بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

الصحة بمعنى سقوط القضاء والاعادة عند الفقيه ، فهي من لوازم الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي الاولي عقلا ، حيث لا يكاد يعقل ثبوت الاعادة أو القضاء معه جزما ، فالصحة بهذا المعنى فيه ، وإن كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف ، إلا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم ، بل مما يستقل به العقل ، كما يستقل باستحقاق المثوبة به (١) وفي غيره ، فالسقوط ربما يكون مجعولا ، وكان الحكم به تخفيفا ومنة

______________________________________________________

فلا صحة له ولا فساد ، اذ بما هو متعلق للأمر لا معنى لأن يكون له صحة او فساد ، بخلاف المأتي به الذي هو الفعل الخارجي فان اتى به مطابقا لمتعلق الأمر كان صحيحا وان لم يكن مطابقا فهو فاسد ، فاذا كان من صفات الفعل فالفعل المأتي به تاما هو الموجود في الخارج وليس هو إلّا نفس الفعل وليست موافقته لمتعلق الأمر موجودا خارجيا آخر ، فالموافقة للأمر ومطابقته له تنتزع من نفس الفعل وهي موجودة بوجود منشأ انتزاع الموافقة وليست من الاعتبارات المحضة التي لا وجود لها الا بوجود الاعتبار فقط ، بل الموافقة بوجود الفعل التام موجودة سواء اعتبرها معتبر أم لم يعتبرها.

ومما ذكرنا اتضح : ان الاعتباري اذا كان مختصا بالموجود بصرف الاعتبار وان الموجود بوجود منشأ الانتزاع ليس من الاعتباريات فلا تكون الصحة والفساد وصفين اعتباريين ، بل هما وصفان انتزاعيان موجودان بوجود منشأ انتزاعهما ، فكونهما اعتباريين مبتنيا على ما ذكرنا من معنى الاعتباري.

(١) هذا هو الكلام في العبادة في المرحلة الاخرى ، وهي العبادة على رأي الفقيه وفي الموضع الأول ، وهو الصحة والفساد في المأتي به الواقعي الأولي عن المأمور به الواقعي الأولي ، وقد عرفت ان الفقيه يعرف الصحة والفساد بسقوط القضاء والاعادة وعدم السقوط.

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

فالصحيح هو ما ترتب عليه سقوط القضاء والاعادة والفاسد ما لا يترتب عليه السقوط.

والمصنف يرى ان وصف الصحة والفساد برأي الفقيه الذي هو السقوط وعدمه بالنسبة الى المأتي به الواقعي عن الأمر الواقعي ليس من الاحكام المجعولة لا استقلالا ولا تبعا وليس اعتباريا انتزاعيا.

اما انه ليس من المجعول الاستقلالي فلأن الحكم الجعلي الاستقلالي ما كان تحققه منوطا بالجعل ، وأما ما كان تحققه لا يكون مربوطا بالجعل فليس أمرا مجعولا ، ومن الواضح : ان الصحة التي هي سقوط القضاء والاعادة فمعناها كون المأتي به تاما لا خلل فيه وكون الفعل الخارجي تاما لا خلل فيه ليس من المجعولات التشريعية بل هو أمر تكويني.

وأما انه ليس مجعولا بالتبع فلأن المجعول التشريعي هو الأمر والمأمور به المتعلق به في مقام التشريع ، فعلى فرض كون الصحة مجعولا بالتبع فلا بد وان تكون من توابع الحكم المجعول أو من صفات المأمور به ، ومن الواضح ان كون الفعل الخارجي لا خلل فيه من صفات الفعل الخارجي الذي هو المأتي به لا من صفات المأمور به ولا من توابع الحكم المجعول.

وأما انه ليس بأمر انتزاعي فلأن الأمر الانتزاعي هو المنتزع من منشأ انتزاعه ولا يكون بينهما علية ومعلولية ، وحيث ان كون الفعل تاما لا خلل فيه مؤثر في سقوط القضاء والاعادة فلا يكون من الامور الانتزاعية ، بل العقل يدرك من وجود الفعل تاما لا خلل فيه انه لا بد وان لا يكون له قضاء أو اعادة ، اذ القضاء والاعادة لا يكونان إلّا لأجل خلل في المأتي به ، وحال سقوط القضاء والإعادة حال استحقاق الثواب الذي يدرك العقل تأثير الامتثال فيه وليس هو من الأمور الانتزاعية لأجل العلية والتأثير.

٢٤٢

على العباد ، مع ثبوت المقتضي لثبوتهما ، كما عرفت في مسألة الاجزاء ، كما ربما يحكم بثبوتهما ، فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين (١).

______________________________________________________

وقد أشار المصنف الى أن وصف الصحة بالنسبة الى المأتي به الواقعي عن الأمر الواقعي بنظر الفقيه التي هي سقوط القضاء والاعادة ليس من الاحكام المجعولة لا استقلالا ولا تبعا بقوله : ((فالصحة بهذا المعنى فيه)) أي في الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ((وان كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه او بتبع تكليف)).

وقد أشار الى انه ليس من الاعتباري الانتزاعي بقوله : ((إلّا انه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم بل مما يستقل به العقل كما يستقل باستحقاق المثوبة به)) وكما ان استحقاق المثوبة ليس من الأمور الانتزاعية فكذلك سقوط القضاء والاعادة.

(١) هذا هو الكلام في الموضع الثاني وهو اسقاط القضاء والاعادة بالنسبة الى إسقاط الإتيان المأمور به الواقعي الثانوي أو الظاهري للأمر الواقعي الاولي.

وتوضيحه : ان الأمر بالإعادة والقضاء حيث كان مجعولا في حال عدم الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولي فاسقاط الأمر الواقعي بالقضاء أو الإعادة عند الإتيان بالمأمور به الظاهري ـ مثلا ـ أما ان يكون لأن المأمور به الظاهري واف بتمام مصلحة الواقع او واف بمقدار منها بحيث يكون الباقي غير لازم الاستيفاء وفي مثل هذا يكون الاسقاط أمرا تكوينيا لأنه عند استيفاء تمام مصلحة الواقع أو المقدار اللازم الاستيفاء منها ، فسقوط الأمر بالقضاء أو الاعادة قهري لعدم الموضوع له حيث لم يفت الواقع ، واما اذا كان الباقي لازم الاستيفاء ولكن مصلحة التسهيل تدعو الى اسقاط القضاء والإعادة بعد الاتيان بالمأمور به الظاهري فإنشاء إسقاط القضاء والاعادة ليس من اللوازم القهرية للمأتي به الظاهري وانما الاسقاط يكون لانشاء الشارع السقوط بعد الاتيان بالمأمور به الظاهري ، فيكون السقوط حكما مجعولا لإتيان المأمور به الظاهري.

٢٤٣

نعم ، الصحة والفساد في الموارد الخاصة ، لا يكاد يكونان مجعولين ، بل إنما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به ، هذا في العبادات (١).

______________________________________________________

وانما قال وربما لما عرفت من انه اذا كان وافيا واقعا بمصلحة الواقع يكون السقوط قهريا لا جعليا ، والى ما ذكرنا أشار بقوله : ((وفي غيره)) أي في غير الاتيان بالمأمور به الواقعي وهو اتيان المأمور به الظاهري مثلا ((فالسقوط ربما يكون مجعولا)) وذلك حيث لا يكون وافيا بتمام مصلحة الواقع أو بمقدار بحيث لا يكون الباقي لازم الاستيفاء بل كان الباقي لازم الاستيفاء ولكن ((كان الحكم به)) أي بالسقوط ((تخفيفا ومنة على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتهما)) لأن المفروض ان الباقي لو لا انشاء السقوط لكان لازم الاستيفاء لوضوح انه لو لم يكن مقتض للقضاء أو الاعادة لكان السقوط قهريا لا جعليا ((كما ربما يحكم بثبوتهما)) أي يحكم بثبوت القضاء او الاعادة حيث لا يكون مصلحة للتسهيل.

فاتضح مما ذكرنا : ان الصحة والفساد عند الفقيه التي هي سقوط القضاء والإعادة في الإتيان بالمأمور به الظاهري بالنسبة الى الأمر الواقعي فيما اذا كان لمصلحة التسهيل يكون حكما مجعولا ، ولذا قال : ((فيكون الصحة والفساد فيه)) أي في هذا الغير ((حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين)) اذ الاوصاف الانتزاعية ليست من المجعولات الشرعية.

(١) توضيحه انه اذا انشأ المولى الاجزاء لإتيان المأمور به الظاهري عن الأمر الواقعي فهناك جعل واحد للإجزاء الكلي بالنسبة الى كلي الإتيان بالمأمور به الظاهري عن الأمر الواقعي ، وحيث ان الحكم المجعول للكلي حكم واحد فلا يعقل جعل آخر لأفراده للغوية هذا الجعل ، وأيضا هذا الجعل الواحد ليس جعلا لأحكام كثيرة بعدد الافراد بل هو جعل حكم واحد لكلي ينطبق ذلك الجعل على افراده قهرا ، فبالنسبة الى الافراد ليس هنالك جعل بل انطباق المجعول الواحد الكلي على افراده ، ولذا

٢٤٤

وأما الصحة في المعاملات ، فهي تكون مجعولة ، حيث كان ترتب الاثر على معاملة إنما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاء ، ضرورة أنه لو لا جعله ، لما كان يترتب عليه ، لاصالة الفساد (١).

______________________________________________________

قال : ((نعم الصحة والفساد في الموارد الخاصة)) وهي الأفراد الصحة والفساد فيها ليسا حكما مجعولا وانهما ((لا يكاد يكونان مجعولين بل انما هي تتصف بهما)) أي انما تتصف الافراد بالصحة والفساد ((بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به)) أي بمجرد الانطباق ذلك المجعول الكلي على الفرد المأمور به.

(١) معنى الصحة في المعاملة هو ترتب أثرها عليها ، فاعتبار الملكية للمتبايعين هو ترتب الملكية على عقد البيع الجامع للشرائط ، والفساد هو عدم ترتب الأثر على المعاملة لكونها فاقدة لما اعتبر في الصحة ، ولا اشكال ان كون البائع مالكا للثمن والمشتري مالكا للمثمن اعتبار من الاعتبارات لم يكن محققا قبل اعتبار الشارع او العقلاء له لعقد البيع ، فهو أمر مجعول أما من العقلاء وإمضاء الشارع له ، او من الشارع فقط ، وسيأتي في باب الاحكام الوضعية ان الأثر في المعاملات من الاحكام المجعولة استقلالا لا بالتبع ولا انها أمور واقعية كشف عنها الشارع.

فاذا كانت الصحة والفساد هو ترتب الأثر على المعاملة وعدم ترتبها عليها فتكون الصحة من الاحكام المجعولة لأن ترتب الأثر انما هو لاعتبار الشارع لذلك الأثر ولو لا هذا الاعتبار لما ترتب على المعاملة هذا الاثر ، فانتقال المال من مالك الى مالك آخر انما يكون لاعتبار الشارع هذا التملك عند صدور العقد من المتعاقدين ، ولو لا هذا الاعتبار لما حصل هذا التملك وهكذا الحال في عقد النكاح وفي الطلاق ، ولذا قال : ((واما ان الصحة في المعاملات فهي تكون مجعولة)) لان معنى الصحة هو ترتب الأثر و ((حيث كان ترتب الأثر على معاملة انما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو امضاء)).

٢٤٥

نعم صحة كل معاملة شخصية وفسادها ، ليس إلا لاجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه ، كما هو الحال في التكليفية من الاحكام ، ضرورة أن اتصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ، ليس إلا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام (١).

______________________________________________________

ثم اشار الى الدليل على كون الصحة في المعاملات حكما مجعولا بقوله : ((ضرورة انه لو لا جعله لما كان يترتب عليه لأصالة الفساد)) مراده من أصالة الفساد هو انه قبل عقد البيع ـ مثلا ـ لم يكن هذا التملك الجديد حاصلا ، وحيث كان حصوله بواسطة اعتبار الشارع وجعله له فلا بد وان يكون هذا الأثر من الامور المجعولة.

(١) قد عرفت ان الصحة في العبادة حكم واحد قد جعل للكلي وانطباقه على الفرد ليس من المجعولات الشرعية ، والحال مثله في الصحة في المعاملات فان الشارع قد اعتبر الملكية لكلي المتبايعين وأعتبر الزوجية لكلي المتزوجين واعتبر الملكية لكل من حاز ، فاذا كان الحكم المجعول واحدا للكلي فاعتبار الملكية لافراد الكلي مع اعتبارها للكلي لغو ، وحيث كان المجعول حكما واحدا وليس المجعول احكاما متعددة بتعدد أفراد العقد الحاصل في الخارج فلا بد وان يكون ترتب الملكية على العقد الخارجي انما هو لأجل انطباق ذلك الحكم الكلي على افراده.

ومثل الصحة في العبادات والمعاملات في كونها حكما واحدا مجعولا للكلي وانه بالنسبة الى الفرد من باب الانطباق الوجوب والحرمة وسائر الاحكام التكليفية فانها حكم واحد قد جعل للكلي ، فوجوب الصلاة ـ مثلا ـ حكم واحد قد تعلق بكلي الصلاة بنحو القضية الحقيقية وليس المجعول أحكاما متعددة بتعدد الصلوات الخارجية ، وكل فرد من أفراد الصلاة الخارجية واجب لانطباق ذلك الحكم الواحد الكلي المجعول لكلي الصلاة ، وكذا الحرمة المتعلقة بشرب الخمر ـ مثلا ـ فانها حرمة واحدة متعلقة بكلي شرب الخمر وليس المجعول احكاما من الحرمة متعددة بتعدد

٢٤٦

السابع : لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه ، لو شك في دلالة النهي على الفساد (١).

______________________________________________________

شرب الخمر الذي يوجد في الخارج ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((كما هو الحال في التكليفية من الاحكام ضرورة ان اتصاف المأتي به)) وهو الصلاة ـ مثلا ـ أو شرب الخمر ((بالوجوب أو الحرمة او غيرهما)) من الاستحباب والكراهة والاباحة ((ليس إلّا لانطباقه مع ما هو الواجب او الحرام)) لوضوح انه لا وجه لجعل الحكم للفرد ثانيا مع جعله للكلي ، وحيث ان المجعول واحد لا أحكاما متعددة فيكون الفرد المأتي به خارجا محكوما بذلك الحكم لانطباق ذلك الحكم الكلي عليه.

(١) توضيحه في أمور :

الأول : ان المراد الكلام في الأصل في ما تعلق به النهي وشك في انه يقتضي النهي فساده أم لا؟

وبعبارة أخرى : ان الكلام في ان العبادة ـ مثلا ـ المتعلق بها النهي هل يقتضي فسادها ام لا؟ والشك في انه هل يوجد أصل يقتضي صحة العبادة المتعلق بها النهي أو فسادها أم لا يوجد أصل يقتضي أحد الأمرين؟

وليس الكلام في الأصل في مطلق العبادة فلا وجه لتكثير صور الشك ، ولذا يوجد في بعض نسخ الكتاب صور متعددة للشك ولكن قد ضرب عليها في بعض النسخ المصححة.

الثاني : ان الموجب لاقتضاء النهي الفساد : اما عقلي وهو كون المبغوضية مانعة عن وقوع متعلق النهي صحيحا مع انه جامع لجميع الاجزاء والشرائط.

واما لفظي لظهور النهي في الارشاد الى الفساد أو للملازمة العرفية او الاستعمالية الموجبة لظهور اللفظ في الدلالة على الفساد بالدلالة الالتزامية.

الثالث : ان الكلام في اقتضاء الاصل فلا بد وان يكون فرضه فرض الشك وانه ليس هناك دليل يقتضي كون النهي مقتضيا للفساد ، وحيث ان الكلام في المانع

٢٤٧

نعم ، كان الاصل في المسألة الفرعية الفساد ، لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.

______________________________________________________

العقلي فلا محالة يكون موضع الشك هو كون المبغوضية هل هي مانعة عن التقرب في العبادة او ترتب الاثر في المعاملة ام لا؟ ولا أصل في المقام يقتضي كون المبغوضية مانعة أو غير مانعة ، اذ الأصل أما الاستصحاب ولا يقين سابق بكون المبغوضية مانعة أو غير مانعة حتى يستصحب ، واما بناء العقلاء فانه أيضا لا بناء من العقلاء مع الشك في العبادة ـ مثلا ـ على منافاة المبغوضية للقربة وعدم منافاتها لها ، هذا اذا كان المانع عقليا وهو المبغوضية.

واما اذا كان المانع لفظيا فموضع الشك هو الظهور وأنه هل للنهي المتعلق بالعبادة ـ مثلا ـ الجامعة لجميع اجزائها وشرائطها ظهور في فسادها أم ليس له ظهور؟ فالظهور هو متعلق الشك ولا أصل ـ أيضا ـ يقتضي كون النهي ظاهرا في الصحة أو الفساد أما الاستصحاب لعدم تحقق اليقين السابق بظهور للنهي في الصحة أو الفساد بنحو كان الناقصة بأن يكون للنهي ـ سابقا ـ ظهور في الصحة او الفساد ، فانه من الواضح انه لا يقين كذلك ، واما بنحو كان التامة وبنحو السالبة بانتفاء الموضوع وهو انه لما لم يكن للنهي تحقق ووجود لم يكن له ظهور فهذا الاصل مثبت ، اذ لازم استصحاب هذا العدم ان لا يكون لهذا النهي الموجود ظهور والمثبت ليس بحجة ، وأما بناء العقلاء فهو وان انعقد على عدم الحجية ما لم يحرز الظهور إلّا ان معناه عدم كون هذا النهي حجة على الصحة أو الفساد لا انه حجة على الصحة أو الفساد.

فاتضح : انه لا أصل في هذه المسألة الأصولية يقتضي الدلالة على الصحة أو الفساد ، ولذا قال : ((انه لا أصل في المسألة)) بما هي مسألة أصولية ((يعول عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد)).

٢٤٨

وأما العبادة فكذلك ، لعدم الامر بها مع النهي عنها ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت انه لا أصل في المسألة الأصولية يقتضي الدلالة ، ولو كان فيها أصل لأغنى عن الكلام على الأصل في المسألة الفرعية ، لوضوح لو كان الأصل في المسألة الأصولية دالا على الفساد ـ مثلا ـ لما كان مجال للشك في ان الصلاة الخاصة ـ مثلا ـ كالصلاة في أيام العادة المتعلق بها النهي كقوله عليه‌السلام : (دعي الصلاة أيام اقرائك) (١) تكون فاسدة لأنها قد تعلق بها النهي والأصل في النهي ان يكون دالا على الفساد.

ولكن بعد ان كان لا أصل في المسألة الاصولية ، فالكلام في المسألة الفرعية : تارة في المعاملة ، وأخرى في العبادة.

اما في المعاملة فنقول : ان المعاملة المتعلق بها النهي مع احتمال كون النهي يقتضي عدم ترتب أثرها عليها فالقاعدة الأولية تقتضي استصحاب عدم ترتب الأثر على تلك المعاملة ، مثلا من باع ما ليس عنده بعد تعلق النهي بها لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا تبع ما ليس عندك) نشك في حصول النقل والانتقال في هذه المعاملة لاحتمال كون النهي موجبا لعدم ترتب الأثر ، فاستصحاب عدم تحقق النقل والانتقال محكم لليقين السابق بأن المثمن ملك للبائع والثمن للمشتري ونشك في انتقالهما بهذه المعاملة والأصل عدم الانتقال.

نعم اذا كان لنا عموم او اطلاق كاوفوا بالعقود وأحل الله البيع يقتضي بحسب عمومه أو إطلاقه ترتب الأثر على كل بيع الا ما دل الدليل على عدم ترتب الأثر فيه كبيع الربا ، فان العموم أو الاطلاق يكون مقدما على القاعدة الأولية الموجبة لعدم ترتب الأثر ، ويكون دليلا على ترتب الأثر في تلك المعاملة المتعلق بها النهي ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((نعم كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد)) أي عدم ترتب الأثر

__________________

(١) الوسائل ج ١ : ٥٤٦ / ٢ ، باب ٧ من أبواب الحيض.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بحسب القاعدة الأولية ((لو لم يكن هناك اطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة)).

واما الكلام في العبادة كالصلاة في أيام العادة المتعلق بها النهي.

قد يقال : انها مقطوع بفسادها لان العبادة تحتاج صحتها الى قصد امتثال الامر ، ومن الواضح ان الأمر والنهي لا يجتمعان فلا أمر بها ومع عدم الأمر لا يتأتى قصد امتثال الأمر.

إلّا انه يقال : ان الأمر انما لا يجتمع مع ما تعلق به النهي لأنه لا يعقل ان يطلب الشارع ايجاد ما يطلب عدم ايجاده ولكن الشك انما هو لأجل ان المبغوضية هل تنافي ما فيه ملاك الصحة؟

ولا اشكال ان العبادة المستجمعة لجميع الأجزاء والشرائط فيه ملاك الصحة ، وأما الأمر فانما يرتفع لأنه لا يجتمع طلب الفعل مع طلب الترك فهناك مجال للشك لانه لما كان في العبادة ملاك الصحة فمجال للشك موجود لإمكان صحة العبادة بالملاك ولا ينحصر صحتها بقصد الأمر وليست العبادة المتعلق بها النهي مقطوعة الفساد.

نعم الأصل يقتضي فسادها لان صحة العبادة انما هو بقصد التقرب بها وقصد التقرب يحصل اما بقصد الأمر والمفروض انه لا أمر أو بقصد الملاك ، ومع احتمال كون المبغوضية منافية للتقرب لا يقطع بحصول التقرب ، وشغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فالأصل في المسألة العبادية الفرعية يقتضي عدم الاكتفاء بالعبادة المتعلق بها النهي ، لأن شغل الذمة اليقيني يستدعي اليقين بالامتثال ولا يقين بالامتثال مع احتمال منافاة المبغوضية للتقرب المنوط به تحقق الامتثال ، ولذا قال : ((واما العبادة فكذلك لعدم الامر بها مع النهي عنها)).

٢٥٠

الثامن : إن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة ، أو جزأها ، أو شرطها الخارج عنها (١) ، أو وصفها الملازم لها كالجهر والاخفات للقراءة ، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها لا ريب في دخول القسم الاول في محل النزاع ، وكذا القسم الثاني بلحاظ أن

______________________________________________________

(١) يشتمل هذا الأمر على الكلام في موضعين :

الأول : في أقسام تعلق النهي بالعبادة وان ايها الداخل في محل النزاع وأيها الخارج عنه.

والثاني : في أقسام تعلقه بالمعاملة كذلك.

وتفصيل الكلام في الموضع الأول ان نقول : ان النهي اما ان يتعلق بالعبادة كلها : أي بالمركب بمجموعه كالنهي المتعلق بالصلاة كلها في أيام العادة.

واما ان يتعلق بجزئها كالنهي المتعلق بإحدى سور العزائم في الصلاة.

واما ان يتعلق بالشرط ، والشرط على نحوين :

الأول : الشرط العبادي كالنهي المتعلق بالوضوء الضرري.

الثاني : الشرط غير العبادي كالستر مثل النهي المتعلق بالساتر الحريري.

وأما ان يتعلق بالوصف الملازم والمراد من الوصف الملازم هو ان لا يعقل تحقق الوصف المنهي عنه من دون تحقق العبادة كالنهي عن الجهر او الإخفات في الصلاة ، فان النهي عن الجهر في القراءة الصلاتية لا يعقل تحققه من دون تحقق الصلاة.

واما ان يتعلق بالوصف غير الملازم والمراد منه هو امكان انفكاك الوصف المنهي عنه عن العبادة كالغصبية ، فان الغصب ينفك عن تحقق الصلاة لإمكان تحقق الغصب في غير الصلاة.

هذه أقسام ستة للنهي المتعلق بالعبادة وسيأتي التعرض لما هو الداخل منها في محل النزاع وما هو الخارج عن محل النزاع.

٢٥١

جزء العبادة عبادة (١) ، إلا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها ، إلا مع الاقتصار عليه ، لا مع الاتيان بغيره مما لا نهي عنه (٢) ، إلا أن يستلزم

______________________________________________________

(١) دخول القسم الأول وهو النهي المتعلق بالمركب العبادي بجملته مما لا شك فيه ، لان المراد بالشيء لا يخلو عن العبادة والمعاملة ، ولا اشكال في ان المركب العبادي بجملته عبادة فالنهي المتعلق بالصلاة في أيام العادة داخل في محل النزاع قطعا ، ولذا قال : ((لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع)).

قوله (قدس‌سره) : ((وكذا القسم الثاني)) القسم الثاني هو النهي المتعلق بجزء العبادة ولا ريب عند المصنف في دخوله في محل النزاع لان جزء العبادة عبادة.

والدليل عليه هو ان الأمر المتعلق بالمركب العبادي لكل جزء من اجزائه حصة من ذلك الأمر المتعلق بالمركب المنبسط على اجزائه ، فالجزء المأتي به لا بداعي الأمر العبادي المتعلق بالمركب ليس بجزء من المركب ، فالنهي المتعلق بالجزء قد تعلق بما لو تعلق الأمر به لكان أمره عباديا هذا فيما اذا لم يكن الجزء بنفسه عبادة ذاتية وإلّا فكونه عبادة أوضح من ان يخفى ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وكذا القسم الثاني بلحاظ ان جزء العبادة عبادة)).

(٢) لا يخفى انه سيأتي ان النهي المتعلق بالعبادة يقتضي فسادها حيث ان جزء العبادة عبادة ، فالنهي المتعلق بالجزء العبادي يقتضي فساد ذلك الجزء فلا يكون من المركب العبادي ولا يقتضي النهي المقتضي لفساد الجزء فساد المركب ، لان المفروض ان النهي لم يتعلق بالمركب بل تعلق بجزئه ، فلو اتى المكلف بفرد للجزء غير منهي عنه بعد ان اتى بذلك الفرد من الجزء المنهي عنه لكان المركب تاما لا نقص فيه والمركب التام يكون صحيحا لا فاسدا.

نعم لو اقتصر المكلف على الجزء المنهي عنه فلازم ذلك فساد المركب لفقدان جزئه ، فان الجزء المتعلق به النهي لا يكون جزءا منه والمفروض عدم الاتيان بفرد لذلك الجزء غير الفرد المنهي ، ومن الواضح ان المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه

٢٥٢

محذورا آخر (١).

______________________________________________________

فلا يكون ذلك المركب تاما حتى يكون صحيحا ، إلّا ان هذا الفساد الذي لحق المركب ليس سببه النهي المتعلق بالجزء بل سببه عدم تمامية المركب.

وظاهر عبارة المتن انه مع الاقتصار على الجزء المنهي عنه وعدم الاتيان بفرد آخر يكون بطلان المركب مستندا الى بطلان الجزء لأجل تعلق النهي به ، وان بطلان المركب يستند الى النهي المتعلق بالجزء.

إلّا انه بعد تصريحه : بأن بطلان الجزء لا يقتضي بطلان المركب ووضوح ان الاقتصار على هذا الجزء المنهي عنه لازمه كون المركب فاقدا لبعض اجزائه يجب رفع اليد عن هذا الظهور ، وان المراد كون بطلان المركب مستندا الى فقدانه لبعض اجزائه لا للنهي المتعلق بالجزء.

وعلى كل فقد أشار الى ما ذكرنا بقوله : ((إلّا ان بطلان الجزء ... الى آخر الجملة)).

(١) قد عرفت ان القاعدة مع عدم الاقتصار على الجزء المنهي عنه والاتيان بفرد آخر لذلك الجزء غير منهي عنه تقتضي الصحة ، ولكن حيث لا يلزم من الاتيان بالجزء غير المنهي عنه محذورا آخر فان المركب يكون باطلا على كل حال ، لا انه إن اقتصر على الجزء المنهي عنه فبطلانه لفقدان جزئه ، وان اتى بالجزء غير المنهي عنه فيكون باطلا للمحذور الآخر المترتب على الاتيان بذلك الجزء غير المنهي عنه كالقران بين السورتين في ركعة واحدة ، فانه بعد البناء على مبطلية القران وانه يحصل القران ولو بالجمع بين السورة المنهي عنها وغير المنهي عنها تكون العبادة باطلة على كل حال.

أما لو بنينا على كراهة القران او انه لا يحصل القران بالجمع بين السورة المنهي عنها كاحدى العزائم وغيرها من السور ، بل انما يحصل القران بالجمع بين سورتين غير منهى عنهما فلا تكون العبادة باطلة.

٢٥٣

وأما القسم الثالث ، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة ، إلا فيما كان عبادة ، كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.

وبالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به ، لو لم يكن موجبا لفساده ، كما إذا كانت عبادة (١).

______________________________________________________

وعلى كل فالمصنف يريد بالمحذور الآخر هو القران بعد البناء على مبطليته وانه يحصل بالجمع بين السورة المنهي عنها والسورة غير المنهي عنها.

(١) قد تقدم ان الشرط على نحوين : عبادة ، وغير عبادة فان كان عبادة كالطهارات الثلاث المشروطة بها الصلاة فحكم الشرط العبادي حكم العبادة.

وسيأتي ان النهي المتعلق بالعبادة يقتضي فسادها ، فالشرط العبادي المتعلق به النهي كالوضوء الضرري يقع فاسدا وتفسد العبادة المشروطة به ، لا لان النهي المتعلق بالشرط يقتضي فسادها ، بل لان المشروط عدم عند عدم شرطه ، فالعبادة المشروطة بالشرط العبادي الفاسد قد وجدت من غير شرط ، والمفروض ان المأمور به هو المشروط بالشرط ، فما هو المأمور به لم يوجد.

وأما الشرط غير العبادي فهو من المعاملة.

وسيأتي ان النهي المتعلق بالمعاملة لا يقتضي فسادها وان عوقب عليها ، فاذا ورد النهي ـ مثلا ـ عن التستر بالحرير أو الذهب فلبسهما وان كان محرما ومعاقبا عليه إلّا ان شرطية الساترية قد حصلت بهما ، وقد علمت ـ فيما تقدم ـ ان الشرط ما له ربط بالتأثير ، فاذا كانت المبغوضية لا ترفع تأثيره لما سيأتي : من ان النهي المتعلق بالمعاملة لا يقتضى فسادها وعدم ترتب الأثر عليها ، فالنهي المتعلق بالشرط غير موجب لفساده.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وما يقال : من ان الشرطية ترجع الى القيدية فالمشروط متقيد بهذه الاضافة الى الشرط والمتقيد بالمبغوض مبغوض ، فتكون نفس العبادة مبغوضة ، ومبغوضية العبادة توجب فسادها.

فانه يقال ان تقيد شيء بشيء ليس إلّا لأجل ان له دخلا في تأثيره ، فاذا كان النهي عن الشرط لا ينافي ربط المقيد به من ناحية التأثير فلا يكون المتقيد بالمبغوض مبغوض.

نعم لو كان الشرط له دخل في انطباق العنوان الحسن على المتقيد به لأشكل الأمر ، لان المحرم قبيح والمتقيد بالقبيح لا يعقل ان ينطبق عليه العنوان الحسن.

وعلى كل فليس النهي المتعلق بالشرط موجبا لفساد المشروط به مطلقا ، ولذا قال : ((وأما القسم الثالث فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة الا فيما كان عبادة)) أي الشرط ((كي تكون حرمته موجبا لفساده)) لفرض كون نفس الشرط عبادة والنهي المتعلق بالعبادة يقتضي فسادها والمشروط عدم عند عدم شرطه ، فيكون لازم فساد الشرط العبادي فساد العبادة المشروطة به ، ولذا قال : ((المستلزم لفساد المشروط به)).

فتلخص : ان النهي المتعلق بالشرط اذا كان عبادة يكون داخلا في محل النزاع من حيث ذاته لفرض كونه عبادة ، ولكن فساد المشروط به خارج عن محل النزاع لان النهي عن الشرط لم يوجب فساد العبادة وانما الموجب لفسادها هو خلوها عن الشرط المؤثر ، ولذا قال : ((وبالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به لو لم يكن النهي موجبا لفساده)) أي لفساد نفس الشرط لفرض كونه عبادة ، ولذا قال : ((كما اذا كانت عبادة)) كان ينبغي ان يقول : كما اذا كان عبادة ، ولعل التأنيث باعتبار العبادة فيكون التأنيث باعتبار المعنى ، فان الشرط الذي يكون النهي موجبا لفساده هو الشرط الذي يكون بنفسه عبادة.

٢٥٥

وأما القسم الرابع ، فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه ، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها ، لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأمورا بها ، مع كون الجهر بها منهيا عنه فعلا ، كما لا يخفى (١).

وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقا ، كما في القسم الخامس ، فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف ، إلا فيما إذا اتحد معه وجودا ، بناء على

______________________________________________________

(١) قد مر ان القسم الرابع هو النهي المتعلق بالوصف الملازم ، وقد عرفت ـ أيضا ـ ان الوصف الملازم هو الوصف الذي لا تحقق له في غير العبادة كالنهي المتعلق بالجهر في القراءة ، وحيث لا يعقل انفكاك هذا الوصف عن القراءة فلا يعقل ان يجتمع الأمر بالقراءة مع النهي عن الجهر فيها ، وعليه فلا بد وان يرتفع الأمر بالقراءة مع تعلق النهي بالجهر فيها ، ولا بد ايضا ان تكون القراءة التي لها وصف لا ينفك عنها وهو مبغوض ان تكون مبغوضة ، لبداهة مبغوضية المتصف بوصف مبغوض فيرجع النهي عن مثل هذا الوصف الى النهي عن نفس الموصوف ، وقد عرفت ان النهي عن العبادة داخل في محل النزاع وهو يقتضي الفساد كما سيأتي.

والى ما ذكرنا أشار بقوله : ((وأما القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه)) كما عرفت تقريبه ((فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها)) أي عن القراءة.

ثم أشار الى البرهان على ذلك بقوله : ((لاستحالة كون القراءة ... الى آخر الجملة)).

وهذا الدليل بظاهره وان كان لا يقتضي أكثر من سقوط الأمر بالقراءة لا انه يقتضي النهي عنها ، إلّا أنّك قد عرفت ان السبب في المساوقة هو ان المتصف بالمبغوض مبغوض.

٢٥٦

امتناع الاجتماع ، وأما بناء على الجواز فلا يسري إليه ، كما عرفت في المسألة السابقة ، هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف (١).

______________________________________________________

(١) كالقسم الخامس هو النهي عن الوصف المفارق وهو على قسمين لان الوصف المفارق : تارة يكون في مقام تحققه متحدا بالوجود مع العبادة كالغصبية مع الصلاة.

واخرى لا يكون في تحققه متحدا معها بل له وجود على حدة كالنظر الى الأجنبية في الصلاة ، وفي هذا القسم الثاني لا يسري النهي الى العبادة ، لوضوح انه لا موجب للسريان لكون الصلاة والنظر الى الاجنبية موجودين منفصلين جمع بينهما الزمان ، ومثل هذين الموجودين الذي جمع الزمان صدفة بينهما لا تقيد لأحدهما بالآخر ، فلا موجب للسريان لعدم الاتحاد وجودا ولعدم التقيد ، ولذا قال : ((فان النهي عنه لا يسري الى الموصوف)).

وأما القسم الأول وهو الوصف المفارق الذي يكون متحدا وجودا مع الموصوف فالأمر فيه مبني على جواز الاجتماع وعدمه ، فبناء على الجواز لا يسري النهي الى الموصوف ، واما بناء على الامتناع فيسري.

فتلخص ان النهي المتعلق بالوصف المفارق غير المتحد وجودا مع الموصوف وقد جمع الزمان بينهما صدفة خارج عن محل النزاع ، لان النهي عنه لا يرجع الى النهي الى العبادة أصلا.

وأما الوصف المتحد في الوجود فبناء على الجواز خارج عن محل النزاع ، وبناء على الامتناع داخل في محل النزاع.

وقد أشار الى كون الوصف المفارق المتحد في مقام الوجود حاله مبنى على الجواز والامتناع بقوله : ((الا فيما اذا اتحد معه وجودا بناء على امتناع الاجتماع)) فان النهي فيه يسري الى العبادة ويكون داخلا في محل النزاع ((واما بناء على الجواز فلا يسري)) ويكون خارجا عن محل النزاع.

٢٥٧

وأما النهي عن العبادة لاجل أحد هذه الامور ، فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق.

وبعبارة أخرى : كان النهي عنها بالعرض ، وإن كان النهي عنها على نحو الحقيقة ، والوصف بحاله ، وإن كان بواسطة أحدها ، إلا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض ، كان حاله حال النهي في القسم الاول ، فلا تغفل.

ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة (١) ، يظهر حال الاقسام في

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان النهي تارة يتعلق بنفس الجزء والشرط والوصف وقد مر الكلام فيه واما اذا تعلق بالعبادة لأجل احد هذه الأمور فهو على نحوين :

فان النهي تارة يتعلق بالعبادة بنحو العرض والمجاز بمعنى ان يكون النهي متعلقا حقيقة بنفس هذه الأمور وتعلقه بالعبادة بنحو الواسطة في العروض بحيث يصح سلب تعلق النهي عن العبادة حقيقة فالعبادة غير منهي عنها واقعا ، فالحال في مثل هذا النهي حال النهي المتعلق بنفس هذه الامور ، لان هذه الأمور هي متعلق النهي واقعا والعبادة غير منهي عنها واقعا وانما كان النهي عنها بنحو العرض والمجاز ، وقد مر الكلام في ذلك.

واخرى يكون النهي المتعلق بالعبادة لأجل هذه الأمور كان متعلقا بها حقيقة وتكون هذه الأمور واسطة في ثبوت النهي لنفس العبادة فالعبادة قد تعلق النهي بها حقيقة ، وحال هذا النهي حال النهي المتعلق بالعبادة لذاتها.

وقد أشار الى النحو الأول بقوله : ((فحاله حال النهي عن احدها ان كان من قبيل الوصف بحال المتعلق)).

وقد أشار الى النحو الثاني بقوله : ((وان كان النهي عنها على نحو الحقيقة)) أي وان كان النهي متعلقا بالموصوف الذي هو العبادة على نحو الحقيقة ((والوصف بحاله)) أي ان النهي قد تعلق بالعبادة بنفسها غاية الأمر ان السبب في هذا التعلق

٢٥٨

المعاملة ، فلا يكون بيانها على حدة بمهم (١) ، كما أن تفصيل الاقوال في الدلالة على الفساد وعدمها ، التي ربما تزيد على العشرة ـ على ما قيل كذلك ، إنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة ، ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الاقوال ، من بسط المقال في مقامين :

الاول في العبادات : فنقول وعلى الله الاتكال : إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ، ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة ـ كما عرفت ـ مقتض لفسادها ، لدلالته على حرمتها ذاتا ، ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة

______________________________________________________

على نحو الحقيقة هو أحد هذه الأمور ، والمدار على كون التعلق بالعبادة تعلقا حقيقيا سواء كان السبب له هو ذات العبادة أو أحد هذه الأمور لأن هذه الأمور تكون واسطة في ثبوت النهي لنفس العبادة ولذا قال : ((وان كان بواسطة احدها إلّا انه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض)) كالنحو المتقدم فانه ((كان حاله حال النهي في القسم الأول)) وهو النهي المتعلق بالعبادة لذاتها.

(١) فالنهي المتعلق بالمعاملة داخل في محل النزاع كالنهي عن الربا ، وكذلك النهي المتعلق يجزئها كالنهي عن تقدم القبول على الايجاب.

واما النهي المتعلق بشرط المعاملة كالنهي عن الاكراه في المعاملة فهو خارج عن ذلك النهي المتعلق بتلك المعاملة ، ولكنه داخل في النهي المتعلق بالمعاملة كليا.

واما النهي المتعلق بالوصف غير المفارق كالنهي عن غير الماضوية في العقد فهو مساوق للنهي المتعلق بنفس المعاملة الموصوفة بذلك الوصف فهو داخل في محل النزاع.

واما الوصف المفارق فان كان من الوجودين المنفصلين اللذين جمع بينهما الزمان صدفة فلا يكون النهي عن ذلك الوصف نهيا عن تلك المعاملة ، وان كان بما ان ذلك الوصف كمعاملة من المعاملات فهو داخل في النهي عن المعاملة كليا.

واما الوصف المتحد فهو مبني على الجواز والامتناع.

٢٥٩

بمعنى موافقة الامر أو الشريعة مع الحرمة ، وكذا بمعنى سقوط الاعادة ، فإنه مترتب على إتيانها بقصد القربة ، وكانت مما يصلح لان يتقرب به ، ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك ، ويتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان النهي المتعلق بالعبادة او بجزئها فانه عبادة كما عرفت ، أما ان يكون نهيا ارشاديا أي بداعي الارشاد الى فسادها ودلالة هذا النهي الارشادي على الفساد واضحة ، واما ان يكون تشريعيا وسيأتي ملازمته للفساد أيضا ، وأما ان يكون تحريميا مولويا وهو يدل على حرمة العبادة ذاتا ، والعبادة المحرمة بالحرمة الذاتية لا بد وان تكون فاسدة لان الصحة عند المتكلم هي موافقة المأتي به للمأمور به المعبر عنها بموافقة الأمر أو الشريعة.

ومن الواضح : ان المحرم بالحرمة الذاتية مطلوب تركه لزوما ولا يعقل ان يجتمع طلب الترك لزوما مع الأمر به الذي هو طلب الايجاد ، فالمحرم بالحرمة الذاتية لا أمر فيه فلا تكون له صحة التي هي موافقة الأمر ، اذ لا أمر به حتى تكون له موافقة.

والى هذا اشار بقوله : ((ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر او الشريعة مع الحرمة)) هذا حال العبادة المتعلق بها النهي التحريمي الذاتي على رأي المتكلم.

وأما على رأي الفقيه التي الصحة عنده هي سقوط القضاء والاعادة فانه أيضا مقتض لفساد العبادة ، لان العبادة التي بها يسقط القضاء والاعادة هي الجامعة لجميع الشرائط التي من جملتها وقوعها مقربة ، ووقوع الشيء قربيا يتوقف على أمرين : قصد التقرب به ، وان يكون مما يمكن ان يكون مقربا فان قصد التقرب الى المولى بقتل ولده لا يعقل ان يكون مقربا عنده هذا لو تأتى قصد القربة من المكلف غفلة ، لأنه مع علمه لا يعقل أن يتأتى منه قصد التقرب ، لان المبعد عن المولى لا يكون مقربا اليه ، فالعبادة المتعلق بها النهي التحريمي الذاتي تقع مبغوضة ومع وقوعها مبغوضة

٢٦٠