بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

فافهم واغتنم (١).

______________________________________________________

هذه المسألة هو الجواز وكان من العدلية القائلين بعدم امكان التكليف بالمحال وبغير المقدور فعليه اعتبار قيد المندوحة ((في الحكم بالجواز فعلا)).

وعلى كل فقيد المندوحة انما هو ((لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا)).

فاتضح من كلامه هذا من ان الاشعري الذي لا يرى التكليف بالمحال محذورا داخل في المتنازعين في هذه المسألة ، فيدل هذا على ان المهم فيما هو محل النزاع هو اجتماع الضدين الذي لا يقول به الاشعري لو لزم ذلك من اجتماع الامر والنهي في واحد ، دون التكليف بالمحال الذي يقول به ولا يراه محذورا.

قوله : ((كما ربما لا بد من اعتبار امر آخر)) : أي انه اذا عرفت خروج قيد المندوحة عما هو المهم في محل النزاع وان المحتاج لقيد المندوحة هو القائل بالجواز من العدليّة حيث يريد استنباط حكم الصلاة بالفعل في الدار المغصوبة ، فانه يحتاج إلى قيد المندوحة كما انه في مقام توجه التكليف إلى امور أخر كالبلوغ والعلم وساير الشرائط العامة والخاصة في مقام توجه التكليف الفعلي ، وقد اشار إلى ان قيد المندوحة انما هو فيما كان المحذور هو التكليف بالمحال وهذا المحذور غير المحذور في محل النزاع وهو لزوم كون المقام من التكليف المحال بقوله : ((وبالجملة الى آخر كلامه)).

(١) لعله اشارة الى ان لزوم اجتماع الضدين ليس قيدا في موضوع هذه المسألة ، والّا لقالوا : هل يلزم اجتماع الضدين في اجتماع الامر والنهي بعنوانين في واحد ام لا؟ وانما هو مدرك القائلين بالامتناع وبعض القائلين بالجواز ، فانه وان كان لا يرى في اجتماع الامر والنهي بعنوانين في واحد لزوم اجتماع الضدين ، إلّا انه حيث كان بحثه بحثا اصوليا فهو انما يبحث عن جواز اجتماع الامر والنهي لاستنباط الحكم الفرعي ، واذا لم تكن مندوحة فلا يجتمع الامر والنهي للزوم التكليف بالمحال ، فاجتماع الامر والنهي الذي يبحث عنه القائل بالجواز لاستنباط الحكم الفرعي لا بد من تقييده بقيد

٤١

السابع : إنه ربما يتوهم تارة أن النزاع في الجواز والامتناع ، يبتني على القول بتعلق الاحكام بالطبائع ، وأما الامتناع على القول بتعلقها بالافراد فلا يكاد يخفى ، ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ، ولو كان ذا وجهين على هذا القول.

وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبائع ، لتعدد متعلق الامر والنهي ذاتا عليه ، وإن اتحد وجودا ، والقول بالامتناع على القول بالافراد ، لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا ، وكونه فردا واحدا (١).

______________________________________________________

المندوحة ، فتعميم البحث الذي يقع في طريق الاستنباط من القائلين بالامتناع والقائلين بالجواز لا بد من تقييده بقيد المندوحة ، وقيد المندوحة بالنسبة إلى عنوان النزاع الذي هو جواز اجتماع الامر والنهي من القائلين بالجواز ليست نسبته نسبة البلوغ والعلم ، بل هو من شئون العنوان المذكور فلذا كان اللازم تقييد العنوان به.

(١) يشتمل هذا الامر على توهمين :

الاول : ان النزاع في جواز اجتماع الامر والنهي وعدمه انما يتأتى على القول بتعلق الطلب ايجادا أو تركا بالطبيعة ، واما بناء على تعلقه بالفرد فلا مجال لهذا النزاع.

وبيانه : انه اذا كان متعلق الطلب هو الطبيعة والطبائع متباينات بانفسها ، فاذا تصادقا على واحد فمن يرى ان تصادقهما يوجب سراية احدهما إلى الآخر لأنهما صارا بحسب الخارج واحدا ، وان كانا بذاتهما متعددين ومتباينين يقول بالامتناع ، ومن يرى ان تصادقهما على واحد لا يجعلهما واحدا بل هما باقيان على تعددهما وتباينهما فلا موجب للسراية يقول بالجواز وهذا هو الذي ينبغي ان يكون مدركا للجواز والامتناع.

لا ما يقال : ان الجواز مبني على تعلق الطلب بالطبيعة المقيدة بالوجود والامتناع على القول بتعلقه بوجود الطبيعة بدعوى ان الوجود اذا كان تقيده داخلا في الطبيعة

٤٢

وأنت خبير بفساد كلا التوهمين ، فإن تعدد الوجه إن كان يجدي بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والايجاد ، لكان يجدي ولو على

______________________________________________________

يكون هو خارجا عن الطلب فيكون مدركا للجواز لعدم اجتماع الامر والنهي فيه ، واذا كان داخلا وجزء المطلوب يلزم اجتماعهما فيه فيكون مدركا للامتناع.

لانه يقال : انه بناء على تعلق الطلب بالطبيعة المقيدة بالوجود فان الوجود على هذا وان كان خارجا عن الطلب النفسي الّا انه لا بد وان يكون مطلوبا بطلب غيري ، لانه مما يتوقف عليه تحقق المطلوب بالطلب النفسي فيكون مجمعا للامر الغيري والنهي الغيري ، فلا فرق بين كون وجود الطبيعة قيدا أو جزءا ، لما عرفت في الامر الخامس : ان ملاك النزاع يشمل الغيري ايضا ولا اختصاص له بالنفسي.

واما اذا كان متعلق الطلب هو الفرد فلا مجال لهذا النزاع لأن الفرد المتشخص في الخارج واحد وغير متعدد فلا يتأتى مناط القول بالجواز ، بل لا بد من القول بالامتناع ، لأنه اذا كان متعلق الطلب وجودا أو تركا هو الفرد المتشخص خارجا الذي له وجود واحد فكونه ذا وجهين وذا عنوانين لا يجعله متعددا وجودا ، فلا ينفع تعدد العنوان للقول بالجواز ، والى هذا اشار بقوله : ((ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ولو كان ذا وجهين)). هذا هو التوهم الاول.

واما التوهم الثاني : فهو ان القول بالجواز يبتني على تعلق الطلب بالطبيعة لأن الطبائع متباينات بالذات وتصادقهما على وجود واحد لا يجعل المتعدد والمتباين بالذات واحدا.

والقول بالامتناع يبتني على القول بتعلق الطلب بالفرد لأن الفرد متشخص وواحد خارجا والواحد الخارجي المتشخص لا يتعدد بتعدد الوجه والعنوان ، والى هذا التوهم اشار بقوله : ((واخرى ان القول بالجواز مبني على القول بالطبائع ... الى آخر كلامه)).

٤٣

القول بالافراد ، فإن الموجود الخارجي الموجه بوجهين ، يكون فردا لكل من الطبيعتين ، فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد ، فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين ، كذلك لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين ، وإلا لما كان يجدي أصلا ، حتى على القول بالطبائع ، كما لا يخفى ، لوحدة الطبيعتين وجودا واتحادهما خارجا ، فكما أن وحدة الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر بتعددهما وكونهما طبيعتين ، كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة ، فيكون مأمورا به ، وفردا للغصب فيكون منهيا عنه ، فهو على وحدته وجودا يكون اثنين ، لكونه مصداقا للطبيعتين ، فلا تغفل (١).

______________________________________________________

(١) لا ينبغي ان يخفى انه إذا اثبتنا تأتي النزاع على القول بتعلق الطلب بالفرد ، وانه لا فرق في تأتي النزاع بينه وبين تعلق الطلب بالطبيعة.

يتضح فساد كلا التوهمين فانه اذا امكن تأتي النزاع على القول بالفرد يفسد التوهم الاول الذي ادعى انه على القول بالفرد لا يتأتى النزاع ، فانه اذا ثبت امكان دعوى الجواز حتى بناء على تعلق الطلب بالفرد يتضح منه فساد دعوى اختصاص النزاع بخصوص القول بالطبيعة ، وايضا يفسد التوهم الثاني الذي ادعى انه بناء على التعلق بالفرد لا وجه للقول بالجواز وانه انما يتأتى على القول بالتعلق بالطبيعة ، فان ثبوت امكان تأتي النزاع حتى بناء على التعلق بالفرد لازمه فساد هذا التوهم ايضا ، لانه مع امكان القول بالجواز حتى اذا قيل بتعلق الطلب بالفرد لا وجه لاختصاص القول بالجواز بتعلق الطلب بالطبيعة ، ولذلك جعل المصنف الجواب عن هذين التوهمين واحدا : وهو امكان القول بالجواز حتى بناء على تعلق الطلب بالفرد.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : انه بناء على كون التشخص بالوجود لا بلوازم الطبيعة المقارنة لوجودها كالزمان والمكان لا وقع لهذين التوهمين ، لوضوح ان الصلاة المطلوبة اذا كانت تتشخص بنفس وجودها ، ومقارناتها من المقولات الأخر خارجة عما به تشخصها ، والفرد هو ليس إلّا الطبيعة المتشخصة ، ففرد طبيعة الصلاة هو الصلاة المتشخصة بالوجود وفرد الغصب الموجود منضما اليها ليس به تشخصها ، فلا ينبغي ان يتوهم احد ان الغصب الذي لا ربط له بشخص الصلاة ، وانما هو مقارن لها لا بد من ان يسرى إلى فرد الصلاة حتى على القول بالجواز فلا يمكن الا القول بالامتناع ، بل يمكن ان يقال بجواز الاجتماع لانه بعد ان كان فرد الصلاة غير الغصب وليس هناك إلّا انهما اجتمعا في وجود واحد فلا سراية لاحدهما الى الآخر. ويمكن ايضا ان يقال : انه حيث اجتمعا في وجود واحد تتحقق السراية فلا يجوز الاجتماع.

نعم ، بناء على ما مرّ من المصنف : من ان التشخص بلوازم الوجود من المقولات المقارنة في الوجود للطبيعة يكون لهذين التوهمين وجه.

لأن الفرد الصلاتي يكون تشخصه بما يقارنه فيكون الغصب المقارن له من مشخصاته ، ولا بد من سريان ما به التشخص إلى ما يتشخص به ، فان الغصب اذا كان هو المشخص للفرد الصلاتي فدعوى سريان قبحه اليه له وجه فيكون الفرد الصلاتي قبيحا ، ولا يعقل امر المولى بالقبيح فلا يعقل بناء على تعلق الامر بالافراد القول بالجواز.

والجواب عنه : ان المتشخص وان كان هو المقارن إلّا ان المشخص لفرد الصلاة هو الكون في المكان بما هو كون في المكان ، والغصبية خارجة عن حقيقة الكون في المكان بما هو مقولة المكان ، فما به التشخص الذي هو الكون في المكان ليس قبيحا وانما القبيح هو الغصبية المتحققة في هذا الكون المكاني وهي خارجة عن الكون المكاني بما هو مقولة المكان.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتضح انه حتى لو قلنا بان التشخص باللوازم يمكن ان يقال بالجواز ايضا ، لأن المشخص للفرد الصلاتي ليس هو الغصب بل تشخصه بنفس مقولة المكان ، والغصب خارج عن مقولة المكان بما هي مقولة المكان.

فيمكن ان يقال بالجواز لأن تعدد الوجه في هذا الوجود الواحد الجامع للفردين ـ الذي لم يكن احدهما مشخصا للفرد الآخر ـ مجد في عدم سراية احدهما للآخر.

ويمكن ان يقال بالامتناع لأن اجتماعهما في الوجود الواحد يوجب السراية.

وبعبارة اخرى : ان كون المجمع لهما وجودا واحدا ان كان يقتضي السراية ولا يجدي فيه تعدد الوجه فلا فرق بين كون متعلق الامر والنهي هو الطبيعة أو الفرد ، فانه بناء على انه هو الطبيعة فقد جمع الطبيعتين وجود واحد ، وبناء على الفرد فانه ايضا قد جمع الفردين وجود واحد ، واذا كان كون المجمع وجودا واحدا لا يقتضي السراية وان تعدد الوجه يجدي في عدم السراية فلا فرق ايضا بين كون متعلق الامر والنهي هو الطبيعة أو الفرد.

والحاصل : ان المانع من جواز الاجتماع انما هو كون المجمع وجودا واحدا وان تعدد الوجه فيه لا ينفع حيث يكون المجمع وجودا واحدا ، واما كون متعلق الامر والنهي هو الفرد فلا يضر القائل بالجواز ، كما ان كون متعلقهما هو الطبيعة لا ينفعه اذا كان وحدة وجود المجمع مانعة عن الاجتماع.

واذا لم تكن وحدة وجود المجمع منافية للقول بالجواز فلا ينافيه كون متعلق الامر والنهي هو الفرد ، والى هذا اشار بقوله : ((فكما ان وحدة الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر)) : أي ان الذي عليه يدور الجواز والاجتماع هو كون المجمع وجودا واحدا ، واما كون المتعلق هو الطبائع أو الافراد فلا يضر ولا ينفع ، فاذا كان اجتماعهما في وجود واحد غير ضائر لانه لا يوجب السراية فلا فرق بين كون المتعلق الطبيعة أو الفرد ، ولذا قال : ((كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجودا)) : أي الخصوصيات الصلاتية التي

٤٦

الثامن : إنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع ، إلا إذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا ، حتى في مورد التصادق والاجتماع ، كي يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوما بالحكمين وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين ، أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى ، كما يأتي تفصيله.

وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط بذلك ، فلا يكون من هذا الباب ، ولا يكون مورد الاجتماع محكوما إلا بحكم واحد منهما ، إذا كان له مناطه ، أو حكم آخر غيرهما ، فيما لم يكن لواحد منهما ، قيل بالجواز أو الامتناع (١) ،

______________________________________________________

بها تكون الصلاة فردا ومشخصة وجودا ، فان وحدة المجمع في الوجود حيث لا تكون مضرة بناء على التعلق بالطبيعة كذلك لا تكون مضرة اذا كان هذا المجمع الواحد قد اجتمع فيه فرد من الصلاة بما له من المشخصات الوجوديّة غير المرتبط بالفرد الغصبي وهو ((غير ضائر بكونه فردا للصلاة فيكون مامورا به)) وغير ضائر بكون هذا المجمع الواحد وجودا ((وفردا للغصب)) ايضا ((فهو على وحدته وجودا يكون اثنين لكونه مصداقا للطبيعتين)) ويكون ايضا اثنين لكونه مصداقا للفردين ، لما عرفت من ان كلا من الفردين غير مشخص للآخر وليس له ربط في تشخصه ، واذا لم يكن فرد الغصب مشخصا لفرد الصلاة فحال الفرد كالطبيعة من ناحية القول بالجواز وعدمه ، وانما المانع عن القول بالجواز هو كون المجمع وجودا واحدا ، فاذا لم يكن هذا مانعا فليس هناك مانع غيره.

(١) هذا الامر معقود لبيان تعيين مورد مسألة اجتماع الامر والنهي في مرحلتي الثبوت والاثبات.

والكلام اولا في بيان مرحلة الثبوت الذي اشار اليها في آخر كلامه بقوله : هذا بحسب مقام الثبوت.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فنقول : حيث كان الكلام في مسألة الاجتماع ان اجتماع متعلقي الايجاب والتحريم في مصداق واحد وجودا هل يمنع من الاجتماع ام لا؟ فلا بد من تحقق كلا متعلقي الايجاب والتحريم فيما تصادقا عليه ، لأن تحقق الحكم يتبع تحقق مناطه في متعلقه ، فانه لا يعقل تحقق الحكم من دون تحقق مناطه لانه يكون من قبيل تحقق المعلول من غير علة ، واذا لم يتحقق مناط الحكم لا يتحقق الحكم واذا لم يتحقق الحكم فلم يجتمع الحكمان ، ولذلك فلا بد في كون المورد من مسألة الاجتماع من تحقق مناط كلّ من الحكمين في مورد التصادق ، فانه ما لم يتحقق مناط كلا الحكمين في مورد التصادق لا يكون الحكمان مجتمعين في مورد التصادق فلا يكون المورد من مسألة الاجتماع.

ولا يخفى ايضا انه لا بد من كون كل المناطين فعليا في مورد التصادق ، فانه اذا كان احد المناطين اقتضائيا لا فعليا فالحكم يتبعه ويكون اقتضائيا ايضا ، ولا اثر للحكم في مرحلة الاقتضاء ، بل يصح ان يسلب عن كونه حكما بالحمل الشائع ، وكذلك اذا كان احدهما انشائيا لا فعليا فان مورد التزاحم والتأثير انما هو مرتبة الفعلية ، فما لم يكن الحكم حكما فعليا لا يزاحم حكما آخر ولا يعارضه.

فمورد مسألة الاجتماع ينحصر في المرتبة الفعلية للايجاب والتحريم فاذا تحقق المناطان للحكمين في مرحلة الفعلية يكون المورد الذي تصادقا فيه بالفعل من مسألة الاجتماع.

فعلى الجواز يكون مورد التصادق فعلا محكوما بالحكمين الايجابي والتحريمي ولذا قال (قدس‌سره) : ((كي يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوما بالحكمين)).

واما على الامتناع فان كان احد المناطين اقوى وغالبا على غيره فيكون هو الباقي ويسقط الآخر ويكون مورد التصادق اما واجبا فيما تغلبت جهة المصلحة الوجوبية بنحو ان يكون المقدار الزائد على المفسدة التحريمية بحد الالزام ، واما اذا كان الباقي من المصلحة المزاحمة بالمفسدة ليس بحد الالزام فانه يكون مستحبا.

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله في جهة المفسدة فانها اذا كانت غالبة على المصلحة الوجوبية يسقط الوجوب ويبقى التحريم اذا كان الباقي من المفسدة التحريمية المزاحمة بالمصلحة الوجوبية بحد الالزام ، واذا لم تكن بحدّ الالزام فان المورد يكون مكروها بعد سقوط الوجوب.

ومراده من قوله : ((وعلى الامتناع بكونه محكوما باقوى المناطين)) هو ما اذا كان الباقي بحد الالزام أو ان مراده تغلب قوة جهة المصلحة والمفسدة ولا يكون ناظرا الى بقاء الحكم بما هو وجوب أو حرمة ، واذا تكافأ المناطان من المصلحة والمفسدة ولم يكن احدهما اقوى فيسقطان معا ويحكم بغيرهما من الاحكام ، والظاهر هو الاباحة ، والى هذا اشار بقوله : ((أو بحكم آخر الى آخر كلامه)) ، ومراده من قوله : ((كما يأتي تفصيله)) هو ما سيذكره في الامر التاسع.

فاتضح مما ذكرنا ان مورد مسألة الاجتماع انما يكون فيما اذا تحقق المناطان في مورد التصادق بنحو الفعلية.

واما اذا لم يتحقق المناطان في مورد التصادق بنحو الفعلية ولو بان يكون احدهما اقتضائيا أو انشائيا فلا يكون مورد التصادق من مسألة الاجتماع.

وقد يقال : لا يكون ايضا من مورد باب التعارض لأن باب التعارض مورده الادلة ، والادلة انما تكون ادلة في مرحلة الاثبات لا في مرحلة الثبوت ، فمرحلة الثبوت ليس مورد باب التعارض.

وفيه : ان الفرق بين مرحلة الثبوت والاثبات هو ان النظر في مرحلة الثبوت الى الواقع بما هو ، وفي مرحلة الاثبات الى كيفية اثبات ذلك الواقع من دليل ظاهر أو نص أو اجماع أو عقل ، والّا فلو علمنا لا من دليل ان المتحقق بالفعل احد المناطين لم يكن المورد من باب الاجتماع وكان من باب التعارض لأن الضابط فيه التكاذب.

وعلى كل اذا لم يتحقق المناطان لا يكون مورد التصادق من باب الاجتماع ، واذا لم يكن من باب الاجتماع فان تحقق احد المناطين فالحكم حكم ذلك المناط

٤٩

هذا بحسب مقام الثبوت (١).

وأما بحسب مقام الدلالة والاثبات ، فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان ، إذا احرز أن المناط من قبيل الثاني ، فلا بد من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير ، وإلا فلا تعارض في البين ، بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين ، فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا ، لكونه أقوى مناطا ، فلا مجال

______________________________________________________

المتحقق ، واذا لم يتحقق اصلا ولا واحد من المناطين يكون حكم المورد حكما آخر سواء قلنا في مورد تحقق كلا المناطين بالجواز أو بالامتناع ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((واما اذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك)) : أي مناط متحقق في مورد التصادق بالفعل ((فلا يكون من هذا الباب)) : أي من باب الاجتماع الى آخر كلامه.

(١) قد اشرنا انه سيذكر ان كلامه من اول هذا الامر الى هنا انما هو في مرحلة الثبوت.

قوله : ((والّا فلا تعارض في البين)) أي وان احرزنا كلا المناطين.

قوله : ((بل كان من باب التزاحم)). قد عرفت انه يكون موردهما مورد التزاحم بناء على الامتناع لا الجواز ، وقد عرفت ايضا انه انما يكونان من المتزاحمين لا المتعارضين فيما اذا كانا متعرضين لا للحكم الفعلي ، ويدل عليه قوله فيما بعد : لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي لوقع بينهما التعارض.

قوله : ((لو لم يوفق بينهما)). أي ان ملاحظة مرجحات باب المعارضة انما هو فيما اذا لم يحرز قوة احد المناطين أو كان احدهما مضيقا والآخر موسعا ، والّا فيتقدم الاقوى منهما مناطا أو المضيق منهما ولا يلاحظ بينهما مرجحات باب المعارضة ويحمل الأضعف منهما أو الموسع على الحكم الاقتضائي.

٥٠

حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات أصلا ، بل لا بد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات ، كما يأتي الاشارة إليها.

نعم لو كان كل منها متكفلا للحكم الفعلي ، لوقع بينهما التعارض ، فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة ، لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة (١) ،

______________________________________________________

(١) لما فرغ من بيان مورد الاجتماع في مرحلة الثبوت تعرض لبيانه في مرحلة الاثبات.

وبيانه : ان الروايتين الدالتين على الايجاب والتحريم اذا احرزنا ان المتحقق بالفعل مناط احدهما فقط فانهما يكون موردهما من باب التعارض لعدم معرفة المناط المتحقق بعينه ولانهما متكاذبان لأن الموجود الصادر هو احد الحكمين لا كلاهما على الفرض ، فسواء قلنا في باب الاجتماع بالجواز أو الامتناع لا يكون الحكمان اللذان دلت عليهما الروايتان من باب الاجتماع ، لوضوح انه اذا لم يكن الا مناط احد الحكمين فالمتحقق حكم واحد لا حكمان حتى يمكن ان يقال بجواز اجتماعهما وعدمه ـ بناء على الجواز وبناء على الامتناع ـ فالقول بالتزاحم في مورد والتعارض في مورد آخر انما هو اذا احرز كلا المناطين لا فيما اذا كان المتحقق احد المناطين.

وعلى كل اذا احرز ان المتحقق احد المناطين فقط فهما لتكاذبهما من المتعارضين ، ولا بد من المعاملة معهما معاملة باب التعارض من الترجيح لاحدهما أو التخيير بينهما على تفصيل يذكر في باب التعارض ، والى هذا اشار بقوله : ((اذا احرز ان المناط من قبيل الثاني)) وهو ما اذا كان المتحقق احد المناطين لا على التعيين فهما متكاذبان ((فلا بد من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير)).

واما اذا احرزنا تحقق مناطيهما معا بأن احرزنا من الخارج المصلحة الايجابية والمفسدة التحريمية فان كانت الروايتان لا في مقام بيان الحكم الفعلي بل كانتا في مقام

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

التشريع ـ مثلا ـ ولبيان الحكم بمرتبته الاقتضائية أو الانشائية فلا يدخل مورد الروايتين في باب التعارض سواء قلنا بالجواز أو الامتناع.

اما على الجواز فواضح ، لانه مع احراز كلا المناطين فلا بأس باجتماعهما ولا تزاحم بينهما في المرحلة الفعلية فضلا عن غيرها.

واما على الامتناع فلأن المدار في باب التعارض على التكاذب في المرحلة الفعلية ، والمفروض عدمها وتكون الروايتان على الامتناع من المتزاحمين لاحراز المناطين في حكمهما الايجابي والتحريمي ، وحيث لا يمكن ان يؤثرا معا على الامتناع فهما متزاحمان ، ولا بد ان يعامل معهما معاملة باب التزاحم وهو ترجيح اقواهما مناطا وان كان اضعف دليلا سندا أو دلالة ، فلو كان الاقوى مناطا حسنا أو موثقا والاضعف مناطا صحيحا اعلائيا قدم الحسن أو الموثق عليه ، بخلاف باب التعارض فان الترجيح فيه للاقوى سندا فيقدم الصحيح ، وكذا لو كان الاقوى مناطا ظاهرا والأضعف مناطا اظهر يتقدم الظاهر الاقوى مناطا على الاظهر الأضعف مناطا ، هذا اذا لم تكن الروايتان في مقام بيان الحكم الفعلي وقد احرزنا كلا المناطين.

واما اذا كانتا في مقام بيان الحكم الفعلي وقد احرزنا كلا المناطين.

فعلى الجواز لا يدخلان في باب التعارض ولا باب التزاحم اذ لا مانع من تاثيرهما معا ولا تكاذب بينهما.

واما على الامتناع فحيث لا يمكن ان يؤثرا معا في مرحلة الفعلية فيكونان متكاذبين في هذه المرحلة ، فان احرزنا من الخارج قوة احد المناطين فيتقدم الاقوى منهما أو كان احدهما موسعا والآخر مضيقا فيتقدم المضيق وان كان اضعف مناطا ، لعدم فوات الاقوى لكونه موسعا ، وان لم يحرز احد المناطين ولم يكن احدهما مضيقا بان كانا مضيقين ـ مثلا ـ فيعامل معهما معاملة باب التعارض ، فيقدم ما هو اقوى سندا أو دلالة ويكون كاشفا حيث لا كاشف غيره عن قوة الاقوى منهما مناطا.

٥٢

فتفطن (١).

التاسع : إنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب ، أن يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها ، مشتملة على مناط الحكم مطلقا ، حتى في حال الاجتماع ، فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا إشكال ، ولو لم يكن إلا اطلاق دليلي الحكمين ، ففيه تفصيل وهو : إن الاطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي ، لكن دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع ، فيكون من هذا الباب ، ولو كان بصدد الحكم الفعلي ، فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في

______________________________________________________

(١) ربما يكون اشارة الى ما ذكره من ان التزاحم بين المقتضيين في غير المرتبة الفعلية لدلالة قوله فيما بعد نعم انهما من المتعارضين اذا كانا متكفلين للحكم بمرتبة الفعلية ، وربما يقال بان التزاحم بين المقتضيين انما يكون في مرحلة التأثير في المرتبة الفعلية بان يكون احدهما بعثا بالفعل والآخر زجرا بالفعل ، واما المقتضيان في غير هذه المرحلة من مرحلة الاقتضاء فلا تزاحم بينهما ، اذ كون المصلحة في ذاتها لها اقتضاء للحكم الايجابي اقتضاء وللمفسدة اقتضاء للحكم التحريمي اقتضاء لا يوجب تزاحما بينهما في اقتضائهما الذي هو ذاتي ، وانما يتزاحمان حيث تؤثر المصلحة حكما ايجابيا فعليا والمفسدة تؤثر حكما تحريميا فعليا ، وكذلك لا تزاحم بينهما في مرحلة الانشاء وجعل القانون بحيث لو علم بهما كانا فعليين كما في الاحكام المخزونة الى ظهور صاحب الامر عليه‌السلام ، وانما يتزاحمان في مرحلة الانشاء الذي بحيث لو علم بها لكانت الاحكام فعلية منجزة ، وهذه المرحلة من الانشاء هي الفعلية من قبل المولى.

فينبغي ان يقال : انهما بناء على الامتناع هما متزاحمان في المرحلة الفعلية لعدم امكان تاثيرهما معا ، فان علم الاقوى منهما مناطا أو كان احدهما موسعا والآخر مضيقا قدم الاقوى منهما والمضيق منهما ، والّا فيعامل معهما معاملة المتعارضين لتكاذبهما في مرحلة الفعلية فيقدم اقواهما سندا أو دلالة.

٥٣

الحكمين على القول بالجواز ، إلا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين ، فيعامل معهما معاملة المتعارضين.

وأما على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان ، من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا ، فإن انتفاء أحد المتنافيين ، كما يمكن أن يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضي له ، يمكن أن يكون لاجل انتفائه ، إلا أن يقال : إن قضية التوفيق بينهما ، هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي ، لو لم يكن أحدهما أظهر ، وإلا فخصوص الظاهر منهما (١).

______________________________________________________

(١) لما بين في الامر السابق مورد باب الاجتماع وانه لا بد من احراز كلا المناطين فيه عقبه بهذا الامر لبيان ان الحال فيما به يحرز المناطان يختلف ، فان كان المحرز لتحقق المناطين في مورد الاجتماع إجماعا أو نصا فلا اشكال انه من مسألة باب اجتماع الامر والنهي ، فعلى الجواز يتحقق في المأتي به الامتثال والعصيان ولا تزاحم ولا تعارض ، وعلى الامتناع يعامل معهما معاملة باب التزاحم ان امكن تعيين الاقوى مناطا أو كان احدهما موسعا والآخر مضيقا ، والّا فيعامل معهما معاملة المتعارضين فيقدم الاقوى سندا أو دلالة ، هذا اذا دل النص أو الاجماع على تحقق المناطين ، فعلا واما اذا دل على تحقق المناطين اقتضاء فيعلم حاله مما سيأتي فيما اذا كان المحرز للمناطين هو الاطلاق.

وان كان المحرز هو الاطلاق فيختلف الحال على الجواز والامتناع.

فانه على الجواز لا تزاحم بينهما ولا تعارض فيما اذا كان الاطلاق في مقام بيان الحكم الفعلي فضلا عن الاقتضائي ، ويحرز بالاطلاق وجود كلا المناطين الّا اذا علم من الخارج بكذب احد الدليلين وان الصادر احدهما لا على التعيين ، فانه مع العلم بكذب احد الدليلين يعلم بان المتحقق احد المناطين فقط ، فالموجود حكم واحد

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

منهما لا كلاهما ، وحيث لا يعلم به على التعيين فهما متكاذبان فيعامل معهما معاملة باب التعارض ويكونان من المتعارضين.

ثم لا يخفى انه قد عرفت مما مرّ ان الحكمين في مرتبة الاقتضاء لا تزاحم بينهما ولا تعارض ، فسواء قلنا بالجواز أو الامتناع في مرحلة الفعلية لا مانع من اجتماعهما في مرتبة الاقتضاء ، فاذا كان الاطلاق في مقام التشريع وبيان الحكم بمرتبته الاقتضائية يكون الحكم كاشفا عن ثبوت المقتضي بحسب كشف المعلول عن علته إنّا على الجواز وعلى الامتناع ، ولكنه في مرحلة الاقتضاء لا يكشف الحكم الّا عن ثبوت مقتضيه فقط ولا كاشفية له عن شرائط التأثير وعدم المانع المزاحم للتأثير.

نعم الحكم في مرتبته الفعلية لا بد وان يكون كاشفا عن ثبوت المقتضي له وشرائطه وعدم المانع عن التأثير ، اذ الحكم في مرتبة الفعلية هو في مرتبة وجوده وكونه حكما موجودا بالحمل الشائع ، ولا يوجد المعلول الا بعد وجود علته التامة التي هي المقتضي وشرط تأثيره وعدم المانع عن تأثيره ، فان المؤثر في الاحراق ـ مثلا ـ هي النار المقاربة للجسم المحترق مع عدم الرطوبة في الجسم المانعة عن الاحراق ، واما لو وجدت النار وحدها فالاحراق ليس بموجود بالفعل ، بل هو ثابت بثبوت اقتضائي ، والحكم في مرحلة الاقتضاء كذلك ثابت بثبوت المصلحة ثبوتا اقتضائيا : بمعنى ان المصلحة لها قابلية التأثير في نفس المولى ان يوجد الحكم لو اجتمعت شرائطه ، فيخرج الحكم من حدود الاقتضاء إلى حدود الفعلية ويكون حكما فعليا خارجيا ، فالمقتضي في مرحلة الاقتضاء له قابلية التأثير لا فعلية التأثير ، والحكم ليس بموجود الا اقتضاء ، والمقتضيان المتمانعان في مرحلة التأثير لا تزاحم بينهما في مرحلة القابلية وانما يتزاحمان في مرحلة الفعلية التي هي مرحلة التأثير ، فلا تزاحم ولا تعارض بين الحكمين في مرحلة الاقتضاء سواء قلنا بالجواز في مرحلة الفعلية أو بالامتناع ، فاذا كان الاطلاقان في مقام بيان الحكم الاقتضائي فلا مانع من اجتماعهما في مورد واحد سواء قلنا بالجواز أو الامتناع ، اذ لا ثبوت للحكم بذاته في هذه المرحلة وانما الثبوت

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارجي لمقتضيه وقد عرفت انه لا مانع من اجتماع المقتضيات في غير مرحلة التأثير. وحيث كان الحكم كاشفا عن سببه كشف المعلول عن علته ، فالحكم الاقتضائي الدال عليه الاطلاق يكشف عن ثبوت المقتضى فقط ولا كشف له عن سائر الشرائط لأنها انما يكشف عنها الحكم في مرتبته الفعلية لا الاقتضائية.

وقد تبين مما ذكرنا : انه لا مانع من استكشاف ثبوت المناط الذي هو المقتضي بهذا الاطلاق في مورد الاجتماع ، فالاطلاق الدال على ثبوت الوجوب اقتضاء دال على ثبوت مقتضيه ، والاطلاق الدال على ثبوت الحرمة اقتضاء دال على ثبوت مقتضيها ، ولا مانع من اجتماع مقتضي الوجوب ومقتضي الحرمة في مورد واحد سواء قلنا بالجواز أو الامتناع في مرحلة الفعلية ولذا قال (قدس‌سره) : ((ولو لم يكن الّا اطلاق دليلي الحكمين ففيه تفصيل وهو ان الاطلاق لو كان في)) مقام ((بيان الحكم الاقتضائي لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع)).

ومن تفصيله الآتي في مرحلة الفعلية وعدم تفصيله هنا يفهم منه انه في مرحلة الاقتضاء لا مانع من استكشاف ثبوت كلا المقتضيين في مورد الاجتماع على الجواز وعلى الامتناع.

هذا كله اذا كان الاطلاق في مقام بيان الحكم الاقتضائي بان يراد بثبوت الوجوب ثبوت مصلحته وبثبوت الحرمة ثبوت مفسدتها.

واما اذا كان الاطلاق في مقام بيان الحكم بمرتبته الفعلية فيختلف الحال على الجواز وعلى الامتناع.

فعلى الجواز لا مانع من ثبوت المقتضي لكلا الحكمين ، اذ لا مزاحمة بينهما ولا منافاة في مقام التأثير ، بل على الجواز يستكشف من وجود الحكم وجود علته التامة من مقتضيه وشرائط تأثيره وعدم المزاحم له في التأثير. نعم اذا علم من الخارج بكذب احدهما فلا بد من المعاملة معهما معاملة المتعارضين كما مر بيانه ـ ايضا ـ فيما اذا كان المحرز للمناط الاجماع أو النص ، والى هذا اشار بقوله : ((فلا اشكال في

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز إلّا اذا علم الى آخر كلامه)).

واما على الامتناع فالذي يظهر من المصنف انه لا دلالة على ثبوت المقتضيين لانه قال : ((واما على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع اصلا)) ثم اشار الى الوجه في ذلك بقوله :

((فان انتفاء احد المتنافيين كما يمكن ان يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضى له يمكن ان يكون لاجل انتفائه)) : أي لاجل انتفاء المقتضي ايضا.

وحاصله : انه بناء على الامتناع فاجتماع الحكمين الوجوبي والتحريمي في مرتبة الفعلية غير معقول ، ولا بد ان يكون الموجود في هذه المرتبة احدهما فقط والآخر منتف ، وحيث لا يدرى ان المنتفي منهما كان انتفاؤه لوجود المانع المزاحم للمقتضى له في مقام التأثير أو ان انتفائه كان لعدم المقتضي رأسا ، والتنافي بينهما لا يدل على اكثر من عدم وجودهما معا فعلا ، ولا دلالة للتنافي على ثبوت المقتضى لهما معا وانه اثر احدهما ولم يؤثر الآخر ، فيحتمل ان يكون عدم وجودهما معا لثبوت المقتضى لاحدهما وعدم ثبوت المقتضى للآخر ، ويحتمل ان يكون لوجود المانع عن تأثيره بعد ثبوته ولا دافع لهذا الاحتمال.

ولكنه لا يخفى ان الحكم بمرتبته الفعلية كاشف عن علته التامة من المقتضي والشرط وعدم المانع الذي من جملته عدم مقتض آخر يزاحمه في تأثيره ، وحيث كان مع هذا الحكم حكم آخر مناف له وهو كاشف ايضا عن ثبوت مقتض وشرط وعدم المانع ، وحيث انهما متنافيان فلا بد ان لا يكون الحكمان معا موجودين ، ولكن الحكم الذي لم يؤثر مقتضيه فعلا لا يسقط كشفه عن ثبوت مقتضيه وساير شرائطه عدا عدم وجود المانع ، لتحقق المانع له وجدانا وهو المقتضي للآخر الذي يحتمل انه هو الاقوى ، ولذا لو سقط تأثير هذا المقتضي الثاني لنسيان أو جهل لا نحتاج الى تحقق الحكم في الآخر الى محرز له غير الاطلاق الذي كان.

٥٧

فتلخص أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين ، كان من مسألة الاجتماع ، وكلما لم تكن هناك دلالة عليه ، فهو من باب التعارض مطلقا ، إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز ، وإلا فعلى الامتناع (١).

______________________________________________________

فاتضح : انه على الامتناع لا تسقط كاشفية الحكم عن ثبوت مقتضيه ، ولا فرق في هذه الكاشفية عن ثبوت المقتضى بين القول بالجواز أو الامتناع ، ولعله لهذه الكاشفية قال المصنف : ((الّا ان يقال ان قضية التوفيق بينهما الى آخر كلامه)) لوضوح ان التوفيق بينهما بحمل احدهما وهو المغلوب على الحكم الاقتضائي لا يكون جزافا ، بل انما يحمل احدهما على كونه اقتضائيا الذي لازمه ثبوت المقتضى له وان المانع منع عن التأثير فعلا لكاشفية الحكم عن ثبوت مقتضيه كشف المسبب عن سببه ، هذا اذا كان احدهما اظهر ، فان أظهريته تدل بالملازمة على اقوائية المناط فيه.

واما اذا تساويا في الظهور فالتنافي بينهما يمنع عن فعليتهما ، وحيث انهما متساويان فيتساقطان في الفعلية لمزاحمة كلّ منهما لتأثير الآخر ، ويبقى كشفهما عن ثبوت المقتضى لهما فيحملان معا على الاقتضاء ولذا قال (قدس‌سره) : ((ان قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي)) وذلك فيما اذا تساويا في الظهور.

واما اذا كان احدهما اظهر فيحمل خصوص الظاهر منهما على الحكم الاقتضائي ويكون حكم الاظهر هو الفعلي ، ولذا قال : ((لو لم يكن احدهما اظهر والّا فخصوص الظاهر منهما)) : أي انه اذا لم يتساويا في الظهور وكان احدهما اظهر فالمحمول على الحكم الاقتضائي هو خصوص الظاهر منهما والاظهر يكون فعليا.

(١) هذا تلخيص لما ذكره في هذا الامر التاسع.

وحاصله : انه اذا دل الدليل على ثبوت المقتضى للحكمين في مورد الاجتماع كالاجماع والنص فالمورد يكون من مسألة اجتماع الامر والنهي ، فعلى الجواز يكون

٥٨

العاشر : إنه لا إشكال في سقوط الامر وحصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الامر على الجواز مطلقا ، ولو في العبادات ، وإن كان معصية للنهي أيضا ، وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الامر ، إلا أنه

______________________________________________________

امتثالا وعصيانا ، وعلى الامتناع تلاحظ اولا مرجحات باب المزاحمة ويكون من باب التزاحم ، فان لم توجد فيدخل في باب التعارض ويعامل معهما معاملة المتعارضين ، والى هذا اشار بقوله : ((كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضى الى آخر الجملة)).

واذا لم يدل الدليل من الاجماع والنص على ثبوت المقتضي للحكمين في المورد وهذا على نحوين :

الاول : ان يدل دليل من الخارج على ان الصادر هو احد الحكمين لا غير من دون تعيين فالمورد يكون من باب التعارض على الجواز وعلى الامتناع ، والى هذا اشار بقوله : ((وكلما لم تكن هناك دلالة عليه)) : أي على ثبوت المقتضى في كلا الحكمين ((فهو من باب التعارض مطلقا)) : أي على الجواز والامتناع ، لكنه فيما ((اذا كانت هناك دلالة على انتفائه في احدهما بلا تعيين)) فانه يكون من باب التعارض ((ولو على الجواز)).

النحو الثاني : ان لا يكون دليل من نص أو اجماع على ثبوت المقتضى للحكمين ، ولا يكون دليل من الخارج على ان المتحقق احد المقتضيين ولا يكون إلّا الاطلاق ، فعلى الجواز يستكشف به كلا المقتضيين ، واما على الامتناع يدخل في باب التعارض لما ذكره اولا من ان التنافي لا يدل على اكثر من عدم اجتماع الحكمين ، ولا دلالة له على ان الحكم المنتفي لوجود المانع فقط ، لانه يحتمل ان يكون انتفاؤه لعدم المقتضي ، والى هذا اشار بقوله : ((وإلّا فعلى الامتناع)) لكن قد عرفت انه لا مانع ايضا ان يستكشف بالاطلاق ثبوت المقتضي ايضا ، وان التوفيق بينهما بحمل احدهما على الحكم الاقتضائي ليس جزافا كما مرّ مفصلا.

٥٩

لا معصية عليه ، وأما عليه وترجيح جانب النهي فيسقط به الامر به مطلقا في غير العبادات ، لحصول الغرض الموجب له ، وأما فيها فلا ، مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصيرا ، فإنه وإن كان متمكنا ـ مع عدم الالتفات ـ من قصد القربة ، وقد قصدها ، إلا أنه مع التقصير لا يصلح لان يتقرب به أصلا ، فلا يقع مقربا ، وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للامر به عبادة ، كما لا يخفى.

وأما إذا لم يلتفت إليها قصورا ، وقد قصد القربة بإتيانه ، فالامر يسقط ، لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به ، لاشتماله على المصلحة ، مع صدوره حسنا لاجل الجهل بحرمته قصورا ، فيحصل به الغرض من الامر ، فيسقط به قطعا ، وإن لم يكن امتثالا له بناء على تبعية الاحكام لما هو الاقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا ، لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح ، لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محله (١).

______________________________________________________

(١) هذا الامر لبيان ما يترتب على القولين من الجواز والامتناع من الصحة والفساد ، فهو ثمرة النزاع.

فعلى القول بالجواز وعدم سريان احدهما إلى الآخر ، فايجاد المجمع ايجاد لمتعلق الامر فيكون اطاعة له ولمتعلق النهي فيكون عصيانا له ، فالآتي به مطيع وعاص وحال المجمع كفردين غير مجتمعين ، فالآتي بالصلاة في الدار المغصوبة كمن أتى بالصلاة في غير الدار المغصوبة وتصرف بالدخول في الدار المغصوبة من غير صلاة فيها.

ومن الواضح انه اذا صحت الصلاة المجتمعة مع الغصب مع انها من العبادات تصح المعاملة المجتمعة مع النهي بطريق اولى ، لما سيأتي من انه على القول بالامتناع والسراية تصح المعاملة المجتمعة ، فكيف لا تصح بناء على الجواز؟ ولذا قال (قدس‌سره) : ((وحصول الامتثال باتيان المجمع بداعي الامر على الجواز مطلقا ولو في

٦٠