تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

أحد جوابي الدعوى ، فصحّ من الوكيل في الخصومة ، كالإنكار (١).

والفرق : أنّ الإنكار لا يقطع الخصومة ، ولا يسقط حقّ الموكّل منها ، بخلاف الإقرار ، ألا ترى أنّه يصحّ منه الإنكار في الحدود والقصاص ، ولا يصحّ منه الإقرار ، فنحن نقيس على أبي حنيفة على الحدود والقصاص ودعوى النكاح والطلاق والعفو عن القصاص ، فإنّه سلّم أنّه لا يملك الوكيل الإقرار في ذلك كلّه (٢) ، فنقيس المتنازع عليه. ولأنّ الوكيل لا يصالح ولا يبرئ ، فكذلك الإقرار. وكذا يُنقض عليه بما إذا أقرّ في غير مجلس الحكم لا يلزمه ، فكذا في مجلس الحكم. ولأنّ الوكيل لا يملك الإنكار على وجهٍ يمنع الموكّل من الإقرار ، فلو مَلَك الإقرار ، لامتنع على الموكّل الإنكار ، فافترقا.

فروع :

أ ـ لو وكّله في الإقرار ، ففيه خلاف ، واختار الشيخ جوازه (٣). ولا استبعاد فيه. ويلزم الموكّل ما أقرّ به ، فإن كان معلوماً ، لزمه ذلك. وإن كان مجهولاً ، رجع في تفسيره إلى الموكّل دون الوكيل.

ب ـ لو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء ، لم يلزم إقراره الموكّل على ما قلناه‌ ، لكن ينعزل الوكيل عن الوكالة. وكذا وكيل المدّعى عليه لو أقرّ بالحقّ في ذمّة موكّله ، لم يسمع في حقّه ، لكن تبطل وكالته بالإنكار ؛

__________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٤ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤ ، المسألة ٥ من كتاب الوكالة.

١٢١

لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.

وللشافعيّة وجهان في بطلان وكالته (١).

ج ـ هل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان ما فيه الخصومة من دم أو مال ، أو عين أو دَيْن ، أو أرش جناية أو بدل مال؟ الأقرب عندي : عدم الاشتراط ، بل يصحّ التعميم.

وللشافعيّة وجهان (٢).

أمّا لو وكّله في خصومةٍ معيّنة وأبهم ، لم يصحّ.

د ـ الأقرب : عدم اشتراط تعيين مَنْ يخاصم معه.

وللشافعيّة وجهان (٣).

هـ ـ الأقرب : إنّ الوكيل بالخصومة من جهة المدّعى [ عليه ] لا يُقبل منه تعديل بيّنة المدّعي (٤) ؛ لأنّه كالإقرار في كونه قاطعاً للخصومة ، وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار ، وهو قول بعض الشافعيّة (٥).

وقال بعضهم : إنّ تعديله وحده لا ينزّل منزلة إقرار الموكّل بعدالتهم ، لكن ردّه مطلقاً بعيد ؛ لأنّ التعديل غير مستفادٍ من الوكالة ، إلاّ أن يوجّه بأنّه بالتعديل مقصّرٌ في الوكالة وتاركٌ حقَّ النصح (٦).

مسألة ٧٣١ : لو وكّله في استيفاء حقٍّ له على غيره ، فجحده مَنْ عليه الحقّ وأمكن ثبوته عليه ، لم يكن للوكيل مخاصمته ولا محاكمته‌ ، ولا يثبت الحقّ عليه ؛ لأنّ الإذن إنّما انصرف إلى الاستيفاء ، وهذه طُرقٌ إليه مغايرة‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من جهة المدّعي لا يقبل ... بيّنة المدّعى عليه ». والمثبت هو الموافق لما في المصدر من الهامش التالي.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٦) الوسيط ٣ : ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤.

١٢٢

له ، فلا يملكها ، وقد يرتضى للقبض مَنْ لا يرتضى للخصومة ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد ، ورواه الحسن عن أبي حنيفة (١) ـ لأنّ الأمين قد لا يُحسن الخصومة ، فلا يرتضيه الموكّل في القبض لها.

والثاني : نعم ؛ لأنّه لا يتمكّن من الاستيفاء عند إنكار مَنْ عليه إلاّ بالإثبات ، فليُمكَّن ممّا يتوسّل به إلى الاستيفاء (٢) ، وبه قال أبو حنيفة (٣).

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يكون الموكّل باستيفائه (٤) عيناً أو دَيْناً ، فإذا وكّله في قبض عينٍ فجحدها مَنْ هي في يده ، لم يكن وكيلاً في التثبيت أيضاً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة (٥).

وقال أبو حنيفة : إن كان دَيْناً مَلَك الإثبات ، وإن كان عيناً لم يملكه ؛ لأنّه وكيل في النقل ، فلا يملك الإثبات ، كالوكيل في نقل الزوجة (٦).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٥ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٢١ و ٦٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢.

(٤) في « ث ، ر » : « بالاستيفاء ». وفي « ج ، خ » : « بالاستيفاء به ».

(٥) نفس المصادر في الهامش (٢).

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٥ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٢١ و ٦٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، وفي المغني ٥ : ٢١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٢٤٤ نسبة ذلك إلى بعض أصحاب أبي حنيفة.

١٢٣

والحقّ ما قلناه ؛ فإنّ القبض في العين كالقبض في الدَّيْن ، فإذا جاز له الخصومة في الدَّيْن ، جاز له في العين ، بخلاف الزوجة ؛ لأنّ ذلك ليس بقبضٍ.

مسألة ٧٣٢ : إذا وكّله في تثبيت حقّه على خصمه ، لم يكن للوكيل القبض ـ وبه قال أحمد (١) ـ لأنّ القبض لم يتناوله الإذن نطقاً ولا عرفاً ؛ إذ ليس كلّ مَنْ يُرتضى للخصومة يُرتضى للقبض ، فإنّه قد يكون خائناً.

وللشافعيّة في استيفائه بعد الإثبات طريقان :

أحدهما : إنّ فيه وجهين أيضاً ، كالوجهين في أنّ الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن ؛ لأنّه من توابع الإثبات ومقاصده ، كقبض الثمن بالإضافة إلى البيع؟

وأظهرهما : القطع بالمنع ؛ لأنّ الاستيفاء يقع بعد الإثبات ، فليس ذلك نفس المأذون فيه ولا واسطته ، بخلاف العكس [ و ] (٢) بخلاف مسألة قبض الثمن ؛ لأنّه إذا وكّله بالبيع ، أقامه مقام نفسه فيه ، وأنّه عقد يتضمّن (٣) عُهَداً (٤) منها : تسليم المبيع وقبض الثمن ، فجاز أن يُمكّن من قضاياه ، وأمّا الإثبات فليس فيه ما يتضمّن التزاماً (٥).

قال بعض الشافعيّة : الخلاف في الصورة الثانية في الأموال ، أمّا القصاص والحدّ فلا يستوفيهما بحال (٦).

__________________

(١) المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في « ث ، خ » : « متضمّن ».

(٤) « عُهَد » جمعٌ ، واحدته : « عهدة » بمعنى الشرط.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

١٢٤

وقال بعضهم : إنّه على الوجهين (١).

وإذا جمعت بين الأمرين : الاستيفاء والإثبات وقلت : الوكيل بأحدهما هل يملك الثاني؟ حصل ـ عند الشافعيّة ـ في الجواب ثلاثة أوجُه ، لكنّ الظاهر عندهم أنّه لا يفيد واحد منهما الثاني (٢).

فروع :

أ ـ الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح ولا الإبراء منه‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك.

ب ـ قال بعض العامّة : لو كان الموكّل عالماً بجَحْد مَنْ عليه الحقّ ، أو مَطْله ، كان التوكيل في القبض توكيلاً في الخصومة والتثبيت ؛ لعلمه بوقوف القبض عليه (٣).

وليس بشي‌ءٍ ؛ لاحتمال أن يرجع الغريم إلى الحقّ ، أو يستنيب الموكّل غير وكيل القبض وكيلاً في التثبيت بعد المطالبة وتصريح الجحود.

ج ـ قد عرفت أنّ الوكيل بالبيع لا يُسلّم المبيعَ قبل أن يقبض الموكّل (٤) أو وكيلُه الثمنَ ، فإن سلّمه قبله ، غرم للموكّل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواءً ، أو كان الثمن أكثر. وإن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل ، غرّمه جميع القيمة.

ويحتمل أن يحطّ قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، أصحّهما عندهم : الأوّل (٥).

ولو باع بغبنٍ فاحشٍ بإذن الموكّل ، فقياس الوجه الثاني عندهم : إنّ

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

(٣) المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « المالك » بدل « الموكّل ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

١٢٥

المالك لا يغرّمه إلاّ قدر الثمن ، ثمّ لو قبض الوكيل الثمنَ بعد ما غرم ، دَفَعه إلى الموكّل ، واستردّ الثمن (١).

د ـ تُقبل شهادة الوكيل مع الشرائط على موكّله مطلقا ، وتُقبل لموكّله في غير ما هو وكيلٌ فيه ، كما لو وكّله في بيع دارٍ فشهد له بعبدٍ.

ولو شهد فيما هو وكيلٌ فيه ، فإن كان ذلك قبل العزل ، لم تُقبل ؛ لأنّه متّهم حيث يجرّ إلى نفسه نفعاً ، وهو ثبوت ولاية التصرّف لنفسه.

وإن كان بعد العزل ، فإن كان قد خاصم الغريم فيه حالَ وكالته ، لم تُقبل أيضاً ؛ لأنّه متّهم أيضاً حيث يريد تمشية قوله وإظهار الصدق فيما ادّعاه أوّلاً.

وإن لم يخاصم ، سُمعت شهادته عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ الوجهين (٢) ـ لأنّه ما انتصب خصماً ، ولا يُثبت لنفسه حقّاً ، فكان كالأجنبيّ ، فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل.

وفي الثاني للشافعي : لا تُقبل أيضاً ، كما لو شهد قبل العزل (٣).

والفرق ظاهر ، وهو أنّه قبل العزل يثبت لنفسه محلّ ولاية التصرّف.

وقال الجويني : هذه هي الطريقة المشهورة عند الشافعيّة ، وقياس المراوزة أن ينعكس ، فيقال : إن لم يخاصم ، تُقبل شهادته. وإن كان قد خاصم ، فوجهان. ورأى أنّ هذا التفصيل فيما إذا جرى الأمر على التواصل ، فأمّا إذا طال الفصل ، فالوجه : القطع بقبول الشهادة ، مع احتمالٍ فيه (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٢١٥ ، البيان ١٣ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

١٢٦

مسألة ٧٣٣ : لو وكّل رجلين بالخصومة ولم يصرّح باستقلال كلّ واحدٍ منهما ، لم يستقلّ بها أحدهما ، بل يتشاوران ويتباصران (١) ، ويعضد كلّ واحدٍ منهما صاحبَه ، ويُعينه على ما فُوّض إليهما ، كما لو وكّل رجلين ببيعٍ أو طلاقٍ أو غيرهما ، أو أوصى إلى اثنين ، لم يكن لأحدهما الانفراد ، وهو أصحّ وجهي (٢) الشافعي.

والثاني : إنّ لكلّ واحدٍ منهما الاستقلال ؛ لعسر الاجتماع على الخصومة (٣).

وكذا لو وكّل رجلين بحفظ متاعٍ ، حفظاه معاً في حرزٍ لهما ؛ لأنّ قوله : « افعلا كذا » يقتضي اجتماعهما على فعله ، وهو ممّا يمكن ، فتعلّق بهما ، بخلاف قوله : « بعتكما » حيث كان منقسماً بينهما ؛ لأنّه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع ، فانقسم بينهما ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني لهم : إنّه ينفرد به كلّ واحدٍ منهما ، فإن قَبِل التقسيم قُسّم ليحفظ كلّ واحدٍ منهما بعضَه (٤).

والحقّ ما قدّمناه ؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلاّ بإذنه ، فإذا أذن اتّبع حدّ إذنه.

مسألة ٧٣٤ : إذا وكّل اثنين في التصرّف فغاب أحدهما ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا للحاكم ضمّ أمينٍ إليه ليتصرّفا ؛ لأنّ الموكّل رشيد جائز التصرّف لا ولاية للحاكم عليه ، فلا يقيم الحاكم وكيلاً له بغير أمره ،

__________________

(١) في « ث » : « يتناصران ».

(٢) في « ث ، خ » : « قولَي » بدل « وجهي ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

١٢٧

بخلاف ما لو مات أحد الوصيّين حيث قال بعضهم بأنّ الحاكم يضيف إلى الوصي أميناً ليتصرّفا ؛ لكون الحاكم له النظر في حقّ الميّت واليتيم ، ولهذا لو لم يوص إلى أحدٍ أقام الحاكم أميناً في النظر لليتيم (١).

فإن حضر أحد الوكيلين والآخَر غائب وادّعى الوكالة لهما وأقام البيّنة ، سمعها الحاكم ، وحَكَم بثبوت الوكالة لهما ، ولم يملك الحاضر التصرّف وحده ، فإذا حضر الآخَر تصرّفا معاً ، ولا يحتاج إلى إعادة البيّنة ؛ لأنّ الحاكم سمعها لهما مرّةً.

لا يقال : هذا حكم للغائب.

لأنّا نقول : الأصل الحكم للحاضر ، وأمّا الغائب فدخل ضمناً ، كما أنّه يحكم للوقف الذي ثبت لمن يخلق بَعْدُ لأجل مَنْ يستحقّه في الحال ، فكذا هنا.

ولو جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا نعلم فيه خلافاً. وجميع التصرّفات في هذا سواء.

وقال أبو حنيفة : إذا وكّلهما في خصومةٍ ، فلكلّ واحدٍ منهما الانفراد بها (٢).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه لم يرض بتصرّف أحدهما ، فأشبه البيع والشراء.

مسألة ٧٣٥ : إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضرة الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه ، صحّت الوكالة ، فإذا قدّم الوكيل خصماً لموكّله بعد ذلك إلى الحاكم ، حَكَم الحاكم بعلمه عندنا ـ وهو أحد قولَي الشافعيّة (٣) ـ فيسمع‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٣٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٤٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٣ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٠ / ٩٩٤ ، المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٣) مختصر المزني : ٣٠٢ ، الأحكام السلطانيّة ـ للماوردي ـ : ٧٠ ، الحاوي الكبير ١٦ : ٣٢١ ، الإقناع في الفقه الشافعي : ١٩٦ ، التنبيه : ٢٥٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٠٤ ، الوسيط ٧ : ٣٠٨ ، الوجيز ٢ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٨ : ١٤٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٨ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ٤٨٦ ، أدب القضاء ـ لابن أبي الدم ـ : ٩٤ و ١٠٥ ، روضة الطالبين ٨ : ١٤١ ، منهاج الطالبين : ٣٣٩.

١٢٨

الحاكم دعواه على خصم موكّله.

وعند القائلين بأنّ الحاكم لا يحكم بعلمه لا يسمع دعواه حتى يشهد بوكالته شاهدان (١).

وإن كان قد وكّله في غير حضور الحاكم وحضر عند الحاكم وادّعى وكالة موكِّله وأحضر شاهدين يشهدان له بالوكالة ، سمع الحاكم الشهادة بذلك ، وبه قال مالك والشافعي (٢).

ولو أحضر خصماً وادّعى عليه الحقَّ لموكّله قبل ثبوت الوكالة ، لم يسمع الحاكم دعواه.

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع الشهادة على الوكالة ، إلاّ أن يقدّم خصماً من خصماء الموكّل فيدّعي عليه حقّاً لموكّله ، فإذا أجاب المدّعى عليه حينئذٍ يسمع الحاكم البيّنةَ (٣).

فحصل الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في فصلين :

أحدهما : إنّ عندنا يسمع الحاكم البيّنةَ من غير خصمٍ ، وعنده لا يسمع.

والثاني : إنّ عندنا لا تُسمع دعواه لموكّله قبل ثبوت وكالته ، وعنده‌

__________________

(١) راجع : المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠ ، الذخيرة ٨ : ١٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ ـ ٥٥٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥.

١٢٩

تُسمع.

وأبو حنيفة بنى ذلك على أصله ، وأنّ القضاء على الغائب لا يجوز ، وأنّ سماع البيّنة بالوكالة من غير خصمٍ قضاءٌ على الغائب ، وأنّ الوكالة من الحاضر لا تلزم الخصم ، فما لم يُجب عن دعوى الوكيل لم يكن رضاً بالوكالة (١).

والشافعي وافقنا على ما قلناه ؛ لأنّه إثبات وكالةٍ ، فلم يفتقر إلى حضور الموكّل عليه ، كما إذا كان الموكّل [ عليه ] (٢) جماعةً فأُحضر واحد منهم ، فإنّ الباقين لا يفتقر إلى حضورهم ، كذلك هنا الواحد.

وإنّما لم يسمع الحاكم الدعوى قبل ثبوت الوكالة ؛ لأنّ الدعوى لا تُسمع إلاّ من خصمٍ إمّا عن نفسه أو عن موكّله ، وهذا لا يخاصم عن نفسه ، ولا يثبت أنّه وكيل لمن يدّعي له ، فلا تُسمع دعواه ، كما لو ادّعى لمن لم يدّع وكالته.

مسألة ٧٣٦ : إذا ادّعى أنّه وكيل فلان في خصومة فلان ، فإن كان المقصود بالخصومة حاضراً وصدّقه ، ثبتت الوكالة ، وله مخاصمته على إشكالٍ. وإن كذّبه ، أقام البيّنة على الوكالة ، فلا يحتاج إلى أن يدّعي حقّاً لموكّله على الخصم ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي (٣).

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع البيّنة على الوكالة حتى يدّعي عليه حقّاً لموكّله فينكر (٤).

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٩ ـ ١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥.

١٣٠

وإن كان غائباً وأقام البيّنةَ على الوكالة ، سمعها وأثبتها ، ولا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في إثبات الوكالة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : لا تُسمع البيّنة إلاّ في وجه الخصم ، بناءً على امتناع القضاء على الغائب (١). وقد تقدّم (٢).

وقال بعض الشافعيّة : لا بدّ وأن ينصب القاضي مسخراً (٣) ينوب عن الغائب ، ليقيم المدّعي البيّنةَ في وجهه (٤). وهو مخالف لباقي الشافعيّة.

ثمّ قال : وقد اصطلح القُضاة على أنّ مَنْ وكّل في مجلس القضاء وكيلاً بالخصومة ، يختصّ [ التوكيل ] (٥) بالخصومة في ذلك المجلس (٦).

قال الجويني : والذي يعرفه أصحاب الشافعي أنّه يخاصم في ذلك المجلس وبعده ، ولا نعرف للقُضاة العرف الذي ادّعاه (٧).

مسألة ٧٣٧ : لو وكّل رجلاً عند القاضي بالخصومة عنه وطلب حقوقه ، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضراً اعتماداً على العيان. فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه بناءً على اسمٍ ونسبٍ يذكره ولم يكن معروفاً عند الحاكم ، فلا بدّ من إقامة البيّنة على أنّ فلان بن فلان وكّله ، أو على أنّ الذي وكّله عند الحاكم هو فلان بن فلان.

__________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٥ / ١٨٤١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٨ / ١٧٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٢) في ص ١٢٩ و ١٣٠.

(٣) السخرة : ما تسخّرت من دابّة أو خادم بلا أجر ولا ثمن. لسان العرب ٤ : ٣٥٣ « سخر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوكيل ». والمثبت من المصدر.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

١٣١

وبالجملة ، لا بدّ وأن يعرف الموكّل شاهدان يعرفهما القاضي ويوثّقهما إمّا بمعرفته بعدالتهما أو بحضور اثنين يزكّيانهما أو أكثر.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ القُضاة عادتهم التساهل في هذه البيّنة بالعدالة الظاهرة ، وترك البحث والاستزكاء ، تسهيلاً على الغرماء (١).

وهو خطأ عندنا.

وقال بعضهم أيضاً : يمكن أن يكتفي بمعرِّفٍ واحد إذا كان موثوقاً به ، كما في تعريف المرأة في تحمّل الشهادة عليها يحصل بمعرِّفٍ واحد ؛ لأنّه إخبار وليس بشهادة (٢).

وهو خطأ عندنا أيضاً ، بل لا بدّ في التعريف من عَدْلين.

مسألة ٧٣٨ : إذا وكّله في شراءٍ فاسد أو عقدٍ باطل ، مثل أن يقول : اشتر لي شيئاً إلى مقدم الحاج ، أو مجي‌ء الغلّة ، أو : بِعْ كذلك ، لم يملك هذا العقد ؛ لأنّ الله تعالى لم يأذن في الفاسد ، ولأنّ الموكّل لا يملكه فالوكيل أولى.

ولا يملك الصحيح عندنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٣) ـ لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، يكون فضوليّاً قد فَعَل غير المأذون فيه. ولأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، لم يلزم ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير. ولأنّه أذن له في محرَّمٍ ، فيكون الإذن محرّماً ، فلا يملك الحلال بهذا الإذن ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٣) التنبيه : ١٠٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٤ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣ ، المغني ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٠.

١٣٢

لم يملك شراء الخَلّ والغنم.

وقال أبو حنيفة : يملك بذلك الشراءَ الصحيح ؛ لأنّ الشراء الفاسد يملك عقده ، فإذا عقد له عقداً صحيحاً فقد مَلَكه بما هو أولى (١).

وهو ممنوع ، على أنّ البيع الصحيح يملك به ، والفاسد لا يملك بالعقد فيه ، وإنّما يملك بالقبض ملكاً غير لازمٍ.

مسألة ٧٣٩ : لو وكّله بالصلح عن الدم على خمرٍ ففَعَل ، حصل العفو‌ ، كما لو فَعَله الموكّل بنفسه ؛ لأنّ الصلح على الخمر وإن كان فاسداً فيما يتعلّق بالعوض ولكنّه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص ، فيصحّ التوكيل فيما لو فَعَله الموكّل بنفسه لصحّ ، لا أنّا نصحّح التوكيل في العقد الفاسد.

ولو وكّله بالصلح عن القصاص على خمرٍ فصالح على خنزير ، فهو لغو ، ويبقى القصاص مستحقّاً على ما كان عليه قبل الصلح ؛ لأنّه مستبدّ بما فَعَل غير موافقٍ أمرَ الموكّل ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه كما لو عفا على خمر ؛ لأنّ الوكالة بالصلح تامّة ، والخمر لا تثبت وإن ذكرت ، وإنّما تثبت الدية ، فلا فرق فيما يصحّ ويثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير. وعلى هذا لو صالح على ما يصلح عوضاً كالعبد والثوب ، أو على الدية نفسها ، يجوز (٢).

ولا خلاف بينهم في أنّه لو جرى هذا الاختلاف بين الموجب والقابل في الصلح ، يلغو ؛ لعدم انتظام الخطاب والجواب (٣).

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٥٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٥ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، المغني ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٠.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

١٣٣

ولو وكّله بأن يخالع زوجته على خمر ، فخالَع على خمر أو خنزير ، فعند الشافعيّة أنّه على ما تقدّم في الصلح عن الدم (١).

المطلب الثاني : في حكم العهدة.

مقدّمة : قد بيّنّا أنّه يجوز التوكيل بجُعْلٍ وبغير جُعْل ، فإذا وكّله على البيع أو الشراء أو غير ذلك وجَعَل له جُعْلاً ، كان للوكيل المطالبة بجُعْله قبل أن يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن ؛ لأنّ الأُجرة مستحقّة بالبيع أو الشراء ، وليس التسليم شرطاً في ذلك.

وكذا لو وكّله في حجٍّ أو غيره ، استحقّ الأُجرة بنفس العمل.

وإنّما تقف الأُجرة على تسليم المنفعة التي يمكن تسليمها دفعةً واحدة ، كالحياكة والخياطة (٢) والصياغة (٣) وأشباه ذلك ، فإذا استأجره على نساجة ثوبٍ أو خياطته أو قصارته فإذا سلّمه إلى المستأجر معمولاً ، فله الأجر.

ولو كان العمل في دار المستأجر فكلّما عمل شيئاً ، وقع مقبوضاً ، فيستحقّ الخيّاط الجُعْل إذا فرغ من الخياطة.

أمّا في مسألتنا فقد استحقّ الأُجرة بالبيع ، فلا يقف ذلك على تسليم الثمن.

أمّا لو قال : وكّلتك في بيع مالي فإذا سلّمتَ الثمن إلَيَّ فلك كذا وكذا ، فإنّه يقف استحقاقه على التسليم ؛ لأنّه شرطه في الاستحقاق ، بخلاف الأوّل.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

(٢) في « ج ، ر » : « كالخياطة والحياكة ».

(٣) في « ث ، ر » : « الصباغة ».

١٣٤

مسألة ٧٤٠ : الوكيل أمين ويده يد أمانةٍ لا يضمن ما يتلف في يده ، إلاّ بتفريطٍ منه أو تعدٍّ فيه ، فإن تلف ما قبضه من الديون أو الأثمان أو الأعيان من الموكّل أو غرمائه ، فلا ضمان عليه ، سواء كان وكيلاً بجُعْلٍ أو بغير جُعْلٍ. فإن تعدّى فيه ـ كما لو ركب الدابّة ، أو لبس الثوب ، أو فرّط في حفظه ـ ضمن إجماعاً.

وكذا باقي الأمانات ، كالوديعة وشبهها.

وبالجملة ، الأيدي على ثلاثة أقسام :

يد أمانة ، كالوكيل والمستودع والشريك وعامل المضاربة والوصي والحاكم وأمين الحاكم والمرتهن والمستعير على وجهٍ يأتي.

ويد ضامنة ، كالغاصب والمستعير على وجهٍ والمساوم والمشتري شراءً فاسداً والسارق.

ويد مختلف فيها ، وهو يد الأجير المشترك ، كالقصّار والصائغ والحائك والصبّاغ وما أشبه ذلك.

وفيها للشافعيّة قولان (١).

وعندنا أنّها يد أمانة.

إذا عرفت هذا ، فكلّ يد أمانة لا ضمان على صاحبها إلاّ بتعدٍّ أو تفريطٍ ؛ لأنّه لو كُلّف الضمان لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها ، فيلحقهم الضرر ، فاقتضت الحكمة زوال الضمان عنهم.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٠١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤١٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ٢٣٧ ، الوسيط ٤ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٤٤٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٤٦٦ ، البيان ٦ : ٤١١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٩٩ ، المغني ٦ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٦ : ١٣٥ ـ ١٣٦.

١٣٥

مسألة ٧٤١ : إذا تعدّى الوكيل أو فرَّط ـ مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكّل إليه ليبيعه ، أو ركب الدابّة ـ ضمن إجماعاً ، سواء تلفت العين بذلك التصرّف أو بغيره. ولا تبطل وكالته بمجرّد التعدّي ، فله بيع الثوب بعد لُبْسه ، والدابّةِ بعد ركوبها ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (١) ـ لأنّ الوكالة تضمّنت شيئين : الأمانة والإذن في التصرّف ، فإذا تعدّى ، زالت الأمانة وبقي الإذن بحاله. ولأنّ الوكالة أمانةٌ وإذنٌ في التصرّف ، والأمانة حكمٌ يترتّب عليه ، فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد ، كما أنّ الرهن لمّا كان المقصود منه التوثيق ومن حكمه الأمانة ، لا يلزم من ارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرهن ، بخلاف الوديعة ؛ فإنّها أمانة محضة ، فلا يبقى مع التعدّي.

والثاني : إنّه تبطل الوكالة ؛ لأنّها أمانة ، فترتفع بالتعدّي ، كالوديعة (٢).

وقد بيّنّا بطلانه.

فعلى ما اخترناه من صحّة تصرّفه إذا باع وسلَّم العين إلى المشتري ، زال الضمان عنه إجماعاً ؛ لاستقرار ملك المشتري عليه ، وزوال ملك الموكّل عنه ، وقد أخرجه من يده بإذن المالك.

فروع :

أ ـ هل يخرج من الضمان بمجرّد البيع قبل التسليم؟ الأقرب : عدم الخروج ؛ لأنّه ربما يبطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري ، فيكون التلف على ملك الموكّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

__________________

(١ و ٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٦ ، الوسيط ٣ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، البيان ٦ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٤ ـ ٥٥٥ ، المغني ٥ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٤.

١٣٦

والثاني : إنّه يخرج من ضمان عهدته ؛ لزوال ملك الموكّل عنه بالبيع ، ودخوله في ملك المشتري وضمانه (١).

ونحن فيه من المتردّدين.

ب ـ إذا (٢) باع ما فرّط فيه وقبض الثمن ، كان الثمن أمانةً في يده غير مضمونٍ عليه وإن كان أصله مضموناً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه ، وقد قبضه بإذن الموكّل ، فيخرج عن العهدة.

ج ـ لو دفع إليه مالاً ووكّله في شراء شي‌ء به ، فتعدّى في الثمن ، صار ضامناً له ، فإذا اشترى به وسلّم ، زال الضمان.

وهل يزول بمجرّد الشراء به؟ وجهان تقدّما (٣).

وإذا قبض المبيع ، كان أمانةً في يده.

د ـ لو تعدّى في العين ثمّ باعها وسلّمها ، زال الضمان على ما تقدّم (٤) ، فإذا ردّها المشتري عليه بعيبٍ ، عاد الضمان.

مسألة ٧٤٢ : لو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها طعاماً ـ مثلاً ـ فتصرّف فيها على أن تكون قرضاً عليه ، صار ضامنا ؛ لتعدّيه بالتصرّف ، وليس له أن يشتري للموكّل بدراهم من نفسه ولا في الذمّة ، فإن فَعَل ونسب الشراء إلى الموكّل أو نواه ، كان فضوليّاً فيه إن أجاز الموكّل صحّ ، وإلاّ بطل. وإن لم ينوه ولا سمّاه ، وقع عنه.

ولو عادت الدراهم التي أنفقها إلى يده فأراد أن يشتري بها للموكّل‌

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٦ ، البيان ٦ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٢) في « ث ، ج » : « لو » بدل « إذا ».

(٣) في الفرع « أ ».

(٤) في ص ١٣٦ ، ذيل المسألة ٧٤١.

١٣٧

ما أمره ، كان له ذلك ؛ لأنّ الوكالة لا تبطل بالتعدّي.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما كما قلناه.

والثاني : إنّ الوكيل ينعزل بتعدّيه ، فليس له الشراء حينئذٍ ، فإذا اشترى شيئاً ، لم يكن مضموناً عليه ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه. ولو ردّ ما اشتراه بعيبٍ واستردّ الثمن ، عاد مضموناً عليه (١).

مسألة ٧٤٣ : إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده ، ولا يلزمه تسليمه إليه قبل طلبه ، ولا يضمنه بتأخيره ؛ لأنّه رضي بكونه في يده حيث وكّله في القبض ، ولم يرجع عن ذلك ، فإن طلبه الموكّل فأخّر ردّه ، فإن كان لعذرٍ لم يضمن ، ويجب عليه مع أوّل وقت الإمكان وإن لم يجدّد الطلب ، فإن أخّر ضمن. وإن كان تأخيره لا لعذرٍ (٢) ، كان ضامناً كالمودع ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٧٤٤ : إذا وكّله في الشراء ، فإن اشترى ما أمره به على الوجه الذي أمره به ، وقع الملك للموكّل ، وانتقل من البائع إلى الموكّل ، ولا ينتقل إلى الوكيل بحالٍ عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي في أصحّ قولَيْه ، وأحمد (٣) ـ لأنّ الوكيل قَبِل عقداً لغيره ، فوجب أن ينتقل الملك إلى ذلك الغير دونه ، كالأب والوصي.

وقال أبو حنيفة : إنّه يقع للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموكّل ؛ لأنّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٢) في « ج ، ر » : « لغير عذر » بدل « لا لعذر ».

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢١١ ـ ٢١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٦ ، البيان ٦ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

١٣٨

حقوق العقد تتعلّق بالوكيل ؛ بدليل أنّه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ، ولم ينتقل إلى الموكّل (١). ولأنّ الخطاب إنّما جرى مع الوكيل وأحكام العقد تتعلّق به (٢).

ونمنع تعلّق حقوق العقد بالوكيل ، والخطاب وقع له على سبيل النيابة للغير.

وينتقض ما ذكره بشراء الأب للطفل ابتداءً.

ثمّ نقول : لو ثبت الملك للوكيل لكان إذا وكّله في شراء أب الوكيل فاشتراه ، وجب أن يعتق عليه ؛ لدخوله في ملكه ، وليس كذلك ، بل يملكه الموكّل.

وألزمتُ بعضَ الحنفيّة بذلك ، فأجاب بأنّه في الزمن الأوّل يقع للوكيل ، وفي الزمن الثاني ينتقل إلى الموكّل ، فألزمتُه بأنّه بِمَ يرجّح الانتقال في الزمن الثاني إلى الموكّل دون العتق؟

مسألة ٧٤٥ : إذا وكّل المسلم ذمّيّاً في شراء خمر أو خنزير ، فاشتراه له ، لم يصح الشراء عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٣) ـ لأنّ كلّ ما لا يجوز للمسلم العقد عليه بنفسه لا يجوز أن يوكّل فيه الذمّي ، كالعقد على المجوسيّة ، وبهذا خالف سائر الأموال.

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إلى ملك الموكّل ».

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٤ ، روضة القضاة ٢ : ٦٤٥ / ٣٦٣١ و ٣٦٣٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٥ ، البيان ٦ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، المغنى ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

١٣٩

وقال أبو حنيفة : يصحّ ويقع للمسلم ؛ لأنّ الخمر مالٌ للذمّي ، لأنّ أهل الذمّة يتموّلونها ويتبايعونها ، فصحّ توكيلهم فيها ، كسائر أموالهم (١).

وهو باطل ؛ فإنّ المسلم لا يصحّ أن يملك الخمر ، سواء باشر شراءها بنفسه أو بوكيله ، وأيّ سببٍ اقتضى تجويز التمليك إذا اشتراها الذمّيّ؟

وإذا باع الوكيل بثمنٍ معيّن ، مَلَك الموكّل الثمنَ دون الوكيل ؛ لأنّه بمنزلة المبيع.

ولو كان الثمن في الذمّة ، فالملك للموكّل أيضاً ، لكن له وللوكيل معاً المطالبة به.

وقال أبو حنيفة : ليس للموكّل المطالبة (٢) ، وقد سبق (٣).

وأمّا ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمّة فإنّه يثبت في ذمّة الموكّل أصلاً.

وإذا علم البائع أنّ الملك للموكّل ، لم يكن له مطالبة الوكيل ، بل إنّما يطالب الموكّل خاصّةً عندنا.

وقال بعض العامّة : إنّ الثمن يثبت في ذمّة الوكيل تبعاً ، وللبائع مطالبة مَنْ شاء منهما ، فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكّل ، وإن أبرأ الموكّل برئ الوكيل أيضاً (٤).

وإن دفع الثمن إلى البائع فوجد به عيباً فردّه على الوكيل ، كان أمانةً في يده ، وهو من ضمان الموكّل.

ولو وكّل رجل غيره حتى يستسلف له ألفاً في كُرّ طعامٍ ، ففَعَل ، مَلَك‌

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٣ : ١٣٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(٣) في ص ١٣٨ ـ ١٣٩ ، المسألة ٧٤٤.

(٤) المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

١٤٠