بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

وفيه : أنه لا دليل على اعتبار الاستقراء ، ما لم يفد القطع. ولو سلم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار (١).

______________________________________________________

اجتمع في الصلاة في هذه الايام مناط الوجوب وهو واضح لأنها من الفرائض المعلوم وجوبها ، ومناط الحرمة وهو حرمة الصلاة في ايام الحيض.

فانه من المسلم ان حرمة الصلاة في ايام الحيض ذاتية وحيث انها يحتمل كونها من الحيض فقد رجح الشارع احتمال وجود مناط الحرمة على ما علم وجود مناط الوجوب فيه ، فكيف بما يعلم وجود مناط الحرمة فيه؟

وكما في مسألة الوضوء من الإناءين المشتبهين اللذين احدهما نجس والآخر طاهر ، فان الوضوء من كلا الإناءين وضوء بماء طاهر قطعا اجمالا ، وحيث انه لا بد من الوضوء بالماء النجس ايضا والوضوء بالماء النجس حرام ايضا ، فحيث في هذين الوضوءين يعلم اجمالا بارتكاب ما هو واجب وما هو حرام ومع ذلك ورد النص باهراق الماء والامر بالتيمم ـ يعلم منه ان جهة الحرمة اهم في نظر الشارع من جهة الوجوب ، وإلّا لأمر بالوضوء منهما.

فالاستقراء قد دل على ان ديدن الشارع على الغاء جانب الوجوب اذا اجتمع مع الحرمة ، فان حرمة الصلاة في ايام الاستظهار وعدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين قد دل على ذلك ، لانه لو لا تغليب جانب الحرمة لأمر وجوبا بالصلاة في ايام الاستظهار ولأجاز الوضوء من الإناءين المشتبهين ، بل لأوجبه في مورد انحصار الماء بهما ومع الانحصار قد أمر الشارع باهراق الماء والتيمم.

(١) توضيح الجواب عن ذلك : ان الاستقراء هو تتبع جميع الافراد بحيث يحصل العلم بان موضوع الحكم هو الكلي كما في استقراء جميع افراد النار ـ مثلا ـ فنرى كل فرد منها هو حار ، فنحكم بان الحرارة هي حكم لطبيعة النار الموجودة بوجودها الخارجي ، واذا تخلف فرد واحد من الافراد لا يحصل العلم بان موضوع الاثر هو الطبيعي لاحتمال ان الاثر لخصوصية في الفرد.

٢٠١

ولو سلم فليس حرمة الصلاة في تلك الأيام ، ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطا بالمقام ، لأن حرمة الصلاة فيها إنما تكون لقاعدة الإمكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا ، فيحكم بجميع أحكامه ومنها حرمة الصلاة عليها لا لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدعى. هذا

______________________________________________________

فالاستقراء الذي هو من الادلة والبراهين العقلية القطعية هو ما اوجب العلم ، واما الاستقراء الموجب للظن فليس من الادلة العقلية القطعية ونتيجته الظن بان الحكم للكلي ولكنه ايضا اذا تخلف ولو في مورد واحد لا يعقل ان يحصل الظن بان الحكم للكلي وإلّا لما تخلف.

نعم اذا اريد من الاستقراء الغلبة فانه لا يضر التخلف في مورد او موردين والغلبة من الادلة الظنية.

فاذا عرفت ان دليل الاستقراء لا بد وان يكون استقراء لجميع الافراد حتى يفيد القطع ـ تعرف انه لا يحصل باستقراء موردين وفردين فقط ، كما يظهر منهم حيث لم يذكروا الا هذين الموردين.

وهل يصح ان يدعي احد اثبات حكم للكلي من استقراء فردين من افراد الكلي؟

فالاستقراء الذي يصلح ان يكون دليلا هو المفيد للقطع ولا يصح من احد دعوى حصوله من موردين ، والاستقراء الظني ليس من البراهين العقلية القطعية.

والحاصل : ان هذا الاستقراء الذي ذكروه دليلا لترجيح جانب الحرمة ان ادعوا انه يحصل من موردين فهي من الدعاوي الجزافية الواضحة ، وان كانت الدعوى انه موجب للظن فليس هو من الاستقراء العقلي ، ولا دليل على اعتبار الاستقراء الظني لعدم وجود دليل على اعتبار مطلق الظن ولم يرد نص خاص على حجية الظن الاستقرائي بالخصوص بل ولا يفيد الغلبة ايضا ، والى هذا اشار بقوله : ((وفيه انه لا دليل على اعتبار الاستقراء ما لم يفد القطع)).

٢٠٢

لو قيل بحرمتها الذاتية في أيام الحيض ، وإلا فهو خارج عن محل الكلام (١).

______________________________________________________

(١) هذه المناقشة الثالثة وتوضيحها : ان الموردين اللذين ادعى ثبوت الاستقراء بهما هما الصلاة في ايام الاستظهار والوضوء من الإناءين المشتبهين ، والكلام في المورد الاول وهو الصلاة في ايام الاستظهار.

والجواب عنه اولا : بان الاستقراء المدعى هو انه لو اجتمعت جهة الوجوب وجهة الحرمة فنرى ديدن الشارع على ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب ، فجهة الحرمة بما هي جهة الحرمة مرجحة على جهة الوجوب.

واما اذا ثبتت الحرمة للصلاة في ايام الاستظهار لأمارة او أصل يثبت ان الدم في ايام الاستظهار من مستمرة الدم هو حيض ، فانه يخرج عن المقام ولا يكون مربوطا بدعوى ان الاستقراء يفيد ترجيح جانب الحرمة المحتملة على جانب الوجوب ، فان الدليل المثبت للحيضية يجعل ايام الاستظهار حيضا ، فاذا ثبتت حيضيته ترتبت عليه آثاره التي منها حرمة الصلاة ، فالصلاة بما هي صلاة تكون محرمة.

والكلام في المقام ان يجتمع عنوان الصلاة مع عنوان الحرمة لا ان تكون الصلاة بما هي صلاة محرمة ، وحرمة الصلاة في ايام الاستظهار انما ثبتت لقاعدة الامكان المدعاة في خصوص الحيض ، وهي ما امكن ان يكون حيضا فهو حيض والدم في ايام الاستظهار يمكن ان يكون حيضا فهو حيض لقاعدة الإمكان او لاستصحاب الحيضية ، فان الدم قبل ايام الاستظهار حيض قطعا وقد شك في حيضيته فتستصحب حيضيته ، فحرمة الصلاة في ايام الاستظهار لثبوت الحيضية لقاعدة الإمكان والاستصحاب ، لا لان الحرمة بما هي حرمة مقدمة على الوجوب بما هو وجوب والى هذا اشار بقوله : ((لان حرمة الصلاة فيها انما تكون لقاعدة الإمكان والاستصحاب ... الى آخر الجملة)).

واجاب ثانيا : بما اشار اليه : ((هذا لو قيل بحرمتها الذاتية)).

٢٠٣

ومن هنا انقدح أنه ليس منه ترك الوضوء من الإناءين ، فإن حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلا تشريعيا ، ولا تشريع فيما لو توضأ منهما احتياطا ، فلا حرمة في البين غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك (١) ، بل إراقتهما ـ كما في النص ـ ليس إلا من باب

______________________________________________________

وتوضيحه : ان الكلام في المسألة ان يجتمع في المجمع عنوان الوجوب وعنوان الحرمة كالحركة الركوعية والسجودية في الدار المغصوبة واذا كانت جهة الحرمة في نفس المتعلق كانت الحرمة ذاتية ، واما اذا كانت الحرمة في القصد فالحرمة تشريعية لا ذاتية ، واذا كانت الحرمة تشريعية لا يكون المورد الذي حكم الشارع بالحرمة فيه تشريعا لا ذاتا مربوطا بالمقام ، لانه لا يكون في المورد جهة حرمة قد رجحها الشارع على جهة الوجوب بل الحرمة التشريعية موضوعها هو قصد الايجاد ، فالموجود بالقصد التشريعي ليس في ذاته جهة حرمة وانما الحرمة في قصد ايجاده تشريعا فحرمة الصلاة في ايام الحيض اذا قلنا بان الحرمة تشريعية لا في نفس الصلاة لا يكون مربوطا بمقامنا ، وقد قال جماعة بان حرمة الصلاة في ايام الحيض تشريعية لا ذاتية فلا يكون المورد مما حكم الشارع بحرمته لترجيح جانب الحرمة فيه على جانب الوجوب ، ولذا قال : ((هذا لو قيل بحرمتها الذاتية)) : أي ان المورد انما يكون مما يوجب الظن بالتغليب حيث يكون حرمة الصلاة في ايام الحيض ذاتية لا تشريعية ((وإلّا)) : أي ان حرمة الصلاة في الحيض لو كانت تشريعية لا ذاتية ((فهو خارج عن محل الكلام)) : أي ان المورد يخرج عما فيه الكلام ، لان المجمع لا يكون في نفس ذاته جهة الحرمة.

هذا مضافا الى ان المشهور لا يقولون بحرمة الصلاة في ايام الاستظهار بل يقولون باستحباب ترك الصلاة في ايام الاستظهار.

(١) لما بين في الجواب الثاني ان الحرمة اذا كانت تشريعية لا في ذات المتعلق لا يكون المورد مربوطا بالمقام ـ اتضح الجواب عن المورد الثاني الذي ادعوا ان الاستقراء دل فيه على تغليب جانب الحرمة على جانب الوجوب ، وهو حرمة الوضوء من الإناءين

٢٠٤

التعبد (١) أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية ، إما

______________________________________________________

المشتبهين ، فان حرمته تشريعية لا ذاتية بمعنى ان الحرام هو قصد ايجاد الوضوء من الإناءين بما انه هو واجب ، واما لو توضأ المكلف من الإناءين لا بقصد أن الوضوء منهما واجب بل بقصد الاحتياط فلا حرمة في هذا الوضوء ، ولو كانت حرمة الوضوء من الإناءين ذاتية لما امكن الاحتياط.

وتوضيح كون حرمة الوضوء من الإناءين تشريعية لا ذاتية ان المحرم الذاتي لا بد وان يكون مقدورا وكذا كل منهي عنه او مأمورا ، ومتى كان تعلق النهي بشيء يجعله غير مقدور لا بد وان تكون حرمته تشريعية لا ذاتية ، والوضوء من هذا القبيل لان الشيء تارة يكون عبادة بذاته كالركوع للمولى والسجود له ، واخرى يكون عبادة لاتيانه بقصد الأمر بحيث لو لا اتيانه بقصد امره لا يقع عبادة.

ومن الواضح ان نفس غسل الوجه واليدين ليس خضوعا للمولى بما هو غسل وجه وغسل يدين ، ومع تعلق النهي به لا يمكن اتيانه بقصد الامر به اذ لا أمر به حتى يمكن ان يكون عبادة ، وحيث ان متعلق النهي لا بد وان يكون مقدورا فلا بد وان يكون متعلق النهي قصد ايجاده بعنوان كونه واجبا ، فان قصد التشريع مقدور فالحرمة في الوضوء تشريعية لا ذاتية ، واذا ثبت انها تشريعية فاتيان الوضوء من الإناءين لا بقصد الوجوب بل بقصد الاحتياط لا تشريع فيه فلا مانع منه.

وبعد وضوح كون حرمة الوضوء من الإناءين تشريعية لا ذاتية يخرج المورد عن المقام ، لما عرفت من ان التغليب لجهة الحرمة لا يتم إلّا في ما اذا كانت حرمة الوضوء ذاتية لا تشريعية.

(١) هذا دفع دخل يمكن ان يورد على ما ذكره من كون حرمة الوضوء من الإناءين تشريعية لا ذاتية وانه لا مانع من اتيان الوضوء منهما من باب الاحتياط.

٢٠٥

بملاقاتها ، أو بملاقاة الاولى ، وعدم استعمال مطهر بعده (١) ولو طهر

______________________________________________________

وحاصله : انه لو كانت الحرمة للوضوء فيهما تشريعية لما ورد النص باهراق الماء وبالتيمم ، لانه مع امكان اتيان الطهارة المائية لا وجه للحكم باهراق الماء وانتقال الفرض الى الطهارة الترابية ، والحال انه قد ورد النص بوجوب اهراق الماء والتيمم ، فهذا مما يدل على ان حرمة الوضوء ذاتية لا تشريعية وإلّا لأمر الشارع بالوضوء منهما احتياطا.

وقد اجاب عنه بجوابين :

الاول : ما اشار اليه بقوله : ((ليس إلّا من باب التعبد)).

وحاصله : ان وجوب اهراقهما والغاء الوضوء منهما بعنوان الاحتياط امر تعبدي لا دلالة له على ان حرمة الوضوء منهما ذاتية لا تشريعية بعد قيام الدليل القطعي على عدم امكان كون حرمة الوضوء منهما ذاتية ، ولعل مصلحته التسهيل في عدم وجوب الوضوء منهما بعنوان الاحتياط ، واما وجوب اهراقهما بناء على كون الأمر بالاهراق امرا وجوبيا مولويا لا ارشاديا الى عدم الانتفاع بهما من ناحية الشرب او الوضوء وان الماء فيهما بحكم المعدوم هو محبوبية اعدام النجس ومحوه من صفحة الوجود ، وخصوصا في مثل الماء الذي هو في معرض الاستعمال ولو نسيانا.

(١) يشير بهذا إلى وجه ثان لأمر الشارع باهراق الماء وأمره بالتيمم.

وحاصله : ان الوجه في أمر الشارع باهراق الماء والأمر بالتيمم هو ان الوضوء من الإناءين المشتبهين يوجب الابتلاء بالنجاسة ، وطهارة البدن من النجاسة اهم من الوضوء لوجود البدل للوضوء وهو التيمم ، بخلاف طهارة البدن من النجاسة فانها لا بدل لها.

وتوضيح الحال : ان ماء الإناءين المشتبهين اذا كان من الماء القليل الذي هو دون الكر كما هو المتعارف في الاناء الذي هو موضع الاستعمال وعنه يقع السؤال فانه عند الوضوء من الاناء الثاني بعد الوضوء من الاناء الاول بمجرد ملاقاة ماء الاناء الثاني

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

للبدن الملاقي لماء الاناء الاول يحصل العلم بنجاسة البدن ، لأن التطهير بالماء القليل يحتاج إلى التعدد ، فلو فرضنا انه توضأ من الاناء الاول ولاحتمال كون الماء نجسا يطهر اعضاء الوضوء من الاناء الثاني ولا بد ان يكون التطهير بالصب على الاعضاء ، فبمجرد ان يصب الماء يعلم علما حقيقيا بان العضو الذي صب عليه الماء هو نجس الآن ، لانه اما ان يكون الماء الاول هو النجس فيكون عند ملاقاة الماء في الصبة الاولى باق على نجاسته فانه انما يطهر بعد الصبة الثانية.

واما ان يكون الماء الثاني هو النجس فبمجرد ملاقاة العضو له بالصبة الاولى يكون العضو نجسا ، وهذه النجاسة نجاسة شخصية معلومة التاريخ ونشك في ارتفاعها ، لانها ان كانت من الاناء الثاني لا ترتفع بالصبة الثانية وان كانت من الاناء الاول ترتفع ، فالشك في ارتفاعها وجداني فتستصحب فيحكم هذا الاستصحاب بكون العضو الملاقي نجسا ، ولا يعارض هذا الاستصحاب استصحاب طهارة العضو من بعد الصبة الثانية بان يقال انا نعلم ـ ايضا ـ علما حقيقيا بان هذا العضو طاهر في احد الازمنة التي ابتداؤها الوضوء من الاناء الاول الى انتهاء الصبة الثانية من الاناء الثاني ، فان الماء النجس ان كان هو ماء الاناء الاول فقد طهر العضو بالصبة الثانية قطعا ، وان كان هو ماء الاناء الثاني فالعضو في زمان ملاقاته للاناء الاول طاهر قطعا فتستصحب طهارة العضو المحققة في ضمن هذا الزمان الممتد من اول استعمال ماء الاناء الاول الى آخر استعمال ماء الإناء الثاني بالصبة ، الثانية ، ويعارض استصحاب الطهارة استصحاب النجاسة فيتساقطان وتجري قاعدة الطهارة لان العضو مشكوك الطهارة فعلا ويعود محذور لزوم اهراق الماء.

والجواب عنه : ان استصحاب الطهارة لا يجري لانه من مجهول التاريخ ، وسيأتي في باب الاستصحاب ان مختار المصنف عدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ لعدم اتصال زمان الشك باليقين.

٢٠٧

بالثانية مواضع الملاقاة بالاولى (١).

نعم لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها ، بلا حاجة إلى التعدد وانفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها وإن علم بنجاستها حين ملاقاة الاولى أو الثانية إجمالا ، فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة (٢).

______________________________________________________

نعم بناء على جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ لعدم تمامية شبهة اتصال الشك باليقين فالاستصحابان متعارضان ، وعليه فينحصر الجواب بالجواب الاول ولذلك لم يذكر المصنف معارضة استصحاب النجاسة باستصحاب الطهارة.

(١) لوضوح انه لو لم يطهر مواضع الملاقاة بالاناء الثاني فانه تكون النجاسة مقطوعة البقاء لان العضو قد تنجس اما بالاناء الاول ولم يطهر او بالاناء الثاني.

(٢) يدل كلامه هذا على ان الكلام الاول في فرض كون الإناءين من الماء القليل لان الذي يطهر العضو بملاقاته من دون تعدد ولا انفصال هو الماء الكثير ، واما التطهير بالماء القليل فانه يحتاج الى تعدد الصب وانفصال الماء من الغسلة الثانية على المشهور.

وعلى كل فاذا كان الإناءان كرين وعلم بنجاسة احدهما فلا يكون هناك علم بنجاسة شخصية معلومة التاريخ ، لانه يحتمل ان يكون النجس هو الاناء الاول وبمجرد ملاقاة العضو للإناء الثاني يطهر من دون حاجة الى تعدد ولا انفصال الغسالة نعم لا بد من قيد آخر لم يذكره المصنف وهو انه لا بد وان يكون ملاقاة العضو للماء الثاني ليس تدريجيا بل دفعة واحدة ، فانه لو كان تدريجيا فبمجرد انغماس بعض العضو في الماء الثاني يعلم قطعا بان هذا العضو بعضه نجس بالفعل ، لانه اذا كان الاناء الاول هو النجس فقد طهر بعض العضو بملاقاة الاناء الثاني وبعضه نجس فعلا ، وان كان الاناء الثاني هو النجس فقد تنجس بعض هذا العضو لملاقاته للاناء الثاني وهذه نجاسة شخصية معلومة التاريخ ، ولا يعارض هذا الاستصحاب الشخصي للنجاسة المعلومة التاريخ استصحاب طهارة بعض العضو المعلومة التاريخ ايضا عند

٢٠٨

الأمر الثالث : الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات والجهات في أنه لو كان تعدد الجهة والعنوان كافيا مع وحدة المعنون وجودا في جواز الاجتماع كان تعدد الإضافات مجديا ، ضرورة أنه يوجب أيضا اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلا ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعا. فيكون مثل ((اكرم العلماء)) و ((لا تكرم الفساق)) من باب الاجتماع ك ((صل))

______________________________________________________

ملاقاة الاناء الثاني ، لان استصحاب طهارة بعض العضو لا اثر له فان نجاسة بعض العضو كافية في ترتب آثار النجاسة.

وعلى كل فاذا كان الاناءان كرين وكانت الملاقاة دفعية لا يعلم بنجاسة معلومة التاريخ.

نعم يعلم بان العضو في هذا الزمان الممتد من اول استعمال الاناء الاول الى زمان ملاقاة الاناء الثاني قد تنجس ، وهذا استصحاب لنجاسة مجهولة التاريخ ولا يجري هذا الاستصحاب عند المصنف ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا يعلم تفصيلا بنجاستها)) : أي لا يعلم تفصيليا بنجاسة الاعضاء علما معلوم التاريخ ((وان علم نجاستها)) علما اجماليا في احد آنات هذا الزمان الممتد من ((حين ملاقاة الاولى أو الثانية اجمالا فلا مجال لهذا الاستصحاب)) وحيث لا يجري الاستصحاب فقاعدة الطهارة محكمة ولذا قال : ((بل كانت قاعدة الطهارة محكمة)) إلّا أنّك قد عرفت انه من الفرض النادر المطمئن بعدم السؤال عنه ، وان الإناءين المسئول عنهما والمأمور باهراقهما هما الظروف التي يكون بهما الاستعمال اكلا أو شربا او وضوءا وهما من الماء القليل لعدم تعارف استعمال ظرف يكون بحيث يسع كرا من ماء.

٢٠٩

و ((لا تغصب)) لا من باب التعارض (١) إلا إذا لم يكن للحكم في أحد

______________________________________________________

(١) حاصل هذا الامر هو كايراد على المجوزين.

وتوضيحه : ان القائلين بالجواز في العنوانين المنطبقين على المجمع يلتزمون بكون المجمع يقع به امتثال الأمر وعصيان النهي ، كالوضع الركوعي في الدار المغصوبة فانه يقع امتثالا للأمر بالصلاة وعصيانا للنهي عن الغصب ، لان تعدد الجهة والعنوان موجبا لتعدد المعنون وذي الجهة ولا يلتزمون بذلك في مثل اكرم العالم ولا تكرم الفساق مع انه مثله ، والدليل على كونه مثله هو ان الاكرام غير المضاف الى شيء لا اقتضاء له لا الى عنوان حسن او قبيح ولا الى تأثير في مصلحة او مفسدة ، والوجوب والحرمة تابعان اما الى الحسن والقبح أو الى المصلحة والمفسدة ، واضافة الاكرام الى العالم مقتض لانطباق عنوان حسن عليه او لكونه ذا مصلحة ، وكذلك اضافته الى الفاسق مقتض لانطباق عنوان قبيح او لكونه ذا مفسدة ، فالاكرام المضاف الى العالم حاله حال عنوان الصلاة ، والاكرام المضاف الى الفاسق حاله حال عنوان الغصب ، فالاضافات موجبة لتعدد الاقتضاء والتأثير المختلف ، فتعدد الاضافات اللاحقة للشيء الذي لا اقتضاء له في نفس ذاته كتعدد العناوين موجبة لاجتماع المقتضيين المؤثرين ـ على رأي القائلين بالجواز ـ في اكرم العالم ولا تكرم الفاسق ، فهذا الاكرام باعتبار اضافته إلى العالم موجب لأن يكون امتثالا لأمر اكرم العالم ، وهذا الاكرام باعتبار اضافته الى الفاسق موجب لان يكون عصيانا للنهي عن اكرام الفاسق.

لكن القائلين بالجواز لا يلتزمون في مثل اكرم العالم ولا تكرم الفساق بذلك ولا يرون اكرام العالم الفاسق يقع امتثالا للأمر وعصيانا للنهي ، بل يعاملون معه معاملة التعارض ، وقد عرفت انه ينبغي ان يكون اكرم العالم ولا تكرم الفساق من باب الاجتماع كصل ولا تغصب ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((فيكون مثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق من باب الاجتماع كصل ولا تغصب لا من باب التعارض)).

٢١٠

الخطابين في مورد الاجتماع مقتض (١) ، كما هو الحال أيضا في تعدد العنوانين (٢).

______________________________________________________

ولا يخفى ان المثال ينبغي ان يكون اكرم العالم لا اكرم العلماء ، لانه لا بد في مسألة باب الاجتماع من المندوحة ، واكرم العلماء باعتبار انه استغراقي ينحل الى او امر بقدر العلماء فلكل عالم امر وحينئذ لا يكون هناك مندوحة ، فيكون اجتماع الأمر والنهي من جهة الآمر وهو اجتماع آمرى ، لا أن المكلف هو الذي جمع بينهما في مقام الامتثال ، بخلاف اكرم العالم فان عمومه بدلي ويمكن المكلف ان يمتثل امر اكرام العالم بغير العالم الفاسق فيكون الاجتماع فيما لو اكرم العالم الفاسق بسوء اختيار المكلف وهو اجتماع مأموري لا آمري.

(١) أي ان معاملة باب التعارض مع الدليلين انما يكون فيما اذا لم يكن المقتضى للحكمين موجودا في مورد الاجتماع ، واذا كان موجودا فلا بد من ان يكون من باب الاجتماع.

ومن الواضح ان الظاهر من الموضوع المترتب عليه الحكم كونه مقتضيا لترتب ذلك الحكم ، عليه فلو قالوا بان في مثل اكرم العالم ولا تكرم الفساق لم يحرز المقتضى فهو قول غير ظاهر الوجه.

قوله (قدس‌سره) : ((كما هو الحال ايضا في تعدد العنوانين)) : أي ان حال تعدد الاضافات كاكرم العالم ولا تكرم الفساق المتعدد لتعدد الاضافة كحال تعدد العنوانين في مثل صل ولا تغصب.

(٢) هذا نتيجة ما مر وحاصله : ان القوم كلهم سواء القائلون بالجواز او القائلون بالامتناع يعاملون في مثل اكرم العالم ولا تكرم الفساق معاملة باب التعارض ، وهو عندهم من تعارض الدليلين اللذين نسبتهما نسبة العموم من وجه لصدق اكرم العالم من دون لا تكرم الفساق في العالم العادل ، وصدق لا تكرم الفساق من دون اكرم

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

العالم في الفاسق غير العالم ، فيعملون بكل من الدليلين في مورده ، وفي مورد العالم الفاسق يقول كل بمختاره في المتعارضين من وجه.

وحيث عرفت ان تعدد الاضافات كتعدد العناوين فلا بد وان يكون معاملتهم في المثال معاملة التعارض إما بناء على الامتناع وعدم احراز قوة احد المقتضيين ، وقد مر انه بناء على الامتناع وعدم احراز قوة احد المقتضيين يكون المورد من باب التعارض على ما مر تفصيله ، او لقولهم بان المثال مما لم يحرز فيه وجود كلا المقتضيين ، وقد مر ايضا انه اذا لم يحرز المقتضى لكلا الحكمين يكون المورد من باب التعارض ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((انما يكون بناء على الامتناع او عدم المقتضى لاحد الحكمين في مورد الاجتماع)).

ولا يخفى ان هذا كله بناء على ان تعدد الاضافات كتعدد العناوين ، ولكن المشهور لا يرون ان تعدد الاضافات كتعدد العناوين ، بل يرون ان المقتضي للحكم هو المضاف والاضافة من قبيل الشرط لتأثيره ، ومن الواضح انه لا يعقل ان يكون الشيء الواحد مقتضيا لأثرين متضادين فالاكرام في المثال المتقدم لا يعقل ان يكون مقتضيا للوجوب ومقتضيا للحرمة ، وعلى هذا فيكون المثال مما احرز فيه عدم وجود المقتضي للحكمين ولذلك يعاملون معه معاملة التعارض سواء القائلون بالجواز او القائلون بالامتناع.

وبعبارة اخرى : ان مسألة باب الاجتماع في الماهيتين او العنوانين المتصادقين على شيء واحد لا في ماهية واحدة ذات اضافتين او عنوان واحد ذي اضافتين ، فان المراد من الاجتماع هو ان يجتمعا في المصداق كالصلاة والغصب لا في بعض مفهومهما واكرم العالم ولا تكرم الفساق الاجتماع في مفهوم الاكرام لتعدد الاضافتين لا في المصداق.

٢١٢

فما يتراءى منهم من المعاملة مع مثل ((أكرم العلماء)) و ((لا تكرم الفساق)) معاملة تعارض العموم من وجه ، إنما يكون بناء على الامتناع أو عدم المقتضي لأحد الحكمين في مورد الاجتماع.

______________________________________________________

انتهى بحمد الله باب اجتماع الامر والنهي في يوم السبت عاشر شوال المكرم سنة الالف والثلاثمائة والثامنة والسبعين هجرية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والتحية ، ونسأل الله بعونه الإتمام ، وهو المستعان في كل أمر.

١٠ شوال ١٣٧٨

٢١٣

فصل

في أن النهي عن الشيء ، هل يقتضي فساده أم لا (١)؟

وليقدم أمور :

الأول : إنه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة ، وإنه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما ، بما هو جهة البحث في الاخرى ، وإن البحث في هذه المسألة في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد بخلاف تلك المسألة ، فإن البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الامر والنهي في مورد الاجتماع أم لا (٢)؟

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان عنوان المسألة لا اختصاص له بالنهي المستفاد من اللفظ ، لوضوح شموله للنهي المستفاد من الاجماع والعقل ، فما يأتي في الأمر الثاني من احتمال كون النزاع في المسألة في الدلالة اللفظية وانها من مباحث الألفاظ لا بد فيه من تغيير عنوان المسألة ، بأن يقال : هل يدل لفظ النهي بالدلالة الالتزامية على الفساد أم لا؟ الّا ان يدعى ان المنصرف من لفظ النهي هو خصوص المستفاد من اللفظ فتأمل.

(٢) قد مر في الأمر الثاني من أمور مسألة الاجتماع تفصيل ذلك.

ومجمله : ان الفرق بين المسائل المتحدة موضوعا ومحمولا في مقام البحث عنها في بابين أو أبواب من ذلك العلم هو الفرق بين المسائل الداخلة في علمين ، فانها حيث يبحث عنها في كل علم لأجل جهة وغرض يترتب عليها في ذلك العلم غير الغرض والجهة التي تترتب عليها في العلم الآخر فتعدد الجهة فيها هو الموجب لكونها من مسائل العلمين ، كذلك الأمر في دخول المسألة الواحدة في بابين من علم واحد ، فان تعدد الجهة في كل باب من أبواب ذلك العلم هو الموجب لدخول المسألة في البابين فتعدد الجهة هو الموجب لتعدد المسألة سواء في علمين أو في بابين.

ومن الواضح ان الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة هو أن تعدد الجهة هل يجدي في رفع غائلة التضاد من اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد أن لا يجدي؟

٢١٤

الثاني : إنه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الالفاظ ، إنما هو لاجل أنه في الاقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات ، مع إنكار الملازمة بينه وبين الحرمة التي هي مفاده فيها (١) ، ولا ينافي ذلك أن

______________________________________________________

والجهة المبحوث عنها في هذه المسألة هو أن النهي هل يدل على الفساد وعدم ترتب الأثر المقصود على المعاملة والعبادة أم لا؟

(١) هذا الأمر الثاني لبيان ان النزاع في هذه المسألة هل هو لفظي أو عقلي : أي ان النزاع في إنه هل هناك ملازمة بين مبغوضية العبادة والمعاملة وبين عدم ترتب الأثر عليهما أم إنه لا ملازمة بين المبغوضية وعدم ترتب الأثر ، وعلى هذا فالنزاع في هذه المسألة عقلي لا لفظي.

أو ان النزاع في ان لفظ لا تفعل لكثرة استعماله بغرض عدم ترتب الأثر صار يدل بالالتزام ـ الحاصل من كثرة الاستعمال ـ على عدم ترتب الأثر والفساد وان لم تكن ملازمة عقلية أو عرفية بين المبغوضية والفساد ، وعلى هذا فالنزاع في هذه المسألة لفظي ولا يخفى أنه بحسب الإمكان كلا الأمرين ممكنان ، اذ لا مانع عقلا في كون النزاع في هذه المسألة عقليا ، وان المدعي للفساد إنما يدعيه لأنه يرى ان بين المبغوضية والفساد تلازم ، والمنكر له لا يرى هذا التلازم.

كما أنه لا مانع من كونه لفظيا لأنهم لا يرون الملازمة بين المبغوضية والفساد واقعا ، ولكن المدعي للفساد يرى ان لفظ لا تفعل لكثرة الاستعمال بغرض عدم ترتب الأثر يدل على الفساد التزاما ، والمنكر لذلك لا يرى ان للفظ لا تفعل هذه الدلالة الالتزاميّة ، فحينئذ لا بد وان يستكشف ان نزاعهم في المقام عقلي أو لفظي من قرائن المقام.

ولكن ينبغي ان لا يخفى ان النزاع في مرحلة الدلالة اللفظية انما هو في مرحلة الإثبات ، ومرحلة الإثبات بعد مرحلة الثبوت ، فلا بد لمن يجعل النزاع لفظيا ان يفرغ عن مرحلة الثبوت ويثبت انه لا ملازمة بين المبغوضية والفساد ، والّا فلا فائدة لمنكر

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الدلالة في مرحلة الإثبات حيث تثبت الملازمة بين المبغوضية والفساد في مرحلة الثبوت.

وعلى كل فقد أشار المصنف الى قرينة تدل على كون النزاع في الدلالة اللفظية بقوله : ((أنما هو لأجل أنه في الأقوال قول الى آخر كلامه)).

وحاصله : ان من جملة الأقوال في المسألة قول بكون النهي في المعاملة يدل على فسادها ، وسيأتي ان من الواضح انه لا موهم لملازمة المبغوضية والحرمة في المعاملة لفساد المعاملة وعدم ترتب أثرها عليها ، فالقائل باقتضاء النهي في المعاملة للفساد معترف بأنه لا ملازمة بين الحرمة في المعاملة والفساد فقوله بالفساد في المعاملة مع هذا الاعتراف منحصر في ان لفظ لا تفعل يدل التزاما على الفساد ، والدلالة الالتزامية لا يكون سببها دائما منحصرا في اللزوم الواقعي او اللزوم العرفي بل ربما يكون سببه كثرة استعمال لا تفعل لغرض الدلالة على ذلك.

ومن الواضح ان القول المذكور في المسألة لا بد وان يكون في موضوع تلك المسألة ، فلو كان موضوع النزاع في هذه المسألة عقليا وفي مرحلة الثبوت لكان هذا القائل ممن يقول بعدم اقتضاء النهي للفساد وعدم دلالته على ذلك ، فعد هذا القول ـ وهو دلالة النهي على الفساد في المعاملة ـ قولا في ما هو محل النزاع في هذا المسألة دليل على ان محل النزاع في هذه المسألة هو الدلالة اللفظية ومرحلة الاثبات دون الملازمة الواقعية ومرحلة الثبوت.

وقد أشار المصنف الى ان القرينة على كون النزاع في المسألة في الدلالة اللفظية بقوله : ((انما هو لأجل انه في الأقوال قول بدلالته)) : أي بدلالة النهي ((على الفساد في المعاملات)) ومن الواضح أنه لا ملازمة في المعاملات بين الحرمة التي هي مدلول النهي وبين الفساد ، ولذا قال : ((مع إنكار الملازمة بينه)) أي بين الفساد ((وبين الحرمة التي هي مفاده)) أي مفاد النهي ((فيها)) أي في المعاملات.

٢١٦

الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة ، وعلى تقدير عدمها تكون منتفية بينهما (١) ،

______________________________________________________

فالقول بدلالة النهي على الفساد في المعاملات مع انكار الملازمة بين الحرمة والفساد واقعا دليل على ان النزاع في المسألة في الدلالة اللفظية التي يمكن ان تكون مع عدم الملازمة بين الحرمة والفساد واقعا.

(١) الظاهر ان هذا يتعلق بقوله ان عدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، فيكون حاصله انه ينافي عدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ قرينة تقتضي عدّ هذه المسألة من المسائل العقلية ، فهي قرينة على خلاف القرينة السابقة.

ويحتمل ـ أيضا ـ ان يكون مما يتعلق بنفس القرينة التي ذكرت لعدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، وهي وجود قول بدلالة المعاملة على الفساد مع الاعتراف بعدم الملازمة بين الحرمة في المعاملة والفساد ، فان هذا القول واضح البطلان فلا ينبغي ان يكون قرينة على كون البحث في هذه المسألة بحثا في الدلالة اللفظية.

وعلى كل فحاصل هذه المنافاة التي دفعها بقوله لا ينافي هي ان كون هذه المسألة من مباحث الألفاظ ينافيه ـ أي ان مدعي الفساد في العبادات انما يقول لأجل ـ ان الملازمة بين الحرمة والفساد في العبادات انما هي للملازمة بين المبغوضية والفساد في العبادات ، لأن ما به التقرب لا يكون مبغوضا ومبعدا ، وهذه الملازمة انما هي بين الحرمة والفساد سواء استفيدت الحرمة من دليل لفظي أو لبيّ كإجماع أو عقل ، والمنكر لهذه الملازمة يقول بالصحة سواء كان الدليل على النهي لفظيا أو عقليا ، فالفساد والصحة يدوران مدار الملازمة الواقعية بين الحرمة والفساد وهي أمر عقلي لا ربط له بالمباحث اللفظية.

وحيث أجاب المصنف عن هذه المنافاة بقوله لإمكان ـ كما سيأتي بيانه ـ نفي هذه المنافاة فقال : ((لا ينافي ذلك)) أي : لا ينافي عدّ هذه المسألة من المسائل اللفظية ما ذكر قرينة لكون البحث في هذه المسألة عقليا وهو ((ان الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة أنما تكون بينه)) أي بين الفساد ((وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة))

٢١٧

لامكان أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة ، بما تعم دلالتها بالالتزام (١) ، فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها

______________________________________________________

بأن كانت الحرمة مستفادة من دليل لبيّ كاجماع أو عقل ، فالقائل بالفساد إنما يقول لهذه الملازمة الواقعية الفعلية ((وعلى تقدير عدمها)) أي وعلى تقدير عدم هذه الملازمة الواقعية بين الفساد والحرمة كما يقول بذلك من يقول بصحة العبادة المنهي عنها ـ كأبي حنيفة ومن يرى رأيه ـ فالملازمة ((تكون منتفية بينهما)) عنده ، هذا على الظاهر المستفاد من عبارة المصنف من كونها قرينة على كون البحث في هذه المسألة عقليا لا لفظيا في قبال القرينة السابقة.

وأما بناء على احتمال تعلق العبارة بنفس القرينة فيكون المراد ان قول القائل بالفساد في المعاملات لدلالة النهي على ذلك لا معنى له ، لان مرحلة الاثبات تتبع مرحلة الثبوت فان كانت ملازمة بين الفساد والحرمة ـ كما يقول بها من يرى الفساد في العبادات لأن المبغوضية تنافي المقربية ـ فلا فرق في ذلك بين الحرمة المستفادة من دليل لفظي أو لبيّ وعلى فرض عدم الملازمة في مرحلة الثبوت بين الفساد والحرمة ـ كما هو رأي أبي حنيفة ومن تبعه ـ فلا يبقى مجال لدعوى دلالة الدليل الذي هو مرحلة الاثبات على ذلك بعد عدم تحقق الملازمة واقعا بين الفساد والحرمة الذي هو مرحلة الثبوت ، فان من الواضح ان مرحلة الإثبات تابعة لمرحلة الثبوت فاذا كان لا ملازمة في مرحلة الثبوت لا وجه لدعوى دلالة الدليل في مرحلة الاثبات على ذلك.

(١) هذا هو الجواب ولذلك قال لا ينافي ذلك لإمكان الى آخر كلامه.

وحاصله : ان هذه المنافاة غير منافية لعدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ وكون النزاع في دلالة لفظ النهي ، فان دعوى دلالة لفظ النهي على الفساد انما هي لأجل الدلالة الالتزامية ، وقد عرفت ان الدلالة الالتزامية ربما تكون للملازمة واقعا بين اللازم والملزوم كالدخان والنار ، وربما تكون للملازمة العادية كحاتم والجود ، وربما تكون لكثرة الاستعمال ، فالنزاع في مرحلة الإثبات والدلالة اللفظية لا يرتبط بالملازمة الواقعية ، وكون مرحلة الإثبات فرع مرحلة الثبوت صحيح ، ولكن لا يلزم ان تكون

٢١٨

مساس (١) ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

مرحلة الثبوت هي الملازمة الواقعية وعدمها ، بل مرحلة الثبوت هو كثرة الاستعمال ـ مثلا ـ وعدمه ، فالمدعي للدلالة يدعي ثبوتها والمنكر للدلالة ينكرها ، ولذا قال : ((لإمكان ان يكون البحث معه)) أي مع ثبوت الملازمة واقعا بين الحرمة والفساد في العبادات وعدم ثبوت هذه الملازمة واقعا بينهما بأن يكون البحث ((في دلالة الصيغة)) التي قد عرفت انه غير مربوط بثبوت الملازمة الواقعية وعدم ثبوتها لإمكان تحقق الدلالة اللفظية على الفساد ومع عدم الملازمة الواقعية بين الفساد والحرمة بأن يدعى دلالة الصيغة بالدلالة الالتزامية على ذلك ، قد عرفت ان الدلالة الالتزامية كما تكون للملازمة الواقعية كذلك تكون مع عدم الملازمة الواقعية للملازمة العرفية أو لكثرة الاستعمال.

قوله : ((بما تعم دلالتها بالالتزام)).

لا تخلو هذه العبارة من مسامحة فان كون البحث في المسألة في الدلالة اللفظية ينحصر بالدلالة الالتزامية ، والّا فلو كان البحث في هذه المسألة في اصل اقتضاء النهي للفساد سواء كان لملازمة واقعية أو لدلالة التزامية لما حسن عدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ بل تكون مسألة لها مساس في المباحث اللفظية.

(١) حاصله : في ان البحث في مسألة اجتماع الأمر والنهي حيث كان المهم اثبات ان اجتماع الأمر والنهي بعنوانين في واحد هل يجدي في رفع غائلة التضاد بين الأمر والنهي أم لا يجدي؟

فهم الباحثين حيث انه في تحقق التضاد وعدمه وان من الواضح ان التضاد وعدمه انما هو بين الأمر والنهي سواء كانا مستفادين من دليل لفظي أو لبي يتضح ان البحث في مسألة الاجتماع لا بد وان يكون عقليا ، بخلاف هذه المسألة فان الغرض فيها ترتب الأثر وعدم ترتب الأثر ، ومع عدم الملازمة واقعا بين الفساد والحرمة يمكن ان يتحقق الفساد لأجل الدلالة اللفظية الالتزامية فيمكن ان يكون البحث فيها عقليا

٢١٩

الثالث : ظاهر لفظ النهي وإن كان هو النهي التحريمي ، إلا أن ملاك البحث يعم التنزيهي ، ومعه لا وجه لتخصيص العنوان (١) ، واختصاص

______________________________________________________

بأن يتفقوا على انه لا دلالة التزامية وان النزاع انما هو في الملازمة الواقعية وعدمها ، ويمكن ان يكون لفظيا بان يتفقوا انه لا ملازمة واقعا ولكن النزاع في الدلالة الالتزامية ، ويمكن ان تكون عقلية ولفظية بأن يكون القول بالفساد لأجل أن يكون الدال على الفساد العقل للملازمة الواقعية ، واللفظ للدلالة الالتزامية ، وان يكون القول بالصحة لعدم الملازمة بالصحة لعدم الملازمة الواقعية ولعدم الدلالة الالتزامية.

قوله (قدس‌سره) : ((لا يكاد يكون)) ليس غرضه (قدس‌سره) انه من المحال كون البحث في مسألة الاجتماع لفظيا ، بل غرضه بعد العلم بأن المهم لهم هو تحقق التضاد وعدمه نعلم قطعا بأن البحث في تلك المسألة عقلي لا لفظي.

(١) قد مر في مبحث مقدمة الواجب انقسام الأمر الى أقسام : وجوبي واستحبابي ونفسي وغيري وأصلي وتبعي ، والنهي كذلك ينقسم ـ أيضا ـ الى تحريمي وتنزيهي ونفسي وغيري واصلي وتبعي.

ولا إشكال في دخول النهي التحريمي في العنوان ، واما النهي التنزيهي فقد يقال بعدم شمول العنوان له ، لدعوى انصراف لفظ النهي الى التحريمي بالخصوص ، الّا انه لا وجه لخروجه عن محل النزاع وان كان لفظ النهي منصرفا عنه ، لان الملاك الموجب للفساد في التحريمي موجود في التنزيهي وهو ان الصحة في العبادة هي موافقة الأمر والنهي عن الشيء يضاد الأمر به ، فمع تحقق النهي عن العبادة لا بد وان لا يكون لها أمر ، فمع ارتفاع الأمر لا تحصل الصحة التي هي في العبادة بمعنى موافقة الأمر ، وهذا الملاك بعينه موجود في النهي التنزيهي ، فان النهي التنزيهي أيضا يضاد الأمر فان طلب الترك مضاد لطلب الإيجاد ، ومع وجود الملاك فيه لا وجه لخروجه عن محل النزاع.

٢٢٠