بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الدخول لا يكون شأنيا ايضا لانه ما لا فعلية له لا شأنية له ، فان النهي انما هو بداعي جعل الداعي ، فاذا كان متعلقه في حال الابتلاء به يكون واجبا ففي حال عدم الابتلاء به لا معنى لفعلية النهي عنه ، فلا يكون النهي عنه شأنيا لان النهي الشأني الاقتضائي انما يكون حيث يمكن ان يبلغ درجة الفعلية ويكون فعليا في وقت من الاوقات ، وهذا النهي لا يكون فعليا اصلا لما عرفت انه لا معنى لفعليته قبل الابتلاء به وهو زمان قبل الدخول ، وبعد الابتلاء به يكون الخروج مأمورا به لا منهيا عنه ، فلا يكون الخروج بمنهي عنه اصلا لا شأنا ولا فعلا في حال من الاحوال ، وحال التصرف الخروجي الغصبي حال شرب الخمر الذي يعالج به الداء المهلك المتوقف مباشرته عليه.

فان شرب الخمر على نحوين : شرب لا يكون به دفع المهلكة ، وشرب يعالج به المهلكة وتدفع به.

والاول منهي عنه بالنهي الفعلي بلا اشكال.

واما الثاني وهو الشرب الذي يعالج به المهلكة فلا معنى للنهي عنه بعنوان انه يعالج به المهلكة قبل الابتلاء بالمهلكة ، لان النهي عنه بهذا العنوان قبل الابتلاء بالمهلكة قبيح لانه نهي من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وبعد الابتلاء بالمهلكة يكون واجبا لتوقف دفع المهلكة عليه ، وان ترك شرب الخمر قبل الابتلاء بالمهلكة يصدق عليه انه ترك شرب الخمر ولا يصدق عليه انه ترك شرب الخمر في المهلكة حتى يصح الخطاب به بهذا العنوان قبل الابتلاء بالمهلكة ، وانما يصدق انه لم يقع في المهلكة لا انه ترك شرب الخمر في المهلكة والخروج مثله فانه قبل الدخول انما يصدق انه ترك الدخول ولا يصدق انه ترك الخروج حتى يصح الخطاب به قبل الدخول ، وبعد الدخول يكون واجبا لتوقف التخلص عن الحرام عليه لانه مقدمة له ، او لانه بنفسه مصداق للتخلص ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وبالجملة لا يكون الخروج بملاحظة كونه مصداقا للتخلص عن الحرام او سببا الا مطلوبا ... الى آخر الجملة)).

١٤١

قلت : هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلّص مأمورا به ـ وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة ((أعلى الله مقامه)) ، على ما في تقريرات بعض الأجلّة ـ لكنّه لا يخفى أنّ ما به التخلّص عن فعل الحرام أو ترك الواجب إنّما يكون حسنا عقلا ومطلوبا شرعا بالفعل ـ وإن كان قبيحا ذاتا ـ إذا لم يتمكّن المكلّف من التخلّص بدونه ، ولم يقع بسوء اختياره ، إمّا في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل الحرام ، وإمّا في الإقدام على ما هو قبيح وحرام ، لو لا أنّ به التخلّص بلا كلام كما هو المفروض في المقام ، ضرورة تمكّنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان مبنى هذا الوجه الثاني على امرين :

الاول : ان التخلص عن ترك البقاء الزائد الذي هو اهم من الخروج اما يتوقف على الخروج او ان مصداق التخلص هو الخروج بنفسه.

والثاني : ان الخروج قبل الدخول ليس بمنهي عنه لأن النهي عنه لا يكون إلّا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ولا يصح توجه النهي بنحو السالبة بانتفاء الموضوع وبعد الدخول يكون الخروج واجبا ومأمورا به ، فمتى يكون الخروج محرما منهيا عنه؟ بل هو غير منهي عنه في أي حال من الاحوال.

والجواب عن الاول : ان التخلص عن فعل الحرام كالتخلص عن البقاء المحرم او التخلص عن ترك الواجب كالتخلص عن ترك الحج الواجب ـ انما يكون صحيحا بارتكاب المحرم الذي يتوقف عليه التخلص بشرطين :

الاول : ان لا يتمكن من التخلص بدون ارتكاب المحرم أي بان ينحصر التخلص بارتكابه.

الثاني : ان لا يكون بسوء اختياره قد اوقع نفسه في الاضطرار الى ارتكاب ذلك المحرم.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد اشار الى هذين الشرطين بقوله : ((اذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ولم يقع بسوء اختياره)).

واما اذا كان التخلص عن فعل الحرام او ترك الواجب غير منحصر في الفرد المحرم ، فارتكاب الفرد المحرم لا يوجب سقوط حرمته لانه احد الفردين للتخلص ، كمن كان عنده دابتان مغصوبة وحلال فان التخلص عن ترك الحج لا ينحصر بالفرد المغصوب مع وجود الدابة المحللة ، فاذا ركب الدابة المغصوبة فلا تسقط حرمتها بكونها وقعت مقدمة للحج وبها حصل التخلص عن ترك الحج الواجب.

ومثله التخلص عن ترك البقاء في الدار المغصوبة قبل الدخول ، فانه يتمكن من التخلص عن البقاء في الدار المغصوبة بترك الدخول ، والخروج وان كان يحصل به التخلص عن البقاء إلّا انه قبل الدخول لا ينحصر التخلص به لامكان ترك البقاء بترك الدخول.

وكذلك اذا كان التخلص منحصرا في الفرد المحرم إلّا انه كان الانحصار في الفرد المحرم بسوء اختيار المكلف ، فانه ايضا يقع منه مبغوضا ومعاقبا عليه كمن أتلف الدابة المحللة او دخل في الدار المغصوبة ، فان فعل الحج في الاول ، والبقاء في المغصوب في الثاني ، وان انحصرا بركوب الدابة المغصوبة وبالخروج والتصرف في الدار المغصوبة في حال الخروج إلّا ان هذا الانحصار وقع بسوء اختياره.

نعم لو انحصر التخلص عن فعل الحرام ـ مثلا ـ بالفرد المحرم ولم يكن الانحصار بسوء اختياره ، كما لو وقع في الدار المغصوبة من غير اختياره ، أو ادخله احد في الدار المغصوبة قسرا عليه ، يكون حينئذ الخروج الذي ينحصر به التخلص عن ترك البقاء مباحا وغير معاقب عليه وتصح الصلاة منه اذا وقعت في حال الخروج ، اما لو دخل باختياره للدخول فان الخروج وان انحصر به التخلص إلّا انه يقع منه مبغوضا ومعاقبا عليه ، فلا تصح الصلاة منه لو وقعت في حال الخروج ، وحال هذا الخروج الواقع انحصار التخلص به بسوء اختياره حال نفس ارتكاب المحرم أو ترك الواجب

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اذا فعل المكلف بسوء اختياره ما يوجب ارتكابهما واقتحامهما ، كمن دخل دارا وعلم بانه متى دخل يكتّف ويفتح فمه ويدخلون الخمر في حلقه بحيث يشربها قسرا عليه ، او انه اذا دخل يكتفونه بحيث لا يستطيع ان يصلي ، فان شربه للخمر وتركه للصلاة وان كان قسرا عليه إلّا انه يقع منه مبغوضا ومعاقبا عليه ، لانه علم انه متى دخل يحصل منه المبغوض ودخوله كان بسوء اختياره ولا يرفع المبغوضيّة والعقاب عنه كونه فعل المحرم أو ترك الواجب مضطرا اليه ومقهورا عليه ، والى هذا اشار المصنف بقوله : ((ولم يقع بسوء اختياره اما في الاقتحام في ترك الواجب او فعل الحرام)).

وقد اشار الى ان المحرم الذي ينحصر التخلص عن فعل المحرم الاهم به بسوء الاختيار مثل الاول في وقوعه مبغوضا ومعاقبا عليه ، كالخروج الذي يتوقف التخلص عن البقاء المحرم عليه اذا فعل الدخول بسوء اختياره بقوله : ((واما في الاقدام بما هو قبيح وحرام لو لا به التخلص بلا كلام)) فان الخروج لا شبهة في كونه تصرفا في المغصوب وهو محرم قطعا.

لو فرضنا انه لا يتوقف عليه التخلص عن البقاء ولما انحصر به التخلص توهم ان هذا الانحصار يوجب وقوعه غير معاقب عليه لكونه اما مقدمة للتخلص او لكونه مصداقا له ، وقد عرفت انه اذا كان التخلص منحصرا به ولكنه كان الانحصار به بسوء اختياره حاله حال الذي يجبر على شرب الخمر بعد علمه بانه متى دخل يحصل له باختياره شرب الخمر بالقسر من غير فرق اصلا ، لانه قد اوقع نفسه بسوء اختياره بما اوجب انحصار التخلص عن البقاء في الدار المغصوبة بالخروج منها ، ولو لم يدخل لتمكن من التخلص عن البقاء في الدار المغصوبة بترك الدخول ولا يكون تخلصه عن البقاء منحصرا في الخروج ولذا قال (قدس‌سره) : ((كما هو المفروض في المقام ضرورة تمكنه منه)) : أي تمكنه من التخلص عن البقاء بترك الدخول ((قبل اقتحامه فيه)) : أي في الدخول ((بسوء اختياره)).

١٤٤

وبالجملة كان قبل ذلك متمكّنا من التصرّف خروجا ، كما يتمكّن منه دخولا ، غاية الأمر يتمكّن منه بلا واسطة ومنه بالواسطة ، ومجرّد عدم التمكّن منه إلّا بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدورا (١) ، كما هو الحال في

______________________________________________________

(١) هذا شروع في الجواب عن الأمر الثاني وهو كون الخروج ليس بمنهي عنه قبل الدخول.

وتوضيحه : ان المدار والمناط في كون النهي بنحو السالبة بانتفاء الموضوع وانه خارج عن محل الابتلاء هو صدق كونه قادرا على الترك او ليس بقادر ، فان كان يصدق عليه انه قادر لا يكون النهي عنه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع سواء كان قادرا على الترك بلا واسطة او مع الواسطة ، واذا لم يصدق عليه انه قادر على الترك يكون النهي عنه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، مثل النهي عن شرب الخمر الذي في الصين ـ مثلا ـ بالنسبة إلى من في العراق ، فانه يصدق على من في العراق انه فعلا غير قادر على شرب الخمر في الصين ، فيكون توجه النهي والزجر عن شرب الخمر التي في الصين بالنسبة إلى من في العراق قبيحا لانه من السالبة بانتفاء الموضوع ، لانه خارج عن محل الابتلاء ولا قدرة له على شربه حتى يصح الخطاب بالنهي والزجر عنه.

واما المقدور عليه بالواسطة فعلا فليس بخارج عن محل الابتلاء ولا يكون توجه النهي اليه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع لمجرد كونه مقدورا بالواسطة ، والخروج قبل الدخول كذلك فانه قبل الدخول مقدور عليه فعلا بواسطة الدخول فلا يكون توجه النهي عن الخروج قبل الدخول من الخارج عن محل الابتلاء وان النهي عنه من السالبة بانتفاء الموضوع ، وحاله حال الخمر الموجودة في السوق بالنسبة الى من هو فعلا في بيته فانه في حال كونه في بيته لا يتمكن من شرب الخمر التي في السوق ، ولكنه يتمكن من شربها بطي المسافة من البيت إلى السوق ويصدق عليه انه قادر عليها فعلا وليست خارجة عن محل الابتلاء.

١٤٥

البقاء ، فكما يكون تركه مطلوبا في جميع الأوقات ، فكذلك الخروج ، مع أنّه مثله في الفرعيّة على الدخول ، فكما لا تكون الفرعيّة مانعة عن مطلوبيّته قبله وبعده ، كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيّته ، وإن كان العقل يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقلّ المحذورين وأخفّ القبيحين (١).

______________________________________________________

ومن الواضح ان من كان في خارج الدار يتمكن فعلا من التصرف الخروجي بان يدخل الدار ، فهو قادر على الخروج فعلا لكنه بالواسطة لا كمثل الدخول لأنه قادر عليه بلا واسطة ، والمقدور بالواسطة كالمقدور بلا واسطة في صحة توجه النهي والعقاب على الفعل المنهي عنه ، وهذا هو مراد المصنف من قوله : ((كان قبل ذلك)) : أي قبل الدخول ((متمكنا من التصرف خروجا كما يتمكن منه)) : أي من التصرف ((دخولا)) : أي انه قبل الدخول كما يصدق عليه انه قادر على ترك الدخول كذلك يصدق عليه انه قادر على ترك الخروج.

ثم اشار الى ان الفرق بينهما هو كون القدرة على ترك الدخول بلا واسطة وعلى ترك الخروج مع الواسطة بقوله : ((غاية الأمر يتمكن منه)) : أي من ترك الدخول ((بلا واسطة ومنه)) : أي ومن ترك الخروج ((بالواسطة)).

ثم اشار الى ان مجرد كون احدهما بلا واسطة والآخر مع الواسطة لا يوجب تفاوتا في صدق القدرة عليهما ، وكون المقدور مع الواسطة خارجا عن محل الابتلاء والنهي عنه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع بقوله : ((ومجرد عدم التمكن منه)) : أي من الخروج ((الا بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدورا)).

(١) لا يخفى ان ما مر من المصنف كان جوابا حليا ، وقد شرع في الجواب نقضا وقد نقض عليه بنقضين :

الاول : ما اشار اليه بقوله كما هو الحال في البقاء ، وحاصله :

انه قد اعترف في التقريرات ان البقاء في الدار المغصوبة منهي عنه قبل الدخول في الدار المغصوبة ، مع ان البقاء مثل الخروج في كونه مقدورا عليه بالواسطة ، واذا كان

١٤٦

ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلّصا عن المهلكة ، وأنّه إنّما يكون مطلوبا على كلّ حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، وإلّا فهو على ما هو عليه من الحرمة ، وإن كان العقل يلزمه إرشادا إلى ما هو أهمّ وأولى بالرعاية من تركه ، لكون الغرض فيه أعظم ، من ترك الاقتحام فيما يؤدّي إلى هلاك النفس ، أو شرب الخمر ، لئلا يقع في أشدّ

______________________________________________________

ترك الخروج لا يصدق قبل الدخول إلّا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع والذي يصدق لا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع هو ترك الدخول فترك البقاء قبل الدخول كذلك ، فان البقاء مثل الخروج في كونه متفرعا على الدخول وانه مقدور عليه بالواسطة ولذا قال : ((فكما يكون تركه)) : أي ترك البقاء ((مطلوبا في جميع الاوقات فكذلك الخروج مع انه مثله)) : أي ان الخروج مثل البقاء ((في الفرعية على الدخول فكما لا تكون الفرعية)) بالنسبة الى البقاء ((مانعة عن مطلوبيته)) : أي عن مطلوبية ترك البقاء ((قبله)) : أي قبل الدخول ((وبعده)) : أي وبعد الدخول.

وسيأتي منه أنه لا مانع من مطلوبية ترك البقاء بعد الدخول وان كان متوقفا على الخروج المحرم ولو قلنا بسقوط الخطاب ، ولكنا نقول ببقاء مبغوضيته والعقاب عليه.

وعلى كل فاذا كانت الفرعية غير مانعة عن طلب ترك البقاء ومبغوضية البقاء في جميع الاحوال ((كذلك لن تكن)) الفرعية ((مانعة عن مطلوبيته)) : أي عن مطلوبية ترك الخروج في جميع الاحوال ، غايته انه قبل الدخول خطابا وبعد الدخول مبغوضة عقابا.

نعم هنا شيء وهو انه حيث كان البقاء الزائد اشد حرمة من الخروج لقصر زمانه فالخروج يكون اقل محذورا من البقاء الزائد ، فالعقل يرشد ويحكم بلزوم فعل الخروج ارشادا الى اخف القبيحين واقل المحذورين ، والى هذا اشار بقوله : ((وان كان العقل يحكم بلزومه)) : أي بلزوم الخروج ((ارشادا الى اختيار اقل المحذورين واخف القبيحين)).

١٤٧

المحذورين منهما ، فيصدق أنّه تركهما ، ولو بتركه ما لو فعله لادّى لا محالة إلى أحدهما (١) ، كسائر الأفعال التوليديّة ، حيث يكون العمد

______________________________________________________

(١) حيث ذكر في التقريرات هذا المثال مستشهدا به لاستدلاله.

وحاصل استشهاده به ان شرب الخمر منهي عنه وشرب الخمر لمعالجة المهلكة قبل الوقوع في المهلكة لا نهي فيه لانه من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع وبعد الوقوع في المهلكة يكون واجبا.

والجواب عنه : ان شرب الخمر لدفع المهلكة والعلاج به على نحوين :

الاول : ان يكون وقوعه في المهلكة لا بسوء اختياره وشربه لدفع المهلكة التي تكون لا بسوء الاختيار وليس بمنهي عنه في حال من الأحوال.

الثاني : شرب الخمر لدفع المهلكة التي يكون الوقوع فيها بسوء اختياره ، بان علم انه ان اكل هذا الشيء مثلا يصبه داء يتوقف علاجه على شرب الخمر ، فأكل ذلك الشيء مع علمه بانه يتوقف النجاة من دائه على شرب الخمر ، فإن شرب مثل هذا الخمر التي يعالج بها الداء الذي يفعله بسوء اختياره منهي عنه قبل تناول ذلك الشيء الموجب له ، وليس النهي عنه قبل تناول ذلك الشيء من النهي بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.

وبعيد جدا ان يلتزم احد بعدم العقاب على شرب الخمر التي علم انه يضطر الى شربها عند ايقاعه نفسه باختياره فيما يتوقف معالجته على شربها ، لوضوح ان ترك شرب مثل هذه الخمر مقدور له بالقدرة على ترك ذلك الشيء ، والمقدور بالواسطة كالمقدور بلا واسطة في صحة العقاب عليه والمبغوضية له ، وليس هو من الخارج عن القدرة الذي يكون النهي عنه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع كشرب الخمر التي في الصين مثلا ، فان الملاك في السالبة بانتفاء الموضوع عدم كون المكلف قادرا على الفعل والترك بالفعل.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن الواضح ان المكلف قادر على شرب هذا الخمر التي يعالج بها الداء المنحصر علاجه بها بان يتناول ذلك الشيء المسبب للداء المتوقف على شربها ، وقادر على تركها بترك تناول ذلك الشيء ، واذا كان قادرا بالفعل على الفعل والترك صح تكليفه وتوجه الخطاب اليه بالفعل وليس خطابه من السالبة بانتفاء الموضوع.

نعم الواقع في المهلكة لا بسوء اختياره يجوز له شرب الخمر المنحصر دفع تلك المهلكة به ولكنه خارج عن الفرض ، وحال شرب الخمر التي يوقع نفسه باختياره في المهلكة المتوقف دفعها عليه حال الخروج للداخل الى الدار المغصوبة بسوء اختياره.

وقد عرفت ايضا ان العقل بعد الدخول يرشده الى ارتكاب الخروج لكونه اخف القبيحين ، وكذلك من أوقع نفسه بسوء اختياره في استعمال ما يتوقف علاجه على شرب الخمر ، فانه بعد علمه بذلك واستعماله بسوء اختياره لما فيه المهلكة يرشده العقل الى شرب الخمر من باب انه اخف القبيحين ، لان هلاك النفس اشد محذورا من شرب الخمر ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة)) في انه انما يكون مطلوبا على كل حال حيث لا يوقع نفسه باختياره في المهلكة وهو الذي اشار اليه بقوله : ((وانه انما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن الاضطرار اليه بسوء الاختيار)).

واما النحو الثاني : وهو ما كان منهيا عنه وهو شرب الخمر التي اوقع المكلف نفسه باختياره فيما يتوقف علاجه به فهو باق على حرمته ، واليه اشار بقوله : ((وإلّا فهو على ما هو عليه من الحرمة)).

وقد اشار الى انه بعد وقوعه في المهلكة باختياره يرشده العقل الى استعمال الخمر لكونه اقل القبيحين بقوله : ((وان كان العقل يلزمه ارشادا الى ما هو اهم واولى بالرعاية)) وهو حفظ النفس عن الهلاك فانه اولى ((من تركه)) : أي اولى من ترك شرب الخمر.

١٤٩

إليها بالعمد إلى اسبابها ، واختيار تركها بعدم العمد إلى الأسباب ، وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج ، وإن كان لازما عقلا للفرار عمّا هو أكثر عقوبة (١).

______________________________________________________

وقد اشار الى ان النهي ليس بنحو السالبة بانتفاء الموضوع للمكلف قبل تناوله ما ينحصر علاجه بشرب الخمر أو يهلك باستعماله له بقوله : ((فمن ترك الاقتحام فيما يؤدي الى هلاك النفس او شرب الخمر)) بان يترك تناول ذلك الشيء الموجب اما للهلكة التي هي اشد المحذورين او لشرب الخمر الذي هو اقل المحذورين فيرشده العقل الى شرب الخمر ((لئلا يقع في اشد المحذورين منهما)) فمثل هذا وهو الذي يترك الاقتحام فيما يؤدي الى احد هذين المحذورين ((يصدق)) هذا جواب لقوله فمن ترك الاقتحام ، ومعناه ان التارك للاقتحام فيما يؤدي اليهما يصدق في حقه ((انه تركهما ولو بتركه ما لو فعله لادى لا محالة الى احدهما)) فانه قبل اقتحامه يقدر على ترك الوقوع فيما يوجب له احد المحذورين ، وحيث يكون قادرا على ذلك فلا مانع من توجه الخطاب اليه ولا يكون خطابه به بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.

وقد عرفت انه من البعيد جدا الالتزام بعدم عقاب مثل هذا المكلف العالم بان ما يتناوله يسبب له احد المحذورين فيتناوله بسوء اختياره ، فيمكن ان يكون ما استشهد به نقضا عليه ايضا لا مؤيدا لاستدلاله.

(١) هذا هو النقض الثاني ، وحاصله : انه لو كان النهي والعقاب مختصا بالمقدور بلا واسطة لما صح النهي عن الفعل التوليدي ، لانه غير مقدور بلا واسطة وانما هو من المقدور بالواسطة ، ولما صح العقاب عليه مع ان صحة النهي عنه والعقاب عليه من الواضح جدا ، والفعل التوليدي هو المقدور عليه بالقدرة على سببه ولا يكون من الافعال المباشرية ، فالعمد اليه وقصده بالعمد والقصد الى سببه ، فمن القى شخصا في بئر يهلك من وقع فيها يكون الهلاك مسببا عن الوقوع فيها المسبب ذلك الوقوع من الالقاء فيها ، فنفس الهلاك يستند الى الالقاء والالقاء يستند الى فاعله ، فالقصد

١٥٠

ولو سلّم عدم الصدق إلا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ، فهو غير ضائر بعد تمكّنه من الترك ـ ولو على نحو هذه السالبة ـ ومن الفعل بواسطة تمكّنه ممّا هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة ، فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة ، أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر ويتخلّص بالخروج ، أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما ، لئلا يحتاج إلى التخلّص والعلاج (١).

______________________________________________________

والعمد الى الالقاء الموجب للهلاك قصد وعمد الى الهلاك لكنه مع الواسطة لا بلا واسطة هذا ، حاصل النقض.

وفي قول المصنف كسائر الافعال التوليدية اشعار بكون الخروج وشرب الخمر لدفع المهلكة من الافعال التوليدية مع انهما ليسا منها بل هما من الافعال المباشرية ، فان الخروج والشرب يقومان بنفس الفاعل ولكنه يمكن ان لا يكون مراده كون الخروج والشرب من التوليديات ، بل مراده من لفظ سائر هو كل الافعال التوليدية أي ان جميع الافعال التوليدية من المقدور بالواسطة.

فان المقدور بالواسطة على نحوين : تارة يكون مباشريا كالشرب والخروج.

واخرى يكون توليديا كالهلاك المسبب عن الالقاء.

وغرضه ان الافعال التوليدية باجمعها والخروج والشرب يشتركان في انهما يمكن تركهما بترك اسبابهما ، ويدل على هذا قوله في آخر الجملة : ((وان كان لازما عقلا)) ولو كان عنده من التوليديات لقال لازما وقوعا.

(١) قد عرفت ان الخطاب في مثل ترك الخروج بترك الدخول وترك شرب الخمر بترك تناول ما يتوقف دفع مهلكته بشرب الخمر ليس من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، ولو سلمنا ان الخطاب فيه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فصرف كون الخطاب بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ليس مانعا عن توجه الخطاب ، بل المانع عن توجه الخطاب عدم القدرة.

١٥١

فإن قلت : كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعا ومعاقبا عليه عقلا مع بقاء ما يتوقّف عليه على وجوبه ، وسقوط الوجوب مع امتناع المقدّمة المنحصرة ، ولو كان بسوء الاختيار ، والعقل قد استقلّ بانّ الممنوع شرعا كالممتنع عادة أو عقلا (١).

______________________________________________________

ومن الواضح ان ترك شرب الخمر للعلاج وترك الخروج مقدور بترك تناول ما يتوقف دفع مهلكته على الخمر وترك الدخول الموجب لعدم الابتلاء بالبقاء المتوقف تركه على ترك الخروج ، والمقدورية وعدم المقدورية هي السبب في توجه التكاليف لا عنوان كون الخطاب بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، وانما يقال ان التكليف غير متوجه لكونه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع لاعتقاد التلازم بين عدم المقدورية والسالبة بانتفاء الموضوع ، لا أن عنوان السالبة بانتفاء الموضوع هي التي يدور مدارها توجه الخطاب ، والمقدورية ثابتة بالوجدان فلا يضرنا لو سلمنا ان الخطاب بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ولذا قال (قدس‌سره) : ((ولو سلّم عدم الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ولو على نحو هذه السالبة ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة)) فانه من الواضح انه يتمكن ان يتناول ما يتوقف علاجه على شرب الخمر ويتمكن من الدخول للدار المتوقف ترك البقاء فيها على الخروج ويتمكن ايضا ان يترك ما يتوقف علاجه على الخمر وان يترك الدخول لان لا يبتلي بالخروج المتوقف عليه ترك البقاء.

وبعبارة اخرى : انه يستطيع ان يجعل نفسه محتاجا الى التخلص والعلاج ويستطيع ان لا يجعل نفسه محتاجا الى التخلص والعلاج ، والقدرة هي المناط في صحة توجه الخطاب لا عنوان السالبة بانتفاء الموضوع.

(١) حاصله انه قد مرّ من المصنف التصريح بان الامر بترك البقاء باق على وجوبه بعد الدخول بقوله : ((فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته)) : أي مطلوبية ترك البقاء ((قبله وبعده)) : أي قبل الدخول وبعد الدخول والأمر بحفظ النفس ودفع

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المهلكة عنها كذلك ، فالأمر بها باق قبل تناول ما يدفع مهلكته بالخمر وبعد تناول ما يدفع مهلكته بالخمر ، وهو وان لم يصرّح بالثاني إلّا انه حيث كان حفظ النفس عن المهلكة مثل ترك البقاء وشرب الخمر للعلاج مثل الخروج فلا بد وان يكون الأمر بوجوب حفظ النفس ايضا باقيا بعد تناول ما يتوقف علاجه على شرب الخمر ، وحيث التزم بان الأمر بهما باق بعد الدخول وبعد التناول توجه عليه ان قلت : وحاصله :

ان الممنوع عنه شرعا كالممتنع عقلا في عدم صحة توجه الخطاب بشيء يتوقف عليهما ، فكما لا يصح توجه الخطاب لمن القى نفسه من شاهق بعد القائه نفسه ولو بسوء اختياره بانه يجب عليك فعلا دفع هذه المهلكة ، كذلك لا يجوز توجه الخطاب لمن اتلف الدابة المحللة ببقاء الأمر بالحج المتوقف على استعمال الدابة المغصوبة ، مع بقاء حرمة استعمال الدابة المغصوبة على حاله.

بل لا بد عند الانحصار ولو بسوء الاختيار اما من سقوط الخطاب بالوجوب عن الواجب المتوقف وجوده على المحرم مع بقاء حرمته ومبغوضيته ، واما من سقوط الحرمة والمبغوضية عن المحرم الذي يتوقف عليه وجود ذلك الواجب ، فالالتزام ببقاء التكليف بترك البقاء بعد الدخول وبقاء الأمر بحفظ النفس المتوقف على شرب الخمر بعد تناول ما يتوقف علاجه على شرب الخمر مخالف لما هو المسلم من ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا وان كان الانحصار بسوء الاختيار.

وقد اشار الى امتناع التكليف مع الامتناع عقلا وانه لا بد من سقوط التكليف في تلك الحال بقوله : ((ووضوح سقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان بسوء الاختيار)).

والى ان الممنوع شرعا مثل الممتنع عقلا بقوله : ((والعقل قد استقل بان الممنوع شرعا كالممتنع عادة او عقلا)).

والاول كبقاء التكليف بالكون على السطح مع اتلاف السلم ولو بسوء الاختيار.

١٥٣

قلت : أوّلا إنما كان الممنوع كالممتنع ، إذا لم يحكم العقل بلزومه إرشادا إلى ما هو أقلّ المحذورين ، وقد عرفت لزومه بحكمه ، فإنّه مع لزوم الإتيان بالمقدّمة عقلا لا بأس في بقاء ذي المقدّمة على وجوبه ، فإنّه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع ، كما إذا كانت المقدّمة ممتنعة (١).

______________________________________________________

والثاني كالأمر بالوصول الى محل يتوقف على طي المسافة بالأمر بالوصول مشروطا بعدم طيّ المسافة لاستحالة الطفرة عقلا ، كأن يقول المولى لعبده ان اتلفت الدابة المحللة فيجب عليك الوصول الى مناسك الحج من دون قطع المسافة ، ومثل هذين هو بقاء الخطاب بالحج مع بقاء حرمة استعمال الدابة المغصوبة على حاله ولو كان الانحصار بالدابة المغصوبة بسوء اختيار المكلف بان اتلف الدابة المحللة بسوء اختياره.

(١) توضيح هذا الجواب الاول ان المنع عن المقدمة شرعا المتوقف عليها وجود الواجب على نحوين :

فانه تارة لا يكون العقل ملزما باتيان المقدمة المحرمة كما في الاضطرار لا بسوء الاختيار ، فان العقل لا يلزم باتيان المقدمة من باب اقل المحذورين ، والأمر في بقاء المقدمة على حرمتها وارتفاع حرمتها منوط بالشارع ، فانه ان كان الواجب المتوقف عليها اهم منها فلا بد من رفع حرمتها ، وان كانت حرمتها اهم فلا بد من ارتفاع وجوب الواجب المتوقف عليها.

واخرى : كما في المقام وهو ما كان الاضطرار بسوء الاختيار فانه حيث كان للمقدمة فردان فرد ليس فيه ابتلاء بالمحرم وهو الترك بترك الدخول ، والترك بترك ما يتوقف دفع المهلكة فيه على شرب الخمر وكان النهي عنها منجزا ، فاتلاف الفرد المحلل بسوء الاختيار يوجب الوقوع في احد المحذورين ، والعقل يحكم بلزوم اقل المحذورين ، فمع حكم العقل بلزوم اتيان هذا الفرد المحرم وهو الخروج وشرب الخمر للعلاج لا مانع من بقاء الواجب المتوقف على هذه المقدمة وهو وجوب ترك البقاء في

١٥٤

وثانيا لو سلّم ، فالساقط إنّما هو الخطاب فعلا بالبعث والإيجاب لا لزوم إتيانه عقلا ، خروجا عن عهدة ما تنجّز عليه سابقا ، ضرورة أنّه لو لم يأت به لوقع في المحذور الأشدّ ونقض الغرض الأهمّ ، حيث أنّه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبيّة ، بلا حدوث قصور أو طروّ فتور فيه أصلا ، وإنّما كان سقوط الخطاب لأجل المانع ، وإلزام العقل به

______________________________________________________

الدار المغصوبة ووجوب حفظ النفس عن المهلكة ، ولا يكون هذا من مورد كون الممنوع عنه شرعا كالممتنع عقلا ، والى هذا اشار بقوله : ((فانه مع لزوم الاتيان بالمقدمة عقلا لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه ... الى آخر كلامه)).

ولا يخفى ان هذا خلاف ما ظهر منه سابقا من كون النهي عن الخروج يسقط بمجرد الدخول ولكنه يبقى على ما هو عليه من المبغوضية والعقاب عليه ، هذا اولا.

وثانيا : انه ليس الاشكال في بقاء الواجب المتوقف على هذه المقدمة المحرمة على وجوبه من ناحية انه مع كونه واجبا لا بد وان تكون مقدمته واجبة ، ومع حرمتها لا يعقل ان تكون واجبة حتى يكون الجواب بانه في المقام لا تكون واجبة شرعا ويكتفي بامر العقل بلزوم اتيانها لأنها اخف المحذورين.

بل الاشكال هو انه مع بقاء الامر بالواجب على حاله وانحصار توقفه بالمقدمة المعاقب عليها يلزم منه اما التكليف بغير المقدور عليه شرعا لو بقى الأمر به على حاله مع العقاب على مقدمته المنحصرة ، واما ارتفاع حرمة المقدمة وهو خلاف المفروض ، واما سقوط الأمر بالواجب وهو ايضا خلاف ما قلتم من بقاء الأمر بترك البقاء بعد الدخول ، لأن الغرض فيه اهم ولذلك فالاولى هو الجواب الثاني وهو قوله : ((وثانيا لو سلم فالساقط الخ)).

١٥٥

لذلك إرشادا كاف لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والإيجاب له فعلا ، فتدبّر جيّدا (١).

وقد ظهر ممّا حقّقناه فساد القول بكونه مأمورا به ، مع إجراء حكم

______________________________________________________

(١) وحاصله ان الأمر بالواجب ايضا يسقط بعد الدخول كما سقط النهي عن الخروج بعد الدخول ، ويبقى الحال دائرا بين المحذورين فيلزم العقل باتيان اخف المحذورين واقل القبيحين ، وهو فعل المقدمة المبغوضة الساقط الخطاب بها بعد الانحصار بسوء الاختيار لئلا يبتلى بمخالفة المحذور الاشد ، وهو مخالفة الواجب الساقط الأمر به ايضا مع بقاء مخالفته على ما هي عليها من المبغوضية والعقاب ، وبقاء فعله على ما هو عليه من المحبوبية وانه اهم من محذور مبغوضية مقدمته ، ولذا يحكم العقل باتيان هذه المقدمة المبغوضة لانه اقل المحذورين واخف القبيحين.

وقد اشار الى سقوط الخطاب الشرعي وبقاء الأمر العقلي بقوله : ((فالساقط انما هو الخطاب فعلا بالبعث والايجاب لا لزوم اتيانه عقلا)) فان الأمر العقلي بلزوم ترك البقاء واتيان الخروج لم يسقط فيحكم العقل بذلك ((خروجا عن عهده ما تنجز عليه سابقا)) وهو الخطاب الشرعي بترك البقاء قبل ان يدخل الدار ((ضرورة انه لو لم يأت به)) : أي بالخروج ((لوقع في المحذور الاشد و)) لوقع في ((نقض الغرض الاهم حيث انه الآن)) : أي ترك البقاء الساقط الخطاب به بعد الدخول هو باق ((كما كان عليه من الملاك والمحبوبية)) بعد الدخول وان سقط الخطاب به ((وانما كان سقوط الخطاب)) به بعد الدخول ((لأجل المانع)) من بقاء الأمر به مع مبغوضية مقدمته والعقاب عليها ((والزام العقل به لذلك)) : أي بالمحافظة على عدم مخالفة ترك البقاء ((ارشادا)) الى انه اهم من اتيان المخالفة بالخروج ((كاف)) عن الخطاب والأمر الشرعي به ((لا حاجة معه)) : أي مع الالزام العقلي ((الى بقاء الخطاب بالبعث اليه)) : أي الى ترك البقاء ((والايجاب له)).

١٥٦

المعصية عليه نظرا إلى النهي السابق (١) ، مع ما فيه من لزوم اتّصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة (٢) ، ولا يرتفع غائلته باختلاف

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان ما نسب الى الشيخ في التقريرات من كون الخروج مأمورا به وليس بمنهي عنه قبل الدخول هو القول الثالث في عبارة المصنف المشيرة الى نقل الاقوال ولما فرغ منه شرع في ذكر القول الثاني في عبارته.

والجواب عنه : وهو ان الخروج يقع مأمورا به بعد الدخول ويجري عليه حكم المعصية والعقاب أي يعاقب عليه لأجل النهي السابق عنه وهو ما قبل الدخول ، وان كان بعد الدخول يسقط النهي السابق ويأمر به المولى لتوقف التخلص عن البقاء عليه ، فهو مع كونه مأمورا به بعد الدخول يعاقب عليه لأجل النهي السابق عنه المقدور امتثاله بترك الدخول.

وقد ظهر من الكلام مع التقريرات ان الخروج باق على ما هو عليه من المبغوضية وان سقط عنه خطاب النهي بالدخول ، وانه لا يعقل الأمر به لكونه مقدمة للواجب الذي هو ترك البقاء لعدم الأمر بعد الدخول بترك البقاء ايضا ، مضافا الى ما عرفت في الهامش : من كون الخروج ليس مقدمة للتخلص وليس هو ايضا مصداقا للتخلص الواجب كما مرّ مفصلا ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأمورا به)) واما اجراء حكم المعصية عليه نظرا الى النهي السابق فهذا صحيح وهو المختار له (قدس‌سره).

(٢) هذا ايراد آخر على هذا القول ، وحاصله :

انه مع التزام هذا القائل بكون الخروج منهيا عنه قبل الدخول ومأمورا به بعد الدخول يلزمه ان يكون الخروج الذي ليس له الّا زمان واحد مأمورا به ومنهيا عنه.

وبعبارة اوضح : ان الخروج عنوان لفعل ظرف زمان تحققه بعد الدخول وليس له إلّا هذا الزمان فالنهي المتعلق به قبل الدخول هو نهي عن ايجاد الخروج في ظرف زمانه المختص به ، فاذا كان هذا الفعل الذي ليس لتحققه زمان الا هذا الزمان

١٥٧

زمان التحريم والإيجاب ، قبل الدخول وبعده ـ كما في الفصول ـ مع اتّحاد زمان الفعل المتعلّق لهما ، وإنّما المفيد اختلاف زمانه ولو مع اتّحاد زمانهما ، وهذا أوضح من أن يخفى (١) ، كيف ولازمه وقوع الخروج بعد

______________________________________________________

مأمورا به بعد الدخول كان هذا التزاما بان الشيء الواحد بعنوانه الخاص في زمان واحدا مأمورا به ومنهيا عنه ، وهذا لا يلتزم به حتى القائل بالجواز لانه من اجتماع الحكمين المتضادين في واحد بعنوان واحد له زمان واحد.

نعم لو كان للخروج زمانان لأمكن ان يكون منهيا عنه باحد الزمانين ومأمورا به بالزمان الآخر ، لكنه من الواضح انه ليس للخروج إلّا زمان واحد وهو الزمان الذي له بعد الدخول ، فهو قبل الدخول منهي عنه في هذا الزمان وبعد الدخول مأمور به في هذا الزمان.

(١) حاصله : ان صاحب الفصول دفع هذا الايراد بكون الخروج متعلقا للنهي والأمر في زمانين لا في زمان واحد ، فانه متعلق للنهي قبل الدخول ويكون متعلقا للأمر بعد الدخول ، ومن الواضح ان زمان النهي غير زمان الأمر.

والجواب عنه : ان المفيد في رفع تضاد الحكمين المتعلقين بواحد اختلاف زمان ذلك الواحد الذي وقع متعلقا للحكمين ، لا اختلاف زمان الحكمين مع وحدة زمان المتعلق لهما ، فانه ان كان للمتعلق زمان واحد فالنهي المتعلق به متعلق بطلب تركه في ذلك الزمان والأمر المتعلق به متعلق بطلب وجوده في ذلك الزمان ، فيقع التضاد بينهما في طلب تركه وطلب وجوده في زمان واحد ، وقد عرفت انه ليس للخروج إلّا زمان واحد.

نعم الحكمان بانفسهما أي طلب الترك وهو النهي وطلب الوجود وهو الأمر قد وقعا في زمانين لان النهي زمانه قبل الدخول والأمر زمانه بعد الدخول ، لكن المتعلق لهما وهو الخروج ليس له الّا زمان واحد ، والنافع في رفع التضاد بين الحكمين المتعلقين بواحد هو اختلاف زمان ذلك الواحد الذي وقع متعلقا لهما لا اختلاف

١٥٨

الدخول عصيانا للنهي السابق ، وإطاعة للأمر اللاحق فعلا ، ومبغوضا ومحبوبا كذلك بعنوان واحد (١) ، وهذا مما لا يرضى به القائل بالجواز ، فضلا عن القائل بالامتناع (٢).

______________________________________________________

زمان نفس الحكمين ، فان الغالب في الحكمين الصادرين من شخص واحد هو اختلاف الزمان فيهما اذا كانا صادرين منه بتوسط انشائهما باللفظ لتدرج اللفظ في مقام الوجود ، فالزمان الذي يقع فيه انشاء النهي غير الزمان الذي يقع فيه انشاء الأمر.

والحاصل : ان المفيد في رفع التضاد بين الحكمين المتعلقين بواحد هو اختلاف زمان ذلك الواحد وان اتحد زمان الحكمين ، كما لو امر بانشاء الأمر باللفظ ونهى بانشائه بالاشارة في زمان انشاء الأمر ، ولكن كان متعلق الأمر ـ مثلا ـ اكرام زيد اليوم والنهي قد تعلق بالمنع عن اكرامه في غد ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((انما المفيد اختلاف زمانه)) : أي زمان المتعلق ((ولو مع اتحاد زمانهما)) أي زمان الحكمين.

(١) حاصله انه لو كان اختلاف زمان نفس الحكمين نافعا في رفع التضاد مع اتحاد زمان المتعلق لهما لجاز ان يكون الخروج المنحصر زمانه بكونه بعد الدخول مبغوضا ومحبوبا : أي لازم ذلك ان يكون الخروج بما هو خروج له وجود واحد واقع في زمان واحد مبغوضا وجوده في ذلك الزمان ومحبوبا وجوده في ذلك الزمان ، لانه باعتبار تعلق النهي السابق به يكون مبغوضا وجوده في زمانه ، وباعتبار تعلق الأمر به بعد الدخول يكون وجوده محبوبا ايضا في نفس ذلك الزمان ، والمفروض انه ليس له إلّا عنوان واحد وهو كونه خروجا عن الدار المغصوبة.

(٢) فان القائل بالجواز انما يرى الجواز لتعدد العنوان المتعلق للأمر والنهي لا لتعدد زمان الأمر والنهي مع وحدة العنوان المتعلق لهما واتحاد زمانه.

١٥٩

كما لا يجدي في رفع هذه الغائلة كون النهي مطلقا وعلى كلّ حال وكون الأمر مشروطا بالدخول ، ضرورة منافاة حرمة شيء كذلك مع وجوبه في بعض الاحوال (١).

وأما القول بكونه مأمورا به ومنهيّا عنه ، ففيه ـ مضافا إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين ، فضلا عمّا إذا كان بعنوان واحد كما في المقام ، حيث كان الخروج بعنوانه سببا للتخلّص ، وكان بغير إذن المالك ، وليس التخلص إلّا منتزعا عن ترك الحرام المسبّب عن الخروج ، لا عنوانا له ـ أنّ الاجتماع هاهنا لو سلّم أنّه لا يكون بمحال ، لتعدّد العنوان ، وكونه مجديا في رفع غائلة التضادّ ، كان محالا ، لأجل كونه طلب المحال ، حيث لا مندوحة هنا ، وذلك لضرورة عدم صحّة

______________________________________________________

(١) حاصله : انه مع وحدة المتعلق ووحدة زمانه لا يعقل ان يكون متعلقا للأمر والنهي مع اختلاف زمانهما فان تعدد زمانهما لا يرفع غائلة اجتماع الحكمين المتضادين ، وكما ان اختلاف زمانهما لا يرفع الغائلة كذلك اختلاف المتعلق من حيث الاطلاق والتقييد ايضا لا يرفع الغائلة : بان يلتزم بان متعلق النهي هو الخروج مطلقا وفي أي حال قبل الدخول وبعد الدخول ، ومتعلق الأمر هو الخروج المشروط بكونه بعد الدخول أي المتقيد بكونه بعد الدخول ، فان الخروج المتعلق للنهي المطلق الشامل لتركه قبل الدخول ولو بترك الدخول ولتركه بعد الدخول لا يعقل ان يجتمع هذا النهي المطلق مع فرض بقاء الاطلاق فيه بحاله مع الأمر بالخروج بعد الدخول ، لوضوح وقوع التضاد والمنافاة بين النهي المتعلق بشيء واحد في جميع احواله ، وبين الأمر بذلك الواحد في بعض احواله ، فان ذلك البعض يكون مجمعا للأمر والنهي المفروض تعلقهما بواحد بعنوان واحد والى هذا اشار بقوله : ((ضرورة منافاة حرمة شيء كذلك)) : أي حرمة مطلقة شاملة لجميع احواله ((مع وجوبه)) : أي مع وجوب ذلك الواحد ((في بعض الاحوال)).

١٦٠