودعون والوكلاء بغير جُعْلٍ.

ومنهم مَنْ لا يُقبل قوله في الردّ إلاّ ببيّنةٍ ، وهُم المرتهن والمستأجر.

__________________

(١) الحاوي الكبير ١٦ : ٣٣١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٨ : ١٢٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٨ : ١٩٥ ، البيان ١٣ : ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٨ : ١٠٢.

(٢) في ص ٢٥ وما بعدها.

٢٠٣

ومنهم : مَن اختُلف فيه على وجهين ، وهُم الوكلاء بجُعْلٍ والشريك والمضارب والأجير المشترك إذا قلنا : إنّه أمين.

أحدهما : إنّه لا يُقبل قولهم في الردّ ؛ لأنّهم قبضوا لمنفعة أنفسهم ، فصاروا كالمرتهن والمستأجر والمستعير.

والثاني : إنّه لا منفعة لهم في العين المقبوضة ؛ لأنّ الوكيل ينتفع بالجُعْل دون العين التي قبضها. وكذلك الشريك والمضارب [ والأجير ] (١) ينتفعون بالربح وعوض عملهم ، بخلاف المرتهن ، فإنّه يتوثّق بالعين. وكذلك المستأجر ؛ فإنّه يستوفي منفعتها ، فافترقا (٢).

مسألة ٨٠٤ : لو ادّعى الوكيل بيعَ العين التي أذن الموكّل له في بيعها ، فقال الموكّل : لم تبعها ، أو يدّعي قبض الثمن من المشتري ، فيصدّقه في الإذن وينكر قبضه إيّاه ، فللشافعي قولان :

أحدهما : يُقبل إقرار الوكيل في ذلك ، وبه قال أبو حنيفة.

إلاّ أنّ أبا حنيفة ناقَضَ في مسألةٍ ، وهي : إذا قال لوكيله : زوّجني من امرأة ، فأقرّ الوكيل أنّه تزوّجها له وادّعت ذلك المرأةُ ، وأنكر الموكّل العقد ، لم يُقبل قول الوكيل. قال : لأنّه يمكنه إقامة البيّنة على النكاح ، لأنّه لا يعقد حتى تحضر البيّنة.

والثاني للشافعي : إنّه لا يُقبل إقراره على موكّله ؛ لأنّ الوكيل يُقرّ بحقٍّ لغيره على موكّله ، فلم ينتقل إليه (٣) ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ عليه أو إبراءٍ من‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) راجع : المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٥.

(٣) كذا قوله : « فلم ينتقل إليه » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدلها في المغني والشرح الكبير : « فلم يقبل ».

٢٠٤

حقٍّ (١).

وهذا يلزم عليه إقرار أب البكر.

فأمّا أبو حنيفة فلا يصحّ ما فرّق به ؛ لأنّ النكاح عنده ينعقد بفاسقين ولا يثبت بهما (٢) ، وقد تموت الشهود وتتعذّر البيّنة.

مسألة ٨٠٥ : إذا وكّله في البيع وقبض الثمن فقبضه ، كان أمانةً في يده قبل أن يطالبه الموكّل ، فإذا لم يسلّمه إليه لم يضمنه بتأخيره عنده ، وإن طالَبه وجب عليه ردّه على حسب إمكانه.

فإن أخّر لعذرٍ ـ مثل أن يكون في الحمّام ، أو يأكل الطعام ، أو يصلّي ، أو ما أشبه ذلك ـ لم يصر مفرّطاً ؛ لأنّه لا يلزمه في ردّ الأمانة ما يضرّ به. فإن تلفت الوديعة قبل زوال عذره أو بعد زوال عذره حالَ اشتغاله بردّها ، فلا ضمان ؛ لما بيّنّاه.

وإن أخّر بغير عذرٍ ، ضمن سواء تلفت قبل مضيّ زمان إمكان الردّ ، أو لم يمض ؛ لأنّه خرج من الأمانة بمنعه الدفع من غير عذرٍ.

ولو طالَبه الموكّل بالدفع فوعده به ثمّ ادّعى أنّه كان قد تلف قبل مطالبته ، أو قال : كنتُ رددتُه قبل مطالبته ، لم يُقبل قوله ؛ لأنّه مكذّب لنفسه ، وضامن في الظاهر بدفعه.

فإن أقام البيّنةَ ، احتُمل سماعها ؛ لأنّ الموكّل لو صدّقه على ما ادّعاه ،

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، المغني ٥ : ٢٢٢ و ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨ و ٢٥٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٢ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٥٥ ، و ٦ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٩٠ ، و ٣ : ١١٧ ـ ١١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، و ٣ : ١١٩ ، روضة القضاة ١ : ٢١٣ / ٩٤٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، عيون المجالس ٣ : ١٠٤٩ / ٧٤٣.

٢٠٥

سقط عنه الضمان ، فإذا أقام البيّنةَ على ذلك قُبل. وعدمُه ؛ لأنّه يكذّب بيّنته ، فإنّه كان وَعَده بدفعه إليه ، وإذا كذّب بيّنته لم تُسمع له.

ويفارق ما إذا صدّقه ، فإنّه إذا صدّقه فقد أقرّ ببراءته ، فلم يستحقّ مطالبته.

وإن ادّعى أنّه تلف بعد ما دفعه عن تسليمه ، أو أنّه ردّه إليه لم يُقبل قوله ؛ لأنّه صار بالدفع ضامناً ، ولا يُقبل قوله في الردّ ؛ لأنّه خرج من الأمانة ، فيحتاج إلى بيّنةٍ بذلك.

وللشافعيّة وجهان (١) كالاحتمالين.

فإن كان قد تلف قبل أن مَنَعَه ولم يعلم ، فلا ضمان عليه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه يضمن ؛ لأنّه لمّا منعه تبيّنّا أنّه كان ممسكاً على نفسه (٢).

وليس بشي‌ء.

مسألة ٨٠٦ : لو دفع إلى وكيله عيناً وأمره بإيداعها عند زيدٍ ، فأودعها ، وأنكر زيد ، فالقول قوله مع اليمين ، فإذا حلف برئ.

وأمّا الوكيل فإن كان قد سلّمها بحضرة الموكّل لم يضمن ، وإن كان بغيبته ففي الضمان إشكال.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يضمن كما في الدَّيْن ؛ لأنّ الوديعة لا تثبت إلاّ بالبيّنة.

والثاني : لا يضمن ؛ لأنّ الودعي إذا ثبتت عليه البيّنة بالإيداع ، كان القولُ قولَه في التلف والردّ ، فلم تُفد البيّنة شيئاً ، بخلاف الدَّيْن ؛ لأنّ‌

__________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٦٢.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٦٤.

٢٠٦

القضاء لا يثبت إلاّ بها (١).

وإن صدّقه المُودَع وادّعى التلف وحلف ، لم يضمنها.

وأمّا الوكيل فإن سلّم بحضرة الموكّل ، لم يضمن. وإن سلّم في غيبته ، فالوجهان.

فأمّا إذا قال الوكيل : دُفع (٢) بحضرتك ، وقال الموكّل : لم تدفع بحضرتي ، أو قال : لم تدفعها إلى المودَع ، وقال : دفعتُها على الوجه الذي تقول ، لا يضمن إذا دفع بغير إشهادٍ.

قال بعض الشافعيّة : القول قول الوكيل مع اليمين ، كما إذا ادّعى الردَّ إليه وأنكره ، ولا يشبه هذا [ ما ] (٣) إذا أقرّ بأنّه باع أو قبض وأنكر الموكّل ، فإنّه لا يُقبل قوله في أحد القولين ؛ لأنّه يُثبت حقّاً على موكّله لغيره ، وهنا يُسقط عن نفسه الضمانَ بما ذكره ، فكان القولُ قولَه مع يمينه فيه (٤).

مسألة ٨٠٧ : إذا دفع إلى وكيله دراهم ليشتري له بها شيئاً ، فاستقرضها الوكيل وأخرجها ، بطلت الوكالة ؛ لأنّه إن كان أمره بأن يشتري له بعين تلك الدراهم ، فقد تعذّر بتلفها ، كما لو مات العبد الموكَّل ببيعه. وإن كان قد وكّله في الشراء مطلقاً ونقد الدراهم في الثمن ، بطلت أيضاً ؛ لأنّه إنّما أمره بالشراء على أن ينقد ذلك الثمن ، فإذا تعذّر نقد ذلك لم يكن له أن يشتري.

وقال أبو حنيفة : لا تفسد الوكالة ، ولا يتعيّن الشراء بتلك الدراهم ،

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٣١١ ، المغني ٥ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦.

(٢) كذا قوله : « دُفع ». والظاهر : « دفعتُ ».

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢٨ ، الوجيز ١ : ١٩٣ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

٢٠٧

ويجوز أن يشتري من مال نفسه ، ويأخذ الدراهم (١).

وهو غير صحيح ؛ لأنّه وكّله في الشراء بتلك الدراهم ، فإذا تلفت سقط الإذن ، كما قلناه في العبد.

فإن اشترى للموكّل بمثل تلك الدراهم من مال نفسه ، فإذا (٢) أضاف العقد إليه لم يصح ، وإلاّ وقع الشراء له لا للموكّل ؛ لأنّه اشترى لغيره شيئاً بعين مال نفسه ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقبض للموكّل من نفسه بدل المال الذي أتلفه.

والثاني (٣) : إنّه اشترى له بغير المال الذي عيّنه.

وإن اشترى له في الذمّة ، وقع أيضاً للوكيل ؛ لأنّه على غير الصفة التي أذن له فيها.

ويجب على الوكيل ردّ مثل الدراهم التي قبضها من الموكّل.

تذنيب : إذا دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعة ولم ينص على الشراء بالعين ، بل ينقدها عن الثمن الذي يشتري به ، فاشترى في الذمّة على أنّه ينقد تلك الدراهم كما أمره الموكّل ، صحّ الشراء. فإن استقرض بعد ذلك الدراهمَ وأخرجها ، وجب عليه دفع عوضها في الثمن ، ولم يخرج المبيع عن ملك الموكّل بالتفريط اللاحق.

مسألة ٨٠٨ : إذا وكّله في شراء عبدٍ بدراهم في الذمّة ثمّ دفع إليه دراهم لينقدها في الثمن ، ففرّط فيها بأن ترك حفظها ، ضمنها ، فإذا اشترى العبدَ صحّ الشراء قولاً واحداً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيما تناوله العقد ، فإذا نقد تلك‌

__________________

(١) فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٨.

(٢) في « ج » : « فإن » بدل « فإذا ».

(٣) كذا قوله : « والثاني ». ولم يسبق ذِكْر الأوّل.

٢٠٨

الدراهم بعينها برئ من ضمانها.

ولا فرق في ذلك بين مَنْ قال : إنّ الوكيل بالتعدّي يخرج من الأمانة ـ وفي صحّة بيعه وجهان عنده ـ وبين مَنْ قال : إنّه يصحّ بيعه مع التعدّي.

لا يقال : لِمَ لا يبطل بيعه عند القائل بعدم صحّة بيع الوكيل إذا تعدّى؟

لأنّا نقول : إنّما يخرج من الأمانة فيما تعدّى فيه ، فإنّه لو استودع شيئين ففرّط في أحدهما ، لم يضمن الآخَر ، ولم يخرج من حكم الأمانة جملةً ، كذا هنا.

مسألة ٨٠٩ : لو وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجه غيرها ، بطل العقد عند العامة (١) ، أو كان فضوليّاً عندنا ؛ لأنّ من شرط صحّة النكاح ذكر الزوج ، فإذا كان بغير أمره لم يقع له ولا للوكيل ؛ لأنّ المقصود من النكاح أعيان الزوجين ، بخلاف البيع ، ولهذا يجوز أن يشتري من غير تسمية المشتري ، فافترقا.

وإذا عيّن الموكّل للوكيل الزوجةَ ، صحّ إجماعاً.

ولو وكّله في أن يزوّجه بمن شاء ، فالأقرب : الجواز ، وهو قول بعض الشافعيّة (٢).

وقال بعضهم : لا يجوز ؛ لأنّ الأغراض تختلف ، فلا يجوز حتى يصف (٣). واختار الزهري (٤) (٥) هذا الوجه.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٧ ، المغني ٥ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٩.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٣٦٥.

(٤) كذا قوله : « الزهري » في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدلها في المصدر : « الزبيري ».

(٥) حلية العلماء ٥ : ١١٨.

٢٠٩

والمعتمد : الأوّل.

فعلى هذا هل له أن يزوّجه ابنته؟ الأقرب : الجواز ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد (١).

وقال بعض العامّة : لا يجوز له ذلك (٢).

ولو أذنت المرأة له في تزويجها ، لم يكن له أن يزوّجها من نفسه ؛ لأنّ القرينة اقتضت التزويج بالغير.

وقد روى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال في المرأة ولّت أمرها رجلاً ، فقالت : زوّجني فلاناً ، فقال : لا زوّجتكِ حتى تُشهدي أنّ أمركِ بيدي ، فأشهدت له ، فقال عند التزويج للّذي يخطبها : يا فلان عليك كذا وكذا ، فقال : نعم ، فقال هو للقوم : أشهدوا أنّ ذلك لها عندي وقد زوّجتها من نفسي ، فقالت المرأة : ما كنت أتزوّجك ولا كرامة وما أمري إلاّ بيدي وما ولّيتك أمري إلاّ حياءً ، قال : « تنزع منه ، ويوجع رأسه » (٣).

ويحتمل مع إطلاق الإذن صحّة أن يزوّجها من نفسه.

وكذا له أن يزوّجها من ولده ووالده.

ولبعض العامّة وجهان (٤).

مسألة ٨١٠ : إذا وكّله في شراء عبدٍ فاشتراه ، ثمّ اختلف الوكيل والموكّل ، فقال الوكيل : اشتريته بألف ، وقال الموكّل : بخمسمائة ، فالقول فيه كما قلنا فيما إذا اختلف الوكيل والموكّل في تصرّفه ؛ لأنّ ذلك إثباتٌ‌

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ١١٨ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٤٧ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٢) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٦ : ٢١٦ / ٥٠٨.

(٤) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

٢١٠

لحقّ البائع على الموكّل.

وقال أبو حنيفة : إن كان الشراء في الذمّة ، فالقول قول الموكّل ، فإن كان اشترى ذلك بمال الموكّل ، فالقول قول الوكيل.

وفرّق بينهما بأنّ الشراء إذا كان في الذمّة ، فالموكّل هو الغارم ؛ لأنّه يطالبه بالثمن. وإذا اشتراه بما في يده للموكّل ، فإنّ الغارم الوكيل ؛ لأنّه يطالبه بردّ ما زاد على خمسمائة ، فالقول في الأُصول قول الغارم (١).

وقد بيّنّا أنّ إقرار الوكيل لا يصحّ على موكّله.

وما ذكره من الفرق ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ في الموضعين يثبت بذلك الغرم على الموكّل ؛ لأنّه إمّا أن يطالبه به ، أو يؤدّي من ماله الذي في يد الوكيل ، والحقّ يثبت بقول الوكيل عليه في الموضعين.

مسألة ٨١١ : إذا دفع إلى الوكيل ألفاً ليشتري بها سلعة ، فاشترى بالعين ، ثمّ ظهر فيها عيب ، فردّها البائع على الوكيل ، كانت أمانةً في يده لموكّله.

وإن كان [ اشتراها ] (٢) بألفٍ في الذمّة ، فإن بانَ العيب في الألف التي دفعها وقبضها الوكيل ، فهي أيضاً على الأمانة ، ويبدلها من الموكّل إن امتنع البائع من قبضها.

وإن بانَ العيب بعد أن قبضها البائع فردّها على الوكيل فتلفت عنده ، لم يضمنها عندنا.

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٥١ ، المغني ٥ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اشتراه ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٢١١

وللشافعيّة قولان مبنيّان على ما ذكروه في الثمن.

إن قلنا : إنّ الثمن يثبت في ذمّة الموكّل ، كان الوكيل وسيطاً في الدفع ، وكان ذلك في يده أمانةً.

وإن قلنا : يثبت في ذمّة الوكيل دون الموكّل ، وعلى الموكّل أن يسقط ذلك عن ذمّته ، فإذا دفع إليه ألفاً ليقضيها عن نفسه ، كانت أمانةً ما لم يدفعها إلى البائع ، فإذا دفعها وقضى بها دَيْنه ، وجب مثلها عليه للموكّل ، وله الرجوع على الموكّل بألفٍ تقاصّاً ، وصارت مضمونةً عليه ، فإذا عادت إليه بردّ البائع ، كانت مضمونةً عليه للموكّل ألف معيبة ، وعليه للبائع ألف سليمة ، فإذا قضاها رجع على الموكّل بألف سليمة (١).

مسألة ٨١٢ : إذا دفع إليه ألفاً ليُسلمها في كُرّ طعامٍ ، تناول المتعارف عند الموكّل.

ويحتمل عند الوكيل.

وقال بعض الشافعيّة : ينصرف إلى الحنطة خاصّةً ؛ لانطلاقه إليه عرفاً (٢).

وهو غير سديدٍ ؛ لاختلاف العرف فيه.

ولو كان لرجلٍ في ذمّة آخَر ألف ، فقال : أسلفها في طعامٍ ، فأسلفها فيه ، صحّ ، وإذا أسلمها برئ من الدَّيْن. وإذا قبض الطعام كان أمانةً في يد الوكيل إن تلف فلا ضمان عليه.

قال أبو العباس من الشافعيّة : وإن لم يكن عليه شي‌ء ، فقال له : أسلف من مالك ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ويكون لك ألف قرضاً علَيَّ ، ففَعَل ،

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

٢١٢

صحّ (١).

وقال بعضهم : هاتان المسألتان سهو من أبي العباس ؛ لأنّه لا يجوز أن يُسلم ماله في طعامٍ لغيره ، ومذهب الشافعي أنّه لا يجوز أن يكون العوض لواحدٍ ويقع المعوَّض لغيره (٢).

وتأوّلوا المسألتين بأن يقول : إن أسلمت ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ، ولا يعيّنه بالدَّيْن ، ثمّ يأذن له أن يُسلم الدَّيْن عنه ، ويبرأ. هذا في المسألة الأُولى ، وفي الثانية : أسلم ألفاً في ذمّتي في كُرٍّ من طعامٍ ، فإذا فَعَل هذا ، قال : اقض عنّي الألف لأدفع إليك عوضها (٣).

قال بعض الشافعيّة : إنّ الذي أراد أبو العباس أن يسلم هكذا ، ولا يحتاج إلى ما شرطه من تأخّر الإذن (٤).

ويجوز أن يأذن له قبل أن يعقد بدفع الثمن من عنده أو بدفع الدَّيْن الذي عليه ؛ لأنّ التصرّف من الوكيل يجوز تعليقه بالشرط.

وكذا لو قال له : اشتر به عبداً ، سواء عيّنه أو لم يعيّنه ، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمّد (٥).

وقال أبو حنيفة : إن عيّن العبد ، جاز. وإن لم يعيّنه ، لم يجز ؛ لأنّه إذا [ لم ] (٦) يعيّن ، فقد وكّل في قبض الدَّيْن من ذمّة البائع ، وهو مجهول (٧).

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣ ـ ٥٦٤.

(٣ و ٤) البيان ٦ : ٣٩٥.

(٥) البيان ٦ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٧.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٧) البيان ٦ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٧.

٢١٣

ولنا : إنّه دفع بإذنه ، فأشبه ما إذا عيّن. وقول أبي حنيفة باطل ؛ لأنّ المدفوع له ليس بوكيلٍ له ، ولا يتعيّن بالشراء منه ، ويبطل عليه به إذا قال : أطعم عنّي عشرة مساكين ، فإنّهم غير معيّنين ، ويصحّ عنه.

مسألة ٨١٣ : إذا دفع إليه ألفاً ليشتري بها سلعةً أو يسلف بها في طعام ، فاشترى السلعة واستسلف ولم يُسمّ الموكّلَ في العقد ، ثمّ اختلفا ، فقال الوكيل : إنّما اشتريت لنفسي ، وقال الموكّل : بل لي ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، فإذا حلف حُكم له بذلك في الظاهر ، وكان للموكّل الرجوع عليه بالألف.

وقال أصحاب أبي حنيفة : يكون السَّلَم للموكّل؟ لأنّه دفع دراهمه (١). واختلفوا إذا [ تصادقا ] (٢) أنّه لم يَنْو لا لَه ولا للموكّل.

فقال أبو يوسف : يكون بحكم الدراهم (٣).

وقال محمّد : يكون للوكيل (٤).

أمّا الأوّل : فلأنّهما إذا اختلفا ، رجّح قول الموكّل ؛ لأنّه دفع دراهمه ، فكان الظاهر معه.

وإذا أطلق قال أيضاً : يرجّح بالدراهم (٥).

ودليلنا : إذا نوى ذلك عن نفسه وصدّقه عليه ، وقع لنفسه ، فإذا أطلق‌ واختلفا كان القولُ قولَه ، كما لو لم ينقد دراهم.

وما ذكروه فليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إذن الدراهم بعد حصول العقد ،

__________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٤٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تصادقوا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣ ـ ٥) بحر المذهب ٨ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٨.

٢١٤

فلا يؤثّر فيه.

مسألة ٨١٤ : إذا كان وليّاً عن امرأةٍ في التزويج بأن يكون أباً أو جدّاً له‌ ، كان له أن يوكّل ؛ لأنّه وليٌّ بالأصالة ولايةَ الإجبار.

أمّا غيرهما ـ كالوكيل ـ هل له أن يوكّل؟ الوجه عندنا : لا ، إلاّ مع الإذن ـ ولأصحاب [ الشافعي ] (١) فيه وجهان (٢) ، وعن أحمد روايتان (٣) ـ لأنّه لا يملك التزويج إلاّ بإذنها ، فلا يملك التوكيل فيه إلاّ بإذنها.

احتجّ أحمد بأنّ ولايته من غير جهتها ، فلم يعتبر إذنها في توكيله ، كالأب ٤.

وأمّا الحاكم فيملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن المولّى عليه.

مسألة ٨١٥ : لو أنكر الموكّل الوكالةَ بعد عقد النكاح على المرأة ، فالقول قول الموكّل مع يمينه‌ ، فإذا حلف برئ من الصداق ، وبطلت الزوجيّة بينهما ، وكان على الوكيل أن يدفع إليها نصف المهر ؛ لأنّه أتلف عليها البُضْع.

ثمّ إن كان الوكيل صادقاً ، وجب على الموكّل طلاقها ؛ لئلاّ يحصل الزنا بنكاحها مع الغير.

ولما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق عليه‌السلام في رجلٍ قال لآخَر :

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشافعيّة ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) البيان ٦ : ٣٦٠ ، الوسيط ٥ : ٧٩ ، الوجيز ٢ : ٧ ، حلية العلماء ٦ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٥ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٤١٨ ـ ٤١٩ ، المغني ٥ : ٢١٧ ، و ٧ : ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ ، و ٧ : ٤٣٩.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١.

٢١٥

اخطب لي فلانة فما فعلتَ من شي‌ء ممّا قاولتَ من صداقٍ أو ضمنتَ من شي‌ء أو شرطتَ فذلك رضاً لي وهو لازم لي ، ولم يُشهدْ على ذلك ، فذهب فخطب وبذل عنه الصداق وغير ذلك ممّا طالبوه وسألوه ، فلمّا رجع إليه أنكر ذلك كلّه ، قال : « يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنّه هو الذي ضيّع حقّها ، فلمّا أن لم يُشهدْ لها عليه بذلك الذي قال ، حلّ لها أن تتزوّج ، ولا تحلّ للأوّل فيما بينه وبين الله ، إلاّ أن يطلّقها ، لأنّ الله تعالى يقول : ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١) فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان الحكم الظاهر حُكْمَ الإسلام قد أباح [ الله تعالى ] (٢) لها أن تتزوّج » (٣).

مسألة ٨١٦ : للأب أن يقبض صداق ابنته الصغيرة تحت حجره‌ ؛ لأنّه الوليّ عليها ، فكان له طلب حقّها أين كان.

ولو كانت كبيرةً فوكّلته بالقبض ، كان له ذلك أيضاً.

وإن لم توكّله ، لم تكن له المطالبة ؛ لزوال ولايته عنها بالبلوغ والرشد.

فإن أقبضه الزوج ، كان لها مطالبة الزوج بحقّها ، ويرجع الزوج على الأب بما قبضه منه ؛ لأنّ ذمّته لم تبرأ بدفع حقّها إلى غيرها وغير وكيلها ، ولم يقع القبض موقعه ، فكان للزوج الرجوعُ به.

ولو مات الأب ، كان له الرجوعُ به في تركته إن خلّف مالاً. ولو مات معسراً ، ضاع ماله ؛ لما رواه ابن أبي عمير عن غير واحدٍ من أصحابنا عن‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٩ / ١٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ ـ ٢١٤ / ٥٠٤ بتفاوت يسير.

٢١٦

الصادق عليه‌السلام في رجلٍ قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها ، أو قبضُ أبيها قبضُها؟ فقال عليه‌السلام : « إن كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه ، وإن لم تكن وكّلته فلها ذلك ، ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك ، إلاّ أن تكون حينئذٍ صبيّةً في حجره ، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها ، ومتى طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضاً ، وليس له أن يدع كلّه ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : ( إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (١) يعني الأب والذي توكّله المرأة وتولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما » (٢).

مسألة ٨١٧ : لو زوّجها الوليّ أو الوكيل وكانت قد دلّست نفسها وأخفت عيبها الذي يجب ردّ النكاح به ، فإذا ردّها الزوج ، كان له الرجوعُ عليها بالمهر ، ولا يغرم الوكيل شيئاً إذا لم يعلم حالها ؛ لعدم التفريط منه ، واستناد الغشّ إليها خاصّةً.

ولما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في رجل ولّته امرأة أمرها إمّا ذات قرابة أو جارة له لا يعلم دخيلة أمرها ، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها ، قال : « يؤخذ المهر منها ، ولا يكون على الذي زوّجها شي‌ء » (٣).

مسألة ٨١٨ : لو قال رجل لآخَر : وكّلتَني أن أتزوّج لك فلانة بصداق كذا ، ففَعَلتُ ، وادّعت المرأة ذلك ، فأنكر الموكّل ، فالقول قوله.

فإن أقام الوكيل أو المرأة البيّنةَ ، وإلاّ حلف المدّعى عليه عقد النكاح.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٠ ـ ٥١ / ١٧٢ ، التهذيب ٦ : ٢١٥ ـ ٢١٦ / ٥٠٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٦ : ٢١٦ / ٥٠٨.

٢١٧

وقال أحمد بن حنبل : لا يستحلف ؛ لأنّ الوكيل يدّعي حقّاً لغيره (١).

هذا إن ادّعى الوكيل ، وإن ادّعته المرأة ، استحلف ؛ لأنّها تدّعي الصداق في ذمّته.

ونحن لمّا أوجبنا نصف المهر على الوكيل ، كان له إحلاف الموكّل.

وقال أحمد : لا يلزم الوكيل شي‌ء ؛ لأنّ دعوى المرأة على الموكّل ، وحقوق العقد لا تتعلّق بالوكيل (٢).

وعنه رواية أُخرى : إنّه يلزمه نصف الصداق ـ كما قلناه ـ لأنّ الوكيل في الشراء ضامن [ للثمن و ] (٣) للبائع مطالبته به ، كذا هنا (٤).

أمّا لو ضمن الوكيل المهر ، فلها الرجوع عليه بنصفه ؛ لأنّه ضمنه للموكّل ، وهو مُقرٌّ بأنّه في ذمّته.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي : لا يلزم الوكيل شي‌ء (٥).

وقال محمّد بن الحسن : يلزم الوكيل جميع الصداق ؛ لأنّ الفرقة لم تقع بإنكاره ، فيكون ثابتاً في الباطن ، فيجب جميع الصداق (٦).

واحتجّ أحمد بأنّه يملك الطلاق ، فإذا أنكر فقد أقرّ بتحريمها عليه ، فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به (٧).

إذا ثبت هذا ، فإنّ المرأة تتزوّج وإن لم يطلّق الموكّل ؛ لأنّه لم يثبت عقده.

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٢ و ٤) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥ و ٦) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٧) المغني ٥ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

٢١٨

وقال أحمد : لا تتزوّج حتى يطلّق ، لعلّه يكون كاذباً في إنكاره (١).

قال أصحابه : ظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها ؛ لأنّها معترفة بأنّها زوجة له ، فيؤخذ بإقرارها ، وإنكاره ليس بطلاقٍ (٢).

وهل يلزم الموكّل طلاقها؟ الأقوى : الإلزام ؛ لإزالة الاحتمال ، وإزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه ، فأشبه النكاح الفاسد.

ويحتمل عدم اللزوم ؛ لأنّه لم يثبت في حقّه نكاح ، ولو ثبت لم يكلَّف الطلاق.

مسألة ٨١٩ : لو ادّعى أنّ فلاناً الغائب وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجها منه ثمّ مات الغائب ، فإن صدّقه الورثة على التوكيل أو قامت له البيّنة به ، ورثت المرأة نصيبها من تركته. وإن لم تصدّقه الورثة ولا قامت البيّنة ، لم يكن لها ميراث ، ولها إحلاف الوارث إن ادّعت علمه بالتوكيل ، فإن حلف فلا ميراث ، وإلاّ حلفت وأخذت.

ولو أقرّ الموكّل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوّج له ، فهنا الاختلاف في تصرّف الوكيل ، وقد سبق (٣).

فقيل : القول قول الموكّل مع اليمين ، وبه قال أبو حنيفة (٤) ، وهو المعتمد ؛ لأنّه مدّعٍ لما لا تتعذّر إقامة البيّنة عليه خصوصاً عند العامّة ؛ حيث إنّ البيّنة شرط في العقد عندهم (٥) ، فأشبه ما لو أنكر الموكّل الوكالة من‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٢) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

(٣) في ص ١٨٤ ، المسألة ٧٨٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٦.

(٥) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٢٩ ، و ٥ : ٢٥٧ ، المغني ٥ : ٢٢٥ و ٧ : ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٦ ، و ٧ : ٤٥٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧ ، الحاوي الكبير ٩ : ٥٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٤١ ، الوسيط ٥ : ٥٣ ، الوجيز ٢ : ٤ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٩١.

٢١٩

أصلها.

وقال بعض العامّة : القول قول الوكيل ، فيثبت التزويج هنا ؛ لأنّهما اختلفا في فعل الوكيل ما أُمر به ، فكان القولُ قولَه ، كما لو وكّله في بيع ثوبٍ فادّعى أنّه باعه (١).

ولو غاب رجل فجاء آخَر إلى امرأته فذكر أنّ زوجها طلّقها وأبانها ووكّله في تجديد نكاحها بألف ، فأذنت في نكاحها ، فعقد عليها وضمن الوكيل الألف ، ثمّ جاء الزوج وأنكر ذلك كلّه ، فالقول قوله ، والنكاح الأوّل بحاله. ثمّ المرأة إن صدّقت الوكيل ، لزمه الألف ، إلاّ أن يطلّقها زوجها قبل الدخول ـ وبه قال مالك وزفر (٢) ـ لأنّ الوكيل قد أقرّ بأنّ الحقّ في ذمّة المضمون عنه ، وأنّه ضامن عنه ، فلزمه ما أقرّ به ، كما لو ادّعى على رجل أنّه ضمن له ألفاً له على أجنبيّ ، فأقرّ الضامن بالضمان وصحّته وثبوت الحقّ في ذمّة المضمون [ عنه ] وأنكر المضمون عنه ، وكما لو ادّعى شفعةً على إنسانٍ في شقصٍ اشتراه ، فأقرّ البائع بالبيع وأنكر المشتري ، فإنّ الشفيع يستحقّ الشفعة.

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يلزم الضامن شي‌ء ؛ لأنّه فرع المضمون عنه ، والمضمون عنه لا يلزمه شي‌ء فكذا فرعه (٣).

ولو لم تدّع المرأة صحّة ما ذكره الوكيل ، لم يكن عليه شي‌ء.

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٧.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٧.

٢٢٠