بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

العبادات)) وانما قيده بداعي الامر لبيان اخص صور الامتثال في العبادات ، فانه سيأتي في بعض الصور على الامتناع ايضا يصح وقوعها عبادة ومسقطة للامر وان لم تكن امتثالا للامر ، بناء على تزاحم المقتضيات في غير المرتبة الفعلية.

وبناء على عدم تزاحمها في تلك المرتبة واختصاص تزاحمها في خصوص المرتبة الفعلية فانه يصح وقوعها بقصد امتثال الامر ايضا ، وحينئذ يكون الفرق بين الجواز والامتناع في بعض الصور وهي صورة الالتفات أو ما هو بحكمه ، هذا على الجواز.

واما على الامتناع فان قلنا بترجيح جانب الامر فيصح الاتيان بالعبادة المجتمعة مع متعلق النهي بقصد امتثال الامر ، ولا يتحقق عصيان في الاتيان بالمجمع لسقوط النهي.

وهذا هو الفرق بين القول بالجواز وبين القول بالامتناع وترجيح جانب الأمر ، والى هذا اشار بقوله : ((وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الامر)) : أي حال الامتناع وترجيح جانب الأمر كحال الجواز في حصول الامتثال باتيان المجمع بداعي الامر ، الّا ان الفرق بينهما انه على الامتناع وترجيح جانب الامر لا معصية باتيان المجمع ولذا قال : ((إلّا انه لا معصية عليه)) : أي على الامتناع مع ترجيح جانب الامر.

واما اذا قلنا بالامتناع وترجيح جانب النهي ففي التوصليات معاملة أو غير معاملة كتطهير الجسم من الخبث بالماء المغصوب ، أو المعاطاة في المكان المغصوب بحركة اليد اخذا وعطاءً يحصل الغرض فيطهر الجسم ويقع البيع صحيحا مؤثرا في الملكية ، لما عرفت ـ فيما مرّ ـ : من ان الامر في التوصليات يسقط ولو بالفرد المحرم ، واما صحة المعاملة مع هذا النهي فلان النهي الذي له ظهور ثانوي في الدلالة على فساد المعاملة هو النهي عن المعاملة بداعي الارشاد إلى فسادها لا مثل هذا النهي التكليفي ، كما سيأتي الاشارة اليه في باب دلالة النهي على الفساد.

ولا يخفى ان سقوط الامر في التوصليات مع الامتناع وترجيح جانب النهي مطلقا سواء مع الالتفات الى الحرمة أو عدم الالتفات لها تقصيرا ، واما مع عدم الالتفات

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

قصورا فسيأتي انه يسقط الامر في العباديات فضلا عن التوصليات ، والى هذا اشار بقوله : ((واما عليه)) : أي على الامتناع ((وترجيح جانب النهي فيسقط به)) : أي بالمجمع ((الامر مطلقا)) : أي مع الالتفات الى الحرمة أو بدونه تقصيرا ((في غير العبادات لحصول الغرض الموجب له)) : أي للامر التوصلي غير العبادي.

واما على الامتناع وترجيح جانب النهي في العبادات فالاتيان بالمجمع لمتعلق الامر العبادي ومتعلق النهي كالصلاة في الدار المغصوبة هو على ثلاثة اقسام لانه :

ـ اما ان يأتي به مع الالتفات الى الحرمة.

ـ أو مع عدم الالتفات اليها تقصيرا.

ـ أو مع عدم الالتفات اليها قصورا.

اما مع الالتفات اليها فلا تصح عبادة ولا يسقط الامر المتعلق بالصلاة بهذا الاتيان فلا يقع امتثال ولا يسقط امر ، لأن تحقق الامتثال بالمأتي عبادة يتوقف على قصد امتثال الامر وكونه مما يمكن ان يتقرب به ، ولا يعقل على الامتناع وترجيح جانب النهي مع الالتفات ان يحصل من الملتفت قصد امتثال الامر باتيان هذا المجمع الذي يعلم انه منهي عنه ولا امر به ، ولا يعقل ايضا ان يتأتى من الملتفت قصد القربة من غير ناحية الامر ، كالاتيان بداعي حسنه أو محبوبيته ، لأن المفروض سراية النهي والمبغوضية الغالبة على محبوبيته وجهة القبح على ما فيه من الحسن فلا يكون المجمع مما يمكن ان يتقرب به ، فالجهتان اللتان يتوقف عليهما كون الفعل عبادة مفقودتان مع الالتفات ، اذ لا يتأتى من المكلف قصد الامتثال للامر وليس ما يأتي به قابلا للتقرب ، اذ لا يعقل بالمبغوض لأن المبغوض للمولى مبعّد عنه فكيف يقصد التقرب اليه بما يبعّد عنه.

واما مع عدم الالتفات اليه تقصيرا فحيث ان المقصر بحكم العامد ، والفرق بينهما ان العامد ملتفت الى توجه النهي اليه ، والمقصّر غير ملتفت الى توجه النهي اليه ، إلّا انهما معا مشتركان في استحقاق العقاب على المأتي به ، لأن عدم العلم عن تقصير

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ليس عذرا عن صحة العقاب ، ولذا لو تعذر بأني ما علمت يقال له : هلا تعلّمت ، والفعل الذي يستحق فاعله العقاب عليه يكون مبغوضا ويقع مبعّدا ، فالمقصّر لعدم علمه يتوجه النهي اليه وان تأتى منه قصد القربة ، بخلاف العالم العامد فانه لا يتاتى منه قصدها ، إلّا انه في كون المأتي به مما لا يصلح لأن يتقرب به مثل العامد من هذه الجهة.

وبعبارة اخرى : ان العامد مفقود عنده الشرطان ، والمقصّر مفقود عنده احدهما وهو كون فعله مما لا يمكن ان يتقرب به ، وقد عرفت ان وقوع الماتي به عبادة كما يتوقف على قصد امتثال امره كذلك يتوقف على كونه مما يصلح ان يتقرب به ، والمبغوض لا يقع مقربا وكيف يقع به التقرب وهو مما يستحق عليه العقاب ، والى هذه اشار بقوله : ((واما فيها فلا)) : أي في العبادات بناء على الامتناع وترجيح جانب النهي لا يحصل الامتثال ولا يسقط الامر ((مع الالتفات الى الحرمة)) وهو العالم العامد فانه لا يتمكن من قصد القربة ، والمأتي به غير قابل للتقرب ، واشار الى المقصّر وهو غير الملتفت عن تقصير بقوله : ((أو بدونه تقصيرا)) : أي بدون الالتفات ولكن عن تقصير ايضا لا يحصل في الاتيان بالمجمع الامتثال ولا يسقط الامر ، وقد اشار الى انه في المقصّر المفقود شرط واحد وهو عدم صلاحية المأتي به للتقرب بقوله : ((فانه وان كان متمكنا مع عدم الالتفات من قصد القربة و)) المفروض انه قد اتى بالمجمع بداعي القربة فيكون ((قد قصدها)) ، كمن صلى في الدار المغصوبة مع جهله تقصيرا بالحكم بان كان جاهلا تقصيرا ان الغصب منهي عنه بان يكون قد التفت في زمان من الازمنة الى الغصب مما له حكم من الشارع ولكنه اهمل عن تسامح ولم يفحص ، والمرتكب للشبهة الحكمية قبل الفحص من غير عذر هو الجاهل المقصّر ، وقد عرفت انه بحكم العامد.

وعلى كل فالمقصّر في المقام وان تمكن من قصد القربة لجهله وقصد القربة ((الّا انه مع التقصير)) بفقد الشرط الثاني وهو ان ما يأتي به لكونه مبغوضا يستحق عليه

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

العقاب ((لا يصلح لأن يتقرب به اصلا فلا يقع مقربا وبدونه)) : أي وبدون صلاحية ما ياتي به للتقرب ((لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للامر به عبادة)) فان حصول الغرض العبادي يتوقف على وقوع الماتي به عبادة ، ووقوعه عبادة كما يتوقف على قصد امتثال الامر يتوقف ايضا على ان يكون مما يصلح ان يتقرب به ، وقد عرفت ان الفعل المأتي به من الجاهل المقصر فاقد لهذا الشرط.

واما الثالث : وهو عدم الالتفات عن قصور الذي اشار اليه بقوله : ((واما اذا لم يلتفت اليها قصورا وقد قصد القربة باتيانه)) وهو الجاهل القاصر المحكوم عقلا بالعذرية به وعدم استحقاق العقاب ، فتوضيح الحال فيه ان نقول : قد عرفت ان مورد اجتماع الامر والنهي لا بد من ثبوت كلا المقتضيين فيه.

فان قلنا : بان المقتضيات تتزاحم في غير مرتبة الفعلية من مرتبة الاقتضاء والانشاء كما تتزاحم في المرتبة الفعلية ، وان الاحكام بواقعيتها في أي مرتبة كانت تقع المزاحمة بينهما ويؤثر ما هو الاقوى منها وقد فرضنا تقديم جانب النهي ، فلا بد من سقوط الحكم بجميع مراتبه فلا امر في جميع المراتب ، فالجاهل القاصر وان قصد الامر الّا انه لا امر واقعا فلا يقع ما أتى به معنونا بكونه مما حصل به امتثال الامر إذ المفروض انه لا امر ، ولكن حيث كان الجاهل القاصر معذورا وغير مستحق للعقاب فلا يكون فعله وما أتى به مبغوضا وقبيحا ، فجهة الحسن الموجودة في فعله لم يتغلب عليها جهة القبح والمبغوضية فيقع ما أتى به حسنا ومحبوبا.

وقد عرفت ـ فيما مر ـ انه يكفي في وقوع الفعل عبادة جهة حسنه ومحبوبيته واذا وقع عبادة ترتب الغرض العبادي الداعي إلى الامر فيسقط الامر لحصول الغرض الداعي اليه وان لم يصدق على ما اتى به انه مما قصد به الامتثال ، كما قلنا به في الضد الواجب الملازم للمحرم فانه وان لم يقع عبادة بقصد امتثال امره لعدم الامر حيث ان المتلازمين لا يعقل اختلافهما في الحكم وان لم يجب ان يتحدا في الحكم ، إلّا انه لا مانع من وقوعه عبادة بقصد ما فيه من جهة حسنه ومحبوبيته فيسقط به الامر وان

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لم يحصل به الامتثال ، والفعل من الجاهل القاصر في المقام كذلك اذ المزاحمة انما أزالت الامر به ولم تزاحم جهة حسنه ومحبوبيته لأن الحسن لا يزاحم الا بالقبيح ، والمحبوبية لا تزاحم الا بالمبغوضية ، وحيث انه معذور ولا يستحق العقاب فليس ما أتى به قبيحا ولا مبغوضا ويقع عبادة لجهة حسنه ومحبوبيته ، وقد اشار الى سقوط الامر به بقوله : ((فالامر يسقط لقصد التقرب بما يصلح ان يتقرب به)) واشار الى علة وقوعه قربيّا بقوله : ((لاشتماله على المصلحة مع صدوره حسنا لاجل الجهل بحرمته قصورا)) وقد اشار الى ان الامر يسقط بحصول غرضه العبادي كما يسقط بصدق الامتثال على المأتي به بقوله : ((فيحصل به الغرض من الامر فيسقط به قطعا)) وقد اشار الى عدم صدق الامتثال عليه بقوله : ((وان لم يكن امتثالا له)) وقد اشار الى أن هذا مبني على وقوع التزاحم في غير المرتبة الفعلية كما يقع في المرتبة الفعلية بقوله : ((بناء على تبعية الاحكام لما هو الاقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا)).

وقد اشار الى المبنى الآخر وهو اختصاص التزاحم بين المقتضيات في خصوص المرتبة الفعلية دون غيرها من المراتب بقوله : ((لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح)) فالامر والنهي في غير المرتبة الفعلية غير متزاحمين فيؤثر كل منهما ولا سراية لاحدهما الى الآخر فلا تسري مبغوضية النهي الى محبوبية الامر ، ولا جهة قبح النهي الى جهة حسن الامر ، وانما التزاحم بينهما وسراية المبغوضية والقبح في المرتبة الفعلية فقط ، فالحكم الوجوبي التابع للمصلحة والحسن انما يزاحمه الحكم التحريمي التابع للمفسدة والقبح في مرتبة تاثير المصلحة والحسن بالفعل وتاثير المفسدة والقبح بالفعل ، فالتزاحم يقع بين المصلحة والمفسدة اولا وبالذات وبين حكميهما ثانيا وبالعرض ، وفي هذه المرتبة الفعلية بناء على الامتناع تسري المبغوضية وجهة القبح.

وبعبارة اخرى : المصلحة التي يلازمها كون متعلقها حسنا والمفسدة التي يلازمها كون متعلقها قبيحا في مقام تاثيرهما في الحكم بمرتبته الفعلية يتزاحمان ، فاذا غلبت جهة المفسدة جهة المصلحة وصار التأثير لجانب النهي بالفعل حينئذ ترتفع جهة

٦٥

مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك ، فإن العقل لا يرى تفاوتا بينه وبين سائر الافراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها ، وإن لم تعمه بما هي مأمور بها ، لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضي.

ومن هنا انقدح أنه يجزي ، ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة ، وعدم كفاية الاتيان بمجرد المحبوبية ، كما يكون كذلك في ضد الواجب ، حيث لا يكون هناك أمر يقصد أصلا (١).

______________________________________________________

الحسن وجهة المحبوبية ويتبعهما فعلية الحكم الوجوبي فلا يكون فعليا ، وحيث ان المفروض ان الجاهل قاصر والقاصر لا يكون الحكم في حقه فعليا ، اذ من شروط فعلية الحكم كونه مما علم به أو يمكن ان يعلم به ، والجاهل القاصر لا علم له ولا يمكن ان يحصل له العلم اما كونه لا علم له فواضح ، واما كونه مما لا يمكن ان يحصل له العلم فلانه هو الفارق بين القصور والتقصير ، فان القاصر هو الذي لا يمكن ان يقال له هلا تعلّمت ، فجهة الحسن في الجاهل القاصر غير مزاحمة ولا مغلوبة في المرتبة الفعلية بجهة القبح لانها تابعة للعلم أو ما بحكمه ، والى هذا اشار بقوله : ((لكونهما تابعين لما علم منهما)) وسيأتي انه بناء على هذا يكون فعل القاصر مما يحصل به الامتثال ايضا لا انه يسقط به الامر فقط لحصول الغرض.

(١) لا يخفى ان هذا بناء على التزاحم في غير المرتبة الفعلية وعدم اختصاصه بها.

واما بناء على اختصاصه بالمرتبة الفعلية فسيأتي انه يمكن ان يقصد الامتثال ويكون المجمع مما تسعه الطبيعة بما هي مامور بها.

وحاصله : ما ذكره في مسألة الضد من ان الامر وان كان مما لا يسع هذا الفرد الّا انه اذا كان هذا الفرد مثل بقية الافراد التي يسعها الامر من ناحية تمامية جهة حسنه ومحبوبيته ، وانما لا يسعه الامر لابتلائه بوجود مانع فيه بالخصوص عن ان يسعه الامر دون بقية الافراد لا لاختلال المقتضي فيه ، فلا مانع من ان يقصد به امتثال الامر المتعلق بما لا يسع هذا الفرد لوجود المانع لا لعدم المقتضي.

٦٦

وبالجملة مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا أو حكما ، يكون الاتيان بالمجمع امتثالا ، وبداعي الامر بالطبيعة لا محالة ، غاية الامر أنه لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها (١) ، لو قيل بتزاحم الجهات في مقام

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان المصنف لا يرى فرقا في امكان قصد الامتثال بين الفرد الذي يسعه الامر والذي لا يسعه لوجود المانع بعد تحقق المقتضى فيه ، وان كل ما يترتب عليه الغرض يمكن ان يحصل به قصد الامتثال وان كان لا يسعه الامر ، ولا يرى قصد الامتثال منحصرا فيما وسعه الامر ، وبرهانه ما اشار اليه بقوله : ((فان العقل لا يرى تفاوتا بينه)) : أي بين هذا الفرد الذي يسعه الامر ((وبين سائر الافراد في الوفاء بغرض الطبيعة المامور بها وان لم تعمه بما هي مامور بها لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضى)) فهذا الفرد وان كان لا تعمه الطبيعة بما هي مامور بها لكنه يمكن ان يقصد به امتثال امرها كالفرد الذي تسعه بما هي مامور بها.

فلو قلنا : بان وقوع المأتي به عبادة ينحصر في قصد الامتثال ولا يحصل بقصد حسنه أو محبوبيته لكان المجمع الذي أتى به الجاهل القاصر مما يحصل به امتثال الامر ، وحال المجمع حال الضد الواجب الملازم للترك المحرم وكما ان المقتضي فيه موجود ، وانما لم يؤثر لعدم امكان اختلاف المتلازمين في الوجود في ناحية الحكم كذلك المجمع الآتي به الجاهل القاصر فان المفروض ثبوت المقتضي فيه وانما لم يؤثر لوجود المانع وهو مقتضى التحريم ، وكما ان في الضد الواجب الامر المتعلق بالطبيعة لا يسع هذا الفرد المبتلى بالترك المحرم كذلك المجمع في المقام الامر المتعلق بالطبيعة لا يسعه ايضا ، وفي المقامين لا امر بخصوص هذا الفرد والى هذا اشار بقوله : ((ومن هنا انقدح الى آخر كلامه)).

(١) لا يخفى عليك ان الجهل : تارة يتعلق بالحكم كمن لا يعلم ان حكم الغصب هو الحرمة ، واخرى يتعلق بالموضوع كمن لا يعلم ان هذه الدار ـ مثلا ـ مغصوبة مع علمه بان حكم الغصب هو الحرمة.

٦٧

تأثيرها للاحكام الواقعية (١) ، وأما لو قيل بعدم التزاحم إلا في مقام فعلية الاحكام ، لكان مما تسعه وامتثالا لامرها بلا كلام (٢).

وقد انقدح بذلك الفرق بين ما اذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين ، وقدم دليل الحرمة تخييرا أو ترجيحا ، حيث لا يكون معه مجال للصحة أصلا ، وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع. وقيل بالامتناع ، وتقديم جانب الحرمة ، حيث يقع صحيحا (٣) في غير مورد من موارد

______________________________________________________

والاول : هو الجاهل بالحكم.

والثاني : هو الجاهل بالموضوع.

(١) هذا ما اشرنا اليه من كون هذا الكلام وهو امكان قصد الامتثال بما لا يسعه الامر المتعلق بالطبيعة انما هو لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للاحكام الواقعية ولا يختص التزاحم بالحكم في المرتبة الفعلية.

(٢) حاصله : انه لو قلنا بالتزاحم في خصوص المرتبة الفعلية فالجاهل القاصر المعذور لا حكم فعلي بالنهي بالنسبة اليه ، لما مرّ من ان فعلية الحكم منوطة بما علم أو يمكن ان يعلم ، والجاهل القاصر لا علم له ولا يمكن ان يعلم فلا فعلية للنهي بالنسبة اليه ، وقد عرفت وجود المقتضي للامر وتأثيره للحكم في مرتبة الانشاء فلا مانع من تأثيره ايضا في المرتبة الفعلية ، اذ المانع عن تاثيره في هذه المرتبة هو تاثير مقتضي النهي وفعلية حكمه ، وحيث فرض عدم تاثير النهي في هذه المرتبة فلا فعلية لما هو المزاحم في هذه المرتبة ويبقى مقتضى الامر في هذه المرتبة ايضا من غير مزاحم فيؤثر ويكون الامر متعلقا بما يسع هذا الفرد ايضا ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لكان مما يسعه وامتثالا لامرها)) : أي لكان هذا المجمع الآتي به الجاهل القاصر مما يسعه الامر المتعلق بالطبيعة ويكون امتثالا لها بقصد امرها المتعلق به.

(٣) هذا لبيان الفرق بين القول بالامتناع في هذه المسألة مع ترجيح جانب النهي ، وبين باب التعارض الاصطلاحي الذي علم بكذب احد الحكمين فيه مع ترجيح دليل

٦٨

الجهل والنسيان ، لموافقته للغرض بل للامر ، ومن هنا علم أن الثواب عليه من قبيل الثواب على الاطاعة ، لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة.

وقد ظهر بما ذكرناه ، وجه حكم الاصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة (١) ، مع النسيان أو الجهل بالموضوع ، بل أو الحكم إذا كان عن

______________________________________________________

الحرمة ، أو الأخذ به من باب التخيير المصرّح به في جملة من النصوص في باب تعارض الخبرين.

فان الفرق بينهما هو انه على الامتناع وترجيح جانب النهي تصح العبادة من القاصر في المجمع اما لوقوعها قربيّة بجهة حسنها أو محبوبيتها ، أو لوقوعها قربيّة بقصد الامتثال للامر المتعلق بالطبيعة بحيث لا تسع المجمع بناء على تبعية الاحكام الواقعية لما هو الاقوى واقعا ، ووقوعها قربيّة بقصد امتثال الامر المتعلق بالطبيعة بحيث تسع المجمع بناء على اختصاص التزاحم بالمرتبة الفعلية كما مر بيانه.

واما على التعارض الاصطلاحي الذي علم بكذب احد الحكمين فيه مع الأخذ بدليل الحرمة ترجيحا أو تخييرا فانه لا تصح العبادة ، اذ بعد الأخذ بدليل الحرمة لازمه البناء على ترتيب أثر الصدور على الحكم بالحرمة وترتيب اثر عدم الصدور على دليل الوجوب ، ومع عدم الصدور لا مصلحة ولا حسن ولا امر ولا يعقل ان تصح عبادة من دون هذه الاشياء.

(١) قد عرفت ان الجهل : تارة يتعلق بالحكم ، واخرى بالموضوع.

وفي الجهل بالحكم لا عذر الا للقاصر ، واما المقصّر فغير معذور ويصدر الفعل منه مبغوضا وقبيحا بناء على الامتناع وترجيح جانب النهي ، واما القاصر فقد عرفت صحة وقوع المأتي به عبادة منه.

واما الجهل بالموضوع فحيث انه لا يجب فيه الفحص فالقاصر والمقصر فيه على حد سواء وتصح العبادة منهما معا ، اذ بعد دليل العذر لمن يمكنه العلم وعدم وجوب الفحص عليه لا عقاب عليه فلازمه عدم فعلية النهي في حقه ، ومع عدم فعلية النهي

٦٩

قصور (١) ، مع أن الجلّ لو لا الكلّ قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة ، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر ، فلتكن من ذلك على ذكر.

إذا عرفت هذه الامور ، فالحق هو القول بالامتناع ، كما ذهب إليه المشهور ، وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل ، أو يمكن أن يقال ، من وجوه الاستدلال لسائر الاقوال ، يتوقف على تمهيد مقدمات :

إحداها : إنه لا ريب في أن الاحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها ، وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة

______________________________________________________

في حقه يقع ما يأتي به عبادة ويكون إتيانه بالمجمع من باب الاطاعة والاتيان بما فيه الغرض العبادي ، والثواب عليه ثواب على اتيان ما يسقط به الامر أو يمتثل به الامر على ما مرّ تفصيله ، وليس الثواب عليه ثواب انقياد وأن ما اتى به لا يحصل به الغرض ولا يقع به الامتثال.

واما النسيان فسواء كان نسيانا لحكم الحرمة كمن نسى حرمة الغصب أو للموضوع المحرّم كمن نسى ان هذه الدار مغصوبة فقد ورد العذر فيه برفع النسيان ، وان الناسي مطلقا حكما أو موضوعا معذور ، وقد عرفت ان لازم العذر وعدم العقاب عدم فعلية النهي ، ومع عدم فعليته يقع ما يأتي به الناسي من المجمع عبادة.

فاتضح مما ذكرنا وجه حكم مشهور الاصحاب القائلين بالامتناع وترجيح جانب النهي بصحة الصلاة في الدار المغصوبة في حال النسيان حكما كان أو موضوعا ، وصحة حكمهم بصلاة الجاهل بالموضوع وهو من لا يعلم ان الدار المغصوبة سواء كان قاصرا لا يمكن ان يحصل له العلم أو كان بحيث يمكنه ان يعلم ولم يفحص ، وحكمهم بصحة خصوص صلاة الجاهل القاصر بالحكم دون المقصر في الدار المغصوبة ، ووجهه ما عرفت من عدم فعلية النهي في هذه الموارد.

(١) لا يخفى ان قوله بالموضوع قيد لخصوص الجهل دون النسيان لما عرفت من عذر الناسي مطلقا ، ولذا عطف عليه الجهل بالحكم لخصوص القاصر.

٧٠

بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان ، وإن لم يكن بينها مضادة ما لم يبلغ إلى تلك المرتبة ، لعدم المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ اليها ، كما لا يخفى.

فاستحالة اجتماع الامر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال ، بل من جهة أنه بنفسه محال ، فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا (١).

______________________________________________________

(١) قد قدم لما ذهب اليه موافقا للمشهور من الامتناع ومحالية جواز اجتماع الحكمين في الوجود الواحد بعنوانين اربع مقدمات ، هذه اولها : وهي ان الاحكام في أي مرتبة تتضاد ويكون اجتماعهما من اجتماع الضدين المحال بالذات فلا يقول به القائل بجواز التكليف بغير المقدور لانه من التكليف بالمحال ، واما التضاد بين الاحكام فلازم الاجتماع اجتماع الضدين هو التكليف المحال.

وتوضيح هذه المقدمة : ان المراد من الاحكام الخمسة التي هي الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة والاباحة هو المجعول التشريعي منها ، وهو الانشائي منها الذي يوجده الشارع بانشائه له ، وهو انشاء البعث الى الفعل وجوبا أو استحبابا وانشاء الزجر عن الفعل تحريما أو كراهة أو انشاء الاذن والترخيص وارخاء العنان.

وليس المراد من الحكم هو اللبّي أي الحالة المتكيفة بها النفس واقعا ولبّا من الحبّ والبغض والارادة والكراهة الحقيقيين النفسيين ، لوضوح انهما من كيفيات النفس الواقعية ومن الامور التكوينية دون المجعولات التشريعية التي تحصل بالجعل والتشريع انشاء.

ولا يخفى ايضا ان مراتب الحكم عند المصنف أربع :

ـ مرتبة الاقتضاء.

ـ ومرتبة الانشاء وجعل القانون.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ومرتبة الفعلية وهي كون الحكم بحيث لو علم به لتنجّز.

ـ ومرتبة التنجّز وهي مرتبة الحكم بعد العلم به.

وهذه المراتب متدرجة بالسبق ، فمرتبة الاقتضاء اسبق من مرتبة الانشاء وهي متقدمة على مرتبة الفعلية ، ومرتبة الفعلية متقدمة على مرتبة التنجّز.

ومن الواضح : انه اذا وقع التضاد بين الاحكام والتعاند في المرتبة السابقة لا بد وان يقع بينها في المرتبة التي تلحقها ، ولكن التضاد والتعاند في المرتبة اللاحقة لا يستلزم التضاد في المرتبة السابقة عليها للزوم سريان ما في الاصل لفرعه ولا يسري ما في الفرع لاصله ، وكل مرتبة سابقة هي كالاصل للمرتبة اللاحقة ، فاذا وقع التضاد بين الاحكام في المرتبة الفعلية فلا بد من وقوعه بينها في مرتبة التنجّز ، ولكن لا يلزم ان يقع بينها في مرتبة الانشاء فضلا عن مرتبة الاقتضاء.

واتضح مما ذكرنا : ان المصنف حيث اثبت التضاد بين الاحكام في مرتبة الفعلية لم يذكر مرتبة التنجّز لحصوله فيها قطعا لانها متفرعة على الفعلية ، وحيث نفى التضاد في مرتبة الانشاء فلا بد وان يكون منتفيا في مرتبة الاقتضاء ، اذ لو كان موجودا في مرتبة الاقتضاء لكان موجودا في مرتبة الانشاء قطعا.

ولا يخفى ايضا ان مرتبة الفعلية هي مرتبة البعث والزجر من الشارع ، لأن لازم كون الحكم بالغا الى مرتبة بحيث لو علم به لتنجّز انه قد استكمل جميع ما هو له من قبل الشارع ، فلا بد وان يكون قد بعث المولى المكلف الى الفعل وقد زجره عنه بحيث لو علم ببعثه له لتنجّز ولو علم بزجره لتنجّز فيكون الحكم قد بلغ الى حد كون المولى قد جعله بحيث لا مانع من ان يكون قابلا للتحريك نحو الفعل أو للتحريك عن الفعل وتبعيد المكلف عنه ، واذا بلغ الحكم الى هذه المرتبة فلا يعقل ان يكون المولى محركا للعبد نحو الموجود بوجود واحد ومحركا له عنه ، فلا يعقل ان يكون باعثا له الى ايجاده وزاجرا له عن ايجاده ، ففي مرتبة الفعلية وهي مرتبة البعث والزجر تتضاد الاحكام وجوبا وحرمة ، كما انها تتضاد في هذه المرتبة وجوبا واستحبابا ، اذ

٧٢

ثانيتها : إنه لا شبهة في أن متعلق الاحكام ، هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه ، وهو فاعله وجاعله ، لا ما هو اسمه ، وهو واضح ، ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه ، بحيث لو لا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا ، لما كان بحذائه شيء خارجا ويكون خارج المحمول ،

______________________________________________________

لا يعقل ان يكون باعثا إلى ايجاده بحيث يعاقب على تركه وباعثا له بحيث لا يعاقب على تركه وكذلك الحرمة والكراهة ، ومثله احدها مع الاباحة والترخيص.

واما في مرحلة الانشاء وجعل القانون فحيث ان انشاء الحكم في تلك المرتبة لا يستلزم تحريكا ولا بعثا فلا مانع من ان ينشأ على طبق المصلحة حكما قانونيا ، وعلى طبق المفسدة حكما قانونيا بحيث لا يكون الحكم باعثا الى الايجاد والى عدم الايجاد للشيء الواحد ، ولذا لا وجه لتضاد الاحكام في هذه المرتبة فان وجودها ليس إلّا وجودا انشائيا قانونيا لا باعثا ولا زاجرا ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا ريب في ان الاحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها الى آخر كلامه)).

واشار الى عدم تضادها في المرتبة الانشائية ((وان لم يكن بينها مضادة ما لم تبلغ الى تلك المرتبة الى آخر كلامه)).

واما عدم تضادها في مرتبة الاقتضاء وهي مرحلة المصالح والمفاسد الواقعية الموجودة في الاشياء ، فلوضوح امكان اشتمال الموجود الواحد على المصلحة والمفسدة معا وهو مشاهد وجدانا ، مضافا الى ان الاحكام اذا لم يكن بينها تضاد في مرحلة الانشاء فلا بد وان لا يكون بينها تضاد في المرتبة السابقة ، والّا لكان التضاد متحققا في المرتبة اللاحقة لها ايضا.

وقد اشار المصنف الى ان التضاد في المرتبة الفعلية معناه ان الاجتماع يكون من التكليف المحال بنفسه ذاتا ، وليس هو من التكليف بالمحال الذي يكون المانع فيه عدم القدرة ، ولذا ان من يقول بجواز التكليف بغير المقدور لا يقول بامكان اجتماع الحكمين المتضادين بقوله : ((فاستحالة اجتماع الامر والنهي الى آخر كلامه)).

٧٣

كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية ، إلى غير ذلك من الاعتبارات والاضافات (١) ، ضرورة أن البعث ليس نحوه ، والزجر

______________________________________________________

(١) حاصل هذه ان متعلق الحكم الذي هو الواجب والحرام هو الموجود الخارجي وهو ما اراده بقوله : ((وما هو في الخارج يصدر عنه)) : أي متعلق الحكم ما يصدر خارجا عن المكلف ((وهو فاعله وجاعله)) : أي المكلف هو الفاعل له وجاعله موجودا خارجيا ، وليس متعلق التكليف واقعا ماهية ذلك الموجود الخارجي الذي عبر عنه بقوله : ((لا ما هو اسمه وهو واضح ولا ما هو عنوانه)).

وتوضيح كلامه ان المفهوم من اللفظ ، تارة : يكون الماهية التي يتصور عليها الوجودان الذهني والخارجي ويكون الخارج ظرفا لوجودها بناء على اصالة الوجود ، وظرفا لحيثيتها المكتسبة من الجاعل بناء على اصالة الماهية.

واخرى : يكون المفهوم من اللفظ العنوان ، كمفهوم الابيض الذي يكون الموجود الخارجي مطابقا له ومعنونه ، والخارج ظرف لوجود المعنون لا لوجود العنوان ، فان الموجود في الخارج الجسم والبياض وليس في الخارج موجود هو كفرد لمفهوم الابيض ، فمفهوم الابيض الموجود في الخارج معنونه الذي ينتزع منه الابيض ، وليس لمفهوم الابيض فرد خارجي غير الجسم والبياض. ومن الواضح ان الجسم ليس بنفسه فردا للابيض ولا البياض فردا له اذا اريد من الابيض الجسم الذي له البياض ، بل حتى لو اريد من الابيض البياض فان الموجود في الخارج هو البياض لا البياض الذي له البياض ، وليس في الخارج موجود آخر غير الجسم والبياض مركبا منهما يكون له وجود خارجي يكون هو فردا وحصة لمفهوم الابيض ، فمفهوم الابيض ليس له فرد خارجي بل هو عنوان ، والموجود في الخارج معنونه ومطابقه لا فرده.

وهذا هو الفرق بين العنوان والماهية ، فان الماهية الموجود الخارجي حصتها وفردها ، والعنوان الموجود الخارجي معنونه لا فرده وحصته.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم الجسم والبياض هو المنشأ لانتزاع الابيض وهو الذي يطلق عليه في بعض الاحيان العرضي أي المنسوب للعرض ، وليس هو العرض فان المنسوب إلى الشيء غير الشيء ، والى هذا اشار الحكيم السبزواري بقوله :

وعرضي الشيء غير العرض

ذا كالبياض ذاك مثل الابيض (١)

ثم لا يخفى ان هذا العنوان الذي يكون الخارج ظرفا لمعنونه لا لنفسه على انحاء ثلاثة :

الاول : ما يكون منشأ انتزاعه موجودا تكوينيا خارجيا كالبياض العارض للجسم الذي هو منشأ انتزاع عنوان الابيض ، والبياض من المحمولات بالضميمة فانه لا يحمل على الجسم بنفسه ، بل انما يحمل على الجسم بواسطة اما لفظ ذو فيقال : الجسم ذو بياض ، أو مشتق ينتزع منه ويحمل على الجسم كمفهوم الابيض.

واخرى لا يكون منشأ انتزاع العنوان موجودا خارجيا ولكنه امر تكويني ايضا ، كعنوان الممكن فان منشأ انتزاعه الامكان اللاحق للممكن ، ولكن الامكان ليس الخارج ظرفا لنفسه ، وإلّا لكان للامكان امكان ايضا وهكذا فيلزم التسلسل ، بل منشأ انتزاع الامكان هو ذات الممكن الذي ينتزع العقل منه انه ليس له ضرورة الوجود ولا ضرورة العدم ، واذا وجد هذا الممكن في الخارج لا يكون للامكان وجود بإزاء وجود ذات الممكن كما كان للبياض وجود بإزاء وجود الجسم ، بل الموجود الخارجي هو نفس ذات الممكن الذي ينتزع من ملاحظة عدم ضرورته الذاتية من ناحية الوجود والعدم امكانه ، وهذا الامكان يشارك البياض في كونه لا يحمل على موضوعه الا بواسطة اما لفظ ذو فيقال : هذا الموجود ذو امكان أو بواسطة اشتقاق مفهوم منه وهو الممكن فيقال : هذا الموجود ممكن ، ويشاركه ايضا في كون كل منها امرا تكوينيا لا بجعل أو تشريع ، إلّا انه يختلف عنه في كون منشأ انتزاع الابيض

__________________

(١) منظومة السبزواري ، قسم المنطق : ص ٢٩. (حجري).

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

موجودا خارجيا ومنشأ انتزاع الممكن ليس موجودا خارجيا.

وثالثة يكون منشأ الانتزاع ليس امرا تكوينيا كالامكان بل انما يحصل بجعل أو تشريع ، كالمالك والمملوك والغاصب والمغصوب والرق والحرّ والزوج ، فان منشأ الانتزاع لهذه العناوين مجعول تشريعي لا تكويني وهو الملكية والرقية والزوجية والحرية والغصبية ليست من الأمور التكوينية ، لا التي يكون الخارج ظرفا لوجودها تكوينا كالبياض ، ولا التي يكون الخارج ظرفا لانتزاعها تكوينا كالامكان ، بل هي امور جعلية قد اعتبرت لما يترتب عليها من الاغراض الموجبة لاعتبارها ، فان الملكية ليست كالبياض موجودا تكوينيا خارجيا ، ولا كالامكان امرا تكوينيا ايضا ، بل هي مما اعتبرها العقلاء أو الشارع لغرض اوجب ذلك الاعتبار ، وكذلك الرقية فإن الموجود في الخارج هو ذات العبد والرق ، وليست رقيته كبياضه أو سواده ولا كامكانه بل هي بعد اعتبار العقلاء أو الشارع لها صارت منشأ لانتزاع المالك والرق.

والنحو الثاني والثالث يسميان بالخارج المحمول إلّا ان الثاني تكويني والثالث جعلي لا تكويني ، وقد اشار ظاهرا بمقتضى امثلته إلى خصوص الثالث بقوله : ((ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لو لا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا لما كان بحذائه شيء خارجا)).

لا يخفى ان ظاهر كلامه ان سبب انتزاعه واختراعه هو عدم وجود شيء بحذائه خارجا ، وبهذا المقدار لا يفرق بين التكويني والجعلي فانه كما انه ليس للرقية ما بحذاء في الخارج ، كذلك ليس للامكان ما بحذاء في الخارج.

وان كان مراده من ان السبب في الانتزاع والاختراع انه ليس له صلة بالخارج تكوينا اصلا ولو بان لا يكون منشأ انتزاعه تكوينيا كما في الثاني ، وان السبب في انتزاعه واختراعه هو الجعل كما هو ظاهر امثلته فيختص بالثالث.

٧٦

لا يكون عنه ، وإنما يؤخذ في متعلق الاحكام آلة للحاظ متعلقاتها ، والاشارة إليها ، بمقدار الغرض منها والحاجة إليها ، لا بما هو هو وبنفسه ، وعلى استقلاله وحياله (١).

______________________________________________________

الّا ان قوله ويكون خارج المحمول فيه بعض المنافاة لأن الثاني ايضا من الخارج المحمول ، الّا ان يكون مراده عدم ان هذا من الخارج المحمول من دون اختصاص خارجية المحمول به.

وعلى كل فامثلته وهي الملكية والزوجية والرقية والحرية من الواضح انه ليس لها ما بحذاء في الخارج وانها امور اعتبارية وليست من المقولات ، اما الزوجية والحرية فواضح جدا ، واما الرقية فليست هي الا ملكيته ، واذا كانت الملكية اعتبارية فلا بد وان تكون الرقية اعتبارية ايضا ، واما كون الملكية اعتبارية فلأن المقولات ما لا تختلف فيها الانظار ، فان احاطة شيء بشيء أو اضافة شيء إلى شيء اضافة مقولية اسبابها تكوينية لا تختلف بحسب نظر دون نظر مع ان الملكية مختلفة بحسب الانظار ، فان العقد الربوي مما يقتضي الملكية بحسب نظر ولا يقتضي الملكية بحسب نظر آخر ، فهذا مما يدل على ان الملكية من الأمور الاعتبارية ، فربما يعتبرها جماعة وربما لا يعتبرها آخرون ، وعلى كل فقد حقق في محله ان الملكية من الاعتبارات المجعولة.

واما الغصبية فهي وان كانت التصرف المضاف إلى عدم رضا المالك ، إلّا ان الملكية اذا كانت اعتبارية فالنتيجة تابعة لها فلا تكون الغصبية من المقولات ولا من خارج المحمول التكويني كالامكان.

(١) هذا هو البرهان على ان متعلق الاحكام هو وجود فعل المكلف خارجا أو حيثية الماهية المكتسبة من الجاعل على الخلاف في اصالة الوجود والماهية ، دون الماهية بنفسها أو وجودها الذهني ودون العنوان ، لأن السبب في الأمر والنهي هي المصلحة والمفسدة.

٧٧

ثالثتها : إنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ، ولا ينثلم به وحدته ، فإن المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد ، وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة ، بل بسيط من جميع الجهات ، ليس فيه حيث غير حيث ، وجهة مغايرة لجهة أصلا ، كالواجب تبارك وتعالى ، فهو على بساطته ووحدته وأحديته ، تصدق عليه مفاهيم

______________________________________________________

ومن الواضح : ان المصالح والمفاسد انما تكون في الموجود الخارجي الذي هو منبع الآثار أو في الماهية المتحيثة بحيثية الجعل والتكوين ، وليس وجود الماهية ذهنا ولا حيثيتها الذهنية مما تقوم بهما المصالح والمفاسد ، ولا الماهية من حيث هي هي ايضا مما تقوم بها المصالح والمفاسد ، فلا الماهية ولا وجودها الذهني مما تتعلق بهما الاغراض وانما الاغراض تقوم بما هو الخارج.

واما العنوان فلأنه لا خارجية له اصلا ، وانما الخارجية لمنشا انتزاعه ومعنونه فهو الحامل للغرض الداعي إلى الأمر والنهي ، فمتعلق غرض المولى هو فعل المكلف الموجود خارجا الذي خارجيته بوجوده بناء على اصالة الوجود ، أو بحيثيته المكتسبة من الجاعل بناء على أصالة الماهية.

واما المفهوم سواء كان ماهيته المتصورة أو عنوانه فهو مرآة دالة للموجود الخارجي والمعنون الخارجي ، والى هذا اشار بقوله : ((ضرورة ان البعث ليس نحوه)) أي ليس نحو اسم الشيء ولا نحو عنوانه ((والزجر لا يكون)) ايضا ((عنه وانما يؤخذ)) الاسم والعنوان ((في متعلق الاحكام آله للحاظ متعلقاتها)) وهي الموجودات الخارجية التي هي المسميات والمعنونات ((و)) لاجل ((الاشارة اليها بمقدار الغرض منها والحاجة اليها)) من السعة والضيق لما هو الموجود في الخارج من افرادها ومعنوناتها ((لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله)) من الاسم والعنوان.

٧٨

الصفات الجلالية والجمالية (١) ، له الاسماء الحسنى والامثال العليا ، لكنها بأجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الاحد.

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير(٢).

______________________________________________________

(١) حاصل هذه المقدمة ان نفس تعدد الوجه والعنوان لا يكشف عن تعدد المعنون والمصداق لذلك الوجه في الخارج ، بل ربما يكون الموجه بوجوه متعددة والمعنون بعناوين كثيرة في الخارج واحدا ، وربما يكون متعددا ، وليس للوجه والعنون اقتضاء لتعدد مضمونه ومصداقه في الخارج.

والذي يدلك على ان المفاهيم المتعددة والعناوين المتكثرة لا توجب تعدد مصداقها ومعنونها ، وانها ربما تنطبق بكثرتها على الواحد البسيط من كل جهة ، الذي ليس فيه حيثية غير حيثية وجوده المحض البسيط من جميع الجهات هو صدق المفاهيم المتكثرة من اسمائه الحسنى وامثاله العليا تبارك وتعالى على وجوده البسيط بساطة تامة ، وهو بوحدته وبساطته التامة الكلية الله والحي والقيوم والصمد والواحد والعالم والمكون إلى غير ذلك من صفاته الجلالية والجمالية تبارك وجل شأنه وعزّ وتعالى جلاله الواحد بذاته لذاته ، الذي هو بذاته إله وهو بذاته علم وهو بذاته قدرة إلى ما لا يتناهى من أسمائه وصفاته جلت وعظمت ، وهو بوحدته وبساطته مصداق لجميع هذه الأسماء والصفات.

فاتضح ان تعدد المفاهيم والعناوين لا اقتضاء لها ولا كاشفية فيها عن تعدد المصداق والمعنون خارجا ، بل قد يكون واحدا وقد يكون متعددا فالعالم والهاشمي قد يكون مصداقهما واحدا وقد يكون مصداق العالم غير مصداق الهاشمي.

(٢) المراد من قوله له الامثال العليا هو ان الامثال جمع المثل ، ومن الواضح ان كل موجود من الموجودات من عالم السماء والأرض هو مثال ومظهر لقدرته وعظمته وجبروته.

٧٩

رابعتها : إنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد ، إلا ماهية واحدة وحقيقة فاردة ، لا يقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو إلا تلك الماهية ، فالمفهومان المتصادقان على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة ، وكانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده ، فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا لا محالة ، فالمجمع وإن تصادق عليه متعلقا الامر والنهي ، إلا أنه كما يكون واحدا وجودا ، يكون واحدا ماهية وذاتا ، ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية.

ومنه يظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة ، على القولين في تلك المسألة ، كما توهم في الفصول (١) ، كما ظهر عدم الابتناء

______________________________________________________

(١) حاصل هذه المقدمة لرفع توهمين :

الأول انه لا ينبغي ان يتوهم احد ان تعدد العنوان انما لا يستلزم تعدد المعنون بناء على اصالة الوجود ، لأن الوجود الواحد يمكن ان ينتزع منه مع وحدته عناوين متعددة ، كما عرفت من انتزاع جميع الاسماء والصفات من وجود الواجب الواحد البسيط التام عزوجل ، فالعناوين المتعددة تتصادق على وجود واحد ، وقد تقدم في المقدمة الثانية ان متعلق التكاليف هو الموجود الخارجي ، فالمراد بالعنوان في متعلق الأمر وبالعنوان في متعلق النهي هو هذا الموجود الخارجي الواحد ، وقد تقدم في المقدمة الأولى تضاد الاحكام فلا يعقل اجتماع الأمر والنهي بعنوانين في مجمع واحد فلا يعقل القول بالجواز.

واما بناء على اصالة الماهية فالعناوين هي الماهيات ومتعلق كل من الأمر والنهي عنوان غير العنوان الآخر ، فمتعلق كل منهما ماهية غير الماهية الأخرى والماهيات لكل واحد منها تحقق غير تحقق الآخر ، ولكل منها حيثية مكتسبة من الجاعل غير الحيثية الأخرى وهذه الحيثية هي خارجية الماهية المطلوبة ، فلكل من متعلق الأمر والنهي تحقق في الخارج غير تحقق الآخر فلا اجتماع لهما في شيء واحد لا في مقام

٨٠