تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

الموكّل الثمنَ ، وعليه عهدة الطعام ، دون الوكيل.

وقال بعض العامّة : يكون الوكيل ضامناً عن موكّله (١).

وليس بشي‌ء.

مسألة ٧٤٦ : إذا وكّله في عقدٍ كبيعٍ أو شراء ، تعلّق أحكام العقد ـ من رؤية المبيع أو المشترى ـ بالوكيل دون الموكّل ، حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع ، دون الموكّل ، ويلزم العقد بمفارقة الوكيل مجلس العقد ، ولا يلزم بمفارقة الموكّل إن كان حاضراً فيه ، وتسليم رأس المال في السَّلَم والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل ، والفسخ بخيار المجلس والرؤية يثبت للوكيل.

والأقرب : أنّه يثبت للموكّل.

وقال بعض الشافعيّة : يثبت للوكيل دون الموكّل حتى لو أراد الموكّل الإجازة ، كان للوكيل أن يفسخ (٢).

وليس بجيّدٍ.

وفرّقوا بينه وبين خيار العيب حيث قالوا : لا ردّ للوكيل إذا رضي الموكّل (٣).

مسألة ٧٤٧ : إذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلاّ طالَب الموكّل ؛ لأنّ الملك يقع له.

وإن اشترى في الذمّة ، فإن كان الموكّل قد سلّم إليه ما يصرفه إلى الثمن ، طالَبه البائع أيضاً.

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠.

١٤١

وإن لم يسلّم ، فإن أنكر البائع كونه وكيلاً ، أو قال : لا أدري هل هو وكيل أم لا ، ولا بيّنة ، طالَبه.

وإن اعترف بوكالته ، فالمطالَب بالثمن الموكّلُ لا غير ؛ لوقوع الملك له ، والوكيل سفيرٌ بينهما ومُعبّرٌ (١) للموكّل ، فلا يغرم شيئاً ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّ البائع مع تصديق الوكالة يطالب الوكيل لا غير ؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ، والالتزام وُجد منه.

والثالث : أنّه يطالب مَنْ شاء منهما ؛ نظراً إلى المعنيين (٢).

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٧٤٨ : قد بيّنّا أنّ المطالبة مع علم البائع بالوكالة إنّما تتوجّه إلى الموكّل.

وقال بعض الشافعيّة : المطالبة للوكيل خاصّةً (٣).

فعلى قوله هل للوكيل مطالبة الموكّل قبل أن يغرم؟ فيه للشافعيّة وجهان ؛ لأنّ بعضهم قال : يثبت الثمن للبائع على الوكيل ، وللوكيل مثله على الموكّل ، بناءً على أنّ الوكيل يثبت الملك له ثمّ ينتقل إلى الموكّل ، فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له وإن لم يؤدّ ما عليه.

وقال آخَرون : يُنزّل الوكيل منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه ، وعلى هذا ففي رجوعه قبل الغرم وجهان ، كالمحال عليه.

والأصحّ عندهم : المنع.

__________________

(١) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معين » بدل « معبّر ». وعبّرت عنه : تكلّمت عنه. المحيط في اللغة ٢ : ٣٥ « عبر ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

١٤٢

فإذا غرم الوكيل للبائع ، فقياس تنزيله منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه الخلافُ المذكور في الحوالة.

والمذهب عندهم : القطع بالرجوع ، وإلاّ لخرج المبيع [ عن ] (١) أن يكون مملوكاً للموكّل بالعوض ، وفي ذلك تغيير لوضع العقد (٢).

وهذا ساقط عندنا ؛ لأنّ البائع يطالب الموكّل خاصّةً.

مسألة ٧٤٩ : على قول القائلين بمطالبة البائع مَنْ شاء من الوكيل أو الموكّل فالوكيل كالضامن ، والموكّل كالمضمون عنه ، فيرجع الوكيل إذا غرم.

والقول في اعتبار شرط الرجوع وفي أنّه [ هل ] (٣) يطالبه بتخليصه قبل الغرم؟ كما سبق في الضمان (٤).

وقد فرّع ابن سريج على الخلاف في المسألة ، فقال : لو سلّم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمّة ، ففَعَل ثمّ ردّها البائع بعيبٍ ، فإن قلنا بأنّ البائع يطالب الموكّل أو يطالب مَنْ شاء ، فعلى الوكيل ردّ تلك الدراهم بأعيانها إلى الموكّل ، وليس له إمساكها أو إبدالها.

وإن قلنا : يطالب الوكيل ، فله ذلك ؛ لأنّ ما دفعه الموكّل إليه على هذا الوجه كأنّه أقرضه منه ليبرئ به ذمّته ، فإذا عاد إليه فهو ملكه ، وللمقترض إمساك ما استقرضه وردّ مثله (٥).

واعلم أنّه لا خلاف في أنّ للوكيل أن يرجع على الموكّل في الجملة ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق ، وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) راجع : ج ١٤ ، ص ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، المسألة ٥٢٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

١٤٣

وإنّما الكلام في أنّه متى يرجع؟ وبأيّ شي‌ء يرجع؟ وإذا كان كذلك ، توجّه أن يكون تسليم الدراهم دفعاً لمئونة التراجع ، لا إقراضاً.

مسألة ٧٥٠ : الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن إمّا بإذنٍ صريح أو بالإذن في البيع على رأي جماعةٍ من العامّة (١) وتلف المقبوض في يده ثمّ خرج المبيع مستحقّاً والمشتري معترف بالوكالة ، فحقّ رجوعه على الموكّل عندنا ؛ لأنّ الوكيل واسطة بينهما.

وقال بعض الشافعيّة : حقّ الرجوع بالثمن يكون على الوكيل ؛ لأنّه الذي تولّى القبض ، وحصل التلف في يده (٢).

وقال بعضهم كما قلناه من أنّه يرجع على الموكّل ؛ لأنّ الوكيل سفير ، ويده يد موكّله (٣).

وقال بعضهم : يرجع على مَنْ شاء (٤) ، كما تقدّم (٥).

فإن قلنا : حقّ الرجوع على الموكّل ، فإذا غرم لم يرجع على الوكيل ؛ لأنّه أمينه ، فلا يضمن.

وقال بعض الشافعيّة : إذا قلنا : إنّ حقّ الرجوع على الموكّل إذا رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّ التلف في يده.

وهو مسلّم ، لكن لا يجب عليه الضمان ، كما لو تلف في يد الموكّل ؛ لأنّ يد الوكيل في الحقيقة هي يد الموكّل.

وإن جعلنا حقّ الرجوع على الوكيل فغرم ، لم يرجع على الموكّل.

وإذا قلنا : يرجع على مَنْ شاء منهما ، فثلاثة أوجُهٍ :

أشهرها عندهم : أنّه إن غرم الموكّل لم يرجع على الوكيل ، وإن غرم‌

__________________

(١ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

(٥) في المسألة السابقة.

١٤٤

الوكيل رجع على الموكّل ؛ لأنّ الموكّل قد غرّ الوكيل ، والمغرور يرجع على الغارّ ، دون العكس.

والثاني : إنّ واحداً منهما لا يرجع على الآخَر ، أمّا الموكّل : فلأنّه غارّ. وأمّا الوكيل : فلحصول التلف في يده.

والثالث : إنّ الموكّل يرجع على الوكيل ، دون العكس ؛ لحصول التلف في يد الوكيل.

والذي يفتى به عندهم من هذه الاختلافات أنّ المشتري يغرم مَنْ شاء منهما والقرار على الموكّل (١).

وأمّا عندنا فمع تصديق الوكالة يرجع على الموكّل خاصّةً ، سواء تلف بتفريطٍ من الوكيل أو لا ، إلاّ أنّه إذا فرّط الوكيل ، كان له أن يرجع عليه ، ولا يرجع هو على الموكّل ؛ لأنّ التلف حصل بتفريطه ، فكان ضامناً. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل.

وإنّما كان له أن يرجع على الموكّل ؛ لأنّه سلّط الوكيل على القبض منه.

وإن كان التلف بغير تفريطٍ من الوكيل ، لم يضمن ، ولا يرجع المشتري عليه بالثمن.

وإن كان جاهلاً بالوكالة ، كان له أن يرجع على الوكيل ؛ لأنّه القابض.

ولو قامت بيّنة الوكالة ، سقط رجوعه عليه ، وكان له الرجوع على الموكّل خاصّةً.

ولو اعترف الموكّل بالوكالة ، لم يسقط رجوعه على الوكيل ؛ لإمكان تواطئهما على إسقاط حقّ المشتري من مطالبة الوكيل ، لكن له الرجوع على مَنْ شاء منهما.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.

١٤٥

مسألة ٧٥١ : إذا وكّله في شراء عينٍ فاشتراها وقبض الوكيل العينَ وتلفت في يده بغير تفريط ثمّ ظهر أنّه كان المبيع مستحقّاً لغير البائع ، فللمستحقّ مطالبة البائع بقيمة المبيع إن لم يكن مثليّاً ، أو كان وتعذَّر المثل ، وبالمثل إن كان مثليّاً ؛ لأنّه غاصب ، ومن يده خرج المال.

وللشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ :

أحدها : هذا.

والثاني : يطالب الوكيل.

والثالث : يطالب مَنْ شاء (١) ، كما سبق في المسألة السابقة.

قال الجويني : الأقيس في المسألتين أنّه لا رجوع له إلاّ على الوكيل ؛ لحصول التلف عنده. ولأنّه إذا ظهر الاستحقاق ، بانَ فساد العقد ، وصار الوكيل قابضاً ملكَ الغير بغير حقٍّ. ويجري الخلاف في القرار في هذه الصورة أيضاً (٢).

وأمّا نحن فهنا نقول : للمستحقّ مطالبة الوكيل ؛ لأنّه قبض ماله.

فإن تلفت بغير تفريطٍ ، رجع على الموكّل بما غرمه ؛ لأنّه أمينه لا ضمان عليه. وإن رجع على الموكّل ، لم يرجع على الوكيل ، بل استقرّ الرجوع على الموكّل.

وإن تلفت بتفريطٍ ، استقرّ الضمان عليه ، فإن رجع عليه لم يرجع هو على موكّله ؛ لأنّه ضامن. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّه فرّط بالإتلاف.

مسألة ٧٥٢ : إذا وكّله في البيع وأطلق ، انصرف إلى البيع بثمن المثل.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

١٤٦

وهل يختصّ بالبيع بالعين ، أو يشمل بالعين والبيع بثمنٍ في الذمّة؟ إشكال.

فإن قلنا بالشمول أو أذن فيه فباع بثمنٍ في الذمّة واستوفاه ودَفَعه إلى الموكّل فخرج الثمن مستحقّاً أو معيباً وردّه ، فللموكّل أن يطالب المشتري بالثمن ، وله أن يغرّم الوكيل ؛ لأنّه صار مسلّماً للمبيع قبل أخذ عوضه.

وفيما يغرم؟

يحتمل قيمة العين ؛ لأنّه فوّت عليه العين.

والثاني (١) : الثمن ؛ لأنّ حقّه انتقل من العين إلى الثمن.

فإن قلنا بالأوّل فإن أخذ منه القيمة ، طالَب الوكيلُ المشتري بالثمن ، فإذا أخذه ، دَفَعه [ إلى ] (٢) الموكّل ، واستردّ القيمة.

مسألة ٧٥٣ : لو (٣) دفع إليه دراهم ليشتري له بعينها عبدا ، فاشترى العبد بالعين (٤) وتلفت في يده قبل التسليم ، انفسخ البيع ، ولا شي‌ء على الوكيل. ولو تلفت قبل الشراء ، ارتفعت الوكالة.

ولو قال : اشتر في الذمّة واصرفها إلى الثمن الملتزم ، فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء ، لم ينفسخ العقد ، وكان للبائع مطالبة الموكّل بعوض الثمن التالف إن علم الوكالة ، وإلاّ طالَب الوكيل ، ويرجع الوكيل على الموكّل.

ولا ينقلب الشراء إلى الوكيل عندنا ، ولا يلزمه الثمن ، وهو أحد‌

__________________

(١) أي : الاحتمال الثاني.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) في « ث ، ر ، خ » : « إذا » بدل « لو ».

(٤) أي : بعين الدراهم.

١٤٧

أقوال الشافعيّة.

والثاني : إنّ البيع (١) ينقلب إلى الوكيل ، ويلزمه الثمن.

والثالث : أن يعرض الحال على الموكّل ، فإن رغب فيه وأتى بمثل تلك الدراهم ، فالشراء له ، وإلاّ وقع للوكيل ، وعليه الثمن (٢).

والحقّ ما قدّمناه.

ولو تلفت قبل الشراء ، لم ينعزل الوكيل.

وإن اشترى للموكّل ، وقع للموكّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يقع للوكيل (٣).

مسألة ٧٥٤ : لو اشترى الوكيل شراءً فاسداً وقبض المبيع وتلف إمّا في يده أو بعد تسليمه إلى الموكّل ، فللمالك مطالبته بالضمان.

وهل يرجع هو على الموكّل؟ إن كان قد أذن له في الشراء الفاسد ، أو علم به وقبضه ، كان له مطالبة الموكّل ، وإلاّ فالأقرب : أنّه لا يطالبه به ؛ لأنّه إنّما وكّله في عقدٍ صحيح ، فإذا عقد فاسداً فقد فَعَل غير المأمور به ، فكان الضمان عليه ؛ لأنّ الموكّل لم يأمره بهذا القبض ، بل هو قَبَض لنفسه عن الموكّل ، والموكّل لم يأذن فيه ، فلا يقع عنه.

ولو أرسل رسولاً ليستقرض له شيئاً ، فاستقرض ، فهو كوكيل المشتري ، وفي مطالبته ما في مطالبة وكيل المشتري بالثمن.

والظاهر عند الشافعيّة أنّه يطالب ، ثمّ إذا غرم رجع على الموكّل (٤).

__________________

(١) كذا ، والظاهر : « الشراء » بدل « البيع ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

١٤٨

المطلب الثالث : في نسبة الوكالة إلى الجواز.

مسألة ٧٥٥ : العقود على أربعة أضرب :

الأوّل : عقدٌ لازمٌ من الطرفين لا ينفسخ بفسخ أحد المتعاقدين ، وهو البيع والإجارة والصلح والخلع والنكاح ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة (١).

وفيه وجهٌ آخَر : إنّ النكاح غير لازمٍ من جهة الزوج (٢).

والقائل الأوّل منهم قال : إنّ الزوج لا يملك فسخه ، وإنّما يملك قطعه وإزالة ملكه ، كما يملك المشتري عتق العبد المشترى وإزالة ملكه عنه ، ولا يمنع ذلك لزومه في حقّه (٣).

وأمّا الخلع فإنّ الرجل والمرأة معاً ليس لهما فسخه ، بل إذا رجعت المرأة في البذل ، كان له الرجوع في النكاح.

الثاني : عقدٌ جائزٌ من الطرفين ، وهي الوكالة والشركة والمضاربة والجعالة ، فلكلٍّ (٤) منهما فسخ العقد في هذه.

الثالث : عقدٌ لازمٌ من أحد الطرفين جائزٌ من الآخَر ، كالرهن ؛ فإنّه لازمٌ من جهة الراهن جائزٌ من جهة المرتهن.

والكتابة عند الشيخ جائزة من جهة العبد ؛ لأنّ له أن يعجّز نفسه ، ولازمة من جهة المولى (٥).

الرابع : المختلف فيه ، وهو السبق والرمي ، إن قلنا : إنّه إجارة ، كان لازماً. وإن قلنا : إنّه جعالة ، كان جائزاً.

__________________

(١ ـ ٣) البيان ٦ : ٤٠٧.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فلكلّ واحدٍ ».

(٥) الخلاف ٣ : ١٨ ، المسألة ٢١ من كتاب البيوع ، المبسوط ـ للطوسي ـ ٦ : ٧٣ و ٨٢.

١٤٩

ولا نعلم خلافاً من أحدٍ من العلماء في أنّ الوكالة عقد جائز من الطرفين ؛ لأنّه عقد على تصرّفٍ مستقبل ليس من شرطه تقدير عملٍ ولا زمان ، فكان جائزاً ، كالجعالة. فإن فسخها الوكيل انفسخت ، وبطل تصرّفه بعد الفسخ ، وإن فسخها الموكّل فكذلك.

والأصل في ذلك أنّ [ في ] (١) الوكالة قد يبدو للموكّل في الأمر الذي أناب فيه وفي نيابة ذلك الشخص ، وقد لا يتفرّغ له الوكيل ، فالإلزام مضرٌّ بهما جميعاً.

ولا خلاف في أنّ العزل مبطل للوكالة.

مسألة ٧٥٦ : قد بيّنّا أنّ الوكالة جائزة من الطرفين ، وتبطل بعزل الموكّل في حضرته وغيبته إمّا لفظاً بلفظ العزل ، كقوله : عزلتك عن الوكالة ، أو بلفظٍ يؤدّي معناه ، مثل : فسخت الوكالة ، أو : أبطلتها ، أو : نقضتها ، أو : صرفتك عنها ، أو : أزلتك عنها ، أو : رفعت الوكالة ، أو : أخرجته عن الوكالة ، فينعزل ، ويبطل تصرّفه بعد ذلك ، سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكّل بمسألة الخصم ، كما إذا سألت المرأة زوجَها أن يوكّل بالطلاق أو الخلع ، أو المرتهنُ الراهنَ أن يوكّل ببيع الرهن ، أو الخصمُ الخصمَ أن يوكّل في الخصومة ، ففَعَل المسئول ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ الوكالة استنابة تابعة لاختيار الموكّل ، فله العزل متى شاء ، كغيرها من الوكالات.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

١٥٠

وقال أبو حنيفة : إذا كان التوكيل بمسألة الخصم ، لم ينعزل (١).

وإمّا معنىً ، بأن يفعل متعلّق الوكالة.

مسألة ٧٥٧ : إذا عزل الموكّل الوكيلَ في غيبته ، قال الشيخ رحمه‌الله : لأصحابنا روايتان :

إحداهما : إنّه ينعزل في الحال وإن لم يعلم الوكيل بالعزل ، وكلّ تصرّفٍ للوكيل بعد ذلك يكون باطلاً.

والثانية : إنّه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك ، وكلّ تصرّفٍ له يكون واقعاً موقعه إلى أن يعلم.

ثمّ استدلّ على صحّة الثاني : بأنّ النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلاّ بعد حصول العلم به ، ولهذا لمّا بلغ أهل قبا أنّ القبلة قد حُوّلت إلى الكعبة وهُمْ في الصلاة داروا وبنوا على صلاتهم ، ولم يؤمروا بالإعادة.

قال : وهذا القول أقوى (٢).

وقال في النهاية : ومَنْ وكّل وكيلاً وأشهد على وكالته ثمّ أراد عزله ، فليشهد على عزله علانيةً بمحضرٍ من الوكيل ، أو يُعلمه ذلك ، كما أشهد على وكالته ، فإذا أعلمه عَزْلَه أو أشهد على عزله إذا لم يمكنه إعلامه ، فقد انعزل الوكيل عن وكالته ، فكلّ أمر ينفذه بعد ذلك كان باطلاً ، ولا يلزم الموكِّل منه قليل ولا كثير. وإن عزله ولم يُشهد على عزله أو لم يُعلمه ذلك مع إمكان ذلك ، لم ينعزل الوكيل ، وكلّ أمرٍ ينفذه بعد ذلك يكون ماضياً‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ٣٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥٣ ، النتف ٢ : ٦٠٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، المسألة ٣ من كتاب الوكالة.

١٥١

على موكّله إلى أن يعلم بعزله (١).

وقال أبو حنيفة : الوكيل إذا عزل نفسه ، لم ينعزل إلاّ بحضرة الموكّل. وأمّا الموكِّل إذا عزله فإنّه لا ينعزل قبل علمه ، فإن بلغه العزل من رجلٍ ثقةٍ أو امرأةٍ ، انعزل. وإن بلغه من فاسقٍ ، لم ينعزل ؛ لأنّ الوكيل يتصرّف بإذن الموكّل وأمره ، فلا يصحّ أن يردّ أمره بغير حضوره ، كالمودع. وكذلك الأمر الشرعي لا يثبت وقوعه في حقّ المأمور قبل علمه ، كالفسخ في حقّ المأمورين قبل علمهم ، وكذا القاضي لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر ، ولأنّ تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يُسقط الثقة بتصرّفه (٢).

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه لا ينعزل بالعزل.

وأصحّهما : الانعزال ؛ لأنّه رَفْع عقدٍ لا يحتاج فيه إلى الرضا ، فلا يحتاج إلى العلم ، كالطلاق ، ولأنّه لو جنّ الموكّل أو مات انعزل الوكيل وإن لم يبلغه الخبر (٣).

وكذا لو وكّله ببيع عبدٍ أو إعتاقه ثمّ باعه أو أعتقه الموكّل ، نفذ تصرّفه ، وانعزل الوكيل وإن لم يشعر بالحال ضِمناً ، وإذا لم يعتبر بلوغ‌

__________________

(١) النهاية : ٣١٨.

(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٧ ، النتف ٢ : ٦٠٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٤ و ١٥٦ ، البيان ٦ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، المغني ٥ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٨ / ١٠٣٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٦ ـ ١٦٨٧ / ١١٨٨ و ١١٨٩.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٦ و ١٥٧ ، الوجيز ١ : ١٩٣ ، الوسيط ٣ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٣ ، البيان ٦ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ، منهاج الطالبين : ١٣٧.

١٥٢

الخبر في العزل الضمني ، ففي صريح العزل أولى. ولأنّه رَفْعُ عقدٍ ، فلا يفتقر إلى حضور مَنْ لا يفتقر إلى رضاه ، كالنكاح.

وإن علّلتَ بعزل الموكّل ، قلتُ : فِلمَ يفتقر إلى علم مَنْ لا يفتقر إلى حضوره؟

وأمّا الوديعة : فمن الشافعيّة مَنْ يقول : لا تنفسخ إلاّ بالردّ ؛ لأنّ الأمانة باقية ما لم تُردّ أو يُتعدّى ، فإذَنْ لم يقف على العلم.

ومنهم مَنْ يقول : إنّها تنفسخ إذا علم أنّ الوديعة ليس فيها إلاّ الاستئمان والاستحفاظ ، وإنّما يلزمه الردّ إذا علم ، وليس كذلك في مسألتنا ؛ فإنّ فيه تصرّفاً بالرجوع ليمنع صحّة التصرّف ، فلهذا أراد الرجوع من غير علم الوكيل. وأمّا النسخ : ففيه لهم وجهان ، على أنّهما يفترقان ؛ لأنّ أمر الشريعة يتضمّن تركه المعصية ، فلا يجوز أن يكون عاصياً من غير علمه ، وهنا يتضمّن إبطال التصرّف ، وهذا لا يمنع منه عدم العلم.

وأيضاً لا فرق بين النسخ وما نحن فيه ؛ لأنّ حكم النسخ إمّا إيجاب امتثال الأمر الثاني ، وإمّا إخراج الأوّل عن الاعتداد به ، فما يرجع إلى الإيجاب والإلزام لا يثبت قبل العلم ؛ لاستحالة التكليف بغير المعلوم ، وهذا النوع لا يثبت في الوكالة أصلاً ورأساً ؛ لأنّ أمر الموكّل غير واجب الامتثال. وأمّا النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضاً قبل العلم حتى يلزمه القضاء ، ولا تبرأ ذمّته بالأوّل (١).

وأمّا انعزال القاضي : فمنهم مَنْ طرّد الخلاف فيه. وعلى التسليم ـ وهو الظاهر من مذهبهم ـ فالفرق : تعلّق المصالح الكلّيّة بعمله (٢).

__________________

(١) راجع : بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

١٥٣

وعن أحمد روايتان (١) ، كقولَي الشافعي ، وكذا عن أصحاب مالك قولان (٢).

والشيخ رحمه‌الله استدلّ على عدم العزل قبل العلم : بما رواه جابر بن يزيد ومعاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام قال : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها » (٣).

وفي طريقها عمرو بن شمر ، وهو ضعيف.

وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام : عن رجلٍ وكّل آخَر على وكالة في إمضاء أمرٍ من الأُمور وأَشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا أنّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة ، فقال : « إن كان الوكيل قد أمضى الأمر الذي وُكّل عليه قبل أن يعزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل أم رضي » قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عُزل عن الوكالة فالأمر ماضٍ على ما أمضاه؟ قال : « نعم » قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي‌ء؟ قال : « نعم ، إنّ الوكيل إذا وُكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عن الوكالة » (٤).

وعن العلاء بن سيابة عن الصادق عليه‌السلام في حديثٍ : « إنّ عليّاً عليه‌السلام أتته امرأة مستعدية على أخيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين وكّلتُ أخي هذا‌ بأن يزوّجني رجلاً فأشهدت له ثمّ عزلته من ساعته تلك ، فذهب وزوّجني

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٣.

١٥٤

ولي بيّنة إنّي قد عزلته قبل أن يزوّجني ، فأقامت البيّنة ، وقال الأخ : يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتْني ولم تُعلِمْني بأنّها عزلتْني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرَتْني ، فقال لها : ما تقولين؟ فقالت : قد أعلمتُه يا أمير المؤمنين ، فقال لها : لكِ بيّنة بذلك؟ فقالت : هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلتُه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كيف تشهدون؟ قالوا : نشهد أنّها قالت : اشهدوا أنّي قد عزلتُ أخي فلاناً عن الوكالة بتزويجي فلاناً ، وأنّي مالكة لأمري من قبل أن يزوّجني فلاناً ، فقال : أشهدَتْكم على ذلك بعلمٍ منه ومحضر؟ قالوا : لا ، قال : أفتشهدون أنّها أعلَمَتْه العزل كما أعلَمَتْه الوكالة؟ قالوا : لا ، قال : أرى الوكالة ثابتة والنكاح واقع ، أين الزوج؟ فجاء فقال خُذْ بيدها بارك الله لك فيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين احلفه أنّي لم أُعلِمْه العزل وأنّه لم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح ، قال : وتحلف؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فحلف وأثبت وكالته وأجاز النكاح » (١).

وهذه الرواية تدلّ على أنّه لا عبرة بالشهادة وقول العزل إن لم يعلم الوكيل ، ولا بأس به عندي.

تذنيب : إذا قلنا بعدم العزل قبل بلوغ الخبر إليه ، فالمعتبر إخبار مَنْ يُقبل قوله من شهود العدالة ، دون الصبي والفاسق. فإذا قلنا بالانعزال ، فينبغي أن يشهد الموكّل على العزل ؛ لأنّ قوله بعد تصرّف الوكيل : « كنتُ قد عزلتُه » غير مقبولٍ.

مسألة ٧٥٨ : إذا قال الوكيل : عزلتُ نفسي ، أو : أخرجتُها عن الوكالة ، أو : رددت الوكالة ، انعزل.

وقال بعض الشافعيّة : إن كانت صيغة الموكّل « بِع » و« اعتق » ونحوهما‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٤ ـ ٢١٥ / ٥٠٦.

١٥٥

من صِيَغ الأمر ، لم ينعزل بردّ الوكالة وعَزْله نفسَه ؛ لأنّ ذلك إذن وإباحة ، فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره ، لا يرتدّ بردّ المباح له (١).

ولا يُشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسَه حضورُ الموكّل ، وبه قال الشافعي (٢).

وقال أبو حنيفة : يُشترط حضور الموكّل ، فإن عزل نفسه بغير حضور الموكّل ، لم ينعزل (٣). وقد سبق (٤).

إذا عرفت هذا ، فإن عزل نفسه ثمّ تصرّف ، كان فضوليّاً ، سواء كان الموكّل حاضراً أو غائباً.

ويحتمل مع الغيبة الصحّة ؛ عملاً بالإذن العامّ الذي تضمّنته الوكالة.

وكذا مع الحضور وعدم الرضا بعزله.

مسألة ٧٥٩ : متى خرج الوكيل أو الموكّل عن أهليّة التصرّف بموتٍ أو جنونٍ أو إغماءٍ ، بطلت الوكالة ، سواء كان العارض للوكيل أو للموكّل.

وفي الجنون إذا كان ممّا يطرأ ويزول على قُربٍ لبعض الشافعيّة تردّد.

وموضع التردّد ما إذا كان امتداده بحيث لا تعطل المهمّات ويحوج إلى نصب قُوّامٍ ، فيلتحق حينئذٍ بالإغماء في وجهٍ (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٦ ـ ١٦٨٧ / ١١٨٨.

(٣) عيون المجالس ٤ : ١٦٨٧ / ١١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، المغني ٥ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٨.

(٤) في ص ١٥٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

١٥٦

وفي الإغماء لهم وجهان :

أظهرهما عندهم : إنّه كالجنون في اقتضاء الانعزال.

والثاني ـ وهو الأظهر عند الجويني ـ : إنّه لا يقتضي الانعزال ؛ لأنّ المغمى عليه لا يلتحق بمن يُولّى عليه ، والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكّل بمن يولّى عليه (١).

مسألة ٧٦٠ : والمحجور عليه لسفهٍ أو فلسٍ في كلّ تصرّفٍ لا ينفذ من السفيه والمفلس كالمجنون ؛ لأنّه لا يملك التصرّف ، فلا يملكه غيره من جهته.

ولا فرق في ذلك بين أن يحجر عليه قبل التوكيل أو بعده ، فإن سبقت الوكالة الحجر ، بطلت. وكذا إن كان الحجر سابقاً ، لم تقع صحيحةً.

ولو وكّل أحدهما فيما لَه التصرّف فيه ، صحّ ؛ لأنّه مكلَّف ، ولم يخرج عن أهليّة التصرّف فيه.

ولو تجدّد الرقّ بأن كان حربيّاً فاستُرقّ ، بطلت وكالته السابقة إن كان هو الموكّل ، فلو كان هو الوكيلَ ، كان بمنزلة توكيل عبد الغير يشترط رضا المولى إن منعت الوكالة شيئاً من حقوقه.

ولو حُجر على الوكيل لفلسٍ ، لم تبطل الوكالة ، سواء تعلّقت بأعيان الأموال أو لا ؛ لأنّه بفقره لم يخرج عن أهليّة التصرّف.

ولو حُجر على الموكّل وكانت الوكالة في أعيان ماله ، بطلت ؛ لانقطاع تصرّفه في أعيان أمواله. وإن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمّة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص ، فالوكالة بحالها ؛ لأنّ الموكّل أهلٌ لذلك‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٩.

١٥٧

مباشرةً ، فله أن يستنيب فيه ابتداءً ؛ للأصل السالم عن المعارض ، ولا تنقطع الاستدامة.

مسألة ٧٦١ : لو فسق الوكيل ، لم ينعزل عن الوكالة إجماعا ؛ لأنّه من أهل التصرّف ، إلاّ أن تكون الوكالة [ فيما ينافيه ] (١) الفسق ، كالإيجاب في عقد النكاح عند العامّة ، فإنّه ينعزل عندهم بمجرّد فسقه أو فسق موكّله ؛ لخروجه عن أهليّة التصرّف فيه عندهم (٢).

وعندنا لا يخرج بالفسق أيضاً ؛ إذ لا تُشترط العدالة في وليّ النكاح.

وأمّا في القبول : فلو فسق الموكّل فيه ، لم ينعزل وكيله بفسقه ؛ لأنّه لا ينافي جواز قبوله.

وهل ينعزل الوكيل بفسق نفسه؟ فيه للعامّة وجهان (٣).

ولو كان وكيلاً فيما تُشترط فيه الأمانة ـ كوكيل وليّ اليتيم ووليّ الوقف على المساكين ونحوه ـ انعزل بفسقه وفسق موكّله ؛ لخروجهما بذلك عن أهليّة التصرّف.

وإن كان وكيلاً لوكيل مَنْ يتصرّف في مال نفسه ، انعزل بفسقه ؛ لأنّه ليس للوكيل أن يوكّل فاسقاً. ولا ينعزل بفسق موكّله ؛ لأنّه وكيل لربّ المال ، ولا ينافيه الفسق.

ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر ؛ لأنّ [ هذين عذران يمكن زوالهما بسهولة وسرعة ، ولا تثبت عليه ولاية ، ولا يخرج بهما ] (٤) عن أهليّة‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّية والحجريّة : « ممّا تنافي ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هذه أعذار ... زوالها ... لا يخرج بها ». والمثبت هو الصحيح.

١٥٨

التصرّف ، إلاّ أن [ يحصل ] (١) الفسق بالسكر ، فتبطل فيما شُرط فيه العدالة.

مسألة ٧٦٢ : إذا فَعَل الموكّل متعلَّقَ الوكالة ، أو تلف المتعلَّق ، بطلت الوكالة ، كما لو وكّل غيره في بيع عبدٍ ثمّ باعه الموكّل ، أو مات العبد ، بطلت الوكالة ؛ إذ لا متعلَّق لها حينئذٍ ، وقد ذهب محلّها.

هذا إذا باعه الموكّل بيعاً صحيحاً ، ولو باعه بيعاً فاسداً ، احتُمل البطلان أيضاً ؛ إذ شروعه في البيع رغبة عن الوكالة.

وقال ابن المنذر : لا تبطل الوكالة ؛ لبقاء ملكه في العبد (٢).

ولو دفع إليه ديناراً ووكّله في الشراء بعينه ، فهلك أو ضاع أو استقرضه الوكيل وتصرّف فيه ، بطلت الوكالة أيضاً.

ولو وكّله في الشراء مطلقاً ونقد الدينار عن الثمن ، بطلت أيضاً إذا تلف ذلك الدينار ؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء ، ومعناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع إمّا قبل الشراء أو بعده ، وقد تعذّر ذلك بتلفه. ولأنّه لو صحّ شراؤه للزم الموكّل ثمن لم يلزمه ولا رضي بلزومه.

وإذا استقرضه الوكيل ثمّ عزل ديناراً عوضه واشترى به ، فهو كالشراء له من غير إذنٍ ؛ لأنّ الوكالة بطلت ، والدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكّل حتى يقبضه ، فإذا اشترى للموكّل ، وقف على إجازته ، فإن أجازه صحّ ، ولزم الثمن ، وإلاّ لزم الوكيل ، إلاّ أن يُسمّيه في العقد.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يجعل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧٣ / ١٩٠٠ ، المغني ٥ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٩.

١٥٩

وقال بعض العامّة : إذا اشترى بعين ماله لغيره شيئاً ، فالشراء باطل ؛ لأنّه لا يصحّ أن يشتري الإنسان بعين ماله ما يملكه غيره بذلك العقد (١).

وقال أصحاب الشافعي : إذا اشترى لغيره بمال نفسه ، صحّ الشراء للوكيل ، سواء اشتراه بعين المال أو في الذمّة (٢).

والوجه : المنع ؛ لأنّه اشترى له ما لم يأذن له في شرائه ، فأشبه ما لو اشتراه في الذمّة.

مسألة ٧٦٣ : لو وكّله في بيع عبدٍ أو جاريةٍ ثمّ أعتقه قبل البيع ، بطلت الوكالة ؛ لأنّ ذلك هلاك للماليّة ، فأشبه هلاك العين.

ولو آجره الموكّل ، فالوجه : بطلان الوكالة أيضاً ـ وبه قال بعض الشافعيّة (٣) ـ لأنّ الإجارة إن منعت البيع ، لم يبق الوكيل مالكاً للتصرّف ، ولا الموكّل أيضاً. وإن لم تمنعه ، فهي علامة الندم ؛ لأنّ مَنْ يريد البيع لا يؤاجر ؛ لقلّة الرغبات فيه بسبب الإجارة.

وكذا تزويج الجارية.

ويحتمل [ عدم ] (٤) بطلان الوكالة.

ولو كاتبه أو دبّره ، انفسخت الوكالة ؛ لأنّه يعطي رجوعه عن إذن إخراجه عن ملكه. ولأنّ الكتابة تقطع تصرّف المولى فيه ، فلم يُبق محلاًّ للبيع.

وفي طحن الحنطة الموكّل ببيعها للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الانعزال ؛ لبطلان اسم الحنطة ، وإشعاره بالإمساك.

__________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٩.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١٦٠