بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

تذنيب : حكي عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحة ، وعن الفخر أنه وافقهما في ذلك (١) ، والتحقيق انه في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبيب ، لاعتبار القدرة في متعلق النهي كالامر ،

______________________________________________________

وقد اشار الى ان المعصية المستندة الى السيد اذا جاز ارادة عدم النفوذ فيها فالمعصية المستندة الى الله أيضا يجوز ارادة عدم النفوذ منها بقوله : ((ولا بأس باطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله ولم يأذن به كما أطلق عليه)) أي كما اطلق العصيان على عمل لم يمضه السيد ولم يأذن به كذلك يكون المراد من المعصية المنسوبة الى الله هو العمل الذي لم يمضه ولم يأذن به ، ولذا قال : ((كما أطلق عليه بمجرد عدم اذن السيد فيه انه معصية)).

وقد أشار الى ما ذكرنا من ان هذه القرائن ان لم توجب كون لفظ المعصية ظاهرة في عدم النفوذ فلا اقل من ان يكون احتمالا مساويا لارادة الحرمة منها بقوله : ((وبالجملة لو لم يكن ظاهرا في ذلك لما كان ظاهرا فيما توهم)).

(١) الفخر هو فخر المحققين فانه المحكي عنه موافقة ابي حنيفة والشيباني في كون النهي دالا على صحة ما يتعلق به وترتب أثره عليه مطلقا سواء كان معاملة او عبادة بدعوى انه لا بد وان يكون متعلق كل حكم من الاحكام مقدورا للمكلف فكما ان الامر لا يمكن ان يتعلق بغير المقدور كذلك النهي لا بد وان لا يتعلق بغير المقدور.

ومن الواضح : ان اتيان العبادة مثلا التي لا تترتب عليها الصحة وان كان مقدورا إلّا انها ليست عبادة فالعبادة المتعلق بها النهي بما هي عبادة لا بد وان تكون هي العبادة الصحيحة ، واذا كان النهي المتعلق بالعبادة يقتضي صحتها فاقتضاؤه للصحة في المعاملة بطريق اولى لأنه ليس في المعاملة قصد القربة حتى تتوهم المنافاة للنهي بدوا وان كان بمقتضى هذا البرهان يستكشف انه لا منافاة في ذلك وإلّا كان النهي متعلقا بغير المقدور ، واشتراط القدرة في متعلق النهي مما لا ريب فيه كاشتراطها في متعلق الأمر.

٢٨١

ولا يكاد يقدر عليهما إلا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة ، وأما إذا كان عن السبب ، فلا ، لكونه مقدورا وإن لم يكن صحيحا ، نعم قد عرفت أن النهي عنه لا ينافيها (١).

______________________________________________________

(١) وحاصل الجواب التفصيل فان النهي في المعاملة في الجملة يدل على الصحة لاشتراط المقدورية به ، وأما في العبادة فلا دلالة له على الصحة والمقدورية المشترطة في متعلق التكليف موجودة.

وبيان ذلك : اما في المعاملة فلأن النهي ان تعلق بالمسبب كالملكية المترتبة على العقد فحيث لا بد وان تكون الملكية المتعلق بها النهي مقدورة للمكلف ، وإلّا فلو كانت الملكية المتعلق بها النهي مما لا يمكن تحققها بمجرد تعلق النهي بها للزم من تعلق النهي بها المشترط بالقدرة عدم تعلقه بها ، اذ بمجرد تعلقه بها تكون غير ممكنة التحقق فهي غير مقدورة ، واذا انقلبت الى كونها مما لا تتعلق بها قدرة المكلف لا بد وان لا يتعلق بها النهي فيلزم من تعلق النهي بها عدم تعلقه بها ، فالنهي المتعلق بالمسبب يدل على صحته ومعنى صحته ترتبه على العقد ، فالنهي المتعلق بحرمة ملكية الكافر للعبد المسلم أو المصحف يدل على تحقق الملكية بانشاء عقد البيع المتضمن لتمليك الكافر ، ومثله النهي المتعلق بالتسبب الى الملكية.

فان الفرق بين الملكية والتسبب اليها هو ان النهي تارة : يتعلق بنفس وجود الملكية وهو ان النهي المتعلق بذات المسبب وجوده.

واخرى : يتعلق بالملكية بما هو متسبب اليها من المكلف أي يتعلق بايجاد الملكية.

وفي الأول كان متعلقا بوجود الملكية لما عرفت ان الفرق بين المسبب بما هو مسبب والتسبب اليه هو الفرق بين الوجود والايجاد.

وعلى كل فتعلق النهي بايجاد الملكية لا بد وان يكون مقدورا للمكلف لاشتراط القدرة في متعلق النهي ، ولو كان ايجادها بسبب تعلق النهي يكون غير مقدور للزم المحذور المذكور ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((والتحقيق انه في المعاملات كذلك)) فيما

٢٨٢

وأما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى ، فمع النهي عنه يكون مقدورا ، كما إذا كان مامورا به ، وما كان منها عبادة لاعتبار

______________________________________________________

((اذا كان)) النهي نهيا ((عن المسبب او)) كان النهي نهيا عن ((التسبيب)) اليها ((لاعتبار القدرة ... الى آخر الجملة)) هذا في النهي المتعلق بالمسبب وبالتسبب اليه.

واما النهي المتعلق بالسبب كالنهي عن بيع الحصاة او المنابذة وهو على نحوين :

لانه تارة يتعلق بالسبب بما هو سبب نافذ ومؤثر فالنهي فيه لا بد وان يدل على صحته ووقوعه مؤثرا ، وإلّا لم يكن متعلقا بالسبب بما هو مؤثر ، ولو كان النهي موجبا لارتفاع تأثيره لكان متعلقا بغير المقدور.

واخرى يكون النهي متعلقا بالسبب بما هو فعل من الافعال من دون تقيده بقيد كونه نافذا ومؤثرا ، ومقدوريته موجودة في حال عدم تأثيره ، فان إنشاء العقد بما هو انشاء مقدور حيث لا يكون مقيدا بكونه مؤثرا ونافذا فالنهي المتعلق به لا يدل على صحته وتأثيره لتحقق القدرة عليه التي هي شرط في النهي مع عدم صحته وتأثيره ، وهذا النحو الثاني هو مراد المصنف من قوله : ((واما اذا كان عن السبب فلا)) أي ان النهي عن السبب بما هو فعل من الافعال لا بما هو سبب ونافذ لا يدل على صحته لتحقق المقدورية عليه مع عدم صحته وتأثيره ، وقد اشار الى ذلك بقوله : ((لكونه مقدورا وان لم يكن صحيحا)).

قوله (قدس‌سره) : ((نعم قد عرفت ان النهي عنه)) توضيحه : ان دعوى ابي حنيفة في قبال دعوى دلالة النهي على الفساد ، وقد عرفت مما مر ان النهي عن السبب بما هو فعل من الافعال لا يستلزم فساده ولا ينافي صحته وترتب أثره ، كما انه لا يدل على صحته ولزوم ترتب أثره عليه ، فالنهي عنه لا يدل على صحته ولا ينافي صحته ، ولذا قال : ((ان النهي عنه)) أي النهي عن السبب لا بما هو سبب نافذ ، بل بما هو فعل من الافعال ((لا ينافيها)) أي لا ينافي صحته وترتب أثره عليه.

٢٨٣

قصد القربة فيه لو كان مامورا به ، فلا يكاد يقدر عليه إلا إذا قيل باجتماع الامر والنهي في شيء ولو بعنوان واحد ، وهو محال ، وقد عرفت أن النهي في هذا القسم إنما يكون نهيا عن العبادة ، بمعنى أنه لو كان مأمورا به ، كان الامر به أمر عبادة لا يسقط إلا بقصد القربة (١) ،

______________________________________________________

(١) وحاصل الجواب ان العبادة على ثلاثة أقسام : عبادة ذاتية ، وعبادة غير ذاتية.

والعبادة غير الذاتية تارة تكون بمعنى ما لو تعلق بها الأمر لكان أمرها عباديا لا يسقط إلّا بقصد امتثال الامر المتعلق بها.

واخرى تكون هي العبادة بما هي متعلقة للأمر وهي العبادة بالفعل.

ولا يخفى : ان هذا القسم الاخير لا يعقل ان يكون متعلقا للنهي لعدم امكان ان ينهى المولى عن شيء واحد بعنوانه الخاص به بما انه متعلق لأمره ، لمحالية ان ينهى المولى عن ايجاد ما طلب ايجاده وهو من اجتماع الضدين بنحو واضح ، فلا بد وان يكون خارجا عن عنوان هذه المسألة من رأس ، فلا يتعلق به نهى حتى يدعى انه يستلزم تعلق النهي به صحته ووقوعه قريبا لاشتراط القدرة في متعلق النهي.

وأما النحو الأول وهو العبادة الذاتية فالقدرة عليها موجودة وان تعلق بها النهي ، لان عباديتها منوطة بقصد عنوانها كتعظيم المولى وتقديسه فلا يستلزم النهي فيها وقوعها صحيحة لاشتراط القدرة واستلزامها ذلك لأنها مقدور عليها بما هي عبادة ، وان كانت منهيا عنها ومبغوضة فلا يكون النهي فيها دالا على الصحة ، والى هذا أشار بقوله : ((فما كان منها عبادة ذاتية ... الى آخر الجملة)).

وأما القسم الثاني وهو العبادة التعليقية فالقدرة عليها موجودة وان كانت غير صحيحة لوضوح ان متعلق النهي ليس العبادة بما هي عبادة بالفعل ، بل بما هي عبادة تعليقا وهي بما هي كذلك مقدورة للمكلف فلا تستلزم القدرة عليها صحتها ، بل قد عرفت ان النهي عنها وعن القسم الأول يقتضي فسادها لمنافاة المبغوضية لكونها مقربة بالفعل ، ووقوعها صحيحة لا بد فيه من وقوعها مقربة بالفعل.

٢٨٤

فافهم (١).

______________________________________________________

وقد أشار الى القسم الثاني وهو العبادة التعليقية بقوله : ((ان النهي في هذا القسم انما يكون نهيا عن العبادة بمعنى انه لو كان مأمورا به ... الى آخر الجملة)).

ثم لا يخفى انه أشار الى ما ذكرنا في القسم الثالث بقوله : ((فلا يكاد يقدر عليه إلّا اذا قيل ... الى آخر الجملة)).

هذا كله في النهي التحريمي المتعلق بالمعاملة والعبادة.

واما النهي الارشادي فلا مانع من تعلقه بغير المقدور بقصد الارشاد الى عدم المقدورية فلا يستلزم الصحة.

واما النهي التشريعي فلوضوح القدرة على اثبات ذات المعاملة وذات ما هو عبادة بقصد التشريع فلا ملازمة للنهي فيه للصحة.

(١) يحتمل ان يكون اشارة الى ان تعلق النهي بالسبب بما هو فعل من الافعال ليس تعلقا للنهي بالسبب بما هو سبب ، والمفروض ان يكون متعلق النهي المعاملة بما هي معاملة.

ويحتمل ان يكون اشارة الى ما ذكرنا من كون العبادة بما هي متعلقة للأمر خارجة عن موضوع هذه المسألة.

٢٨٥
٢٨٦

المقصد الثالث

في المفاهيم

٢٨٧

المقصد الثالث

في المفاهيم

مقدمة وهي : إن المفهوم ـ كما يظهر من موارد إطلاقه ـ هو عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ ، بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة ، وكان يلزمه لذلك ، وافقه في الايجاب والسلب أو خالفه ، فمفهوم إن جاءك زيد فاكرمه مثلا ـ لو قيل به ـ قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها ، لازمة للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية ، وتكون لها خصوصية ، بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها (١) ، فصح أن يقال : إن المفهوم إنما هو

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان هذه المقدمة تشتمل على بيان أمور :

الأول : بيان ما هو المفهوم والسبب في حصوله على القول به فقال : ((ان المفهوم كما يظهر من موارد اطلاقه ... الى آخر الجملة)).

وحاصله : ان المفهوم هو حكم يكون انشائيا تارة كالمفهوم الحاصل من قولك : ان جاءك زيد فاكرمه ، فان المفهوم الحاصل المستتبع لهذه القضية المنطوقية هو ان لم يجئ زيد لا تكرمه ، وهذه القضية قضية انشائية.

واخرى يكون المفهوم المستتبع للمنطوق قضية خبرية كقولك : ان ضربت زيدا ضربته ، فان المفهوم المستتبع للقضية المنطوقية هو ان لم تضرب زيدا لا اضربه ، فالمتكلم قد أخبر عن نفسه بانه لا يضرب زيدا ان لم يضربه المخاطب ، بخلاف القضية الاولى فان المفهوم قد تضمن انشاء عدم اكرام زيد عند عدم مجيئه ، وحيث ان القضية المفهومية مستفادة من القضية المنطوقية فلا بد وان تكون في القضية المنطوق بها خصوصية ، تلك الخصوصية استتبعت القضية المفهومية ، وتلك الخصوصية هي كون الحيثية المرتبط بها الحكم في القضية المنطوقة علة تامة منحصرة لذلك الحكم الموجود في القضية اللفظية المنطوق بها سواء كانت هذه الحيثية مستفادة من اللفظ كما

٢٨٨

حكم غير مذكور ، لا أنه حكم لغير مذكور ، كما فسر به ، وقد وقع فيه النقض والابرام بين الاعلام ، مع أنه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام ، لانه من قبيل شرح الاسم ، كما في التفسير اللغوي.

______________________________________________________

قيل في أداة الشرط ـ مثلا ـ انها تدل على العلية المنحصرة او كانت مستفادة من غير أداة الشرط كما ادعى بعضهم بان الأداة لا تدل على ذلك وانما الخصوصية تستفاد من الاطلاق ومقدمات الحكمة.

وعلى كل ، فالمفهوم هو حكم انشائي او اخباري قد استلزمته حيثية في القضية اللفظية المنطوق بها سواء كانت تلك الحيثية والخصوصية مستفادة من لفظ خاص او من الاطلاق وقرينة الحكم ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((هو عبارة عن حكم انشائي او اخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي اريد ... الى آخر الجملة)).

لا يخفى ان المفهوم تارة يكون قضية مخالفة للقضية اللفظية بالسلب والايجاب كالمفهوم المستفاد من قولنا ان جاءك زيد فاكرمه التي هي قضية لفظية موجبة ، فان المفهوم المستفاد منه ان لم يجيء زيد لا تكرمه وهي قضية سالبة ، فالمفهوم قضية سالبة والمنطوق قضية موجبة فهما قضيتان متخالفتان من ناحية السلب والايجاب ، ويسمى هذا المفهوم بمفهوم المخالفة.

واخرى : يكون المفهوم المستفاد من المنطوق قضية موافقة للمنطوق سلبا وايجابا كقوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) فان المفهوم المستفاد هو لا تضربهما مثلا وهو قضية موافقة للقضية اللفظية المنطوق بها ، فان المنطوق قضية سالبة ، المفهوم أيضا قضية سالبة وكقولك : اكرم عدوك ، فان المفهوم المستفاد منها أكرم صديقك وهو قضية موجبة كالقضية اللفظية ، وقد أشار الى هذا بقوله : ((وكان يلزمه لذلك وافقه في الايجاب والسلب او خالفه)).

وقوله (قدس‌سره) : ((فمفهوم ان جاءك زيد فاكرمه ... الى آخر)) الجملة توضيح لما اجمله اولا وقد عرفت مضمونه مما ذكرنا.

٢٨٩

ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام ، فلا يهمنا التصدي لذلك ، كما لا يهمنا بيان (١) أنه من صفات المدلول أو الدلالة

______________________________________________________

(١) هذا هو الامر الثاني الذي اشتملت عليه المقدمة وهو التعرض لتعريف القوم للمفهوم ، فقد عرفوه بأنه حكم لغير مذكور ، ولم يصح هذا التعريف عند المصنف وذلك بعد ما عرفت ان حقيقة المفهوم هو الحكم المستتبع لخصوصية في المنطوق فباعتبار انه لازم فلا بد وان يكون غير الحكم المعلول للحيثية المنطوقية ، وباعتبار انه لو كان مذكورا في القضية اللفظية لكان من المنطوق ، فالمفهوم لا بد وان لا يكون مذكورا فوصف غير المذكورية أولى ان يكون للحكم لا للموضوع هذا أولا ، وثانيا : ان الظاهر ان الموضوع في القضيتين هو زيد في قولك : ان جاءك زيد فاكرمه وفي ان لم يجئ زيد لا تكرمه وليس الموضوع في القضية المنطوقية هو المجيء والموضوع في القضية المفهومية هو عدم المجيء ، فعلى هذا يكون تعريف المفهوم بأنه حكم لغير مذكور ينحصر بمثل (في السائمة زكاة) فان المفهوم وهو ليس في المعلوفة زكاة لاختلاف الموضوع في القضيتين فان الموضوع في المنطوق السائمة وفي المفهوم المعلوفة. نعم ، لو كان الموضوع هو الحيثية التي هي بمنزلة العلة للحكم في المنطوق وهو المجيء لكان التعريف شاملا لجميع اقسام المفهوم فظهر ان الأصح تعريف المفهوم بأنه حكم غير مذكور سواء كان الموضوع مذكورا كزيد في القضيتين او لم يكن مذكورا كما (في السائمة زكاة).

قوله (قدس‌سره) : ((مع انه لا موقع له)) قد مر هذا من المصنف مرارا في ان التعاريف كلها تعاريف لفظية لشرح الاسم وليست بالحد ولا بالرسم وقد مر توضيح ذلك وسيأتي في العموم والخصوص التعرض له أيضا.

٢٩٠

وإن كان بصفات المدلول أشبه ، وتوصيف الدلالة به أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق (١).

وقد انقدح من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة ، إنما يكون في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الاخرى ، أم لا (٢)؟

______________________________________________________

(١) هذا هو الأمر الثالث : وهو انه هل المفهومية من صفات المدلول او الدلالة ، وحيث انه لا يترتب على هذا ثمرة ، لذلك قال : ((انه لا يهمنا التصدي لذلك)) وان كان قد اختار انه من صفات المدلول ، فقال : ((وان كان لصفات المدلول اشبه)).

وتوضيحه : أن المنطوقية والمفهومية هل هي من صفات الدلالة بالمعنى الفاعلي أي من صفات الدال بما هو دال ، او هي من صفات المدلول ، فان المراد من المنطوق والمفهوم ان كان هو كون الدال على المعنى هو اللفظ المنطوق به فالدلالة منطوقية وكون الدال على المعنى المفهومي هو المعنى ذا الخصوصية فبهذا الاعتبار هي من اوصاف الدلالة ، وان كان المراد من المنطوقية هو كون المعنى قد دل عليه اللفظ فهو معنى منطوقي ، وان كان قد دل عليه المعنى فهو مفهومي ، وحيث ان المنطوقية والمفهومية من صفات المعنى فيقال هذا المعنى منطوقي وهذا المعنى مفهومي فهي من صفات المدلول ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وان كانت بصفات المدلول اشبه)) وقد توصف الدلالة به فيقال : دلالة منطوقية ودلالة مفهومية إلّا ان وصفها بذلك باعتبار انها تدل على معنى منطوقية وعلى معنى مفهومية فوصفها بذلك وصف لها بحال المتعلق لا بحال نفسها. والى هذا اشار بقوله : ((وتوصيف الدلالة به احيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق)).

(٢) هذا هو الامر الرابع الذي اشتملت عليه هذه المقدمة ، وحاصله : ان النزاع في المفهوم هل هو صغروي او كبروي ، وبعد ما عرفت من ان المفهوم انما يستلزمه

٢٩١

فصل

الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء ، كما تدل على الثبوت عند الثبوت بلا كلام ، أم لا؟ فيه خلاف بين الاعلام.

لا شبهة في استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام ، إنما الاشكال والخلاف في أنه بالوضع أو بقرينة عامة ، بحيث لا بد من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال ، فلا بد للقائل بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة ، بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط ، نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.

______________________________________________________

المنطوق لاجل الخصوصية التي هي العلية المنحصرة يتضح ان النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه لا بد وان يكون صغرويا لعدم معقولية النزاع في أنّ العلية المنحصرة لا تدل على ذلك فان المجيء اذا كان علة منحصرة للإكرام فلا بد من انتفاء الاكرام عند انتفاء المجيء ، فالمنكر للمفهوم لا بد وان ينكر الدلالة على العليّة المنحصرة ، ومعنى هذا كون النزاع صغرويا وهو : ان القضية هل تدل على العلمية المنحصرة ام لا ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((ان النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة انما يكون في ان القضية الشرطية)) كان جاءك زيد فاكرمه ((أو الوصفية)) كقوله عليه‌السلام : (في السائمة زكاة) ((او غيرهما)) كمفهوم الغاية ((هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الاخرى)) أي القضية المفهومية ((ام لا)) فاذا قلنا بالدلالة على تلك الخصوصية التي هي العلية المنحصرة قلنا بالمفهوم واذا قلنا بعدم دلالة القضية اللفظية على العلية المنحصرة لا تقول بالمفهوم.

وقد تبين مما ذكرنا وجه كون هذا منقدحا مما مر ، فانه بعد بيان كون حقيقة المفهوم هو الخصوصية المستتبعة يتضح انه لا بد وان يكون النزاع في المفهوم صغرويا في ان العلية المنحصرة مدلولة للفظ ام لا.

٢٩٢

وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة ، فإن له منع دلالتها على اللزوم ، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق ، أو منع دلالتها على الترتب ، أو على نحو الترتب على العلة ، أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية (١).

______________________________________________________

(١) الشرط عند اللغويين هو مطلق العهد والالتزام فيشمل الشروط الابتدائية ، وقيل : هو الالتزام في ضمن الالتزام فلا يشمل الشروط الابتدائية.

وعند أهل المعقول ما له دخل في تأثير المقتضي في المقتضى اما لانه متمم لفاعلية الفاعل كالمقاربة واما لانّه متمم لقابلية القابل كاليبوسة للجسم لأن يقبل الاحتراق.

وقد عرفه المتكلمون بما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود ، وهذا التعريف غير تام لصدقه على المقتضى المجرد عن شرط التأثير ، وجرى على هذا التعريف الاصوليون.

وعند النحويين هو مدخول ان الشرطية واخواتها كأما ومهما كالمجيء في قولك ان جاءك زيد فاكرمه.

وحيث ان الخلاف في دلالة الشرط وعدم دلالته وقد قال جل من قال بالمفهوم بكون اللفظ هو الدال على ذلك فيخرج الشرط بمعانيه الثلاثة عن ان يكون هو المراد في المقام لوضوح عدم دلالته اللفظية على الانتفاء عند الانتفاء فلا بد وان يكون الشرط الذي اختلف في دلالته على ذلك ـ مع تسالم الجميع على دلالته على الثبوت عند الثبوت ـ هو غير هذه المعاني وهو اما ان يكون ان واخواتها أو هيئة الجملة الشرطية ، قيل : انه ان واخواتها لأنه لا وضع للجمل غير وضع مفرداتها ، ومدخول ان لا دلالة له غير ما تدل عليه هيئته او مادته وليس لها مع غض النظر عن لفظ ان دلالة على ذلك.

ولكن المصنف حيث يرى ان الدال على الثبوت عند الثبوت هو هيئة الجملة الشرطية جعلها هي محل الخلاف.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى كل فلا اشكال في إن ـ ان ـ او الجملة الشرطية تدل على ثبوت الجزاء عند ثبوت مدخولها ، ولكن هل لها دلالة على انتفاء الجزاء عند انتفائه ام لا؟ فمن قال بالمفهوم قال بهذه الدلالة ، ومن انكر المفهوم قال انه لا تدل على غير الثبوت عند الثبوت ، واما بالنسبة الى الانتفاء عند الانتفاء فلا دلالة لها عليه.

ولا يخفى انه لو تمت الدلالة على المفهوم لكانت الدلالة التزامية لوضوح انه لو دلت هيئة الجملة او ان على نفس الانتفاء عند الانتفاء لكانت الدلالة منطوقية لا مفهومية ، فكون الدلالة مفهومية لا بد ان يكون لكون ان او هيئة الجملة تدل على خصوصية في المنطوق لازمها البين بالمعنى الاخص هو المفهوم وهو معنى كون الدلالة التزامية ، هذا فيما اذا كان القائل بالمفهوم يقول بدلالة اللفظ عليه وضعا.

وأما اذا كان القائل بالمفهوم يستند الى دلالة الاطلاق فانه وان كانت الدلالة الاطلاقية من الدلالات العقلية ببركة مقدمات الحكمة إلّا انه لا بد وان يكون الاطلاق دالا على تلك الخصوصية في المنطوق المستلزمة لزوما بيّنا بالمعنى الاخص للانتفاء عند الانتفاء لوضوح انه لا بد وان يثبت بواسطة الاطلاق ان مدخول ان وهو مجيء زيد مثلا علة منحصرة لاكرامه ، واذا كان علة منحصرة له فلا بد وان ينتفى عند انتفائه.

والحاصل : ان القائل بالمفهوم لا بد له من ان يثبت ان المقدم في الجملة الشرطية كمجيء زيد مثلا في مفهوم الشرط علة منحصرة للجزاء وهو اكرامه فقول القائل ان جاءك زيد فاكرمه يدل على ان العلة المنحصرة لا كرام زيد هو مجيئه ، وما لم يثبت القائل بالمفهوم ذلك لا سبيل له للقول بالمفهوم فلا بد له من اثبات الدلالة على أمور : من لزوم الجزاء لمدخول الشرط وكون هذا اللزوم بنحو الترتب أي بأن يكون الجزاء مترتبا تحققه على تحقق ما هو الشرط له وان يكون هذا الترتب ترتبا عليّا أي من باب ترتب المعلول على علته فالجزاء هو المعلول والمدخول هو العلة وان تكون العلية بنحو الانحصار وهذه الامور كلها لازمة للعلية المنحصرة فان اللزوم ضروري في العلية

٢٩٤

لكن منع دلالتها على اللزوم ، ودعوى كونها اتفاقية ، في غاية السقوط ، لانسباق اللزوم منها قطعا ، وأما المنع عن أنه بنحو الترتب

______________________________________________________

وكذلك الترتب ، وحيث لا يكفى هذا في ثبوت المفهوم لا بد وان تكون العلية منحصرة.

واما القائل بعدم المفهوم فله ان يمنع الدلالة على اللزوم بأن يكون الثبوت عند الثبوت لمجرد الاتفاق كدلالة قولنا ان كان الانسان ناطقا كان الحمار ناهقا. وله ان يسلم اللزوم ويمنع الدلالة على الترتب بأن يكونا كالمتضايفين فانهما متلازمان ولكن لا ترتب بينهما او كالمعلولين لعلة ثالثة فانهما أيضا متلازمان ولكن لا علية بينهما.

لا يقال : ان المعلولين لعلة ثالثة بينهما من اللزوم ما يكفى للمفهوم وهو الانتفاء عند الانتفاء وكذلك المتضائفان.

فانه يقال : ان القائل بالمفهوم انما قال به لاستفادته من ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ترتب الجزاء على الشرط ترتبا عليّا بنحو الانحصار ، فانه لو رفع اليد عن الدلالة على الترتب للزم رفع يده عن اللازم فلا يثبت المفهوم حينئذ. وله أيضا ان يسلم الترتب ولكن لا يقول بان هذا الترتب من الترتب العلي بل الترتب كما يكون في العلة والمعلول ربما يكون لترتب احدهما على الآخر بسبب الزمان ، فان عمرا مثلا لو كان مجيئه من بعد زمان مجيء زيد بلا فصل صح الترتب بين المجيئين ولا لزوم بينهما ولا علية فضلا عن ان تكون العلية بنحو الانحصار. وله ايضا ان يسلم الترتب العلي ولكنه يمنع كون العلية بنحو الانحصار ، فان غير العلية المنحصرة لا تستلزم الانتفاء عند الانتفاء لوضوح انه لو كان للشيء علل مستقلة فانه يلزم من ثبوت احد علله ثبوته ولكن لا يلزم من انتفاء احد علله انتفاؤه ، لجواز ان يثبت لثبوت علته الاخرى.

قوله (قدس‌سره) : ((باحد الوجهين ... الخ)) ، أي الوضع او القرينة العامة التي هي الاطلاق.

٢٩٥

على العلة فضلا عن كونها منحصرة ، فله مجال واسع (١) ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ـ مع كثرة استعمالها في الترتب على نحو الترتب على غير المنحصرة منها بل في مطلق اللزوم ـ بعيدة ، عهدتها على مدعيها (٢) ، كيف؟ ولا يرى في استعمالها فيها

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان اللزوم هو القدر الجامع بين المتلازمين سواء كان تلازمهما لانهما متضائفان او لانها معلولان لعلة واحدة وفي هذين لا ترتب بين الشرط والجزاء او مطلق العلية او العلية المنحصرة وفي الآخرين لا مناص عن الترتب.

والظاهر ان المصنف يرى ان الجملة الشرطية تدل على اللزوم فقط بين الجزاء والشرط لانصرافها اليه وليس مراده من هذا الانسباق هو التبادر للزوم وضعها لذلك ، ومع وضعها للزوم لا بد وان يكون استعمالها في الاتفاقيات مجازا بلحاظ العلاقة ولا نرى في استعمالها في الاتفاقيات ملاحظة عناية او علاقة.

ولعل السبب في الانصراف الى اللزوم فيها هو كثرة استعمالها في اصل اللزوم.

وعلى كل فدلالتها على اللزوم لا يقتضي دلالتها على الترتب العلي الاعم من المنحصرة وغيرها فضلا عن دلالتها على العلية المنحصرة التي لا يتحقق المفهوم من دونها وللمنع عن دلالتها على الترتب العلي مجال واضح.

(٢) قد عرفت ان القول بالمفهوم لا بد فيه من كون اللزوم بين الجزاء والشرط لزوما عليا انحصاريا ، فمدعى المفهوم في القضية الشرطية لا بد له من ان يكون المتبادر منها هو اللزوم العلي الانحصاري لان دلالتها على المفهوم ينحصر في دلالتها على اللزوم العلي الانحصاري.

ولا يخفى ان لازم دعوى التبادر الى ذلك هو وضع القضية الشرطية له فيكون استعمالها في غير اللزوم العلي الانحصاري استعمالا في غير الموضوع له ، وعليه فاستعمالها في غير ذلك المجاز كاستعمالها في الترتب العلي بغير الانحصار كقوله

٢٩٦

عناية ، ورعاية علاقة ، بل إنما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية ، كما يظهر على من أمعن النظر وأجال البصر في موارد الاستعمالات ، وفي عدم الالزام والاخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات (١) ، وصحة الجواب بأنه لم يكن لكلامه

______________________________________________________

عليه‌السلام : (ان بلت فتوضأ وان نمت فتوضأ) وفي مطلق اللزوم كقولنا : ان كان هذا ناطقا كان حيوانا مع انه لا علية بين الجنس والفصل.

ولا يخفى ان استعمالها في العلية غير المنحصرة وفي مطلق اللزوم كثير جدا فان كان التسبب في دعوى التبادر الى العلية المنحصرة هو الوضع فنقول لا داعي عقلائي للواضع ان يضعها لخصوص العلية المنحصرة مع كثرة احتياجه الى الاستعمال في غيرها فيتكلف مئونة ملاحظة العلاقة. وان كان السبب في دعوى التبادر كثرة الاستعمال بحيث يحصل منه الوضع فهي ممنوعة جدا ، لأن استعمالها في غير العلة المنحصرة أكثر فهذه الدعوى بعيدة عهدتها على مدعيها.

(١) قد أشار المصنف الى ايرادين على دعوى تبادر العلية المنحصرة من القضية الشرطية. الأول : ان لازم التبادر المذكور وهو وضع الجملة الشرطية لخصوص العلة المنحصرة كون استعمالها في العلة غير منحصرة وفي مطلق اللزوم مجاز ولا ريب في ان الاستعمال المجازي يحتاج الى عناية لاجل لحاظ العلاقة والمناسبة للمعنى الحقيقي ولو كان الحال كما زعمه مدعى التبادر لوجدنا في انفسنا في مقام استعمالنا للجملة الشرطية في العلة غير المنحصرة وفي مطلق اللزوم عناية ولحاظ علاقة ، ومن الواضح انا لا نرى شيئا من ذلك في مقام استعمالنا في غير العلة المنحصرة ولو كان استعمالنا مجازيا لكان من الضروري تحقق العناية ولحاظ العلاقة والى هذا اشار بقوله : ((كيف؟ ولا يرى في استعمالها فيها)) أي في العلية غير المنحصرة وفي مطلق اللزوم ـ ((عناية ورعاية علاقة ... الى آخر الجملة)).

٢٩٧

مفهوم ، وعدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم (١).

وأما دعوى الدلالة ، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل افرادها ، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها ، ففاسدة جدا ، لعدم كون الاكملية موجبة للانصراف إلى الاكمل ، لا سيما مع كثرة الاستعمال في غيره ، كما لا يكاد يخفى. هذا مضافا إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة ، فإن الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى (٢).

______________________________________________________

(١) هذا هو الايراد الثاني ، وحاصله : انه لو كانت الجملة الشرطية موضوعة لخصوص الترتب العلي بنحو الانحصار الذي لازمه ثبوت المفهوم ودلالة الجملة الشرطية عليه فيكون قول المولى لعبده ان جاءك زيد أكرمه دالا على الجملة المفهومية وهي ان لم يجئ زيد لا تكرمه. وهذه القضية المفهومية لو ثبتت لدلت على المنع عن اكرام زيد فيما اذا لم يجئ ، فلو اكرمه العبد في حال عدم مجيئه لكان مخالفا وعاصيا ، ومن الواضح انه يصح ان يجيب العبد مولاه بأن كلامه لا دلالة له على النهي عن اكرام زيد في حال عدم مجيئه وانه لا يدل على غير وجوب اكرامه عند مجيئه اما على حرمة اكرامه عند عدم مجيئه فكلامه لا دلالة له على ذلك ، وصحة احتجاج العبد دليل على عدم تبادر العلية المنحصرة من الجملة الشرطية ، وإلّا لما صح احتجاج العبد. والى هذا اشار بقوله : ((وصحة الجواب بانه لم يكن لكلامه مفهوم وعدم صحته)) أي عدم صحة الجواب بأنه لم يكن له مفهوم ((لو كان له)) أي لو كان لكلامه ((ظهور فيه معلوم)) أي انه يكون عدم صحة الجواب معلوما لو كان لكلام المولى ظهور وضعي في العلية المنحصرة المستلزمة للمفهوم.

(٢) حاصله : انه لو ادعى ان الجملة الشرطية لم توضع للعلة المنحصرة فيسلم هذا المدعى عدم التبادر ، ولكنه يقول انه لا اشكال ان العلة المنحصرة اكمل افراد اللزوم

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والعلية وقد عرفت تسليم اللزوم في القضية الشرطية ، فنقول : ان دلالتها على العلة المنحصرة انما هو للانصراف لا لوضعها لها بالخصوص ، والسبب في انصرافها الى العلة المنحصرة هو كونها اكمل افراد اللزوم والعلية ، والى هذا اشار بقوله : ((واما دعوى الدلالة بادعاء انصراف اطلاق العلاقة اللزومية)) المسلمة بين الشرط والجزاء ((الى ما هو اكمل افرادها وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها)).

قوله (قدس‌سره) : ((ففاسدة جدا لعدم ...)) هذا هو الخبر لقوله : ((واما دعوى)) ، وتوضيح فساد هذه الدعوى انها مشتملة على كبرى وهي كون الاكملية موجبة للانصراف وصغرى وهي ان العلاقة اللزومية في العلة المنحصرة اكمل افراد العلل ، ولكنها ممنوعة كبرى وصغرى.

اما الكبرى فلان الاكملية لا توجب الانصراف ، لان الانصراف انما يحصل للاستيناس الذهني الحاصل بسبب كثرة الاستعمال. وقد عرفت مما مر ان الاستعمال في العلة المطلقة بل في اللزوم المطلق كثير جدا ولعله اكثر من الاستعمال في العلة المنحصرة ، ومع هذا كيف يحصل الانصراف؟ فالاكملية أجنبية عما هو السبب للانصراف ، وكثرة الاستعمال انما هي في غير جانب العلة المنحصرة فلا وجه لدعوى كون الاكملية موجبة للانصراف لعدم اقتضائها في نفسها لذلك ولعدم كثرة الاستعمال فيها ، وقد اشار المصنف الى منع كون الاكملية من مقتضيات الانصراف بقوله : ((لعدم كون الاكملية موجبة للانصراف الى الاكمل)) واشار الى ان الموجب له كثرة الاستعمال وهو ليس في العلية المنحصرة بقوله : ((مع كثرة الاستعمال في غيره)) أي في غير الفرد الاكمل.

واما الصغرى فهي ممنوعة أيضا لوضوح ان الانحصار بالعلة لا يوجب كون العلة أكمل أفراد العلل في التأثير والعلية ، لان الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وكما يجب وجوده مع علته المنحصرة كذلك يجب وجوده مع علته غير المنحصرة ، وكون هذا العلة لا يوجد غيرها علة لهذا المعلول أجنبي عن الكمال في مقام تأثيرها في معلولها ،

٢٩٩

إن قلت : نعم ، ولكنه قضية الاطلاق بمقدمات الحكمة ، كما ان قضية إطلاق صيغة الامر هو الوجوب النفسي (١).

______________________________________________________

ولازم قول هذا لمدعى كون العلة المنحصرة أكمل من غيرها كون تأثيرها في مقام العلية آكد وأقوى ، وقد عرفت ان الانحصار اجنبي عن القوة والتأكيد في مقام التأثير. والى هذا اشار بقوله : ((مضافا الى منع كون اللزوم بينهما أكمل ... الى آخر الجملة)).

(١) لما ذكر فساد دعوى الدلالة على العلية المنحصرة المستلزمة للمفهوم تبادرا أو انصرافا تعرض لفساد دعوى التمسك بالاطلاق لا ثبات العلية المنحصرة ، وقد ذكر للإطلاق وجوها ثلاثة :

الأول : ما اشار اليه بقوله : ((ان قلت)) ، وحاصله : التمسك باطلاق الدال على اللزوم في القضية الشرطية وهو اما ان او هيئة الجملة الشرطية ، وتوضيحه : ان مقدمات الحكمة الثلاث وهو كون المولى في مقام البيان وانتفاء القدر المتيقن والقرينة الخاصة ينضم اليها مقدمة رابعة وهي ان الترتب المستفاد من ترتب الجزاء على الشرط الذي دل عليه ان او هيئة الجملة بعد ان كان المولى بصدد بيانه لا بد وان يكون هو الترتب الانحصاري دون غيره ، لان ترتب المعلول على علته المنحصرة ترتب عليها لا غير ، وترتبها على العلة وعلى غيرها ترتب عليها مع غيرها ، فقيد العلة المنحصرة قيد عدمي ، وقيد العلة غير المنحصرة قيد وجودي ، وحيث ان المولى كان في مقام البيان للعلية والقيد الوجودي يحتاج الى بيان زائد ولم يبينه ، فلا بد وان يكون المراد غيره وهو العلة المنحصرة ، ومثل هذا الاطلاق في المقام الاطلاق المذكور لتعيين الوجوب النفسي دون الوجوب الغيري ، فان القيد في الوجوب الغيري وجودي ، وفي الوجوب النفسي عدمي ، لان الوجوب الغيري هو الوجوب المترشح من وجوب آخر ، بخلاف الوجوب النفسي فانه الوجوب غير المترشح من وجوب آخر فلذا كان الاطلاق معينا للوجوب النفسي دون الغيري ، والى هذا اشار بقوله : ((كما ان قضية اطلاق صيغة الامر هو الوجوب النفسي)).

٣٠٠