بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

طبيعة غير طبيعة متعلق النهي ، وان هاتين الطبيعتين المختلفتين هل يمكن ان تجتمعا في وجود واحد ام لا؟

ولو كان متعلق النهي متحدا مع متعلق الامر لكان العنوان هل يجوز ان يتعلق النهي بما تعلق به الامر ام لا؟ والى هذا اشار بقوله : ((ان النزاع هناك)) : أي مسألة الاجتماع ((فيما اذا تعلق الامر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة)) كالصلاة والغصب.

ثم قال (قدس‌سره) : ((وان كان بينهما عموم مطلق)). توضيحه : ان متعلق الامر والنهي اما ان يكونا متباينين بحيث لا يتصادقان على واحد وهذا خارج موضوعا عن مسألة الاجتماع ، لانهما اذا كانا لا يتصادقان على واحد فلا يعقل البحث انه هل يسري احدهما الى الآخر ام لا؟

واما ان يكونا متساويين بان لا يشذ مصداق لاحدهما عمّا يصدق عليه الآخر ، وهذا خارج ـ ايضا ـ عن مسألة الاجتماع على ما يظهر من كلامه (قدس‌سره) ، والسبب في الخروج هو انه اذا كانا متساويين في الصدق يكونان من باب التعارض ، ومسألة اجتماع الامر والنهي ـ بناء على الجواز ـ لا تكون داخلة في باب التعارض ، واما بناء على الامتناع فقد تدخل في باب التعارض وقد تدخل في باب التزاحم كما ستأتي الاشارة اليه في الامر التاسع.

فانحصر مورد مسألة الاجتماع فيما اذا كان بين متعلق الامر والنهي عموم من مطلق كما لو امر باكرام العلماء ونهي عن احترام اهل البدع وانحصر اهل البدع بمصداق العالم ، أو يكون بينهما عموم من وجه كصلّ ولا تغصب فانه تصدق الصلاة من دون الغصب في الصلاة في غير المغصوب ، ويصدق الغصب دون الصلاة في التصرفات الغصبية غير الصلاتية ، ويجتمعان في الحركات الصلاتية في المحل المغصوب ، وقد اشار إلى ما ذكرنا بقوله : ((وان كان بينهما عموم مطلق)) فانه اشار

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى الفرد الخفي وهو العموم من مطلق ، واما العموم من وجه فحيث انه واضح لم يشر اليه إلّا بعنوان الترقي الى العموم المطلق.

فحاصل ما ذكره صاحب الفصول في الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي : هو ان الموضوع في مسألة الاجتماع هو ان الامر والنهي المتعلقين بطبيعتين مختلفتين كان بينهما عموم من وجه أو عموم من مطلق هل يجوز اجتماعهما في وجود واحد كان ذلك الوجود الواحد مصداقا لهما ام لا يجوز؟

والموضوع في مسألة النهي في العبادة هو ان النهي المتعلق بما تعلق به الامر هل يوجب فساده ام لا؟ فتعلق النهي بما تعلق به الامر هو الموضوع في مسألة النهي في العبادة ، ولازم ذلك هو اتحاد المتعلق فيهما ، فموضوع البحث في هذه المسألة في الطبيعة الواحدة التي تعلق بها الامر وتعلق بها النهي ، ولا بد في هذه المسألة : أي مسالة النهي في العبادة ان يكون المتعلق به النهي هو الطبيعة الواحدة المقيدة بشيء والطبيعة الواحدة غير المقيدة بشيء هي متعلق الامر ، فيكون النهي متعلقا بالمقيد والامر متعلقا بالمطلق ، لوضوح انه لو تعلق النهي بما تعلق به الامر من دون ضم شيء لكان بينهما تعارض فاما ان يتساقطا فلا امر حتى يكون امتثاله صحيحا أو فاسدا ، أو يتغلّب جانب النهي فلا امر ايضا أو يتغلب جانب الامر فلا نهي حتى يكون موجبا للفساد ام لا؟

واما ان يكون بينهما عموم من وجه فهو خارج عن موضوع مسألة النهي في العبادة ، لما عرفت من انه لا بد ان يكون العنوان المتعلق للامر هو متعلقا للنهي ولا بد في العموم من وجه اختلاف العنوان المتعلق فيهما.

هذا شرح ما ذكره في الفصول بقوله : ((وهنا)) أي وفي مسألة النهي في العبادة الكلام ((فيما اذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد بان تعلق الامر بالمطلق والنهي بالمقيد)).

فاتضح : ان الفرق بين المسألتين عنده هو اختلاف الموضوع فيهما.

٢٢

بالمقيد انتهى موضع الحاجة ، فاسد ، فإن مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات ، لا يوجب التمايز بين المسائل ، ما لم يكن هناك اختلاف الجهات ، ومعه لا حاجة أصلا إلى تعددها ، بل لا بد من عقد مسألتين ، مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها ، وعقد مسألة واحدة في صورة العكس ، كما لا يخفى (١).

ومن هنا انقدح أيضا فساد الفرق ، بأن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا ، وهناك في دلالة النهي لفظا ، فإن مجرد ذلك لو لم يكن تعدد الجهة

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان قوله : ((فاسد)) هو جواب قوله : ((واما ما افاده في الفصول)).

واما وجه فساده فقد عرفته ايضا ـ مما مر ـ من ان المميّز للمسائل هو الغرض والجهة المبحوث عنها في تلك المسألة لا اختلاف الموضوع ولا اختلاف المحمول وانه اذا تعددت الجهة المبحوث عنها لا بد من عقد مسألتين وان اتحد الموضوع والمحمول ، ولا بد من دخول قولنا ـ مثلا ـ : ضرب زيد في البحث عن الفاعل المرفوع بفعله ودخولها في البحث عن الفعل المستند الى فاعله وتكون هذه القضية الواحدة من مسائل باب الفاعل ومن مسائل باب الفعل ، فهذه القضية الواحدة هي من حيث اختلاف الجهة فيها مسألتان من ناحية البحث وان كانت من ناحية الموضوع والمحمول هي قضية واحدة ، واذا اتحد الغرض فلا بد من البحث عن القضيتين المختلفتين موضوعا ومحمولا تحت عنوان واحد وجعلهما مسألة واحدة من ناحية الجهة المبحوث عنها ، وقد اشار الى ان المميز للمسائل هو الغرض دون الموضوع والمحمول بقوله : ((فان مجرد تعدد الموضوعات ... الى آخر كلامه)) واشار الى انه مع تعدد الغرض لا بد من عقد مسألتين وان اتحد الموضوع والمحمول ومع وحدة الغرض لا بد من عقد مسألة واحدة وان تعدد الموضوع والمحمول بقوله : ((بل لا بد من عقد مسألتين ... الى آخر كلامه)).

٢٣

في البين ، لا يوجب إلا تفصيلا في المسألة الواحدة ، لا عقد مسألتين ، هذا مع عدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بدلالة اللفظ ، كما سيظهر (١).

الثالث : إنه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط ، كانت المسألة من المسائل الاصولية ، لا من مبادئها الاحكامية ،

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت ـ فيما مر ـ من أن المميز والفارق بين المسائل هو الجهة والغرض المبحوث عنه فيها ـ يتضح ايضا فساد هذا الفرق الذي ذكره المصنف عن بعض.

وحاصله : ان الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادة هو ان هذه المسألة عقلية والبحث عن ان العقل هل يرى جواز اجتماع الامر والنهي في واحد بعنوانين ام لا يرى؟

والبحث في مسألة النهي في العبادة هو ان اللفظ هل يدل على الفساد ام لا؟

وملخص الفرق : ان هذه المسألة عقلية وتلك المسألة لفظية ، وقد عرفت ان الفارق والمميز منحصر في الجهة والغرض ، فلو كانت الجهة والغرض متحدا في المسألتين لما كان كون البحث في احداهما عقليا وفي الاخرى لفظيا بفارق ، بل لا بد مع وحدة الغرض من عقد مسألة واحدة يبحث فيها مرة من ناحية الجواز وعدم الجواز عقلا ، واخرى من ناحية الدلالة اللفظية ، والى هذا اشار بقوله : ((ان مجرد ذلك)) : أي مجرد كون البحث في احداهما عقليا وفي احداهما لفظيا لا يصلح ان يكون فارقا ومميزا بينهما ((لو لم يكن تعدد الجهة في البين)) فان الاختلاف في العقلية واللفظية ((لا يوجب إلّا تفصيلا في المسألة الواحدة)).

ثم ذكر اشكالا آخر على هذا الفارق : وهو ان البحث في مسالة دلالة النهي على الفساد لا ينحصر في الدلالة اللفظية وانه هناك في الدلالة اللفظية والعقلية ايضا وقد اشار الى هذا بقوله : ((هذا مع عدم اختصاص النزاع ... إلى آخر كلامه)) ، إلّا انه سيأتي منه ان النزاع في مسألة النهي هو في الدلالة اللفظية فقط.

٢٤

ولا التصديقية ، ولا من المسائل الكلامية ، ولا من المسائل الفرعية ، وإن كانت فيها جهاتها ، كما لا يخفى (١) ، ضرورة أن مجرد ذلك لا يوجب

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه وقع الكلام في ان مسألة اجتماع الامر والنهي هل هي من المسائل الاصولية؟

أو من المبادئ الاحكامية؟

أو من المبادئ التصديقية لعلم الاصول؟

أو من المسائل الكلامية؟

أو من المسائل الفرعية؟

وقد اختار المصنف انها من المسائل الاصولية ، ثم اشار إلى ان جهات كل واحدة من هذه الاربع الأخر موجودة فيها.

وتوضيح ذلك : اما انها من المسائل الاصولية فلأن المناط في كون المسألة اصولية وقوع نتيجتها في طريق الاستنباط ، ولا اشكال في ان نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق استنباط الحكم الفرعي ، لوضوح انه على القول بجواز الاجتماع فالمجمع للامر والنهي يقع به الامتثال للامر ، ويصح وقوعه عبادة ويعاقب على المنهي عنه الصادق على المجمع ولا يسقط كل من الحكمين عما يترتب عليه.

وعلى القول بالامتناع فلا بد من السقوط فاما ان يسقطا معا فلا يصح وقوع المجمع عبادة حتى بناء على عدم انحصار عبادية العبادة في قصد الامر ، لأن نفس متعلق العبادة يكون منهيا عنه ومثل هذا النهي في العبادة يقتضي الفساد كما سيأتي ، أو يسقط احدهما فان سقط الامر وتغلّب النهي فلا تصح ـ ايضا ـ عبادة لما ذكرنا ، وان سقط النهي وتغلّب الامر صحّ وقوع المجمع عبادة لوجود الامر وسقوط ما يمنع عن العبادية وهو النهي ، ومن الواضح ان هذه النتيجة الفرعية تستنبط وتترتب على المختار في هذه المسألة.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم لا يخفى انها من المسائل الاصولية العقلية لكنها من العقلية غير المستقلة ، اما انها من المسائل العقلية فلان البحث فيها انه هل يستلزم عقلا اجتماع الامر والنهي المتعلقين بعنوانين في وجود واحد سقوط احدهما ، أو لا يستلزم اجتماعهما سقوط احدهما عقلا؟ واما انها من غير المستقلات العقلية فلأن المستقلات العقلية هي المسألة التي تكون موردا لحكم العقل من دون توسط شيء شرعي ، كمبحث الحسن والقبح العقليين فان البحث فيها غير متوقف على ما يرجع الى الشرع ، وغير المستقلات العقلية هي التي تكون موردا لحكم العقل بعد ارتباطها بما يرجع الى الشرع ، ومن الواضح ان حكم العقل في هذه المسألة انما هو بعد الامر والنهي المرتبطين بالشارع.

واما من يدعى انها من المبادئ الاحكامية فلأن المبادئ الاحكامية هي التي يبحث فيها عن الحكم ولوازمه ، وهذه المسألة مما يبحث فيها عما يستلزمه الحكم لأنها يبحث فيها عن انه هل يستلزم احد الحكمين من الحرمة والوجوب المجتمعين في مورد لعدم الآخر أو لا يستلزم احد الحكمين المجتمعين عدم الآخر؟

واما دعوى انها من المبادئ التصديقية فلأن المبادئ التصديقية لعلم الاصول هي التي يكون نتيجة البحث فيها سببا لدخول الناتج منها في احدى المسائل الاصولية ، ومسألة الاجتماع من هذا القبيل لأنها وان كانت بناء على القول بالجواز يترتب عليها صحة وقوع المجمع عبادة ، إلّا انها بناء على الامتناع لا يترتب عليها فساد العبادة الّا بعد دخولها في باب التعارض وملاحظة ما يقتضيه باب التعارض ، وان من الواضح ان باب التعارض من المسائل الاصولية.

ولا يخفى انه لازم دعوى هذا القائل هو كون المسألة من المبادئ التصديقية لا بد وان تقع في طريق احدى المسائل الاصولية للاستنباط نفيا واثباتا ، فلا تكون مسألة الاجتماع من المسائل التصديقية إلّا ان يقع القول بالجواز فيها في طريق احدى المسائل الاصولية ، والقول بالامتناع فيها ايضا يكون كذلك.

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن قد عرفت انه على القول بالجواز لا تدخل في طريق احدى المسائل الاصولية الّا ان الظاهر انه شرط لا يلتزمون به ، فانه يكفي عندهم كون الاثر لطرف واحد ، أو نقول إن وقوعها بناء على الامتناع في طريق احدى المسائل الاصولية يستلزم كونها ذا اثر نفيا واثباتا ، لأن عدم وقوعها بناء على الجواز يصح ان يقال انه اثر ايضا لعدم موجب للالتزام بكون الاثر لا بد وان يكون امرا وجوديا فان كونها لا تقع ايضا اثر.

واما دعوى انها من المسائل الكلامية فلوضوح ان علم الكلام هو ما يبحث فيه عن احوال المبدأ والمعاد ، وحيث ان الامر والنهي الشرعيين مما يتعلقان بالمبدإ فالبحث عن جواز اجتماعهما وعدمه بمعنى انه هل يحسن من الشارع أن يأمر وينهى عن واحد بعنوانين ام لا يحسن ذلك؟ وبهذا المعنى هي من مسائل الكلام لا لأنها مسألة عقلية ، لوضوح انه ليس كل مسالة عقلية هي من الكلام.

إلّا انه لا بد من تغيير العنوان المبحوث عنه في المقام بان يكون العنوان : هل يجوز للشارع ان يامر وينهى بعنوانين مجتمعين في وجود واحد ، لأن العنوان المبحوث عنه في المقام هو ان الامر والنهي اذا اجتمعا هل يطرد احدهما الآخر ام لا؟ لا لأنهما من الشارع فانه سيأتي ان القائل بالامتناع يرى سراية احدهما الى الآخر فيكون اجتماعهما من اجتماع الضدين ومحالية اجتماع الضدين لا يختص بكونهما من الشارع.

واما دعوى انها من المسائل الفرعية فلان النتيجة المتحصلة من جواز اجتماع الامر والنهي وعدمه هو صحة وقوع المجمع امتثالا للامر وعصيانا للنهي.

ولا يخفى ان كون النتيجة من البحث هو صحة الامتثال وعدمه لا يجعل المسألة المبحوث عنها من المسائل الفرعية ، لأن النتيجة في البحث عن كل مسالة اصولية يرتبط بحكم شرعي فيلزم ان يكون علم الاصول بجملته هو علم الفقه ، وهو واضح

٢٧

كونها منها إذا كانت فيها جهة أخرى ، يمكن عقدها معها من المسائل ، إذ لا مجال حينئذ لتوهم عقدها من غيرها في الاصول ، وإن عقدت كلامية في الكلام ، وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام ، وقد عرفت في أول الكتاب أنه لا ضير في كون مسألة واحدة ، يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين ، لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة ، كانت بإحداهما من مسائل علم ، وبالاخرى من آخر ، فتذكر (١).

______________________________________________________

الفساد ، بل هذه المسألة انما تكون فرعيه حيث يتغير العنوان فيها بان يكون : هل يقع المجمع كالحركة الصلاتية في الدار المغصوبة امتثالا للامر وعصيانا للنهي ام لا؟

اما البحث عن جواز الاجتماع وعدمه بلزوم اجتماع الضدين وعدم لزومه فيتفرع عليه صحة الصلاة وعدمها فليس بحثا فقهيا.

فاتضح مما ذكرنا من دون تغيير عنوان البحث في المقام انما يكون فيها جهة المسائل الثلاث الاصولية والمبادئ الاحكامية والمبادئ التصديقية ، فقول المصنف : ((وان كانت فيها جهاتها)) لا بد وان يراد منه وجود جهاتها ولو بتغيير للعنوان لتنطبق جهات المسائل الخمس كلها.

(١) قد عرفت ان هذه المسألة يمكن ان تكون من المسائل الاصولية ويمكن ان تكون من المبادئ الاحكامية ومن المبادئ التصديقية ومن المسائل الكلامية ومن المسائل الفرعية ، وان كان في الاخيرين ينبغي تغيير العنوان.

وعلى كلّ فمجرد امكان ان تكون المسألة الاصولية من المسائل الأخر لا يقتضي ان يقال انها منها لأن مراد القائل انها من المسائل الأخر ان كان لإنكار كونها اصولية وقد عرفت بطلانه ـ لما تقدم ـ من انها مسألة تقع نتيجتها في طريق الاستنباط ، مضافا الى انها لو لم تكن من مسائل الاصول فلا وجه للبحث عنها في الاصول ، وان كان مراده انها مع كونها اصولية يمكن ان يبحث عنها في غير الاصول من الكلام والفقه ـ مثلا ـ فهو صحيح ، ولا يضر امكان ان يبحث عنها في علم آخر بالبحث عنها

٢٨

الرابع : إنه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه ، أن المسألة عقلية ، ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان الايجاب والتحريم باللفظ ، كما ربما يوهمه التعبير بالامر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول ، إلا أنه لكون الدلالة عليهما غالبا بهما ، كما هو أوضح من أن يخفى.

وذهاب البعض إلى الجواز عقلا والامتناع عرفا ، ليس بمعنى دلالة اللفظ ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنان ، وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين ، وإلا فلا يكون معنى محصلا للامتناع العرفي ، غاية الامر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

في الاصول بعد ان كانت مما يترتب عليها الغرض المطلوب في علم الاصول ، وقد مر ـ في اول هذا الكتاب ـ انه لا مانع ((ولا ضير في كون مسألة واحدة يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين)) المراد من الجهة الخاصة هو موضوعها ومحمولها لا الغرض الداعي للبحث عنها ، ولذا قال : ((لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة الى آخر كلامه)) وذلك كمسألة جواز اجتماع الامر والنهي في وجود واحد وعدم جوازه ، فانه يمكن ان يبحث عنها في الاصول لحصول الغرض من علم الاصول وترتبه عليها ، ويمكن ان يبحث عنها في علوم أخر لترتب الغرض في تلك العلوم عليها ايضا.

(١) قد عرفت ـ مما مر ـ ان المسألة من المسائل الاصولية العقلية غير المستقلة مضافا إلى ان عنوان المسألة يدل على كونها عقلية ، لأن المراد من الجواز وعدمه في العنوان هو الامكان وعدمه ، ومن الواضح ان الحكم بالامكان وعدمه مما يرتبط بالعقل دون الدلالة اللفظية ، فلو كانت المسألة لفظية للزم تغيير العنوان بان يعنون : ان النهي عن شيء باللفظ هل يدل على عدم الوجوب في مورد الاجتماع ام لا يدل؟

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى ان المسألة لفظية ربما ينشأ من توهمين اشار اليهما المصنف والى فسادهما :

الاول : ما اشار اليه بقوله : ((كما ربما يوهمه التعبير بالامر والنهي)).

وحاصله : ان توهم انها لفظية انما نشأ من تعبيرهم في العنوان بجواز اجتماع الامر والنهي ، ولفظ الامر والنهي لهما ظهور في الطلب والزجر المستفادين من اللفظ والقول ، واذا كان متعلق الجواز وعدمه ما يستفاد من اللفظ فلا بد من كونها لفظية ، اذ البحث يتبع القيد الخاص في العنوان ، وحيث تقيد الجواز وعدمه بما يستفاد من اللفظ فاللازم ان تكون المسألة لفظية.

وقد اشار الى فساد هذا التوهم بقوله : ((إلّا انه لكون الدلالة عليهما الى آخره)) وحاصله : ان التعبير عن الايجاب والتحريم المجتمعين في وجود واحد بلفظ الامر والنهي انما هو لان الايجاب والتحريم غالبا يكونان مستفادين من الدليل اللفظي الذي هو الامر والنهي ، وإلّا فقد عرفت ان الكلام في جواز اجتماع الوجوب والحرمة سواء كانا مستفادين من لفظ أو عقل أو اجماع ، ولا خصوصية للحرمة والوجوب المستفادين من اللفظ ، فالتعبير بالامر والنهي المخصوصين بمقولة اللفظ انما نشأ من الغالب لا غير.

الثاني : ما اشار اليه : ((وذهاب البعض الى آخره)) توضيح هذا المنشأ الثاني لتوهم كون المسألة لفظية انه قد ذهب بعضهم الى التفصيل في هذه المسألة.

وحاصل هذا التفصيل : انه يجوز عقلا ويمتنع عرفا ويدعى المتوهم ان مراد هذا المفصل من الجواز عقلا انه حيث كان متعلق الامر طبيعة غير الطبيعة المتعلق بها النهي فهما متعددان بالذات والمتعدد بالذات لا يعقل ان يكون واحدا ، فاذا تصادقا واجتمعا في وجود واحد فلا بد من تعدد ذلك الواحد فلا يسري حكم احدهما إلى الآخر لتعددهما وتعدد ما اجتمعا فيه وتصادقا عليه ، فلذا ان العقل يرى الجواز ، ومراده من الامتناع عرفا هو انه حيث كان الايجاب والتحريم المبحوث عن جواز

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

اجتماعهما وعدمه مستفادين من اللفظ ، والعرف يرى ان اللفظ الدال على الوجوب يدل بالدلالة الالتزامية الناشئة من الملازمة العرفية على عدم اجتماع الوجوب مع الحرمة فيما اذا اجتمعا في وجود واحد ، وكذلك العرف يرى ان اللفظ الدال على الحرمة يدل بالدلالة الالتزامية الناشئة من الملازمة العرفية على عدم اجتماع الحرمة مع الوجوب فيما اذا اجتمعا في وجود واحد ، فاذا كان مراد المفصّل من الامتناع عرفا هو الدلالة الالتزامية التي هي من الدلالات اللفظية فلازم ذلك ان يكون البحث في هذه المسألة لفظيا ، والّا فلو كانت المسألة بجميع شئونها عقلية فلا معنى لهذا التفصيل ، فلا مناص من ان يكون لهذه المسألة مساس بالناحية اللفظية.

وقد اشار المصنف في ضمن الجواب عن هذا التوهم الى منشأ هذا المتوهم لكون المسألة لفظية بقوله : ((ليس بمعنى دلالة اللفظ)).

وحاصل الجواب : هو ان مراد هذا المفصّل من الامتناع العرفي ليس دلالة اللفظ بالالتزام على عدم الاجتماع للملازمة العرفية حتى يستلزم ذلك ان تكون المسألة لفظية ، بل مراد هذا المفصّل من الجواز العقلي هو انه حيث ان العقل ينظر الى الاشياء بدقة وتحليل فهو يرى ان هذا الواحد بنظر العرف الذي لا ينظر الى الاشياء بدقة وتحليل هو واحد ، ولكنه بالدقة والتحليل هو متعدد فلذلك يرى العقل الجواز ، ومراده من الامتناع عرفا هو ان العرف حيث لا ينظر الى الاشياء بدقة وتحليل بل نظره اليها بنحو التسامح في مقام النظر فهو يرى ان المجمع واحد ولا يجتمع الامر والنهي في واحد ، فمراده من الامتناع عرفا هو ان العرف يرى عدم الاجتماع لانه مبني على النظر المسامحي دون النظر الدقي ، وليس مراده من الامتناع العرفي هو الدلالة الالتزامية العرفية ، بل العرف يرى ان هذا المجمع واحد ذو وجهين ، وحيث كان المجمع في رأي العرف واحدا فلذا يرى عدم جواز الاجتماع.

وقد اشار ايضا الى لزوم حمل مراد المفصّل في دعوى الامتناع عرفا على ما ذكره دون الدلالة اللفظية بقوله : ((وإلّا فلا يكون معنى محصلا الخ)).

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصله : ان الذهاب الى التفصيل في مسألة لا بد وان يكون تفصيلا فيما هو محل النزاع في المسألة ، وحيث كان هذا المفصّل يرى جواز الاجتماع عقلا فقوله بالامتناع عرفا لا بد وان يكون ان هذا الذي يراه العقل جائزا لا يراه العرف جائزا ، واذا كان مراده غير هذا بان يكون مراده هو دلالة اللفظ على عدم الاجتماع للملازمة العرفية لا يكون قوله هذا تفصيلا في هذه المسألة ، لما عرفت من ان التفصيل في مسألة لا بد وان يكون واسطة بين الايجاب الكلي والسلب الكلي ، والدلالة اللفظية خارجة عما هو موضع النزاع بين القوم من الذهاب إلى الجواز وذهاب الآخرين إلى عدم الجواز ، فيكون هذا المفصّل واسطة بين الرأيين ، فهو يوافق القائلين بالجواز من ناحية حكم العقل بالجواز ويوافق القائلين بعدم الجواز من ناحية النظر العرفي والحكم العرفي ، ولو كان مراده من الامتناع عرفا هو الدلالة اللفظية الخارجة عما هو موضع النزاع لما كان لهذا التفصيل منه معنى محصلا ، اذ الدلالة اللفظية ليست موضع النزاع ، ولا بد من ان يكون هذا المفصّل ممن يرى الجواز مطلقا.

غايته انه اذا كان الوجوب والتحريم مستفادين من اللفظ فاللفظ بالدلالة الالتزامية يدل على عدم وقوع الامر مجتمعا مع الحرمة ، واللفظ الدال على الحرمة يدل على عدم وقوع الحرمة مجتمعة مع الوجوب ، ولا يصح جعل هذا تفصيلا فيما هو موضع النزاع ، والى ما ذكرنا ـ اولا ـ اشار بقوله : ((وإلّا فلا يكون معنى محصلا للامتناع العرفي)) واشار الى انه لو كان المراد من الامتناع العرفي هو الدلالة اللفظية لما كان منه تفصيلا في المسألة ، بل يكون المتحصل منه هو عدم وقوع الوجوب والحرمة المستفادين من اللفظ كل مع الآخر بقوله : ((غاية الامر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع)) : أي بعد ان يكون المتحصل من رأي هذا المفصّل هو جواز الاجتماع وليس له تفصيل في القول بالجواز ، غاية الامر انه لا يقع هذا الجواز فيما اذا كان الوجوب والحرمة مستفادين من اللفظ.

٣٢

الخامس : لا يخفى أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع اقسام الايجاب والتحريم ، كما هو قضية اطلاق لفظ الامر والنهي (١) ، ودعوى الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان اقسام الايجاب ستة :

ـ الايجاب النفسي كايجاب الصلاة.

ـ الايجاب الغيري كوجوب الطهارة الواقعة مقدمة للواجب.

ـ والايجاب التعييني كالصلاة ايضا.

ـ والايجاب التخييري كالعتق والصوم في خصال الكفارة.

ـ والايجاب العيني كالصلاة ايضا.

ـ والايجاب التكافئي كالصلاة على الميت.

واقسام التحريم الموجود منها في الشرع خمسة :

ـ التحريم النفسي كحرمة شرب الخمر وقتل النفس.

ـ والتحريم الغيري كتحريم مقدمة الحرام الأخيرة التي لا يتوسط بينها وبين الحرام ارادة كإلقاء مسلم في النار.

ـ والتحريم التعييني كشرب الخمر ايضا.

ـ والتحريم التخييري فمثاله هو ما اذا اضطر شخص الى ارتكاب احد محرمين تعيينيين كما لو اضطر شخص الى احد المحرمين التعيينيين كشرب الخمر أو التصرف في الدار المغصوبة فان النهي عنهما ينقلب من التعيينية الى التخييرية.

ـ والتحريم العيني كشرب الخمر ايضا.

ـ واما التحريم الكفائي فليس له مثال في الشرع ، نعم لو قلنا بان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص فالضد الخاص للواجب الكفائي يكون حراما كفائيا.

ولا يخفى ان اطلاق الامر الموجود في العنوان يعم جميع اقسام الايجاب المذكورة كما ان اطلاق لفظ النهي الموجود في العنوان يعم جميع اقسام التحريم المذكورة.

٣٣

مادتهما ، غير خالية عن الاعتساف ، وإن سلم في صيغتهما ، مع أنه فيها ممنوع.

نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الاطلاق ، بمقدمات الحكمة غير الجارية في المقام ، لما عرفت من عموم الملاك لجميع الاقسام (١) ، وكذا

______________________________________________________

مضافا الى ان ملاك النزاع الموجود في الامر والنهي النفسيين موجود في جميع اقسام الامر والنهي المتقدمة ، لأن ملاك النزاع هو ان اجتماعهما في وجود واحد هل يوجب سريان احدهما إلى الآخر ام لا يوجب؟ وهذا المعنى موجود في كل تحريم وايجاب قد اجتمعا في واحد ، ولا خصوصية لكون الامر والنهي نفسيين تعيينيين عينيين ، لأن السريان الموجب لاجتماع المتضادين لا انحصار له في النفسيين التعيينيين العينيين وقد اشار الى هذا بقوله : ((ان ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع اقسام الايجاب والتحريم)) واشار الى الاول وهو ان اطلاق الامر والنهي يقتضي الشمول ايضا لجميع اقسام التحريم والايجاب بقوله : ((كما هو قضية اطلاق لفظ الامر والنهي)).

(١) دعوى اختصاص النزاع بخصوص الامر والنهي النفسيين التعيينيين العينيين تنحصر في وجهين :

الاول : دعوى انصراف لفظ الامر والنهي المذكورين الى خصوص المذكورات وهي باطلة ، لأن الانصراف لا يكون جزافا بل لا بد له من منشأ ، ومنشؤه اما غلبة الوجود أو غلبة الاستعمال في خصوص المذكورات ، ودعوى غلبة الوجود ممنوعة صغرى وكبرى.

اما الصغرى فلا نسلم ان وجود النفسيين العينيين التعيينيين اكثر من بقية الاقسام الأخر.

واما الكبرى فلما مر ـ غير مرة ـ من ان الانصراف ينحصر منشؤه بغلبة الاستعمال ، لانه انس ذهني يحصل بين اللفظ الموضوع لمعنى عام وبعض افراده ،

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والانس الذهني انما ينشأ من كثرة ما يراد من هذا اللفظ بعض افراده ولا ربط له بكثرة الوجود وغلبته ، فلو كان الاقل وجودا اكثر استعمالا لأوجب الانصراف دون الاكثر وجودا ، إلّا ان يدعى الملازمة بين كثرة الوجود وكثرة الاستعمال ، ولكنه على كل يكون منشؤه كثرة الاستعمال ، فلا وجه لكون كثرة الوجود بنفسها موجبة للانصراف.

واما غلبة الاستعمال فهي ممنوعة صغرى ، فان استعمال لفظ الامر والنهي في خصوص المذكورات ليس اكثر من استعمالهما في بقية اقسام الايجاب والتحريم.

واما كبرى وهو ان غلبة الاستعمال موجبة للانصراف فهي مسلمة في غير هذا المقام ، لأن الشرط في الانصراف ان لا تقوم قرينة على خلاف المنصرف اليه وعدم ارادته في هذا الاستعمال ، وفي المقام قد قامت القرينة على عدم ارادته وهي عموم الملاك الشامل للمذكورات وغيرها من اقسام الايجاب والتحريم ، والى هذا اشار بقوله : ((في مادتهما غير خالية عن الاعتساف)) والمراد من مادتهما هو لفظ الامر والنهي : أي ان دعوى الانصراف في خصوص لفظ الامر والنهي في المقام غير خالية عن التكلف ، وقد اشار (قدس‌سره) الى ان دعوى الانصراف في صيغة الامر والنهي الى خصوص المذكورات مسلّمة وهما صيغة افعل ولا تفعل.

ثم عقّب ذلك بقوله : ((مع انه فيها ممنوع)) وظاهره منع الانصراف ايضا في صيغتهما كما يساعد عليه تعبيره عن التسليم بصيغة المجهول بقوله : ((وان سلّم)).

ولا يخفى ان هذا ينافي ما مر منه في مبحث الاوامر من تسليم الانصراف في الصيغة.

ويحتمل ان يكون سبب منع الانصراف في الصيغة في المقام فيما لو كان تعبير القوم في العنوان انه هل يجوز اجتماع افعل ولا تفعل بعنوانين في وجود واحد ام لا؟

أو انه لا وجه لدعوى الانصراف في المقام لما مر : من ان الانصراف شرطه عدم وجود القرينة على خلافه ، وعموم الملاك في المقام لما يشمل جميع اقسام الايجاب والتحريم قرينة على خلافه.

٣٥

ما وقع في البين من النقض والابرام (١) ، مثلا إذا أمر بالصلاة والصوم تخييرا بينهما ، وكذلك نهى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الاغيار (٢) ، فصلى فيها مع مجالستهم ، كان حال الصلاة فيها حالها ، كما إذا أمر بها تعيينا ، ونهى عن التصرف فيها كذلك في جريان النزاع في الجواز والامتناع ، ومجيء أدلة الطرفين ، وما وقع من النقض والابرام في البين ، فتفطن (٣).

______________________________________________________

الوجه الثاني : لدعوى اختصاص النزاع بالمذكورات هو دعوى ان الظاهر من لفظ الامر والنهي في العنوان بواسطة الاطلاق ومقدمات الحكمة يقتضي الاختصاص بالمذكورات ، لأن النفسية والتعيينية والعينيّة لا تحتاج في مقام البيان إلى التقييد ، بخلاف الغيرية والتخييرية والكفائية فان نفس لفظ الامر والنهي لا يكفي فيها بل لا بد من ذكر ما يدل عليها ، وقد اشار إلى هذا بقوله : ((نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الاطلاق)) والجواب عنه ما اشار اليه بقوله : ((غير الجارية في المقام)).

وحاصله : ان من شروط جريان مقدمات الحكمة عدم وجود القرينة ، وقد عرفت ان عموم الملاك قرينة على عدم الاختصاص بالمذكورات.

(١) قوله : ((وكذا ما وقع في البين من النقض والابرام)) هذا معطوف على قوله في صدر المسألة وهو قوله : ((لا يخفى ان ملاك النزاع)).

وحاصله : ان ملاك النزاع يعمّ جميع اقسام الايجاب والتحريم وكذا ادلة القوم في مقام النقض والابرام تعمّ جميع اقسام الايجاب والتحريم ، فان مدعى السراية والتضاد لا يفرق بين اقسام الايجاب والتحريم ، وكذا مدعى عدم السراية لا يفرق ايضا.

(٢) هذا مثال لاجتماع الامر التخييري والنهي التخييري ، فانه في هذا المثال ملاك النزاع موجود وادلة الطرفين جوازا وامتناعا تتأتى فيه.

(٣) لا يخفى ان امتثال الوجوب التخييري يحصل باتيان احد طرفي التخيير ، وعصيان النهي التخييري انما يكون باتيان كلا فردي التخيير ، لأن النهي التخييري هو النهي

٣٦

السادس : إنه ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة في مقام الامتثال ، بل ربما قيل : بأن الاطلاق إنما هو للاتكال على الوضوح ، إذ بدونها يلزم التكليف بالمحال.

ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها في ما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال ، وهو اجتماع الحكمين المتضادين ، وعدم الجدوى في كون موردهما موجها بوجهين في دفع غائلة اجتماع الضدين ، أو عدم لزومه ، وأن تعدد الوجه يجدي في دفعها ، ولا يتفاوت في ذلك أصلا

______________________________________________________

عن الجمع بينهما فلو تركهما أو ترك احدهما لا يكون عاصيا ، فاذا نهى المولى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الاغيار بان يكون النهي عن التصرف في الدار المقرون بالمجالسة مع الاغيار فيكون المطلوب بهذا النهي ترك احدهما ، وهذا معنى كون النهي تخييريا ، فعصيان هذا النهي لا يكون إلّا بالجمع بين الفردين ، فاجتماع الامر التخييري بين الصلاة والصوم الذي يحصل امتثاله باتيان الصلاة ـ مثلا ـ انما يجتمع مع هذا النهي التخييري عن التصرف في الدار والمجالسة مع الاغيار في الصلاة في الدار مع مجالسة الاغيار ولذا قال : ((فصلى فيها)) : أي في الدار ((مع مجالستهم)) : أي مع مجالسة الاغيار ، فانه يجتمع ـ في هذه الحركة الصلاتية عنوان الامر المتعلق بالصلاة على نحو التخيير والنهي عن هذه الحركة في الدار المقرونة بمجالسة الاغيار ـ الامر والنهي ، فان قلنا بالجواز وعدم السراية فتقع صحيحة ، وان قلنا بالامتناع والسراية وتغليب النهي أو التساقط فلا تصح.

وحال الامر والنهي التخييري حال الامر بالصلاة تعيينيا والنهي عن التصرف في الدار تعيينيا من وجود الملاك ومجيء ادلة الطرفين ، والى هذا اشار بقوله : ((كان حال الصلاة فيها)) على نحو التخيير ((حالها)) على نحو التعيين من وجود ملاك النزاع ومجيء الادلة الى آخر كلامه.

٣٧

وجود المندوحة وعدمها ، ولزوم التكليف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع.

نعم لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا ، لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا ، كما ربما لا بد من اعتبار أمر آخر في الحكم به كذلك أيضا.

وبالجملة لا وجه لاعتبارها ، إلا لاجل اعتبار القدرة على الامتثال ، وعدم لزوم التكليف بالمحال ، ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال (١) ،

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان بعضهم قيد مورد النزاع في المقام بقيد المندوحة فادعى ان النزاع في جواز الاجتماع وعدمه انما هو فيما كان للمكلف استطاعة ان يأتي بالصلاة ـ مثلا ـ في غير الدار المغصوبة ، اما لو كان لا مندوحة له ولا يستطيع الاتيان في غير المحل المغصوب كالمسجون في المحل المغصوب فانه ليس موردا للنزاع لصحة صلاته قطعا اما بناء على الجواز فواضح واما بناء على الامتناع فلسقوط النهي بالاضطرار فلا يجتمع الامر والنهي وعلى كل فلا اجتماع للامر والنهي حتى يكون من مورد النزاع وقد ذهب المصنف الى انه لا وجه لقيد المندوحة فيما هو المهم في النزاع في هذه المسألة.

وتوضيح مرامه : ان المانع لاجتماع الامر والنهي امران :

الاول : التكليف بالمحال : بان يقال ان الامر والنهي انما لا يجتمعان في وجود واحد لانه من شرط توجه التكليف قدرة المكلف على امتثاله بحيث يستطيع ان يمتثل الامر وان لا يعصي النهي ، فلا يعقل توجه التكليف بالامر والنهي لمن لا يستطيع امتثالهما ، والذي لا مندوحة له لا يستطيع امتثال الامر والنهي فلا يعقل ان يتوجها اليه معا.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان المانع من اجتماع الامر والنهي هو انه اذا اجتمعا هل يسري احدهما الى الآخر بحيث يكون اجتماعهما موجبا لاجتماع الضدين فيكون من التكليف المحال ، بخلاف المانع الاول فانه يكون من التكليف بالمحال وذلك لأن المانع الثاني هو دعوى اجتماع الضدين وهو من الامور المحالية بالذات ، لأن اجتماع الامر والنهي موجب لاجتماع الارادة والكراهة في وجود واحد وهو محال بالذات هذا بناء على الامتناع ، واما بناء على دعوى الجواز فان القائل به يدعي ان تعدد العنوان لازمه تعدد المعنون فلا يكون اجتماعهما بعنوانين في وجود واحد من اجتماع الضدين ومن التكليف المحال.

واذا كان النزاع في ان اجتماعهما هل يكون من اجتماع الضدين والتكليف المحال ام لا يكون يسقط تقييد مورد النزاع بقيد المندوحة لما عرفت من ان قيد المندوحة انما هو فيما اذا كان المحذور هو التكليف بالمحال لا التكليف المحال ، فان اجتماعهما اذا كان موجبا لاجتماع الضدين كان بنفسه من المحالات الذاتية سواء أكان للمكلف المندوحة ام لم تكن.

والذي يدلك على ان المهم في النزاع هو اجتماع الضدين والتكليف المحال وعدمه الذي لا يرتبط هذا النزاع بقيد المندوحة هو كون الاشعري القائل بجواز التكليف بالمحال وبغير المقدور من الداخلين في النزاع ، لانه لا يقول بالتكليف المحال وبجواز اجتماع الضدين ، فالاشعري القائل بالسراية يقول بالامتناع مع انه لا يرى التكليف بالمحال محذورا ، فلو كان المهم في النزاع هو التكليف بالمحال الذي عليه يتقيّد عنوان النزاع بقيد المندوحة لما دخل الاشعري في جملة المتكلمين في هذا العنوان المتنازع فيه.

قوله : ((بل ربما قيل بان الاطلاق انما هو للاتكال على الوضوح)) : أي ان القائل باخذ قيد المندوحة في عنوان هذا المسألة يقول ان الذي عنون المسألة مطلقة وخالية من قيد المندوحة ولم يقيد العنوان بقيد المندوحة انما هو لاتكاله على وضوح

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لزوم اخذ قيد المندوحة ، فلذلك اطلق العنوان ولم يقيده بها ، وقد اشار المصنف الى عدم اخذ المندوحة فيما هو المهم من النزاع وهو لزوم اجتماع الضدين وعدمه بقوله : ((ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها فيما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادين)) وعدم الجدوى في كون موردهما : أي لا يجدي كون مورد الامر والنهي وهو الوجود الواحد الذي اجتمعا فيه موجها بوجهين في دفع غائلة اجتماع الضدين بناء على الامتناع والسراية ((أو عدم لزومه)) : أي عدم لزوم اجتماع الضدين في الوجود الواحد اذا اجتمعا فيه بوجهين ((وان تعدد الوجه يجدي في دفعها)) : أي في دفع غائلة اجتماع الضدين بناء على الجواز وعدم السراية.

واذا كان المهم من محل النزاع هو هذا فلا دخل لقيد المندوحة فيه ((ولا يتفاوت في ذلك اصلا)) : أي فيما هو المهم من محل النزاع ((وجود المندوحة وعدمها)).

وقد اشار إلى ان قيد المندوحة انما يؤخذ فيما لو كان المهم من محل النزاع هو المانعية من حيث لزوم التكليف بغير المقدور والتكليف بالمحال ، وليس هذا هو المهم من محل النزاع بل المهم هو ما ذكرنا من لزوم اجتماع الضدين وعدمه ، وان لزوم التكليف بالمحال محذور آخر فيما لا مندوحة فيه غير ما هو المهم في النزاع في هذه المسألة بقوله : ((ولزوم التكليف بالمحال بدونها)) : أي بدون المندوحة ((محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع)) لأن محذوره محذور لزوم اشتراط القدرة وعدم امكان التكليف بالمحال ، والمهم من محل النزاع هو اجتماع الضدين وعدمه.

وقد اشار إلى ان الذي يدل على ان المهم في محل النزاع هو ما ذكرنا لا التكليف بالمحال هو كون الاشعري القائل بجواز التكليف بالمحال من الداخلين في النزاع فيما هو المهم من هذه المسألة ، ولو كان النزاع في جواز التكليف بالمحال لما دخل بقوله : ((نعم لا بد من اعتبارها)) : أي لا بد من اعتبار قيد المندوحة لمن يرى ان الحكم في

٤٠