بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

لا يقال : هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ، ولا يكاد يتصف بها العبادة ، لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلا تشريعا ، ومعه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة ، ومعه لا تتصف بحرمة أخرى ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين (١).

______________________________________________________

لا يعقل ان تكون مقربة لو تأتى من المكلف قصد التقرب بها غفلة ، اما مع علمه فلا يتأتى منه قصد القربة بها.

وعلى كل فالعبادة المتعلق بها النهي مع علم المكلف بمبغوضيتها تكون فاقدة للأمرين ، لعدم اتيانها بقصد القربة ، وغير صالحة للقربة ، ومع غفلة المكلف تكون فاقدة لامر واحد وهو كونها غير صالحة للتقرب ، ومع وقوعها في الخارج غير مقربة لا تكون واجدة لشرط سقوط القضاء والاعادة الذي هو وقوعها مقربة.

وقد أشار المصنف الى ذلك بقوله : ((وكذا بمعنى سقوط الاعادة فانه)) أي سقوط الاعادة ((مترتب على اتيانها بقصد القربة)) لوضوح انها اذا لم يقصد بها القربة لا تقع مقربة وهذا هو الأمر الأول.

والأمر الثاني ما أشار اليه بقوله : ((وكانت مما يصلح لأن يتقرب بها ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك)) أي لان تقع قريبة لو تاتى قصد القربة بها غفلة ، ومع العلم بالحرمة لا يعقل أن يأتى قصد القربة ، ولذا قال : ((ويتأتى قصدها من الملتفت الى حرمتها)) أي مع الحرمة الذاتية لا تكاد تصلح للقربة ولا يكاد يتأتى قصد القربة من الملتفت لعلمه بالحرمة.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان قوله : ((ويتأتى)) معطوفة على قوله : ((تكاد)) أي لا تكاد تصلح لذلك ولا تكاد يتأتى قصدها من الملتفت.

(١) حاصل هذا الايراد ان النهي التحريمي الذاتي لا يعقل ان يتعلق بالعبادة ، ولا يمكن ان تكون العبادة بما هي عبادة محرمة بالحرمة الذاتية لان المأتي به لا يقع

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

عبادة إلّا ان يؤتى به بقصد القربة ، فالعبادة المتعلق بها النهي اذا اتى بها من دون قصد القربة لا تكون عبادة ومع عدم كونها عبادة لا تكون هي المنهي عنها ، ووقوعها مصداقا للمنهي عنه بما انها عبادة منهي عنها يتوقف على إتيانها بقصد الامر ، ولازم ذلك ان يكون متعلق النهي هو متعلق الامر بما هو متعلق الامر ، ومعنى ذلك تعلق النهي بالمأمور به بما هو مأمور به ، وتعلق النهي بالمأمور به بما هو مأمور به محال واضح ، فانه كيف يعقل ان يطلب ترك المطلوب ايجاده بما هو مطلوب ايجاده ، فتعلق النهي التحريمي بالعبادة بما هي عبادة محال وتعلق النهي بغير المأتي به بقصد القربة خلف ، لأن المفروض ان يكون متعلق النهي هو العبادة ، والمأتي به لا بقصد القربة ليس بعبادة.

والحاصل : ان تعلق النهي بغير العبادة خلف ، وتعلقه بالعبادة التي لا بد من قصد القربة بها حقيقة محال.

نعم يمكن ان يقصد بها القربة تشريعا فانه يمكن ان يؤتى بالشيء غير المتعلق به الامر حقيقة بقصد اتيانه امتثالا لأمر قد شرعه له غير الشارع ، والمأتي به بقصد الأمر التشريعي محرم بالحرمة التشريعية ، ومن الواضح ان الشيء الواحد لا يتحمل حكمين فاذا كان محرما بالحرمة التشريعية لا يعقل ان يكون محرما بحرمة غيرها ، فالمحرم بالحرمة التشريعية بما هو محرم بهذه الحرمة لا يعقل ان يكون محرما بحرمة أخرى بما هو محرم تشريعا ، ولا يعقل ان يكون ذات ما تعلق به النهي من دون قصد القربة محرما ذاتيا لعدم كونه عبادة ، ولا يعقل ان يكون بما هو متعلق الأمر متعلقا للحرمة الذاتية ، ولذا قال : ((هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية)) وكون النهي دالا على الحرمة الذاتية غير معقول ، لان المأتي به ان لم يؤت به بقصد القربة لا يكون متعلق النهي أمرا عباديا ، ولذا قال : ((ولا يكاد يتصف بها العبادة لعدم الحرمة بدون قصد القربة)) وتعلق النهي بالعبادة بما هي مقصود بها امتثال

٢٦٢

فإنه يقال : لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة ـ لو كان مأمورا به ـ بالحرمة الذاتية ، مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها ، بمعنى أنه لو أمر به كان عبادة ، لا يسقط الامر به إلا إذا أتى به بقصد القربة ، كصوم سائر الايام ، هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة ، كالسجود لله تعالى ونحوه ، وإلا كان محرما مع كونه فعلا عبادة ، مثلا إذا نهي الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى ، كان عبادة محرمة ذاتا حينئذ ، لما فيه من المفسدة والمبغوضية في هذا الحال (١) ، مع أنه لا ضير في اتصافه

______________________________________________________

الامر حقيقة غير معقول أيضا لانه شيء غير مقدور ، ولذا قال : ((وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها)).

نعم يمكن قصد اتيانها امتثالا للأمر التشريعي ، ولذا قال : ((الا تشريعا ومعه)) أي مع قصد التشريع ((تكون)) تلك العبادة التشريعية ((محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة ومعه)) أي ومع اتصافها بالحرمة التشريعية ((لا تتصف بحرمة اخرى لامتناع اجتماع المثلين كالضدين)) فانه كما لا يعقل ان يجتمع الوجوب والحرمة في شيء واحد كذلك لا يعقل ان تجتمع حرمتان في شيء واحد.

(١) أجاب المصنف عن هذا الاشكال بثلاثة أجوبة :

الأول ما اراده بقوله : ((لا ضير)) وحاصله : في ان الحرمة الذاتية تتعلق بالعبادة ، لان العبادة اما ان تكون ذاتية وهي لا تحتاج الى قصد القربة في وقوعها عبادة ، فان قصد العنوان فيها هو الموجب لعباديتها كتعظيم المولى وتقديسه.

واما ان تكون غير ذاتية وهي التي لو تعلق بها أمر لكان عباديا لا يسقط إلّا بقصد القربة ، فالعبادة هي ذات ما يتعلق به قصد القربة ، وليس المراد بالعبادة ما كانت عبادة بالفعل مقصودا بها القربة حتى يلزم من تعلق النهي بها التكليف بغير المقدور.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان الحرمة الذاتية المتعلقة بالعبادة متعلقها اما عبادة تعليقا وهذه ليست عبادة بالفعل حتى يلزم من تعلق النهي بها محال ، فان كونها عبادة بالفعل يحتاج الى قصد القربة الذي لا يتحقق فيها إلّا بقصد امتثال الأمر ، واما ان يكون متعلقها ما هو عبادة بالفعل ولكن عباديتها لا تتوقف على قصد الأمر بل قصد عنوانها الذاتي لها كاف في عباديتها ، كالسجود لله فان قصد السجود لله من دون قصد امتثال الامر به يوجب وقوع السجود عبادة فلا مانع من تعلق الحرمة الذاتية بالعبادة بكلا معنييها.

وقد أشار الى العبادة التعليقية بقوله : ((لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة لو كان مأمورا به بالحرمة الذاتية مثلا صوم)) يوم ((العيدين)) فان النهي المتعلق بصوم يوم العيدين مفاده حرمة ذاتية وقد تعلق بالصوم الذي لو كان هذا الصوم متعلقا للأمر لكان امره لا يسقط إلّا بقصد امتثاله ، وحال هذا الصوم كالصوم في غير يوم العيدين من ساير الأيام فان الأمر المتعلق به لا يسقط إلّا باتيان الصوم مقصودا به امتثال امره ، واشار الى العبادة الذاتية بقوله : ((هذا فيما اذا لم يكن ذاتا عبادة كالسجود لله تعالى ... الى آخر الجملة)).

فاتضح : انه لا مانع من تعلق النهي الدال على الحرمة الذاتية بالعبادة ويلزم من تعلق النهي بالعبادة فسادها على رأي المتكلم لعدم الامر ، وعلى رأي الفقيه لعدم سقوط القضاء والاعادة بهذه العبادة المنهي عنها لان النهي الدال على الحرمة الذاتية يجعلها مبغوضة لوضوح ان المطلوب تركه مولويا مبغوض للمولى الاتيان به ، وما كان وقوعه مبغوضا لا يعقل ان يقع مقربا ، فان السجود لله تعالى وان كان تعظيما له إلّا انه اذا تعلق به النهي يكون هذا السجود مبغوضا لله وان كان تعظيما له وما كان مبغوضا لله لا يكون مقربا اليه ، والى هذا اشار بقوله : ((لما فيه من المفسدة والمبغوضية)).

٢٦٤

بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية ، بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة ، بل إنما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب ، كما هو الحال في التجري والانقياد (١) ،

______________________________________________________

لا يخفى ان كون المنهي عنه مفسدة مبني على كون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد ، واما كونه مبغوضا فهو لازم على كل حال لان وجود ما لا يريد المولى وجوده يوجب كون وجوده مما لا يرضى به المولى ، وهو معنى كون وجوده مبغوضا.

(١) هذا هو الجواب الثاني ، وحاصله : انه لو قلنا ان متعلق الحرمة التشريعية هو القصد لان التشريع هو قصد ادخال ما ليس من الشرع في الشرع فمتعلق الحرمة التشريعية فعل نفساني قلبي لا خارجي ، فالتشريع مثل التجري فان معناه بحسب الاصطلاح هو قصد الطغيان على المولى بفعل ما يعتقد المكلف أنه عصيان للمولى وطغيان عليه ولا يكون كذلك في الواقع ، وكذلك الانقياد فانه بحسب الاصطلاح قصد العبد بفعله في اداء رسم الطاعة والعبودية بما يعتقد انه طاعة لمولاه وعبودية له ولا يكون في الواقع كذلك ، فالتجري والانقياد من الافعال القلبية النفسانية.

فاذا قلنا ان المحرم التشريعي هو القصد وهو فعل قلبي نفساني فلا مانع من ان يكون الفعل الخارجي متعلقا لحرمة اخرى ، ولا يلزم اجتماع الحكمين في شيء واحد لتعدد متعلق كل منهما ، ومع تعدد المتعلق لا يجتمع الحكمان في شيء واحد ، وهذا الجواب يتعلق بقول المورد : ((ومعه لا تتصف بحرمة اخرى)) أي ومع اتصاف الفعل بالحرمة التشريعية لا يعقل ان تتعلق به حرمة اخرى للزوم اجتماع المثلين.

فقد ظهر : انه اذا كانت الحرمة التشريعية متعلقة بالفعل القلبي لا مانع من ان يكون الفعل الخارجي متعلقا لحرمة اخرى لان الفعل الخارجي لا حرمة فيه تشريعية ، فاذا كان حراما بحرمة اخرى لا يلزم من ذلك اجتماع المثلين ، وانما قال المصنف بناء لا مكان ان يكون قصد التشريع موجبا لكون الفعل الذي قصد التشريع به محرما فيكون القصد التشريعي موجبا لكون المشرع به حراما كما قيل مثل هذا في التجرى

٢٦٥

فافهم (١).

هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة ، لكان دالا على الفساد ، لدلالته على الحرمة التشريعية ، فإنه لا أقل من دلالته على أنها ليست بمأمور بها ، وإن عمها إطلاق دليل الامر بها أو عمومه (٢) ، نعم لو

______________________________________________________

والانقياد من وقوع الفعل المتجرى به حراما والمنقاد به طاعة بالعنوان الثانوي وهو كونه متجرى به ومنقادا به لا بعنوانه الاولى.

واذا كانت الحرمة التشريعية متعلقها الفعل المشرع به يكون نفس الفعل الخارجي متعلق الحرمة التشريعية وحينئذ لا يعقل ان يكون معروضا لحرمة اخرى ، وإلّا لزم اجتماع المثلين لوحدة المتعلق.

(١) يمكن ان يكون اشارة الى انه خلاف التحقيق عند المصنف وان متعلق التشريع والتجري والانقياد هو الفعل القلبي.

ويمكن ان يكون اشارة الى انه حتى لو قلنا بان الحرمة التشريعية متعلقها الفعل القلبي مع ذلك لا يعقل ان يكون الفعل المأتي به بقصد التشريع محرما بحرمة اخرى ، لان هذه الحرمة الاخرى المتعلقة بالفعل المأتي به تشريعيا لا يعقل ان تكون فعلية يوما ما لعدم امكان اتيان الفعل بما هو مأتي به بقصد التشريع بقصد آخر ، لمحالية صدور الفعل الواحد بداعيين استقلاليين ، واثباته بداعي التشريع وبداع آخر بنحو التشريك خلاف الفرض ، فان المفروض ان متعلق الحرمة الاخرى هو المأتي به بداعي التشريع استقلالا والحكم الذي لا تترقب له فعلية لغو لا يصدر من الحكيم.

(٢) هذا الجواب الثالث ، وحاصله : انه لو سلمنا ان النهي المتعلق بالعبادة لا يمكن ان يكون نهيا تحريميا ذاتيا ويلزم ان يكون نهيا تحريميا تشريعيا ، ولكن النتيجة المترتبة على النهي لو كان تحريميا ذاتيا وهي فساد العبادة مترتبة قطعا فيما اذا كان النهي تشريعيا ، لوضوح ان المأتي به المتعلق به النهي التشريعي لا يعقل ان يكون متعلقا للأمر ، لان معنى النهي التشريعي هو النهي عن اتيان الشيء امتثالا به لامر ليس

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بحقيقي بل تشريعي ، ولو كان له أمر حقيقي لما امكن ان يكون له أمر تشريعي فان التشريع انما يكون لما ليس له أمر حقيقة ، فاذا كان قد تعلق به امر حقيقي فكيف يكون له أمر تشريعي ، فالنهي عن اتيان الشيء تشريعا يلازمه عدم تعلق الأمر الحقيقي بالشيء.

لا يقال : انه لا ملازمة بين النهي التشريعي وعدم تعلق الأمر الحقيقي بالشيء ، لان ما تعلق به الأمر الحقيقي محرم إتيانه بقصد امتثال أمر تشريعي غير الامر الحقيقي المتعلق به.

فانه يقال : ان الظاهر من النهي المتعلق بالعبادة كونه تحريميا ذاتيا ، ولكن ما ذكروه في لا يقال من المحاذير هو المانع عن هذا الظهور فلا بد من صرفه الى التشريعي ، وهذا يدل على ان هذا النهي التشريعي ليس متعلقه ما كان له أمر حقيقي ولكنه يؤتى به بقصد أمر آخر تشريعي.

فاتضح : ان هذا النهي مع صرفه الى النهي التشريعي يلازم كون متعلقه لا أمر به حقيقي ، هذا مع ان المدعى في ان المأتي به بأمر تشريعي يلازم فساده والمأتي به بأمر تشريعي لا يعقل ان يكون له أمر حقيقي بما هو مأتي به تشريعا ، وقد عرفت ان المصحح للعبادة هو وقوعها قربية ووقوعها قربية لا يكون إلّا بقصد أمرها ، فان محل الكلام هو تعلق النهي التحريمي الذاتي بالعبادة غير الذاتية ، لما عرفت من ان العبادة الذاتية لا مانع من تعلق النهي التحريمي الذاتي بها ، واذا كانت العبادة غير الذاتية هي متعلق النهي التشريعي فلا يمكن ان تقع عبادة يترتب عليها آثارها إلّا بقصد أمرها لانها به تقع قربية ، واذا كان لا أمر لها حقيقي فلا يمكن ان تقع مقربة لعدم الأمر بها حتى يتأتى قصده ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((هذا مع انه لو لم يكن النهي فيها)) أي في العبادة ((دالا على الحرمة)) الذاتية ((لكان دالا على الفساد ل)) أجل ((دلالته على الحرمة التشريعية)) لما عرفت من انه يلازم النهي التشريعي عدم الامر الحقيقي ، ولذا

٢٦٧

لم يكن النهي عنها إلا عرضا ، كما إذا نهى عنها فيما كانت ضد الواجب مثلا ، لا يكون مقتضيا للفساد ، بناء على عدم اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن الضد الا كذلك أي عرضا ، فيخصص به أو يقيد (١).

______________________________________________________

قال : ((فانه لا أقل من دلالته على انها)) أي العبادة المتعلق بها النهي التشريعي ((ليست بمأمور بها وان عمها اطلاق دليل الأمر بها أو عمومه)).

ثم لا يخفى ان العبادة وان كان كما يمكن ان تقع قربية بقصد أمرها كذلك يمكن ان تقع قربية بقصد ملاكها إلّا ان العبادة المتعلق بها النهي التشريعي الفرض فيها ان يؤتى بها بقصد التشريع ، ومع إتيانها بقصد التشريع لا يعقل ان يؤتى بها بقصد الملاك أو قصد آخر ، لمحالية ان يجتمع داعيان مستقلان على ايجاد شيء واحد.

(١) حاصله : ان النهي المتعلق بالعبادة قد يكون تعلقه بها بالعرض والمجاز ومعناه عدم تعلق النهي بها حقيقة ، فهي في الحقيقة ليست متعلقة لنهي لا حقيقي ولا تشريعي ويصح سلب تعلق النهي بها على وجه الحقيقة كما في النهي المتعلق بالعبادة التي هي ضد للواجب كالصلاة المضادة للإزالة فانه بناء على ان الضد ليس من مقدمات وجود الضد الآخر وانما هي ملازمة لعدم الازالة المنهي عنه وليست من مقدماته فالنهي المتعلق بها لاجل المضادة لا بد وان يكون قد تعلق بها عرضا ومجازا ، وان متعلقه في الحقيقة غير الصلاة المضادة للازالة ، فالصلاة لم يتعلق بها النهي في الحقيقة ومثل هذا النهي العرضي لا بد وان لا يدل على فسادها لانه ليس بنهي حقيقة حتى يكون دالا على المبغوضية المنافية للقربة ولا نهيا تشريعيا حتى يلازم الفساد فيها كما تقدم بيانه ، فلا مانع من وقوعها صحيحة ولو بقصد الملاك فيها اذا لم نقل بصحة اتيانها بقصد الامر بناء على معقولية الترتب ، وعلى كل فالنهي العرض لا يقتضي فساد العبادة.

٢٦٨

المقام الثاني في المعاملات : ونخبة القول ، أن النهي الدال على حرمتها لا يقتضي الفساد ، لعدم الملازمة فيها ـ لغة ولا عرفا ـ بين حرمتها وفسادها أصلا ، كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة ، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبب او بالتسبب بها اليه وان لم يكن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الافعال بحرام ، وإنما يقتضي الفساد فيما إذا كان دالا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها ، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع أو بيع شيء (١).

______________________________________________________

قوله (قدس‌سره) : ((الا كذلك عرضا)) أي بناء على عدم اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده لا يكون النهي المتعلق بالعبادة لأجل المضادة الا نهيا عرضيا فهو بالعرض والمجاز ويصح سلبه عن متعلقه على وجه الحقيقة فلا اقتضاء له للفساد.

قوله (قدس‌سره) : ((فيخصص ويقيد)) ظاهر عبارة المتن ان المراد من هذه العبادة هو ان العموم او الاطلاق الدالان على ان النهي المتعلق بالعبادة يقتضي فسادها يخصص العموم ويقيد الاطلاق منهما بالنهي العرضي فانه نهي قد تعلق بالعبادة ، ولكن لا يقتضي فسادها فيخصص بهذا النهي العرضي العموم او الاطلاق الدالان على فساد العبادة المتعلقة للنهي.

ويحتمل ولو بعيدا ان يكون المراد منها بان هذا النهي العرضي لا يخصص به ولا يقيد العموم أو الاطلاق الدالان على صحة الصلاة كما يخصص العموم او الاطلاق بالنهي الحقيقي الدال على فساد الصلاة.

(١) النهي المتعلق بالمعاملة على انحاء اربعة :

لانه اما ان يتعلق بها بما هي فعل من افعال المكلف لا بما هي معاملة ، كالنهي المتعلق بالبيع عند النداء لصلاة الجمعة فان النهي المتعلق بالبيع وقت النداء لا لأنه بيع ومعاملة بل لأنه فعل من الأفعال ، فان الغرض من هذا النهي ترك كل فعل من الأفعال غير السعي الى الصلاة فلو نام في وقت النداء اختيارا او اكل بحيث يكون

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاكل منافيا للسعي لادراك الصلاة لكان قد فعل المنهي عنه ، وانما ذكر البيع دون غيره من الافعال اما لانه الغالب الذي يحصل التشاغل به في ذلك الوقت في المجتمعات السوقية التجارية ، او لانه أهم ما يقوم به نظام الحياة الاجتماعي.

وأما ان يتعلق النهي بالسبب من دون ان يكون المسبب محرما او مبغوضا كالنهي المتعلق بالظهار بقصد التسبب به الى الفراق ، فان نفس الفراق بين الزوج وزوجته المسبب عن الظهار ليس بمحرم ولا مبغوض ولكن هذا السبب الخاص له وهو الظهار هو المحرم والمبغوض.

وأما ان يتعلق بالمسبب من دون ان يكون السبب له بمحرم ولا مبغوض كملكية الكافر للمسلم أو المصحف ، فان ملكية الكافر للمسلم او المصحف التي هي المسبب عن بيع او هبة أو مصالحة هي المبغوضة دون السبب لها.

واما ان يتعلق بآثار المعاملة كحرمة الثمن او المثمن كقوله عليه‌السلام : (ثمن العذرة أو الخنزير سحت) ومعنى كون الثمن سحت هو حرمة التصرف بهذا الثمن الذي هو الأثر للمعاملة ، فان الغرض من المعاملة هو التصرف بالثمن والمثمن.

ينبغي ان لا يخفى ان المصنف لم يشر الى الوجه الثاني في المتن وان كان قد اشار الى انحاء اربعة فانه اشار الى الوجه الاول والى الوجه الثالث بحسب ما ذكرنا من الترتب وبحسب عبارته هو الوجه الثاني والوجه الثالث الذي اشار اليه في المتن هو النهي عن التسبب لا عن السبب ولا عن المسبب ولا عن الآثار الذي هو الوجه الرابع بحسب ما ذكرنا وبحسب المتن ولكنه سيأتي المناقشة في الوجه الثالث وانه غير واضح.

ثم لا يخفى انه لا مانع من تعلق الحرمة الذاتية بهذه الأقسام الأربعة ، وانما الكلام في ان النهي التحريمي المتعلق بها هل يقتضي فساد المعاملة بما هو نهي تحريمي أم لا؟ وفيما عدا النحو الرابع وهو النهي المتعلق بآثار المعاملة لا يقتضي فسادها.

اما النحو الاول : فلوضوح انه محرم ومبغوض بما هو فعل من الافعال ، وليس بما هو معاملة بمبغوض حتى يمكن ان يتوهم اقتضاء مبغوضية المعاملة لفسادها او اقتضاء

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الملازمة العرفية للفساد ، فان الملازمة العرفية لو ادعيت فانما هي بين المعاملة أو الفساد.

واما النحو الثاني : وهو تعلق الحرمة الذاتية بالسبب بما هو سبب فلا يقتضي فسادها أيضا لعدم الملازمة عقلا بين مبغوضية السبب وعدم ترتب أثره عليه.

وقد يقال : ان العقل وان كان لا يرى تلازما بين مبغوضية وجود السبب خارجا وبين تأثيره أثره المترقب منه إلّا ان العرف يرى الملازمة بين مبغوضية السبب وبين عدم تأثيره والخطابات الشرعية تنزل على المرتكزات العرفية.

والجواب عنه : ان العرف لا يرى الملازمة بين الحرمة الذاتية للأسباب المعاملية وبين تأثيرها أثرها ، وقد عرفت انه وقع في الشرع تحريم السبب كما في الظهار مع تاثيره اثره ولا يرى العرف ان في تحريم الشارع للظهار مع ترتب أثره عليه تخطئة او تخصيصا لهذه الملازمة ، ولو كانت الملازمة العرفية ثابتة لتحقق احد الامرين.

واما النحو الثالث : وهو تحريم الاثر المترتب على السبب الذي هو المسبب كالملكية المترتبة على البيع أو الهبة فانه أيضا لا ملازمة عقلا بين مبغوضية الأثر وبين ترتبه على سببه كملكية الكافر للمسلم او المصحف فانها تترتب على بيع المسلم او المصحف منه او هبته له ، وان وجب على الحاكم الشرعي أو المسلمين ان يجبروه على اخراجه عن ملكيته ، فان هذا يدل على تملكه له وإلّا لما كان لإجباره عليه معنى.

وقد يستشكل بالملازمة عقلا بين مبغوضية الاثر وبين الفساد.

وحاصله : ان الاثر حيث انه من الامور الجعلية للشارع فلا معنى لاعتبار الشارع له مع مبغوضيته اياه ، وأي داع لان يعتبر الشارع حصول ما يبغض حصوله ، نعم لو كانت ترتب الأثر من التأثيرات القهرية التكوينية لما كان ملازمة عقلا بين مبغوضيتها وفسادها ، ولكن كون الأثر من الاعتبارات الجعلية الشرعية مما لا ريب فيه.

والجواب عنه : ان جعل الشارع واعتباره لشيء حيث انه ليس بجزاف بل لا بد ان يكون لمصلحة تقتضي ذلك الجعل فلا مانع عقلا من ان تقوم المصلحة الملزمة بسبب

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

من الاسباب لان يعتبر الشارع تأثيره مع كون أثره مبغوضا ، مثلا لو تحققت المصلحة الملزمة لان يكون عقد البيع الجامع لجميع الشرائط مؤثرا للملكية فتدعو هذه المصلحة الى ان يعتبر الشارع تحقق الملكية عند تحقق هذا العقد البيعي مع كون بعض افراد الملكية التي يؤثرها عقد البيع مبغوضة.

وبعبارة أخرى : ان المصلحة قد دعت لان يكون عقد البيع الجامع للشرائط علة تامة لاعتبار الملكية أثرا له فلا يعقل ان يتخلف عن ذلك عدم اعتبار الشارع للملكية اثرا له عند تحقق عقد البيع ، ومع كون عقد البيع الجامع علة تامة لذلك وانه لا بد وان يترتب عليه أثره فيكون على الشارع اعتبار تحقق أثره وان كان بعض أفراد الأثر مبغوضا عند الشارع فلا مانع عقلا بين اعتبار الملكية أثرا للبيع وبين مبغوضية ملكية الكافر للمسلم أو المصحف.

فاتضح مما ذكرنا : عدم الملازمة عقلا بين الحرمة في هذه الأنحاء الثلاثة وبين فسادها ، وعدم الملازمة العرفية بين حرمتها وفسادها.

ومن الواضح أيضا عدم دلالة النهي لغة بحسب الوضع على فساد المعاملة ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((ان النهي الدال على حرمتها لا يقتضى الفساد لعدم الملازمة فيها لغة ولا عرفا)) أي لعدم الملازمة في حرمتها للفساد لا من ناحية اللغة ولا من ناحية العرف ولا ربط ((بين حرمتها وفسادها أصلا)).

وقوله (قدس‌سره) : ((كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة)) يشير بهذا الى النحو الأول وهو كالبيع وقت النداء.

وقوله : ((أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبيب)) يشير بهذا الى النحو الثالث وهو النهي المتعلق بالمسبب كملكية الكافر للمسلم أو المصحف ، ولم يشر المصنف الى النحو الثاني وهو تعلق النهي بالسبب كالظهار.

وقوله : ((أو بالتسبب بها اليه وان لم يكن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الأفعال بحرام)) لم يظهر لهذا مثال واضح ، وقد ذكر له مثالا وهو تعلق النهي

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بالزيادة الربوية بتقريب ان البيع بما هو بيع الذي هو السبب ليس بمبغوض وان المسبب وهو ملكية الزيادة بما هي ملكية للزيادة ليست بمبغوضة ، لعدم حرمة ملكية الزيادة بالهبة ولكن التسبب اليها بالبيع هو المبغوض والمحرم ، فمراده من قوله : بما هو فعل من الأفعال : أي بما هو بيع وملكية.

ويرد عليه ، اولا : ان البيع بعد تنويعه الى بيع ربوي قد صار البيع نوعين ، فالنهي عن الربا اما ان يكون المبغوض فيه هو السبب لملكية الزيادة ، او ان المسبب وهو ملكية الزيادة هو المبغوض وقد يكون كلاهما مبغوضين ، ويظهر من الاخبار النهي عن الربا سببا ومسببا وان كليهما مبغوضان.

وثانيا : ان التسبب بالمعاملة الى مضمونها وهو ما يترقب من آثارها ليس إلّا وجودها بما هي صادرة من المتسبب اليها.

وبعبارة اخرى : ان الملكية بما هي شيء من الأشياء تترتب على العقد ولها وجود بنفسها يعبر عنها بالمسبب ، وبما انها تصدر من المكلف بواسطة ايجاده لسببها وهو العقد فهي فعل صادر عنه بالتسبب لأنها ليست من الافعال المباشرية بل من آثار ما يصدر عنه بالمباشرة قهرا ، فهي فعل توليدي قهري يترتب على ما يصدر منه بالمباشرة ويكون ايجاد سببه تسببا من المكلف اليه ، فالملكية بملاحظة وجودها هي المسبب وبملاحظة ايجادها هي فعل يتسبب اليه ، ومن الواضح : ان الايجاد والوجود متحدان ذاتا ومختلفان اعتبارا فلا يعقل ان تكون الملكية بوجودها غير مبغوضة وبما هي صادرة بالتسبب اليها مبغوضة ، ولا يعقل ايضا ان يكون نفس التسبب اليها مبغوضا مع عدم مبغوضيتها بنفسها ، اذ ليس التسبب اليها الا ايجادها واصدارها ، وقد عرفت اتحاد الوجود والايجاد ذاتا.

قوله (قدس‌سره) : ((وانما يقتضي الفساد فيما)) هذا هو النحو الرابع المتقدم وهو تعلق النهي التحريمي بالمنع عن جميع آثار المعاملة ، ولا يخفى ان حرمة جميع آثار المعاملة يستلزم فسادها لوضوح لغوية اعتبار المعاملة مؤثرة مع المنع عن جميع آثارها.

٢٧٣

نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الارشاد إلى فسادها ، كما أن الامر بها يكون ظاهرا في الارشاد إلى صحتها من دون دلالته على إيجابها أو استحبابها ، كما لا يخفى.

لكنه في المعاملات بمعنى العقود والايقاعات ، لا المعاملات بالمعنى الاعم المقابل للعبادات ، فالمعول هو ملاحظة القرائن في خصوص المقامات ، ومع عدمها لا محيص عن الاخذ بما هو قضية صيغة النهي من الحرمة ، وقد عرفت أنها غير مستتبعة للفساد ، لا لغة ولا عرفا (١).

______________________________________________________

قوله (قدس‌سره) : ((عن أكل الثمن أو المثمن)) المراد من أكل الثمن أو المثمن هو التصرف بهما كقوله عليه‌السلام : (ثمن العذرة او الخنزير سحت) والمثمن كالنهي عن المبيع بالبيع الربوي والنهي عن بيع كقوله عليه‌السلام : (نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع المنابذة او الحصاة) وبيع شيء كالنهي عن بيع العنب بقصد ان يصنع خمرا.

(١) قد اشتهر على لسان الفقهاء كون النهي عن المعاملة انما هو بداعي الارشاد الى فسادها وهذا ظهور ثانوي ، والّا فالظهور الأولي للنهي كونه بداعي التحريم المولوي او الكراهة المولوية.

ولعل السبب في هذا الظهور هو اتباع النهي المتعلق بالمعاملة غالبا بما يدل على انه للإرشاد الى عدم نفوذها وعدم ترتب أثرها عليه.

او لأن النهي على نسق الأمر المتعلق بالمعاملة ، ومن الواضح ان الأمر المتعلق بالمعاملات ظاهر في الارشاد الى نفوذها لبعد ان يكون الامر بالبيع او الاجارة أو الصلح وسائر المعاملات الخاصة هو بداعي الوجوب المولوي او الاستحباب المولوي ، والنهي حيث انه على حذو الامر فلذا كان هذا الظهور الثانوي لها دالا على الارشاد الى الفساد فيها.

ولا يخفى ان للمعاملة إطلاقين : فانها تارة يراد من المعاملة هي العقود والايقاعات كالبيع والنكاح والعتق والطلاق وتسمى بالمعاملة بالمعنى الاخص.

٢٧٤

نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعا ، من جهة دلالة غير واحد من الاخبار عليه ، منها ما رواه في الكافي والفقيه ، عن زرارة ، عن الباقر

______________________________________________________

واخرى تطلق المعاملة على ما يقابل العبادة فتشمل المعاملة بالمعنى الاخص وغيرها كالغسل للتطهير وتسمى بالمعاملة بالمعنى الأعم ، وحيث ان الارشاد الى نفوذ المعاملة وعدم نفوذها انما هو في المعاملة بالمعنى الاخص باعتبار ان نفوذ المعاملة هو كونها صحيحة وعدم نفوذها هو كونها فاسدة فما له النفوذ وعدم النفوذ هو المعاملة بالمعنى الاخص ، واما المعاملة بالمعنى الأعم فليس لها نفوذ وعدم نفوذ بل الصحة والفساد فيها بترتب الاثر وعدم ترتبه ، فاذا كان الظهور الثانوي الارشادي للنهي انما هو بداعي الارشاد الى النفوذ وعدمه فيكون هذا الظهور الارشادي من مختصات المعاملة بالمعنى الاخص دون المعاملة بالمعنى الأعم ، وقد أشار المصنف الى هذا الظهور الثانوي الارشادي بقوله : ((نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الارشاد الى فسادها)).

وأشار الى ما ذكرنا مما يجوز ان يكون هو السبب فيه بقوله : ((كما ان الأمر بها يكون ظاهرا في الارشاد الى صحتها ... الى آخر الجملة)).

وقد أشار الى انه من مختصات المعاملة بالمعنى الاخص بقوله : ((لكنه في المعاملات بمعنى العقود والايقاعات لا المعاملات بالمعنى الأعم)).

قوله (قدس‌سره) : ((فالمعول ... الخ)) حيث ان ظهور النهي في الارشاد هو ظهور ثانوي وان الظهور الاولى للنهي هو التحريم المولوي ، وأيضا حيث انه انما حصل هذا الظهور الثانوي لمناسبات خاصة فلا بد من اتباع القرائن المصاحبة لهذا النهي في غير المعاملة بالمعنى الاخص ، فان دلت على انه للارشاد الى عدم ترتب الأثر يؤخذ به والّا فالمتبع هو الظهور الاولي وهو التحريم المولوي ، وقد مرّ مفصلا : بان النهي التحريمي عن المعاملة سواء كانت هي المعاملة بالمعنى الاخص او الاعم لا يقتضي فسادها.

٢٧٥

عليه‌السلام سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذلك إلى سيده ، إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله تعالى ، إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما ، يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا يحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنه لم يعص الله ، إنما عصى سيده ، فإذا أجاز فهو له جائز حيث دل بظاهره ان النكاح لو كان مما حرمه الله تعالى عليه كان فاسدا (١) ،

______________________________________________________

(١) حاصله : انه قد يتوهم بأن الملازمة بين العصيان باتيان متعلق المنهي عنه بالنهي التحريمي وبين الفساد وقد دلت عليه جملة من الأخبار ، فاما ان تكون هذه الملازمة ثابتة في العرف ومسلمة عند الشارع ، او تكون ملازمة شرعية فقط.

وظاهر العبارة هو الاحتمال الثاني وان الملازمة شرعية لقوله : ((ربما يتوهم استتباعها له شرعا)).

وعلى كل فالتوهم المدعى هو انه قد دلت الاخبار على ان عصيان الله يلازمه فساد المعاملة التي بها تحقق العصيان.

وبالجملة ان فعل المحرم بالحرمة الذاتية يلازم فساده لان فعل المحرم عصيان لله وما به يكون العصيان لله يقع فاسدا.

والذي يدل على هذا المعنى رواية زرارة وهي ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام : سأله عن مملوك تزوج بغير اذن سيده.

فقال : ذلك الى سيده ان شاء اجاز وان شاء فرق بينهما.

قلت : اصلحك الله تعالى ان حكم بن عتيبة وابراهيم النخعي واصحابهما يقولون ان اصل النكاح فاسد ولا يحل اجازة السيد له.

فقال ابو جعفر عليه‌السلام : انه لم يعص الله وانما عصى سيده فاذا اجاز فهو له جائز. فان مضمونها ان زرارة قد سأل الباقر عليه‌السلام عن صحة زواج مملوك تزوج بغير اذن سيده فهل هو صحيح أو فاسد؟

٢٧٦

ولا يخفى أن الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا ، أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه كي يقع فاسدا ، ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد كما لا يخفى ، ولا بأس بإطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله ولم يأذن به ، كما أطلق عليه بمجرد عدم إذن السيد فيه أنه معصية.

وبالجملة : لو لم يكن ظاهرا في ذلك ، لما كان ظاهرا فيما توهم ، وهكذا حال سائر الاخبار الواردة في هذا الباب ، فراجع وتأمل (١).

______________________________________________________

فاجابه عليه‌السلام بأنه ان أجازه سيده يقع صحيحا وان رده وفرق بينهما يقع فاسدا ، ثم يعود زرارة فيقول للباقر عليه‌السلام بما مضمونه ان حكم بن عتيبة وابراهيم النخعي واصحابهما يقولون انه اذا تزوج العبد بغير اذن سيده يقع فاسدا ولا تحل اجازة السيد له ، فلا تصححه اجازة السيد فالعقد من العبد الذي وقع منه بغير اذن من سيده فاسد فاصل هذا النكاح فاسد.

فيقول له الباقر عليه‌السلام : ان عقد العبد بغير اذن من سيده لم يكن عصيانا لله وانما كان عصيانا لسيده ولذلك فاذا اجازه السيد يقع صحيحا جائزا.

فتعليل الباقر عليه‌السلام لوقوع هذا العقد صحيحا لو اجازه السيد بأنه ليس هذا العقد مما عصى فيه العبد الله وإنما عصى فيه سيده يدل على ان الذي يقع عصيانا لله يقع فاسدا ، وتفيد هذه الجملة كبرى كلية بأن كل ما يكون عصيانا لله يقع فاسدا ، وان الملازمة بين ما فيه عصيان الله وفساده ثابته عند الشارع.

ولا يخفى ان المراد من المعصية هي فعل ما فيه العقاب : أي فعل المحرم بالحرمة الذاتية ، ومعنى هذا ان هناك ملازمة عند الشارع بين الحرمة الذاتية والفساد ، وقد أشار المصنف الى ما ذكرنا بقوله : ((حيث دل بظاهره ان النكاح ... الى آخر الجملة)).

(١) هذا هو الجواب عن هذا التوهم ، وتوضيحه :

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ان التوهم المذكور مبتن على ان المراد من المعصية هو الحرمة الذاتية فتكون الملازمة بحسب دلالة هذه الرواية بين الحرمة الذاتية والفساد.

وأما اذا كان المراد من المعصية في الرواية هو عدم النفوذ فلا دلالة في الرواية على هذه الملازمة المتوهمة لان معنى الرواية يكون ان هذا النكاح لو كان غير نافذ عند الله لكان فاسدا ، والملازمة بين عدم النفوذ عند الله وبين الفساد من الأمور التي قياساتها معها ، ومعنى الرواية على هذا ان هذا النكاح الذي فعله العبد بغير اذن مولاه من الامور التي هي غير نافذة عند الله بما هو عقد من العقود التي جعل لها عند الله اقتضاء التأثير ، ولذا لو تعقبه اجازة السيد كان مؤثرا بالفعل لانه مما جعل الله له اقتضاء التاثير ، ولذا لو اجازه السيد فهو له جائز.

والمعصية وان كان لو تجردت عن القرائن تكون ظاهرة في الحرمة ، إلّا ان هناك قرائن على ان المراد منها عدم النفوذ دون الحرمة الذاتية.

وتمهيدا لذلك نقول انه لا بد وان يكون المراد من العصيان المسند الى الله هو المراد من العصيان المسند الى السيد لوحدة السياق ، فاذا دلت القرينة على ان المراد من العصيان المسند الى السيد هو عدم النفوذ فلا بد وان يكون العصيان المسند الى الله كذلك.

والقرينة الاولى : على ان المراد من العصيان المسند الى السيد هو عدم النفوذ هو انه يوجد في بعض الكيفيات الناقلة لهذه الرواية كلمة (ثم اطلع السيد) فالسؤال فيها هكذا : مملوك تزوج بغير اذن سيده ثم اطلع السيد.

وظاهره انه لم يكن للسيد نهي سابق لعبده عن التزويج بتقريب ان نهي السيد لعبده غالبا انما يكون حيث يكون السيد قد اطلع على ان العبد يريد التزوج ، واذا كان مطلعا سابقا لا يصح ان يقال ثم اطلع.

والحاصل : ان ظاهر هذه الرواية المشتملة على قوله اطلع انه ليس للمولى نهي سابق للعبد واذا لم يكن للمولى نهي سابق فلا يكون فعل العبد في تزوجه عصيانا بل

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

هو امر لم يصدر عن اذن المولى فاطلاق العصيان على فعل العبد حيث لا يكون للمولى نهي سابق انما يراد منه عدم النفوذ لا مخالفته لنهي المولى التحريمي ومثله لا بد وان يراد من العصيان لله فالمراد منه ايجاد ما كان غير نافذ عند الله لا ايجاد ما نهى الله عنه بالنهي التحريمي فلا دلالة للرواية على الملازمة الشرعية بين النهي التحريمي والفساد لانه لا دلالة للرواية على النهي التحريمي.

وهذه القرينة لا تخلو عن نظر لاحتمال ان يكون المراد من الاطلاع هو اطلاع السيد على اصدار العقد ، ومع اطلاع السيد على ارادة العبد للتزويج سابقا ونهيه عن ذلك يصح ان يقال ان السيد اطلع على ارادة العبد للتزويج ونهاه ثم اصدر العبد العقد ، وبعده اطلع السيد اي اطلع على اصدار عقد العبد ، ولو ادعى ان القرينة هو قوله بغير اذن سيده فانه مشعر بأنه ليس للسيد نهي سابق فانه لو كان له نهي سابق اما ان يعتبر هذا النهي ردا لهذا العقد فلا بد وان يقع العقد فاسدا ، ولا سبيل الى اجازته بعد رده على ما هو المشهور : من ان الاجازة بعد الرد لا تصحح العقد.

واما ان لا يعتبر ردا ويكون للسيد الاجازة ويقع العقد باجازة السيد صحيحا ، فهذا ادعى للسؤال لانه اذا كان مع نهي السيد السابق يقع صحيحا بالاجازة منه فوقوعه صحيحا بغير النهي وبصرف عدم الاذن اولى.

القرينة الثانية : انه لا اشكال ان لفظ الحلية كلفظ المعصية لو تحرر عن القرائن لكان ظاهرا في ارخاء العنان والحلية التكليفية.

ومن الواضح ان الحلية المذكورة في الرواية يراد منها النفوذ ، فان قوله اصل النكاح فاسد ولا يحل اجازة السيد له ظاهر في ان المراد من الحلية هو انفاذ العقد ووقوعه صحيحا نافذا فالمراد من قوله لا يحل أي لا يكون نافذا فالمراد بالحلية هي الحلية الوضعية لا التكليفية ومثله المراد من العصيان فان المراد منه عدم النفوذ لا العصيان بمعنى المخالفة للحكم التكليفي ، وعلى هذا فسوق الرواية سؤالا وجوابا ظاهر في انه أريد من هذه الألفاظ فيها هو الحكم الوضعي ، لما عرفت من ان المراد

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

من الحلية فيها هو الحكم الوضعي وكذلك المراد من العصيان فيها هو الحكم الوضعي وهو عدم النفوذ.

والقرينة الثالثة : انه ورد لفظ العصيان في رواية مضمونها كمضمون هذه الرواية وفيها تصريح بأن هذا العصيان من العبد للسيد ليس بحرام ، ولو كان المراد من العصيان هو الحرمة لما صح ان يقال ان هذا العصيان ليس بحرام.

والرواية هذه (عن مملوك تزوج بغير اذن مولاه أعاص لله؟ قال عليه‌السلام : عاص لمولاه ، قلت : هو حرام؟ قال عليه‌السلام : ما أزعم انه حرام).

فلو كان المراد من العصيان هي الحرمة لما قال الامام عليه‌السلام ما أزعم انه حرام.

وأيضا لا معنى لان يسأل السائل عن الحرمة بعد قول الامام عليه‌السلام انه عاص فيما كان الغرض من السؤال السؤال عن المعصية بمعنى الحرمة ، فلا بد وان يكون الغرض السؤال عن المعصية بمعنى عدم النفوذ دون الحرمة ، وقد عرفت انه اذا كان المراد من المعصية عدم النفوذ فلا وجه لهذا التوهم من دعوى الملازمة بين الحرمة الذاتية والفساد عند الشارع.

الرابع : ان احتمال كون المراد من المعصية في هذه الرواية هو عدم النفوذ ان لم يكن اظهر من احتمال كون المراد من المعصية هي الحرمة الذاتية بواسطة ما ذكرناها من القرائن ، فلا أقل من ان يكون احتمالا مساويا فتكون الرواية مجملة من حيث دلالتها على التوهم المذكور لعدم تمامية ظهورها في كون المراد من المعصية فيها هي الحرمة.

وقد أشار المصنف الى ان المراد من المعصية في الرواية عدم النفوذ دون الحرمة بقوله : ((الظاهر ان يكون المراد بالمعصية المنفية ... الى آخر الجملة)).

وقد أشار الى انه اذا كان المراد من المعصية عدم النفوذ تكون ملازمتها للفساد من الامور التي قياساتها معها بقوله : ((ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد)).

٢٨٠