بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تعلق التكليف ولا في الخارج ، فلا مانع من القول بالجواز ، اذ الاحكام انما تتضاد في الموضوع الخارجي الواحد حقيقة ، وبناء على اصالة الماهية يكون تعدد العنوان ـ الذي هو الماهية ـ كاشفا عن تعدد المعنون في الخارج ، واذا تعددت المعنونات خارجا لا يكون هناك موضوع واحد مجمع للحكمين ليلزم التضاد فلا بد من القول بالجواز.

والحاصل : ان القول بالامتناع مبني على القول باصالة الوجود ، والقول بالجواز مبني على القول باصالة الماهية ، لأن تعدد العنوان بناء على اصالة الوجود لا يكشف عن تعدد المعنون ، وبناء على اصالة الماهية تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون.

هذا حاصل التوهم الأول.

والجواب عنه : ان متعلق الأمر والنهي هي العناوين ، والعناوين ليست ماهيات حتى يكون لكل ماهية تحقق وثبوت غير ثبوت الآخر وتحققه ، بل متعلق الأمر والنهي كما في المقام الصلاة والغصب وهما ليستا ماهيتين حقيقيتين كما سنشير اليه ، فبناء على كل من اصالة الوجود أو الماهية نسبتهما معا إلى الموجود الخارجي سواء كان هو الوجود أو حيثية الماهية المكتسبة من الجاعل كنسبة العنوان والمعنون ، ولا وجود لنفس العنوان خارجا بل الموجود خارجا منشأ انتزاعه ، وكما ان الوجود الخارجي يكون منشأ لانتزاع عناوين متعددة بسبب اضافات متعددة بناء على اصالة الوجود كذلك حيثية الماهية تكون منشأ لانتزاع عناوين متعددة ، ففعل المكلف الخارجي الذي هو متصادق العناوين هو واحد خارجا بناء على كل من القولين من اصالة الوجود واصالة الماهية ، لأن من الواضح المتفق عليه عند الكل ان المتحقق الخارجي واحد تحققا ، وانما الخلاف في ان هذا المتحقق في الخارج هل هو وجود الماهية والماهية اعتبارية وبه يقول القائل باصالة الوجود ، أو حيثية الماهية والوجود اعتباري وهو مذهب القائلين باصالة الماهية.

ولا خلاف بينهم في ان للماهية الواحدة وجودا واحدا وللوجود الواحد ماهية واحدة ، فالمتحقق في الخارج واحد على كلا الرأيين ، ولا يعقل ان يكون كل واحد

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

منهما اصيلا ، لانه لا يكون لكل وجود ماهية ولكل ماهية وجود ويكون كل واحد في الخارج اثنين في الخارج لا واحدا ، ويكون لكل حقيقة خارجية جنسان وفصلان في عرض واحد.

وعلى كل فالمتحقق الخارجي واحد حقيقة له وجود واحد وماهية واحدة ، وعلى اصالة الوجود المتحقق الواحد الخارجي هو الوجود الواحد ، وعلى اصالة الماهية المتحقق الواحد الخارجي هو الماهية المكتسبة حيثيته من الجاعل.

ففعل المكلف الذي هو المجمع للعناوين واحد في الخارج على كل حال ، والقائل بالجواز يدعى ان تعدد العنوان كاف في رفع التضاد ، والقائل بالامتناع يدعى ان تعدد العنوان لا يرفع غائلة التضاد.

وعلى كل فمتعلق الأمر والنهي ليسا ماهيتين حقيقيتين متصادقتين على واحد ، بل هما قد يكونان عنوانين باضافتين يتصادقان على وجود واحد كعنوان العالم والهاشمي المتصادقين على زيد العالم الهاشمي ، ومثله الصلاة والغصب فان الصلاة ليست هي الّا مجموع ماهيات متعددة من الوضع الخاص كالقيام والركوع والسجود والقراءة.

وان من الواضح ان مجموع المهيات ليست ماهية واحدة حقيقة والّا لما انتهى عدد المهيات لأن المهيات الحقيقية هي المقولات المحصورة في العشرة بل مجموع المهيات كالصلاة هي ماهية اعتبارية لا حقيقية ، والغصب ايضا عنوان يصدق على هذا الوضع الخاص الحاصل في الدار المغصوبة بالاضافة إلى كونه تصرفا من غير رضا المالك وقد يكونان ماهية وعنوانا كنفس الكون في الدار فانه من مقولة المكان والغصب فانه عنوان كما عرفت.

وقد اشار المصنف إلى انه ليس للوجود الواحد الا ماهية واحدة ولا للماهية الواحدة الا وجود واحد بقوله : ((انه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد الا ماهية واحدة إلى آخر الجملة)).

٨٢

على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج ، وعدم تعدده ، ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له ، وإن مثل الحركة في دار من أي مقولة كانت ، لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها ، وقعت جزءا للصلاة أو لا ، كانت تلك الدار مغصوبة أو لا (١).

______________________________________________________

وقد اشار إلى ان المفاهيم المتعلقة للأمر والنهي ليست ماهيتين متصادقتين على شيء واحد بقوله : ((فالمفهومان المتصادقان إلى آخر جملته)).

وقد اشار إلى ان المتحقق في الخارج واحد بناء على كل من اصالة الوجود أو الماهية وانما الخلاف ان المتحقق في الخارج ايهما وان المفهومين المتصادقين عليه انما تصادقا على واحد خارجا بقوله : ((فالمجمع وان تصادقا عليه متعلقا الأمر والنهي إلّا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا ولا يتفاوت فيه القول باصالة الوجود واصالة الماهية)).

وقد اشار إلى ان القول بالجواز والامتناع لا يبتني على الخلاف في اصالة الوجود واصالة الماهية بقوله : ((ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة)) كما اشرنا إلى تفصيله.

(١) هذا هو التوهم الثاني.

وحاصله : ان هناك خلافا بين الحكماء المتقدمين والمتأخرين في ان تركب الجنس والفصل أو المادة والصورة هل هو انضمامي أو اتحادي؟

ومعنى كونه انضماميا ان لكل من الجنس والفصل وجودا في الخارج غير وجود الآخر ، ولكنهما منضمان.

ومعنى كون التركيب بينهما اتحاديا هو ان الجنس والفصل لهما وجود واحد في الخارج يحلله العقل إلى الجنس والفصل والى المادة والصورة ، وان الجنس من المبهم غير المتحصل في الخارج الا بتحصل الفصل.

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فبناء على تعدد الجنس والفصل في الوجود وان تركيبهما انضمامي يكون لكل منهما تحصل وثبوت في الخارج ولا يكون هناك وجود واحد يجمعهما ، وبناء على التركيب الاتحادي يكون في الخارج وجود واحد ينحلان اليه.

وابتناء هذه المسألة جوازا وامتناعا على هذين المبنيين لازمه احد امرين :

اما كون العنوانين نسبة بعضهما لبعض نسبة الجنس والفصل فالصلاة والغصب كالحيوان والناطق ، فبناء على تعدد الجنس والفصل وجودا لا يجتمعان في الوجود ويكون لكل منهما تحقق وثبوت غير تحقق الآخر ، فلا يجتمعان وجودا في موضوع واحد فلا يلزم اجتماع الحكمين المتضادين ، اذ المحال اجتماع المتضادين في موضوع واحد وحيث لا وجود واحد يجمعهما فلا موضوع واحد بينهما ليتضادا فيه ، فلا مانع من القول بالجواز إذ لا اجتماع فلا سراية ، وبناء على وحدة وجودهما خارجا فلا بد من القول بالامتناع لاجتماع الحكمين المتضادين في موضوع واحد لهما وهو الوجود.

ويرده ان العنوانين المتعلق بهما الأمر والنهي ليسا من قبيل الجنس والفصل ، بل هما اما عنوانان واضافتان لموجود واحد له جنسه وفصله كالعالم والهاشمي المنطبقين على زيد الفرد الخاص من الحيوان الناطق ، أو يكون احدهما هو الموجود الخارجي والآخر عنوان يصدق عليه نسبة واضافة خاصة كالصلاة والغصب ، فان الصلاة هي الهيئة الخاصة والغصب عنوان يصدق عليها حيث تكون في ملك مالك لا يرضى بهذا التصرف ، وليس الغصب فصلا للركوع أو السجود.

واما كون العنوانين المتعلق بهما الأمر والنهي هما كفصلين للموجود الخارجي ، فالحركة في الدار المغصوبة يكون لها فصلان الصلاة والغصب ، فبناء على تعدد الجنس والفصل يكون لكل من الجنس والفصلين وجود غير وجود الآخر فلا اجتماع للحكمين في موضوع واحد فلا مانع من القول بالجواز ، وبناء على التركيب الاتحادي يجتمع الحكمان في موضوع واحد فلا بد من القول بالامتناع.

٨٤

إذا عرفت ما مهدناه ، عرفت أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا ، كان تعلق الامر والنهي به محالا ، ولو كان تعلقهما به بعنوانين ، لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه ، متعلقا للاحكام لا بعناوينه الطارئة عليه (١) ، وأن غائلة اجتماع الضدين فيه

______________________________________________________

ويرده ان العنوانين المتعلق بهما الأمر والنهي ليسا كفصلين للموجود الخارجي ، اذ لا يعقل ان يكون للجنس الواحد فصلان عرضيان ، ولا يمكن ان يكون الحيوان متفصلا بفصلين في عرض واحد كالناطقية والفرسية.

نعم انما يجوز ان يكون للجنس فصلان طوليان كالنامية للجسم والحساسية.

وقد اكتفى المصنف بالرد اجمالا بقوله : ((ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل إلى آخر الجملة)).

إلّا انه لا يخفى انه من البعيد على صاحب الفصول ان يتوهم ذلك وخصوصا الثاني.

والمظنون ان صاحب الفصول يريد ان يقول انه اذا تعلق الأمر والنهي بالجنس والفصل فبناء على التعدد في الوجود يقال بالجواز ، وبالامتناع بناء على الاتحاد في الوجود.

ولا يخفى ايضا انه على هذا انما يتم كلامه بناء على ان النزاع في هذه المسألة من ناحية التضاد بين الحكمين وهو التكليف المحال ، واما اذا كان النزاع اعم من التكليف المحال والتكليف بالمحال ـ ولو من ناحية عدم القدرة على الامتثال ـ فان الجنس والفصل وان كانا متعددين في الوجود إلّا انه لا يعقل اختلافهما في الحكم ، فلا يعقل ان يجتمع الأمر بالجنس والنهي عن الفصل أو بالعكس.

(١) لا يخفى انه بعد ان ثبت تضاد الاحكام وثبت ان متعلق التكليف هو الموجود الخارجي وثبت ان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون ـ يتضح القول بالامتناع وانه لا سبيل إلى اجتماع الأمر والنهي في مجمع واحد ، فان المطلوب بالصلاة في الدار

٨٥

لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبائع لا الافراد ، فإن غاية تقريبه أن يقال : إن الطبائع من حيث هي هي ، وإن كانت ليست إلا هي ، ولا تتعلق بها الاحكام الشرعية ، كالآثار العادية والعقلية ، إلا أنها مقيدة بالوجود ، بحيث كان القيد خارجا والتقيد داخلا ، صالحة لتعلق الاحكام بها ، ومتعلقا الامر والنهي على هذا لا يكونان متحدين أصلا ، لا في مقام تعلق البعث والزجر ، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الامر بإتيان المجمع بسوء الاختيار.

أما في المقام الاول ، فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وإن كانا متحدين فيما هو خارج عنهما ، بما هما كذلك.

______________________________________________________

المغصوبة هي الحركات الخاصة أو الهيئات الخاصة ، وهذه الحركات الخاصة في الدار المغصوبة أو الهيئة الخاصة فيها هي مطابق عنوان الغصب ، فيكون الأمر متوجها إلى ايجاد هذه الحركة والنهي متوجها إلى عدم ايجادها ، وتكون هذه الحركة الخاصة محبوبة ومبغوضة في آن واحد ، وهل يعقل ان يجتمع التحريك إلى ايجاد شيء واحد في آن واحد والزجر عن ايجاده ، ومحبوبية ايجاده ومبغوضية ايجاده؟ فاجتماعهما من اجتماع الضدين الذي هو من التكليف المحال ، ولا تصل النوبة إلى عدم القدرة والتكليف بالمحال.

وقد ثبت مما ذكرنا : ان حال اجتماع الأمر والنهي في الواحد بعنوانين كحال اجتماعهما في الواحد بعنوان واحد ، وقد اشار المصنف إلى المقدمة الثالثة بقوله :

((عرفت ان المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلق الأمر والنهي به محالا ولو كان تعلقهما به بعنوانين)) لأن تعدد العنوان لا يستلزم تعدد المعنون.

واشار إلى المقدمة الثانية بقوله : ((لما عرفت من كون فعل المكلف إلى آخر الجملة)).

ولم يشر إلى المقدمة الاولى لوضوح تضاد الاحكام ومحالية اجتماع الضدين.

٨٦

وأما في المقام الثاني ، فلسقوط أحدهما بالاطاعة ، والآخر بالعصيان بمجرد الاتيان ، ففي أي مقام اجتمع الحكمان في واحد (١)؟

______________________________________________________

(١) لما فرغ من اثبات الامتناع شرع في التعرض لادلة المجوزين التي منها ما اشار اليه بقوله : ((لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبائع لا الافراد)).

وحاصله : وقد مرّ بعض الكلام فيه في الأمر التاسع ، انه لو كان متعلق الأمر والنهي هو الافراد للزم اجتماع الضدين لتضاد الحكمين المجتمعين في الفرد الواحد الذي هو الماهية الموجودة بما لها من المشخصات ، خصوصا بناء على ان تشخص الطبيعة بما يلازمها من المقولات المقارنة لها في الوجود ، فان الفرد الصلاتي ـ مثلا ـ هو المطلوب بما له من المشخصات المقارنة له التي منها كونه في المكان المغصوب ، فيكون الفرد بما له من التشخص الغصبي مطلوبا وتشخصه الغصبي منهي عنه فيجتمع الحكمان المتضادان في الوجود الواحد بتشخصه.

واما اذا كان متعلق الأمر والنهي هي الطبائع وحيث ان الطبيعة من دون تقيدها بالوجود لا يتعلق بها غرض وانما تكون متحملة للغرض حيث تقيّد بالوجود ولا داعي لكون المتعلق هو وجودها ، اذ الظاهر ان نفس الطبيعة هي المتعلق ، ولكن علمنا عقلا انها بما هي لا تكون متحملة للغرض ، فلا بد من مخالفة الظاهر بمقدار الحاجة وهو كون الطبيعة مقيدة بالوجود بنحو ان يكون التقيد داخلا والقيد خارجا ، اذ لا داعي إلى دخول القيد بعد ان كان التقيد به كافيا ، واذا كان متعلق الأمر والنهي هو الطبائع المقيدة بالوجود بنحو ان يكون القيد خارجا ، ففي مقام تعلق الأمر والنهي فالوجود خارج عن متعلق الحكمين فلا اجتماع لهما في مجمع واحد ، اذ متعلق كل منهما طبيعة غير الطبيعة المتعلق بها الآخر فانهما انما يجتمعان في مقام التعلق اذا كان الوجود داخلا ، وقد عرفت خروجه عما هو المتعلق ، اذ المفروض ان المتعلق لكل منهما هو طبيعة غير الطبيعة الأخرى.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن الواضح ايضا انه في مقام ايجادهما لا اجتماع للحكمين في وجود واحد لأن المفروض انه بايجاد هذا الوجود الواحد المنطبق عليه الطبيعتان يسقط الحكمان احدهما بالاطاعة والآخر بالعصيان ، ولا يعقل ان يكون فيما يتحقق به عدم الحكمين يتضادان فيه ، اذ لا يحصل التضاد بين الضدين الا في اجتماعهما في الوجود ، اما في حال عدمهما فلا محالية لانه لا محالية في اجتماع الضدين المعدومين ، وانما المحال اجتماع الضدين الموجودين ، ومتعلق الحكمين الذي هو الطبيعتان المقيدتان بالوجود في حال وجود ما ينطبقان عليه خارجا يسقطان ويعدمان ، ففي الخارج لا يجتمع الحكمان المتضادان وفي مقام تعلق الأمر والنهي بالطبيعتين لا اجتماع بينهما حتى يتضادان في مقام الاجتماع.

قوله : ((لا يتعلق بها الاحكام الشرعية كالآثار العادية والعقلية)) : أي ان الاحكام الشرعية التابعة للاغراض والآثار لا تتعلق بالطبائع من حيث هي كما ان الآثار العادية والعقلية لا تترتب على الطبائع من حيث هي ، فان ماهية الوضع الركوعي من حيث هي لا يترتب عليها كونها معراجا للمؤمن أو ناهية عن الفحشاء ، وانما يترتب هذا الغرض على ماهية الركوع المتقيدة بالوجود ، كما ان آثار الركوع العادية الذي هو من مقولة الوضع ككون يديه على ركبتيه أو مسبلتين ـ مثلا ـ أو قدماه إلى جهة خاصة انما تترتب على ماهية الركوع المتقيدة بالوجود ، وكذلك آثارها العقلية ككونها خضوعا للمولى ومعنونة بعنوان حسن انما تترتب على ماهية الركوع المقيدة بالوجود.

والحاصل : ان الماهية المقيدة بالوجود بناء على اصالة الوجود ، أو الماهية المقيدة بالحيثية المكتسبة من الجاعل ـ هي منبع الآثار سواء كانت الآثار شرعية أو عادية أو عقلية ، واما الماهية من حيث هي هي فلا تكون مصدرا لأثر ولا محتملة لشيء من الأغراض اصلا ، وبقية عبارة الكتاب واضحة.

٨٨

وأنت خبير بأنه لا يكاد يجدي بعد ما عرفت ، من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون لا وجودا ولا ماهية ، ولا تنثلم به وحدته أصلا ، وأن المتعلق للاحكام هو المعنونات لا العنوانات ، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات كالعبارات ، لا بما هي على حيالها واستقلالها (١).

______________________________________________________

(١) وتوضيحه انه حيث كان القائل بالجواز بنى القول بالجواز على تعلق الأمر والنهي بالطبائع ، واعترف بانه على القول بالتعلق بالأفراد يقول بالامتناع ، فلذا لم يتعرض المصنف إلى ذكر ذلك ، وتعرض إلى انه على القول بالتعلق بالطبائع ايضا لا مجال للقول بالجواز.

وتفصيله ان المتعلق للأمر والنهي : اما ان يكون ماهية نوعية ، وهذا على نحوين :

لانه تارة يكون لكل ماهية وجود على حدة ولكنهما يجتمعان في موضوع واحد ، كما لو تعلق الأمر بالتستر ونهى عن التحرك في المغصوب فانحصر الستر بالمغصوب ، فان المأمور به الهيئة التسترية وهي من الوضع والمنهي عنه الحركة في المغصوب والحركة عرفا هيئة الوضع وعند الانحصار يكون المقام من التكليف بالمحال.

واخرى : يكون للماهية النوعية وجود واحد ولا بد في مثل ذلك ان يكون ما تعلق به الأمر عين ما تعلق به النهي ، وتدخل المسألة في دلالة النهي على الفساد ، لوضوح انه لا يعقل ان يكون للماهية النوعية الواحدة وجودان ، فلا بد وان يكون ما تعلق به الأمر عين ما تعلق به النهي.

واما ان يكون المتعلق للامر والنهي مختلفين بان يكون ـ مثلا ـ متعلق الامر ماهية نوعية ومتعلق النهي عنوانا كالصلاة في الدار المغصوبة ، فان متعلق الأمر طبيعة خاصة وماهية من الماهيات ومتعلق النهي عنوان.

أو يكون المتعلق لكل منهما عنوانا كالعالم والهاشمي وفي مثل هذين القسمين لا ينفع القائل بالجواز كون متعلق الأمر والنهي هو الطبيعة ، لأن المتعلق للأمر والنهي

٨٩

كما ظهر مما حققناه : أنه لا يكاد يجدي أيضا كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه ، وأنه لا ضير في كون المقدمة محرمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار ، وذلك ـ مضافا إلى وضوح فساده ، وأن الفرد هو عين الطبيعي في الخارج ، كيف؟ والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود ، ولا تعدد كما هو واضح ـ أنه إنما يجدي

______________________________________________________

مجتمعان في وجود واحد فلا بد له من ان يقول اما بعدم تضاد الاحكام ، أو بان تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون ، أو بان المتعلق هو الطبيعة المقيدة بالوجود.

وقد عرفت تضاد الاحكام وان تعدد العنوان لا يكشف عن تعدد المعنون ، واما ان متعلق الحكم هو فعل المكلف ووجوده لا الطبيعة المقيدة بالوجود فلوضوح ان الحكم انما ينبعث عن الغرض الداعي اليه ، وقد عرفت ان مصدر الاثر وموضوع الغرض انما هو الوجود أو الحيثية المكتسبة ، ولا يعقل ان يتعلق الأمر والنهي بالطبيعة المقيدة مع خروج قيد الوجود والحيثية المكتسبة ، والحال ان ما به الغرض هو الوجود أو الحيثية ، فلا بد وان يكون المراد من الماهية النوعية والعنوان الصادق عليها هو وجود تلك الماهية ومعنون العنوان ، وان يكون المراد من العنوانين هو معنونهما وهو الموجود الخارجي الواحد وجودا.

وحيث كان تضاد الاحكام أمرا مفروغا عنه لذا كانت دعوى المدعى هو تعلق الحكم بالطبيعة المقيدة بالوجود فرارا عنه حتى لا تتضاد الاحكام ، ويكون تعدد العنوان لازمه تعدد المعنون ، ولذلك لم يشر المصنف إلى تضاد الاحكام ، واشار إلى ان تعدد العنوان لا يجدي بقوله : ((بعد ما عرفت من ان تعدد العنوان إلى آخر الجملة)).

واشار إلى ان متعلق الاحكام هو وجود الطبيعة لا الطبيعة المقيدة بالوجود ((وان المتعلق للاحكام هو المعنونات لا العنوانات إلى آخر الجملة)).

٩٠

لو لم يكن المجمع واحدا ماهية ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أنه بحسبها أيضا واحد (١).

______________________________________________________

(١) يشير إلى ردّ الاستدلال الثاني لبعض القائلين بالجواز وهو المحقق القمي ، وينبغي بيانه اولا قبل التعرض إلى ردّه.

توضيحه : ان متعلق الأمر ماهية غير الماهية المتعلق بها النهي ، ففي مقام التعلق لا مضادة بينهما لكون متعلق الأمر ماهية غير الماهية المتعلق بها النهي لتباينهما فلا تسري مبغوضية النهي إلى الأمر ، وفي مقام الخارج وهو مقام حصولهما وتحققهما ايضا لا مضادة ولا سراية لأن الفرد الخارجي مقدمة لوجودهما وتحققهما ، وحيث لا نقول بالملازمة بين وجوب الواجب ووجوب مقدمته ولا بين الحرام وحرمة مقدمته فلا اجتماع في الفرد الذي هو المقدمة لهما ، ولا في نفس متعلق الأمر والنهي ، لأن لكل ماهية منهما تحققا غير تحقق الآخر ، وعلى فرض القول بالملازمة بين وجوب الواجب ووجوب مقدمته وبين الحرام وحرمة مقدمته فيجتمع في الفرد الوجوب والحرمة الغيريين ويرتفع الوجوب ويكون الفرد المقدمة حراما ، ولا مانع في حرمة المقدمة عن وقوع الامتثال بذي المقدمة ، فان حرمة المقدمة مع عدم الانحصار بها لا تضر بحصول الاطاعة والامتثال لذيها ، فان من كان عنده دابتان مغصوبة وغير مغصوبة فركب المغصوبة فمن المسلم وقوع حجه صحيحا ، وكذا في الانحصار في المقدمة المحرمة اذا كان بسوء الاختيار ، فان التكليف بالمحال لا مانع منه اذا كان بسوء الاختيار ، فمن كان عنده دابتان مغصوبة وغير مغصوبة فأتلف غير المغصوبة بسوء اختياره فلا مانع من تكليفه بالحج على هذا الفرض.

نعم اذا كان الانحصار لا بسوء الاختيار ، كما لو تلفت الدابة بغير اختياره فانه يسقط عنه الحج اذا كان ملاك حرمة الغصب اقوى ، أو يسقط الغصب اذا كان ملاك وجوب الحج اقوى من الغصب ، وحيث نشترط المندوحة فلا انحصار اصلا.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد اشار المصنف إلى بعض ما ذكرنا فاشار إلى كون الفرد مقدمة لمتعلق الأمر والنهي بقوله : ((كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي)) واشار إلى انه لا مانع من التكليف اذا كانت المقدمة محرمة ، ولكن الانحصار فيها كان بسوء الاختيار بقوله :

((وانه لا ضير في كون المقدمة محرمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار)).

وفي هذا الكلام مواقع للنظر :

اولا : ان الانحصار بسوء الاختيار مانع من فعلية الخطاب والتكليف ويلزمه العقاب على ترك الواجب في ظرفه وان لم يكن له خطاب بالفعل لقبح التكليف بالمحال ، وقد اشار إلى هذا بقوله : ((مضافا إلى وضوح فساده)).

وثانيا : قد تقدم انه لا وجه لقيد المندوحة فيما هو المهم من محل النزاع من اجتماع الضدين الذي هو من التكليف المحال لا التكليف بالمحال.

وثالثا : ان الفرد لا يعقل ان يكون وجودا لماهيتين فان لكل ماهية وجودا واحدا ، فكيف يمكن ان يكون الوجود الواحد وجودا لماهيتين؟

وقد عرفت فيما تقدم ان مسألة الاجتماع انما تكون فيما اذا كان متعلق الأمر عنوانين منطبقين على معنون واحد وجودا ، أو يكون متعلق احدهما ماهية نوعية ومتعلق الآخر عنوانا منطبقا على وجود تلك الماهية ، واما اذا كان متعلق كل منهما ماهية نوعية غير الماهية الأخرى واجتمعا في موضوع واحد فهو خارج عما هو المهم وداخل في التكليف بالمحال.

ورابعا : ان الفرد عين وجود الطبيعي في الخارج وليس الطبيعي الا الحصة في الخارج وهو الفرد ، وليس الفرد مقدمة للطبيعي فان المقدمية تقتضي الاثنينية في الوجود ولا اثنينية بين الطبيعي والفرد في الوجود خارجا ، والى هذا اشار بقوله :

((وان الفرد هو عين الطبيعي في الخارج إلى آخر الجملة)) وقد اشار إلى الثالث بقوله : ((انه انما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهية إلى آخر الجملة)).

قوله : ((بيان الملازمة)).

٩٢

ثم إنه قد استدل على الجواز بأمور :

منها : إنه لو لم يجز اجتماع الامر والنهي ، لما وقع نظيره وقد وقع ، كما في العبادات المكروهة ، كالصلاة في مواضع التهمة وفي الحمام والصيام في السفر وفي بعض الايام.

بيان الملازمة : إنه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين آخرين في مورد مع تعددهما ، لعدم اختصاصهما من بين الاحكام بما يوجب الامتناع من التضاد ، بداهة تضادها بأسرها ، والتالي باطل (١) ، لوقوع اجتماع الكراهة والايجاب أو الاستحباب ، في

______________________________________________________

حاصله : ان العلة المانعة من اجتماع الوجوب والحرمة بعنوانين تقتضي ايضا عدم جواز اجتماع الوجوب والكراهة في واحد بعنوانين ، لأن العلة المانعة من الاجتماع في الوجوب والحرمة هي تضاد الاحكام ، وكما ان الحكم الوجوبي والتحريمي في واحد بعنوانين من المتضادين كذلك الحكم الوجوبي أو الاستحبابي مع الحكم الكراهتي بعنوانين من المتضادين ايضا.

فمراده من الملازمة هي الملازمة بين اجتماع الوجوب والكراهة بعنوانين ، وبين اجتماع الوجوب والحرمة بعنوانين نفيا واثباتا ، فاذا ثبت في احدهما لا بد وان يثبت في الآخر ، وقد ثبت جواز اجتماع الوجوب والاستحباب مع الكراهة في الأمثلة المذكورة في لسان الشارع فلا بد وان يثبت ذلك في اجتماع الوجوب والحرمة ، وحيث ان اجتماع الاحكام المتضادة لا يعقل ان يكون جائزا فلا بد وان يكون تعدد الجهة وكونهما بعنوانين مجديا في رفع التضاد بينهما لأن حكم الامثال على السواء.

(١) هذا من جملة ما استدل القائلون بجواز الاجتماع.

وحاصله : انه لو كان اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد بعنوانين محالا لما وقع من الشارع.

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : انه لاشكال في ان تضاد الاحكام لا ينحصر في الوجوب والحرمة ، فان اجتماع الوجوب والكراهة ايضا لا يصح ، فاذا صحّ اجتماعهما بعنوانين صحّ اجتماع الوجوب والحرمة بعنوانين ، ولا ريب ايضا في تضاد الاحكام في الواحد بعنوان واحد ، واما في الواحد بعنوانين فلا بد ان لا يكون اجتماعهما من اجتماع المتضادين ، اذ لا يعقل من الشارع ان يجمع بين الضدين ، فاذا وقع في لسان الشارع اجتماع الكراهة والوجوب بعنوانين فهو يدل ان على تعدد العنوان مجد في رفع التضاد والّا لما وقع في لسان الشارع.

وبعبارة اخرى : انه يلزم مما ذكرتموه من امتناع اجتماع الأمر بالصلاة وحرمة الغصب في الصلاة في الدار المغصوبة ان لا يجتمع الأمر بصلاة الفريضة وكراهتها في اتيانها بالحمام ، لأن الاحكام باسرها متضادة ولا خصوصية للوجوب والحرمة وهذا اللازم باطل ، لأنه قد ورد في لسان الشارع اجتماع الوجوب والكراهة في النهي بنحو الكراهة عن الصلاة الواجبة في الحمام ، وان لا يجتمع ايضا الصلاة نافلة مع كراهتها في الحمام ، فإن الاول من اجتماع الوجوب والكراهة ، والثاني من اجتماع الاستحباب والكراهة.

قوله : ((والتالي باطل)). المتحصل من كلامه ان الاستدلال على الجواز بنحو القياس الاستثنائي ، وهو كما في عبارته انه لو لم يجز اجتماع الحكمين الوجوبي والتحريمي في وجود واحد بعنوانين لما جاز اجتماع الحكمين الوجوبي والكراهتي في وجود واحد بعنوانين ، والتالي باطل وهو عدم جواز اجتماع الحكمين الوجوبي والكراهتي بعنوانين لورود اجتماعهما في لسان الشارع ، ويستلزم بطلان التالي بطلان المقدّم وهو عدم جواز اجتماع الحكمين الوجوبي والتحريمي بعنوانين ، لعموم العلة وتساوي حكم الامثال.

٩٤

مثل الصلاة في الحمام ، والصيام في السفر ، وفي عاشوراء ولو في الحضر ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاباحة أو الاستحباب (١) ، في مثل الصلاة في المسجد أو الدار (٢).

والجواب عنه أما إجمالا : فبأنه لا بد من التصرف والتأويل فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع ، بعد قيام الدليل على الامتناع ، ضرورة أن الظهور لا يصادم البرهان (٣) ، مع أن قضية ظهور تلك الموارد ،

______________________________________________________

(١) مثال الصلاة في الحمام وفي مواضع التهمة من اجتماع الوجوب والكراهة في صلاة الفريضة ، ومن اجتماع الاستحباب والكراهة في صلاة النافلة.

ومثال الصوم في السفر فهو لاجتماع الاستحباب والكراهة بناء على صحة الصوم المندوب في السفر على كراهة ، واجتماع الاستحباب والكراهة ايضا في الصوم الندبي في الحضر كصوم يوم عاشوراء ، فانه قد وردت النصوص بكراهة صوم يوم عاشوراء.

(٢) الصلاة في المسجد فريضة من اجتماع الوجوب والاستحباب ، والصلاة في المسجد نافلة من اجتماع الاستحباب مع الاستحباب ، والصلاة في الدار فريضة من اجتماع الوجوب والاباحة ، والصلاة في الدار نافلة من اجتماع الاستحباب والاباحة ، فاجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاباحة في الصلاة في الدار فريضة مرّة ونافلة أخرى ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاستحباب في الصلاة في المسجد فريضة مرة ونافلة أخرى.

(٣) لقد اشار إلى ثلاثة اجوبة عن هذا الاشكال :

الأول : الجواب الاجمالي وحاصله : انه بعد قيام البرهان القطعي : في ان الحال في اجتماع الحكمين المتضادين في وجود واحد بعنوانين كحال اجتماعهما في واحد بعنوان واحد ، ولا يعقل ان يكون ما قام الدليل العقلي على محاليته جائزا ، فلا بد من التأويل لما كان بظاهره يقتضي جواز اجتماع الحكمين في وجود واحد بعنوانين ،

٩٥

اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد ، ولا يقول الخصم بجوازه كذلك ، بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين ، فهو أيضا لا بد له من التفصي عن إشكال الاجتماع فيها (١) لا سيما إذا لم يكن هناك مندوحة ، كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها ، فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلا ، كما لا يخفى (٢).

______________________________________________________

لأن الظهور لا يصادم البرهان القطعي ، فاذا ورد في لسان الشارع مما يدل بظاهره على جواز الاجتماع في وجود واحد بعنوانين لا بد من تأويله ورفع اليد عن ظهوره.

(١) هذا الجواب الثاني.

وحاصله : ان ما ورد من الشارع مما ظاهره اجتماع الحكمين في واحد ليس من مسألة الاجتماع ، لانه ليس من اجتماع الحكمين في وجود واحد بعنوانين بل هو من اجتماع الحكمين في واحد ، وهذا من المسلم امتناعه عند الكل لأن النهي قد ورد عن الصلاة في الحمام وفي مواقع التهمة ، فيكون من اجتماع الأمر بالصلاة مع النهي عن نفس الصلاة في الحمام ، وليس كاجتماع الصلاة مع الغصب في الافعال الخاصة الصلاتية في الدار المغصوبة ، فان الأمر قد تعلق بالصلاة والنهي قد تعلق بالغصب لا بالصلاة ، ولكن الغصب والصلاة اجتمعا في الافعال الصلاتية في الدار المغصوبة ، بخلاف الصلاة في الحمام فان متعلق الأمر نفس الصلاة ومتعلق النهي نفس الصلاة ـ ايضا ـ لا عنوان آخر منطبق على ما انطبقت عليه الصلاة ، فلا بد من اجتماع الكل القائلين بالجواز والقائلين بالامتناع على تأويل هذه الاخبار.

(٢) كصوم يوم عاشوراء فانه لا بدل له وكالصوم في السفر فانه لا بدل له ايضا.

والفرق بين ما به مندوحة وما لا مندوحة فيه في الواحد بعنوان واحد أن اجتماع الأمر والنهي فيما لا مندوحة فيه عام في جميع الافراد وفيما له مندوحة ليس عاما بل في بعض الافراد.

٩٦

وأما تفصيلا : فقد أجيب عنه بوجوه ، يوجب ذكرها بما فيها من النقض والابرام طول الكلام بما لا يسعه المقام ، فالاولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الاشكال.

فيقال وعلى الله الاتكال : إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ، ولا بدل له ، كصوم يوم عاشوراء ، والنوافل المبتدئة في بعض الاوقات.

ثانيها : ما تعلق به النهي كذلك ، ويكون له البدل ، كالنهي عن الصلاة في الحمام.

ثالثها : ما تعلق النهي به لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجودا ، أو ملازم له خارجا ، كالصلاة في مواضع التهمة ، بناء على كون النهي عنها لاجل اتحادها مع الكون في مواضعها (١).

أما القسم الاول : فالنهي تنزيها عنه بعد الاجتماع على أنه يقع صحيحا ، ومع ذلك يكون تركه أرجح ، كما يظهر من مداومة الائمة

______________________________________________________

وقد اتضح مما ذكرنا : من كون الاجتماع الوارد في لسان الشارع هو في الواحد بعنوان واحد انه لا وجه لأن يكون هذا الاجتماع المتسالم على محاليته دليلا على ما هو محل النزاع من الاجتماع في الواحد بعنوانين ، فانه مضافا إلى عدم الملازمة بين المحالات انه مع كون الاجتماع في الواحد بعنوان واحد محالا لا ينبغي ان يستدل به على الجواز في الواحد بعنوانين.

نعم لو كان الاجتماع في الواحد بعنوان واحد جائزا لدل على الجواز في الواحد بعنوانين بالاولوية.

(١) لا يخفى انه حيث كان ما ورد في لسان الشارع مما اجتمع فيه الأمر والنهي بعنوان واحد على ثلاثة أقسام كان الجواب التفصيلي ـ لكل واحد من الأقسام ـ بالكلام في كل قسم على حدة.

٩٧

عليهم‌السلام على الترك (١) ، إما لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك ، فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض ، وإن كان مصلحة الترك أكثر ، فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين ، فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين ، وإلا فيتعين الاهم وإن كان الآخر يقع صحيحا ، حيث أنه كان راجحا وموافقا للغرض ، كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات (٢) ، وارجحية

______________________________________________________

(١) القسم الاول هو الذي تعلق به النهي بذاته وبعنوانه الخاص وكان لا بدل له ، كالنهي التنزيهي المتعلق بصوم يوم عاشوراء ، وحيث انه قام الاجماع على ان صومه يقع صحيحا فلا بد من وقوعه قربيّا فلا محالة يكون مأمورا به ، فقد اجتمع فيه الأمر والنهي بعنوان كونه صوم يوم عاشوراء وهو مما لا بدل له.

وقد عرفت تضاد الأحكام فلا يمكن ان يكون يوم عاشوراء راجحا ومندوبا باعتبار الأمر به ومرجوحا ومكروها باعتبار النهي التنزيهي عنه ، فان ظاهر الكراهة كونها نهيا ناشئا عن المفسدة غير الملزمة ، ولا يعقل ان يكون الشيء بالفعل ذا مصلحة مرجّحة لفعله على تركه وذا مفسدة مرجّحة لتركه على فعله.

كما ان الظاهر من مداومة الائمة عليهم‌السلام على ترك صوم يوم عاشوراء ان الترك للصوم ارجح من فعل الصوم ، ومع قيام الاجماع على صحة الصوم ووقوعه عبادة فلا بد من التأويل.

(٢) قد عرفت ان ظاهر النهي التنزيهي انه ناشئ عن مفسدة في الفعل.

وحاصل هذا التأويل الاول الذي اشار اليه انه لا بد من رفع اليد عن هذا الظاهر بالتزام ان رجحان الترك على الفعل لا للمفسدة في الفعل ، بل لأجل ان الترك قد انطبق عليه عنوان ذو مصلحة اقوى من مصلحة الفعل ، وانما التزم في كون المصلحة في العنوان المنطبق على الترك ولم يلتزم في كون المصلحة في ذات الترك ، لانه لو كانت المصلحة الراجحة على مصلحة الفعل في نفس الترك لكان تقيض الترك الذي

٩٨

الترك من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة فيه أصلا ، كما يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته (١) ، ولذا لا يقع صحيحا على الامتناع ،

______________________________________________________

هو نفس الفعل مرجوحا ، فلا يمكن ان يكون فيه مع ذلك مصلحة راجحة ، اذ المرجوحية والراجحية في واحد من اجتماع النقيضين ، فلذا جعل المصلحة في العنوان المنطبق على الترك ، فان الترك وان كان هو المعنون بذلك العنوان ذي المصلحة إلّا ان الفعل ليس نقيضا للترك بما هو معنون بذلك العنوان ، بل الفعل نقيض للترك بما هو ترك لا بما هو معنون بعنوان.

وعلى كل فالفعل يكون ذا مصلحة ، والترك لتعنونه بذلك العنوان يكون ذا مصلحة ايضا ، فان كانت المصلحتان متساويتين يقع التخيير بين الفعل والترك ، واذا كانت مصلحة الترك اقوى فهي اهم من مصلحة الفعل لقوتها ، فيكون الحكم الفعلي هو الموافق لمصلحة الترك لأنها اقوى ، كما انه كذلك في المقام لمداومة الائمة على الترك ويكون الحكم في طرف الفعل شأنيا لا فعليا ، وانما يقع الفعل صحيحا وعبادة باعتبار المصلحة الموجودة في ذاته ، ولذا قام الاجماع على صحته ووقوعه عبادة ان لم يكن له حكم فعلي.

والحاصل : ان الفعل يكون مستحبا والترك يكون مستحبا ، وحيث كان الاستحباب في الترك اقوى لذلك كان الترك اقوى استحبابا من استحباب الفعل ، فهما مستحبان متزاحمان قدم الاقوى منهما في الفعلية ، ولكنه حيث كان الفعل ايضا مستحبا وذا مصلحة فلذلك يقع صحيحا وعبادة.

(١) هذا جواب عن سؤال مقدر ، وحاصله : انه اذا كان الترك اقوى استحبابا من الفعل فنقيضه وهو الفعل يكون مرجوحا ، ومع كونه مرجوحا كيف يمكن ان يقع صحيحا وعبادة مقربة.

والجواب ما اشار اليه.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصله : ان الكراهة تارة تكون لمفسدة في الفعل وهذه هي التي تكون مانعة عن وقوع الفعل صحيحا وعبادة.

واخرى تكون الكراهة بمعنى ترك المصلحة وهذه لا تكون مانعة ، لأن المانع ما اوجب حزازة ونقصانا مترتبا على الفعل ، ومطلق ترك الراجح ما لم يكن عن مفسدة لا يوجب حزازة ونقصانا يمنع عن وقوعه عبادة.

وقد ذكر في هامش الكتاب اشكالا آخر (١) وهو انه ربما يقال : ان الكراهة في المقام وان كانت لا لأجل مفسدة وحزازة ومنقصة في الفعل ، إلّا انه لا اشكال في كون الفعل حيث كان نقيضا للترك الذي هو اقوى استحبابا يكون منهيا عنه بالنهي التنزيهي ولو لكونه ترك المستحب ، ومع تنجز النهي وطلب ترك الفعل كيف يمكن ان يقع الفعل صحيحا وعبادة؟ ولا اقل من انه يكون مثل ضد الواجب بناء على ان الضد مقدمة لترك ضده ، فان ضد الواجب الأهم كالصلاة اذا كانت حراما لكونها مقدمة للازالة التي هي الاهم لا يعقل ان تقع صحيحة وعبادة ، مع ان النهي عنها ليس لمنقصة ومفسدة في ذات الصلاة بل النهي عنها انما هو لأجل انه بفعل الصلاة يترك الأهم ، فالمانع عن وقوعها صحيحة وعبادة هو النهي عنها الذي لم يكن لمنقصة ومفسدة في ذاتها ، وأي فرق بين هذا النهي والنهي في المقام سوى ان احدهما تحريمي وهو ضد الواجب ، وهنا تنزيهي لأن ترك المستحب الاقوى استحبابا.

وحاصل ما اجاب عنه في هامش الكتاب : انه فرق بين النهي التحريمي والتنزيهي في ان التحريمي حيث كان منعا لا ترخيص فيه فلا يمكن ان يقع ضد الواجب عبادة ومقربا ، اذ الممنوع عن وجوده منعا تاما لا ترخيص فيه ولا اذن في فعله ، ومع عدم الاذن به اصلا لا يعقل وقوعه عبادة وصحيحا ، بخلاف النهي التنزيهي حيث انه مرخص فيه ومأذون في فعله فلا يمنع عن قصد ما فيه من المصلحة والمحبوبية ، لفرض

__________________

(١) كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس‌سره) : ج ١ ص ٢٥٦. (حجري).

١٠٠