بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

تعلّق الطلب والبعث حقيقة بما هو واجب أو ممتنع ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو القول الرابع في هذا المقام وحاصله :

ان الخروج يقع منهيا عنه لكونه تصرفا في ملك الغير بغير اذنه ، ويقع مأمورا به لانطباق عنوان التخلص عليه وهو احد موارد اجتماع الأمر والنهي ، فالقائل بجواز اجتماعهما يقول به في المقام.

وقد اورد عليه المصنف بايرادات ثلاثة اشار اليها في المتن :

الاول : ما اشار اليه بقوله ((ففيه مضافا الى ما عرفت)). وحاصله : ان هذا يتم بناء على القول بالجواز واما على القول بالامتناع فلا يتم.

الثاني : ما اشار اليه بقوله : ((فضلا عما اذا كان)). وحاصله ان القول بالجواز انما يصح فيما اذا كان المتعلق للأمر عنوانا غير العنوان المتعلق للنهي ، ويجتمع هذان العنوانان في وجود واحد ، فيكون ذلك الواحد اثنين للحيثيتين التقييديتين كالحركة في الدار المتقيدة بحيثية كونها صلاة والمتقيدة بحيثية كونها غصبا ، لا ما اذا كان احد العنوانين فقط حيثية تعليلية كما في المقام ، فان التصرف الغصبي وان كان حيثية تقييدية لكون عنوان الخروج منهيا عنه لعنوان الغصب ، الّا ان التخلص حيثية تعليلية للأمر لما عرفت في مقدمة الواجب ان الواجب ذات ما هو مقدمة لا عنوان المقدمية ، فعنوان المقدمة حيثية تعليلية لأن تكون ذات ما هو مقدمة واجبة فيكون ذات الخروج مأمورا به لكونه مقدمة للتخلص عن البقاء ، فيكون المقام كاجتماع الأمر والنهي في واحد بعنوان واحد وهذا مراده من قوله : ((فضلا عما اذا كان بعنوان واحد كما في المقام حيث كان الخروج بعنوانه)) : أي بعنوان كونه خروجا ((سببا للتخلص)) وقد عرفت ان المقدمة حيثية تعليلية ((وكان)) الخروج بعنوان كونه خروجا تصرفا ((بغير اذن المالك)).

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا ينبغي ان يتوهم احد ان التخلص بنفسه عنوان واجب ومصداقه نفس الخروج وليس الخروج مأمورا به لكونه مقدمة ، فانك قد عرفت بطلان هذا التوهم لان التخلص الذي هو الواجب هو ترك الحرام أي ترك التصرف في الغصب ، وترك التصرف في الغصب هو عنوان منتزع عن الكون في خارج الدار المغصوبة ، والخروج غاية ما يمكن ان يتوهم فيه انه سبب لهذا التخلص ، فاذا كان واجبا فوجوبه لكونه مقدمة وسببا للواجب النفسي لا انه بنفسه مصداق للواجب ، النفسي ولذا قال (قدس‌سره) : ((وليس التخلص الّا منتزعا عن ترك الحرام المسبب عن الخروج لا عنوانا له)) : أي انه ليس التخلص عنوانا لنفس الخروج.

فاتضح مما ذكره : ان الخروج يقع مأمورا به لحيثية تعليلية فيكون كاجتماع الأمر والنهي في واحد بعنوان واحد.

الثالث : ما اشار اليه بقوله : ((ان الاجتماع ... الخ)). وحاصله :

انه لو سلمنا ان المورد من باب اجتماع العنوانين التقييديين على مورد واحد كاجتماع عنوان الصلاة والغصب في الكون في الدار ، وان الخروج قد اجتمع فيه عنوان المقدميّة والغصبيّة ، لكنه مع ذلك لا يكون من مسألة باب الاجتماع الموجبة لان يكون النزاع فيها ذا ثمرة ، فان مسألة باب الاجتماع وان قلنا فيما مر انه لا دخالة لقيد المندوحة فيما هو المهم في النزاع من التضاد بين الحكمين الموجب لكونها من التكليف المحال بناء على الامتناع.

فانه بناء على الجواز وان لم يكن اجتماع الحكمين من اجتماع المتضادين الموجب للتكليف المحال ، لكنه انما يجوز اجتماع الأمر والنهي في واحد بعنوانين بحيث يكون كلا الحكمين فعليين ، وخطاب كل واحد منهما من الخطاب الفعلي المنجز حيث تكون المندوحة ، لانه حيث لا مندوحة يكون اجتماعهما موجبا للتكليف بالمحال ، لانه من الضروري اشتراط القدرة في امتثال التكاليف بحيث يكون التكليفان خطابين فعليين.

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن الواضح انه مع اجتماع الأمر والنهي في واحد حيث لا مندوحة على امتثال الأمر في فرد غير الفرد المبتلى بالنهي لا قدرة للمكلف على امتثالهما ، فيكون اجتماع الخطابين امرا ونهيا في واحد لا مندوحة فيه موجبا للتكليف بالمحال ، اذ لا قدرة للمكلف على امتثالهما ، وان لم يكن اجتماعهما بناء على الجواز من التكليف المحال لعدم التضاد بين الحكمين ، لأن تعدد العنوان يقتضي تعدد المعنون فلا يكون اجتماعهما مما يوجب اجتماع الضدين وهو التكليف المحال إلّا انه يوجب تكليف العبد بما لا قدرة على امتثاله وهو التكليف بالمحال.

ولا يخفى انه لا يفرق في التكليف بالمحال من ناحية اشتراط فعلية التكاليف بالقدرة كون ذلك بسوء الاختيار او لا بسوء الاختيار ، فانه لا يصح الخطاب من المولى حيث لا قدرة للمكلف على الامتثال ، وان كان السبب في عدم قدرته هو سوء اختياره.

وانما الفرق بينهما في صحة العقاب حيث يكون رفع القدرة بسوء اختياره وعدم صحة العقاب فيما كان ارتفاع القدرة لا بسوء اختياره.

واما من ناحية عدم فعلية التكليف وسقوطه حيث لا قدرة فلا فرق بينهما اصلا ، اذ الأمر والنهي بداعي جعل الداعي ومع ضرورة تحقق الشيء لا وجه للأمر به والنهي عنه.

والحاصل : ان اجتماعهما بناء على الجواز لا يوجب اجتماع الضدين لان تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون ، فيكون هذا الواحد الذي هو مورد اجتماعهما اثنين في الخارج لا واحدا ، لكن حيث لا مندوحة فيه يوجب ان يكون من اجتماع تكليفين لا قدرة على امتثالهما وهذا مما لا يجوز على مذهب العدلية ، وهذا هو مراده بقوله : ((ان الاجتماع هاهنا لو سلم انه لا يكون بمحال)) : أي ليس من التكليف المحال وليس من اجتماع الضدين ((لتعدد العنوان وكونه مجديا)) : أي كون تعدد العنوان لكشفه عن تعدد المعنون مجديا ((في رفع غائلة التضاد)) بين الحكمين المجتمعين في ذلك المورد الواحد إلّا انه ((كان)) اجتماعهما ((محالا لأجل كونه طلب

١٦٣

وما قيل : ((أن الامتناع أو الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار)) (١) إنما هو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غير اختيارية ، بقضية ((أن الشيء ما لم يجب لم يوجد)) (٢).

______________________________________________________

المحال)) : أي يكون من التكليف بالمحال ((حيث لا مندوحة هنا)) لأن الخروج الذي هو المنهي عنه للغصب قد انحصرت به المقدمية للتخلص ولا فرد للمقدمية غيره بعد الدخول ، فاذا امر به للمقدمية كان قد اجتمع الأمر والنهي فيما لا مندوحة فيه.

ثم اشار (قدس‌سره) الى ان اشتراط فعلية الخطاب بالقدرة لا يرتبط بسوء الاختيار وعدم سوء الاختيار ، وانه لا بد من سقوط الخطاب حيث لا قدرة وان كان السبب في ارتفاع القدرة سوء الاختيار بقوله : ((وذلك لضرورة عدم صحة تعلق الطلب ... الى آخر كلامه)).

(١) وحاصله انه لا ينبغي ان يتوهم احد ان ارتفاع القدرة اذا كان بسوء الاختيار لا يوجب سقوط الخطاب ، لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

وتوضيح هذا التوهم : انه لا اشكال في كون القدرة شرطا في فعلية التكاليف ابتداء ، ولكن اذا كان ارتفاعها بسوء اختيار المكلف وهو الذي جعل هذا الامتثال ممتنعا بواسطة سوء اختياره فهو بنفسه رفع القدرة على الامتثال وجعل المورد المقدور غير مقدور ، فان مثل هذا لا يوجب سقوط الخطاب لان جعل الشيء ممتنعا بالاختيار لا ينافي الاختيار الذي هو شرط في الخطاب ابتداء ، ولذا اشتهر عن العدلية ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

(٢) هذا جواب ما قيل ، وايضاح الجواب عن هذا التوهم :

ان هنا ضرورتين ضرورة سابقة وضرورة لا حقة.

وتوضيح ذلك : ان الممكن لا يمكن ان يوجد إلّا اذا كان وجوده ضروري التحقق أي انه ما لم يكن وجوده لازما وضروريا من ناحية علته لا يعقل ان يوجد ، لأنه ما لم تتم علته لا يخرج من كتم العدم الى حيز الوجود ، ومع تمام علته يجب ان يوجد

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وإلّا لتخلف المعلول عن علته التامة ، واذا لم تتم علته يكون ممتنعا ولا يعقل ان يوجد وإلّا لجاز ان يوجد من غير علة ، ولذا قالوا : ان الممكن ما لم يجب لم يوجد ، وهذا الوجوب لا ينافي امكانه بالنسبة الى ذاته ، وانه من قبل ذاته مسلوب الضرورة عن الطرفين ويجب من ناحية تمام علته ، والوجوب الآتي له من ناحية العلة لا ينافي عدم ضرورته وعدم وجوبه من ناحية ذاته.

ولا يخفى ان فعل الفاعل المختار من جملة اجزاء علته ارادة الفاعل له ، فما لم تتم ارادة الفاعل له التي هي الجزء الاخير من العلة للفعل الممكن لا يوجد الفعل في الخارج ويكون وجوده ممتنعا ، فبفعل الفاعل بارادته يكون وجود الفعل واجبا وبعدم ارادته له يكون وجود الفعل ممتنعا.

والاشاعرة القائلون بالجبر المنكرون لاختيارية الافعال يقولون ان الممكن دائما اما واجب او ممتنع ، لانه اذا تمت علته كان واجبا وان لم تتم كان ممتنعا فكيف يكون الاختيار شرطا في الافعال والتكاليف؟ فان الفاعل اذا اراد الفعل صار الفعل واجبا لتمام علته وان لم يرده صار ممتنعا ، ومع وجوبه أو امتناعه لا يكون اختياريا فلا معنى لاشتراط الاختيار في التكليف.

ويجيب العدلية عن هذا الاشكال بان الوجوب الآتي للفعل الممكن من ناحية الارادة ، والامتناع الآتي للفعل من ناحية عدم الارادة لا ينافي اشتراط التكاليف بالاختيار ، بل يؤكد اختيارية الفعل وان الفاعل ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل ، وليس الاختيار الذي هو شرط للتكاليف إلّا كون الفاعل يستطيع ان يفعل بان يريد الفعل ويستطيع ان لا يفعل بان لا يريد الفعل ، وهذا الوجوب والامتناع الآتي من قبل الارادة وعدم الارادة لا ينافي الارادة وكونها شرطا في التكاليف ، بل يؤكد الاختيارية في الفعل ، فان الفاعل الذي يستطيع ان يجعل الفعل واجب التحقق بارادته له ويستطيع ان يجعله ممتنع التحقق بعدم ارادته له مما يدل ويؤكد ان امر تحقق ذلك الفعل وعدم تحققه منوطة بقدرته واشاءته ، فاختياره للفعل هو الذي يجعل

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الفعل واجبا وعدم اختياره له هو الذي يجعله ممتنعا ، فهذا الوجوب والامتناع لا ينافي اختيارية الفاعل للفعل ، بل هما مؤكدان لاختياريته ، ولذلك قالوا : ان الامتناع والايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار.

واتضح مما ذكرنا : ان مورد هذه القاعدة هو الوجوب والامتناع الآتي للشيء من ناحية علته.

فهذه القاعدة المسلمة عند العدلية موردها هي ضرورة المعلول بشرط العلة وهي المسماة بالضرورة السابقة لانه يقال وجب فوجد.

وهناك ضرورة اخرى وهي الضرورة اللاحقة وهي الضرورة بشرط المحمول اللاحقة للموجود والمعدوم ، فان الممكن الموجود بشرط كونه موجودا ضروري الوجود والممكن المعدوم بشرط كونه معدوما ضروري العدم ، فانه من الواضح ان الموجود بما هو موجود ثبوت الوجود له ضروري ، والمعدوم بما هو معدوم ثبوت العدم له ضروري ، وهذه الضرورة تسمى الضرورة اللاحقة والضرورة بشرط المحمول.

وقضية سقوط الخطاب بالأمر او بالنهي مع ضرورة تحقق الفعل المأمور به او المنهي عنه مربوط بهذه الضرورة الثانية التي هي الضرورة بشرط المحمول ، لوضوح انه مع كون الفعل ضروري التحقق لا معنى للأمر به أو للنهي عنه ، ولذلك يسقط الخطاب بالاضطرار وان كان الاضطرار بسوء الاختيار ، إذ طلب ما لا بد من حصوله لا معنى لجعل الداعي لحصوله وهو كطلب الحاصل وكذلك النهي عنه ايضا لا معنى له ، اذ مع الاضطرار ولزوم تحققه لا معنى لجعل الداعي لعدم تحققه.

فاتضح مما ذكرنا : ان قولهم ان الايجاب والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، ليس معناه ان من رفع قدرته واختياره باختياره يجوز خطابه وتكليفه بالفعل وان كان لا اختيار له بالفعل ومضطرا لأن الفعل ذلك الفعل ، بل مرادهم ان كون الفعل

١٦٦

فانقدح بذلك فساد الاستدلال لهذا القول : بأن الأمر بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ولا موجب للتقييد عقلا ، لعدم استحالة كون الخروج واجبا وحراما باعتبارين مختلفين ، إذ منشأ الاستحالة إما لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم ، مع تعدد الجهة ، وإما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسببا عن سوء الاختيار (١) ، وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو كانا

______________________________________________________

واجبا أو ممتنعا باختياره لا ينافي كون ذلك الفعل اختياريا وان الاختيار من شرائط التكاليف.

(١) استدل القائل بالقول الرابع ـ وهو كون الخروج منهيا عنه ومأمورا به ـ ان دليل الغصب المنطبق على الخروج لكونه تصرفا بغير اذن المالك ، ودليل المقدمية المنطبق عليه ايضا لكونه يتوقف عليه التخلص الواجب يجب اعمالهما ، ولا يمنع من اعمالهما معا لكونهما منطبقين على واحد لا مندوحة فيه ، لان المانع من ذلك اما اجتماع الضدين لتضاد الاحكام او التكليف بما لا يطاق لعدم المندوحة وكلاهما ليسا بمانعين.

اما اجتماع الحكمين في واحد فلا يمنع لانهما بعنوانين ، فان النهي بعنوان الغصب والأمر بعنوان المقدمية ، وتعدد العنوان كاشف عن تعدد المعنون ، فهذا الواحد اثنان عند التحقيق وليس بواحد.

واما التكليف بما لا يطاق فلا يمنع ايضا لان السبب في هذا التكليف الذي لا يطاق هو سوء اختيار المكلف ، وحيث كان اجتماعهما الموجب للتكليف بما لا يطاق في المقام هو سوء اختياره فلا تقع تبعة هذا الاجتماع على الشارع ، وانما تقع تبعته على المكلف لانه هو السبب وبسوء اختياره جمع بينهما ، ولذا لو كان الاضطرار لا بسوء الاختيار لما وقع الخروج الا مأمورا به فقط.

١٦٧

بعنوانين ، وأن اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدد الجهة ، مع عدم تعددها هاهنا ، والتكليف بما لا يطاق محال على كل حال. نعم لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف بالتحريم أو الإيجاب (١).

______________________________________________________

فدليل الغصب ودليل المقدمية دليلان وكل دليلين وردا من الشارع يجب العمل بهما معا ، إلّا ان يمنع من العمل بهما مانع يوجب تقييد احدهما بالآخر ، وقد عرفت انه لا مانع من العمل بهما معا فيقع الخروج مأمورا به ومنهيا عنه.

(١) هذا هو وجه فساد هذا الاستدلال وقد مر تفصيله ، فاشار إلى ذلك اجمالا وقد اشار اولا إلى ان هذين الدليلين يجب تقييدهما ولا يجوز اعمالهما معا حتى لو قلنا بجواز الاجتماع ، لأن المورد لا مندوحة فيه بقوله : ((لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو كان بعنوانين)) لعدم المندوحة ، واشار الى وجه فساده.

وثانيا لان البرهان قد قام على الامتناع وان تعدد العنوان غير كاشف عن تعدد المعنون وان الواحد بعنوانين كالواحد بعنوان واحد ، مضافا الى ان الغصب والمقدمية لم يجتمعا في الخروج بعنوانين ، بل بعنوان واحد لان الحيثية فيها تعليلية لا تقييدية بقوله : ((وان اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدد الجهة)) والى الاضافة بقوله : ((مع عدم تعددها هاهنا)).

وقد اشار ثالثا الى ان سوء الاختيار لا يمنع عن قبح التكليف والخطاب بما لا يطاق ، ولا بد من سقوط التكليف عند الاضطرار سواء كان بسوء الاختيار او لا بسوء الاختيار.

وانما الفرق بينهما في صحة العقاب لا في صحة الخطاب ، فانه مع الاضطرار بسوء الاختيار يصح العقاب وان سقط الخطاب بالتكليف عند الاضطرار ، واذا كان الاضطرار لا بسوء الاختيار يسقط الخطاب ويسقط العقاب معا بقوله : ((والتكليف بما لا يطاق محال على كل حال نعم لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف)) : أي مع الاضطرار بسوء الاختيار لا يصاحب سقوط التكليف سقوط

١٦٨

ثم لا يخفى أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة ، على القول بالاجتماع. وأما على القول بالامتناع ، فكذلك مع الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج ، على القول بكونه مأمورا به بدون إجراء حكم المعصية عليه ، أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت (١).

______________________________________________________

العقاب ، فان المضطر الى ترك الواجب او فعل الحرام بسوء اختياره يسقط خطابه ولا يسقط العقاب عنه.

(١) لا يخفى انه كان الكلام في الخروج من حيث كونه منهيا عنه للغصب او مأمورا به لانه مقدمة للتخلص الواجب.

وفي قوله : ثم لا يخفى يريد ان يستعرض حكم الصلاة الواقعة في حال الخروج.

وحاصله : انه بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي بعنوانين لا مانع من صحة الصلاة في حال الخروج ، لانه اذا كانت الصلاة الواقعة في حال الدخول والبقاء صحيحة بناء على جواز الاجتماع فلا يعقل ان يكون الخروج اشد منهما ان لم يكن اخف حالا منها ، لوجود ملاك المقدمية فيه ولو للملازم للواجب ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا اشكال في صحة الصلاة مطلقا)) : أي دخولا وبقاء وخروجا سواء كان بسوء الاختيار او لا بسوء الاختيار.

واما بناء على الامتناع ، فان كان كونه في الدار المغصوبة وقع منه بالاضطرار بان قسر على ذلك فلا اشكال في صحة صلاته دخولا وبقاء وخروجا لان المانع من صحة الصلاة هو النهي ، ومع الاضطرار لا بسوء الاختيار يسقط النهي ولا يكون التصرف في ملك الغير بغير إذنه مبغوضا من المكلف ، حيث كان تصرفه لا بسوء اختياره بل بالقسر والاضطرار ، واذا لم يكن الكون في الدار مبغوضا فلا مانع من تأثير ملاك الأمر بالصلاة في تلك الحال لما مر مفصلا ان المتزاحمين اذا سقط احدهما عن التأثير لا مانع من تأثير الآخر ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((واما على القول بالامتناع

١٦٩

أما الصلاة في سعة الوقت فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه فإن الصلاة في الدار المغصوبة وإن كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة ، إلا أنه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها تضادها ، بناء على أنه لا يبقي مجال مع إحداهما للاخرى ، مع كونها أهم منها ، لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب ، لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه ،

______________________________________________________

فكذلك)) : أي تصح مطلقا دخولا وبقاء وخروجا ((مع الاضطرار الى الغصب لا بسوء الاختيار)) واما بناء على الامتناع وقد دخل الدار بسوء اختياره ، فلا اشكال في عدم صحة الصلاة في حال الدخول والبقاء لمبغوضية الدخول والبقاء ، والمبغوض لا يصلح ان يكون مقربا وقد مر تفصيل ذلك فيما تقدم.

واما الصلاة الواقعة في حال الخروج فبناء على كون الخروج ـ وان كان الدخول بسوء الاختيار ـ يقع مأمورا به ، لكونه مقدمة للتخلص او مصداقا له كما عن التقريرات ولا نهي فيه لا قبل الدخول ولا بعد الدخول ، فلا مانع من صحة الصلاة الواقعة فيه ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((أو معه)) : أي أو مع سوء الاختيار في التصرف بالدار المغصوبة دخولا ((ولكنها)) : أي ان الصلاة لم تقع في حال الدخول والبقاء ((ولكنها وقعت في حال الخروج)) فانها تقع صحيحة بناء ((على القول بكونه)) : أي الخروج ولو كان الدخول بسوء الاختيار يقع ((مأمورا به بدون اجراء حكم المعصية عليه)) ويمكن ايضا مع القول بالامتناع تقع الصلاة حال الخروج صحيحة اذا كان ملاك الأمر غالبا على ملاك النهي ، ولا اشكال في تحققه في ضيق الوقت ولذلك قام الاجماع على وقوع الصلاة صحيحة في حال الخروج عند ضيق الوقت عن ادائها الا في تلك الحال وان كان الدخول بسوء الاختيار ، والى هذا اشار بقوله : ((أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت)).

١٧٠

فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة ، وإن لم تكن مأمورا بها (١).

______________________________________________________

(١) أي الصلاة في حال الخروج في سعة الوقت ، وتقريب مرامه (قدس‌سره) : ان من قيام الاجماع على صحة الصلاة في ضيق الوقت في حال الخروج يستكشف منه ان ملاك الأمر الصلاتي في حال الخروج غالب على ملاك النهي الغصبي في حال الخروج ، ولا خصوصية لضيق الوقت ، بان نقول انه اذا كان النهي عن الخروج قبل الدخول متوجها في حال ما قبل الدخول ولذلك لا يمكن ان يكون مأمورا به لكونه مصداقا للتخلص او مقدمة له لمبغوضيته ، ولا فرق بين هذا الأمر والأمر الصلاتي في ضيق الوقت لان المبغوض لا يعقل ان يكون مقربا ، فقيام الاجتماع على الصحة في حال الخروج عند الضيق يكشف ان ملاك الأمر الصلاتي غالب على ملاك النهي الغصبي فيما اذا وقعت الصلاة في حال الخروج ، ولا خصوصية لضيق الوقت لان الخروج لو كان منهيا عنه قبل الدخول فلا يجعله ضيق الوقت مأمورا به ، اذ لا يعقل ان يختلف حال الخروج بالنهي عنه قبل الدخول والأمر به بعد الدخول ، لما عرفت من انه ما ليس له إلّا زمان واحد لا يعقل ان يكون منهيا عنه في وقت ومأمورا به في وقت آخر ، فلا بد وان لا يكون الخروج منهيا عنه قبل الدخول الكاشف عنه قيام الاجماع على صحة الصلاة عند ضيق الوقت ، وبعد انكشاف غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي فلا مانع من القول بصحة الصلاة في حال سعة الوقت ايضا وما يتوهم ان يكون مانعا هو ان يقال : بان الصلاة لاتحادها مع الغصب فهي مبتلية بالحزازة والمنقصة والصلاة في خارج الدار المغصوبة غير مبتلية بهذه المنقصة.

ولا اشكال ان الصلاة المبتلية بالمنقصة غير الصلاة غير المبتلية بالمنقصة ، ومع استيفاء الصلاة المبتلية بالحزازة الغصبية لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة الصلاتية غير المبتلية بالغصب ، فيقع التضاد بين الفرد الصلاتي الواقع في الغصب والفرد الصلاتي غير الواقع مع الغصب.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا شبهة ايضا ان الفرد غير المبتلى بالغصب اهم من الفرد المبتلى بالحزازة الغصبية فيتوجه الأمر الى الاهم ويختص به ، وحيث ان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص فالصلاة في حال الخروج في سعة الوقت تكون منهيا عنها ، ومع النهي عنها لا يعقل ان تكون مقربة واذا لم تصلح للمقربية لا يعقل وقوعها صحيحة.

وقد عرفت ـ فيما مر ـ ان الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص ، فلا وجه لهذا المانع.

نعم هي لأجل ملازمتها لترك الاهم لا تكون مأمورا بها ولكنها باقية على ما هي عليه من الملاك والمحبوبية ، فتقع صحيحة بقصد ملاكها ومحبوبيتها كما مر ذلك مفصلا.

وحيث بنى المصنف على كاشفية الاجماع عن غلبة ملاك الأمر الصلاتي حال الخروج على ملاك الغصب وانه لا خصوصية لضيق الوقت في ذلك وكان هذا عنده (قدس‌سره) مفروغا عنه ـ جعل صحة الصلاة في حال الخروج في سعة الوقت وعدم صحتها مبنيا على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده واقتضائه للنهي عنه ، فلذا قال (قدس‌سره) : ((اما الصلاة فيها)) : أي في حال الخروج ((في سعة الوقت فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه)) وقد اشار الى استكشاف ان المصلحة الصلاتية غالبة على المفسدة الغصبية بقوله : ((فان الصلاة في الدار المغصوبة)) في حال الخروج ((وان كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة)).

وقد اشار الى وقوع التضاد بين الفرد الصلاتي المبتلى بالغصب والفرد الصلاتي غير المبتلى بالغصب ، لانه مع استيفاء الفرد المبتلى بالغصب لا يبقى محال لاستيفاء الفرد غير المبتلى بالغصب ، ووضوح ان الفرد غير المبتلى بالغصب اهم من الفرد المبتلي بالغصب بقوله : ((إلّا انه لا شبهة في ان الصلاة في غيرها تضادها بناء على انه

١٧٢

الأمر الثاني : قد مر في بعض المقدمات أنه لا تعارض بين مثل خطاب ((صل)) وخطاب ((لا تغصب)) على الامتناع ، تعارض الدليلين (١) بما

______________________________________________________

لا يبقى مجال مع احدهما للأخرى مع كونها اهم منها لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب)).

وقد اشار الى انه مع القول بعدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده لا بد من القول بصحة الصلاة حال الخروج في سعة الوقت ايضا ، ولكنها لا بقصد امرها بل بقصد ملاكها ومحبوبيتها بقوله : ((لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه فالصلاة في سعة الوقت صحيحة وان لم تكن مأمورا بها)).

هذا غاية ما يمكن في تقريب مختار المصنف في صحة الصلاة في حال الخروج في سعة الوقت ايضا ، ولكنه يمكن ان يقال ان الاجماع على الصحة في حال الضيق لا يكشف عن غلبة ملاك الأمر الصلاتي على ملاك الغصب مطلقا ولو في حال السعة ، بل ما يستكشف منه هو كون مصلحة الصلاة مقدمة على مفسدة الغصب حيث تفوت الصلاة رأسا ، وانما تفوت الصلاة رأسا في ضيق الوقت لا في السعة.

نعم لازم ذلك انه عند الضيق يسقط النهي عن الخروج قبل الدخول فلا يكون الخروج قبل الدخول منهيا عنه قبل الدخول عند ضيق الوقت ، هذا مضافا الى ان الصلاة اذا كانت مصلحتها غالبة على مفسدة الخروج لا يكون الفرد المبتلى بالغصب ضدا للفرد غير المبتلى بالغصب ، لانه مع غلبة المصلحة الصلاتية على مفسدة الغصب لا تكون المصلحة الصلاتية ذا حزازة ومنقصة والله العالم.

(١) لا يخفى ان هذا يشتمل على مطالب ثلاثة :

الأول : ان مسألة باب الاجتماع ابتداء من باب التزاحم لا من باب التعارض وبيان الفرق بين البابين وقد مر هذا مفصلا في الأمر التاسع من الأمور التي ذكرها مقدمة للدخول في مسألة باب الاجتماع ، ويتكفل بيان هذا المطلب هنا قوله : ((قد مر في بعض المقدمات)) الى حد قوله ((لا يخفى ان ترجيح)).

١٧٣

هما دليلان حاكيان ، كي يقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا ، بل إنما هو من باب تزاحم المؤثرين والمقتضيين ، فيقدم الغالب منهما وإن كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل مقتضاه. هذا فيما إذا احرز الغالب منهما ، وإلا كان بين الخطابين تعارض فيقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا وبطريق الإن يحرز به أن مدلوله أقوى مقتضيا. هذا لو كان كل من الخطابين متكفلا لحكم فعلي ، وإلا فلا بد من الأخذ بالمتكفل لذلك منهما لو كان ، وإلا فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الاصول العملية (١).

______________________________________________________

والثاني : من المطالب بيان ان تخصيص الاضعف بالاقوى في باب التزاحم لا يوجب رفع اليد عن الاضعف رأسا ، كما هو كذلك في باب التعارض فانه يوجب سقوط المرجوح رأسا.

نعم في باب التزاحم يتقدم الاقوى ولكن اذا حصل ما يمنع عن العمل به كعذر النسيان والجهل لا مانع من العمل بالاضعف ويؤثر كما لو كان هذا الاضعف لا مزاحم له ، ويتكفل هذا المطلب الثاني قوله : ((ثم لا يخفى)) الى قوله ((وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها)) وقد مر ايضا مفصلا في الأمر العاشر.

والمطلب الثالث : ذكر الوجوه النوعية التي ذكروها لترجيح مقتضي النهي على مقتضي الأمر في هذه المسألة ، يستعرضها بقوله ((منها)).

فكان ينبغي التعرض في هذا الأمر للمطلب الثالث فقط لبناء هذا الكتاب على الاختصار. وعلى كل فلا بد لشرح بعض عباراته لمزيد الايضاح.

(١) لا يخفى ان القدر المشترك بين باب التعارض وباب التزاحم هو عدم امكان اجتماع الحكمين الفعليين فيهما.

ويفترق باب التعارض عن باب التزاحم :

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اولا : بعدم احراز المقتضي للحكمين في باب التعارض سواء احرز كذب احدهما ام لم يحرز ، وباحراز المقتضي لكل من الحكمين في باب التزاحم.

ويتفرع على هذا ان التصادم في باب التزاحم يقع بين مقتضى الحكمين لغرض احرازهما في هذا الباب ، فالتعارض في الحقيقة بينهما يبتدئ في المقتضيين لا في دليلي الحكمين بما هما دالان على الحكمين المتنافيين ، والتصادم في باب التعارض يقع بين دليلي الحكمين ابتداء لعدم احراز المقتضيين في باب التعارض فتعارض باب التزاحم تعارض المقتضيين ، وتعارض باب التعارض تعارض الدليلين الحاكيين عن الحكمين بما هما دليلان حاكيان عن حكمين متنافيين ، فتعارض باب التزاحم ليس كتعارض باب التعارض ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((انه لا تعارض بين مثل خطاب صل وخطاب لا تغصب على الامتناع)) لوضوح انه على الجواز لا تعارض بينهما اصلا ، لانه انما يحصل التعارض بين المقتضيين حيث يتزاحمان ، وعلى الجواز لا تزاحم بينهما ولا مانع من تأثير كل منها ، ولكن بناء على الامتناع لا يكون التعارض بين المقتضيين المتزاحمين ك ((تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان)).

ويفترق ثانيا باب التعارض عن باب التزاحم بان غلبة احد الدليلين على الآخر في باب التعارض باقوائية الدلالة والسند لانه مورد التعارض بينهما ، وفي باب التزاحم باقوائية المقتضى فيقدم الاقوى مقتضيا وان كان اضعف دلالة أو سندا ولا ينظر إلى الدلالة والسند اولا.

نعم لو تساويا في ناحية المقتضي بحسب ما يدركه العقل او العرف او لم يهتد العقل او العرف الى معرفة ما هو الاقوى منهما فحينئذ ينظر الى الدلالة والسند ، ويكون قوة الدلالة او السند في احدهما كاشفا إنيا عن قوة المقتضي في احدهما وإلّا فلما ذا صار الشارع بصدد ان يجعل الحكم في احدهما اظهر من الآخر دلالة او يجعله في سند اقوى من الآخر ، فيحرز بطريق الإن المدلول الاقوى مقتضيا من مقتضى المدلول الآخر هذا حيث يكون المتزاحمان متكفلين للحكمين الفعليين.

١٧٥

ثم لا يخفى أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأسا كما هو قضية التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين ، بل قضيته ليس إلا خروجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر فعليا ، وذلك لثبوت المقتضي في كل واحد من الحكمين فيها. فإذا لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثرا لها لاضطرار أو جهل أو نسيان كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثرا لها فعلا ، كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى ، أو لم يكن واحد من الدليلين دالا على الفعلية أصلا.

فانقدح بذلك فساد الإشكال في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما فيما إذا قدم خطاب ((لا تغصب)) ، كما هو الحال فيما

______________________________________________________

واما اذا كان احدهما متكفلا للحكم الفعلي والآخر متكفلا للحكم الاقتضائي ، فيؤخذ بالحكم الفعلي دون الحكم الاقتضائي.

واما اذا تساويا في قوة المقتضي في كليهما او لم يحرز الاقوى منهما وتساويا في الدلالة والسند فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية.

والى ما قلنا اشار بقوله : ((كي يقدم الاقوى منهما دلالة او سندا)) كما هو القاعدة في باب التعارض ((بل انما هو من باب تزاحم المؤثرين)) لان مبدأ التعارض ـ اولا ـ في المتزاحمين هو التزاحم بين المقتضيين المؤثرين.

قوله : ((وان كان الدليل على مقتضى الآخر اقوى)) دلالة أو سندا ((من دليل مقتضاه)) : أي من دليل مقتضى الآخر.

قوله : ((وإلّا كان بين الخطابين تعارض)) : أي بعد ان يتساويا في المقتضي او لم يحرز ما هو الاقوى مقتضيا يعامل معهما ـ ثانيا ـ معاملة باب التعارض في الاخذ باقواهما دلالة او سندا.

قوله : ((وإلّا فلا محيص)) : أي وان لم يحرز الغالب منهما في قوة مقتضيه.

١٧٦

إذا كان الخطابان من أول الأمر متعارضين ، ولم يكونا من باب الاجتماع أصلا ، وذلك لثبوت المقتضي في هذا الباب ، كما إذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا متكفلين للحكم الفعلي. فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا ، المختص بما إذا لم يمنع عن تأثيره مانع المقتضي ، لصحة مورد الاجتماع مع الأمر ، أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له أو عن فعليته ، كما مر تفصيله.

وكيف كان ، فلا بد في ترجيح أحد الحكمين من مرجح ، وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها (١):

______________________________________________________

(١) هذا هو المطلب الثاني في هذا الامر ، وهو ان الترجيح في باب التزاحم لاحد الحكمين على الآخر لقوة مقتضية لا يوجب رفع اليد رأسا عن مقتضى الحكم الآخر وتأثيره ، فيما اذا لم يؤثر مقتضى الحكم الاقوى لعذر من جهل او نسيان ، بخلاف الترجيح في باب التعارض ، فانه مع ترجيح احد المتعارضين على الآخر وتخصيص الاضعف بالاقوى يسقط الاضعف رأسا ولا يرجع حيا في مورد الجهل او النسيان ، مثلا المتزاحمان كالغصب والصلاة يؤثر مقتضى الصلاة فيما لو نسى المكلف او جهل بالغصبية ، والمتعارضان كالظهر والجمعة لا يؤثر مقتضى الجمعة لو نسي المكلف او جهل وأتى بالجمعة فيما اذا رجحنا أدلة الظهر على الجمعة ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((ان ترجيح احد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة)) أي في باب التزاحم ((لا يوجب خروج مورد الاجتماع ... الى آخر الجملة)).

قوله : ((في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضى)) : أي في غير مسألة باب التزاحم وهو باب التعارض الذي لم يحرز فيه المقتضى لكل واحد من الحكمين.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله : ((بل قضيته ليس إلّا خروجه)) : أي بل قضية باب التزاحم ليس إلّا خروج المرجوح فيما اذا كان الحكم الآخر الراجح فعليا منجزا ، واذا لم يكن الحكم الراجح فعليا لعذر فلا مانع من تأثير مقتضى الحكم المرجوح.

قوله : ((كما اذا لم يكن دليل الحرمة اقوى)) : أي فيما اذا حصل العذر عن فعلية دليل الحرمة الذي هو الاقوى يكون حال هذا الدليل الاقوى حاله فيما اذا كان هو الاضعف وكان دليل الصلاة اقوى او حاله فيما اذا كانا متساويين وحصل المانع عن فعلية تأثير مقتضى الحرمة او حاله فيما اذا كان حكم دليل الحرمة اقتضائيا وحكم دليل الصلاة فعليا.

قوله : ((كما هو الحال فيما اذا كان الخطابان من اول الأمر متعارضين ولم يكونا من باب الاجتماع)) كما في الظهر والجمعة مثلا ، فانه مع ترجيح احدهما يسقط الآخر ولا يؤثر في مورد العذر من الجهل أو النسيان ، بخلاف الغصب والصلاة مثلا.

قوله : ((وذلك لثبوت المقتضى في هذا الباب)) : أي السبب في هذا الفرق بين باب التزاحم وباب التعارض هو ثبوت المقتضى لكل من الحكمين في هذا الباب الذي هو باب التزاحم دون باب التعارض فانه فيما اذا لم يحرز المقتضى لكل من الحكمين سواء احرز كذب احدهما او لم يحرز.

قوله : ((كما اذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا متكفلين للحكم الفعلي)) : أي ان هذا المقتضى المغلوب في باب التزاحم فيما اذا حصل مانع عن فعلية المقتضى الغالب في مقام التأثير يكون هذا المغلوب مؤثرا ، كما اذا لم يزاحمه المقتضى الاقوى منه او كان المقتضى الاقوى متكفلا لحكم اقتضائي.

قوله : ((مع الأمر او بدونه)) قد مر وجوه في الأمر العاشر لتصحيح قصد الأمر في مورد الاجتماع للمقتضى الاضعف فيما اذا حصل من تأثير الاقوى ، بعضها لقصد الأمر واتيانه بقصد امتثال امره ، وبعضها لاتيانه بقصد الملاك والمحبوبية فراجع.

١٧٨

منها : إنه أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد ، بخلاف الأمر (١).

وقد اورد عليه بأن ذلك فيه من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة ، كدلالة الأمر على الاجتزاء بأي فرد كان (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان هذا المرجح من المرجحات الدلالية ، وهي انما تكون فيما لم يحرز قوة المقتضي.

وعلى كل فحاصل هذا المرجح : ان النهي المتعلق بعنوان اذا اجتمع مع العنوان المتعلق به الأمر في مورد واحد ـ بناء على الامتناع ـ فالنهي يترجح على الأمر ، لأن النهي المتعلق بالماهية لا بشرط يدل على استيعاب النهي لجميع افراد هذه الماهية ، بخلاف الأمر المتعلق بالماهية لا بشرط فانه يكتفى في امتثاله بفرد من افراد الماهية ، فالنهي يدل على انتفاء جميع افراد ماهية المتعلق ، ولا دلالة للأمر كذلك ، وانما لازم الامر الاكتفاء بفرد من افرادها.

وبعبارة اخرى : ان النهي يدل على ان امتثاله يتوقف على ترك جميع الافراد وكل فرد لا يخلو عن مخالفة لو عصى النهي ، بخلاف الأمر فانه حيث يدل على ان امتثاله يكون بفرد من افراد الطبيعة ، فلو ترك هذا الفرد المجتمع مع النهي لا يكون فيه مخالفة للأمر ، فلذلك يكون النهي الدال على الاستيعاب وانتفاء جميع الافراد اقوى من الأمر الدال على ان امتثاله واطاعته لا يتوقف على جميع الافراد بل يحصل بفرد من افراده ، وليكن ذلك الفرد غير المجتمع مع النهي ، فلذلك كان النهي اقوى من الأمر ، وهذا مراده من قوله : ((انه اقوى)) أي النهي اقوى ((دلالة لاستلزامه انتفاء جميع الافراد بخلاف الأمر)).

(٢) حاصل هذا الايراد على هذا المرجح هو ان المرجح الدلالي انما يكون مرجحا لما دل عليه حيث تكون دلالته دلالة لفظية ، اما اذا كانت دلالته بواسطة الاطلاق ومقدمات الحكمة فلا يكون مرجحا.

١٧٩

وقد أورد عليه بأنه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإطلاق بمقدمات الحكمة وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام ، لكان استعمال مثل ((لا تغصب)) في بعض أفراد الغصب حقيقة. وهذا واضح الفساد ، فتكون دلالته على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي ، يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع الأفراد ، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها ، إلا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه (١).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان الدال على الاستيعاب لو كان هو لفظ النهي المتعلق بالماهية لا بشرط لكان مرجحا للنهي على الأمر ، لان الأمر لا يدل إلّا على طلب متعلق بالماهية لا بشرط ، إلّا ان الدال على الاستيعاب في النهي هو الاطلاق فان النهي مثل الأمر في الدلالة المستفادة من اللفظ ، لان النهي يدل على طلب ترك الطبيعة والأمر يدل على طلب وجودها ، ومقدمات الحكمة تقتضي في النهي حيث انه تعلق بالماهية انتفاء جميع افرادها كما انها تقتضي في الأمر الاجزاء باي فرد من افراد هذه الماهية ، واذا كانت الدلالة على الاستيعاب في النهي وعلى الاجتزاء بفرد من الافراد في الأمر بمقدمات الحكمة لا تكون مرتبطة بالدلالة اللفظية فلا يكون النهي في مقام الدلالة اقوى من الأمر ، وهذا مراده من قوله : ((بان ذلك فيه)) : أي ان الاستيعاب في النهي ((من جهة اطلاق متعلقه)) وان الطبيعة المتعلقة انما تنتفي بانتفاء جميع الافراد انما هو ((بقرينة الحكمة)) وحاله في مقام افاده الاستيعاب كحال الأمر فدلالته ((كدلالة الأمر على الاجتزاء باي فرد كان)) فانها ايضا بمقدمات الحكمة.

(١) هذا ايراد على هذا الجواب وحاصله :

ان الاستيعاب المستفاد من النهي ليس بمقدمات الحكمة ، بل بدلالة اللفظ عليه دلالة التزامية ، ويشتمل هذا الايراد على نقض وحل.

اما النقض ، فهو ان الفرق بين الدلالة بمقدمات الحكمة والدلالة اللفظية : ان الاستيعاب اذا كان مستفادا من مقدمات الحكمة فحيث ان اللفظ لم يدل عليه فلو

١٨٠